تفضيل الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام

السيّد علي الحسيني الميلاني

تفضيل الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-264-4
الصفحات: ٣٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الفضائل ما تفرّق في الأنبياء ، والجامع للفضائل أفضل من الذين تفرّق فيهم الفضائل ، وأمثال هذا من الموضوعات.

فيضطرّ ابن روزبهان بعد أن يرىٰ تماميّة دلالة الحديث علىٰ مدّعانا ، يضطرّ إلىٰ رمي الحديث بالوضع (١).

وقد أثبتنا نحن صحّة الحديث ، وأثبتنا أنّه حديث متّفق عليه بين الفريقين ، وذكرنا عدّة من أعيان رواة هذا الحديث من أهل السنّة.

ويقول ابن تيميّة : هذا الحديث كذب موضوع علىٰ رسول الله بلا ريب عند أهل العلم بالحديث (٢).

وكأنّ عبد الرزاق ، وأحمد ، وأبا حاتم الرازي ، وغير هؤلاء ليسوا من أهل العلم بالحديث ، لكن الظاهر أنّه يقصد من أهل العلم بالحديث نفسه وبعض من في خدمته من أصحابه المختصّين به !!

وممّا يدلّ علىٰ تماميّة الاستدلال بهذا الحديث سنداً ودلالة : إذعان كبار علماء الكلام بهذا الاستدلال ، لاحظوا المواقف في علم الكلام وشرح المواقف (٣) وشرح المقاصد (٤) ، فالقاضي الإيجي

__________________

(١) إبطال الباطل ، انظر : دلائل الصدق ٢ / ٥١٨.

(٢) منهاج السنة ٥ / ٥١٠.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٣٦٩.

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٩٩.

٢١

والشريف الجرجاني والسعد التفتازاني يذكرون هذا الاستدلال ، ولا يناقشون لا في السند ولا في الدلالة ، وإنّما يجيب التفتازاني بأنّ هذا الحديث وأمثاله مخصّصة بالشيخين ، لأنّ الشيخين أفضل من عليّ ، للأدلّة القائمة عندهم علىٰ أفضليّة الشيخين ، فحينئذ لابدّ من التخصيص ، ودائماً التخصيص فرع الحجيّة ، لابدّ وأن يكون الحديث صحيحاً سنداً ، ولابدّ أن تكون دلالته تامّة ، فحينئذ يدّعىٰ أنّ هناك أدلة أيضاً صحيحة قائمة علىٰ أفضليّة زيد وعمرو من علي ، فتلك الادلّة القائمة علىٰ أفضليّة زيد وعمرو تلك الأدلّة تكون مخصّصة لهذا الحديث ، وترفع اليد عن هذا الحديث بمقدار ما قام الدليل علىٰ التخصيص.

لاحظوا عبارة هؤلاء ، عندما يذكر صاحب المواقف ، وأيضاً شارح المواقف ، يذكران أدلّة أفضليّة علي يقول : الثاني عشر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أراد أن ينظر إلىٰ آدم ... » إلىٰ آخر الحديث ، وجه الاستدلال : قد ساواه النبي بالأنبياء المذكورين ـ أي في هذا الحديث ـ وهم أفضل من سائر الصحابة إجماعاً ، وإذا كان الأنبياء المذكورون في هذا الحديث أفضل من الصحابة ، فيكون من ساوىٰ

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ / ٢٩٩.

٢٢

الأنبياء أفضل من الصحابة إجماعاً.

ثم أجابوا لا بالمناقشة في السند ولا في المناقشة في الدلالة ، بل بأنّه تشبيه ، ولا يدلّ علىٰ المساواة ، وإلاّ كان علي أفضل من الأنبياء المذكورين ، لمشاركته ومساواته حينئذ لكلٍّ منهم في فضيلته واختصاصه بفضيلة الآخرين ، والاجماع منعقد علىٰ أنّ الأنبياء أفضل من الأولياء.

هذه عبارة المواقف وشرحها.

وفي شرح المقاصد يذكر التخصيص فيقول : لا خفاء في أنّ من ساوىٰ هؤلاء الأنبياء في هذه الكمالات كان أفضل.

ثمّ ناقش في ذلك بقوله : يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملاً بأدلّة أفضليّتهما.

إذن ، لا مناقشة لا في السند ولا في الدلالة ، وإنّما المناقشة بأمرين :

الأوّل : الإجماع القائم علىٰ أنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبي.

وقد أثبتنا أنْ لا إجماع.

الأمر الثاني : تخصيص هذا الحديث بما دلّ علىٰ أفضليّة الشيخين.

٢٣

ولكن هذا أوّل الكلام.

وتلخّص : إنّ هذا الحديث يدلّ علىٰ أفضليّة أمير المؤمنين ، والمناقشات ، أمّا في سنده فمردودة ، إذ رمىٰ ابن تيميّة وابن روزبهان هذا الحديث بالوضع ، وقد ظهر أنّه ليس بموضوع ، بل إنّه صحيح ومقبول عند الطرفين ، وأمّا المناقشة بالدلالة ، فهي إمّا عن طريق الإجماع المذكور ، وإمّا عن طريق التخصيص ، يقول السعد التفتازاني : يحتمل تخصيص هذا الحديث. وقد ذكره علىٰ نحو الاحتمال.

ومن جملة ما يستدلّ به لأفضليّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأنبياء السابقين قوله تعالىٰ : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا

٢٤

بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) (١).

محلّ الاستدلال كما ذكر الرازي وغيره من المفسّرين : إنّ هذه الايات المباركة تدلّ علىٰ أفضليّة نبيّنا من سائر الأنبياء ، لأنّ قوله تعالىٰ : ( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) دليل علىٰ أنّه قد اجتمع فيه الخصال المحمودة المتفرّقة فيهم ، كالشكر في داود وسليمان ، والصبر في أيّوب ، والزهد في زكريّا وعيسىٰ ويحيىٰ ، والصدق في إسماعيل ، والتضرّع في يونس ، والمعجزات الباهرة في موسىٰ وهارون ، فيكون منصبه ـ منصب نبيّنا ـ أجل من منصبهم ، ومقامه أفضل من مقامهم.

وهذا نفس الاستدلال الذي نستدلّ به علىٰ ضوء حديث التشبيه بأنّ عليّاً قد جمع ما تفرّق في أُولئك الأنبياء ، نفس الاستدلال في هذه الآية ، بحسب ما ذكره المفسّرون.

وإذا كان نفس الاستدلال ، فحينئذ يتمّ استدلالنا بحديث التشبيه هذا أوّلاً.

وثانياً : إذا كان بهذه الايات رسول الله أفضل من الأنبياء السابقين ، فعلي ساوىٰ رسول الله ، فهو أيضاً أفضل من الأنبياء

__________________

(١) سورة الانعام : ٨٤ ـ ٩٠.

٢٥

السابقين.

لاحظوا التفاسير في ذيل هذه الآية ، كتفسير الفخر الرازي (١) ، وتفسير النيسابوري (٢) ، وتفسير الخطيب الشربيني (٣) ، ولربّما تفاسير أُخرىٰ أيضاً يتعرّضون لهذا الاستدلال.

__________________

(١) تفسير الرازي ١٣ / ٦٩ ـ ٧١.

(٢) تفسير النيسابوري ( هامش الطبري ) ٧ / ١٨٥.

(٣) تفسير الخطيب الشربيني = السراج المنير ١ / ٤٣٥.

٢٦



عليّ عليه‌السلام أحبّ الخلق إلىٰ الله

وهذا ما دلّ عليه حديث الطير : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر ».

وقد ذكرنا سند هذا الحديث ودلالته في ليلة خاصة ، ودرسنا ما يتعلَّق بهذا الحديث بنحو الإجمال ، وإذا كان علي عليه‌السلام أفضل الخلق إلىٰ الله سبحانه وتعالىٰ ، فيكون أفضل من الأنبياء ، كما هو واضح.

ولا يقال إنّ المراد من أفضل الخلق إلىٰ الله ، أي في زمانه ، أي في ذلك العصر ، لا يقال هذا ، لعدم مساعدة ألفاظ الحديث علىٰ هذا الاحتمال ، مضافاً إلىٰ أنّ بعض ألفاظه يشتمل علىٰ الجملة التالية : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك من الأوّلين والاخرين » ، فيندفع هذا الاحتمال.

٢٧
٢٨



صلاة عيسى عليه‌السلام خلف المهدي عليه‌السلام

ومن الادلّة علىٰ أفضليّة الأئمّة عليهم‌السلام من الأنبياء السابقين ، قضيّة صلاة عيسى خلف المهدي ، وهذا أيضاً ممّا ناقش فيه بعضهم كالسعد التفتازاني من حيث أنّ عيسىٰ نبي ، وكيف يمكن أن يقتدي بمن ليس بنبي ، وعليه فإنّ هذه الأحاديث باطلة.

لاحظوا عبارته يقول : فما يقال إنّ عيسىٰ يقتدي بالمهدي شيء لا مستند له فلا ينبغي أن يعوّل عليه ، نعم هو وإن كان حينئذ من أتباع النبي ، فليس منعزلاً عن النبوّة ، فلا محالة يكون أفضل من الإمام ، إذ غاية علماء الأُمّة الشبه بأنبياء بني إسرائيل (١).

هذه عبارة سعد الدين التفتازاني.

ونحن نكتفي في جوابه بما ذكره الحافظ السيوطي ، فإنّه

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ / ٣١٣.

٢٩

أدرىٰ بالأحاديث من السعد التفتازاني ، يقول الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوي : هذا من أعجب العجب ، فإنّ صلاة عيسىٰ خلف المهدي ثابتة في عدّة أحاديث صحيحة بإخبار رسول الله ، وهو الصادق المصدّق الذي لا يخلف خبره (١).

وفي الصواعق لابن حجر دعوىٰ تواتر الأحاديث في صلاة عيسىٰ خلف المهدي سلام الله عليه (٢).

إذن ، أثبتنا أفضلية أئمّتنا من الأنبياء السابقين بأربعة وجوه ، علىٰ ضوء الكتاب والسنّة المقبولة عند الفريقين.

ولمّا كان هذا القول غريباً في نظر أهل السنّة ولا يتمكّنون من أن يقبلوا مثل هذا الرأي أو هذه العقيدة ، أخذوا يناقشون في بعض الأحاديث ، أو يناقشون في الاستدلال ببعض الايات ، وقد وجدتم الاستدلالات ، وقرأت لكم عمدة ما قالوا ، وما يمكن أن يقال في هذا المجال ، وظهر اندفاع تلك المناقشات كلّها.

وصلّىٰ الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين.

__________________

(١) الحاوي للفتاوي ٢ / ١٦٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ٩٩.

٣٠