موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-501-5
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



أوّلاً : حجة الوداع « حجة الإسلام »

وإلى القارئ ما ورد عنه في تلك الحجة بدءاً من تسميتها ، ومروراً بالمشاعر وأحكامها ، وانتهاءاً برجوع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة بعد انقضائها ، ويصح منا تسمية ذلك بمنسك ابن عباس كما رواه عنه أصحاب المصادر التالية :

١ ـ أخرج ابن سعد بسنده عن طاووس عن ابن عباس أنّه كره أن يقول حجة الوداع ، قال : فقلت : حجة الإسلام ؟ قال : نعم حجة الإسلام (١).

٢ ـ اخرج ابن كثير في السيرة النبوية نقلاً عن أحمد بسنده عن سعيد بن جبير قال : « قلت لعبد الله بن عباس : يا أبا العباس عجباً لاختلاف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في إهلال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين أوجب ؟! فقال : إنّي لأعلم الناس بذلك ، إنّما كانت من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حجة واحدة ، فمن هناك اختلفوا.

خرج رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حاجاً ، فلمّا صلّى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه ، أوجب في مجلسه ، فأهلّ بالحجّ حين فرغ من ركعتيه ، فسمع ذلك منه قوم ، فحفظوا عنه ، ثمّ ركب ، فلمّا أستقلت به ناقته أهلّ ، وأدرك ذلك منه أقوام ، وذلك إن الناس إنّما كانوا يأتون إرسالاً ، فسمعوه حين أستقلت به ناقته يُهلّ ، فقالوا : إنّما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين أستقلّت

_______________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ ق ١ / ١٣٥.

٢٢١

ناقته. ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فلمّا علا شرَف البيداء (١) أهلّ ، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا : إنّما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين علا شرّف البيداء. وأيم الله لقد أوجب في مصلّاه ، وأهلّ حين علا شرف البيداء » (٢).

٣ ـ أخرج ابن سعد بسنده عن ابن عباس قال : « انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (لبيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) » (٣).

٤ ـ أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال : « انطلق النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم من المدينة بعد ما ترجّل وادهن ولبس إزاره ورداءه ، هو وأصحابه ولم ينه عن شيء من الأردية والأزر تُلبس ، إلّا المزعفرة الّتي تردع على الجلد ، فأصبح بذي الحليفة ، ركب راحلته حتى أستوى على البيداء أهلّ هو وأصحابه ، وقلّد بدنَه ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة. فقدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة ، فطاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحلّ من أجل بُدنه لأنّه قلّدها ، ثمّ نزل بأعلى مكة عند الحجون ، وهو مهلٌ بالحجّ ، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة ، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثمّ يقصّروا من رؤوسهم ثمّ يَحلّوا ، وذلك لمن لم يكن معه بدَنَة قلّدها ، ومَن كانت معه أمرأته فهي له حلال ، والطيب والثياب » (٤).

_______________________

(١) البيداء : موضع امام ذي الحليفة ، سمي بذلك لأنّه ليس فيه بناء ولا أثر.

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ١٢٧.

(٤) صحيح البخاري ١ / ١٩٧ ط بولاق ، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر.

٢٢٢

٥ ـ أخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن جابر وابن عباس قالا : « قدمنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نريد إلّا الحجّ ، فأهللنا بالحجّ ، وطاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على راحلته يستلم الركن بمحجن كان معه ، ثمّ عدل إلى السقاية ، فقال : (اسقوني منها) ، فقال العباس : يا رسول الله ألا نسقيك من شراب قد مسّته الأيدي ، قال : (لا اسقوني منها) ، ثمّ شرب ، ثمّ عدل إلى زمزم فقال : (انزعوا لي منها) ، فنزعوا له دلواً ، فأخذ حسوة فمضمض ثمّ مجّه في الدلو ، ثمّ قال : (أعيدوه فيها) ، فقال : (يا بني هاشم إنكم على عمل صالح ، لولا أن تُغلبوا أو تُتخذ سنّة لأخذت معكم) ، ثمّ أتى منزله فخطب أصحابه وقال : (انّ العمرة دخلت في حجكم فحلّوا ، إلّا من كان معه هدي) ، وقال : (لولا أنّ معي هدياً لكثرتكم) ، فقام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله ألعامنا أم للأبد ؟ قال : (لا بل للأبد) ، وكان يعجبهم ما وافق صنيعهُم صنيعَ أهل الجاهلية. وكان أهل الجاهلية يقولون : إذا انسلخ صفر ، وعفا الوَبر ، وبرأ الدَبر ، فقد حلت العمرة لمن أعتمر » (١).

٦ ـ أخرج ابن كثير في السيرة النبوية نقلاً عن البخاري والترمذي عن ابن عباس قال : « طاف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيت على بعير ، فلمّا أتى الركن أشار إليه ـ وفي حديث آخر ـ أستلمه بمحجن ، فلمّا فرغ من طوافه أناخ فصلّى ركعتين » (٢).

٧ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن مسلم وأبي داود ، والطبراني في معجمه (٣) ، وغيرهم عن أبي الطفيل قال : « قلت لابن عباس : يزعم قومك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رَمَل بالبيت وان ذلك من سنّته ؟ قال : صدقوا وكذبوا ، فقلت : ما صدقوا وما

_______________________

(١) المعجم الكبير ١١ / ٣٣ ط الموصل.

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

(٣) المعجم الكبير ١٠ / ٢٦٨ ط الموصل.

٢٢٣

كذبوا ؟ قال : صدَقوا رَمَل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذبوا ليس بسنّة ، إنّ قريشاً قالت زمن الحديبية ، دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف (١) فلمّا صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام ، فقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمشركون من قبل قيقعان (٢) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : أرملوا بالبيت ثلاثاً. وليس بسنّة.

قلت : يزعم قومك انّ رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير ، وأن ذلك سنّة ؟

قال : صدقوا وكذبوا. قلت : ما صدقوا وما كذبوا ؟

قال : صدقوا قد طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الصفا والمروة على بعير ، وكذبوا ليس بسنّة ، كان الناس لا يُدفعون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يُصرفون عنه ، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ، ولا تناله أيديهم.

قلت : أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً أسنّة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنّه سنة.

قال : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمّد هذا محمّد ، حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يُضرب الناس بين يديه ، فلمّا كثر عليه الناس ركب.

قال ابن عباس : والمشي والسعي أفضل » (٣).

_______________________

(١) النغف : الدود ، وهو مثل يضرب للمستحقَر.

(٢) قيقعان : جبل مشرف على مكة من جهة الثنية السفلى الّتي بني عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة وهو ممتد من حارة الباب إلى الشامية (شفاء الغرام للفاسي / ٢٧٧ متناً وهامشاً) ط سنة ١٩٥٦ بمصر.

(٣) السيرة النبوية ٤ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

٢٢٤

٨ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن البخاري بسنده عن عطاء عن جابر وعن طاووس عن ابن عباس قالا : « قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه صُبح رابعة من ذي الحجة يهلّون بالحجّ لا يخلطه بشيء ، فلمّا قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة ، وأن نحلّ إلى نسائنا ، ففشت في ذلك المقالة » (١).

٩ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن الترمذي بسنده عن ابن عباس قال : « صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى الظهر العصر والمغرب والعشاء والفجر ثمّ غدا إلى عرفات » (٢).

١٠ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن الصحيحين عن ابن عباس قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب بعرفات : (من لم يجد نعلين فليلبس الخفّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل للمحرم) » (٣).

١١ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن عطاء قال : « دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة ، فقال : إني صائم ، فقال عبد الله : لا تُصم فإنّ رسول الله قُرّب إليه حِلّاب (٤) فيه لبن يوم عرفة فشرب منه ، فلا تُصم فإنّ الناس يستنّون بكم » (٥).

١٢ ـ أخرج الطبراني بسنده عن ابن عباس : « انّ أم الفضل أرسلت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن فشرب وهو يخطب بعرفة » (٦).

_______________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٣٣٢.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٣٩.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٤٢.

(٤) الحلّاب : القعب الّذي يحلب فيه اللبن.

(٥) السيرة النبوية ٤ / ٣٤٥.

(٦) المعجم الكبير ١٠ / ٣٢٦ ط الموصل.

٢٢٥

١٣ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن البخاري بسنده عن ابن عباس قال : « بينما رجل واقف مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصنه (١) فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبين ، ولا تُمِسّوه طيبا ، ولا تخمّروا رأسه ، ولا تحنّطوه ، فإنّ الله يبعثه يوم القيامة ملبّيا) » (٢).

١٤ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن الطبراني في مناسكه بسنده عن ابن عباس قال : « كان فيما دعا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع : (اللّهم إنّك تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سرّي وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق ، المقرّ المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبتُه ، وفاضت لك عبرَتُه ، وذلّ لك جَسَدُه ، ورغم لك أنفُه ، اللّهم لا تجعلني بدعائك ربّ شقياً ، وكن بي رؤفاً رحيماً يا خير المسؤولين ، ويا خير المعطين) » (٣).

١٥ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن البيهقي بسنده عن ابن عباس قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو بعرفة ، يداه إلى صدره كاستطعام المسكين » (٤).

١٦ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال : « لما أفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عرفات أوضَعَ الناس (٥) فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منادياً ينادي : (أيها

_______________________

(١) الوقص : وقصت الناقة براكبها ركمت به فدَقّت عنقه (المصباح المنير).

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٣٤٦.

(٣) السيرة النبوية ٤ / ٣٥١ ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٣ / ٢٥٢ نقلاً عن الطبراني في الكبير والصغير.

(٤) السيرة النبوية ٤ / ٣٥٠.

(٥) الإيضاع : أوضع البعير أسرع في سيره (المنجد).

٢٢٦

الناس ليس البرّ بإيضاع الخيل ولا الركاب) ، قال : فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جَمعاً. وقال : لم ينزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عرفات وجَمع إلّا أريق الماء » (١).

١٧ ـ أخرج ابن كثير في السيرة النبوية ، والبلاذري نقلاً عن البخاري بسنده عن ابن عباس قال : « أنا ممّن قدّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المزدلفة في ضَعفَة أهله » (٢).

١٨ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال : « قدّمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حُمراتنا فجعل يلطخ ـ يضرب ببطن كفه ـ أفخاذنا بيده ويقول : اَبَنيَّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، قال ابن عباس ما أخال أحداً يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس » (٣).

١٩ ـ أخرج ابن سعد بسنده عن ابن عباس قال : « قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة العقبة (إلقط لي) (٤) فلقطت له حصى الحذف ، فلمّا وضعتهنّ في يده قال : (نعم بأمثال هؤلاء ، وإياكم والغلوّ إنّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوّ في الدين) » (٥).

_______________________

(١) السيرة النبوية ٤ / ٣٥٨.

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٣٦٢ ، وانساب الاشراف (ترجمة ابن عباس).

(٣) السيرة النبوية ٤ / ٣٦٢.

(٤) لقد مرّ ان ابن عباس (حبر الأمة) ممّن قدّمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة مع أغيلمة بني عبد المطلب وضعفة أهله إلى منى وأوصاهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، فكيف يصح ما رواه ابن سعد عنه ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له غداة العقبة القط لي ـ يعني حصى الحذف ـ والالتقاط انما يستحب أن يكون من المزدلفة ؟ فربّما كان المراد بابن عباس في هذا الحديث هو الفضل بن العباس الّذي سيأتي ما يدل على أنّه بقي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروى عنه ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس حين دفعوا من المزدلفة وروى ذلك عنه أخوه حبر الأمة. أو أن الألتقاط كان بمنى ، والأول هو الأقرب.

(٥) طبقات ابن سعد ٢ ق ١ / ١٣٠.

٢٢٧

٢٠ ـ أخرج ابن سعد بسنده عن ابن عباس « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبّى حتى رمى الجمرة يوم النحر » (١).

٢١ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال : « أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة ، نحر منها ثلاثين بدنة بيده ، ثمّ أمر عليّاً فنحر ما بقي منها ، وقال : أقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ، ولا تعطينّ جزّاراً منها شيئاً ، وخذ لنا من كلّ بعير حذية ـ أي قطعة ـ من لحم ، واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسوا من مرقها. ففعل » (٢).

٢٢ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال : « رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمرة العقبة ثمّ ذبح ثمّ حلق » (٣).

٢٣ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن سفيان الثوري بسنده عن ابن عباس قال : « إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كلّ شيء كان عليكم حراماً إلّا النساء ، حتى تطوفوا بالبيت ، فقال رجل : والطيب يا أبا العباس ؟ فقال له : إنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضمّخ رأسه بالمسك ، أفطيبٌ هو أم  لا؟ » (٤).

٢٤ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن البخاري في صحيحه في باب الخطبة أيام منى بسنده عن ابن عباس : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبَ الناس يوم النحر فقال : (يا أيها الناس أيّ يوم هذا ؟) قالوا : يوم حرام ، قال : (فأيّ بلد هذا ؟) قالوا : بلد حرام ، قال : (فأيّ شهر هذا ؟) قالوا : شهر حرام قال : (فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم

_______________________

(١) نفس المصدر ٢ ق ١ / ١٣٥.

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٣٧٦.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٧٧.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٧٩.

٢٢٨

عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) قال : فأعادها مراراً ، ثمّ رفع رأسه ، فقال : (اللّهم هل بلّغت ؟ اللّهم قد بلّغت ؟) ـ قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنّها لوصيته إلى أمته ـ فليبلّغ الشاهدُ الغائب ، لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » (١).

٢٥ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد وأبي داود بسنديهما عن ابن عباس : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاف بالبيت وهو على بعير واستلم الحجر بمحجن كان معه ، قال : وأتى السقاية فقال : (اسقوني) ، فقالوا : إنّ هذا يخوضه الناس ولكنّا نأتيك به من البيت ، فقال : (لا حاجة لي فيه ، اسقوني ممّا يشرب الناس) » (٢).

٢٦ ـ أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس أنّه قال : « جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زمزم فنزعنا له دلواً فشرب ثمّ مجّ فيها ، ثمّ أفرغناها في زمزم ، ثمّ قال : (لولا أن تغلبوا عليها لنزعتُ بيدي) » (٣).

٢٧ ـ أخرج المحدث الثقة عليّ بن إبراهيم القمي عن عبد الله بن عباس قال : « حججنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : (ألا أخبركم بأشراط الساعة ؟) وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمه‌الله فقال : بلى يا رسول الله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (انّ أشراط القيامة اضاعة الصلاة واتباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء ، وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره).

_______________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٣٨٨.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٨٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٨٦.

٢٢٩

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان عندها تليهم أمراء جورة ، ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء خونة).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان إنّ عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ، ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان فعندها تكون إمارة النساء ، ومشاورة الإماء ، وقعود الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب طُرفاً ، والزكاة مغرما ، والفيء مغنما ، ويجفو الرجل والديه ، ويبرّ صديقه ، ويطلع الكوكب المذنّب).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قيظاً ، ويغيظ الكرام غيظاً ، ويحتقر الرجل المعسر فعندها تقارب الأسواق ، إذا قال هذا لم أبع شيئاً وقال هذا لم أربح شيئاً فلا ترى إلّا ذاماً لله).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم ، وإن سكتوا أستباحوهم ، ليستأثرونَ بفيئهم ، وليطؤنّ حرمتهم ، وليسفكنَّ دماءهم ، ولتملأنَّ قلوبهم دغلاً ورعباً ، فلا تراهم إلّا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان إنّ عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي ،

٢٣٠

فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيراً ، ولا يوقّرون كبيراً ، ولا يتجاوزون عن مسيء ، جثثهم جثث الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهنّ من أمتي لعنة الله).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس ، وتحلّى المصاحف ، وتطول المنارات ، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها تحلّى ذكور أمتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ، ويتخذون جلود النمور صفاقاً).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها يظهر الزنا ، ويتعاملون بالغيبة (بالعينة خ ل) والرُشا ، ويوضع الدين وترتفع الدنيا).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها تظهر القينات والمعازف ويليهم شرار أمتي).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان وعندها تحج أغنياء أمتي للنزهة ، وتحج أوساطها للتجارة ، وتحج فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه

٢٣١

مزامير ، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله ، ويكثر أولاد الزنا ، ويتغنّون بالقرآن ويتهافتون بالدنيا).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده يا سلمان ، ذاك إذا انتهكت المحارم ، وأكتسبت المآثم ، وسلّط الأشرار على الأخيار ، ويفشوا الكذب ، وتظهر اللجاجة وتفشوا الحاجة ، ويتباهون في اللباس ، ويمطرون في غير أوان المطر ، ويستحسنون الكذبة والمعازف ، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأمة ، ويظهر قراؤهم وعبّادهم فيما بينهم التلاوم ، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان عندها لا يخشى الغني إلّا الفقر ، حتى أنّ السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفه شيئاً).

قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إي والّذي نفسي بيده ، يا سلمان عندها يتكلم الرويبضة).

فقال سلمان : وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمي ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم ، فلم يلبثوا إلّا قليلاً حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كلّ قوم إلّا انها خارت في ناحيتهم ، فيمكثون ما شاء الله ثمّ يمكثون في مكثهم ، فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها ، قال ذهب وفضة ـ ثمّ أومى بيده إلى الأساطين ـ فقال : مثل هذا ، فيومئذٍ لا ينفع ذهب ولا فضة) ».

٢٣٢

قال عليّ بن إبراهيم : « فهذا معنى قوله تعالى : ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) » (١).

وإلى هنا نوقف متابعة أحاديث ابن عباس عن رحلة العودة من حجة الوداع (حجة الإسلام) (٢) ، حيث سنقرأ شيئاً منها في حديثه عن بيعة الغدير. والّذي ذكرناه منها يصلح أن نسميه منسكاً يكاد أن يكون متكاملاً لأهمّ أعمال الحجّ من فروض وسنن ، ولا يعني ذلك أنا نلتزم بصحة جميع معانيه ، بل عهدة ما ورد فيه على راويه ، على أنا نشك في سلامة بعض ممّا وصل إلينا من الأحاديث المروية عن ابن عباس في هذا المقام وفي غيره ، وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في حياته العلمية ، حيث سنذكر ما طالت عليه الأيدي الأثيمة وتناولته بالحذف والإضمار.

ومن اللافت للنظر حقاً فيما ذكرناه في هذا المقام ، خلّوه عن ذكر خطبتي الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عرفة وفي ثاني أيام التشريق. إذ لا يعقل إهمال ابن عباس لهما ، وهو الحريص على متابعة جميع ما كان يصدر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته تلك من أقوال وأفعال ، حتى ورد عنه روايته عن أخيه الفضل بن العباس ما قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس حين دفعوا من المزدلفة ، إذ لم يكن هو حاضراً ، بل لأنّه قدّمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أغيلمة بني عبد المطلب وضعفة أهله فدفعوا بليل وأوصاهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس. فروى عن أخيه الفضل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للناس : عليكم بالسكينة ، وهو كافّ ناقتَه حتى دخل محسّرا ـ وهو من منى ـ قال : عليكم بحصى الحذف الّذي يُرمى به الجمرة ، قال : ولم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلبّي حتى رمى الجمرة.

_______________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم القمي (تفسير سورة محمّد) ـ حديث خطبة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

(٢) السيرة النبوية ٤ / ٣٧٦.

٢٣٣

فمن كان بهذه المثابة من الحرص على أن لا يفوته شيء من أقوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفعاله ، كيف يفوته سماع الخطبتين وروايتهما بتمامهما ولو عن غيره. أليس هو القائل لسعيد بن جبير وقد سأله عن اختلاف قومه ـ قريش ـ في مناسك حجته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ابن عباس : إني لأعلم الناس بذلك. ولا مماراة في ذلك حتى شهدت له بذلك بعض أمهات المؤمنين فقالت أم سلمة : هو أعلم بالمناسك ، وقالت عائشة : هو أعلم بالسنّة ، هو أعلم بالمناسك (١).

ثمّ إنّ ما روي عنه من خطبة يوم النحر هو الآخر لم يسلم من مسّ اليد الأثيمة ، فلم يصل إلينا بتمامه ، والفجوات فيه بيّنة ولا نحتاج في إثباتها إلى بيّنة. ألا يكفينا مؤشّراً واضحاً قوله المعترض في وسط الخطبة : « فوالّذي نفسي بيده إنّها لوصيته إلى أمته ».

ومن أراد أن يعرف مقدار ما لعبت به رواة السوء من تغيير أو حذف أو إضمار ، فليقارن بين ما روي عنه وبين ما رواه غيره من الصحابة الّذين شهدوا الخطبة فرووها ، ليدرك مدى التفاوت ، وإلى القارئ إشارة عابرة إلى جانب من ذلك.

خذ مثلاً حديث الثقلين المستفيض أستفاضة تكاد تبلغ حد التواتر ، فإن من موارد ذكره كان في خطبة يوم النحر. وقد روى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام خطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم وفيها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا أيها الناس إنّي تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : الأكبر منهما كتاب الله ، والأصغر عترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين ـ أشار

_______________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٣٠١.

٢٣٤

بالسبّابتين ـ ولا أنّ أحدهما أقدم من الآخر ، فتمسكوا بهما ، لن تضلوا ، ولا تقدّموا منهم ، ولا تخلّفوا عنهم ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم) (١).

وابن عباس من رواة الحديث المذكور في موارده الأخرى ، كيف يعقل أن يروي الخطبة وهو من شهودها ، ثمّ يغفل رواية الحديث المذكور. وهكذا نبقى في دوامة الشك والريبة ، من مدوّني السيرة والحديث ، وفي قنواتهم المتصلة بابن عباس ، وغفلوا عن انّ حبل الكذب قصير ، والناقد بصير ، وفاتهم انّ قول ابن عباس : « فوالّذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته » إنّما يناسب حديث الثقلين شكلاً ومضموناً دون باقي فقرات الخطبة النبوية ، لكن رواة السوء كتموا ما لم يرق لهم ولأوليائهم روايته ، ودوّنوا لهم ما شاؤا ، وبذلك ضيّعوا الأمانة ، فأستحقّوا الإدانة.

ويزيدنا بصيرةً بمراد ابن عباس رضي‌الله‌عنه في قوله : « فوالّذي نفسي بيده إنّها لوصيته إلى أمته » ما رواه رضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قال : (من سره أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليّاً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبّين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي) (٢).

_______________________

(١) أنظر ينابيع المودة / ٣٤ ط أستانبول.

(٢) حلية الأولياء ١ / ٨٦ ، فرائد السمطين ١ / ٥٣.

٢٣٥
٢٣٦



ثانياً : بيعة الغدير

قال ابن عباس : « لمّا اُمر النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أن يقوم بعليّ بن أبي طالب المقام الّذي قام به ، فانطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فقال : رأيت الناس حديثي عهدٍ بكفر بجاهلية ، ومتى أفعل هذا به ، يقولوا صَنع هذا بابن عمه ، ثمّ مضى حتى قضى حجة الوداع ، ثمّ رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزوجل ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) الآية.

فقام منادِ فنادى الصلاة جامعة ، ثمّ قام وأخذ بيد عليّ رضي‌الله‌عنه فقال : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعادِ من عاداه) » (٢).

وقال في حديث آخر : « لمّا خرج النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى حجة الوداع ، نزل بالجحفة فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فأمره أن يقوم بعليّ فقال : (أيها الناس ألستم تزعمون أني أولى بالمؤمنين أنفسهم ؟) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأنصر من نصره ، وأعز من أعزّه ، وأعن من أعانه) ، قال ابن عباس : وجبت والله في أعناق القوم » (٣).

_______________________

(١) المائدة / ٦٧.

(٢) أمالي الحافظ المحاملي وعنه الوصّابي الشافعي في كتابه الاكتفاء بفضائل الخلفاء. كما في الغدير ١ / ٥٢.

(٣) كتاب الولاية للحافظ السجستاني كما في الغدير ١ / ٥٢.

٢٣٧

وعنه قال : « لمّا كان يوم غدير خم ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأخذ بضبعيه ثمّ رفع يديه حتى رأى بياض إبطيهما وقال للناس : (ألم أبلّغكم الرسالة ؟ ألم أنصح لكم ؟) قالوا : اللّهم نعم ، قال : (فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه) ، قال : ففشت هذه في الناس ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فرحّل راحلته ، ثمّ أستوى عليها ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ذاك بالأبطح فأناخ راحلته ثمّ عقلها ثمّ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : يا عبد الله إنّك دعوتنا إلى أن نقول لا إله إلّا الله ففعلنا والقلب فيه ما فيه ، ثمّ دعوتنا إلى أن نقول إنّك رسول الله ففعلنا ، ثمّ قلت لنا صلوا فصلينا ، ثمّ قلت صوموا فصمنا ، ثمّ قلت حجوا فحججنا ، ثمّ قلت لنا من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فهذا عنك أم عن الله ؟

فقال له : (بل عن الله) ، فقالها ثلاثاً ، فنهض وإنه لغضِب وانه ليقول : اللّهم إن كان ما يقول محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء تكون نعمة في أولنا وآية في آخرنا ، وان كان ما يقوله محمّد كذباً فأنزل به نقمتك ، ثمّ أثار ناقته واستوى عليها ، فرماه ـ الله ـ بحجر على رأسه فسقط ميتاً ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) (١) » (٢).

وبنحو ما مرّ وردت عنه أحاديث أخر تلتقي مع ما مرّ مضموناً ، فلا نطيل بذكرها ، ويكفينا ممّا ذكرناه تعقيبه على بعض ما رواه وحدّث به بقوله : « وجبت والله في أعناق القوم » (٣) يعني بيعة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

_______________________

(١) المعارج / ١ ـ ٣.

(٢) تفسير محمّد بن العباس بن ماهيار كما في غاية المرام / ٩٢ ط الحجرية ، وفي تفسير الشربيني ٤ / ٣٦٤ قال أختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس هو النضر بن الحرث وقيل هو الحرث بن النعمان.

(٣) كتاب الولاية للحافظ السجستاني كما في الغدير ١ / ٥٢.

٢٣٨

ولا يقل عن ذلك أهمية في روايته ما حدّث به عن مشهد آخر شهده مع النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد رجوعه من حجة الوداع فقال : « لمّا رجعنا من حجة الوداع جلسنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ، قال : (أتدرون ما اقول لكم ؟) قالوا المسلمون : الله ورسوله أعلم ، قال : (أعلموا أنّ الله عزوجل منّ على أهل الدين إذ هداهم بي ، وأنا أمنّ على أهل الدين إذ أهديهم بعليّ بن أبي طالب ابن عمي وأبي ذريتي ، ألا ومن أهتدى بهم نجا ، ومن تخلّف عنهم ضلّ وغوى.

أيّها الناس الله الله في عترتي وأهل بيتي ، فان فاطمة بضعة مني ، وولداها عضداي ، وأنا وبعلها كالضوء ، اللّهم ارحم من رحمهم ، ولا تغفر لمن ظلمهم) ، ثمّ دمعت عيناه وقال : (كأنّي أنظر إلى الحال) » (١).

وأهم مشهده شهده ابن عباس بعد ذلك من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مشهد يوم الخميس ، وما أدراك ما يوم الخميس ، فكان إذا ذكره قال : « الرزية كلّ الرزية ».

ولنقرأ حديث الرزية ففيه كلّ الرزية ، فهو حديث ذو شجون ، ملؤه أسى ومرارة ، يبعث التحدث عنه في النفس الشجن ، ويترك العين ترمض بالقذى.

_______________________

(١) بحار الأنوار ٧ / ٤٣ ط حجر بتبريز نقلاً عن روضة الكافي وفضائل ابن شاذان.

٢٣٩
٢٤٠