بحوث في الرؤيا والأحلام

الشيخ محمّد جواد الطبسي

بحوث في الرؤيا والأحلام

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-101-9
الصفحات: ١٧٥

يبشّر بها عند موته أنّ الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك » (١).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزّ وجلّ : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ) ، قال : هي الرؤيا الحسنة ، يرى المؤمن فيبشّر بها في دنياه » (٢).

روى عبادة بن الصامت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ) ، قال : « هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له ، وهو كلام يكلّم به ربّك عبده في المنام » (٣).

_________________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٣٣.

(٢) الكافي : ٨ / ٩٠ تفسير الصافي : ١ / ٧٥٧.

(٣) الدرّ المنثور : ٣ / ٣١١.

٢١

٢٢

٢٣
٢٤



لقد صرّحت العترة الطاهرة عليه‌السلام تبعاً للقرآن الكريم بوجود الرؤيا والمنامات في الإنسان ، وورد عنهم أيضاً عشرات من الأحاديث حول علّة الرؤيا وأقسامها ، من صادقها وكاذبها ، وبيان شرائطها وفوائدها ، وآثارها المترتّبة.

قال الصادق عليه‌السلام لمفضّل بن عمر : « فكّر ـ يا مفضّل ـ في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها ، فمزج صادقها بكاذبها ، فإنّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء ، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة ، بل كانت فضلاً لا معنى له ، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها ، أو مضرّة يتحذّر وتكذب كثيراً لئلاّ يعتمد عليها كلّ الاعتماد » (١).

فعدّ الرؤيا من وجهة نظرهم نعمة من الله تبارك وتعالى ، حيث ينتفع بها أحياناً في مصلحة يهتدي بها طالما لم يصل إليها إلاّ من هذا الطريق ، وهكذا من مضرّة يتحذّر بسبب الرؤيا.

بداية الأحلام في الإنسان

لم يتّضح لنا من أنّ الأحلام والمنامات متى حدثت في الإنسان ، فهل كانت

_________________________

(١) سفينة البحار : ١ / ٣٠٠. مجمع البحرين : ٤٦٩. درر الأخبار : ٢ / ٢٥٧.

٢٥

مع الإنسان منذ خُلق ، أو حدثت بعد مرور الزمن والأعوام على خلقه ؟ فلذلك لم ينقل إلينا عن أبينا آدم عليه‌السلام ما روى عن سائر الأنبياء من الرؤيا والمنامات.

وممّا يؤيّد أنّها حدثت فيما بعد ما روي عن أبي الحسن الهادي عليه‌السلام ، حيث رواه لنا الكليني عن بعض أصحابه ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق ، وإنّما حدثت.

فقلت : وما العلّة في ذلك ؟

فقال : إنّ الله عزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ، فوالله ما أنت بأكثرنا مالاً ، ولا بأعزّنا عشيرة.

فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنّة ، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار.

فقالوا : وما الجنّة والنار ؟

فوصف لهم ذلك.

فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟

فقال : إذا متّم.

فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً ، فازدادوا له تكذيباً ، وبه استخافافاً ، فأحدث الله عزّ وجلّ فيهم الأحلام ، فأتوه فأخبروه بما رأواما أنكروا من ذلك.

فقال : إنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، تكون أرواحكم إذا متّم وإن بليت أبدانكم تصير أرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان » (١).

قال الطريحي ـ بعد ذكر هذا الحديث ـ : « ويستفاد من هذا الحديث اُمور :

_________________________

(١) الكافي : ٨ / ٩٠.

٢٦

منها : أنّ الأحلام حادثة.

ومنها : أنّ عالم البرزخ يشبه عالم الأحلام.

ومنها : أنّ الأرواح تعذّب قبل أن تُبعث الأبدان » (١).

ويظهر أيضاً من عشرات الأحاديث والروايات المذكورة في ذيل الآيات التي مرّت ذكرها ، وفيما سيمرّ عليك ، وجهة نظر النبيّ والعترة الطاهرة عليه‌السلام حول الرؤيا والأحلام ، حيث إنّه عليه‌السلام كان يحرّض أصحابه على التحدّث بما رآه عنه في منامه ، وكان يسمّيه بالمبشّرات.

_________________________

(١) مجمع البحرين : ٤٦٩.

٢٧

٢٨

٢٩
٣٠



لقد أشار كثير من الأعلام في مطاوي كلماتهم وأبحاثهم إلى الرؤيا والمنامات في الإنسان ، وعقدوا لذلك أبواباً بعد أن بيّنوا هذه الحقيقة وأثبتوها.

وقد أسهب العلامة المجلسي عليه‌السلام في هذا الموضوع ، وذكر بعض أقوال المتكلّمين والحكماء ، وأشار أيضاً إلى أخبار الأئمّة عليه‌السلام.

١ ـ كلام الشيخ المفيد رحمه‌الله

قال الكراجكي في كنز الفوائد « وجدت لشيخنا المفيد رضي‌الله‌عنه في بعض كتبه أنّ الكلام في باب رؤيا المنامات عزيز ، وتهاون أهل النظر به شديد ، والبليّة بذلك عظيمة ، وصدق القول فيه أصل جليل ، والرؤيا في المنام يكون من أربع جهات :

أحدها : حديث النفس بالشيء والفكر فيه حتّى يحصل كالمنطبع في النفس ، فيخيّل إلى النائم ذلك بعينه وأشكاله ونتائجه ، وهذا معروف بالاعتبار.

الجهة الثانية : من الطبائع ما يكون من قهر بعضها لبعض ، فيضطرب المزاج ويتخيّل لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب من مأكول ومشروب ، ومرئي وملبوس ، ومبهج ومزعج ، وقد نرى تأثير الطبع الغالب في اليقظة والشاهد ، حتّى أنّ من غلب عليه الصفراء يعصب عليه الصعود إلى المكان العالي بما يتخيّل

٣١

له من وقوعه ، ويناله من الهلع والزمع ما لا ينال غيره ، ومن غلبت عليه السوداء يتخيّل أنّه قد صعد في الهواء وناجته الملائكة ، ويظنّ صحّة ذلك ، حتّى أنّه ربّما اعتقد في نفسه النبوّة ، وأنّ الوحي يأتيه من السماء ، وما أشبه ذلك.

والجهة الثالثة : ألطاف من الله عزّ وجلّ لبعض خلقه من تنبيه وتيسير ، وإعذار وإنذار ، فيلقي في روعه ما ينتج له تخييلات اُمور تدعوه إلى الطاعة والشكر على النعمة ، وتزجره عن المعصية ، وتخوّفه الآخرة ، ويحصل له بها مصلحة ، وزيادة فائدة وفكر يحدث له معرفة.

والجهة الرابعة : أسباب من الشيطان ، ووسوسة يفعلها للإنسان ، يذكره بها اُموراً تحزنه ، وأسباباً تغمّه ، وتطمعه فيها لا يناله ، أو يدعوه إلى ارتكاب محظور يكون فيه عطبه ، أو تخيّل شبهة في دينه يكون منها هلاكه ، وذلك مختصّ بمن عدم التوفيق لعصيانه ، وكثرة تفريطه في طاعات الله سبحانه ، ولن ينجو من باطل المنامات وأحلامها ، إلاّ الأنبياء والأئمّة عليه‌السلام ، ومن رسخ في العلم من الصالحين » (١).

٢ ـ كلام السيّد المرتضى رحمه‌الله

وقال السيّد المرتضى رحمه‌الله ضمن جواب طويل له عن السائل عنه في القول في المنامات أصحيحة هي أم باطلة ، ومن فعل مَن هي ؟ وما وجه صحّتها في الأكثر ؟

قال : « وينبغي أن يقسّم ما يتخيّل النائم أنّه يراه إلى أقسام ثلاثة :

منها : ما يكون من غير سبب يقتضيه ، ولا داع يدعوه إليه إعتقاداً مبتدأ.

_________________________

(١) كنز الفوائد : ٢ / ٦٠. بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٠٩.

٣٢

ومنها : ما يكون من وسواس الشيطان ، يفعل في داخل سمعه كلاماً خفيّاً يتضمّن أشياء مخصوصة ، فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنّه يراه ، فقد نجد كثيراً من النيام يسمعون حديث من يتحدّث بالقرب منهم ، فيعتقدون أنّهم يرون ذلك الحديث في منامهم.

ومنها : ما يكون سببه والداعي إليه خاطراً يفعله الله تعالى ، أو يأمر بعض الملائكة بفعله ، ومعنى هذا الخاطر أن يكون كلاماً يفعل في داخل السمع ، فيعتقد النائم أيضاً أنّه ما يتضمّن ذلك الكلام والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح في الدين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة كما انّما يقتضي الشرّ منها الاُولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة ، وقد يجوز على هذا في ما يراه النائم في منامه ، ثمّ يصحّ ذلك حتّى يراه في يقظته على حدّ ما يراه في منامه ، وفي كلّ منام يصحّ تأويله أن يكون سبب صحّته أنّ الله تعالى يفعل كلاماً في سمعه لضرب من المصلحة بأنّ شيئاً يكون أو قد كان على بعض الصفات ، فيعتقد النائم أنّ الذي يسمعه هو يراه ، فإذا صحّ تأويله على ما يراه ، فما ذكرناه إن لم يكن ممّا يجوز أن تتّفق فيه الصحّة اتّفاقاً ، فإنّ المنامات وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الإتّفاق ، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجهاً فيه » (١).

٣ ـ قول المازري حول الرؤيا

وقال المازري من العامّة في شرح قول النبيّ : « الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان » : « مذهب أهل السنّة في حقيقة الرؤيا أنّ الله تعالى يخلق في قلب النائم إعتقادات ، كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ، لا يمنعه النوم واليقظة ، فإذا خلق هذه الإعتقادات فكأنّه جعلها علماً على اُمور

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢١٤.

٣٣

اُخر يخلقها في ثاني الحال ، أو كان قد خلقها ، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنّه اعتقد أمراً على خلاف ما هو ، فيكون ذلك الإعتقاد علماً على غيره ، كما يكون خلق الله تعالى الغيم علماً على المطر ، والجميع خلق الله تعالى ، ولكن يخلق الرؤيا والإعتقادات التي جعلها علماً على ما يسّر بغير حضرة الشيطان ، وخلق ما هو علم على ما يضرّ بحضرة الشيطان ، فنسب إلى الشيطان مجازاً لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقةً » (١).

٤ ـ البغوي في شرح السنّة

قال البغوي : « ليس كلّ ما يراه الإنسان صحيحاً ويجوز تعبيره ، بل الصحيح ما كان من الله يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة اُمّ الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها ، وهي على أنواع : قد تكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان ، أو يريه ما يحزنه ، وله مكائد يحزن بها بني آدم ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) ، ومن لعب الشيطان به الإحتلام الذي يوجب الغُسل ، فلا يكون له تأويل وقد يكون من حديث النفس كما يكون في أمر أو حرفة يرى معشوقه ونحوه ، وقد يكون من مزاج الطبيعة ، كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة والحمرة والرعاف والرياحين والمزامير والنشاط ونحوه.

ومن غلب عليه الصفراء : يرى الناس ، والشمع ، والسراج ، والأشياء الصفر ، والطيران في الهواء ، ونحوه. ومن غلب عليه السوداء : يرى الظلمة ، والسواد ، والأشياء السود ، وصيد الوحش ، والأحوال ، والأموات ، والقبور ، والمواضع

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢١٣.

(٢) المجادلة ٥٨ : ١٠.

٣٤

الخربة ، وكونه في مضيق لا منفذ له ، أو تحت ثقل ونحوه.

ومن غلب عليه البلغم : يرى البياض ، والمياه ، والأنداد ، والثلج ، والوحل ، فلا تأويل لشيء منها » (١).

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢١٣.

٣٥

٣٦

٣٧
٣٨



١ ـ حقيقة الرؤيا وسببها

إنّ من آيات الله جلّ وعلا النوم في الليل والنهار لاستراحة القوى النفسانيّة وقوّة القوى الطبيعيّة ، كما أشار القرآن الكريم بذلك حيث قال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) (١) ، وكما يظهر من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) (٢) ، وأنّه منّ علينا بأن جعل نومنا ممتدّاً طويلاً ، لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة ، فإنّ السبات هو النوم ، أو هو النوم الممتدّ الطويل ، كما قال به بعض (٣).

فيخرج الروح من جسم النائم إمّا دائماً فهو الموت ، وإمّا مؤقّتاً فيرجع إلى جسمه بإذن الله. فيسير إمّا إلى ربّ العالمين ، وإمّا أن يكون بين السماء والأرض ، فما رأى في عروجه وسيره يسمّى رؤيا ، فإن كان إلى الله فهو حقّ ، وما كان بين السماء والأرض فهو أضغاث أحلام ، كما أشار بذلك النبيّ وأهل بيته الكرام. وإليك ما روي :

١ ـ روى الصدوق : بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : « سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل

_________________________

(١) الروم ٣٠ : ٢٣.

(٢) النبأ ٧٨ : ٩.

(٣) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٥٦ و ١٥٧.

٣٩

ينام فيرى الرؤيا ، فربّما كانت حقّاً وربّما كانت باطلاً.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، ما من عبد ينام إلاّ عرج بروحه إلى ربّ العالمين ، فما رأى عند ربّ العالمين فهو حقّ ، ثمّ إذا أمر الله العزيز الجبّار بردّ روحه إلى جسده ، فصارت الروح بين السماء والأرض ، فما رأته فهو أضغاث أحلام » (١).

وعن المسعودي عن أبي جعفر الجواد أنّه نقل عن آبائه صلوات الله عليهم ، قال : « أقبل أمير المؤمنين ومعه أبو محمّد عليه‌السلام وسلمان الفارسي ، فدخل المسجد وجلس فيه ، فاجتمع الناس حوله ؛ إذا أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه‌السلام وجلس ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل ، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّك وصيّ رسول الله حقّاً ، وإن لم تخبرني بهنّ علمت أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين : سل عمّا بدا لك.

فقال أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ، وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه ولد الأعمام والأخوال ؟

فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد فقال : يا أبا محمّد ، أجبه.

فقال أبو محمّد : أمّا الإنسان إذا نام فإنّ روحه متعلّقة بالريح ، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت يتحرّك صاحبها إلى اليقظة ، فإذا أذن الله بردّ الروح جذبت تلك الروح الريح ، وجذبت الريح الهواء ، فرجعت الروح إلى مسكتها في البدن ، وإن لم يأذن الله بردّ الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح ، وجذبت الريح الروح ، فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يببعثه الله تعالى » (٢).

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٥٨.

(٢) إثبات الوصيّة : ١٥٧.

٤٠