بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

المسائل « اللهم إن خيرتك فيما أستخيرك فيه تنيل الرغائب ، وتجزل المواهب ، وتغنم المطالب ، وتطيب المكاسب ، وتهدي إلى أجمل المذاهب ، وتسوق إلى أحمد العواقب ، وتقى مخوف النوائب ، اللهم إني أستخيرك فيما عزم رأيى عليه ، وقادنى عقلي إليه ، فسهل اللهم منه ما توعر ، ويسر منه ما تعسر ، واكفني فيه المهم وادفع عني كل ملم ، واجعل رب عواقبه غنما ، وخوفه سلما ، وبعده قربا ، وجدبه خصبا ، وأرسل اللهم إجابتي وأنجح طلبتي واقض حاجتي واقطع عوائقها وامنع بوائقها ، وأعطني اللهم لواء الظفر فيما استخرتك ، ووفور الغنم فيما دعوتك وعوائد الافضال فيما رجوتك ، وأقرنه اللهم بالنجاج وحطه بالصلاح ، وارنى أسباب الخيرة واضحة ، وأعلام غنمها لائحة ، واشدد خناق تعسرها ، وانعش صريع تيسرها ، وبين اللهم ملتبسها ، وأطلق محتبسها ومكن اسها حتى تكون خيرة مقبلة بالغنم ، مزيلة للغرم ، عاجلة النفع ، باقية الصنع ، إنك ولى المزيد مبتدئ بالجود (١).

بيان : الرغائب جمع الرغيبة وهى العطاء الكثير ، وفي القاموس الغنم بالضم الفيئ ، غنم بالكسر غنما بالضم وبالفتح والتحريك وغنيمة وغنماتا بالضم الفوز بالشئ بلا مشقة ، وغنمه كذا تغنيما نفله إياه ، وفي أكثر النسخ على بناء الافعال وفي القاموس الوعر ضد السهل ، وتوعر صار وعرا ، وتوعر الامر تعسر ، وقال الملم الشديد من كل شئ ، وقال البائقة الداهية والجمع البوائق.

واشدد خناق تعسرها « أي اقتل التعسر بالخناق كناية عن إزالته شبه التعسر بحيوان وأثبت له الخناق ، وهو ككتاب الحبل يخنق به ، وكغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب ، ويقال أيضا : أخذ بخناقه بالكسر والضم ومخنقه أي بحلقه ، كل ذلك ذكره الفيروز آبادي وفي أكثر النسخ بفتح الخاء فيكون مصدرا وإن لم يرد في اللغة.

« وانعش » أي ارفع « صريع تيسرها » أي تيسرها المصروع الساقط على الارض

____________________

(١) البلد الامين : ٥١٦.

٢٨١

والاستعارة فيه كالسابق ، والصنع بالضم المعروف والاحسان » وأطلق محتبسها » على بناء الفاعل أو المفعول ، لان احتبس لازم متعد.

٣٣ ـ الفتح : نقلا من كتاب سعد بن عبدالله الثقة عن الحسين ، عن محمد بن خالد ، عن أبى الجهم ، عن معاوية بن ميسرة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخير يقول : يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين صل على محمد وعلى أهل بيته وخرلي في كذا وكذا.

المتهجد والفقيه والتهذيب : عن معاوية بن ميسرة مثله (١) وزادوا بعد الراحمين « ويا أحكم الحاكمين » وفيها وأهل بيته.

المكارم : عن معاوية مثل الاخير وزاد في آخره ثم اسجد سجدة تقول فيها مائة مرة « أستخير الله برحمته أستقدر الله في عافية بقدرته « ثم ائت حاجتك فانها خيرة لك ، على كل حال ، ولا تتهم ربك فيما تتصرف فيه.

٣٤ ـ الفتح : عن شيخيه الفقيهين محمد بن نما وأسعد بن عبدالقاهر باسنادهما المتقدم إلى شيخ الطائفة باسناده إلى الحسن بن محبوب عن أبى أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : كنا امرنا بالخروج إلى الشام ، فقلت : اللهم إن كان هذا الوجه الذي هممت به خيرا لى في دينى ودنياي وعاقبة أمري و لجميع المسلمين ، فيسره لى وبارك لى فيه ، وإن كان ذلك شرا لى فاصرفه عنى إلى ما هو خير لى ، فانك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب ، أستخير الله ويقول ذلك مائة مرة قال : وأخذت حصاة ووضعتها على نعلى حتى أتممتها فقلت أليس إنما يقول هذا الدعاء مرة واحدة ، ويقول مائة مرة » أستخير الله »؟ قال : هكذا قلت : مائة مرة ، ومرة هذا الدعاء ، قال : فصرف ذلك الوجه عني وخرجت بذلك الجهاز إلى مكة ، ويقولها في الامر العظيم مائة مرة ومرة ، وفي

____________________

(١) مصباح المتهجد الشيخ الطوسى. ٣٧٣ ، فقيه من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٣٥٦ التهذيب ج ١ ص ٣٠٦.

٢٨٢

الامر الدون عشر مرات ،

بيان : لعل وضع الحصاة على النعل لضبط العدد تعليما للغير ، ويحتمل أن يكون وضع الحصاة الواحدة فقط فيكون جزء للعمل لكنه بعيد.

٣٥ ـ المتهجد والمكارم والجنة : روى مرازم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين وليحمد الله وليثن عليه ، ويصلي على محمد وآله ويقول : « اللهم إن كان هذا الامر خيرا لى في دينى ودنياي وآخرتي فيسره لي و قدره ، وإن كان على غير ذلك فاصرفه عني » فسألته عن أي شئ أقرأ فيهما؟ فقال عليه‌السلام : اقرأ ففيهما ما شئت ، وإن شئت قرأت قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون (١).

أقول : وقال الكفعمى في البلد الامين في بعض نسخ مختصر المصباح هكذا : وإن قرأت قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون كان أفضل.

أقول : والنسخ التي عندنا موافق لما مر ، وليس فيها ذكر الافضلية ، وإن كان يومي إليها.

٣٦ ـ المكارم عن عمر بن حريث قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : صل ركعتين واستخر الله ، فوالله ما استخار الله تعالى مسلم إلا خار الله له البتة (٢).

٣٧ ـ المهذب لا بن البراج : صلاة الاستخارة ركعتان يصليهما من أراد صلاتهما كما يصلي غيرهما من النوافل ، فاذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية قنت قبل الركوع ، ثم يركع ويقول في سجوده « أستخير الله « مائة مرة فاذا أكمل المأة قال : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم رب بحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد ، وخرلى في كذا وكذا » ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة لاجلها ، وقد ورد في صلاة الاستخارة وجوه غير ما ذكرناه ، والوجه الذي ذكرناه ههنا من أحسنها.

____________________

(١) مصباح الشيخ ص ٣٧١ ، مكارم الاخلاق ص ٣٧٠.

٢٨٣

٣٨ ـ أقول : ورأيت في بعض مؤلفات أصحابنا نقلا من كتاب روضة النفس في العبادات الخمس ، أنه قال : فصل في الاستخارات ثم قال : وقد ورد في العمل بها وجوه مختلفة من أحسنها أن تغتسل ثم تصلي ركعتين تقرأ فيهما ما أحببت ، فاذا فرغت منهما قلت » اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستخيرك بعزتك وأستخيرك بقدرتك وأسئلك من فضلك العظيم ، فانك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، إن كان هذا الامر الذي اريده خيرا في ديني ودنياى وآخرتي ، وخيرا لى فيما ينبغي فيه خير ، وأنت أعلم بعواقبه مني ، فيسره لي ، وبارك لي فيه ، و أعني عليه ، وإن كان شرا لي فاصرفه عني وقيض لي الخير حيث كان ، وأرضنى به حتى لا احب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.

٣٩ ـ مصباح ابن الباقى : روي عن أمير المؤمين عليه‌السلام « ما شاء الله كان اللهم إنى أستخيرك خيار من فوض إليك أمره ، وأسلم إليك نفسه ، واستسلم إليك في أمره ، وخلا لك وجهه ، وتوكل عليك فيما نزل به ، اللهم خرلى ولا تخرعلى ، وكن لى ولا تكن علي ، وانصرنى ولا تنصر علي ، وأعنى ولا تعن علي ، وأمكنى ولا تمكن منى ، واهدنى إلى الخير ولا تضلني ، وأرضنى بقضائك ، وبارك لي في قدرك ، إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ، وأنت على كل شئ قدير ، اللهم إن كان الخيرة في أمري هذا في دينى ودنياي وعاقبة أمري ، فسهله لى ، وإن كان غير ذلك فاصرفه عنى ، يا أرحم الراحمين ، إنك على كل شئ قدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

٢٨٤

٨

* ( باب النوادر ) *

١ ـ الفتح : قال قدس سره : اعلم أنى ما وجدت حديثا صريحا أن الانسان يستخير لسواه ، لكن وجدت أحاديث كثيرة تتضمن الحث على قضاء حوائج الاخوان من الله جل جلاله بالدعوات ، وساير التوسلات ، حتى رأيت في الاخبار من فوايد الدعاء للاخوان ما لا أحتاج إلى ذكره الان ، لظهوره بين الاعيان ، والاستخارات على ساير الروايات هى من جملة الحاجات ، ومن جملة الدعوات ، واستخارة الانسان عن غيره داخلة في عموم الاخبار الواردة بما ذكرناه ، لان الانسان إذا كلفه غيره من الاخوان الاستخارة في بعض الحاجات ، فقد صارت الحاجة للذي يباشر الاستخارات فيستخير لنفسه ، وللذي يكلف الاستخارة : أما استخارته لنفسه بأنه هل المصلحة للذي يباشر الاستخارة في القول لمن يكلفه الاستخارة ، وهل المصلحة للذي يكلفه الاستخارة في الفعل أو الترك ، وهذا مما يدخل تحت عموم الروايات بالاستخارات ، وبقضاء الحاجات ، وما يتوقف هذا على شئ يختص به في الروايات.

بيان : ما ذكره السيد من جواز الاستخارة للغير لا يخلو من قوة للعمومات لا سيما إذا قصد النائب لنفسه أن يقول للمستخير افعل أم لا؟ كما أومأ إليه السيد ، وهو حيلة لدخولها تحت الاخبار الخاصة ، لكن الاولى والاحوط أن يستخير صاحب الحاجة لنفسه ، لانا لم نر خبرا ورد فيه التوكيل في ذلك ، ولو كان ذلك جائزا أو راجحا لكان الاصحاب يلتمسون من الائمة عليهم‌السلام ذلك ، ولو كان ذلك لكان منقولا لا أقل في رواية ، مع أن المضطر أولى بالاجابة ودعاؤه أقرب إلى الخلوص عن نية.

٢٨٥

أقول : وجدت بخط الشيخ الشهيد قدس الله روحه إذا أهم أحدا أمر وتحير فيه فلا يدري ما يفعل ، فليتبادر إلى العمل بهذا الخبر.

ووجدت في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضى التنوخى ما هذه صورته : وما أعجب هذا الخبر فانى وجدته في عدة كتب بأسانيد وغير أسانيد على اختلاف في الالفاظ ، والمعنى قريب ، وأنا أذكر أصحها عندي.

وجدت في كتاب محمد بن جرير الطبرى الذي سماه كتاب الاداب الحميدة نقلته بحذف الاسناد عن روح بن الحارث عن أبيه عن جده ، أنه قال لبنيه يا بنى إذا دهمكم أمر أو أهمكم فلا يبيتن أحدكم إلا وهو طاهر على فراش ولحاف طاهرين ، ولا يبيتن ومعه امرءة ، ثم ليقرأ » والشمس وضحيها « سبعا والليل سبعا ، ثم ليقل « اللهم اجعل لى من أمري هذا فرجا » فانه يأتيه آت في أول ليلة أوفي الثالثة أو في الخامسة وأظنه قال أوفي السابعة يقول له : المخرج مما أنت فيه كذا.

قال أنس : فأصابنى وجع لم أدر كيف آتى له ، ففعلت أول ليلة فأتانى اثنان فجلس أحدهما عند رأسى والاخر عند رجلى ، ثم قال أحدهما للاخر : حسه فلمس جسدي كله فلما انتهى إلى موضع من رأسي قال احتجم ههنا ، ولا تحلق ، ولكن اطله بغراء ، ثم التفت إلي أحدهما أو كلاهما ، فقال لي فكيف لو ضممت إليهما التين والزيتون؟ قال : فاحتجمت فبرأت وأنا فلست احدث أحدا به إلا وحصل له الشفاء قال آخر : وجربته فصح.

بيان : قال في القاموس الغرى ما طلي به أو لصق به أو شئ يستخرج من السمك كالغراء ككساء.

٢٨٦

فذلكة

أظن أنه قد اتضح لك مما قرع سمعك ومر عليه نظرك في الابواب السابقة أن الاصل في الاستخارة الذي يدل عليه أكثر الاخبار المعتبرة ، هو أن لا يكون الانسان مستبدا برأيه ، معمدا على نظره وعقله ، بل يتوسل بربه تعالى ويتوكل عليه في جميع اموره ، ويقر عنده بجهله بمصالحه ، ويفوض جميع ذلك إليه ، و يطلب منه أن يأتي بما هو خير له في اخراه واولاه ، كما هو شأن العبد الجاهل العاجز مع مولاه العالم القادر ، فيدعو بأحد الوجوه المتقدمة مع الصلاة أو بدونها ، بل بما يخطر بباله من الدعاء إن لم يحضره شئ من ذلك ، للاخبار العامة ، ثم يأخذ فيما يريد ثم يرضى بكل ما يترتب على فعله من نفع أو ضر.

وبعد ذلك الاستخارة من الله سبحانه ثم العمل بما يقع في قلبه ويغلب على ظنه أنه أصلح له ، وبعده الاستخارة بالاستشارة بالمؤمنين ، وبعده الاستخارة بالرقاع أو البنادق أو القرعة بالسبحة والحصا أو التفؤل بالقرآن الكريم.

والظاهر جواز جميع ذلك كما اختاره أكثر أصحابنا ، وأوردوها في كتبهم الفهية والدعوات وغيرها ، وقد اطلعت ههنا على بعضها ، وأنكر ابن إدريس الشقوق الاخيرة ، وقال إنها من أضعف أخبار الاحاد ، وشواذ الاخبار ، لان رواتها فطحية ملعونون ، مثل زرعة وسماعة وغيرهما ، فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته ، ولا يعرج عليه ، قال : والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ، ولا يذكرون البنادق والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات ، دون كتب الفقه وذكر أن الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية ، ووافقه المحقق ففال : وأما الرقاع وما يتضمن افعل ولا تفعل ، ففي حيز الشذوذ ، فلا عبره بهما.

وأصل هذا الكلام من المفيد رحمة الله عليه في المقنعة حيث أورد أولا أخبار الاستخارة بالدعاء والاستشارة وغيرهما مما ذكرنا أولا ، ثم أورد استخارة ذات الرقاع

٢٨٧

وكيفيتها ثم قال : قال الشيخ : وهذه الرواية شاذة ليست كالذي تقدم لكنا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها انتهى ، ولعله مما ألحقه أخيرا في الهامش فأدرجوه في المتن.

وقال السيد بن طاوس ره : عندي من المقنعة نسخة عتيقة جليلة كتبت في حياة المفيد رضي الله عنه ، وليست فيه هذه الزياده ، ولعلها قد كانت من كلام غير المفيد على حاشية المقنعة فنقلها بعض الناسخين فصارت في الاصل ، ثم أولها على تقدير كونها من الشيخ بتأويلات كثيرة ، وأجاب عن كلام المحقق وابن إدريس ره بوجوه شتى لم نتعرض لها لقلة الجدوى.

وقال الشهيد رفع الله درجته في الذكرى : وإنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الاصحاب ، وعدم راد لها سواه ، ومن أخذ مأخذه ، كالشيخ نجم الدين ، قال : وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم ، و المصنفون في مصنفاتهم ، وقد صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والماثر الباهرة ، رضي الدين أبوالحسن علي بن طاوس الحسني ره كتابا ضخما في الاستخارات واعتمد فيه على رواية الرقاع ، وذكر من آثارها عجائب وغرائب ، أراه الله تعالى إياها ، وقال : إذا توالى الامر في الرقاع فهو خير محض ، وإن توالى النهي فذلك الامر شر محض ، وإن تفرقت كان الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الامر بحسب ترتبها.

٢٨٨

أبواب

* « ( الصلوات التى يتوصل بها إلى حصول ) » *

* « ( المقاصد والحاجات سوى مامر في ) » *

* « ( أبواب الجمعة والاستخارات ) » *

١

* « ( باب ) » *

* « ( صلاة الاستسقاء وآدابها وخطبها وأدعيتها ) » *

الايات : البقرة : وإذ استسقى موسى لقومه (١).

المائدة : ولو أنهم أقاموا التورية والانجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحب أرجلهم (٢)

الاعراف : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (٣).

____________________

(١) البقرة : ٦٠.

(٢) المائدة : ٦٦.

(٣) الاعراف : ٩٦.

٢٨٩

حمعسق : وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد (١).

نوح : فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا (٢).

الجن : وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا (٣).

تفسير : « ولو أنهم » أي أهل الكتاب » أقاموا التورية والانجيل « بعدم كتمان ما فيهما والقيام بأحكامهما » وما انزل إليهم من ربهم « أي القرآن أو ساير الكتب المنزلة فانها من حيث إنهم مكلفون بالايمان بها كالمنزل إليهم « لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم » أي لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات السماء والارض أو يكثر ثمرة الاشجار وغلة الزروع ، أو يرزقهم الجنان اليانعة فيجتنونها من رأس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الارض ، بين بذلك أن ما كف عنهم بشوم كفرهم ومعاصيهم لا لقصور الفيض ، ولو أنهم آمنوا وتابوا وأقاموا ما امروا به لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين.

وربما يحمل الاكل على الغذاء الروحاني ، ويحمل قوله تعالى : من فوقهم على الواردات القدسية والالهامات الغيبية » ومن تحتهم على ما يحصل بالمطالعات العلمية والنتايج الفكرية.

« ولو أن أهل القرى « بمعنى المدلول عليها بقوله » وما أرسلنا في قرية من نبي « (٤) وقيل مكة وما حولها » لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض » أي أمطرنا لهم من السماء وأنبتنا لهم من الارض أو أوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب « ولكن كذبوا » الرسل « فأخذناهم بما كانوا يكسبون « من الكفر و

____________________

(١) الشورى : ٢٨.

(٢) نوح : ١٠.

(٣) الجن : ١٦.

(٤) الاعراف : ٩٤.

٢٩٠

المعاصي ، فدلت الاية على أن منع بركات السماء والارض بسبب الكفر و المعاصي.

وهو الذي ينزل الغيث أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منها ، وقرئ ينزل على بناء الافعال والتفعيل » من بعد ما قنطوا » أي أيسوا منه ، وقرئ بكسر النون في الشواذ « وينشر رحمته » أي المطر في كل شئ من السهل والجبل والنبات والحيوان « وهو الولي « الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته » الحميد أي المستحق للحمد على ذلك

فقلت استغفروا ربكم » هذا كلام نوح عليه‌السلام لقومه أي اطلبوا منه المغفرة على كفركم ومعاصيكم بعد التوبة ، إنه كان غفارا للتائبين ، قيل : لما طالت دعوتهم و تمادى إصرارهم ، حبس الله عنهم القطر ، أربعين سنة وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستفعار عما كانوا عليه بقوله « يرسل السماء » أي السحاب أو المظلة لكون المطر كله أو بعضه منها كما مر أو لكون أسبابه وتقديراته منها « عليكم مدرارا « أي كثير الدرور ، ويستوى في هذا البناء المذكر والمؤنث » ويمددكم بأموال وبنين » أي يكثر أموالكم وأولادكم الذكور « ويجعل لكم جنات » أي بساتين في الدنيا ويجعل لكم أنهارا « تسقون بها جناتكم ، والاية تدل على أن الاستغفار والتوبة موجبان لكثرة الامطار وغزارة الانهار ، وكثرة البساتين والاشجار ، فينبغي في الاستسقاء الاكثار من الاستغفار والتوبة من الذنوب.

« وأن لو استقاموا على الطريقة » أي على الايمان والاعمال الصالحة « لاسقيناهم ماء غدقا » أي كثيرا ويدل على أن منع المطر بسبب الكفر والمعاصي وأن التوبة والاعمال الصالحة توجب نزوله.

ثم اعلم أن الاستسقاء هو طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها ، و استحبابه إجماعي عند علمائنا وقال في المنتهي : أجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء إلا أبا حنيفة ، فانه قال : ليس لها صلاة بل مجرد الدعاء

٢٩١

وقال : يصلى جماعة وفرادى ، وهو قول أهل العلم ، ولا خلاف في أن صلاته كصلاة العيد.

ونقل الشهيد في الذكرى عن ظاهر كلام الاصحاب أن وقتها وقت صلاة العيد ونقل عن ابن أبي عقيل التصريح بأن الخروج في صدر النهار ، وعن أبي الصلاح انبساط الشمس ، وعن ابن الجنيد بعد صلاة الفجر ، قال : والشيخان لم يعينا وقتا إلا أنهما حكما بمساواتهما العيد ، وصرح الفاضلان بأنه لا يتعين لها وقت ، بل قال العلامة في النهاية في أي وقت خرج جاز وصلاها إذ لا وقت لها إجماعا ، ونحوه قال في التذكرة ، ثم قال : والاقرب عندي إيقاعها بعد الزوال لان ما بعد العصر أشرف والظاهر عدم تعين وقت لها ، ولعل قبل الزوال أولى.

وقال في الذكرى : يجوز الاستسقاء بغير صلاة إما في خطبة الجمعة والعيدين ، أو في أعقاب المكتوبات ، أو يخرج الامام إلى الصحراء فيدعو والناس يتابعونه ، ويستحب لاهل الخصب الاستسقاء لاهل الجدب بهذين النوعين من الاستسقاء ، وفي جوازه بالصلاة والخطبتين عندي تردد ، لعدم الوقوف عليه منصوصا وأصالة الجواز.

١ ـ دعائم الاسلام : روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إلى المصلى فاستسقى (١).

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : لا يكون الاستسقاء إلا في براز من الارض يخرج الامام في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس فيستسقى لهم (٢).

قال : وصلاة الاستسقاء كصلاة العيدين يصلي الامام ركعتين يكبر فيهما كما يكبر في صلاة العيدين ، ثم يرقى المنبر ، فاذا استوى عليه جلس جلسة خفية ، ثم قام فحول رداءه فجعل ما على عاتقه الايمن منه على عاتقه الايسر ، وما على عاتقه الايسر على عاتقه الايمن ، كذلك فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام وهي من السنة ، ثم يكبر الله رافعا صوته ويحمده بما هو أهله ، ويسبحه ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل

____________________

(١ و ٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٠٢.

٢٩٢

والتكبر مثل ما يفعل في صلاة العيدين ، ثم يستقي ويكبر بعض التكبير مستقبل القبلة وعن يمينه وعن شماله ، ويخطب ويعظ الناس (١).

وعنه عليه‌السلام أنه قال : ويستحب أن يمكون الخروج إلى الاستسقاء يوم الاثنين ويخرج المنبر كما يخرج للعيدين ، ى وليس فيها أذان ولا إقامة (٢).

بيان : خروج المنبر في العيدين غير معهود وباقي الاحكام سيأتي بيانها.

٢ ـ المتهجد والتهذيب والفقيه (٣) واللفظ للمتهجد : روى أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب بهذه الخطبة في صلاة الاستسقاء فقال :

الحمد لله سابغ النعم ، ومفرج الهم ، وبارئ النسم الذي جعل السموات المرساة عمادا ، والجبال أوتادا ، والارض للعباد مهادا ، وملائكته على أرجائها وحملة عرشه على أمطائها ، وأقام بعزته أركان العرش ، وأشرق بضوئه شعاع الشمس وأطفأ بشعاعه ظلمة العطش ، وفجر الارض عيونا ، والقمر نورا ، والنجوم بهورا ثم علافتمكن ، وخلق فأتقن ، وأقام فتهيمن ، فخضعت له نخوة المستكبر ، وطلبت إليه خلة المتمسكن.

اللهم فبدرجتك الرفيعة ، ومحلتك المنيعة ، وفضلك البالغ ، وسبيلك الواسع أسئلك أن تصلي على محمد وآل محمد ، كما دان لك ودعا إلى عبادتك ووفى بعهودك وأنفذ أحكام وأتبع أعلامك ، عبدك ونبيك ، وأمينك على عهدك إلى عبادك القائم بأحكامك ، مؤيد من أطاعك ، وقاطع عذر من عصاك.

اللهم فاجعل محمدا أجزل من جعلت له نصيبا من رحمتك ، وأنضر من أشرق وجهه لسجال عطيتك ، وأقرب الانبياء زلفة يوم القيامة عندك ، وأوفرهم حظا من رضوانك ، وأكثرهم صفوف امة في جنانك ، كما لم يسجد للاحجار ، ولم يعتكف للاشجار ، ولم يستحل السبا ، ولم يشرب الدماء.

اللهم خرجنا إليك حين فاجئتنا المضايق الوعرة ، وألجأتنا المحابس العسرة ،

____________________

(١ و ٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٠٣.

(٣) التهذيب ج ٣ ص ١٥١ ط نجف ، الفقيه ج ١ ص ٢٣٥.

٢٩٣

وعضتنا علائق الشين ، فتأثلت علينا لواحق المين ، واعتكرت علينا حدابير السنين وأخلفتنا مخائل الجوئد ، واسظمأنا لصوارخ القود ، فكنت رجاء المبتئس ، والنقه للملتمس ، ندعوك حين قنط الانام ، ومنع الغمام ، وهلك السواك ، يا حي يا قيوم عدد الشجر والنجوم ، والملائكة الصفوف ، والعنان المعكوف ، وأن لا تردنا خائبين ، ولا تؤاخذنا بأعمالنا ، ولا تحاصنا بذنوبنا ، وانشر علينا رحماتك بالسحاب المتئق ، والنبات المونق ، وامنن على عبادك بتنويع الثمرة ، وأحى بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة ، سقيا منك نافعة دائمة غزرها ، واسعا درها سحابا وابلا سريعا عاجلا ، تحيى به ما قد مات ، وترد به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت.

اللهم اسقنا غيثا مغيثا ممرعا طبقا مجلجلا ، متتابعا خفوقه ، منبجسة بروقه مرتجسة هموعه ، وسيبه مستدر ، وصوبه مسبطر ، لا تجعل ظله علينا سموما ، وبرده علينا جسوما ، وضوءه علينا رجوما وماءه اجاجا ، ونباته رمادا رمددا.

اللهم إنا نعوذ بك من الشرك وهواديه ، والظلم ودواهيه ، والفقر ودواعيه يا معطي الخيرات من أماكنها ، ومرسل البركات من معادنها ، منك الغيث المغيث ، وأنت الغياث المستغاث ، ونحن الخاطئون من أهل الذنوب ، وأنت المستغفر الغفار تستغفرك للجهالات من ذنوبنا ، ونتوب إليك من عوام خطايانا.

اللهم فأرسل علينا ديمة مدارارا ، واسقنا الغيث واكفا مغزازا ، غيثا واسعا ، وبركة من الوابل نافعة يدافع الودق بالودق جنائبه ، بل ريا يغض منه القطر ، غير خلب برقه ، ولا مكذب رعده ، ولا عاصفة جنائبه ، بل ريا يغفض بالري ربابه وفاض فانصاع به سحابه وحرى آثار هيدبه جنابه ، سقيا منك محييه مروبة ، محفلة متصلة زاكيا نبتها ، ناميا زرعها ، ناضرا عودها ، ممرعة آثارها ، جارية بالخضب والخير على أهلها ، تنعض بها الضعيف من عبادك وتحيى بها الميت من بلادك وتنعم بها المبسوط من رزقك ، وتخرج بها المخزون من رحمتك ، وتعم بها من

٢٩٤

ناء من خلفك ، حتى يخصب لامراعها المجدبون ، ويحيى ببركتها المسنتون ، و تترع بالقيعان غدرانها ، وتورق ذى الاكام رجواتها ، ويدهام بذرى الاكام شجرها وتستحق علينا بعد اليأس شكرا منة من مننك مجللة ، ونعمة من نعمك متصلة ، على بريتك المرملة ، وبلادك المعرنة ، وبهائمك المعملة ، ووحشك المهملة.

اللهم منك ارتجاؤنا ، وإليك مآربنا ، فلا تحبسه عنا لنبطنك سرائرنا ، ولا تؤاخدنا بما فعل السفهاء منا ، فانك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا ، وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد.

ثم بكى عليه‌السلام فقال :

سيدي صاحت جبالنا ، واغبرت أرضنا ، وهامت دوابنا ، وقنط ناس منا وتاهت البهائم ، وتحيرت في مراتعها ، وعجت عجيج الثكلى على أولادها ، وملت الدوران في مراتعها ، حين حبست عنها قطر السماء ، فدق لذلك عظمها ، وذهب لحمها وذاب شحمها ، وانقطع درها اللهم ارحم أنين الانة ، وحنين الحانة ارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها يا كريم (١).

بيان : « سابق النعم » أي ذي النعم السابغة الكاملة « وبارئ النسم ، النسم بالتحريك جمع نسمة به (٢) وهو الانسان الذي جعل السموات المرساة عمادا ، المرسات المثبتات وهى عماد لما فوقها من العرض والكرسى والملائكة ، وفي التهذيب والفقيه وغيرهما « جعل السموات لكرسية عمادا » فلعله لكونها تحته فكأنها بمنزلة العماد له » ملائكة على أرجائها « الارجاء جمع ارجاء ، وهى الناحية ، والضمير راجع إلى السموات والارض ، وكذا ضمير أمطائها في قوله » وحملة عرضه على أمطائها « يحتمل الوجهين.

والامطاء جمع مطاء وهو الظهر ، وروي أن أرجل حملة العرش الاربعة

____________________

(١) المصباح المتهجد ص ٣٦٨.

(٢) أى بالتحريك أيضا.

٢٩٥

على أمطاء الارض ، أو المعنى أنه جعل على ظهرها حملة عرش عمله من الانبياء و الاوصياء عليهم‌السلام أو حملة عرش عظمته من الايات البينات ، أو غير ذلك مما يعلمه الله كما ذكره الوالد قدس سره ، وفي أكثر نسخ المصباح « وحمل عرشه على أمطائها » فالضمير راجع إلى الملائكة وفي أكثر نسخ الحديث كما مر أولا » وأشرق بضوئه « أي ضوء العرش ، ويحتمل إرجاعه إليه تعالى أي الضوء الذي خلقه » شعاع الشمس « بالرفع لكون الاشراق لازما غالبا أو بالنصب لانه قد يكون متعديا.

« وأطفأ بشعاعه » أي العرش أو الرب تعالى أو الشمس بتأويل النجم أو راجع إلى الشعاع على المبالغة ، والغطش الظلمة ، والمراد هنا الليل المظلم ، أو الاسناد على المجاز « وفجر الارض عيونا » أي جعل الارض كلها كأنها عيون منفجرة ، وأصله « وفجر عيون الارض » فغير للمبالغة « والنجوم بهورا » أي إضاءة أو مضيئا ، قال في القاموس : البهر الاضاءة كالبهور ، والغلبة والعجب ، وبهر القمر كمنع غلب ضوؤه ضوء الكواكب.

« ثم علافتمكن » لعل المعنى أن نهاية علوه وتجرده وتنزهه صار سببا لتمكنه في خلق ما يريد ، وتسلطه على من سواه ، وقال الوالد ره : ثم علا على عرش العظمة والجلال ، فتمكن بالخلق والتدبلير ، أو أنه مع إيجاده تلك الاشياء وتربيتها لم ينقص من عظمته وجلالته شيئا ، ولم يزد عليهما شئ « وأقام » كل شئ في مرتبته ومقامه « فتهيمن » فصار رقيبا وشاهدا عليها وحافظا لها.

« فخضعت له نخوة المستكبر » قال في القاموس نخاه ينخوه نخوة افتخر وتعظم « وطلبت إليه خلة المتمسكن » يقال : طلب إلى إذا رعب والخلة الحاجة والفقر و الخصاصة ، والمسكين من لا شئ له ، والضعيف الذليل ، وتمسكن صار مسكينا كل ذلك ذكره الفيروز آبادي.

« فبدرجتك الرفيعة » أي بعلو ذاتك وصفاتك « ومحلتك المنيعة » أي بجلالتك وعظمتك المانعة من أن يصل إليها أحد أو يدركها عقول الخلائق وأقامهم « وفضلك البالغ » حد الكمال ، وفي بعض النسخ السابغ أي الكامل « وسبيلك الواسع » أي

٢٩٦

طريقتك وعاتدتك في الجود والافضال الشامل للبر والفاجر ، أو الطريق البين الذي فتحته لعبادك إلى معرفتك والعلم بشرايعك وأحكامك ، وفي بعض النسخ « سيبك » أي عطائك.

« كما دان لك » أي أطاعك أو تذلل لك « ووفى بعهودك » التي عاهدته عليها من العبادات وتبقليغ الرسالات « وأنفذ » أي أجرى « أعلامك » أي شرايعك وأحكامك التى جعلتها أعلاما لطريق النجاة « عبدك » الكامل في العبودية « على عهدك إلى عبادك » أي عهدك الذي عهدته إلى عبادك من تكاليفهم ، أو ضمن الامانة مع الرسالة أي مرسلا إلى عبادك « ومؤيد من أطاعك » بالعلم والهداية والمال ، وفي بعض النسخ « ومريد » أي يريد الخير والسعادة له « وقاطع عذر من عصاك » بالبينات الواضحات والمعجزات الظاهرات والصبر على أذاهم وحسن الخلق معهم.

« أجزل » أي أكمل وأعظم من حيث النصيب من رحمتك العظمى من الانبياء والاوصياء « وأنضر » أي وأحسن وأبهى و « أشرق وجهه » أضاء ، والسجال جمع السجل وهو الدلو إذا ملئ ماء وذكره لان غسل الوجه بالماء يوجب النضارة والزلفة القرب والمنزلة ، والخط النصيب « وأكثرهم صفوف امة » كما روي أن صفوف امته صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمانون ألف صفا ، وصفوف باقي الانبياء أربعون ألفا.

« كما لم يسجد للاحجار » في جماعة سجدوا « ولم يعتكف للاشجار » في طوائف اعتكفوا لعبادتها « ولم يستحل السبا » هي بالكسر الخمر أو شراؤها و الاسر أيضا ، وحمل الخمر من بلد إلى بلد ، والكل محتمل ، وإن كان الاول أظهر « ولم يشرب الدماء » حقيقة لان أهل الجاهلية كانوا يستحلونها ، أو اريد به الجرأة على سفك الدماء بغير حق مجازا ، وهو بعيد.

« حين فاجأتنا » أي وردت علينا فجأة ، وفي الفقيه « أجاءتنا » أي ألجأتنا « المضائق الوعرة » بسكون العين في النهج (١) أي الصعبة ، وفي نسخ المتهجد بكسر العين ، والاول أفصح ، قال الجوهري : جبل وعر بالتسكين ، ومطلب وعر

____________________

(١) نهج البلاغة تحت الرقم ١٤١ من قسم الخطب.

٢٩٧

قال الاصمعى : ولا تقل : وعر ، وقال الفيروز آبادي : الوعر ضد السهل كالوعر وقول الجوهري ولاتقل وعر ليس بشئ انتهى والفقر التالية بالثاني أنسب.

« وألجأتنا » أي اضطرتنا إلى المجلى إليك « المحابس العسرة » أي الشدايد التي صعب علينا الصبر عليها « وعضتنا علائق الشين » يقال : عضه وعض عليه أي أمسكه بأسنانه ، والعلائق جمع العلاقة وهي ما يتعلق بالشئ أو يعلق الشئ به و الشين خلاف الزين ، والمشائن المقابح والمعائب أي أوجعتنا الامور المتعلقة بقبائح أعمالنا والمترتبة عليها ، أو المعاصي الموجبة للشين والعار في الدنيا و دار القرار.

وفي الفقيه « وعضتنا الصعبة علائق الالسن » أي عضتنا العضة الصعبة الشديدة المعاصي الصادرة عن الالسن أو آثارها والتخصيص بالالسن لان أكثر المعاصي عنها لا سيما ما يوجب حجبس المطر لما ورد أن معظم أسبابه الجور في الحكم ، وروى هل يكب الناس على مناخرهم في الدنيا إلا حصائد ألسنتعهم ، وما في المتهجد أظهر.

« وتأثلت علينا لواحق المين » وتأثل أي تأصل واستحكم أوعظم ، والمين الكذب أي عظم واستحكم علينا غضبك اللاحق بكذبنا خصوصا على الله ورسوله في الاحكام « واعتركت علينا حدابير السنين » والاعتكار الازدحام والكثرة والحملة يقال : اعتكر على أي حمل ، وقيل اعتكر علينا أي ردف بعضها بعضا ، وفي القاموس اعتكروا اختلفوا في الحرب والعسكر رجع بعضه على بعض ، فلم يقدر على عده ، والليل اشتد سواده والمطر اشتد.

والحدابير جمع حدبار بالكسر وهي الناقة التي بداعظم ظهرها من الهزال فشبه بها السنين التي كثر فيها الجدب والقحط ، وفي القاموس الحدبار من النوق الضامر والتي قد يبس لحمها من الهزال ، والسنة الجدب ، والجمع حدابير « وأخلفتنا » أى لم تف بوعدها.

٢٩٨

« مخائل الجود » بالفتح المطر الغزير ، وفي بعض النسخ الجود بالضم ، ولعله تصحيف ، وإن كان المعنى مستقيما ، والمخيلة ألسحابة الخليقة بالمطر التي تحسبها ماطرة ، قال في القاموس السحابة المخيلة التي تحسبها ماطرة.

وفي المصباح المنير أخالت السحابة إذا رأيتها وقد ظهرت فيها دلايل المطر فحسبتها ماطرة فهي مخيلة بالضم ، اسم فاعل ، ومخيلة بالفتح اسم مفعول ، لانها أحسبتك فحسبتها ، وهذا كما يقال : مرض مخيف بالضم اسم فاعل ، لانه أخاف الناس ، ومخوف بالفتح لانهم خافوه ، ومنه قيل اختال الشئ للخير والمكروه إذا ظهر فيه ذلك ، فهو مخيل بالضم.

وقال الازهري : أخالت السماء إذا تغيمت فهي مخيلة بالضم ، وإذا أرادوا السحابة نفسها قالوا مخيلة بالفتح ، وعلى هذا فيقال : رأيت مخيلة بالضم لان القرينة أخالت أي أحسبت غيرها ، ومخيلة بالفتح اسم مفعل لانك ظننتها.

« واستظمأنا لصوارخ القود » وفي بعض النسخ « العود » بالعين المهملة ، و القود بالفتح الخيل والعود بالفتح المسن من الابل والشاء ، والاخير أنسب ، وقال الوالد العلامة قدس سره : أي صرنا عطاشا لصراختها ، أو صرنا طالبين للعطش ، أي رضينا بالعطش مع زوال عطشهم ، ويحتمل أن يكون الاستفعال للازالة ، أي صرنا طالبين لازالة ألعطش لصوارخها انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون من ظمأ إليه أي اشتاق أي اشتقنا إلى المطر لها أو من المظمئى وهو النبت الذي يسقيه السماء ضد المسقوى وهو الذي يسقيه السيح ذكره الفيروز آبادي ، ولا يبعد أن يكون تصحيف استطمينا بالطاء المهملة ، قال الفيروز آبادي طما الماء يطمي طميا علا ، والنبت طال ، وهمته علت والبحر امتلا انتهى أي طلبنا كثرة المياه والاعشاب لصوارخها « فكنت رجاء المبتئس » أي ذي البأس وهو الضر وسوء الحال « والثقة للملتمس » أي الاعتماد مبالغة أو محله للطالب.

« نمدعوك حين قنط القأنام بفتح النون وكسرها ، وقد يضم : يئس س ومنع الغمام »

٢٩٩

الغمنام جمع غمامة بفتحهما ، وهى السحابة ، وقيل الغمام السحاب والغمامة أخص منه ، وهي السحابة البيضاء ، ومنع في أكثر النسخ على البناء للمفعول أي منعت عن أن تمطرنا أتظللنا ، فكيف بالامطار ، وإنما بني على المفعول لانه كره أن يضيف المنع إلى الله عزوجل وهو منبع النعم ومعدن الكرم ، وإنما هو من ثمرات أعمالنا فاقتضى حسن الادب عدم ذكر الفاعل ، وفي بعض النسخ على البناء للفاعل أي منع الغمام القطر ، فحذف المفعول.

« وهلك السوام » بتخفيف الميم بمعنى السائمة ، وهو إبل الراعي « يا حي » بذاته وبك حياة الخلائق « يا قيوم » أي كثير القيام بامور الخلائق وقيامهم بك و رزقهم عليك ، أو القائم بذاته الذي يقوم به غيره وهو معنى وجوب الوجود » عدد الشجر « قائم مقام المفعول المطلق لقوله ندعوك دعاء عدد الشجر ، أو نقول الاسمين بهذا العدد وتستحقهما بازاء كل موجود أحييته أوقمته ، والنجوم جمع النجم و هو ما نجم أي طلع من الارض من النبات بغير ساق ، ويحتمل الكوكب والاول أنسب كما في قوله تعالى « والنجم والشجر يسجدان » (١) « والملائكة الصفوف » أي القائمين في السموات فصفوفا لا تعد ولا تحصى « والعنان المكفوف » العنان ككتاب سير اللجام الذي يمسك به الدابة ، والدابة المتقدمة في السير ، وكسحاب السحاب أو التي لا تمسك الماء ، والواحدة بها ذكره الفيروز آبادي ، وقال الوالد قدس سره : المراد هنا السحاب ، والمكفوف المموع من المطر أي بعدد السحائب الكثيرة التي أتتنا ولم تمطر ، وفيه من حسن الشكاية والطلب ما لا يخفى انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد الممنوع من السقوط قال الطيبي في شرح المشكوة في الحديث س السماء موج مكفوف « أي ممنوع عن الاسترسال حفظها الله أن تقع على الارض ، وهي معلقة بلا عمد ، ويمكن أن يكون بالكسر والمراد أعنة الخيول التي تقام عند الحرب ، وتكف لئلا تتجاوز عن الحد ، أو مطلق

____________________

(١) الرحمن : ٦.

٣٠٠