بحوث في الرؤيا والأحلام

الشيخ محمّد جواد الطبسي

بحوث في الرؤيا والأحلام

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-101-9
الصفحات: ١٧٥

فانتبه الرجل من منامه ولم يفكّر فيما كان رأى في منامه ، ولا اعتدّ به حتّى ورد باب نيسابور ، فقيل له : إنّ عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ليصف له ما ينتفع به من الدواء ، فقصده إلى رباط سعد ، فدخل إليه ، فقال له : يابن رسول الله ، كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد عليَّ فمي ولساني ، ولا أقدر على الكلام إلاّ بجهد ، فعلّمني دواء أنتفع به.

فقال الرضا عليه‌السلام : ألم اُعلّمك ، إذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك.

فقال الرجل : يابن رسول الله ، إن رأيت أن تعيده علَيَّ.

فقال عليه‌السلام لي : خذ من الكمّون والسعتر والملح فدقّه ، وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثاً ، فإنّك ستعافى.

قال الرجل : فاستعملت ما وصف لي فعوفيت.

قال أبوحامد أحمد بن عليّ بن الحسين الثعالبي : سمعت أبا أحمد عبدالله ابن عبدالرحمن المعروف بالصفواني يقول : رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية » (١).

_________________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢١١.

١٢١

١٢٢

١٢٣
١٢٤



لا شكّ أنّ القرآن الكريم نهانا أن نقصّ رؤيانا على كلّ أحد حتّى ولو كان ذلك الإنسان أخاً لنا ، فلو كان أحداً أقرب إلى الإنسان من الأخ لكان يعقوب عليه‌السلام يسمح لولده يوسف أن يقصّ رؤياه على إخوته ، ولكنّه نهى عن ذلك حينما رأى الشمس والقمر والكواكب يسجدون له ، وقال : ( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١) ، والعلّة في ذلك كيد السامع والمفسّر للرؤيا إثر حسده بالنسبة إلى الرائي ، وإن علم أنّه مجرّد رؤيا.

فقصّه يوسف عليه‌السلام مع إخوته أدلّ دليل على وجوب كتمان ما يراه الإنسان وعدم بيانه إلّا على مَن كان أهلاً لذلك.

وقد نهينا أيضاً في بعض الأخبار عن الإسراع والإستعجال في تعبير الرؤيا ، حيث شبّهت الرؤيا والمنامات بالطائر الذي يرفرف على رأس الإنسان الذي لا قرار له ولا ثبات ، فإذا اُصيب بالرمية وقع على الأرض ، فكذا الرؤيا ، فإذا عبّرت استقرّت على الراءي.

روى الكليني في الكافي : عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن معمّر بن خلاّد ، قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول :

_________________________

(١) يوسف ١٢ : ٥.

١٢٥

ربّما رأيت الرؤيا فاُعبّرها ، والرؤيا على ما تعبّر » (١).

وقال الطريحي في المجمع : « وفي الخبر عنه : الرؤيا على رِجل طائر ما لم تعبّر ، فإذا عبّرت وقعت.

قال بعض الشارحين : وجه الجمع بين هذين الخبرين ـ هذا الخبر والذي قبله ـ أنّه عبّر عن مطلق الرؤيا بكونها كالطائر الذي لا قرار له ولا ثبات له حتّى يحصل تعبيرها ، فإذا حصل صارت كالطائر الذي اُصيب بالضربة أو الرمية فوقع بعد طيرانه » (٢).

فلمّا لم يكن كلّ إنسان له القابليّة على التعبير والتفسير حسب ما تشتهيه نفسه ، أو ما يؤدّي إليه نظره ، ذكر في بعض الروايات والأحاديث الإسلاميّة إلى بعض المميّزات التي لا بدّ أن يتّصف بها المُعبّر للرؤيا حتّى يكون تعبيره للرؤيا صحيحاً ، وهي :

١ ـ لا يكون رجل سوء

روى الكليني في الكافي : عن الحسن بن الجهم ، قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الرؤيا على ما تعبّر.

فقلت له : إنّ بعض أصحابنا روى أنّ رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام.

فقال أبو الحسن : إنّ إمرأة رأت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جذع بيتها قد انكسر ، فأتت رسول الله فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها النبيّ : يقدم زوجك ويأتي وهو صالح ، وقد كان زوجها غائباً ، فقدم ـ كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

ثمّ غاب عنها زوجها غيبة اُخرى ، فرأت في المنام كأنّ جذع بيتها قد انكسر ، فأتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها : يقدم زوجك ويأتي صالحاً ، فقدم على ما قال.

_________________________

(١) الكافي : ٨ / ٣٣٥.

(٢) مجمع البحرين : ٣٤.

١٢٦

ثمّ غاب زوجها ثالثة ، فرأت في منامها أنّ جذع بيتها قد انكسر ، فلقيت رجلاً أعسر ، فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها الرجل السوء : يموت زوجك.

قال : فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ألا كان عبّر لها خيراً » (١).

٢ ـ أن يكون مؤمناً خالياً من الحسد

روى الكليني : بسنده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الرؤيا لا تقصّ إلاّ على مؤمن خلا من الحسد والبغي » (٢).

٣ ـ أن يكون عاقلاً

وعنه أيضاً : بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إنّ رؤيا المؤمن ترفّ بين السماء والأرض على رأس صاحبها ، حتّى يعبّرها لنفسه أو يعبّرها له مثله ، فإذا عُبِّرت لزمت الأرض ، فلا تقصّوا رؤياكم إلاّ على من يعقل » (٣).

٤ ـ لا يحدّث بها إلاّ من يحبّ

وعن أبي سلمة ، قال : « كنت أرى الرؤيا فيهمّني حتّى سمعت أبي قتادة يقول : كنت أرى الرؤيا فيمرضني حتّى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الرؤيا الصالحة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ فلا يحدّث به إلاّ من يحبّ » (٤).

٥ ـ لا يحدّث بها إلاّ ناصحاً أو عالماً

وعن أبي أيّوب مرسلاً : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « إنّ الرؤيا يقع على ما عبّر ، ومثل

_________________________

(١)و (٢) الكافي : ٨ / ٣٣٦.

(٣) مستدرك الوسائل : ٥ / ١١٨.

(٤) بحارالأنوار : ٥٨ / ١٧٤.

١٢٧

ذلك مثل رجل رفع رجله ينتظر متى يضعها ، وإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدّث بها إلاّ ناصحاً أو عالماً » (١).

٦ ـ لا يحدّث بها إلاّ حبيباً أو لبيباً

وروي عن ابن زرين ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الرؤيا جزء من ستّة وأربعين جزءً من النبوّة ، وهي على رِجل طائر ، فإذا حدّث بها وقعت ، وأحسبه قال : لا تحدّث بها إلاّ حبيباً أو لبيباً » (٢).

٧ ـ لا يحدّث بها إلاّ وادّ أو ذي رأي

قال : وفي رواية اُخرى : « الرؤيا على رِجل طائر ما لم يعبّر ، فإذا عبّرت وقعت ، قال : وأحسبه قال : لا تقصّها إلاّ على وادّ أو ذي رأي » (٣).

وقفة قصيرة

نقل العلاّمة المجلسي ضمن بيان عن البغوي حول كتمان الرؤيا عمّن لا يحبّه ، أو الحديث إلى العالم والناصح والحبيب واللبيب والوادّ وذي الرأي بياناً شافياً ، وإليك خلاصة ما نقل : قال رحمه‌الله : « فيه إرشاد للمستعبر لموضع رؤياه ، فإن رأى ما يكره لا يحدّث به حتّى لا يستقبله في تعبيرها ما يزداد به همّاً ، فإن رأى ما يحبّه فلا يحدّث به إلاّ من يحبّه ؛ لأنّه لا يأمن ممّن لا يحبّه أن يعبّره حسداً على غير وجهه ، فيغمّه أو يكيده بأمر ، كما أخبر الله تعالى عن يعقوب حين قصّ عليه يوسف رؤياه : ( لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) (٤) » (٥).

_________________________

(١ ـ ٣) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٥.

(٤) يوسف ١٢ : ٥.

(٥) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٥.

١٢٨

وقال أيضاً : «الوادّ لا يحبّ أن يستقبلك في تفسيرها إلاّ بما تحبّ ، وإن لم يكن عالماً بالعبارة لم يجعل لك بما يغمّك ، وأمّا ذوي الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها ، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ممّا تعلم منها ، ولعلّه أن يكون في تفسيرها موعظة يردعك عن قبيح ما أنت عليه ، أو يكون فيها بشرى فتشكر الله عليها » (١).

والحاصل : يستفاد ممّا تقدّم أنّه من أراد أن لا يغّمه ما رآه في النوم ، إمّا أن يكتم رؤياه ولا يقصّها على أحد ، عالماً كان أو غيره ، وإمّا أن يقصّها على من يحبّه ، أو من كانت له علم وخبرة بعلم التعبير خالياً من الحقد والحسد ، أو كان عالماً وناصحاً.

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٥.

١٢٩

١٣٠

١٣١
١٣٢



ذكر العلاّمة المجلسي وغيره ضوابط للتعبير ، منها بدلالة القرآن ، والحديث ، والتأويل بالأمثال ، وبالأسامي ، وبالمعني ، وبالضدّ ، وهكذا بالوجوه الحكميّة ، واللوازم ، والتأويل بالإقرتان ، وبالدرجة والرتبة ، وبالصفة ، وباختلاف الأحوال ، وغير ذلك ، فقال رحمه‌الله : « واعلم أنّ التأويل قد يكون بدلالة كتاب أو سنّة ، أو من الأمثال السائرة بين الناس ، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني ، وقد يقع على الضدّ.

١ ـ فالتأويل بدلالة القرآن ، كالحبل يعبّر بالعهد ، كما مرّ ، لقوله تعالى : ( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) (١).

والسفينة بالنجاة لقوله تعالى : ( فَأَنْجَيْنَاهُ وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) (٢).

والخشية بالنفاق لقوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) (٣).

والحجارة بالقسوة لقوله تعالى : ( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) (٤).

_________________________

(١) آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٢) العنكبوت ٢٩ : ١٥.

(٣) المنافقون ٦٣ : ٤.

(٤) البقرة ٢ : ٧٤.

١٣٣

والمرض بالنفاق لقوله تعالى : ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) (١).

والماء بالفتنة في حال لقوله تعالى : ( لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ ) (٢).

وأكل اللحم النيّ بالغيبة لقوله : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (٣).

ودخول الملك محلّة أو بلداً أو داراً يصغر عن قدره ، وينكر دخول مثله مثلها يعبّر بمصيبة وذلّ ينال أهله ، لقوله : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ) (٤).

والبيض بالنساء لقوله : ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) (٥).

وكذلك اللباس ( بالنساء ) لقوله : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ ) (٦).

واستفتاح الباب بالدعاء لقوله : ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ) (٧) ، أي تدعوا.

٢ ـ والتأويل بدلالة الحديث ، كالغراب بالرجل الفاسق ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه فاسقاً.

والفأرة بالمرأة الفاسقة ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاها فويسقة.

والضلع بالمرأة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّها خلقت من ضلع أعوج ».

والقوارير بالنساء لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رويدك سوقاً بالقوارير ».

٣ ـ والتأويل بالأمثال ، كالصائغ بالكذّاب ، لقوله : « أكذب الناس الصوّاغون ».

_________________________

(١) البقرة ٢ : ١٠. المائدة ٥ : ٥٢. الأنفال : ٨ : ٤٩. التوبة ١٢٥ : ٩. الحجّ ٢٢ : ٥٣. الأحزاب ٣٣ : ١٢ و ٦٠. محمّد ٤٧ : ٢٠ و ٢٩. المدّثّر ٧٤ : ٣١.

(٢) الجنّ ٧٢ : ١٦ و ١٧.

(٣) الحجرات ٤٩ : ١٢.

(٤) النمل ٢٧ : ٣٤.

(٥) الصافّات ٣٧ : ٤٩.

(٦) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٧) الأنفال ٨ : ١٩.

١٣٤

وحفر الحفرة بالمكر لقولهم : « من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ».

قال تعالى : ( وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) (١).

والحاطب بالنمّام لقولهم لمن نمّ ووشي : « إنّه يحطب عليه » ، وفسّروا قوله : ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) (٢) بالنميمة. وطول اليد بصنائع المعروف لقولهم : « فلان أطول يداً من فلان ». ويعبّر الرقي بالحجارة ، والسهم بالقذف ، لقولهم : « رمى فلاناً بفاحشة ». قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ) (٣). وغسل اليد باليأس عمّا يؤمّل ، لقولهم : « غسلت يدي عنك ».

٤ ـ والتأويل بالأسامي ، كمن رأى من يسمّى راشداً يعبّر بالرشد ، وسالماً بالسلامة ، وروي عن أنس ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عقبة بن رافع ، فأتينا برطب ابن طاب ، فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا ، والعاقبة في الآخرة ، وأنّ ديننا قد طاب ».

٥ ـ والتأويل بالمعنى ، كالاُترجّ يعبّر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره ، إذا لم يكن في الرؤيا ما يدلّ على المال. وكالورد والنرجس بقلّة البقاء إن عدل به عمّا نسب إليه بسرعة ذهابه. والآس بالبقاء لأنّه يدوم.

٦ ـ التأويل بالضدّ ، فكما أنّ الخوف يعبّر بالأمن ، لقوله : ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) (٤) ، والأمن بالخوف ، والبكاء بالفرح ، إذا لم يكن معه رنّة ، والضحك بالحزن ، إلاّ أن يكون تبسّماً ، والطاعون بالحرب ، والحرب

_________________________

(١) فاطر ٣٥ : ٤٣.

(٢) المسد ١١١ : ٤.

(٣) النور ٢٤ : ٤.

(٤) النور ٢٤ : ٥٥.

١٣٥

بالطاعون ، والعجلة بالندم ، والندم بالعجلة ، والعشق بالجنون ، والجنون بالعشق ، والنكاح بالتجارة ، والتجارة بالنكاح ، والحجامة بكتبة الصك ، والصك بالحجامة ، والتحوّل عن المنزل بالسفر ، والسفر بالتحوّل عن المنزل.

٧ ـ وقد يتغيّر بالزيادة والنقصان ، كالبكاء إنّه فرح ، وإن كان معه صوت ورنّة فمصيبة ، وفي الضحك إنّه حزن ، فإن كان تبسّماً فصالح ، وفي الجوز مال مكنون ، فإن سمعت له قعقعة فهو خصومة ، والدهن في الرأس زنية ، فإن سال عن الوجه فهو غمّ ، والزعفران ثناء حسن ، فإن ظهر له لون مرض أو همّ ، والمريض يخرج من منزله ولا يتكلّم فهو موته ، فإن تكلّم برأ ، والفأر نساء ، فإن اختلفت ألوانها إلى البيض والسود فهي الأيّام والليالي ، والسمك نساء ، فإذا عرف عددها فإن كثر فغنيمة.

٨ ـ وقد يتغيّر التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي ، كالغلّ في النوم مكروه ، وهو في حقّ الرجال الصالح قبض اليد عن الشرّ ، وقال ابن سيرين : « نقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطاناً ، فإن لم يكن من أهل يصلب ». وسأل رجل ابن سيرين عن الأذان ، فقال : « الحج » ، وسأله آخر فأوّل بقطع السرقة ، وقال : « رأيت الأوّل في سيماء حسنة فتأوّلت ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) (١) ، ولم أرض هيئة الثاني فأوّلت : ( أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (٢) ».

وقد يرى فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية أو حجّ أو قدوم غائب أو خير أو نكبة ، وقد رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح ، فكان كذلك. قال تعالى : ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ

_________________________

(١) الحجّ ٢٢ : ٢٧.

(٢) يوسف ١٢ : ٧٠.

١٣٦

رَسُولَهُ الرُّؤْيَا ) (١).

وروي عن الزهري ، عن ابن خزيمة بن ثابت ، عن عمّه : « أنّ خزيمة رأى أنّه سجد على جبهة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره ، فاضطجع له وقال : صدّق رؤياك ، فسجد على جبهته ».

وقد يرى في المنام الشيء فيكون لولده أو قريبه أو سميّه ، فقد أرى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله متابعة أبي جهل معه ، فكان لابنه عكرمة ، فلمّا أسلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هو هذا ». ورأى لاسيد بن العاص ولاية مكّة ، فكان لإبنه عتاب ، ولاّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة » (٢).

ضوابط اُخرى للتعبير

وزاد الميرزا محسن آل العصفور في كتابه « بلغة الشيعة الكرام » بعض التأويلات بالوجوه الكتابيّة ، وبالسنّة ، والتأويل بالوجوه الحكميّة ، والأمثال المضروبة ، وبالشبه ، وباللوازم ، وبالأسامي ، وبالإقتران ، وبالدرجة والرتبة ، وبالصنعة ، وباختلاف الأحوال وغيره ، فقال :

« الأوّل : أنّ تأوّلها بالوجوه الكتابيّة ، كأن تأوّل رؤيا من اشترى بيضاً أنّه يتزوّج ، لقوله سبحانه :

ومنها : قوله تعالى : ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) (٣) ، أو اشترى لؤلؤاً أنّه يشتري غلماناً ، لقوله : ( كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ) (٤) ، أو أوقد ناراً بين جماعة أنّه يفسد بينهم ويوقع لقوله تعالى : ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ ) (٥) ، أو ركب سفينة أنّه

_________________________

(١) الفتح ٤٨ : ٢٧.

(٢) بحار الأنوار : ٥٨ / ٢٢٠.

(٣) الصافّات ٣٧ : ٤٩.

(٤) الطور ٥٢ : ٢٤.

(٥) المائدة ٥ : ٦٤.

١٣٧

ينجو من الفتن لقوله تعالى : ( فَأَنْجَيْنَاهُ وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) (١) ، وأمثال ذلك ، ولا بدّ لمن رام ذلك أن يقرأ القرآن بالتدبّر في آياته ومناسبات كلماته.

الثاني : التعبير بالسنّة ، كأن تفسّر الغراب بالرجل الفاسق ؛ لما روي أنّه سمّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فاسقاً ، وتفسّر الفأرة بالمرأة الفاسقة ؛ لأنّه سمّاها فويسقة ، وتفسّر الضلع بالمرأة ؛ لما روي : أنّ المرأة كالضلع الأعوج ، وتفسّر الحيوانات الممسوخة بما مسخوا عنه ، كما قدّمنا لتلك الأخبار ، ولا بدّ لمن رام ذلك من التدبّر في أخبار الآل عليهم‌السلام ، لا سيّما خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام المشحونة بالتشبيهات السديدة الكاملة ، كأنّ تفسّر رؤيا من لبس قيمصاً ضيقّاً بأنّه ينتحل ما ليس له ؛ لقوله : « أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها ابن أبي قحافة » (٢) ، أو جرى من تحته الماء بالرتبة العالية والملك ، لقوله : « يَنْحَدرُ عَنِّي السَّيْلُ » (٣) ، وكذا إذا طار إليه ولم يبلغه لقوله : « وَلا يَرْقَىٰ إِلَيَّ الطَّيْرُ » (٤) ، أو جلس في وسط رحى أن يصير مدار اُمور الخلق لقوله : « وَإِنَّهُ لِيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا » (٥).

الثالث : التأويل بالوجوه الحكميّة ، كأن تأوّل العرش بالمكان العليّ والعظمة في القدر بالباطني والعلوم الباطنة ، وتأوّل الكرسي بالرفعة والعلوم الظاهرة ، وتأوّل الشمس بالسلطان والدين والرئاسة والملك ، وأمثال ذلك ، والقمر بالنيابة والخلافة والوصاية والوزارة.

الرابع : أنّ تأوّل بالأمثال المضروبة كأن تعبّر حفر البئر بالمكر للمثل السائر : « من حفر بئراً لأخيه وقع فيها » ، وجواز الماء عن الجبل باشتداد الأمر والفتنة لقولهم : « قد جاوز الماء الزبى » ، والزبي : بئر في الجبال تحفر لصيد الأسد. ورمي السهم معوجّاً بالكلام في غير محلّه للمثل : « ترسّل في غير سدد » ،

_________________________

(١) العنكبوت ٢٩ : ١٥.

(٢ ـ ٤) نهج البلاغة.

١٣٨

وانحلال الحزم بمن لا يبالي بما يقال له للمثل : « إنّك لقلق الوضين » ، وقرّة العين بالولد ، واليد بالعون ، والخادم والظهر بالأخ ، والرجل بالدابّة ، وأمثال ذلك.

الخامس : أنّ تأوّل بالشبيه ، كأن تأوّل من رأى نفسه على النعش أنّه يركب الأعناق ، والمريض خرج من داره ساكتاً ، أو نزع فروة عليه أنّه يموت وينزع فروة بدنه ، ومنه تأويل : ( أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ) (١) بأنّه يصلب ويأكل الطير من رأسه ، وركوب الأسد بخدمة السلطان ، والطيران بالسفر ، والصلاة بالحجّ ، والزنا بالاُمّ والحجّ ، والاُخت زيارة المشاهد ، ومعانقة الأب بزيارة الحسين عليه‌السلام ، والميّت بالغائب.

السادس : التأويل باللوازم ، كوضع الرأس على الركبة بالهمّ ، وشرب الغليان بالحزن ، وحمرة الوجه بالسرور ، والرجفة بالخوف ، والإحتراق بالنار بالعشق أو الفراق أو بالعصيان ، والتواضع بالرفعة ، والترفّع بالضعة ، والطمع بالذلّة ، والقناعة بالعزّة.

السابع : التأويل بالأسامي ، فمن عانق من إسمه حسين يزور الحسين عليه‌السلام ، ومن رأى مسمّى بالراشد يرشد ، وبالصالح يعمل صالحاً.

الثامن : التأويل بالإقتران ، فإن رأى مقاماً خطيراً وليس هو من أهله يناله أخوه أو أبوه أو قريبه ممّن له أهل ، وإن رأى أحداً ليس في البلد مثلاً يرى نسيبه أو أقاربه أو الملازمين له ، أو رأى أنّه زار السلطان أو جالسه ، فلربّما يجالس وزيره أو بعض أرباب المناصب أو خدّامه.

التاسع : التأويل بالدرجة والرتبة ، فإنّ من رأى ما يدلّ على ارتفاع يرتفع بقدر درجته ، فارتفاع الفلاّح غير ارتفاع الوزير ، وارتفاع الوزير غير ارتفاع السلطان ، ومن رأى ما يدلّ على العلم يزداد علماً في صنعته ، فلا ينال الصائغ

_________________________

(١) يوسف ١٢ : ٣٦.

١٣٩

الحكمة الإلهيّة ، ولا الطبيب الفقاهة ، ولا الفقيه الحكمة ، وأمثال ذلك ، فاعرف قدر كلّ راء حتّى لا تخطئ.

العاشر : التأويل بنوع عين ما رأى أو جنسه ، وقد نبّهنا على ذلك سابقاً ، فمن رأى أنّه صعد جبلاً تقول : تصل إلى رتبة شامخة ودرجة عالية عليّة ، ومن رأى أنّه شرب ماءً تقول : تنال علماً فتأوّل التمر بعلم الحقيقة ، والفواكه بعلم الطريقة ، البقول بعلم الشريعة ، ورعي الغنم بالرئاسة ، وركوب البحر بارتكاب الاُمور المهولة ، والغوص فيه بالغوص في الفتن ، وإن كان البحر حلواً صافياً بعلم غزير.

الحادي عشر : التأويل بالصفة ، كورد لا دوام له بحبيب لا وفاء له ، وحيّ العالم والأشجار الخضر صيفاً وشتاءً بحبيب له وفاء ، وآلات البيت بالخدم ، والدواجن بالأضياف ، والتنّور بالقهرمان ، والسنور بالأنيس ، والفأر بالسارق ، كالعقعق والببغاء بالخطيب ، والبلبل بالمغنّي ، والخطّاف بالمستجير ، والنعل بالزوجة ...

الثاني عشر : التأويل باختلاف الأحوال ، كالفاكهة في أوانه شفاء ، وفي غير أوانه مرض ، والدهن قليله مال ، وكثيره فتنة وبليّة ، والمطر في أوانه رحمة ، وفي غير أوانه نقمة ، وقليله رحمة ، وكثيره نقمة ، وهكذا تلاحظ كلّ شيء مع مقارناته ، وكذلك قد يأوّل بالمضادّة ، وبدلالة الطبع ، وبدلالة العادة ، وبدلالة الكسب والصنعة ، وأمثال ذلك » (١).

من رأى الحيوانات أو الطيور في منامه

وفسّر أهل التعبير والتأويل بعض الحيوانات والطيور التي يراها النائم في نومه

_________________________

(١) بلغة الشيعة الكرام : ١٦٩.

١٤٠