تفضيل الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام

السيّد علي الحسيني الميلاني

تفضيل الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-264-4
الصفحات: ٣٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

٢



دليل الكتاب :

مقدّمة المركز ....................................................  ٥

تمهيد ............................................................  ٧

المساواة بين أمير المؤمنين عليه‌السلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .........................  ٩

تشبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام بالأنبياء عليهم‌السلام السابقين ...................  ١٥

عليّ عليه‌السلام أحبّ الخلق إلىٰ الله ....................................  ٢٧

صلاة عيسى عليه‌السلام خلف المهدي عليه‌السلام ............................  ٢٩

٣

٤



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلىٰ تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمىٰ السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلىٰ اتّخاذ منهج ينتظم علىٰ عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي علىٰ أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً علىٰ الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول علىٰ أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلىٰ شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها علىٰ المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتىٰ أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها علىٰ شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالىٰ أن يناله بأحسن قبوله.



مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

٦



بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

موضوع البحث مسألة تفضيل الأئمّة عليهم‌السلام علىٰ الأنبياء عليهم‌السلام.

هذه المسألة مطروحة في كتب أصحابنا منذ قديم الأيّام ، ولهم علىٰ هذا القول أو هذا الإعتقاد أدلَّتهم الخاصّة ، ونحن جرياً علىٰ دأبنا في بحوثنا في هذه الليالي ، حيث نستدلّ فقط بما ورد عن طرق أهل السنّة ، وما يكون متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً لدىٰ الفريقين ، جرياً علىٰ دأبنا هذا وسيرتنا هذه ، نبحث في هذه المسألة علىٰ ضوء الأحاديث الواردة عند الطرفين والمقبولة عند الفريقين.

وإن كان لأصحابنا أدلّتهم علىٰ هذه المعتقدات ، وهم مستغنون

٧

عن دلالة دليل من خارج كتبهم ، وغير محتاجين إلىٰ الاستدلال علىٰ معتقداتهم بما عند الآخرين ، إلاّ أنّ هذه الجلسات وهذه البحوث بنيت علىٰ أن تكون بهذا الشكل الذي ذكرته لكم.

يمكن الاستدلال لتفضيل الائمّة سلام الله عليهم علىٰ الأنبياء بوجوهٍ كثيرة ، منها الوجوه الأربعة الآتية :

الوجه الاوّل : مسألة المساواة بين أمير المؤمنين عليهم‌السلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الوجه الثاني : تشبيه أمير المؤمنين بالأنبياء السابقين.

الوجه الثالث : كون علي أحبّ الخلق إلىٰ الله مطلقاً.

الوجه الرابع : صلاة عيسىٰ خلف المهدي.

هذه الوجوه الأربعة ، وعندنا وجوه أُخرىٰ أيضاً ، لكنّي أكتفي بهذه الوجوه وأُبيّنها لكم علىٰ ضوء الكتاب ، وعلىٰ ضوء السنّة المقبولة عند الفريقين.

٨



المساواة بين أمير المؤمنين عليه‌السلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

نستدلّ لذلك بالكتاب أوّلاً ، بآية المباهلة ، وقد درسنا آية المباهلة بالتفصيل في ليلة خاصّة ، وتقدّم البحث هناك عن كيفيّة دلالة قوله تعالىٰ : ( وَأَنفُسِكُمْ ) (١) علىٰ المساواة بين أمير المؤمنين والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولمّا كان نبيّنا أفضل من جميع الأنبياء السابقين بالكتاب وبالسنّة وبالإجماع ، فيكون عليّ أيضاً كذلك ، وهذا الوجه ممّا استدلّ به علماؤنا السابقون ، لاحظوا تفسير الفخر الرازي ، وغيره ، حيث يذكرون رأي الإماميّة واستدلالهم بهذه الآية المباركة علىٰ أفضليّة أمير المؤمنين من الأنبياء السابقين.

يقول الرازي ـ في ذيل آية المباهلة ـ : كان في الري رجل يقال

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

٩

له محمود بن الحسن الحمصي ، وكان معلّماً للإثنىٰ عشريّة ، وكان يزعم أنّ عليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوىٰ محمّد.

قال : والذي يدلّ عليه قوله : ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ، وليس المراد بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) نفس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا علىٰ أنّ ذلك الغير كان علي بن أبي طالب ، فدلّت الآية علىٰ أنّ نفس عليّ هي نفس محمّد ، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أنّ هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، ترك العمل بهذا العموم في حقّ النبوّة ، وفي حقّ الفضل أي الأفضليّة ، لقيام الدلائل علىٰ أنّ محمّداً كان نبيّاً وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الإجماع علىٰ أنّ محمّداً كان أفضل من علي ، فيبقىٰ فيما وراءه معمولاً به ، ثمّ الإجماع دلّ علىٰ أنّ محمّداً كان أفضل من سائر الأنبياء ، فيلزم أن يكون عليّ أفضل من سائر الأنبياء ، فهذا وجه الاستدلال بظاهر الآية المباركة (١).

والشيخ محمود بن الحسن الحمصي من علماء القرن السابع ، له كتاب المنقذ من الضلال ، وطبع هذا الكتاب أخيراً وهو في علم الكلام.

__________________

(١) تفسير الرازي ٨ / ٨١.

١٠

ثمّ يقول الرازي في جواب هذا الاستدلال ـ لاحظوا الجواب ـ : والجواب : إنّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين علىٰ أنّ محمّداً أفضل من علي ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم ـ أي بين المسلمين ـ قبل ظهور هذا الإنسان ـ أي الشيخ الحمصي ـ فالإجماع منعقد قبل ظهور هذا وقبل وجوده علىٰ أنّ النبي أفضل ممّن ليس بنبي ، وأجمعوا ـ أي المسلمون ـ علىٰ أنّ عليّاً ما كان نبيّاً ، فلزم القطع بأنّ ظاهر الآية كما أنّه مخصوص بحقّ محمّد ، فكذلك مخصوص في حقّ سائر الأنبياء.

ويتلخّص الجواب : في دعوىٰ الإجماع من عموم المسلمين علىٰ أنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبي ، وعلي ليس بنبي ، فالاستدلال باطل.

ولو راجعتم تفسير النيسابوري أيضاً لوجدتم نفس الجواب ، وكذا لو رجعتم إلىٰ تفسير أبي حيّان الأندلسي البحر المحيط.

النيسابوري يقول ، وعبارته ملخّص عبارة الرازي : فأُجيب بأنّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين علىٰ أنّ محمّداً أفضل من سائر الأنبياء ، فكذا انعقد الإجماع بينهم علىٰ أنّ النبي أفضل ممّن ليس بنبي ، وأجمعوا علىٰ أنّ عليّاً ما كان نبيّاً.

١١

ونفس الكلام أيضاً تجدونه بتفسير أبي حيّان (١) ، وتفسير النيسابوري مطبوع علىٰ هامش تفسير الطبري (٢).

فكان الجواب إذن دعوىٰ الإجماع من عموم المسلمين قبل الشيخ الحمصي علىٰ أنّ من ليس بنبي لا يكون أفضل من النبي.

لو ثبت هذا الإجماع ، أو كان مستنداً إلىٰ أدلّة قطعيّة ، ولم يكن في مقابله أدلّة قطعيّة ، لسلّمنا ووافقنا علىٰ هذا الجواب.

ولكن القول بأفضليّة أئمّة أهل البيت من سائر الأنبياء سوىٰ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا القول موجود بين علماء هذه الطائفة قبل الشيخ الحمصي ، فأين دعوىٰ الإجماع ـ إجماع المسلمين ـ قبل ظهور هذا الإنسان.

الشيخ الحمصي كما ذكرنا ، وفاته في أوائل القرن السابع ، لكن الاستدلال الذي ذكره الشيخ الحمصي إنّما أخذه من الشيخ المفيد ، والشيخ المفيد وفاته سنة (٤١٣) ، فقبل الشيخ الحمصي هذا القول موجود ، وهذا الاستدلال مذكور بالكتب ، علىٰ أنّا إذا راجعنا كلام الشيخ المفيد لوجدناه ينسب الاستدلال إلىٰ من سبقه من العلماء ، فهذا الاستدلال موجود من قديم الأيّام ، وإذا كان الدليل هو

__________________

(١) البحر المحيط في تفسير القرآن ٢ / ٤٨٠.

(٢) تفسير النيسابوري ـ هامش الطبري ٣ / ٢١٤.

١٢

الإجماع ، إذن لا إجماع علىٰ أنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبي ، وليس للرازي ولا لغيره جواب غير الذي قرأته لكم.

وأمّا المساواة بين أمير المؤمنين والنبي من السنّة ، فهناك أدلّة كثيرة وأحاديث صحيحة معتبرة ، متّفق عليها بين الطرفين ، صريحة في هذا المعنىٰ ، أي في أنّ أمير المؤمنين والنبي متساويان ، إلاّ في النبوة ، لقيام الإجماع علىٰ أنّ النبوّة ختمت بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

نذكر بعض الأحاديث :

منها : حديث النور : « خلقت أنا وعلي من نور واحد » ، ففي تلك الأحاديث يقول رسول الله : إنّ الله سبحانه وتعالىٰ قسّم ذلك النور نصفين ، فنصف أنا ونصف علي ، قسّم ذلك النور نصفين ، وهما مخلوقان من نور واحد ، ولمّا كان رسول الله أفضل البشر مطلقاً ، فعلي كذلك ، وقد قرأنا هذا الحديث.

ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنص : « أنا سيّد البشر » تجدون هذا الحديث في صحيح البخاري (١) ، وفي المستدرك (٢) ، وفي مجمع الزوائد (٣) ، وإذا كان علي مساوياً لرسول الله بمقتضىٰ

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ / ٢٢٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٧٣.

(٣) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٩ / ١١٦.

١٣

حديث النور ، وبمقتضى آية المباهلة ، فعلي أيضاً سيّد البشر ، وإذا كان سيّد البشر ، فهو أفضل من جميع الأنبياء.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا سيّد ولد آدم » ، وهذا الحديث تجدونه في صحيح مسلم (١) ، وفي سنن الترمذي (٢) ، ومسند أحمد (٣) ، وفي المستدرك (٤) ، وفي مجمع الزوائد (٥) وغير هذه المصادر.

وإذا كان عليّ عليه‌السلام بمقتضىٰ آية المباهلة وبمقتضىٰ حديث النور مساوياً لرسول الله ، فيكون أيضاً سيّد ولد آدم.

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب الفضائل باب تفضيل نبيّنا علىٰ جميع الخلائق.

(٢) سنن الترمذي ٢ / ١٩٥.

(٣) مسند أحمد ١ / ٥.

(٤) المستدرك ٣ / ١٢٤.

(٥) مجمع الزوائد ١٠ : ٣٧٦.

١٤



تشبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام

بالأنبياء عليهم‌السلام السابقين

وهذا الوجه أيضاً ذكره الشيخ الحمصي ، وأورده الفخر الرازي في الاستدلال ، لكنّ الشيخ الحمصي ذكر هذا الدليل كتأييد لدلالة آية المباهلة ، لكنّا نعتبره دليلاً مستقلاًّ ، وهذا الحديث نسمّيه بحديث الأشباه أو حديث التشبيه ، وهو قوله : « من أراد أن يرىٰ آدم في علمه ، ونوحاً في طاعته ، وإبراهيم في خلّته ، وموسىٰ في هيبته ، وعيسىٰ في صفوته ، فلينظر إلىٰ علي بن أبي طالب ».

وهذا هو اللفظ الذي ذكره الشيخ الحمصي ، وللحديث ألفاظ أُخرىٰ ، هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في كتب الفريقين ، أذكر لكم بعض أعلام الحفّاظ والأئمّة من أهل السنّة الرواة لهذا الحديث بألفاظه المختلفة :

١ ـ عبدالرزاق بن همّام ، صاحب المصنّف وشيخ البخاري.

١٥

٢ ـ أحمد بن حنبل.

٣ ـ أبو حاتم الرازي.

٤ ـ أبو حفص ابن شاهين.

٥ ـ الحاكم النيسابوري.

٦ ـ ابن مردويه الإصفهاني.

٧ ـ أبو نعيم الإصفهاني.

٨ ـ أبو بكر البيهقي.

٩ ـ ابن المغازلي الواسطي.

١٠ ـ أبو الخير القزويني الحاكمي.

١١ ـ الطبري ، صاحب الرياض النضرة.

١٢ ـ ابن الصبّاغ المالكي.

وغير هؤلاء من العلماء ، يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن عدّة من صحابة رسول الله ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن رواته : ابن عبّاس ، وأبو الحمراء ، وأبو سعيد الخدري ، ومن رواته صحابة آخرون أيضاً.

ولابدّ من الكلام والبحث حول هذا الحديث سنداً ودلالة ليتمّ الاستدلال.

أمّا سنداً ، فإنّي أذكر لكم سندين من أسانيده ، وقد حقّقتهما ،

١٦

وهما سندان صحيحان ، وبإمكاني تحقيق صحة أسانيد أُخرىٰ لهذا الحديث أيضاً ، لكنّي أكتفي بهذين السندين :

يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم الأُدباء بترجمة محمّد ابن أحمد بن عبيدالله الكاتب المعروف بابن المفجّع ، هذا الشخص نظم حديث التشبيه في قصيدة ، والقصيدة إسمها قصيدة الأشباه ، يقول الحموي ياقوت :

وله قصيدة ذات الأشباه سمّيت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره : الخبر الذي رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في محفل من أصحابه : « إن تنظروا إلىٰ آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في خلّته ، وموسىٰ في مناجاته ، وعيسىٰ في سننه ، ومحمّد في هديه وحلمه ، فانظروا إلىٰ هذا المقبل » ، فتطاول الناس فإذا هو علي بن أبي طالب ، فأورد المفجع ذلك في قصيدته وفيها أي في هذه القصيدة مناقب كثيرة.

ياقوت الحموي معروف بأنّه من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا مذكور بترجمته ، لاحظوا كتاب وفيات الأعيان ، لاحظوا شذرات الذهب وغيرهما من المصادر ، وقد ذكروا أنّه تكلّم في سنة ٦١٣ ه‍ في دمشق بكلامٍ في علي ، فثار

١٧

الناس عليه وكادوا يقتلونه ، فانهزم من دمشق ، ذكر هذا ابن خلّكان ونصّ علىٰ أنّه كان متعصّباً علىٰ علي.

وأمّا عبد الرزاق بن همّام ، فهذا كما أشرنا وذكرنا وفي الجلسات السابقة أيضاً ذكرناه ، هذا شيخ البخاري وصاحب المصنّف ومن رجال الصحاح كلّها ، ولم يتكلّم أحد في عبد الرزاق ابن همّام بجرح أبداً ، حتّىٰ قيل بترجمته : ما رحل الناس إلىٰ أحد بعد رسول الله مثل ما رحلوا إليه ، توفي سنة ٢١١ ه‍.

معمر بن راشد ، من رجال الصحاح الستّة ، توفي سنة ١٥٣ ه‍.

الزهري هو الإمام الفقيه المحدّث الكبير ، من رجال الصحاح الستّة ، وقد تجرّأ ابن تيميّة وادّعىٰ بأنّ هذا الرجل أفضل من الإمام الباقر عليه‌السلام.

وأمّا سعيد بن المسيّب ، فكذلك هو من رجال الصحاح الستّة ، توفي بعد سنة ٩٠ ه‍ ، وهذا الشخص يروي هذا الحديث عن أبي هريرة.

وأبو هريرة عندهم من الصحابة الثقات والموثوقين ، الذين لا يتكلّم فيهم بشكل من الأشكال.

فهذا السند صحيح إلىٰ هنا.

وسند آخر ، وهو ما ذكره الحافظ ابن شهرآشوب المازندراني

١٨

في كتابه مناقب آل أبي طالب ، المتوفى سنة ٥٨٨ ه‍ ، هذا من علمائنا ، لكنْ يترجمون له في كتبهم في كتب التراجم ، ويثنون عليه الثناء الجميل ، وينصّون علىٰ أنّه كان صادق اللهجة ، وسأقرأ لكم عبارة ابن شهرآشوب يقول :

روىٰ أحمد بن حنبل ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة. وأيضاً روىٰ ابن بطّة في الإبانة بإسناده عن ابن عباس ، كلاهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من أراد أن ينظر إلىٰ آدم في علمه ، وإلىٰ نوح في فهمه ، وإلىٰ موسىٰ في مناجاته ، وإلىٰ عيسىٰ في سمته ، وإلىٰ محمّد في تمامه وكماله وجماله ، فلينظر إلىٰ هذا الرجل المقبل » ، قال : فتطاول الناس بأعناقهم فإذا هم بعلي كأنّما في صبب وينحل عن جبل.

وتابعهما أنس ، أنس بن مالك أيضاً من رواة هذا الحديث إلاّ أنّه قال : « وإلىٰ إبراهيم في خلّته ، وإلىٰ يحيىٰ في زهده ، وإلىٰ موسى في بطشته ، فلينظر إلىٰ عليّ بن أبي طالب » (١).

وهذا السند نفس السند ، إلاّ أنّ الراوي عن عبدالرزاق هو أحمد بن حنبل ، وأحمد بن حنبل لا يحتاج إلىٰ توثيق.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٦٤ ، ط طهران.

١٩

وأمّا ابن شهرآشوب ، فهو أحد كبار علماء طائفتنا ، إلاّ أنّ أهل السنّة أيضاً يحترمونه ويثنون عليه ، ويترجمون له ، فلاحظوا الوافي بالوفيات للصفدي ، لاحظوا بغية الوعاة للسيوطي ، ولاحظوا غير هذين الكتابين ، يقولون هناك بترجمته : وكان بهي المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللَّهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد (١).

وأمّا دلالة حديث التشبيه ، فهذا الحديث يدلّ علىٰ أفضليّة أمير المؤمنين من الأنبياء السابقين ، بلحاظ أنّه قد اجتمعت فيه ما تفرّق في أولئك من الصفات الحميدة ، ومن اجتمعت فيه الصفات المتفرّقة في جماعة ، يكون هذا الشخص الذي اجتمعت فيه تلك الصفات أفضل من تلك الجماعة ، وهذا الاستدلال واضح تماماً ، ومقبول عند الطائفتين ، وسأقرأ لكم بعض العبارات :

يقول ابن روزبهان في الجواب عن هذا الحديث : أثر الوضع علىٰ هذا الحديث ظاهر ، ولا شكّ أنّه منكر ، لانّه يوهم أنّ علي بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء ، وهذا باطل ، فإنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبي ، وأمّا أنّه موهم هذا المعنىٰ فلأنّه جمع فيه من

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤ ، بغية الوعاة : ٧٧ ، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة : ٢٤٠ ، طبقات المفسرين ٢ / ١٩٩.

٢٠