موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-501-5
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

عن مشاهدة ، ولا شك إن لعنصر المشاهدة قيمة في تسجيل الوقائع يفقده السماع وتعدّد الرواة.

وهكذا كانت هجرة حبر الأمة وهجرة أبيه ، تمت بملاقاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء في الطريق كما يقول أصحاب السيرة أو بعد الوصول إلى المدينة دار الهجرة والإيمان كما قلنا (١).

قال ابن كثير : « وهاجر مع أبيه قبل الفتح ، فأتفق لقياهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة ، وهو ذاهب لفتح مكة ، فشهد الفتح وحنيناً والطائف عام ثمان » (٢). ولمّا عاد مع أبيه ليشهد فتح مكة ، كان ذلك بداية ما كان يتحدث به بعد ذلك عن مشاهداته في ذلك الفتح. كما أنّه شهد أيضاً وقعة حنين والطائف ، ورويت عنه في ذلك بعض الأحاديث ، وكان جميع ذلك عام ثمان للهجرة النبوية ، وهو بداية حياته.

شواهد ومشاهد :

لقد كان لدى حبر الأمة وهو في سنّه تلك من قوة الحافظة ودقة الملاحظة ما جعلته يحفظ كلّ ما سمع وما رأى ، فكان حريصاً على متابعة الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أقواله وأفعاله ، حتى صار يحاكيه في شتى شؤونه الحياتية ففي العبادات مثلاً حين يصف وضوءه وصلاته وحتى قراءته وكيفية الركوع والسجود وأذكاره فيهما ، ويقول هكذا كان يفعل وهذا فعله وهكذا رأيته ، وحتى في سائر اوراده ونوافله وهو في بيته فلاحظ ما سيأتي عنه من وصفه الدقيق

_______________________

(١) لايعدم الباحث وجود روايات مناقبية تذكر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمه يا عم ختمت بي النبوة وختمت بك الهجرة ، ولكنها لا تثبت على المحكّ ويبين زيفها ، وأنها ممّا وضعها الوضاعون تزلّفاً إلى أبنائه في أيام خلافتهم ، وما أكثر ما تقرّبوا به اليهم من هذا القبيل حتى ليعسر أحياناً تخليص الحقائق من بين أكداس الشوائب.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٢٩٦.

١٨١

لذلك ، حين يصف غطيطه وصفيره في نومه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيفية لباسه وستأتي شواهد كثيرة في تاريخه العلمي حين نذكر(فقهه) أمّا الآن فنكتفي بذكر بعضها :

١ ـ عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : « ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فغرف بيده اليمنى ثمّ صبّ على اليسرى صبّة » (١).

٢ ـ عن عطاء بن يسار عن ابن عباس : أنّه توضأ فغسل كلّ عضو منه غسلة واحدة ثمّ ذكر أنّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كان يفعله (٢).

٣ ـ أخرج البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) (٣) قال : « كان النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يعالج من التنزيل شدة وكان يحرّك شفتيه ، فقال لي ابن عباس : أحرّكهما لك كما كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يحرّكهما ـ فقال سعيد : أنا أحرّكهما كما كان ابن عباس يحرّكهما ـ ، ... قال ـ ابن عباس ـ فكان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا أتاه جبريل عليه‌السلام أستَمَع فاذا أنطلق جبريل قرأه النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كما أقرأه » (٤).

٤ ـ أخرج عبد الرزاق عن سليمان بن يسار : أنّه سمع ابن عباس وأبا هريرة ، ورأى أبا هريرة يتوضأ ثمّ قال يابن عباس أتدري من ماذا أتوضأ ؟ قال : لا ، قال توضأت من أتوار (٥) أقط أكلتها. قال ابن عباس : ما أبالي ممّا توضأت ، أشهد

_______________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ١ / ٤٢.

(٢) صحيح البخاري (باب الوضوء مرة مرة) ١ / ٤٣ ، المصنف لعبد الرزاق ١ / ٤١ ، مسند أحمد ٥ / ٣٦.

(٣) القيامة / ١٦.

(٤) صحيح البخاري ٩ / ١٥٣ ط بولاق.

(٥) جمع تور وهي قطعة من الأقط وهو لبن جامد مستحجر.

١٨٢

لرأيت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أكل كتف لحم ثمّ قام إلى الصلاة وما توضأ (١).

٥ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن محمّد بن أسحاق عن خاله ـ موسى بن يسار ـ قال : « كان ابن عباس يوم الجمعة يبسط له في بيت ميمونة فيتحدث. فقال له رجل : أخبرني عما مسّت النار ؟ فقال ابن عباس : لا أخبرك إلّا ما رأيت من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، كان هو وأصحابه في بيته ، فجاء المؤذن فقام إلى الصلاة حتى إذا كان بالباب أتي بصحفة فيها خبز ولحم ، فرجع بأصحابه فأكل وأكلوا ، ثمّ رجع إلى الصلاة ولم يتوضأ » (٢).

٦ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا نظر في المرآة قال : (الحمد لله الّذي حسّن خَلقي ، وزان مني ما شان من غيري) ، فإذا أكتحل جعل في كلّ عين ثنتين وواحدة بينهما ، وكان إذا لبس بدأ باليمين ، وإذا خلع خلع اليسرى ، وكان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى ، وكان يحبّ التيمّن في كلّ شيء إذا أخذ وإذا أعطى » (٣).

٧ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يرفع يديه في كلّ ركعة » (٤).

_______________________

(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١ / ١٥٧عن ابن جريج ، وأحمد في المسند من طريق المصنف لعبد الرزاق ١ / ١٦٥.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ١٠ / ٣١٠.

(٣) نفس المصدر ١٠ / ٣١٤.

(٤) المعجم الكبير ١١ / ٢٤ ، ورواه أبو داود في سننه برقم / ٧٢٦ ، والنسائي في سننه ٢ / ٢٣٢.

١٨٣

٨ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن طاووس عن ابن عباس قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي في خميصة » (١).

٩ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن طاووس عن ابن عباس قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي في جبّة صوف وحدها » (٢).

١٠ ـ أخرج الطبراني في معجمه قال : « سأل رجل ابن عباس أدركت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال نعم أدركته وأنا غلام ، وكان بغيته أن يحضر عيد ، فخرج فأمر بعنزة فركزت له عند دار كثير بن الصلت فصلّى إليها ، ثمّ ذكّر الناس فوعظهم ثمّ أرتفع إلى النساء ليس معه ذكر غير بلال فذكّرهن ووعظهنّ وحثّهنّ على الصدقة فرأيتهنّ يهوين إلى آذانهن وحلقوهن ليدفعن الصدقة » (٣).

وفي حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « خرجت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة : لا أذان ولا إقامة ثمّ ركب راحلة فخطب عليها ثمّ أتى النساء ... ثمّ رجع إلى أهله ».

١١ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن طاووس عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : « سافرت مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثمّ دعا بإناء فشرب ليراه الناس ثمّ أفطر حين (حتى) دخل مكة وأفتتح مكة في رمضان » (٤).

_______________________

(١) المعجم الكبير ١١ / ٢٣.

(٢) نفس المصدر ١١ / ٢٤.

(٣) نفس المصدر ١٢ / ١١٢.

(٤) المعجم الكبير ١١ / ٢٦ ، وأخرجه البخاري في صحيحه برقم / ١٩٤٨ و ٤٢٧٩ ، ومسلم برقم / ١١١٣ ، والنسائي ٤ / ١٨٤ ، وابو داود برقم ٢٣٧٨ ، وأحمد في مسنده برقم / ٢٣٥٠ ـ ٥١ ـ ٥٢ و ٢٩٩٦.

١٨٤

١٢ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال : « دخلت على رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في سفر وهو يقرأ سورة ص فسجد فيها » (١).

١٣ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ثابت بن يزيد الخولاني أنّه قدم المدينة فلقي ابن عباس فسأله عن الخمر فقال : « سأخبرك عن الخمر ، اني كنت عند رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في المسجد ، فبينما هو محتب حلّ حبوته ثمّ قال : (من كان عنده من الخمر شيء فليؤذنّي به) فجعل الناس يأتونه فيقول أحدهم : عندي راوية خمر ، ويقول الآخر : عندي راوية ويقول الآخر : عندي زقاق وما شاء الله أن يكون عنده. فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم (اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثمّ اذنوني) ففعلوا ثمّ آذنوه ، فقام وقمت معه ، فمشيت عن يمينه وهو متكيء عليّ فلحقنا أبو بكر ، فأخذني رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فجعلني عن يساره ، وجعل أبا بكر مكاني ، ثمّ لحقنا عمر بن الخطاب فأخذه فجعله عن يساره فمشى بينهما حتى إذا وقف على الخمر قال للناس : (أتعرفون هذه ؟) قالوا : نعم يا رسول الله هذه الخمر قال : (صدقتم إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وآكل ثمنها) ثمّ دعا بسكين فقال : (أشحذوها) ففعلوا ، ثمّ أخذها رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يخرق الأزقاق. فقال الناس : انّ هذه الأزقاق منفعة فقال : (أجل ، ولكني إنّما أفعل ذلك غضباً لله لما فيها من سخطه) » (٢).

_______________________

(١) المعجم الكبير ١١ / ٤٩.

(٢) نفس المصدر ١٢ / ١٨٠برقم ١٢٩٧٧.

١٨٥

١٤ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال : « كنا في حلقة في المسجد نتذاكر فضائل الأنبياء أيّهم أفضل ؟ فذكرنا نوحاً وطول عبادته ربّه ، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن ، وذكرنا موسى كليم الله ، وذكرنا عيسى بن مريم ، وذكرنا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال : (ما تذاكرون بينكم ؟) قلنا : يا رسول الله تذاكرنا فضائل الأنبياء وأيّهم أفضل ؟ ذكرنا نوحاً وطول عبادته ، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن ، وذكرنا موسى كليم الله ، وذكرنا عيسى بن مريم ، وذكرناك يا رسول الله قال : (فمن فضلتم ؟) قلنا : فضّلناك يا رسول الله ، بعثك الله إلى الناس كافة ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ، وأنت خاتم الأنبياء فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : (أمّا أنّه لا ينبغي لأحد أن يقول انا خير من يحيى وزكريا) قلنا : يا رسول الله ومن أين ذاك ؟ قال : (أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن ؟ فقال : ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (١) ـ فقرأ حتى بلغ ـ ( وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) لم يعمل سيئة قط ولم يهمّ بها) » (٣).

١٥ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أخذ بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال : (يا بني عبد المطلب هل فيكم أحد من غيركم ؟) قالوا : أبن أخت لنا فقال : (أبن أخت القوم

_______________________

(١) مريم / ١٢.

(٢) آل عمران / ٣٩.

(٣) المعجم الكبير ١٢ / ١٦٨ ط الموصل.

١٨٦

منهم) ، ثمّ قال : (يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم كرب أو حمة أو جهد أو لأواء فقولوا : الله الله ربنا لا شريك له) » (١).

١٦ ـ أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال : « أهدى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى أبي بكَارة (٢) فاستصغرها ، ثمّ قال لي : انطلق بها إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يا بنيّ فقل : إنّا قوم نعمل فإن كان عندك أسنّ منها فابعث بها إلينا ، فأتيت بها فقال : (ابن عمي وجهها إلى أبل الصدقة).

ثمّ أتيته في المسجد فصليت معه العشاء فقال : (ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة قد أمسيت) فوافقت ليلتها من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فأتيتها فعشتني ووطأت لي عباءة بأربعة فافترشنيْها ، فقلت لأعلمنّ ما يعمل النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فدخل رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال : (يا ميمونة) قالت : لبّيك يا رسول الله قال : (أفلا عشّيتيه إن كان عندك شيء ؟) قالت : قد فعلت ، قال : (فوطئتِ له ؟) قالت : نعم ، فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه ، وأضطجع حوله ووضع رأسه على الفراش ، فمكث ساعة ، فسمعته قد نفخ في النوم ، فقلت نام وليس بالمستيقظ وليس بقائم الليلة ، ثمّ قام حيث قلت ذهب الربع ، الثلث من الليل ، فأتى سواكاً له ومطهرة ، فأستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك وهو يتلو هذه الآيات : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (٣) ، ثمّ وضع السواك ثمّ قام إلى قربة فحلّ شناقها ، فأردت أن أقوم

_______________________

(١) نفس المصدر ١٢ / ١٣٢ ط الثانية.

(٢) البكارة : ولد الناقة والفتيّ منها أو الثني إلى أن يجدع ، أو أبن المخاض إلى أن يثنّي او ابن اللبون ، كلّ ذلك يقال له بكارة (قطر المحيط بكر).

(٣) البقرة / ١٦٤.

١٨٧

فأصبّ عليه ، فخشيت أن يذر شيئاً من عمله ، فلمّا توضأ دخل مسجده فصلّى أربع ركعات ، فقرأ في كلّ ركعة مقدار خمسين آية ، يطيل فيها الركوع والسجود ، ثمّ جاء إلى مكانه الّذي كان عليه ، فاضطجع هوياً فنفخ وهو نائم ـ فقلت ليس بقائم الليلة حتى يصبح ـ فلمّا ذهب ثلثا الليل أو نصفه أو قدر ذلك ، قام فصنع مثل ذلك ، ثمّ دخل مسجده فصلّى أربع ركعات على قدر ذلك ، ثمّ جاء إلى مضجعه فأتكّأ عليه فنفخ ـ فقلت ذهب به النوم ليس بقائم حتى يصبح ـ ثمّ قام حين بقي سدس الليل أو أقل فاستاك ثمّ توضأ ثمّ دخل مسجده فكبّر فأفتتح بفاتحة الكتاب ثمّ قرأ : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ثمّ ركع وسجد ، ثمّ قام فقرأ بفاتحة الكتاب و ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ثمّ ركع وسجد ، ثمّ قام فقرأ بفاتحة الكتاب و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ثمّ قنت فركع وسجد ، فلمّا فرغ قعد حتى إذا ما طلع الفجر ناداني قلت : لبيك يا رسول الله قال : (قم) فوالله ما كنت بنائم فقمت فتوضأت وصليت خلفه فقرأ بفاتحة الكتاب و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ثمّ ركع وسجد ، ثمّ قام في الثانية فقرأ بفاتحة الكتاب و ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، فلمّا سلّم سمعته يقول : (اللّهم أجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً ومن بين يدي نوراً ، ومن خلفي نوراً وعن يميني نوراً وعن شمالي نوراً ومن فوقي نوراً ومن تحتي نوراً وأعظم لي نوراً يا رب العالمين) » (١).

١٧ ـ أخرج الطبراني في معجمه عن ابن عباس قال : « رأيت النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يأكل العنب خرطاً » (٢).

_______________________

(١) المعجم الكبير ١٢ / ١٠٢.

(٢) نفس المصدر ١٢ / ١١٥.

١٨٨

١٨ ـ وأخرج الطبراني أيضاً بسنده عن أبي العالية عن ابن عباس قال : « كان يعلّمنا الركوع كما كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يعلّمهم ثمّ يستوي لنا راكعاً ، حتى لو قطرت بين كتفيه قطرة من ماء ما تقدمت ولا تأخرت » (١).

١٩ ـ وأخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال : « دخل رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حائطاً لبعض الأنصار ، فجعل يتناول من الرطب فيأكل وهو يمشي وأنا معه ، فألتفت إليَّ فقال : (يابن عباس لا تأكل بأصبعين ، فإنها أكلة الشيطان ، وكل بثلاثة أصابع) » (٢).

٢٠ ـ وأخرج الطبراني في معجمه عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : دخلت بيت ميمونة زوج النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فوجدت فيه ابن عباس ، فتذاكرنا الوضوء ممّا مسّت النار ، فقال ابن عباس : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل ممّا مسّت النار ، ثمّ يصلي ولا يتوضأ ، فقلنا : أنت رأيته ؟ فأشار إلى عينيه فقال : بصر عيني » (٣).

٢١ ـ وأخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : « كنت نائماً فأتيت فقيل لي : أنّ الليلة ليلة القدر ، فقمت وأنا ناعس فتعلقت رجلي ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قائم يصلي ، قال ابن عباس : فنظرت في الليلة فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين » (٤).

٢٢ ـ وأخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشرب في الإناء ثلاثة أنفاس » (٥).

_______________________

(١) نفس المصدر ١٢ / ١٢٣.

(٢) نفس المصدر ١١ / ١٠٣.

(٣) نفس المصدر ١٠ / ٣٢٤.

(٤) نفس المصدر ١١ / ٢٣٣.

(٥) نفس المصدر ١١ / ٢٥٥.

١٨٩

٢٣ ـ وأخرج أيضاً بسنده إلى ابن عباس : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث إلى أبي طيبة ليلاً فحجمه وأعطاه أجره » (١).

٢٤ ـ وأخرج أيضاً بسنده إلى ابن عباس قال : « خط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأرض أربعة خطوط ـ أخطط ـ ثمّ قال : تدرون ما هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم » (٢).

٢٥ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس قال : « كنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر فحضر النحر فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة » (٣).

٢٦ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس قال : « أنّ زوج بريرة كان عبداً يقال له مغيث ، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعباس : يا عباس ألا تعجب من شدة حبّ مغيث بريرة ومن شدة بغض بريرة مغيثاً !؟ فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو راجعتيه فأنه أبو ولدك. قالت يا رسول الله أتأمرني ؟ فقال : إنّما أنا شافع ، قالت : فلا حاجة لي فيه » (٤).

٢٧ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء إلى السقاية فأستسقى فقال العباس للفضل : يا فضل اذهب إلى أمك فأئت رسول الله بشراب من عندها ، فقال : (أسقني) ، فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه ،

_______________________

(١) نفس المصدر ١١ / ٢٥٩.

(٢) نفس المصدر ١١ / ٢٦٦.

(٣) نفس المصدر ١١ / ٢٦٦.

(٤) المعجم الكبير ١١ / ٢٧٣ ، ورواه البخاري في صحيحه ٧ / ٤٨ ط بولاق.

١٩٠

فقال : (أسقني) فشرب منه ، ثمّ أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال : (أعملوا فإنكم على عمل صالح ثمّ قال : لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع على هذه ، يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه) » (١).

٢٨ ـ وأخرج أحمد (٢) ، والطيالسي (٣) ، والبلاذري (٤) ، واللفظ له بأسناده عن أبي حمزة قال : سمعت ابن عباس يقول : « مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان ، فاختبأت منه خلف باب فدعاني فحطأني حطأة (٥) ثمّ بعثني إلى معاوية ، فرجعت إليه فقلت : هو يأكل ، ثمّ بعثني إليه فقلت : هو يأكل بعدُ ، فقال النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : (لا أشبع الله بطنه) ».

قال أبو حمزة : فكان معاوية بعد ذلك لا يشبع » (٦).

_______________________

(١) المعجم الكبير ١١ / ٢٧٣.

(٢) مسند أحمد ١ / ٢٤٠ و ٢٩١ و ٣٣٥ و ٣٣٨.

(٣) مسند الطيالسي ٢ / ٣٥٩.

(٤) أنساب الأشراف ١ ق ٤ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٥) الحطأة : التحريك مزعزعاً ، وحطأ فلانا ضرب ظهره بيده مبسوطة (قطر المحيط).

(٦) روى ذلك أيضاً ابن عبد البر في الأستيعاب ، وأبن الأثير في أسد الغابة ، والذهبي في سير أعلام النبلاء كلّهم في ترجمة معاوية ، ورواه غيرهم من المؤرخين كابن كثير ، وقد ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ١١ / ١٢١ عن طريق أبي داود الطيالسي في مسنده وقال : وهذا إسناد صحيح رجاله كلّهم ثقات رجال مسلم ، وفي أبي حمزة القصاب وأسمه عمران بن أبي عطاء كلام من بعضهم لا يضرّه فقد وثقه جماعة من الأئمة منهم أحمد وابن معين وغيرهما ، ومن ضعّفه لم يبيّن السبب فهو جرح مبهم غير معقول ، وكأنه لذلك أحتج به مسلم وأخرج له هذا الحديث في صحيحه ٨ / ٢٧ من طريق شعبة عن أبي حمزة القصّاب به وأخرجه أحمد ١ / ٢٤٠ و ٢٩١ و ٣٣٥ و ٣٣٨ عن شعبة وأبي عوانة عنه به دون قوله : (لا أشبع الله بطنه) وكأنه من أختصار أحمد أو بعض شيوخه وزاد في رواية (وكان كاتبه) وسندها صحيح. ثمّ قال : وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا مطعناً في معاوية وليس فيه ما يساعدهم على ذلك ، كيف وفيه أنّه كان كاتب

١٩١

٢٩ ـ وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن ابن عباس قال : « قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلوات ، وسكت في صلوات فنحن نقرأ فيما قرأ فيه نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسكت فيما سكت فيه ، فقيل له : فلعل نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ في نفسه فغضب وقال : أو يتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! أو يتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) ؟!

_______________________

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذلك قال الحافظ ابن عساكر ١٦ / ٢٤٩ / ٢ إلى أنّه أصح ما ورد في فضل معاوية ، فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقصود ؟ بل هو ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نيّة. أقول : وأستمر في محاولة تبريره لجعل الدعاء لمعاوية لا عليه وإن أدّى ذلك على حساب مقام النبوة فيقول : ويمكن أن يكون منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بباعث البشرية وساق بعض ما رواه مسلم في نفس الباب الّذي عنونه ـ باب من لعنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة.

ثمّ حلل قوله النبوي في شرحه لمسلم : وأمّا دعاؤه على معاوية ففيه جوابان :

أحدهما : أنّه جرى على اللسان بلا قصد.

والثاني : أنّه عقوبة له لتاخره ، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب وجعله غيره من مناقب معاوية لأنّه في الحقيقة يصير دعاء له.

الى آخر كلامه الّذي جرى فيه على هواه في معاوية شأن غيره من علماء التبرير ولا يخفى ما في ذلك من اتباع الهوى على القارئ البصير.

ولهؤلاء من التنطع في المقام ما يبعث على القرف والأشمئزاز ، بعد أن لم يسعهم الطعن في الأسناد ، فجهدوا في تأويل المتن والأستفادة منه ، وجعلها فضيلة لمعاوية ، ولكن الذهبي وغيره لم يرضهم التأويل فقال الذهبي في سير أعلام النبلاء هذا ـ يعني الحديث ـ ما صح والتأويل ركيك ، راجع صحيح مسلم باب البر والصلة ستجد ما ينسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : (اللّهم من سببته أو شتمته من الأمة فأجعلها له رحمة) ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٢٨٧ ط دار الفكر.

(١) المعجم الكبير للطبراني ١١ / ٢٨٣.

وفي مسألة الجهر والإخفات ، اختلاف وقع بين الصحابة بعد موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان ابن عباس يعلن برأيه مستنكراً على الجبهة المعارضة بقوله : ما جهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهرنا وما سكت سكتنا. (اُنظرالمعجم الكبير للطبراني ١١ / ٢٧٤).

١٩٢

٣٠ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على عائشة وحفصة وهما صائمتان ، ثمّ خرج فرجع وهما تأكلان فقال : (ألم تكونا صائمتين ؟) قالتا : بلى ولكن أهدي لنا هذا الطعام فأعجبنا فأكلنا منه قال : (صوموا يوماً مكانه) » (١).

٣١ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس قال : « ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا بتكبيره » (٢) (٣).

٣٢ ـ وأخرج أيضاً بسنده عن ابن عباس قال : « أصبحنا يوماً ونساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكين ، عند كلّ إمرأة منهن أهلها ، فخرجت إلى المسجد فاذا هو ملأ من الناس ، فجاء عمر فصعد إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في غرفة فسلّم فلم يجبه فقال : أطلّقت نساءك ؟ قال : لا ولكني آليت. فمكث إلى تسع وعشرين ثمّ نزل إلى أهله » (٤).

٣٣ ـ وأخرج ابن سعد في طبقاته بسنده عن ابن عباس قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فكان جبريل يلقاه كلّ ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة » (٥).

_______________________

(١) نفس المصدر ١١ / ٢٨٨.

(٢) نفس المصدر ١١ / ٣٣٥.

(٣) وهذا ما عليه الشيعة اليوم إستناناً بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويشهّر بهم من لا حريجة له في الدين بأنهم يقولوا : خان الأمين.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ / ٣٤٣ ، ورواه البخاري في صحيحه ٧ / ٢٨ ط بولاق كتاب النكاح باب موعظة الرجل أبنته لحال زوجها ، والنسائي في سننه ٦ / ١٦٦ ـ ١٦٧ بصورة أوسع فليراجع.

(٥) طبقات ابن سعد ١ ق ٢ / ٩٣.

١٩٣

وصايا نبوية خاصة له :

فمن تلك الوصايا ما قال له وقد أردفه خلفه ، وأخذ بيده فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له :

(يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنّ ؟ قال ابن عباس : بلى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدّة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا أستعنت فاستعن بالله ، قد جفّ القلم بما هو كائن ، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا ، وان أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، واعلم أنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا) (١).

_______________________

(١) أخرج هذه الوصية الثمينة والدرة اليتيمة كثير من الحفاظ وأئمة الحديث ، كابن منده والترمذي وابي نعيم في أخبار أصبهان ٢ / ٢٠٤ ، وفي الحلية ١ / ٣١٤ ، والطبراني في معجمه الكبير في عدة مواضع من أحاديث ابن عباس فراجع ١١ / ١٨٤ و ١٢ / ١٠٠ و ١٤٣ و ١٧٨ وغيرها ، وأحمد في مسنده ١ / ٢٥ ، والنووي في أربعينه الحديث / ١٩ ، وشرحها ابن دقيق العبد والفشني وابن حجر والتفتازاني في شروحهم للأربعين النووية ، وشرحها شرحاً وافياً ابن رجب الحنبلي وسماه ـ نور الأقتباس في مشكاة وصية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابن عباس ـ وقد طبع سنة ١٣٦٥ بمصر شركة مساهمة. كما أخرجها أيضاً الخطيب البغدادي في تاريخه ١٤ / ١٢٦ ، وابن تيمية في رسالة قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة / ٣٨ ط مصر سنة ١٣٧٣ ، وأخرجها الزمخشري ٣ / ٥٠٥ في ربيع الأبرار ، والسبكي في تفريج المهج بهامش حل العقال / ١٣ ، والديريني في طهارة القلوب بهامش نزهة الجليس ١ / ١٨٢ ، والسراج الطوسي في اللمع / ١٤٣ وغيرهم وغيرهم ، ودليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ١ / ٢٨٤ ـ ٢٩١ ، وتاريخ جرجان للسهمي / ٤٦. وإنما أطلت بذكر المصادر لأنها كلّها مجمعة على أن الوصية صدرت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عبد الله بن عباس ، إلّا أن هناك مصادر أخرى ذكرت أن الوصية بمضمونها كانت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الفضل بن العباس ، وإن وجد في ألفاظها بعض اختلاف ، واحتمال التعدد غير ممتنع لكنه بعيد ، خصوصاً وان في أوّل وصيته إلى الفضل مؤشر على أنّه كان غلاماً ووضع يده في ظهر الغلام حين أرتدفه وذلك خشية سقوطه ، وإذا علمنا بأن الفضل أكبر من عبد الله وانه جاوز البلوغ ،

١٩٤

فهذه الوصية الجليلة ، كفيلة بتنمية الفضائل والكمالات ، وجديرة بالعناية بها والالتزام بمضمونها للأستفادة منها ، فلا يفوتنّ القارئ ما فيها من هدىً ونور.

ومن تلك الوصايا وصية أخرى أوصاه بها تنير له السبيل عندما تتشعّب السُبل بعده ، وتنهج له الطريق الواضح المعالم عندما يكثر العثار في المسالك ، وتلزمه الصراط المستقيم الّذي هو سبيل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أعطاني الله تبارك وتعالى خمساً وأعطى عليّاً خمساً :

١ ـ أعطاني جوامع الكلم ، وأعطى عليّاً جوامع العلم.

٢ ـ وجعلني نبيّاً ، وجعله وصيّاً.

٣ ـ وأعطاني الكوثر ، وأعطاه السلسبيل.

_______________________

فبعيد أن يحافظ عليه من السقوط بوضع يده الكريمة خلف ظهره. وان يقول أحملوا هذا الغلام خلفي.

واليكم الحديث بلفظ الشيخ الطوسي في أماليه ٢ / ٢٨٧ ط النجف بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد حاجة ، فاذا هو بالفضل بن العباس.

قال : فقال : احملوا هذا الغلام خلفي. قال : فاعتنق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده من خلفه على الغلام ثمّ قال : يا غلام خف الله تجده أمامك ، يا غلام خف الله يكفك ما سواه وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، ولو أن جميع الخلائق اجتمعوا على أن يصرفوا عنك شيئاً قد قدّر لك لم يستطيعوا ، ولو أن جميع الخلائق اجتمعوا على أن يصرفوا اليك شيئاً لم يقدّر لك لم يستطيعوا. واعلم أن النصر مع الصبر ، وان الفرج مع الكرب ، وان اليسر مع العسر ، وكل ما هو آت قريب ، ان الله يقول : ولو أن قلوب عبادي أجتمعت على قلب اشقى عبد لي ما نقصني ذلك من سلطاني جناح بعوضة ، ولو ان قلوب عبادي اجتمعت على قلب أسعد عبدٍ لي ما زاد ذلك إلّا مثل ابرة جاء بها عبد من عبادي فغمسها في بحر ، وذلك إن عطائي كلام وعدتي كلام وانما أقول للشيء كن فيكون.

وقد ذكر الشيخ الصدوق في الفقيه ٤ / ٢٩٦ هذه الوصية للفضل في النوادر وهو آخر أبواب الكتاب إلى قوله : ان مع العسر يسرا.

ووردت في بعض وصايا النبيّ لأبي ذر أيضاً كما في ٢ / ١٤٩ أمالي الطوسي ط النعمان ، فراجع.

١٩٥

٤ ـ وأعطاني الوحي ، وأعطاه الألهام.

٥ ـ وأسري بي إليه ، وفتح له أبواب السماء والحجب حتى نظر إليّ ونظرتُ إليه.

ثمّ بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : « ما يبكيك فداك أبي وأمي ؟ » ، فقال : يابن عباس إنّ أوّل ما كلمني به ربّي أن قال : يا محمّد انظر تحتك ، فنظرت إلى الحجب قد أنحرفت والى أبواب السماء قد فتحت ، ونظرت إلى عليّ وهو رافع رأسه إليّ فكلّمني وكلمته ، وكلمني ربي عزوجل.

قال ابن عباس : « فقلت يا رسول الله بم كلمك ربّك ؟ »

قال : قال لي يا محمّد اني جعلت عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك ، فأمر الله الملائكة أن تسلّم عليه ، ففعلت فرد عليهم‌السلام ، ورأيت الملائكة يتباشرون به ، وما مررت بملأ منهم إلّا هنأوني ، وقالوا : يا محمّد والّذي بعثك بالحقّ لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عزوجل لك ابن عمك ، ورأيت حملة العرش وقد نكّسوا رؤوسهم ، فسألت جبرئيل عليه‌السلام فقال : إنهم استأذنوا الله في النظر إليه فإذن الله.

فلمّا هبطت إلى الأرض جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني ، فعلمت أني لم أطأ موطئاً إلّا وقد كشف لعليّ عنه.

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : « فقلت يا رسول الله أوصني » ، فقال : عليك بحب عليّ ابن أبي طالب.

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : « فقلت يا رسول الله أوصني » ، فقال : عليك بمودة عليّ ابن أبي طالب ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً انّ الله لا يقبل من عبد حسنة حتى يسأله

١٩٦

عن حب عليّ بن أبي طالب ، وهو تعالى أعلم. فان جاءه بولايته قبل عمله على ما كان فيه ، وإن لم يأته بولايته لم يسأله عن شيء وأمر به إلى النار.

يابن عباس والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً إن النار لأشدّ غضباً على مبغض عليّ منها على من زعم أنّ لله ولداً.

يابن عباس لو أنّ الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ولن يفعلوا ـ لعذبهم الله بالنار.

قال ابن عباس : « قلت يا رسول الله وهل يبغضه أحد؟ »

قال : يابن عباس نعم يبغضه قوم يذكرون انّهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً.

يابن عباس إن من علامة بغضهم له تفضيل مَن هو دونه عليه ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً ما خلق الله نبيّاً أكرم عليه مني ، ولا وصياً أكرم عليه من وصيّي عليّ.

قال ابن عباس : « ثمّ مضى من الزمان ما مضى ، وحضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة ، وحضرته فقلت له فداك أبي وأمي يا رسول الله قد دنا أجلك فما تأمرني ؟ »

قال : يابن عباس خالف من خالف عليّاً ، ولا تكونن لهم ظهيراً ولا ولياً.

قلت : « يا رسول الله فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته ». قال : فبكى عليه‌السلام حتى أغمي عليه ، ثمّ قال :

يابن عباس سبق الكتاب فيهم وعلم ربي ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، لا يخرج أحد ممّن خالفه من الدنيا وأنكر حقه حتى يغيّر الله ما به من نعمة.

١٩٧

يا بن عباس إذا أردتَ أن تلقى الله وهو عنك راضٍ فاسلك طريقة عليّ بن أبي طالب ، ومل معه حيث مال ، وارض به إماماً ، وعاد من عاداه ، ووال من والاه.

يابن عباس احذر أن يدخلك شك فيه ، فان الشك في عليّ كفر بالله ).

هذه الوصية من أهم وصايا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحبر الأمة بعلي عليه‌السلام ، وأمره بسلوك سبيله إذا تشعبت بالناس السُبل ، وإنّما ذكرناها بطولها لما فيها من فضائل للإمام عليه‌السلام لم ترد في حق غيره.

وقد أخرجها الشيخ الطوسي في أماليه (١) ، وابن شاذان في فضائله (٢) ، والإربلي في كشف الغمة (٣) ، ومحمّد بن هاشم في مصباح الأنوار (٤) ، والعلامة الحلي في كشف اليقين (٥) ، وغيرهم.

ولا غرابة في رواية ابن عباس رضي‌الله‌عنه ذلك على صغر سنه ، فقد قلنا إنّه كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوليه عناية خاصة ويرعاه ويحدب عليه لما يتوسم فيه من الخير وكان قريباً من نفسه ، وكم من مرة حظي فيها بتكريم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصه به.

فقد روى ابن سعد في طبقاته ، وإمام الحنابلة في مسنده ، وأبو نعيم الأصبهاني في حليته ، وغيرهم ، عن ابن عباس : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على ميمونة بنت الحرث (٦) ـ احدى زوجاته ـ ومعه ابنا اختيها عبد الله بن عباس وخالد بن

_______________________

(١) الامالي ١ / ١٠٢.

(٢) فضائل ابن شاذان / ٤ و ١٦٠ ـ ١٦١.

(٣) كشف الغمة ١ / ٥٠٨.

(٤) مصباح الأنوار / ١الباب الثالث والرابع منه ، مخطوط.

(٥) كشف اليقين / ٤٥٣ ط محققه.

(٦) احدى امهات المؤمنين التسع اللاتي مات عنهن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واحدى الأخوات المؤمنات الثمان ـ وقد مرّ ذكرهنّ في ذكر لبابة أم ابن عباس ـ وهي آخر من تزوج بها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجه بها العباس عمّه وأصدقها عنه اربعمائة درهم ، كما أنها آخر من توفي من أزواجه ، عاشت نحواً من

١٩٨

الوليد ، وكانت أم غفيق ـ عقيق ـ أهدت إلى ميمونة هدية كان منها قعب فيه لبن ، فقدّمته ميمونة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان عن يمينه عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه وعن شماله خالد بن الوليد ، فشرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ قال لعبد الله بن عباس : (انّ الشربة لك ـ يريد بذلك شرفه لأنّه عن يمينه ـ أفتأذن لي أن أعطي خالد بن الوليد ؟) ـ يريد بذلك لسنّه ـ فقال ابن عباس : والله لا أوثر بفضل رسول الله أحداً ، وفي لفظ آخر : ما كنت لأوثر بسؤرك عليّ أحداً. ثمّ تناول القدح فشرب » (١).

ولا غرابة في رواية ابن عباس ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد أن مرّ بنا. ويأتي. ما يدل على عناية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به عناية خاصة فهو يوليه من رعايته ويحدب عليه ويقرّبه من نفسه لما يتوسم فيه من الخير لمخائل فطنته وذكائه. وإليك شاهداً على ما حظي به من تكريمه له.

فقد روى ابن سعد في طبقاته بسنده عنه قال : « دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أنا وخالد بن الوليد على ميمونة بنت الحارث (٢) فقالت :

_______________________

ثمانين سنة ، وقيل أكثر. وكانت في ولائها لأهل البيت عليهم السلام كأم سلمة ، ولا أدل على ذلك من جوابها الجري بن سمرة ـ من أهل الكوفة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال : يروي عن عليّ روى عنه ابن اسحاق السبيعي ـ قال : لما كان من أهل البصرة الّذي كان بينهم وبين عليّ بن أبي طالب ، انطلقت حتى أتيت المدينة ، فأتيت ميمونة بنت الحارث ـ وهي من بني هلال ـ فسلّمت عليها ، فقالت : ممّن الرجل ؟ قلت من أهل العراق قالت : من أي أهل العراق ؟ قلت من أهل الكوفة ، قالت : من أي أهل الكوفة ؟ قلت : من بني عمّار قالت : مرحباً ، قُرب على قُرب ، ورَحباً على رَحب ، فمجيء ما جاء بك ؟ قلت : كان بين عليّ وطلحة الّذي كان فأقبلت فبايعتُ عليّاً. قالت : فالحق به ، فوالله ما ضَلّ ، ولا ضُلّ به ، حتى قالتها ثلاثاً. أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ٢٤ / ٩ ط الثانية وأخرجه عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥ وقال : رجاله رجال الصحيح غير جرير بن سمرة وهو ثقة.

(١) طبقات ابن سعد ١ ق ٢ / ١١١ ، مسند أحمد ١ / ٢٢٠ و ٢٢٥ ، حلية الاولياء ١ / ٣١٤.

(٢) رواه أحمد في مسنده ١ / ٢٢٠ و ٢٢٥ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٣١٤ ، وغيرهما بتفاوت يسير في اللفظ.

١٩٩

ألا أطعمكم من هدية أهدتها لنا أم عقيق ؟ فقال : بلى فجيء بضبَّين مشويين فتبزّق رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال له خالد بن الوليد : كأنك تَقذَرُه : قال : أجل ، قالت : ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا ؟ قال : بلى ، فجيء بأناء من لبن فشرب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وأنا عن يمينه وأنا عن شماله ، فقال لي : إشرب هو لك ، وإن شئت آثرت به خالداً. فعلمت ما كنت لأوثر بسؤرك عليّ أحداً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : من أطعمه الله طعاماً فليقل : (اللّهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه) ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : (اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ، فإنّه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب غير اللبن » (١).

ولو تدبرنا هذا الخبر ، ونظرنا إلى ما تضمنه بعين البصيرة لا البصر ، لرأينا مدى فضل ابن عباس على خالد بن الوليد ، مع فارق السنّ بينهما ، فابن عباس يومئذ ولا زال في سنّ الصبا ، وخالد كان في سنّ الرجولة حتى قال ابن حجر في ترجمته : « وشهد خالد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية » (٢).

أقول : لو نظرنا إلى الحبر المشار إليه مع ملاحظة فارق السنّ ، لعرفنا كيف فاقت شجاعة ابن عباس الأدبية. وهو صبي. شجاعة خالد. وهو رجل شهد الحروب. فإنّ جوابه الدال على أعتزازه بشرفه مع قوة عارضته في حسن بيانه لشرف الغاية ، وهي الحظوة بفضل السؤر النبوي الشريف ، ما تضاءلت معها شجاعة خالد ، وتصاغرت نفسه فسكتَ ولم يقل شيئاً يرد به عليه.

ومن اللافت للنظر أني قرأت عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه مكرراً زياراته للرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم المؤمنين ميمونة ، ولم أقف على خبر آخر فيه دخول

_______________________

(١) طبقات ابن سعد ١ ق ٢ / ١١١.

(٢) الاصابة ١ / ٤١٣.

٢٠٠