موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٥

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٥

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-505-8
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢١

سم الإمام الحسن ( عليه السلام ) :

والآن إلى بحث مسألة سم الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، لأنّ من المؤرخين من أنكرها جملة وتفصيلاً كابن خلدون ، ومنهم من برّأ ساحة يزيد وأبيه عن ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء كابن كثير ، ولم يبعد عنه الذهبي كما ستأتي كلماتهم بعد هذا.

أمّا الآن فإلى عرض روايات السمّ وتسمية المحرّض والمباشر.

لقد روى البلاذري في ترجمة الإمام الحسن من كتابه أنساب الأشراف : « ويقال إنّه سُمّ أربع دفعات فمات في آخرهنّ ، وأتاه الحسين وهو مريض فقال له : أخبرني من سقا ك السم؟ قال : لتقتله؟ قال : نعم. قال : ما أنا بمخبرك ، إن كان صاحبي الّذي أظن فألقه أشدّ نقمة ، وإلاّ فهو الله لا يقتل بي برئ » (١).

وروى البلاذري أيضاً عن الهيثم بن عدي : « أنّ معاوية دسّ إلى زوجة الحسن وهي ابنة سهيل بن عمرو مائة ألف دينار على أن تسقيه شربة بعث بها إليها ففعلت » (٢).

وهذه الرواية لم أقف عليها عند غير البلاذري ، إلاّ أنّ ابن أبي الحديد ذكر عن المدائني خبراً يوحي من طرف خفي بحال تلك المرأة ، فقد ذكر في شرح النهج قال : « تزوج الحسن بن عليّ ( عليه السلام ) هند بنت سهيل بن عمرو وكانت عند عبد الله بن عامر كريز فطلّقها ، فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية ، فلقيه الحسن ( عليه السلام ) فقال : أين تريد؟ قال : أخطب هند بنت

____________________

(١) أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ٣ / ٥٥ تح ـ المحمودي ط بيروت.

(٢) أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ٣ / ٥٩ تح ـ المحمودي ط بيروت.

١٠١

سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية ، قال الحسن ( عليه السلام ) : فاذكرني لها ، فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر. فقالت : اختر لي فقال : اختار لك الحسن ، فتزوجته ، فقدم عبد الله ابن عامر فرقّ لها رقة عظيمة ، فقال الحسن : ألا أنزل لك عنها فلا أراك تجد محللاً خيراً لكما مني؟ قال : لا ثمّ قال لها وديعتي ، فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما وأخذ من أحدهما قبضة ، وترك الآخر عليها. وكانت قبل ابن عامر عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكانت تقول : سيدهم جميعاً الحسن ، وأسخاهم ابن عامر ، وأحبّهم إليّ عبد الرحمن بن عتاب » (١).

هذه رواية المدائني وتبقى لها دلالات غير خفيّة ، فزيجة تتم بما وصفت الرواية لا تمنع المرأة من الاستجابة لاستغواء معاوية لها بالمال من ارتكاب الجريمة ، فهي وإن رأت في الحسن سيّد الأزواج الا ان بريق المائة ألف من الأصفر الرنان يغشي البصر والبصيرة.

كما أنّ معاوية رأى في استغوائها بالمال انتقاماً بها ومنها فهو حين يرملها من زوجها سيّد الأزواج ما دامت تزوجته ولم تتزوج بابنه يزيد ، ثمّ هو ينتقم بها من الحسن ( عليه السلام ) لأنّه خطبها له أبو هريرة فتزوج ممّن سوف تكون مخطوبة يزيد.

وتبقى سلامة الخاطب ـ أبو هريرة ـ إذ لم يصبه ضرر من معاوية ولا من يزيد فيما أعلم. وهنا تنتصب علامة تعجّب واستفهام (!؟).

وهذه المرأة إذ لم يذكرها مؤرخوا الحسن ( عليه السلام ) من أصحاب الكتب المحدثين في قائمة أزواجه فمن الطبيعي أن لا يذكروها فيمن دس إليها معاوية سماً تسم به الحسن ( عليه السلام ).

____________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٤ ط مصر الأولى.

١٠٢

وهناك بعض خدم الإمام الحسن ( عليه السلام ) اتهم أيضاً بسم الإمام! فقد قال ابن كثير وقد سمعت بعض من يقول : « كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً » (١).

وإنّي لا أمنع ولا أدفع ما رواه الهيثم بن عدي ولا ما سمعه ابن كثير ، ولا منافاة مع ما رواه جملة من المؤرخين من أنّ معاوية دس السم على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس ، فإنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) كان يقول سقيت السم مراراً ، فيكون من عرفناهم جميعاً شركاء في الجريمة ، وربّما كانت هناك أسماء آخرين غير معلنة لها دور مماثل لدور هند وجعدة وبعض الخدم.

وقضية سم معاوية للإمام الحسن ( عليه السلام ) تظافر نقلها تظافراً يكاد يلحقها بالتواتر فقد ذكرها جملة من المؤرخين من القدامى والمحدثَين ، وجزم بها غير واحد منهم قتادة ، وأبو بكر بن حفص ، والزين العراقي ، كما حكاه عنهم ابن حجر الهيتمي في الصواعق ، وهو منهم في جزمه ، ولم يستبعد ذلك إلاّ بعض الشاذين ممّن هواه مع الأمويين كالذهبي ، وابن كثير ، وابن خلدون من السابقين ، وتبعهم من اللاحقين المعاصرين من غربيين ومغتربين وعرب متغرّبين ، ممّن لا يؤبه بهم.

قال الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) بعد أن حكى قول ابن عبد البر في الاستيعاب : « وقالت طائفة : كان ذلك بتدسيس معاوية لها ـ لجعدة ـ وبذله لها على ذلك ». قال الذهبي : « قلت : هذا شيء لا يصح فمن الّذي اطّلع عليه » (٢) (؟!).

وقال ابن كثير ( ت ٧٤٧ هـ ) : « وعندي ان هذا ـ تدسيس يزيد لجعدة بسم الحسن ـ ليس بصحيح ، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى » (٣) (؟!)

____________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٤٣ ط السعادة.

(٢) تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام ٢ / ٢١٩ ط القدسي بمصر.

(٣) البداية والنهاية ٨ / ٤٣ ط السعادة.

١٠٣

وقال ابن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) : « وما ينقل من انّ معاوية قد دس السم إلى الإمام الحسن على يد زوجته جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية ذلك » (١) (؟!!)

وعلى ما أسس الأولون جرى التالون مستبعدين صدور مثل ذلك من معاوية أو من يزيد ، ولم أجد عندهم من المفيد ما يزيد ، لذلك لم أذكرهم بأسمائهم رغبة عنهم ، ويبقون في دائرة الاستبعاد ، ما داموا قد اختاروه لأنفسهم وفي صدورهم الريب ، وليس هذا من بطن الغيب.

والآن رداً عليهم وعلى من سبقهم من النافين ، كابن كثير ، والذهبي ، وابن خلدون الّذي زاد في الطنبور نغمة فقال في ذلك : « فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية ذلك » ، أذكر قائمة بأسماء جمهرة كبيرة من المؤرخين السابقين المثبتين لحادثة السم ، وفيهم مَن أكدّ ضلوع معاوية في الجريمة ، وجميعهم ليسوا من الشيعة الّذين اتهمهم ابن خلدون. وقد رتبتهم حسب تسلسل وفياتهم على القرون كما يلي :

القرن الثاني :

١ ـ عامر الشعبي ( ت ١٠٣ هـ ) قال : « ومصداق هذا القول أنّ الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية : لقد عملت شربتُه ، وبلغ أمنيته ، والله لا يفي بما وعد ، ولا يصدق فيما يقول » (٢).

٢ ـ قتادة بن دعامة ( ت ١١٧ ـ ١١٨ هـ ) قال : « سمّت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن عليّ وكانت تحته ورشيت على ذلك مالاً » (٣).

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٨٧ ط دار الكتاب اللبناني.

(٢) تذكرة الخواص / ١٢١ ط حجرية.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٦.

١٠٤

٣ ـ أبو بكر بن حفص : حكى ابن حجر الهيتمي في الصواعق : قوله وقول سابقه وأنّهما كانا جازمَين بذلك فراجع (١).

٤ ـ السدي ( ت ١٢٨ هـ ) : حكى قوله سبط ابن الجوزي في التذكرة (٢).

٥ ـ أبو اليقظان عامر بن حفص ( ت ١٩٠ هـ ) : حكى قوله سبط ابن الجوزي أيضاً في مرآة الزمان (٣).

القرن الثالث :

١ ـ الواقدي ( ت ٢٠٧ هـ ) : حكى قوله الذهبي في سير أعلام النبلاء (٤).

٢ ـ الهيثم بن عدي ( ت ٢٠٧ هـ ) : حكى قوله السبط في مرآة الزمان (٥).

٣ ـ المدائني ( ت ٢٢٥ هـ ) حكى قوله السبط في تذكرة الخواص (٦).

٤ ـ ابن سعد ( ت ٢٣٠ هـ ) : ذكر ذلك في الطبقات (٧).

٥ ـ ابن قتيبة ( ت ٢٧٦ هـ ) : ذكر ذلك في كتاب المعارف (٨).

٦ ـ يعقوب بن سفيان الفسوي ( ت ٢٧٧ هـ ) : حكى ذلك عنه ابن الجوزي في صفوة الصفوة (٩).

٧ ـ البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) : ذكر ذلك في أنساب الأشراف (١٠).

____________________

(١) الصواعق المحرقة / ٨٤.

(٢) تذكرة الخواص / ١٢١ ط حجرية.

(٣) مرآة الزمان.

(٤) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٩٧ ط دار الفكر ، وفي الهامش عن مختصر تاريخ دمشق ٧ / ٣٩.

(٥) مرآة الزمان.

(٦) تذكرة الخواص / ١٢١ ط حجرية.

(٧) ذكر ذلك في كتاب الطبقات الكبير في ترجمة الإمام الحسن ط الطائف تح ـ صامل.

(٨) المعارف / ٩٢.

(٩) صفوة الصفوة ١ / ٣٢١ ط حيدرآباد.

(١٠) أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام » ٣ / ٥٥ تح ـ المحمودي.

١٠٥

القرن الرابع :

١ ـ الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) : ذكر ذلك في كتابه المنتخب (١).

٢ ـ ابن أعثم الكوفي ( ت ٣١٤ هـ ) : ذكر ذلك في كتابه الفتوح (٢) الترجمة الفارسية ، بينما خلت النسخة العربية المطبوعة في حيدر آباد وعنها أفست دار الندوة من ذلك ، فمن تولى كبر ذلك؟

٣ ـ أبو الفرج الاصبهاني ( ت ٣٥٦ هـ ) : ذكر ذلك في مقاتل الطالبيين (٣).

٤ ـ الحافظ الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) : ذكر ذلك في المعجم الكبير (٤).

القرن الخامس :

١ ـ الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) : ذكر ذلك في المستدرك (٥).

٢ ـ أبو نعيم الاصبهاني ( ت ٤٣٠ هـ ) : ذكر ذلك في الحلية (٦).

٣ ـ صاحب تاريخ الخلفاء ـ من رجال القرن الخامس ـ (٧).

القرن السادس :

١ ـ ابن عبدون ( ت ٥٢٩ هـ ) : أشار إلى ذلك في قصيدته العصماء في رثاء بني الأفطس فقال :

وفي ابن هند وفي ابن المصطفى

حسنِ أتت بمعضلة الألباب والفِكَر

____________________

(١) المنتخب من ذيل المذيَل / ١٥ ط مصر الحسينية.

(٢) الفتوح ( الترجمة الفارسية ) / ٣٣٩ ط الهند.

(٣) مقاتل الطالبيين / ٧٣ ط مصر تح ـ صقر.

(٤) المعجم الكبير ٣ / ٧١ ط الموصل.

(٥) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦.

(٦) حلية الأولياء ٢ / ٣٨.

(٧) تاريخ الخلفاء ورقة / ٥٣ ب ط موسكو سلسلة آثار الآداب الشرقية سنة ١٩٦٧ برقم ١١.

١٠٦

فبعضنا قائل ما اغتاله أحد

وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر

٢ ـ الزمخشري ( ت ٥٣٨ هـ ) : ذكر ذلك في ربيع الأبرار (١).

٣ ـ أخطب خوارزم الحنفي ( ت ٥٦٨ هـ ) : ذكر ذلك في مقتل الحسين (٢).

٤ ـ ابن عبد البر ( ت ٥٧٣ هـ ) : ذكر ذلك في الاستيعاب وحكى أقوال آخرين في ذلك فراجع (٣).

٥ ـ ابن عساكر ( ت ٥٧٣ هـ ) : ذكر ذلك في تاريخ دمشق (٤).

٦ ـ ابن الجوزي ( ت ٥٩٧ هـ ) : ذكر ذلك في المنتظم (٥).

القرن السابع :

١ ـ ابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) : ذكر ذلك في الكامل وفي أسد الغابة (٦).

٢ ـ ابن طلحة الشافعي ( ت ٦٥٢ هـ ) : ذكر ذلك في مطالب السؤول (٧).

٣ ـ سبط ابن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) : ذكر ذلك في مرآة الزمان وفي التذكرة (٨).

____________________

(١) ربيع الأبرار ٤ / ٢٠٨ باب ( الموت وما يتصل ) به ط أوقاف بغداد.

(٢) مقتل الحسين ١ / ١٣٦.

(٣) الاستيعاب ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ».

(٤) تاريخ مدينة دمشق ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ».

(٥) المنتظم ٥ / ٢٢٦ ط دار الكتب العلمية ، وفي صفوة الصفوة ١ / ٣٢١.

(٦) الكامل في التاريخ ٣ / ١٨٢ ط بولاق ، وفي أسد الغابة في ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ).

(٧) مطالب السؤول / ٧٠ ط حجرية.

(٨) مرآة الزمان ، تذكرة الخواص / ١٢١ ط حجرية.

١٠٧

٤ ـ ابن أبي الحديد ( ت ٦٥٥ هـ ) : ذكر ذلك في شرح النهج (١).

٥ ـ الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٨ هـ ) : ذكر ذلك في كفايه الطالب (٢).

٦ ـ ابن خلكان ( ت ٦٨١ هـ ) : ذكر ذلك في الوفيات (٣).

٧ ـ المحب الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) : ذكر ذلك في الذخائر (٤).

القرن الثامن :

١ ـ أبو الفداء ( ت ٧١٢ هـ ) : في المختصر (٥).

٢ ـ النويري ( ت ٧٢٣ هـ ) : في نهاية الأرب (٦).

٣ ـ ابن الوردي ( ت ٧٤٩ هـ ) : في تاريخه (٧).

٤ ـ جمال الدين الزرندي ( ت ٧٥٠ هـ ) : في نظم الدرر (٨).

القرن التاسع :

١ ـ الزين عبد الرحيم العراقي ( ت ٨٠٦ هـ ) : ذكر ذلك في مقدمة شرح التقريب وقد جزم به ، كما حكاه عنه ابن حجر في الصواعق (٩).

٢ ـ الدميري ( ت ٨٠٨ هـ ) : ذكر ذلك في حياة الحيوان (١٠).

____________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٤ ط مصر الأولى.

(٢) كفاية الطالب / ٢٦٨ ط النجف.

(٣) وفيات الأعيان ٢ / ٦٦ تح ـ إحسان عباس.

(٤) ذخائر العقبى / ١٤١ ط القدسي.

(٥) المختصر في أخبار البشر ١ / ١٨٣.

(٦) نهاية الأرب ٢٠ / ٣٢٢.

(٧) تاريخ ابن الوردي ١ / ١٦٦ ط الحيدرية.

(٨) نظم درر السمطين ط النجف.

(٩) الصواعق المحرقة لابن حجر / ٨٤.

(١٠) حياة الحيوان ١ / ٨٥ ط مصر.

١٠٨

٣ ـ ابن الشحنة ( ت ٨١٥ هـ ) : ذكر ذلك في روضة المناظر (١).

٤ ـ المقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) : ذكر ذلك في النزاع والتخاصم (٢).

٥ ـ ابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) : ذكر ذلك في الاصابة وفي تهذيب التهذيب وفي التقريب (٣).

٦ ـ ابن الصباغ المالكي ( ت ٨٥٥ هـ ) : ذكر ذلك في الفصول المهمة (٤).

القرن العاشر :

١ ـ السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) : ذكر ذلك في تاريخه (٥).

٢ ـ الخزرجي ( ت ٩٢٣ هـ ) : ذكر ذلك في خلاصة تهذيب الكمال (٦).

٣ ـ ابن حجر الهيتمي ( ت ٩٧٤ هـ ) : ذكر ذلك في الصواعق وحكى أسماء من جزم بذلك (٧).

القرن الحادي عشر :

١ ـ الصفوري ( ت ١٠٤٣ هـ ) : ذكر ذلك في نزهة المجالس (٨).

____________________

(١) المطبوع بهامش تاريخ ابن الأثير ١١ / ١٣٢ ط بولاق.

(٢) النزاع والتخاصم.

(٣) الإصابة ١ / ٣٣١ ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠ ، تقريب التهذيب ١ / ٥٥.

(٤) الفصول المهمة / ١٠٧ ط حجرية.

(٥) تاريخ الخلفاء / ١٢٩.

(٦) خلاصة تهذيب التهذيب الكمال / ٦٧.

(٧) الصواعق المحرقة / ٨٣ ـ ٨٤.

(٨) نزهة المجالس ٢ / ١٩٢.

١٠٩

٢ ـ ابن علاّن الصدّيقي ( ت ١٠٥٧ هـ ) : ذكر ذلك في شرح رياض الصالحين (١).

القرن الثاني عشر :

١ ـ الأمير حيدر الشهابي ( ت ١١٤٣ هـ ) : ذكر ذلك في الغرر (٢).

٢ ـ الشبراوي ( ت ١١٧١ هـ ) : ذكر ذلك في الاتحاف (٣).

القرن الثالث عشر :

١ ـ الشرقاوي ( ت ١٢٢٧ هـ ) : ذكر ذلك في تحفة الناظرين (٤).

٢ ـ عباس محمود العقاد : ذكر ذلك في كتابه أبو الشهداء (٥).

أضف إليهم من غير المسلمين : رزق الله منقريوس في تاريخه ( دول الإسلام ) (٦) ، وميخائيل شاروبيم بك في ( الكافي تاريخ مصر ) (٧) ، فهؤلاء جميعاً نيّفوا على الخمسين وليس بينهم شيعي واحد سوى ابن أعثم الكوفي فقد قيل بتشيعه وليس كذلك. كلّ هؤلاء ذكروا سمّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) وفيهم من صرّح بتدسيس معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ومنهم من رأى ذلك بتدسيس من يزيد.

ومهما يكن أمر ذلك فهو ثابت لا مجال للقول بأنه من حديث الشيعة كما زعمه ابن خلدون.

____________________

(١) شرح رياض الصالحين ١ / ١٩٦.

(٢) الغرر الحسان ١ / ٥٤.

(٣) الاتحاف بحب الأشراف / ٥٧.

(٤) تحفة الناظرين بهامش تاريخ الاسحاقي / ٦٩.

(٥) أبو الشهداء / ١٢٨.

(٦) دول الإسلام ١ / ٥٣.

(٧) تاريخ مصر ٢ / ٨٧.

١١٠

تحقيق : أين كان ابن عباس عند موت الحسن ( عليه السلام )؟

لقد ذكر البلاذري في أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) فقال : « حدّثني عباس بن هشام ، عن أبيه عن جده عن أبي صالح قال : قدم معاوية مكة فلقيه ابن عباس. فقال له معاوية : عجباً للحسن شرب عسلة طائفية بماء رومة فمات منها! فقال ابن عباس : لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك ، قال : وأنت اليوم سيّد قومك. قال : أمّا ما بقي أبو عبد الله فلا » (١).

فهذا الخبر على ما في سنده من هناة إلاّ أنّه مقبول في الجملة لموافقة عدة أخبار له في ذكر جواب ابن عباس فهو ممّا يؤكد أنّ لقاءاً تم بين ابن عباس ومعاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) وكان بمكة ، ولكن لا يشعر ذلك بأنّه أوّل لقاء كان بينهما. غير أنّ البلاذري ساق بعده خبراً آخر مسنداً فقال : « المدائني عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال : لقي معاوية ابن عباس بمكة فعزّاه عن الحسن فقال : لا يسوءك الله سوءاً يا أبا العباس ، فقال : لن يسوءني الله ما أبقاك يا أمير المؤمنين. فأمر له بمائة ألف درهم ـ قالوا ـ وبأكثر من ذلك وبكسوة ».

ثمّ قال البلاذري : « وسمعت من يحدّث أنّ وفاة الحسن اتت معاوية وعنده ابن عباس فقال له : عجبت للحسن شرب عسلاً بماء رومة فمات ، وعزى ابن عباس عنه فقال : لا يسوءك الله فقال ابن عباس : لا يسوءني الله يا أمير المؤمنين ما أبقاك ، فأمر له بألف ألف درهم » (٢).

فنحن الآن أمام هذه الأخبار الثلاث ، وعند الموازنة بينها نجد الثالث أوهاها حجة لإرساله ، وأمّا الأوّل والثاني فمع الإغماض عمّا في سنديهما من هناة كما

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٦٢ تح ـ المحمودي.

(٢) نفس المصدر / ٦٣.

١١١

ستأتي الإشارة إليهما ، إلاّ أنّ ما سيأتي من حضور ابن عباس عند الإمام الحسن ( عليه السلام ) وسماعه وصيته لأخيه الحسين ( عليه السلام ) : ثمّ مشاركته في تغسيل الإمام وتشييعه ، وموقفه مع عائشة ومع مروان في ممانعتهما من دفنه عند جده ، فكلّ هذا يؤيد وجوده في المدينة عند موت الإمام ، وقد لا يمنع من أن يكون التقى معاوية بمكة ـ كما مرّ عن البلاذري ـ فإنّ موت الإمام كان سنة خمسين كما في خبر أبي بصير في الكافي وهو أظهر الأقوال ـ أو إحدى وخمسين كما عن ابن قتيبة وغيره وهو أبعد الأقوال ، وإذا علمنا بأن معاوية قد أتى الحجاز سنة ٥٠ ، فيمكن أن يكون اللقاء قد تمّ بينه وبين ابن عباس بمكة بعد الإمام الحسن ( عليه السلام ) لكن حديث وجوده بالشام عند موت الإمام الحسن ( عليه السلام ) وإن لم يثبت بسند قوي قد يمنع من ذلك اللقاء بمكة ، نعم إن قلنا إنّ الثابت هو حضوره بالشام بعد موت الإمام لا في حينه ، وقد جرى بينه وبين معاوية من الكلام كسائر ما كان يجري بينهما من الخصام ، أغلظ فيه ابن عباس في الكلام كما سيأتي خبر ذلك ، فلا مانع من الجمع بين حضور ابن عباس المدينة وحضور الشام.

والآن إلى حديث حضوره عند الإمام في احتضاره وروايته للوصية وما يتبع ذلك ، ثمّ تعقيبنا على ما مرّ عن البلاذري فيما جرى من الكلام :

رواية ابن عباس في موت الإمام :

أخرج الشيخ الطوسي في آماليه (١) ، وفي عيون المعجزات المنسوب للمرتضى ، والشيخ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن عليّ الطبري في كتابه بشارة المصطفى (٢) وغيرهم ، واللفظ للأول :

____________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي / ٩٩ ط حجرية سنة ١٣١٣ و ١ / ١٥٩ مط النعمان.

(٢) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى / ٣٣٤.

١١٢

قال : « حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبي قال : حدّثنا مزاحم بن عبد الوارث ابن عباد البصري بمصر قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي قال : حدّثنا العباس بن بكار قال : حدّثنا أبو بكر الهلالي عن عكرمة عن ابن عباس.

قال الغلابي : وحدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي قال : حدّثنا عمر بن يونس اليمامي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : وحدّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل الطائي قال : حدثنا الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : حدثني محمّد بن سلام الكوفي.

قال ـ الغلابي ـ : حدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي قال : حدّثنا محمّد بن صالح ومحمّد بن الصلت قال : حدّثنا عمر بن يونس اليمامي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

( حضوره الوصية )

قال : دخل الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) على أخيه الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) في مرضه الّذي توفي فيه فقال له : كيف تجدك يا أخي؟ قال : أجدني في أوّل يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا ، وأعلم أنّي لا أسبق أجلي ، وأنّي وارد على أبي وجدي ( عليهما السلام ) على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبة ، وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه ، بل على محبّة مني للقاء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولقاء فاطمة وحمزة وجعفر ( عليهم السلام ) ، وفي الله ( عزّ وجلّ ) خلف من كلّ هالك ، وعزاء من كلّ مصيبة ، ودرك من كلّ ما فات.

رأيتُ يا أخي كبدي آنفاً في الطست ، ولقد عرفتُ من دهاني ومِن أين أتيت ، فما أنتَ صانع به يا أخي؟

١١٣

فقال الحسين ( عليه السلام ) : أقتله والله. قال : فلا أخبرك به أبداً حتى نلقى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ). ولكن اكتب : هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحسين بن عليّ أوصى انّه يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ، ولا وليّ له من الذلّ ، وأنّه خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا ، وأنّه أولى مَن عُبِد ، وأحق مَن حُمِد ، من أطاعه رَشد ، ومن عصاه غوى ، ومن تاب إليه اهتدى.

فإنّي أوصيك يا حسين بمَن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلَفاً ووالداً ، وأن تدفنني مع جدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فإنّي أحق به وببيته ممّن أدخل عليه بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده. قال الله تعالى فيما أنزله على نبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في كتابه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١) فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.

فإن أبت عليك الإمرأة فأنشدك بالقرابة الّتي قرّب الله ( عزّ وجلّ ) منك والرحم الماسّة من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن لا تهريق فيّ محجمة دم حتى نلقى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثمّ قبض ( عليه السلام ).

( مشاركته في تغسيل الإمام )

قال ابن عباس : فدعاني الحسين ( عليه السلام ) وعبد الله بن جعفر وعليّ بن عبد الله ابن العباس (٢) فقال : أغسلوا ابن عمكم ، فغسّلناه وحنّطناه وألبسناه أكفانه ، ثمّ

____________________

(١) الأحزاب / ٥٣.

(٢) لا يخفى ان عمره يومئذ ١١سنة ، فلعله كان يناولهم الماء ، كما صنع الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تغسيل الزهراء ( عليها السلام ) حين كان الحسين يناوله الماء وعمره سبع سنين يومئذ.

١١٤

خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد وانّ الحسين ( عليه السلام ) أمر أن يفتح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومَن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا : أيدفن أمير المؤمنين عثمان الشهيد القتيل ظلماً بالبقيع بشرّ مكان ويدفن الحسن مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )؟ والله لا يكون ذلك أبداً حتى تكسر السيوف بيننا ، وتنقصف الرماح وتنفد النبل.

فقال الحسين ( عليه السلام ) : أم والله الّذي حرّم مكّة ، للحسن بن عليّ بن فاطمة أحق برسول الله وبيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه ، وهو الله أحق به من حمّال الخطايا مسيّر أبي ذر ( رحمه الله ) الفاعل بعمار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى ، المؤوي لطريد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، لكنكم صرتم بعده الأمراء ، وبايعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.

قال ـ ابن عباس ـ فحملناه فأتينا به قبر أمه فاطمة ( عليها السلام ) فدفناه ، إلى جنبها رضي الله عنه وأرضاه.

( ووجدت عند بعض المتأخرين ان ابن عباس شارك في دفن الإمام الحسن ( عليه السلام ) حيث ذكر ان الحسين ومحمّد بن الحنفية وابن عباس أدخلوه القبر ).

واستمراراً في الحديث السابق نقرأ موقف ابن عباس.

( مع عائشة )

قال ابن عباس : وكنت أوّل من انصرف فسمعت اللغط وخفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل ، ورأيت شخصاً علمت الشرّ فيه ، فأقبلت مبادراً ، فإذا أنا بعائشة في أربعين راكباً على بغل مرحّل تقدمهم وتأمرهم بالقتال ، فلمّا رأتني قالت : إليّ إليّ يا بن عباس لقد اجترأتم عليّ في الدنيا ، تؤذونني مرة بعد أخرى تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ (؟!).

١١٥

فقلت : واسوأتاه يوم على بغل ويوم على جمل تريدين أن تطفئ فيه نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن معه ، إرجعي فقد كفى الله تعالى المؤنة ، ودفن الحسن إلى جنب أمه ، فلم يزدد من الله تعالى إلاّ قرباً ، وما ازددتم منه والله إلاّ بُعداً ، يا سوأتاه انصرفي فقد رأيتِ ما سرّكِ.

قال : فقطبّت في وجهي ونادت بأعلا صوتها : أما نسيتم الجمل يا بن عباس ، إنكم لذوو أحقاد فقلت : أم والله ما نسيه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض ، فانصرفت وهي تقول :

فألقت عصاها فاستقرّ بها النوى

كما قرّ عيناً بالإياب المسافر »

وروى المجلسي في البحار نقلاً عن عيون المعجزات المنسوب للمرتضى قال : « فقام ابن عباس ( رضي الله عنه ) وقال : يا حميراء ليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل ويوم على البغلة ، أما كفاك أن يقال : يوم الجمل حتى يقال يوم البغل يوم على هذا ويوم على هذا ، بارزة عن حجاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تريدين إطفاء نور الله والله متمّ نوره ولو كره المشركون ، إنا لله وإنا إليه راجعون.

فقالت له : إليك عني وأفّ لك ولقومك » (١).

وروى أيضاً نقلاً عن الخرايج للراوندي : « ثمّ قال ابن عباس ـ لعائشة ـ : واسوأتاه يوماً على بغل ويوماً على جمل.

قال : وفي رواية : يوماً تجمّلت ويوماً تبغّلت وإن عشت تفيّلت. فأخذه ابن الحجّاج الشاعر البغدادي فقال :

تـجـمّـلـت تـبـغّـلـت

وإن عـشـت تـفـيّـلـت

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ١٤١ نقلاً عن عيوان المعجزات.

١١٦

 

يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت

لكِ التسع من الثمن وبالكل تملّكت » (١)

وروى ابن شهر اشوب في المناقب كلام ابن عباس مع عائشة وفيه :

« تـجـمّـلـت تـبـغّـلـت

وإن عـشـت تـفـيّـلـت

ثمّ قال : قال الصقر البصري :

ويـوم الحسـن الهادي

على بغلك أسرعت

ومـايـسـتِ ومـانـعـتِ

وخاصـمت وقاتلت

وفي بـيـت رسـول الله

بـالـظـلـم تحـكّـمـت

هـل الـزوجـة أولـى

بالمواريث من البنت

لـك الـتـسع من الثمن

فـبـالـكـل تحـكّـمـت

تجـمّـلـتِ تـبـغـلـتِ

ولـو عـشـتِ تـفيلتِ » (٢)

إنّ الزبير لمانعي من خوفه

ما كبّر الحُجّاج في الأمصار

وقد روى ابن سعد في ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) من طبقاته بسنده عن عباد ابن عبد الله بن الزبير قال : « سمعت عائشة تقول يومئذ : هذا الأمر لا يكون أبداً ، يدفن ببقيع الفرقد ولا يكون لهم رابعاً ، والله إنّه لبيتي أعطانيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في حياته ، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلاّ بأمري ، وما أثر عليّ ( رحمه الله ) عندنا بحسن » (٣).

وهذا أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في مختصره لابن منظور (٤) ، وأشار إليه الذهبي في سير أعلام النبلاء (٥).

____________________

(١) نفس المصدر / ١٥٤ نقلاً عن الخرايج للراوندي. راجع الخرائج ١ / ٢٤٣ ط مؤسسة الإمام المهدي ( عليه السلام ) قم.

(٢) المناقب ٣ / ٢٠٤ ط الحيدرية.

(٣) الطبقات الكبرى ( ترحمة الإمام الحسن ) ٣ / ٣٩٣ ط الخانجي بمصر.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ٧ / ٤٥.

(٥) سير أعلام النبلاء ( ترجمة الأمام الحسن ) ٣ / ٢٧٦.

١١٧

( مع مروان )

وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد قال : « فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، لكنا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ثمّ نردّه إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلمت أنك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك ، لكنه ( عليه السلام ) كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً (١) كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

ثمّ أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه يوماً على بغل ويوماً على جمل ، تريدين أن تطفئ نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، إرجعي فقد كُفيتِ الّذي تخافين ، وبلغتِ ما تحبين ، والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين » (٢).

عودة إلى الإشكال :

فقال الإربلي في كشف الغمة : « إنّي نقلت أنّ عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) كان بدمشق وأخبره معاوية بموت الحسن ( عليه السلام ) : وجرى بينهما كلام أغلظ فيه ابن عباس ، وقال له : أصبحت سيّد قومك ، قال : أما والحسين بن عليّ حي فلا.

وقد أوردنا ها هنا انّه حدّثَ مروان وعائشة وقال لهما ما ذكرناه فيجب أن نحقق ، ولا يجوز أن يكون القائل غير عبد الله ، فإن ابن عباس إذا ورد هكذا لم يرد به إلاّ عبد الله ... اهـ » (٣).

____________________

(١) قارن مناقب ابن شهر آشوب ٣ / ٢٠٤ ط الحيدرية.

(٢) الإرشاد / ١٩٣ ط الحيدرية.

(٣) كشف الغمة ١ / ٥٤٨ منشورات الشريف الرضي.

١١٨

أقول : وعلينا الآن أن نستذكر أوّلاً ما مرّ بنا من أخبار البلاذري الثلاثة ، ولنعيد النظر فيها ، ونرى فيها ما اتفقت عليه وما اختلفت فيه ثمّ نبيّن رأينا في دلالاتها ، فنقول :

أ ـ إنّ الخبر الأوّل والثالث يتفقان في ذكر سبب موت الإمام ( عليه السلام ) وأنّه شرب عسلاً بماء رومة فمات منها (؟) وما أدري لماذا مات الإمام من شرب العسل الممزوج بماء رومة؟ ورومة أسم بئر بالمدينة زعم الأمويون أنّ عثمان اشتراها وتصدّق بها على المسلمين كما زعموا أنّه سقط فيها خاتم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الّذي كان يلبسه عثمان (؟) وزعموا وزعموا ، والآن زعم معاوية أنّ ماءها إذا مزج بالعسل تفاعل حتى يصير سماً (؟) فشرب منه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ومات من شربته (؟).

ب ـ والخبر الأوّل والثاني يتفقان في مكان اللقاء بين ابن عباس ومعاوية وهو كان بمكة.

ج ـ بينما يتفق الثاني والثالث في صيغة تعزية معاوية : لا يسوءك الله ... وفي جواب ابن عباس له : لا يسوؤني الله ما أبقاك يا أمير المؤمنين (؟) وهذا بيت القصيد في مدح أبي يزيد.

د ـ كما أنّهما يختلفان في مقدار المال الّذي أمر به معاوية ، ففي الخبر الثاني مائة ألف درهم وفي الخبر الثالث ألف ألف درهم.

ومهما يكن فإنّ معاوية لم يدع مدح ابن عباس يذهب هدراً ، بل أرسل إليه ما يشتري به ذمته (؟) أليس هذا هو المطلوب كما يبدو من عرض البلاذري لأخباره ، وكأنّه يرتأي أنّ اللقاء كان بمكة ، حيث ساق ذلك بإسناد ، بينما ذكر الخبر الثالث مرسلاً عن سماع ولم يفصح ممّن سمعه (؟) فهو ساقط بالمرّة ، ونعود إلى إسناد الخبرين الأولين.

١١٩

فالأوّل منهما عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبي صالح ...

وجهالة حال العباس قد تكفي في رد خبره ، وإن كان أبوه هشام بن محمّد ابن السائب الكلبي ممّن له ترجمة في الرجال وكذلك ، وجده أيضاً وإن أسيء القول فيه من بعضهم لأنّه روى فضيلة لآل محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (١).

وأبو صالح هو باذام قال فيه القطان : « أرَ أحداً من أصحابنا تركه ، وما سمعت أحداً من الناس يقول فيه شيئاً » (٢).

فالخبر على ما في سنده من هناة تمنع من قبوله ولا مؤيداً لما قدّمناه من حضور ابن عباس وصية الإمام الحسن ( عليه السلام ) وتجهيزه ومشاركته في تأنيب عائشة ومروان : فهو لا دلالة فيه على أنّ لقاء مكة كان أوّل لقاء بين ابن عباس ومعاوية بعد موت الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وقول معاوية : « واعجباً للحسن ... » لا يدل على أكثر من بداية أموية استفزازية في إثارة ابن عباس.

أمّا الخبر الثاني فسنده عن المدائني عن ابن جعدبة = يزيد بن عياض ـ عن صالح بن كيسان.

وشهرة المدائني تغني عن تعريفه ، غير أنّ ابن جعدبة طعن فيه البخاري ويحيى ومالك ، وقد رماه بالكذب ، وقال فيه النسائي وغيره : « متروك » مع أنّه من رجال الترمذي وابن ماجة عند أصحاب الحديث.

أمّا صالح بن كيسان ، فقالوا فيه : « أحد الثقات والعلماء رُمي بالقدر » ، ونفى ابن حجر في لسان الميزان ذلك عنه فقال : « ولم يصح عنه ذلك » ، وهذا لا يجعل المتن مقبولاً ، ويكفي وجود ابن جعدبة ، فهو ساقط متناً لسقوطه سنداً ، نعم يبقى

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ٤٧٩.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ٢ / ٦٩.

١٢٠