الشورى في الإمامة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الشورى في الإمامة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-262-8
الصفحات: ٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

٢



دليل الكتاب :

مقدّمة المركز ....................................................  ٥

تمهيد ............................................................  ٧

الإمامة بيد الله سبحانه وتعالىٰ ......................................  ٩

إمامة أبي بكر لم تكن بالشورى ..................................  ١٥

إمامة عمر لم تكن بالشورى .....................................  ١٧

متى طرحت فكرة الشورى ......................................  ٢٥

بعض جزئيات طرح فكرة الشورى ...............................  ٣٥

تطبيق عمر لفكرة الشورى ......................................  ٤٣

٣
٤



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلىٰ تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمىٰ السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلىٰ اتّخاذ منهج ينتظم علىٰ عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي علىٰ أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً علىٰ الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول علىٰ أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلىٰ شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها علىٰ المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتىٰ أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها علىٰ شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالىٰ أن يناله بأحسن قبوله.



مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

٦



بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

تبيّن إلىٰ الآن أنّ الإمامة نيابة عن النبوة ، والإمام نائب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكما أنّ النبوّة والرسالة تثبت للنبي والرسول من قبل الله سبحانه وتعالىٰ ، كذلك الإمامة ، فإنّها خلافة ونيابة عن النبوّة والرسالة ، فنحن إذن بحاجة إلىٰ جعل إلهي ، إلىٰ تعريفٍ من الله سبحانه وتعالىٰ ، إلىٰ تعيين من قبله بالنصّ ، ليكون الشخص نبيّاً ورسولاً ، أو ليكون إماماً بعد الرسول ، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة ، ولو رجعنا إلى العقل ، فالعقل يعطينا الملاك ، ويقبّح تقديم المفضول علىٰ الفاضل ، وعن هذا الطريق أيضاً يستدلّ للإمامة والولاية والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وثبت إلىٰ الآن أن لا طريق لتعيين الإمام إلاّ النص ، وأن بيعة

٧

شخص أو شخصين أو أشخاص وأمثال ذلك ، هذه البيعة لا تثبت الإمامة للمبايع له ، وعن طريق النص والأفضليّة أثبتنا إمامة أمير المؤمنين والأئمّة الأطهار أيضاً من بعده.

وتبقىٰ نظرية ربّما تطرح في بعض الكتب وفي بعض الأوساط العلميّة والفكريّة ، وهي نظرية الشورىٰ ، بأن تثبت الإمامة لشخص عن طريق الشورىٰ.

وموضوع الشورىٰ موضوع بحثنا في هذه الليلة ، لنرىٰ ما إذا كان لهذه النظرية مستند ودليل من الكتاب والسنّة وسيرة رسول الله ، أوأنّها نظرية لا سند لها من ذلك.

وبحثنا موضوعه الشورىٰ في الإمامة أو الإمامة في الشورىٰ.

وأمّا الشورىٰ والمشورة والتشاور في الأُمور ، وفي القضايا الخاصّة أو العامّة ، والأُمور الإجتماعيّة ، وفي حلّ المشاكل ، فذلك أمر مستحسن مندوب شرعاً وعقلاً وعقلاءاً ، لأنّ من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم ، والإنسان إذا احتاج إلىٰ رأي أحد احتاج إلىٰ مشورة من عاقل ، ففي القضايا الشخصية لابدّ وأن يبادر ويشاور ، وهذه سيرة جميع العقلاء ، وكلامنا في الشورىٰ في الإمامة ، أو فقل الإمامة في الشورىٰ :

٨



الإمامة بيد الله سبحانه وتعالىٰ

إنّه وإنْ أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين سلام الله عليه قبل هذا العالَم ، أخبرنا بأنّ الإمامة والوصاية والخلافة من بعده ثابتة لعلي ، هذا الثبوت قبل هذا العالم كان لأمير المؤمنين ، كما ثبتت النبوة والرسالة لرسول الله قبل هذا العالم ... أخبرنا رسول الله عن هذا الموضوع في حديث النور ، هذا الحديث في بعض ألفاظه : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالىٰ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم ، قسّم ذلك النور جزئين ، فجزءٌ أنا وجزء علي ».

هذا الحديث من رواته :

١ ـ أحمد بن حنبل ، في كتاب المناقب.

٢ ـ أبو حاتم الرازي.

٣ ـ ابن مردويه الإصفهاني.

٩

٤ ـ أبو نعيم الإصفهاني.

٥ ـ ابن عبد البر القرطبي.

٦ ـ الخطيب البغدادي.

٧ ـ ابن عساكر الدمشقي.

٨ ـ عبد الكريم الرافعي القزويني ، الإمام الكبير عندهم.

٩ ـ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني.

وجماعة غير هؤلاء ، يروون هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بواسطة عدّة من الصحابة ، وبأسانيد بعضها صحيح (١).

وقد اشتمل بعض ألفاظ هذا الحديث علىٰ قوله : « فجعل فيّ النبوّة وفي علي الخلافة » (٢) ، وفي بعضها : « فجعل فيّ الرسالة وفي علي الوصاية » (٣).

__________________

(١) مناقب علي لأحمد بن حنبل ، وعنه المحبّ الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٢١٧ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٤٦ ، ورواه الحافظ الكنجي في الكفاية : ٣١٤ عن ابن عساكر والخطيب البغدادي ، وانظر : ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ١ / ١٣٥ ، ونظم درر السمطين : ٧٨ ـ ٧٩ ، وفرائد السمطين ١ / ٣٩ ـ ٤٤ ، والمناقب للخوارزمي : ٨٨ ، والمناقب لابن المغازلي ٨٧ ـ ٨٩.

(٢) رواه الديلمي في فردوس الأخبار ، وابن المغازلي في المناقب ، وغيرهما من الأعلام.

(٣) رواه جماعة ، منهم : ابن المغازلي في المناقب.

١٠

لكن كلامنا في هذا العالم ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر عن أنّ الإمامة إنّما هي بيد الله سبحانه وتعالىٰ ، الإمامة حكمها حكم الرسالة والنبوّة كما ذكرنا ، ففي أصعب الظروف وأشدّ الأحوال التي كان عليها رسول الله في بدء الدعوة الإسلاميّة ، عندما خوطب من قبل الله سبحانه وتعالىٰ بقوله : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ ) (١) جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض نفسه على القبائل العربية ، ففي أحد المواقف حيث عرض نفسه علىٰ بعض القبائل العربيّة ودعاهم إلىٰ الإسلام ، طلبوا منه واشترطوا عليه أنّهم إنْ بايعوه وعاونوه وتابعوه أن يكون الأمر من بعده لهم ، ورسول الله بأشدّ الحاجة حتىٰ إلى المعين الواحد ، حتّىٰ إلىٰ المساعد الواحد ، فكيف وقبيلة عربيّة فيها رجال ، أبطال ، عدد وعُدّة ، في مثل تلك الظروف لمّا قيل له ذلك قال : « الأمر إلىٰ الله ... » ولقد كان بإمكانه أن يعطيهم شبه وعد ، ويساومهم بشكل من الأشكال ، لاحظوا هذا الخبر :

يقول ابن إسحاق صاحب السيرة ـ وهذا الخبر موجود في سيرة ابن هشام ، هذا الكتاب الذي هو تهذيب أو تلخيص لسيرة ابن إسحاق ـ : إنّه ـ أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أتىٰ بني عامر بن صعصعة فدعاهم

__________________

(١) سورة الحجر : ٩٤.

١١

إلىٰ الله عزّوجلّ ، وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم ويقال له بحيرة بن فراس قال : والله لو أنّي أخذت هذا الفتىٰ من قريش لأكلت به العرب ، ثمّ قال : أرأيت إنْ نحن بايعناك علىٰ أمرك ، ثمّ أظهرك الله علىٰ من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : « الأمرُ إلى الله يضعه حيث يشاء » ، فقال له : أفتهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه (١).

وفي السيرة الحلبية : وعرض علىٰ بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة فقال له رجل منهم : أرأيت إنْ نحن بايعناك علىٰ أمرك ثمّ أظفرك الله علىٰ من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ فقال : « الأمر إلىٰ الله يضعه حيث شاء » ، فقال له : أنقاتل العرب دونك ، وفي رواية : أفتهدف نحورنا للعرب دونك ، أي نجعل نحورنا هدفاً لنبالهم ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه (٢).

هذا ، والرسول ـ كما أشرت ـ في أصعب الأحوال وأشدّ الظروف ، وكلّ العرب وعلى رأسهم قريش يحاربونه ويؤذونه بشتّىٰ أنواع الأذىٰ ، يقول : « الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء » ، وهذا

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١ / ٤٢٤.

(٢) السيرة الحلبيّة ٢ / ١٥٤.

١٢

معنىٰ قوله تعالىٰ : ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (١).

ولو راجعتم الآيات الكريمة الواردة في نصب الأنبياء ، غالباً ما تكون بعنوان « الجعل » وما يشابه هذه الكلمة ، لاحظوا قوله تعالى : ( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) (٢) هذا في خطابٍ لإبراهيم عليه‌السلام ، وفي خطاب لداود : ( إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ ) (٣).

ومن هذه الآية يستفاد أنّ الحكم بين الناس حكم من أحكام النبوّة والرسالة ( إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاْرْضِ فَاحْكُمْ ) الحكم من أحكام الخلافة ، وليست الخلافة هي الحكومة ، وقد أشرت إلىٰ هذا من قبل في بعض البحوث ، الخلافة ليست الحكومة ، وإنّما الحكومة شأن من شؤون الخليفة ، تثبت الخلافة لشخص ولا يتمكّن من الحكومة علىٰ الناس ولا يكون مبسوط اليد ولا يكون نافذ الكلمة ، إلاّ أنّ خلافته محفوظة.

وإذا كانت الآيات دالّة علىٰ أنّ النبوّة والإمامة إنّما تكون بجعل من الله سبحانه وتعالىٰ ، فهناك بعض الآيات تنفي أن تكون النبوّة

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٤.

(٢) سورة البقرة : ١٢٤.

(٣) سورة ص : ٢٦.

١٣

والإمامة بيد الناس ، كقوله تعالىٰ : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وتعالىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١) ، وذيل الآية ربّما يؤيّد هذا المعنىٰ ، إنّ القول باشتراك الناس وبمساهمتهم وبدخلهم في تعيين النبوّة لأحدٍ أو تعيين الإمامة لشخص ، هذا نوع من الشرك ، وإلىٰ الآن نرىٰ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّح بأنّ الأمر بيد الله ، أي ليس بيد النبي ، فضلاً عن أن يكون بيد أحدٍ أو طائفة من الناس.

حتّى إذا أُمر بإنذار عشيرته بقوله تعالىٰ : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٢) فجمع أقطابهم ، فهناك أبلغ الناس بأن الجعل بيد الله ، وأخبرهم بالذي حصل الجعل له من الله من بعده (٣).

وهكذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينصّ علىٰ علي ، وإلىٰ آخر لحظة من حياته المباركة.

ولم نجد ، لا في الكتاب ولا في سنّة رسول الله دليلاً ولا تلميحاً وإشارةً إلىٰ كون الإمامة بيد الناس ، بأن ينصبوا أحداً عن طريق الشورىٰ مثلاً ، أو عن طريق البيعة والإختيار ، ولا يوجد أيّ دليل علىٰ ثبوت الإمامة بغير النصّ.

__________________

(١) سورة القصص : ٦٨.

(٢) سورة الشعراء : ٢١٤.

(٣) تقدّم الكلام على حديث الدار.

١٤



إمامة أبي بكر لم تكن بالشورى

توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل أمر الخلافة والإمامة إلىٰ ما آل إليه ، تفرّق الناس بعد رسول الله ، وبدأ الاختلاف والافتراق بين الأُمّة.

توفي رسول الله وجنازته علىٰ الأرض ، طائفة من المهاجرين والأنصار في بيوتهم ، بعضهم مع علي حول جنازة رسول الله ، وبعض الأنصار اجتمعوا في سقيفتهم ، ثمّ التحق بهم عدد قليل من المهاجرين ، فوقع هناك ما وقع ، وكان ما كان ، وأسفرت القضيّة عن البيعة لأبي بكر ، ولم يدّع أحد أنّ هذه البيعة كانت عن طريق الشورىٰ ، ولم يكن هناك ـ في السقيفة ـ أيّ شورىٰ ، بل كان الصياح والسبّ والشتم ، والتدافع والتنازع ، حتّىٰ كاد سعد بن عبادة ـ وهو مسجّىٰ ـ بينهم يموت أو يقتل بين أرجلهم.

وحينئذ جاء عنوان البيعة إلىٰ جنب عنوان النص ، فإذا راجعتم

١٥

الكتب الكلاميّة عند القوم قالوا : بأنّ الإمامة تثبت إمّا بالنص وإمّا بالبيعة والإختيار. عندما تحقّق هذا الشيء وبهذا الشكل ، جعلوا الاختيار والبيعة طريقاً لتعيين الإمام كالنص.

أمّا عنوان الشورىٰ فلم يتحقّق في السقيفة أصلاً ، ولم نسمع من أحد أن يدّعي أنّ القضيّة كانت عن طريق الشورىٰ ، وأنّ إمامة أبي بكر ثبتت عن طريق الشورىٰ ، لا يقوله أحد ولو قاله لما تمكّن من إقامة الدليل والبرهان علىٰ ما يقول.

وكما ذكرت في البحوث السابقة ، حتّىٰ في قضيّة أبي بكر ، عندما فشل القوم ولم يتمكّنوا من إثبات إمامته عن طريق البيعة والإختيار ، حيث ادّعوا الإجماع علىٰ إمامته ولم يتمكّنوا من إثبات ذلك ، عادوا واستدلّوا لإمامة أبي بكر بالنص ، وقد قرأنا بعض الأحاديث وآية أو آيتين ، يستدلّون بها علىٰ إمامة أبي بكر ، مع الجواب عنها تفصيلاً.

وحينئذ يظهر أنّ البيعة والاختيار أيضاً لا يمكن أن يكون دليلاً علىٰ ثبوت إمامة وتعيين إمام.

١٦



إمامة عمر لم تكن بالشورى

ثمّ أراد أبو بكر أنْ ينصب من بعده عمر بن الخطّاب ، وإلىٰ آخر أيّام أبي بكر ، لم يكن عنوان الشورىٰ مطروحاً عند أحد ، ولم نسمع ، حتّىٰ إذا أوصىٰ أبو بكر بعمر بن الخطّاب من بعده ، كما يروي القاضي أبو يوسف الفقيه الكبير في كتاب الخراج (١) يقول : لمّا حضرت الوفاة أبا بكر ، أرسل إلىٰ عمر يستخلفه ، فقال الناس : أتستخلف علينا فظّاً غليظاً ، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ ، فماذا تقول لربّك إذا لقيته ولقد استخلفت علينا عمر ؟ قال : أتخوّفوني ربّي ! أقول : اللهمّ أمّرت خير أهلك.

هذا النصّ يفيدنا أمرين :

الأمر الأوّل : إنّ إمامة عمر بعد أبي بكر لم تكن بشورىٰ ، ولا

__________________

(١) كتاب الخراج : ١١.

١٧

بنص ، ولم تكن باختيار ، وأقصد من النص النص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إذن ، لم يكن لإمامة عمر نص من رسول الله ، ولم تكن شورىٰ من المسلمين ، وإنّما يدّعي أبو بكر الأفضليّة لعمر ، يقول للمعترضين : أقول : اللهمّ أمّرت خير أهلك ، والأفضليّة طريق ثبوت الامام ، فهذا النص الذي قرأناه لا دلالة فيه علىٰ تحقّق الشورىٰ فحسب ، بل يدلّ علىٰ مخالفة الناس ومعارضتهم لهذا الذي فعله أبو بكر وهو الأمر الثاني.

وهذا النص بعينه موجود في : المصنَّف لابن أبي شيبة ، وفي الطبقات الكبرى (١) ، وغيرهما (٢).

أمّا لو راجعنا المصادر لوجدنا في بعضها بدل كلمة : الناس ، جملة : معشر المهاجرين.

ففي كتاب إعجاز القرآن للباقلاني ، وكتاب الفائق في غريب الحديث للزمخشري ، وكذا في غيرهما : عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت علىٰ أبي بكر في علّته التي مات فيها ، فقلت : أراك بارئاً يا خليفة رسول الله ؟ فقال : أمّا إنّي علىٰ ذلك لشديد الوجع ،

__________________

(١) الطبقات لابن سعد ٣ / ١٩٩ ، ٢٧٤.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٦١٧ ـ ٦٢٠ ، الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة ١ / ٢٣٧.

١٨

وما لقيتُ منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عَلَيّ من وجعي ! إنّي ولّيت أُموركم خيركم في نفسي ، فكلّكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ، والله لتتخذنّ نضائد الديباج وستور الحرير ... إلىٰ آخر الخبر (١).

أي إنّكم يا معاشر المهاجرين تريدون الخلافة ، وكلّ منكم يريدها لنفسه ، لأجل الدنيا ، ويخاطب بهذا أبو بكر المهاجرين ، بدل كلمة الناس في النص السابق.

فقال له عبد الرحمن : خفّض عليك يا خليفة رسول الله ، ولقد تخلّيت بالأمر وحدك ، فما رأيت إلاّ خيراً.

من هذا الكلام نفهم أمرين أيضاً :

الأمر الأوّل : إنّه كان هذا الشيء من أبي بكر وحده ، فقد تخلّيت بالأمر وحدك.

الأمر الثاني : أنّ عبدالرحمن بن عوف موافق لما فعله أبو بكر.

ثمّ جاء في بعض الروايات اسم علي وطلحة بالخصوص ، لاحظوا : قالت عائشة : لمّا حضرت أبا بكر الوفاة ، استخلف عمر ، فدخل عليه علي وطلحة فقالا : من استخلفت ؟ قال : عمر ، قالا :

__________________

(١) إعجاز القرآن للباقلاني ـ هامش الإتقان ـ : ١٨٤ ، الفائق في غريب الحديث ١ / ٤٥ ، أساس البلاغة ، النهاية في غريب الحديث ، لسان العرب ، في مادة « ورم ».

١٩

فماذا أنت قائل لربّك ؟ قال : أقول استخلفت عليهم خير أهلك.

ففي نصّ كلمة : الناس ، وفي نصّ كلمة : معشر المهاجرين ، وفي نصّ : علي وطلحة ، هذا النص في الطبقات (١).

لكن بعضهم ينقل نفس الخبر ويحذف الاسمين ، ويضع بدلهما فلان وفلان ، والخبر أيضاً بسند آخر في الطبقات.

وفي رواية أُخرىٰ : سمع بعض أصحاب النبي بدخول عبد الرحمن وعثمان علىٰ أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا علىٰ أبي بكر فقال قائل منهم ... إلىٰ آخر الخبر.

ونفهم من هذا النص أمرين :

الأمر الأول : إنّ أبا بكر لم يشاور أحداً في هذا الأمر ، ولم يعاونه أحد ولم يساعده ويوافقه أحد ، إلاّ عبد الرحمن بن عوف وعثمان فقط.

الأمر الثاني : إنّ بعض الأصحاب ـ بدون اسم ـ دخلوا حين كان قد اختلا بهما ـ بعبد الرحمن وبعثمان ـ قال قائلهم له : ماذا تقول لربّك ... إلىٰ آخر الخبر.

فالمستفاد من هذه النصوص أُمور ، من أهمّها أمران :

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٢٧٤.

٢٠