بحوث في الرؤيا والأحلام

الشيخ محمّد جواد الطبسي

بحوث في الرؤيا والأحلام

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-101-9
الصفحات: ١٧٥

٣ ـ وفي المحاسن : عن أبيه ، عن حمزة بن عبدالله ، وعن جميل بن درّاج ، قال « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم صعّد الله بأرواحهم إليه ، فمن قضى عليه الموت جعله في رياض الجنّة بنور رحمته ، ونور عزّته ، وإن لم يقدّر عليه الموت بعث بها مع اُمنائه من الملائكة إلى الأبدان التي هي فيها » (١).

قال العلاّمة المجلسي : « إنّ الرؤيا تستند إلى اُمور شتّى :

فمنها : أنّ الروح في حالة النوم في حركة إلى السماء ، إمّا بنفسها ـ بناءً على تجسّمها كما هو الظاهر من الأخبار ـ أو بتعلّقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضاً بأن يكون للروح جسدان : أصلي ومثالي ، يشتدّ تعلّقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي ، ويضعف تعلّقها بالآخر ، وينعكس الأمر في حال النوم أو بتوجّهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلّقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي ، وعلى تقدير التجسّم أيضاً يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار ، بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد وإقبالها إلى عالم آخر ، وتوجّهها إلى نشأة اُخرى ، وبعد حركتها ـ بأي معنى كانت ـ ترى أشياء في الملكوت الأعلى ، وتطالع بعض الألواح التي اُثبتت فيها التقديرات ، فإن كان لها صفاء ولعينها ضياء يرى الأشياء كما اُثبتت ، فلا تحتاج رؤيا إلى تعبير ، وإن اُسدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلّقات الجسمانيّة والشهوات النفسانيّة فيرى الأشياء بصورة شبيهة لها ، كما أنّ ضعيف البصر ومؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه ، والمعارف بعلّته يعرف أنّ هذه الصورة المشتبهة التي اشتبهت عليه صورة لأيّ شيء. فهذا شأن المعبّر العارف بداء كلّ شخص وعلّته ، ويمكن أيضاً أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة ، كما أنّ الإنسان قد يرى المال في نوم بصورة حيّة ، وقد يرى الدراهم

_________________________

(١) المجالس : ١٧٨ ، بحار الأنوار : ٥٨ / ١٦٥.

٤١

بصورة عذرة ، ليعرف أنّهما يضرّان ، وهما مستقذران واقعاً ، فينبغي أن يتحرّز عنهما ويجتنبهما.

وقد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها ، ويحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنسى به من الاُمور المألوفة والشهوات والخيالات الباطلة ، وقد مضى ما يدلّ على هذين النوعين في رواية محمّد بن القاسم ، ورواية معاوية بن عمّار ، وغيرهما.

ومنها : ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه ، إمّا بتوسّط الملائكة أو بدونه ، كما يومئ إليه خبر أبي بصير وسعد بن أبي خلف.

ومنها : ما هو بسبب وسواس الشيطان ، واستيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة ، أو الطاعات التي تركها فيها ، أو الكثافات والنجاسات الظاهريّة والباطنيّة التي لوّث نفسه بها.

ومنها : ما هو بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية ، والاُمور الباطلة ، ويومئ إليه خبر ابن أبي خلف وغيره » (١).

٢ ـ فوائد الرؤيا والمنامات

لا ريب أنّ للرؤيا فوائد كثيرة لا نهتدي إلى كثير منها ؛ لأنّ فيها إشارات غيبيّة قد لا يصل إلى هذه الإشارات أي معبّر ومفسّر ، إلاّ النبيّ والإمام عليه‌السلام. وقد أشار إلى بعض الفوائد العلّامة الكبير الشيخ حسين النوري في دار السلام ، فقال رحمه‌الله :

« ١ ـ إنّ من تلك الفوائد أنّها طريق إلى الاعتراف الخالص عن شوب الشكّ والريب ، والتصديق الوجداني عن صميم الغيب بمقدّس وجوده جلّ ذكره بما يمكّنه في قلبه ويوجده فيه في المنام ، ويشرح صدره بآرائه آيات عظام يعرفه

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢١٨.

٤٢

من سلك فيه ذللاً ، وأدرك منه جملاً ، وهو طريق قويم ، وصراط مستقيم ، لا يحتاج صاحبه إلى ترتيب المقدّمات والنظر في الدلالات.

٢ ـ ومنها أنّها تدلّ على صدق الرسل المستلزم لثبوت مرسلها ، وعلى صدق ما أخبروا به من أحوال ما بعد الموت ، وأحواله المستلزم لثبوت رسالتهم.

٣ ـ ومنها أنّها طريق لإثبات إمكان الإطّلاع على الغيوب الماضية والغابرة ، ورفع الإستبعاد عن معرفة أولياء الله بها ، وإخبارهم عنها ، ودفع توهّم اختصاص علم ذلك بذاته المقدّسة جلّ وعلا ، وإن كان ذلك بوجه آخر.

٤ ـ ومنها أنّها طريق واضح إلى التصديق بنبوّة الأنبياء ، ووصاية الأوصياء ، بما تحدّوا به ، وممّا أخبروا به بأنّ القوم يرونه في المنام فكان كما قالوا.

٥ ـ ومنها أنّها طريق إلى معرفة النفس المغايرة للبدن ، المستغنية في كثير من أفعالها عنه ، ومعرفة النفس المغايرة للبدن المستغنية في كثير من أفعالها عنه ، ومعرفة جسد آخر لها يشابه الجسد المحسوس في جميع الجوارح والأعضاء ، وبها يرفع استبعاد بعض منكري الصانع عزّ وجلّ ، وجود غائب منزّه عن جميع العوارض من جهة إنحصار الموجود عندهم فيما يدرك بالحواسّ الظاهرة.

٦ ـ ومنها أنّها طريق لتلقّي التكاليف الكليّة ، والنواميس الإلهيّة ، التي بها تنتظم اُمور العباد ممّا يتعلّق بالمعاش والمعاد ، وهو مختصّ بزمرة إصطفاهم الله تعالى للإنباء ، وجعلهم وسائط فيضه ، وأوعية ما ينزل من السماء.

٧ ـ ومنها أنّها طريقة إلى معرفة وجود عالم كبير واسع ، مشتمل على نظير جميع ما يوجد في هذا العالم بوجود أصفى وأتمّ وأوفى وأعمّ ، لا يغادر فيه منه شيء حتّى المآكل والمشارب ، والحدائق والكواعب ، والشدائد والمصائب ،

٤٣

وأمثالها من اللذّة والألم ، والمحن والنِعم ، يجدها كلّ أحد بالوجدان ، وربّما يبقى أثرها معه في عالم العيان ، كما حصل لجملة من الأعيان.

٨ ـ ومنها أنّها طريق إلى رفع الاستبعاد عمّا ورد في تنعّم أصحاب القبور وتعذيبهم ، ولا يرى في أجسادهم أثر من ذلك ، وربّما يجتمع في مكان واحد من ينعّم أو يعذّب ، ولا يرى نفع أو ضرر من أحدهما إلى الآخر ، وغير ذلك من الشبهات التي ألقاها أبالسة الإنس والجنّ في قلوب الباطلين والضعفاء.

٩ ـ ومنها أنّها طريق إلى التصديق الوجداني ، والإيمان بالغيب ، الذي أخبر به النبيّ الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يجري على ابن آدم بعد حضور أجله من مرارة الموت وغصصه ، والأهوال التي اُعدّت له بعده من المسألة والعذاب والثواب والبعث والحشر والحساب والميزان والصراط والجنّة والنار ، غير ذلك.

١٠ ـ ومنها أنّها طريق إلى الإطّلاع على حال الأموات الذين انقطعت أخبارهم ، وعميت آثارهم ، وما هم فيه من نضرة النعيم أو مرارة الجحيم ، وفيه فوائد عظيمة أجلّها استدراك ما فات منهم من الطاعات ، وجبران ما عليهم من التبعات ، ممّا حرمه عن نيل المكارم ، وأدخله في مصافّ أهل الجرائم ، وكثيراً ما يخبرون في المنام عن سبب ما هم فيه من الآلام ، وهذه من سعة رحمة الكريم العلاّم.

١١ ـ ومنها أنّها طريق إلى معرفة حال نفسه من السعادة والشقاء ، ومقامه عند ربّه في السخط والرضا ، وتصديق جزاء الأعمال الحسنة والقبيحة على طبق ما ورد في الشريعة القويمة ، فتكون حينئذٍ إمّا مبشّرة وجدانيّة ، وداعية ربّانيّة ، أو منذره روحانيّة ، ورادعة إلهيّة.

١٢ ـ ومنها أنّه مثال للحدث والإنتباه بعده مثال للبعث والنشور ، ودليل على

٤٤

إمكانهما ، مذكّر لهما في كلّ يوم وليلة ، ومنبّه للإنسان من نوم الغفلة.

١٣ ـ ومنها أنّ به يعرف زوال الدنيا ، وسرعة انقاضائها ، وكثرة تقلّباتها ، وعدم بقاء لذيذها وآلامها.

١٤ ـ ومنها التهيّؤ والإستعداد لاستقبال الأحداث التي ثبت تعبيرها على الوقوع ، ومحاولة دفع المكروه منها بالعمل المأثور الذي ورد عنه الرؤية المكروهة عملاً بالنصّ المعصومي المصرّح على أنّ الدعاء يردّ القضاء بعدما اُبرم إبراماً » (١).

٣ ـ هل يمكن رؤية النبيّ في المنام

إختلف الأعلام ـ سنّة وشيعة ـ في إمكان رؤية النبيّ في المنام ، فأجازه بعض اعتماداً على الخبر الوارد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنعه آخرون لضعف الخبر المرويّ عنه.

وأمّا الخبر فممّا رووه السنّة في كتبهم بألفاظ مختلفة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة ، ولا يتمثّل الشيطان بي » (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من رآني في المنام فقد رآني ، لا ينبغي للشيطان أن يتمثّل في صورتي » (٣).

وعن الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه عليه‌السلام : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رآني في منامه فقد رآني ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي ، ولا في صورة أحد من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم » (٤).

_________________________

(١) بلغة الشيعة الكرام : ١١ ، نقلاً عن دار السلام.

(٢) مجمع الزوائد : ٧ / ١٨١.

(٣) السنن الكبرى : ٤ / ٣٨٤.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢٥٧.

٤٥

فقال البغوي في شرح السنّة : « رؤية النبيّ في المنام حقّ ، وكذلك جميع الأنبياء والملائكة » (١).

قال العلاّمة المجلسي : « واعلم أنّ العلماء اختلفوا في أنّ المراد رؤيتهم عليه‌السلام في صورهم الأصليّة ، أو بأي صورة كانت ، ولا يخفى أنّ ظاهر حديث الرضا عليه‌السلام التعميم ؛ لأنّ الرائي لم يكن رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يسأله عليه‌السلام في أي صورة رأيته ؟ وحمله على أنّه عليه‌السلام علم أنّه رآه بصورته الأصليّة بعيد عن السياق ، فإنّ من رأى أحداً من الأئمّة في المنام لم يحصل له علم في المنام بأنّه رآه ، ويقال في العرف واللغة أنّه رآهم ، وإن رأى الشخص الواحد بصور مختلفة ، فيقال : رآه بصورة فلان ، ولا يعدّون هذا الكلام من المتناقض » (٢).

وأمّا المفيد فله تفصيل في المقام ، فقال : « أمّا رؤية الإنسان للنبيّ أو لأحد الأئمّة عليه‌السلام في المنام ، فإنّ ذلك عندي على ثلاثة أقسام :

قسم أقطع على صحّته ، وهو كلّ منام رأى فيه النبيّ أو أحد من الأئمّة ، وهو فاعل لطاعة أو آمر بها ، وناهٍ عن معصية أو مبيّن لقبحها ، وقائل بالحقّ ، أو داعٍ إليه ، وزاجر عن باطلٍ ، أو ذامٍّ لمن هو عليه.

وأمّا الذي أقطع على بطلانه فهو كلّ ما كان بضدّ ذلك ؛ لعلمنا أنّ النبيّ والإمام صاحبا حقّ ، وصاحب الحقّ بعيد عن الباطل.

وأمّا الذي يجوز فيه الصحّة والبطلان ، فهو المنام الذي يرى فيه النبيّ والإمام وليس هو آمراً ولا ناهياً ، ولا على حال يختصّ بالديانات ، ومثل : أن يراه راكباً ، أو ماشياً ، أو جالساً ، أو نحو ذلك ... » (٣).

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٣٧.

(٢) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٣٥.

(٣) مصابيح الأنوار : ٢ / ٨.

٤٦

وعدّ السيّد المرتضى هذا الحديث من الضعاف ، وأوّل ذلك مع تسليم صحته ، قائلاً : « هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا يعوّل على مثل ذلك ، على أنّه يمكن مع تسليم صحّته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثّل بي للقيظان ، فقد قيل إنّ الشيطان ربّما تمثّل بصورة البشر ، وهذا أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ؛ لأنّه قال : من رآني فقد رآني ، فأثبت غيره رائياً له ونفسه مرئيّة ، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئي ، وإنّما ذلك في اليقظة ، ولو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام ، من اعتقد أنّه يراني في منامه ـ ، إن كان غير راءٍ لي في الحقيقة ـ فهو في الحكم كمن قد رآني ، وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته » (١).

قلت : وقد اضطربت كلمات الأعلام في إثبات صحّة رؤية النبيّ والإمام ، وقد أسهب العلاّمة المجلسي والسيّد عبد الله شبّر ، وغيرهما في هذا المجال ، ومن أراد التحقيق أكثر ممّا ذكرنا فليراجع كتابيهما ، ولكن إثبات هذه المسألة لم تنحصر فيما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل روي عن العترة الطاهرة عدّة روايات فيمن أراد أن يرى النبيّ في منامه ، كما رواه الكفعمي في مصباحه ، والمفيد في الإختصاص ، وابن طاووس في فلاح السائل وإقباله ، والبرقي في محاسنه ، وإليك ما روي في ذلك :

الرواية الاُولى : روى البرقي : بسنده عن عليّ بن خالد ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرى منزله في الجنّة » (٢).

الرواية الثانية : روى الكفعمي في المصباح : عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « من

_________________________

(١) مصابيح الأنوار : ٢ / ١٠.

(٢) المحاسن : ١ / ٦٩.

٤٧

قرء سورة القدر بعد صلاة الزوال وقبل الظهر إحدى وعشرين مرّة لم يمت حتّى يرى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله »(١).

الرواية الثالثة : روى المفيد في الإختصاص : بسنده عن أبي المعزا ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : مَن كانت له إلى الله حاجة ، وأراد أن يرانا ، وأن يعرف موضعه ، فليغتسل ثلاثة ليال يناجي بنا ، فإنّه يرانا ، ويغفر له بنا ، ولا يخفى عليه موضعه » (٢).

الرواية الرابعة : وذكر الكفعمي في الفصل الثامن والعشرين من مصباحه ـ أيضاً ـ في شرح دعاء المجير ، فقال : « إنّه مروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نزل به جبرئيل وهو يصلّي في مقام إبراهيم ، وذكر جملة من فضائله ، ومن صام ثلاثاً وقرأه سبعاً ونام على ظهره رآك في نومه »(٣).

الرواية الخامسة : روى السيّد ابن طاووس : بسنده عن سهل بن صفة ، قال : « سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من أراد أن يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه فليصلِّ العشاء الآخرة وليغتسل غسلاً نظيفاً ، وليصلِّ أربع ركعات بأربعمائة مرّة آية الكرسي ، وليصلِّ على محمّد وآل محمّد ألف مرّة ، وليبيت على ثوب نظيف لم يخلق عليه حلالاً ولا حراماً ، وليضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن ، وليسبّح مأة مرّة : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وليقل مأة مرّة ما شاء الله ، فإنّه يرى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه »(٤).

وقد جمع العلامة محسن آل عصفور هذه الموارد من مظانّها ، فمن أراد

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٣ / ٣٣١ ، ولم نجده في المصباح.

(٢) الإختصاص : ٩٠.

(٣) بلغة الشيعة الكرام : ٢٢٠.

(٤) بلغة الشيعة الكرام : ٢٢٠ ، نقلاً عن فلاح السائل.

٤٨

فليراجع كتاب بلغة الشيعة الكرام في تعبير رؤيا المنام.

وممّا يشهد بذلك أيضاً منامات المعصومين عليهم‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كرؤيا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قبيل استشهاده ، وما قال له النبيّ عندما قدّم الشكوى إليه من اُمّته ، وهكذا رؤيا الزهراء سلام الله عليها ، وسائر العترة الطاهرة ، وقد ذكرنا بعض هذه الأحلام في فصل مستقلّ ، فراجع.

وممّا يشهد بذلك أيضاً رؤيا بعض الناس للرسول ، كسدير الصيرفي وغيره ، وبيان رؤياه للصادق عليه‌السلام ـ أو للرضا عليه‌السلام ـ من دون ردّ الإمام لذلك ، كما رواه في المجالس عن أبيه ، عن المفيد ، عن الصدوق عن أبيه عن محمّد بن القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، قال : « حدّثني من سمع حنّان بن سدير يقول : سمعت أبي سدير الصير في يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم ، وبين يديه طبق مغطّى بمنديل ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ السلام وكشف المنديل عن الطبق ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فدنوت منه فقلت : يا رسول الله ، ناولني رطبة ، فنا ولني واحدة ، فأكلتها ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، ناولني اُخرى ، فناولنيها ، فأكلتها ، فجعلت كلّما أكلت واحدة سألته اُخرى ، حتّى أعطاني ثماني رطبات ، فأكلتها ، ثمّ طلبت منه اُخرى ، فقال لي : حسبك.

قال : فانتبهت من منامي ، فلمّا كان من الغد دخلت على جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، وبين يديه طبق مغطّى بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلّمت عليه ، فردّ علَيَّ السلام ، ثمّ كشف الطبق فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فعجبت لذلك وقلت : جعلت فداك ، ناولني رطبة ، فناولني فأكلتها ، ثمّ طلبت اُخرى حتّى أكلت ثماني رطبات ، ثمّ طلبت منه اُخرى ، فقال لي : لو زادك جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزدتك.

فأخبرته ، فتبسّم تبسّم عارف بما كان » (١).

_________________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي : ١١٤. بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٤١.

٤٩

٤ ـ ما هي الفوائد المترتّبة على رؤية النبيّ

وهناك سؤال يطرح نفسه ، وهو : ما هي الفوائد المترتّبة على رؤية النبيّ أو أحد من المعصومين ؟

قلنا : لو لم يكن لهذه الرؤى والمنامات فائدة إلاّ ارتياح النفس ، وانبساط الروح ، لكفى ، فما تقول لو رفع عنك الهمّ والغمّ ، وانفتح لك أبواب الفرج ، وتبدّل خوفك أمناً ، وعسرك يسراً إثر هذه المنامات ؟

وما تقول إذاً لو أدركك عزّ وجاه ، وسلطان وقوّة ، ونور من الله جلّ وعلا ، كما فسرّ ذلك في بعض الروايات ؟

ما تقول إذاً لو كان إثر هذه المنامات فرج لبعض المؤمنين حيث يراه بعض الطواغيت ، ويكون سبباً لرفع الظلم عن الآخرين ، كما قرأنا ذلك في حياة بعض المعصومين وطواغيت زمانهم ، أو رفع الظلم والأذى عن بعض أصحابهم.

فأيّ فائدة أهمّ وأعظم وأكبر وأنفع من هذه الفوائد ، وإليك ما اُشير إلى بعضها :

١ ـ أمان لأهل المدينة والقرية

قال الصدوق رحمه‌الله : « يروى في الأخبار الصحيحة عن أئمّتنا عليه‌السلام : أنّ من رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله أو أحداً من الأئمّة عليه‌السلام قد دخل مدينة أو قرية في منامه ، فإنّه أمن لأهل المدينة أو القرية مّا يخافون ويحذرون ، وبلوغ لما يأملون ويرجون » (١).

٢ ـ بشارة الشيعة

وعن شرف الدين الحسيني : بسنده عن الحارث الهمداني ، قال : « دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ساجد يبكي حتّى علا نحيبه

_________________________

(١) كمال الدين : ١ / ٢١٠.

٥٠

وارتفع صوته بالبكاء.

فقلنا : يا أمير المؤمنين ، لقد أمرضنا بكاك ، وأمضنا وأشجانا وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قطّ.

فقال : كنت ساجداً أدعو ربّي بدعاء الخير في سجدتي ، فغلبتني عيني ، فرأيت رؤيا هالتني وأفضعتني ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائماً وهو يقول : يا أبا الحسن ، طالت غيبتك عنّي ، وقد اشتقت إلى رؤيتك ، وقد أنجز لي ربّي ما وعدني فيك.

فقلت : يا رسول الله : وما الذي أنجز لي فيَّ ؟

قال : أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك ، وذرّيّتك في الدرجات العلى في علّيّين.

فقلت : بأبي أنت واُمّي ، يا رسول الله ، فشيعتنا ؟

قال : شيعتنا معنا وقصورهم بحذا قصورنا ، ومنازلهم مقابل منازلنا.

فقلت : يا رسول الله ، فما لشيعتنا في الدنيا.

قال : الأمن والعافية.

قلت : فما لهم عند الموت ؟

قال : يحكم الرجل في نفسه ، ويؤمر ملك الموت بطاعته وأيّ موتة شاء ماتها ، وأنّ شيعتنا ليموتون على قدر حبّهم لنا.

قلت : فما لذلك حدّ يعرف.

قال : بلى إنّ أشدّ شيعتنا لنا حبّاً يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في اليوم الصائف الماء البارد الذي ينتفع منه القلب ، وأنّ سائرهم ليموت كما يغطّ أحدكم على فراشه كأقرّ ما كانت عينه بموته » (١).

_________________________

(١) تأويل الآيات : ٧٥٢.

٥١

٣ ـ هداية العباد

ومن فوائد هذه المنامات : الإهتداء إلى الطريق الصحيح والتشرّف إلى الإسلام ، كما اتّفق هذا الأمر لمجوسي أسلم هو وأهله إثر عمل عمله ، ورأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه وأراه منزله في الجنّة.

قال السبط ابن الجوزي : « قرأت على عبد الله بن أحمد المقدسي سنة أربع وستّمائة ، وقال : قرأت في الملتقط ـ والملتقط كتاب جدّي أبو الفرج ـ قال : كان ببلخ رجل من العلويّين نازلاً بها ، وكان له زوجة وبنات ، فتوفّي الرجل.

قالت المرأة : فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء ، واتّفق وصولي في شدّة البرد ، فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال لهم في القوت ، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا شيخ البلد ، فتقدّمت إليه وشرحت حالي لي.

فقال : أقيمي عندي البيّنة إنّك علويّة ، ولم يلتفت علَيَّ ، فيئست منه وعدت إلى المسجد. فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة ، فقلت : مَن هذا ؟

فقالوا : ضامن البلد ، وهو مجوسي.

فقلت : عسى أن يكون عنده فرج ، فتقدّمت إليه وحدّثته حديثي ، وما جرى لي مع شيخ البلد ، وأنّ بناتي في المسجد ما لهم شيء يقوتون به ، فصاح بخادم له ، فخرج ، فقال : قل لسيّدتك تلبس ثيابها ، فدخل وخرجت امرأة معها جواري.

فقال إذهبي مع هذا المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار ، فجاءت معي وحملت البنات ، وقد أفرد لنا داراً في دارة ، فلمّا كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كـأنّ القيامة قامت ، واللواء على رأس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٥٢

وإذا قصر من الزمرّد الأخضر ، فقال : لمن هذا القصر ؟

فقيل : لرجل مسلم موحّد.

فتقدّم إليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ، فأعرض عنه.

قال : يا رسول الله ، تعرض عنّي وأنا رجل مسلم ؟!

فقال له : أقم البيّنة عندي إنّك مسلم ، فتحيّر الرجل.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نسيت ما قلت للعلويّة ، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره.

فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي ، بثّ غلمانه في البلد ، وخرج بنفسه يدور على العلويّة ، فأخبر أنّها في دار المجوسي ، فجاء إليه فقال : أين العلويّة ؟

فقال : عندي.

فقال : اُريدها.

قال : ما إلى هذا سبيل.

قال : هذه ألف دينار وسلّمهنّ إليَّ.

فقال : لا والله ولا بمائة ألف دينار ، فلمّا ألحّ عليه قال له : المنام الذي رأيته ، أنا أيضاً رأيته ، والقصد الذي رأيته لي خلق ، وأنت تدلّ عليّ بإسلامک ، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وقد أسلمنا کلّنا علی يد العلويّة ، وعادت برکاتها علينا ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : القصر لک ولأهلک بما فعلت مع العلويّة ، وأنتم من أهل الجنّة ، خلقکم الله مؤمنين في القِدم » (١).

٤ ـ انکشاف بعض الاُمور

ومن الاُمور المترتّبة علی هذه المنامات الصادقة من رؤية النبي أو أحد

_________________________

(١) تذکرة الخواصّ : ٣٣٠.

٥٣

الأئمّة عليهم‌السلام هو انكشاف بعض الحقائق والخفيّات ، والإهتداء إلى أمر قد خفي على الآخرين.

قال السبّط ابن الجوزي : « قرأت على عبدالله بن أحمد المقدسي بهذا التاريخ ، قال : وجدت في كتاب الجوهري عن ابن أبي الدنيا أنّ رجلاً رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه وهو يقول : امضِ إلى فلان المجوسي وقل له : قد اُجيبت الدعوة ، فامتنع الرجل من أداء الرسالة لئلاّ يظنّ المجوسي أنّه يتعرّض له ، وكان الرجل في الدنيا في سعة ، فرأى الرجل رسول الله ثانياً ، وثالثاً ، فأصبح فأتى المجوسي وقال له في خلوة من الناس : أنا رسول رسول الله إليك ، وهو يقول لك قد اُجيبت الدعوة.

فقال له : أتعرفني ؟

قال : نعم.

قال : فإنّي أنكر دين الإسلام ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال : أنا أعرف هذا ، وهو الذي أرسلني إليك مرّة ومرّة ومرّة.

فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، ودعى أهله وأصحابه فقا لهم : كنت على ضلال ، ورجعت إلى الحقّ فأسلموا ، فمن أسلم فما في يده فهو له ، ومن أبي فلينزع مالي عنده.

قال : فأسلم القوم وأهله ، وكانت له ابنة مزوّجة من ابن ابنه ، ثمّ قال لي : أتدري ما الدعوة ؟

قلت : لا ، وأنا اُريد أن أسألك الساعة.

فقال : لمّا زوجّت إبنتي صنعت طعاماً ودعوت الناس إليه ، فأجابوا وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم ، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيراً في وسط الدار ، قال : فسمعت صبيّة تقول لاُمّها : يا اُمّاه ، قد آذانا المجوسي برائحة

٥٤

طعامه ، قال : فأرسلت إليهنّ بطعام كثير وكسوة ودراهم للجميع ، فلمّا نظروا إلى ذلك قال الصبيّة للباقيّات : والله ما نأكل حتّى ندعو له ، فرفعن أيديهنّ وقلن : حشرك الله مع جدّنا رسول الله ، وأمّن بعضهم ، فتلك الدعوة التي اُجيبت » (١).

٥ ـ الإخبار بقبول العمل

ومن هذه الفوائد أيضاً كما ورد في تاريخ الإمام الهادي عليه‌السلام تفسير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من عمل بغا التركي الذي قدّمه لرضى الله ورسوله.

قال المسعودي : « وفي سنّة ثمان وأربعين ومائتين كانت وفاة بغا الكبير التركي ، وقد نيّف على التسعين سنة ، وقد كان باشر من الحروب ما لم يباشره أحد ، فما أصابته جراحة قطّ .. وكان بغا ديّناً من بين الأتراك ، وكان من غلمان المعتصم ، يشهد الحروب العظام ، ويباشرها بنفسه ، فيخرج منها سالماً ويقول : الأجل جوشن ، ولم يكن يلبس على بدنه شيئاً من الحديد ، فعذّل في ذلك ، فقال : رأيت في نومي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جماعة من أصحابه فقال لي : يا بغا ، أحسنت إلى رجل من اُمّتي ، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك.

قال : فقلت : يا رسول الله ، ومن ذلك الرجل ؟

قال : الذي خلّصته من السباع.

فقلت : يا رسول الله ، سل ربّك أن يطيل عمري ، فرفع يديه نحو السماء ، وقال : اللّهمّ أطل عمره ، وأتمّ أجله.

فقلت : يا رسول الله ، خمس وتسعون سنة ، فقال رجل كان بين يديه : ويوقى من الآفات.

فقلت للرجل ، مَن أنت ؟

_________________________

(١) تذكره الخواص : ٣٣١.

٥٥

قال : أنا عليّ بن أبي طالب ، فاستيقظت من نومي وأنا أقول عليّ بن أبي طالب.

وكان بغا كثير التعطّف والبرّ للطالبيّين ، فقيل له : مَن كان ذلك الرجل الذي خلّصته من السباع ؟

قال : كان اُتي المعتصم برجل قد رمي ببدعة ، فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة ، فقال لي المعتصم : خذه فألقه إلى السباع.

فأتيت بالرجل إلى السباع لألقيه إليها وأنا مغتاظ عليه ، فسمعته يقول : اللّهمّ إنّك تعلم ما تكلّمت إلّا فيك ، ولم أرد بذلك غيرك ، وتقريباً إليك بطاعتك ، وإقامة الحقّ على من خالفك ، أفتسلمني ؟

قال : فارتعدت وداخلتني له رقّة ، وملئ قلبي له رعباً ، فجذبته عن طرق بركة السباع ، وقد كدت أن أزجّ به فيها ، وأتيت به حجرتي فأخفيته فيها ، وأتيت المعتصم فقال : هيه.

قلت : ألقيته.

قال : فما سمعته يقول ؟

قلت : أنا عجمي ، وهو يتكلّم بكلام عربي ، ما أدري ما يقول ، وكان الرجل أغلظ ، فلمّا كان في وقت السحر قلت للرجل : قد فتحت الأبواب ، وأنا مخرجك مع رجال الحرس ، وقد آثرتك على نفسي ، ووقيتك بروحي ، فأجهد ألاّ تظهر في أيّام المعتصم.

قال : نعم.

قلت : فما خبرك ؟

قال : هجم رجل من عمّاله في بلدنا على ارتكاب المكاره والفجور ، وإماتة الحقّ ونصر الباطل ، فسرى ذلك إلى فساد الشريعة ، وهدم التوحيد ، فلم أجد

٥٦

عليه ناصراً ، فوثبت عليه في ليلة فقتلته ؛ لأنّ جرمه كان يستحقّ به في الشريعة أن يفعل به ذلك » (١).

٦ ـ تهديد الجبابرة والطواغيت

روى الصدوق : بسنده عن إبراهيم بن عبيدالله بن العلا ، قال : « حدّثتني فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم بن الحسين ، قالت : لمّا قتل أبو الدوانيق عبد الله بن الحسن بن الحسين بعد قتل إبنيه : محمّد وإبراهيم ، حمل إبني داود بن الحسين من المدينة مكبّلاً بالحديد مع بني عمّه الحسنيّين إلى العراق ، فغاب عنّي حيناً ، وكان هناك مسجوناً ، فانقطع خبره ، وأعمى أثره ، وكنت أدعو الله وأتضرّع إليه وأسأله خلاصه ، وأستعين بإخواني من الزهّاد والعبّاد وأهل الجدّ والإجتهاد ، وأسألهم أن يدعوا الله لي أن يجمع بيني وبين ولدي قبل موتي ، فكانوا يفعلون ولا يقصّرون في ذلك ، وكان يصل إليَّ أنّه قد قُتل ، ويقول قوم : لا ، قد بني عليه اسطوانة مع بني عمّه ، فتعظم مصيبتي ، واشتدّ حزني ، ولا أرى لدعائي إجابة ولا لمسألتي نجحاً ، فضاق بذلك ذرعي ، وكبر سنّي ، ورقّ عظمي ، وصرت إلى حدّ اليأس من ولدي لضعفي وانقضاء عمري.

قالت : ثمّ إنّي دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، وكان عليلاً ، فلمّا سألته عن حاله ودعوت له وهممت الإنصراف ، قال لي : يا اُمّ داود ، ما الذي بلغك عن داود ؟

وكنت قد أرضعت جعفر بن محمّد بلبنه ، فلمّا ذكره لي بكيت وقلت : جعلت فداك ، أين داود ؟

داود محتبس في العراق ، وقد انقطع عنّي خبره ، ويئست من الإجتماع معه ،

_________________________

(١) مسند الإمام الهادي عليه‌السلام : ١٦٤ ، عن مروج الذهب : ٤ / ١٦٠.

٥٧

وإنّي لشديدة الشوق إليه ، والتلهّف عليه ، وأنا أسألك الدعاء له ، فإنّه أخوك من الرضاعة.

قالت : فقال لي أبو عبد الله : يا اُمّ داود ، فأين أنت من دعاء الإستفتاح والإجابة والنجاح ؟ وهو الدعاء الذي يفتح الله عزّ وجلّ له أبواب السماء ، وتتلقّى الملائكة ، وتبشّر بالإجابة ، وهو الدعاء المستجاب الذي لا يحجب عن الله عزّ وجلّ ، ولا لصاحبه عند الله تبارك وتعالى ثواب دون الجنّة.

قالت : وكيف لي يابن الأطهار الصادقين ؟

قال : يا اُمّ داود ، فقد دنى هذا الشهر الحرام ـ يريد عليه‌السلام شهر رجب ـ وهو شهر مبارك عظيم الحرمة : مسموع الدعاء فيه ، فصومي منه ثلاثة أيّام : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وهي الأيّام البيض ، ثمّ اغتسلي في يوم النصف منه عند زوال الشمس ، وصلّي الزوال ثمان ركات ترسلين فيهنّ وتحسنين ركوعهنّ وسجودهنّ وقنوتهنّ ، تقرأ في الركعة الاُولى بفاتحة الكتاب ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، وفي الثانية ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ ) ، وفي الستّ البواقي من السور القصار ما أحببت ، ثمّ تصلّين الظهر ، ثمّ تركعين بعد الظهر ثمان ركعات تحسنين ركوعهنّ وسجودهنّ وقنوتهنّ ، ولتكن صلاتك في أطهر أثوابك في بيت نظيف ، على حصير نظيف ، واستعملي الطيب ، فإنّه تحيّة الملائكة ، واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلّمك أو يشغلك ، فإذا فرغت من الدعاء فاسجدي على الأرض ، وعفّري خدّيك على الأرض ، وقولي : لك سجدت ، وبك آمنت ، فارحم ذلّي وفاقتي وكبوتي لوجهي ، واجهدي أن تسبيح عيناك ، ولو مقدار رأس الذباب دموعاً ، فإنّه آية إجابة هذا الدعاء حرقة القلب ، وانسكاب العَبرة ، فاحفظي ما علّمتك ثمّ احذري أن يخرج عن يديك إلى يد غيرك ، ممّن يدعو به لغير حقّ ، فإنّه دعاء شريف ، وفيه اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وأعطى ، ولو أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ، والبحار بأجمعها من دونها ،

٥٨

وكان ذلك كلّه بينك وبينه وبين حاجتك يسهّل الله عزّ وجلّ الوصول إلى ما تريدن ، وأعطاك طلبتك ، وقضى لك حاجتك ، وبلغك آمالك ، ولكن من دعا بهذا الدعاء الإجابة من الله تعالى ، ذكراً أو اُنثى ، ولو أنّ الجنّ والإنس أعداء لولدك لكفاك الله مؤنتهم وأخرس عنك ألسنتهم ، وذلّل لك رقابهم إن شاء الله.

قالت اُمّ داود : فكتب لي هذا الدعاء وانصرفت منزلي ، ودخل شهر رجب فتوخيّت الأيّام وصمتها ، ودعوت كما أمرني ، وصلّيت المغرب والعشاء الآخرة ، وأفطرت ثمّ صلّيت من الليل ما سنح لي مرتب في ليلي ، ورأيت في نومي كما صلّيت عليه من الملائكة والأنبياء والشهداء والعباد ، ورأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو يقول لي : يا بنيّة ، يا اُمّ داود ، أبشري ، فكلّ ماترين أعوانك وإخوانك وشفعائك ، وكلّ من ترين يستغفرون لك ، ويبشّرونك ينجح حاجتك ، فابشري بمغفرة الله ورضوانه ، فجزيت خيراً عن نفسك ، وأبشري بحفظ الله لولدك ، وردّه عليك إن شاء الله.

قالت اُمّ داود : فانتبهت عن نومي ، فوالله ما مكثت بعد ذلك إلاّ مقدار مسافة الطريق من العراق للراكب المجدّ المسرع حتّى قدم عليّ داود.

فقال : يا اُمّاه ، إنّي لمحتبس بالعراق في أضيق المحابس ، وعلَيَّ ثقل الحديد ، وأنا في حال اليأس من الخلاص ؛ إذ نمت في ليلة النصف من رجب فرأيت الدنيا قد خفضت لي حتّى رأيتك في حصير في صلاتك وحولك رجال رؤسهم في السماء ، وأرجلهم في الأرض ، عليهم ثياب خضر يسبّحون من حولك ، وقال قائل جميع الوجه حلية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نظيف الثوب ، طيّب الريح ، حسن الكلام ، فقال : يابن العجوز الصالحة ، أبشر فقد أجاب الله عزّ وجلّ دعاء اُمّك ، فانتبهت فإذا أنا برسول الله أبي الدوانيق ، فادخلت عليه من الليل فأمر بفكّ حديدي ، والإحسان إليَّ ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم وأن اُحمل على نجيب ،

٥٩

واستسعى بأشدّ السير ، فأسرعت حتّى دخلت إلى المدينة.

قالت اُمّ داود : فمضيت به إلى أبي عبدالله عليه‌السلام فسلّم عليه وحدّثه بحديثه.

فقال له الصادق عليه‌السلام : إنّ أبا الدوانيق رأى في النوم عليّاً عليه‌السلام يقول له : أطلق ولدي وإلاّ لألقيتك في النار ، ورأى كأنّ تحت قدميه النيران ، فاستيقظ وقد سقط في يده ، فأطلقك » (١).

٧ ـ تنبيه الغافلين

ومن فوائد رؤيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام : الإنتباه من الغفلة لما يسير عليه من طريقة خاطئة ، كما أخطأ بعض السادة العلويّين في بادي الأمر بالنسبة إلى الأئمّة الهداة ، وإن رجعوا فوراً عند انتباههم ، وتابوا على أيديهم ، كما نقل ذلك عن التأثر الكبير الشهيد السعيد زيد بن عليّ رحمه‌الله.

قال ابن شهرآشوب : « قال معتب : قُرع باب مولاي الصادق عليه‌السلام ، فخرجت فإذا زيد بن عليّ عليه‌السلام ، فقال الصادق لجلسائه : ادخلو هذا البيت ، وردّوا الباب  ، ولايتكلّم منكم أحد ، فلمّا دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلاً يتشاوران ، ثمّ علا الكلام بينهما.

فقال زيد : دع ذا عنك يا جعفر ، فوالله لئن لم تمدّ يدك حتّى اُبايعك أو هذي يدي فبايعني ، لا تعينك ولا كلّفتك ما لا تطبيق ، فقد تركت الجهاد ، وأخلدت إلى الخفض ، وأرخيت الستر ، واحتويت على مال الشرق والغرب.

فقال الصادق عليه‌السلام : يرحمك الله يا عمّ ، يغفر لك الله يا عمّ ، وزيد يسمعه ويقول : موعدنا الصبح ، أليس الصبح بقريب ، ومضى فتكلّم الناس في ذلك.

_________________________

(١) فضائل الأشهر الثلاثة : ٣٣.

٦٠