الشورى في الإمامة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الشورى في الإمامة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-262-8
الصفحات: ٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

طلحة بن عبيدالله ، أخرجه البزّار ، قرأنا هذا من شرح البخاري لابن حجر ، ثمّ ذكر قال بعض الناس لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلاناً ، يعنون طلحة بن عبيدالله ، ونقل ابن بطّال عن المهلّب أنّ الذي عنوا أنّهم يبايعونه رجل من الأنصار ، ولم يذكر مستنده وهذه إضافة في شرح القسطلاني.

وأمّا إذا راجعتم شرح الكرماني ، فلم يتعرّض لشيء من هذه القضايا أصلاً ، وإنّما ذكر أنّ كلمة « لو » حرف يجب أن تدخل علىٰ فعل فلماذا دخلت لو علىٰ حرف آخر « لو قد مات » ، لماذا كلمة « لو » التي هي حرف دخلت علىٰ « قد » التي هي حرف ؟ « لو » يجب أن تدخل علىٰ فعل ، فلماذا دخلت علىٰ حرف ؟ هذا ما ذكره الكرماني في شرح الحديث ، وكأنّه ليس هناك شيء أبداً.

وأمّا صاحبنا العيني ـ هذا العيني دائماً يتعقّب ابن حجر العسقلاني ، لأنّ العسقلاني شافعي ، والعيني حنفي ، وبين الشوافع والحنفيّة خاصّةً في المسائل الفقهيّة خلاف شديد ونزاعات كثيرة ـ يتعقّب العيني دائماً ابن حجر العسقلاني ، ولكن ليس هنا أيّ تعقيب ، وحتّىٰ أنّه لم يتعرّض للحديث الذي ذكره ابن حجر العسقلاني ، وإنّما ذكر رأي غيره فلم يذكر شيئاً عن ابن حجر العسقلاني أصلاً ، وإنّما جاء في شرح العيني : قوله : لو قد مات

٤١

عمر ، كلمة قد مقحمة ، لأنّ لو يدخل علىٰ الفعل ، وقيل قد في تقدير الفعل ، ومعناه لو تحقّق موت عمر. قوله لقد بايعت فلاناً ، يعني طلحة بن عبيدالله ، وقال الكرماني : هو رجل من الأنصار ، كذا نقله ابن بطّال عن المهلّب ، لكن لم يذكر مستنده في ذلك. وهذا غاية ما ذكره العيني في شرح البخاري.

فإلىٰ الآن ، عرفنا لماذا طرحت فكرة الشورىٰ ؟ وكيف طرحت ؟ طرحت مع التهديد بالقتل ، بقتل المبايع والمبايَع ، وللكلام بقيّة.

٤٢



تطبيق عمر لفكرة الشورى

بعد أن أعلن عمر عن هذه الفكرة ، لابدّ وأنْ يطبّقها ، إلاّ أنّه يريد عثمان من أوّل الأمر ، وقد بنىٰ علىٰ أن يكون من بعده عثمان ، غير أنّه من أجل التغلّب علىٰ الآخرين ومنعهم من تنفيذ مشروعهم ، طرح فكرة الشورىٰ وهدّدهم بالقتل لو بايعوا من يريدونه ولا يريد عمر.

إذن لا بدّ في مقام التطبيق من أن يطبّق الشورىٰ ، بحيث تنتهي إلىٰ مقصده ، وهي مع ذلك شورىٰ !

فجعل الشورىٰ بين ستّة عيّنهم هو ، لا يزيدون ولا ينقصون ، علىٰ أن يكون الخليفة المنتخب واحداً من هؤلاء فقط ، ولو اتّفق أكثرهم علىٰ واحد منهم وعارضت الأقليّة ضربت أعناقهم ، ولو اتّفق ثلاثة منهم علىٰ رجل وثلاثة علىٰ آخر كانت الكلمة لمن ؟ لعبد الرحمن بن عوف ، ومن خالف قتل ، ومدّة المشاورة ثلاثة

٤٣

أيّام ، فإن مضت ولم يعيّنوا أحداً قتلوهم عن آخرهم ، وصهيب الرومي هو الرقيب عليهم ، وهناك خمسون رجل واقفون بأسيافهم ، ينتظرون أن يخالف أحدهم فيضربوا عنقه بأمر من عبد الرحمن بن عوف.

وفي التواريخ والمصادر كالطبقات وغير الطبقات ، جعل الأمر بيد عبد الرحمن بن عوف ، لكن عبد الرحمن بن عوف لابدّ وأن يدبّر القضيّة بحيث تطبّق كما يريد عمر بن الخطّاب وكما اتفق معه عليه ، إنّه يعلم رأي علي في خلافة الشيخين ، ويعلم مخالفة علي لسيرة الشيخين ، فجاء مع علمه بهذا ، واقترح علىٰ علي أن يكون خليفة علىٰ أن يسير بالناس علىٰ الكتاب والسنّة وسيرة الشيخين ، يعلم بأنّ عليّاً سوف لا يوافق ، أمّا عثمان فسيوافق في أوّل لحظة ، فطرح هذا الامر علىٰ علي ، فأجاب علي بما كان يتوقّعه عبد الرحمن ، من رفض الالتزام بسيرة الشيخين ، وطرح الأمر علىٰ عثمان فقبل عثمان ، أعادها مرّةً ، مرّتين ، فأجابا بما أجابا أوّلاً.

فقال علي لعبد الرحمن : أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عنّي.

فبايع عبد الرحمن عثمان.

فقال علي لعبد الرحمن : والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك أو عليك.

٤٤

فقال له : بايع وإلاّ ضربت عنقك.

فخرج علي من الدار.

فلحقه القوم وأرجعوه حتّىٰ ألجأوه علىٰ البيعة.

وهكذا تمّت البيعة لعثمان طبق القرار ، ولكن هل بقي عثمان علىٰ قراره مع عبد الرحمن ؟ إنّه أرادها لبني أُميّة ، يتلقّفونها تلقّف الكرة ، فثار ضدّ عثمان كلّ أُولئك الّذين كانوا في منى وعلى رأسهم طلحة والزبير ، اللذين كانت لهما اليد الواسعة الكبيرة العالية في مقتل عثمان ، لأنّهما أيضاً كانا يريدان الأمر ، وقد قرأنا في بعض المصادر أنّ بعض القائلين قالوا لو مات عمر لبايعنا طلحة ، وطلحة يريدها وعائشة أيضاً تريدها لطلحة ، ولذا ساهمت في الثورة ضدّ عثمان.

أمّا عبد الرحمن بن عوف ، فهجر عثمان وماتا متهاجرين ، أي لا يكلّم أحدهما الآخر حتّىٰ الموت ، لأنّ عثمان خالف القرار ، وقد تعب له عبد الرحمن بأكثر ما أمكنه من التعب ، وراجعوا المعارف لابن قتيبة ، فيه عنوان المتهاجرون ، أي الذين انقطعت بينهم الصلة وحدث بينهم الزَعَل بتعبيرنا ، ومات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان.

وهكذا كانت الشورىٰ ، فكرة لحذف علي.

٤٥

كما أنّ معاوية طالب بالشورىٰ عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والأنصار معه ، طالب بالشورىٰ ، لماذا ؟ لحذف علي ، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر ، ولكنّ عليّاً كتب إليه : إنّما الشورىٰ للمهاجرين والأنصار ، وأنت لست من الأنصار وهذا واضح ، ولست من المهاجرين ، لأنّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح ، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح ، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الأُسلوب لحذف علي ، ولكنّه ما أفلح.

وكلّ من يطرح فكرة الشورىٰ ، يريد حذف النص ، كلّ من يطرح الشورىٰ في كتاب ، في بحث ، في مقالة ، في خطابة ، يريد حذف علي ، لا أكثر ولا أقل.

وصلّىٰ الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين.

٤٦