بحوث في الرؤيا والأحلام

الشيخ محمّد جواد الطبسي

بحوث في الرؤيا والأحلام

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-101-9
الصفحات: ١٧٥

لأبي عبدالله عليه‌السلام : إنّ شهاباً يقرؤك السلام ويقول لك : إنّه يصيبني فزع في منامي.

قال : قل له : فليزكّ ماله.

قال : فأبلغت شهاباً ذلك ، فقال : قل له : إنّ الصبيان ـ فضلاً عن الرجال ـ ليعلمون أنّي اُزكّي مالي.

قال : فأبلغته.

فقال : أبو عبدالله : قل له : إنّك تخرجها ولا تضعها في مواضعها » (١).

إذا رأى الإنسان في منامه ما يكره

لقد مرّ عليك أنّ بعض الناس يرى في منامه ما يكره بحيث يخاف ويجزع ممّا رآه ، فإذا كان كذلك ، فعليه أن يفعل بما اُمِر به في الروايات الصادرة عن المعصومين ، فمنه :

١ ـ الإستعاذة من الشيطان الرجيم

روى ابن طاووس : بسنده عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله ، قال : « إذا رأى الرجل في منامه ما يكره ، فليتحوّل عن شقّه الذي كان عليه نائماً وليقل : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ولَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٢) ، ثمّ يقول : أعوذ بما عاذت به الملائكة الله المقرّبون ، وأنبيائه المرسلون ، وعباد الله الصالحون من شرّ ما رأيت ومن شرّ الشيطان الرجيم » (٣).

٢ ـ تسجد عقيب ما تستيقظ

وعن ابن فهد الحلّي لرفع الرؤيا المكروهة : « أن تسجد عقيب ما تستيقظ منها

_________________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٤٩.

(٢) المجادلة : ٥٨ : ١٠.

(٣) فلاح السائل : ٢٨٩. مستدرك الوسائل : ٥ / ١١١.

٨١

بلا فصل ، وتثني على الله بما تيسّر لك من الثناء ، ثمّ تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وتتضرّع إلى الله تعالى ، وتسأله كفايتها ، وسلامة عاقبتها ، فإنّك لا ترى أثراً بفضل الله ورحمته » (١).

٣ ـ قرائة الحمد والمعوذتين و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )

روى القمّي في تفسيره : بسنده عن أبي عبدالله ـ في حديث ـ أنّه قال جبرئيل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل ـ يا محمّد ـ إذا رأيت في منامك شيئاً تكرهه ، أو رأى أحد من المؤمنين ، فليقل : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون ، وأنبيائه المرسلون ، وعباده الصالحون ، من شرّ ما رأيت من رؤياي ، وتقرأ الحمد والمعوذتين و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) » (٢).

٤ ـ يتفل عن يساره ثلاث مرّات

وعن ابن طاووس أيضاً : بسنده عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « شكت فاطمة عليها‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تلقاه في المنام ، فقال لها : إذا رأيت شيئاً من ذلك فقولي : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون ، وأنبياء الله المرسلون ، وعباد الله الصالحون ، من شرّ رؤياي التي أن تضرّني في ديني ودنياي ، واتفلي عن يسارك ثلاثاً » (٣).

٥ ـ لايحدّث بها أحداً

وعن أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي : بسنده عن الحارث بن ربعي ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الرؤيا الصالحة من الله... وإذا رأى رؤيا مكروهة فليتفل عن يساره ثلاثاً ، ولتعوّذ من شرّ الشيطان ، ولا يحدّث بها أحداً ، فإنّها تضرّه » (٤).

_________________________

(١) و (٢) مستدرك الوسائل : ٥ / ١١٣.

(٣) مستدرك الوسائل : ٥ / ١١٢.

(٤) المصدر المتقدّم : ١١٣.

٨٢

٦ ـ الدعاء بالمأثور قبل النوم

روى الكليني عن العدّة : عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن عبدالله بن ميمون ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الإحتلام ، ومن سوء الإلام ، وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام » (١).

_________________________

(١) الكافي : ٢ / ٥٣٦.

٨٣

٨٤

٨٥
٨٦



فسّر النبيّ والعترة الطاهرة كثير من المنامات التي رأوها بأنفسهم ، كما لم يفسّروا بعضها الآخر ، وإليك ما فسّروه من مناماتهم :

منامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١ ـ رؤية النبيّ قبل غزوة اُحد

قال الواقدي : « فحدّثني محمّد بن صالح ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، قال : ظهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّي رأيت في منامي رؤيا ، كأنّي في درع حصينة ، ورأيت كأنّ سيفي ذا الفقار إنفصم من عند ظبّته ، ورأيت بقراً تذبح كأنّي مردف كبشاً.

فقال الناس : يا رسول الله ، فما أوّلتها ؟

قال : أمّا الدرع الحصينة فالمدينة ، فامكثوا فيها ، وأمّا انفصام سيفي ظبّته فمصيبة في نفسي ، وأمّا البقر المذبح فقتلى في أصحابي ، وأمّا أنّي مردف كبشاً ، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله ».

وقال أيضاً : وروي عن ابن عبّاس : أنّ رسول الله قال : أمّا انفصام سيفي فقتل رجل من أهل بيتي ».

٨٧

وقال أيضاً : « وروى المسوّر بن مخرمة ، قال : قال النبيّ : ورأيت في سيفي فلاًّ فكرهته ، هو الذي أصاب وجهه عليه‌السلام » (١).

٢ ـ النبيّ يرى حمزة وجعفراً في المنام

وفي الدعوات للراوندي : عن ابن عبّاس ، قال : « قال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبدالمطلّب وأخي جعفر بن أبي طالب ، وبين أيديهما طبق من نبق ، فأكلا ساعة ، فتحوّل النبق عنباً ، فأكلا ساعة ، فتحوّل العنب لهما رطباً ، فأكلا الساعة ، فدنوت منهما فقلت لهما : بأبي أنتما ، أيّ الأعمال وجدتما أفضل ؟

قالا : فدينا بالآباء والاُمّهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك ، وسقي الماء ، وحبّ عليّ بن أبي طالب » (٢).

٣ ـ النبيّ يفسّر رؤياه

وفي غوالي اللئالي : « قال رسول الله : بينا أنا نائم إذا اُتيت بقدح من لبن ، فشربت منه حتّى أنّي لأرى الرّي يخرج من بين أظافيري.

قالوا : بما أوّلت ذلك يا رسول الله ؟

قال : العلم » (٣).

٤ ـ النبيّ يأكل الرطب في المنام

روي عن أنس ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عقبة بن رافع ، فاُتينا برطب ابن طاب ، فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا ، والعاقبة

_________________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢٢١.

(٢) الدعوات / الراوندي : ٩٠. كشف الغمّة : ١ / ٩٥.

(٣) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٥.

٨٨

في الآخرة ، وأنّ ديننا قد طاب » (١).

٥ ـ رؤيا اُخرى للنبيّ وتفسيرها

وروى أيضاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « رأيت غنماً كثيرة سوداً ، دخل فيها غنم كثير بيض.

قالوا : فما أوّلته يا رسول الله ؟

قال : العجم يشاركونكم في دينكم وأنسابكم ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلّقاً بالثريّا لناله رجال من العجم ، فأسعدهم به فارس » (٢).

٦ ـ ما رآه النبيّ في سيره في المنام

وعن سمرة بن جندب ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى منكم أحد رؤيا ، فيقص عليه من شاء أن يقصّ ؟

وإنّه قال ذات غداة : أنّه أتاني الليلة آتيان فقالا لي : إنطلق ، فانطلقت معهم ، فأخرجاني إلى الأرض المقدّسة ، فأتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، فإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ، فيتدهده الحجر هاهنا ، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان ، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرّة الاُولى.

قلت لهما : سبحان الله ! ما هذان ؟

قالا لي : إنطلق ، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ،

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٢١.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٣٠.

٨٩

وعينه إلى قفاه ، ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأوّل ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان ، ثمّ يعود فيفعل مثل ما فعل في المرّة الاُولى.

قلت : سبحان الله ! هذان ؟

قالا لي : إنطلق ، فأنطلقنا فأتينا على مثل التنّور ، فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطّلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا.

قلت لهم : ما هؤلاء ؟

قالا لي : إنطلق ، فانطلقنا فأتينا على نهر أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شاطئ النهر رجل عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثمّ يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً ، فينطلق فيسبح ثمّ يرجع إليه ، وكلمّا رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً.

قلت لهما : ما هذان ؟

قالا لي : إنطلق ، فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راءٍ ، وإذا هو عنده نار له يحشّها ويسعى حولها.

قل لهما : ما هذا ؟

فقالا لي : إنطلق ، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ نور الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قطّ.

قلت لهما : ما هؤلاء ؟

قالا لي : إنطلق ، فانطلقنا ، فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أرَ روضة قطّ أعظم

٩٠

منها ولا أحسن.

قالا لي : إرق فيها ، فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ، ففتح لنا ، فدخلنا فتلقّانا فيها رجال ، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ ، وشطر كأقبح ما أنت راءٍ ، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، فإذا نهر معترض يجري كأنّ ماؤه المحض في البياض.

فذهبوا فوقعوا فيه ، ثمّ رجعوا إلينا ، فذهب السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة.

قالا لي : هذه جنّة عدن وهناك منزلك ، فسما بصري صعداً ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء.

قالا لي : هذا منزلك.

قلت لهما : بارك الله فيكما ، ذراني أدخله.

قالا : أمّا الآن فلا ، وأنت داخله.

قلت لهما : فإنّي رأيت منذ الليلة عجباً ، فما هذا الذي رأيت ؟!

قالا لي : أما إنّا سنخبرك.

أمّا الرجل الأوّل الذي أتيت عليه فيثلغ رأسه بالحجر ، فإنّه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، يفعل به إلى يوم القيامة.

وأمّا الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنّه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبه تبلغ الآفاق ، فيصنع به إلى يوم القيامة.

وأمّا الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنّور ، فإنّهم الزناة والزواني.

وأمّا الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة ، فإنّه آكل الربا.

وأمّا الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشّها ، فإنّه مالك خازن النار.

وأمّا الرجل الطويل الذي في الروضة ، فإنّه إبراهيم عليه‌السلام.

٩١

وأمّا الولدان الذين حوله ، فكلّ مولود مات على الفطرة.

وأمّا القوم الذين كانوا شطر منهم حسن ، وشطر منهم قبيح ، فإنّهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً تجاوز عنهم ، وأنا جبرئيل ، وهذا ميكائيل » (١).

منامات الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام

١ ـ رؤيا الإمام أمير المؤمنين في نينوى

روى الصدوق : بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : « كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام في خروجه إلى صفّين ، فلمّا نزل نينوى ـ وهو بشطّ الفرات ـ توضّأ وصلّى ثمّ نعس فانتبه ، فقال :

رأيت في منامي كأنّي برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض ، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول الأرض خطّة ثمّ رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض يضطرب بدم عبيط ، وكأنّي بالحسين عليه‌السلام فرخي ومضغتي ومخّي قد غرق فيه يستغيث فلا يغاث ، وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون : صبراً آل الرسول ، فإنّكم تقتلون على أيدي شرار النّاس ، وهذه الجنّة يا أبا عبدالله إليك مشتاقة ، ثمّ يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن ، أبشر ، فقد أقرّ الله عينك به يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ، ثمّ انتبهت هكذا.

والذي نفسي بيده ، لقد نبّأني الصادق المصدّق أبو القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، وهذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة » (٢).

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٨٦. وانظر مستدرك الوسائل : ١٣ / ٣٢٩.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٩٧. بحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٠.

٩٢

٢ ـ رؤيا الإمام أمير المؤمنين في ليلة التاسع عشر

قالت اُمّ كلثوم : « لمّا خرج الإمام أمير المؤمنين تلك الليلة إلى مسجد ، فجئت إلى أخي الحسن فقلت : يا أخي ، قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا ، وهو قد خرج في هذه الليلة فالحقه ، فقام الحسن بن عليّ عليه‌السلام فتبعه ولحق به قبل أن يدخل المسجد ، فقال : يا أبتِ ، ما الذي أخرجك في هذه الساعة وقد بقى من الليل ثلثه ؟

فقال : يا حبيبي ، ويا قرّة عيني ، خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني.

فقال : رأيت خيراً ، ويكون خيراً فقصّها علَيَّ.

قال : يا بنيّ رأيت كأنّ جبرائيل قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس ، فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة ، وتركهما على ظهرها ، وضرب أحدهما على الاُخرى ، فصارت كالرميم ، ثمّ ذرأهما في الريح ، فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلاّ ودخله من ذلك الرماد.

فقال الحسن : يا أبتِ ، وما تأويلها ؟

فقال : يا بني ، إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول ، ولا يبقى بمكّة حينئذٍ ولا بالمدينة بيت إلاّ ويدخله من ذلك همّ ومصيبة من أجلي » (١).

رؤيا فاطمة عليه‌السلام

رؤيا فاطمة في أيّام علّتها

روى الطبري عن أبي بكر أحمد بن محمّد الخشّاب الكرخي ، قال : حدّثنا

_________________________

(١) الكوكب الدرّيّ : ٢ / ١٧١.

٩٣

زكريّا ابن يحيى الكوفي ، قال : حدّثنا إبن أبي زائدة عن أبيه ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ترك إلاّ الثقلين : كتاب الله عترته أهل بيته ، وكان قد أسرّ إلى فاطمة أنّها لاحقة به ، وأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً.

فقالت عليه‌السلام : بينا أنا بين النائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيّام ؛ إذ رأيت كأنّ أبي قد أشرف علَيَّ ، فلمّا رأيته لم أملك نفسي أن ناديت : يا أبتاه ، إنقطع عنّا خبر السماء ، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً يقدمها ملكان حتّى أخذاني ، فصعدا بي إلى السماء ، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة ، وبساتين ، وأنهار تطّرد ، قصر بعد قصر ، وبستان بعد بستان ، وإذا قد طلع علَيَّ من تلك القصور جواري كأنّهنّ اللعب ، مستبشرات يضحكن إليَّ ، ويقلن : مرحباً بمن خُلقت الجنّة من أجل أبيها ، ولم تزل الملائكة تصعد بي حتّى أدخلوني إلى دار فيها قصور ، في كلّ قصر بيوت فيها ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرّة الكثير ، وعليها اللحاف من الحرير والديباج بألوان ، ومن أواني الذهب والفضّة ، وفيها الموائد ، وعليها ألوان الطعام ، وفي تلك الجنان نهر مطّرد أشدّ بياضاً من اللبن ، وأطيب رائحة من المسلك الأذفر ، فقلت : لمن هذه الدار ؟ وما هذه الأنهار ؟

فقالوا : هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنّة ، وهي دار أبيك ومن معه من النبيّين ، ومن أحبّ الله ، وهي نهر الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إيّاه.

قلت : فأين أبي ؟

قالوا : الساعة يدخل عليكِ ، فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصوراً أشدّ بياضاً من تلك القصور ، وفرش هي أحسن من تلك الفرش ، وإذ أنا بفرش مرتفعة على أسرّة ، وإذا أبي جالس على تلك الفرش ومعه جماعة ، فأخذني وضمّني وقبّل ما بين عينيّ ، وقال : مرحباً بإبنتي ، وأقعدني في حجره.

٩٤

ثمّ قال : يا حبيبتي ، أماترين ما أعدّ الله لك وما تقدمين عليه ، وأراني قصوراً مشرفات فيها ألوان الطرائف والحليّ والحُلل ، وقال : هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ، ومن أحبّك وأحبّهما ، فطيبي نفساً ، فإنّك قادمة علَيَّ أيّام.

قالت : فطار قلبي ، واشتدّ شوقي ، فانتبهت مرعوبة ».

قال أبو عبد الله : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لمّا انتبهت من رقدتها صاحت بي ، فأتيتها وقلت : ما تشتكين ؟ فأخبرتني بالرؤيا.

ثمّ أخذت علَيَّ عهداً لله ورسوله أنّها إذا توفّيت لا اُعلم أحداً إلاّ اُمّ سلمة زوج النبيّ واُمّ أيمن وفضّة ، ومن الرجال : ابنيها ، وعبدالله بن عبّاس ، وسلمان الفارسي ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ، وأباذرّ ، وحذيفة ، وقالت : إنّي قد أحللتك من أن تراني بعد موتي ، فكن مع النسوة فيمن يغسّلني ، ولا تدفنّي إلاّ ليلاً ، ولا تعلم على قبري » (١).

منامات الحسين عليه‌السلام

رأى الإمام الحسين بن عليّ عليه‌السلام ثلاث منامات في المدينة ، وفي الطريق ، وفي كربلاء ، وقصّها على أهله وأولاده وأصحابه ، وفسّرها بما سيحلّ به من ظلم من الأعداء.

١ ـ رؤيا الإمام الحسين عند قبر جدّه

قال محمّد بن أبي طالب : « لمّا ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين عليه‌السلام عظم عليه ، ثمّ قال : والله لا يراني الله أقتل إبن نبيّه ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.

قال : وخرج الحسين عليه‌السلام من منزله ذات ليلة ، وأقبل إلى قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك

_________________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٣.

٩٥

الذي خلّفتني في اُمّتك ، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنّهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.

قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً وساجداً.

قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه‌السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الذي خرج ولم يبتلني بدمه.

قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح ، فلمّا كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضاً ، وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمّد ، وأنا إبن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللّهمّ إنّي اُحبّ المعروف ، وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومن فيه ، إلاّ اخترت لي ما هو لك رضىً ولرسولك رضىً.

ثمّ جعل يبكي عند القبر ، حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه ، وعن شماله ، وبين يديه ، حتّى ضمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال : حبيبي يا حسين ، : كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من اُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.

حبيبي يا حسين ، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا علَيَّ ، وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة.

قال : فجعل الحسين عليه‌السلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك ، وأخذني معك في قبرك.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى تُرزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وإبّأك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون

٩٦

يوم القيامه في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة.

قال : فانتبه الحسين من نومه فزعاً مرعوباً ، فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبدالمطلّب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّاً من أهل بيت رسول الله ، ولا أكثر باكٍ ولا باكية منهم » (١).

٢ ـ رؤيا الإمام في عقبة البطن

وفي كامل الزيارة : بسنده عن ابن عبدربّه ، عن أبي عبدالله أنّه قال : « لمّا صعد الحسين بن عليّ عليه‌السلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلاّ مقتولاً.

قالوا : وما ذاك يا أبا عبدالله ؟

قال : رؤيا رأيتها في المنام.

قالوا : وما هي ؟

قال : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علَيَّ أبقع » (٢).

٣ ـ رؤيا الإمام في الثعلبيّة

قال : السيّد ابن طاووس : « ثمّ سار عليه‌السلام حتّى نزل الثعلبيّة وقت الظهيرة ، فوضع رأسه الشريف ، فرقد ثمّ استيقظ ، فقال : قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسرعون ، والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة.

فقال له إبنه عليّ : يا أبتِ ، أفلسنا على الحقّ ؟

قال : بلى يا بنيّ ، والذي إليه مرجع العباد.

فقال : يا أبتِ ، إذن لا نبالي بالموت.

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٢٧.

(٢) كامل الزيارة : ٧٥. بحار الأنوار : ٤٥ / ٨٧.

٩٧

فقال له الحسين عليه‌السلام : جزاك الله يا بنيّ خير ما جزا ولداً عن والده » (١).

٤ ـ رؤيا الحسين في كربلاء

قال في المناقب : « فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ، ثمّ استيقظ ، فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟

فقالوا : وما الذي رأيت يابن رسول الله ؟

فقال : رأيت كأنّ كلاباً قد شدّت علَيَّ لتنهشني ، وفيها كلب أبقع رأيته أشدّه علَيَّ ، وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم.

ثمّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جماعة من أصحابه ، وهو يقول لي : يا بنيّ ، أنت شهيد آل محمّد ، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجّل ولا تؤخّر ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.

فهذا ما رأيت ، وقد أزف الأمر ، واقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شكّ في ذلك » (٢).

رؤيا الإمام السجّاد عليه‌السلام

روى الصدوق في الأمالي : عن محمّد بن بكر النقّاش ، عن أحمد بن أبي برد الهمداني ، عن المنذر بن محمّد ، عن أحمد بن رشيد ، عن عمّه سعيد بن خيثم ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « حججت فأتيت عليّ بن الحسين فقال : يا أبا حمزة ، ألا اُحدّثك عن رؤيا رأيتها ، رأيت كأنّي دخلت الجنّة فاُوتيت بحوراء

_________________________

(١) اللهوف : ٢٩.

(٢) بحار الأنوار : ٤٥ / ٣.

٩٨

لم أرَ أحسن منها ، فبينما أنا متّكي على أريكتي إذ سمعت قائلاً يقول : يا عليّ بن الحسين ، ليهنئك زيد ، ليهنئك زيد.

قال أبو حمزة : ثمّ حججت بعده ، فأتيت عليّ بن الحسين فقرعت الباب ، فتح لي ودخلت هو حامل زيداً على يديه ، أو قال : حاملاً غلاماً على يديه ، فقال لي : يا أبا حمزة ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّاً (١) » (٢).

رؤيا الإمام الباقر عليه‌السلام

وفي الكافي أيضاً : بسنده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « رأيت كأنّي على رأس جبل ، والناس يصعدون إليه من كلّ جانب ، حتّى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء ، وجعل النّاس يتساقطون عنه من كلّ جانب حتّى لم يبقَ منهم أحد إلاّ عصابة يسيرة ، ففعل ذلك خمس مرّات ، في كلّ ذلك يتساقط عنه النّاس ، وتبقى تلك العصابة. أما إنّ قيس بن عبدالله بن عجلان في تلك العصابة » (٣).

قلت : ونقل الكشّي هذه الإضافة كما يلي : « أما إنّ ميسر بن عبدالعزيز ، وعبدالله بن عجلان في تلك العصابة.

فما مكث بعد ذلك إلاّ نحواً من سنتين حتّى هلك عليه‌السلام وقيس غير مذكور في كتب الرجال » (٤).

رؤيا الإمام الرضا عليه‌السلام

قال المجلسي : « وجدت في بعض تأليفات أصحابنا ، أنّه روى بإسناده عن

_________________________

(١) اقتباس من قول يوسف ليعقوب عليه‌السلام : ( هٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) يوسف ١٢ : ١٠٠.

(٢) درر الأخبار : ٢ / ٢٧٨.

(٣) الكافي : ٨ / ١٨٢. بحار الأنوار : ٥٨ / ١٦٥.

(٤) رجال الكشّي : ٢٤٢.

٩٩

سهيل بن ذبيان ، قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام في بعض الأيّام ، قبل أن يدخل عليه أحد من الناس ، فقال لي : مرحباً بك يابن ذبيان ، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا.

فقلت : لماذا يابن رسول الله ؟

فقال عليه‌السلام : لمنام رأيته البارحة ، وقد أزعجني وأرّقني.

فقلت : خيراً يكون إن شاء الله تعالى.

فقال : عليه‌السلام : يابن ذبيان ، رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه.

فقلت : يا مولاي ، اُهنّئك بطول العمر ، وربّما تعيش مائة سنة ، لكلّ سنة مرقاة.

فقال لي عليه‌السلام : ما شاء الله كان.

ثمّ قال : يابن ذبيان ، فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها ، ورأيت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً فيها ، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما ، ورأيت إمرأة بهيّة الخلقة ، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة لأمِّ عمروٍ باللّوىٰ مَرْبَعُ.

فلمّا رآني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : مرحباً بك يا ولدي ، يا عليّ بن موسى الرضا ، سلّم على أبيك عليّ عليه‌السلام ، فسلّمت عليه.

ثمّ قال لي : سلّم على اُمّك فاطمة الزهراء عليه‌السلام ، فسلّمت عليها.

فقال لي : سلّم على أبويك الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فسلّمت عليهما.

ثمّ قال لي : وسلّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيّد إسماعيل الحميري ، فسلّمت عليه وجلست ، فالتفت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السيّد إسماعيل وقال له : عد إلى ما كنّا

١٠٠