موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-501-5
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



ثانياً : اُمه ـ لبابة بنت الحارث

هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهُزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وامها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش بن حمير. المعروفة بالعجوز الجرشية اكرم الناس أصهاراً (١) وأكرم عجوز في الأرض أصهاراً. فقد كان لها ثمان أو تسع بنات تزوجهن الأشراف من الناس وهن :

١ ـ ميمونة بنت الحارث ، وهي أسعد أخواتها ، فقد تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوّجه بها العباس بن عبد المطلب ، وأصدقها عنه ، وبنى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها بسرف (٢) سنة سبع من الهجرة وبه توفيت أيضاً سنة ٥١ ، ٦٣ ، ٦٦ ودفنت هناك ، وهذا من غريب المصادفات في حياتها ، كما انها آخر من تزوج بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآخر أزواجه موتاً عند بعضهم.

_______________________

(١) التنبيه والاشراف للمسعودي / ٢٢٨ ، والاصابة ٨ / ٢٧٧ ، والاستيعاب ٢ / ٧٥٨ ، وثمار القلوب للثعالبي / ٧٨.

(٢) سرف : موضع على عشرة أميال من مكة ، السمط الثمين للمحب الطبري / ١١٤ ـ ١١٥.

١٦١

قال ابن قتيبة : وكانت قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت أبي سبرة بن أبي رهم العامري.

٢ ـ لبابة الكبرى ـ وهي أم زعيمنا حبر الأمة وصاحب الترجمة ـ.

٣ ـ لبابة الصغرى ، واسمها العصماء ، وقد تزوجها الوليد بن المغيرة المخزومي ، فولدت له خالد بن الوليد.

وهذه الثلاث كلّهن بنات الحارث بن حزن الهلالي. ولهن أخوات أيضاً من أمها ، وهن :

١ ـ عزة : وكانت عند الحجاج بن علاط السلمي.

٢ ـ سلمى : وقد تزوجها حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه‌السلام فولدت له : أمة الله ، وقيل أمامة وقال ابن قتيبة : التي كانت تحته هي زينب بنت عميس ، وسلمى تحت شداد بن الهاد.

٣ ـ أسماء : وقد تزوجها جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام فولدت له : عبد الله وعوناً ومحمداً ، ثم خلف عليها أبو بكر بعد مقتل جعفر فولدت له محمداً ، ثم خلف عليها الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعد موت أبي بكر فولدت له يحيى وعوناً ولا عقب لهما ، ولسلمى وأسماء أخت ثالثة وهي سلامة وهن بنات عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة من خثعم ابن أنمار.

ولبابة الكبرى من السابقات إلى الإسلام ، وقالوا : إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة أم المؤمنين كما ذكر ذلك جماعة من المؤرخين (١) ، وقد روى سفيان بن

_______________________

(١) منهم ابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٠٣ ، وحكاه عن الواقدي ، وابن الأثير في أسد الغابة ٥ / ٥٣٩ ، وابن حجر في الاصابة ٨ / ٢٧٦ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٧٥٨ ، والمقريزي في امتاع الاسماع / ٥٢٤ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / ٢٢٤ ، والتقي الفاسي في

١٦٢

عينية عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : « سمعت ابن عباس يقول : كنت أنا وأمّي من المستضعفين ، كانت أمي من النساء وكنت أنا من الصبيان » (١).

وقال ابن عباس : فعذر الله أهل العذر منهم ، وأهلك من لا عذر ، وقال : وكنت أنا وأمي ممن كان له عذر. وفيما يلي حديث فيه دلالة على جانب من الاستضعاف الذي كان يعانيه المسلمون ومنهم أم الفضل ، كما فيه دلالة على قوة العقيدة والإيمان في نفوس المؤمنين ومنهم أم الفضل.

فقد أخرج الطبراني بسنده عن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كنتُ غلاماً للعباس بن عبد المطلب وكنت قد أسلمت وأسلمت أم الفضل وأسلم العباس ، وكان يكتم إسلامه مخافة قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام ـ وكان اخا أبي جهل وخال عمر بن الخطاب ـ وكان له عليه دين (٢) فقال له : اكفني هذا الغزو وأترك لك ما عليك ، ففعل ، فلمّا جاء الخبر

_______________________

العقد الثمين ٨ / ٣١٤ ، والعلاء السكتواري في محاضرة الأوائل / ٣١ وحكاه عن السيوطي ، وغيرهم.

(١) أخبار الدولة العباسية / ١٢١بتحقيق الدوري والمطلبي ، والحديث أخرجه ابن جرير في تفسيره الآية ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) ورواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع والبيهقي في سننه ٩ / ١٣ ، والطبري في معجمه ١١ / ٩٩ و ٢١٧ ، ولكن ابن حزم في المحلى ٢ / ١٥حاول ـ مكابراً ـ أن يجعل اسلام ابن عباس بعد فتح مكة قبل موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعامين ونصف فقط ، وهذا محض هراء بلا امتراء ، كيف يصدق على ذلك ، والعباس هاجر قبل الفتح ومعه اهله وبنوه ومنهم عبد الله فالتقى الركب النبوي في الطريق كما مر.

(٢) روى أبو الفرج الاصفهاني في كتاب الاغاني ٤ / ١٧٤ ط دار الكتب المصرية ، وعنه النويري في نهاية الارب ١٧ / ١٣ ط دار الكتب المصرية ، واللفظ له : عن مصعب بن عبد الله قال : قامر أبو لهب العاص بن هشام في عشرة من الابل فقمره ، ثم في عشرة فقمره ، ثم في عشرة فقمره ، إلى أن خلعه من ماله فلم يبق له شيئاً فقال : إني ارى القداح قد

١٦٣

وكبتَ الله أبا لهب ، وكنت رجلاً ضعيفاً أنحت هذه الأقداح في حجرة ، ومر بي ، فوالله اني لجالس في الحجرة أنحت أقداحي وعندي أم الفضل ، إذ الفاسق أبو لهب يجر رجليه أراه قال : حتى جلس عند طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ، فقال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث ، فقال أبو لهب : هلم الي يابن أخي ، فجاء أبو سفيان حتى جلس عنده ، فجاء الناس فقاموا عليهما ، فقال : يابن أخي كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شيء والله ما هو إلّا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ، ويأسروننا كيف شاؤا ، وأيم الله لما لمت الناس ، قال : ولم ؟ فقال رأيت رجالاً بيضاً على خيل بلق ، لا والله ما تليق شيئاً ، ولا يقوم لها شيء.

قال : فرفعت طنب الحجرة فقلت : تلك والله الملائكة ، فرفع أبو لهب يده فلطم وجهي ، وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض حتى نزل عليّ. برك ظ. فقامت أم الفضل فاحتجزت فأخذت عموداً من عُمُد الحجرة فضربته به ، ففلقت في رأسه شجةً منكرة وقالت : أي عدو الله استضعفته أن رأيت سيده غائباً عنه ، فقام ذليلاً ، فوالله ما عاش إلّا سبع ليال حتى ضربه الله بالعدسة فقتلته فلقد تركاه ابناه ليلتين أو ثلاث ما يدفناه حتى أنتن ، فقال رجل من قريش لابنيه : ألا تستحيان ؟ إن أباكما قد أنتن في بيته ، فقالا : إنا نخشى هذه القرحة. وكانت قريش

_______________________

حالفتك يابن عبد المطلب فهلم أقامرك يابن عبد المطلب فأيّنا غُلب كان عبداً لصاحبه ، قال افعل ففعل فقمره أبو لهب ، فكره أن يسترّقه فتغضب بنو مخزوم فمشى اليهم فقال افتدوه مني بعشرة من الابل فقالوا : لا والله ولا بوبرة ، فاسترقّه فكان يرعى له إبله إلى أن خرج المشركون إلى بدر. قال وقال غير مصعب : فاسترقّه واحتبسه قيناً يعمل الحديد فلمّا خرج المشركون إلى بدر ، أخرجه أبو لهب عنه لأنه كان عليلاً ، على إنه إن عاد اعتقه فقبل العاص.

١٦٤

يتقون العدسة كما يتقون الطاعون ، فقال رجل : انطلقا فانا معكما ، قال : فوالله ما غسّلوه إلّا قذفاً بالماء عليه من بعيد ، ثم احتملوه فقذفوه في أعلا مكة إلى جدارٍ وقذفوا عليه الحجارة » (١).

أقول : ورواه الحاكم (٢) ، والهيثمي في المجمع (٣) ، وأحمد في مسنده (٤) ، والبزار (٥) ، والنويري (٦) ، وغيرهم.

ومن هذا الحديث يظهر إن استضعاف المشركين للمسلمين كان حتى بعد واقعة بدر وأن ابا رافع كان من المسلمين المستضعفين ، كما يدل عليه قول أم الفضل لأبي لهب ، كما أنّ ما فعلته بأبي لهب عدو الله وعدو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليدل على قوة إيمانها وصلابة عقيدتها ؟ كما يدل على قوة جنانها وشجاعتها. شكر الله تعالى لها ذلك الموقف البطولي الذي أودت فيه بحياة عدو من ألدّ أعداء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد ذكر المؤرخون : انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يزورها في بيتها ، ويقيل ـ من القيلولة وهي نومة الضحى ـ عندها أيام كان بمكة (٧).

وكانت من فواضل النساء ، هاجرت إلى المدينة بهجرة زوجها ، وقد روي في حقها وحق أخواتها شهادة من النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإيمانهن.

_______________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ١ / ٣٠٨ ط الثانية.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ٣٢٢.

(٣) مجمع الزوائد ٦ / ٨٩.

(٤) مسند أحمد ٦ / ٩.

(٥) مسند البزار / ح ٧٧٨.

(٦) نهاية الارب ١٧ / ٣١.

(٧) الاستيعاب ٢ / ٧٥٨ ، والعقد الثمين للفاسي ٨ / ٣١٥.

١٦٥

فقد أخرج ابن حجر في الإصابة عن الزبير بن بكار وغيره انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الأخوات الأربع مؤمنات : أم الفضل ، وميمونة ، وأسماء ، وسلمى » (١) ، وفي رواية البلاذري : « قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبهنّ لإيمانهنّ » (٢).

وأخرج أيضاً عن الواقدي بسنده عن كريب : « ذكرت ميمونة وأم الفضل وأخواتها لبابة ـ وهي بكر ـ وعزة ، وأسماء ، وسلمى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الاخوات مؤمنات » (٣).

وهذه الاخوات مع اخت سابعة لهن اسمها حميدة ، هن اللواتي ترحم عليهن الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام فيما أخرجه الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه في كتابه الخصال بسنده عن أبي بصير ـ والسند صحيح ـ قال سمعته ـ يعني الباقر ـ يقول : رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسماهنّ : أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسلمى بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث ، كانت تحت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأم الفضل عند العباس ـ وأمها هند ـ والعصماء أم خالد ، وعزة كانت في ثقيف عند الحجاج بن علاط ، وحميدة لم يكن لها عقب (٤). وكفى بشهادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهادة ابنه وحفيده الإمام الباقر عليه‌السلام في حق تلكم الأخوات دليلاً على حسن حالهن ، وعلو مقامهنّ ، فرحمهنّ الله تعالى برحمته.

_______________________

(١) الاصابة ٨ / ٢٧٦.

(٢) أنساب الأشراف (ترجمة أبي طالب) / ٤٤.

(٣) الاصابة لابن حجر ٨ / ٢٧٦ ، ومعجم الطبراني ١١ / ٣٢٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٢٦٠ ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح ، ورواه الحاكم في المستدرك ٤ / ٣٢ ـ ٣٣ وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(٤) الخصال (باب السبعة) / ٣٣٢ ـ ط الحيدرية.

١٦٦

وقد روت أم الفضل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديث ، فقد أخرج لها البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ وابو داود وابن ماجة كلهم في كتاب الصلاة عن أم الفضل انها سمعته ـ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو يقرأ والمرسلات عرفاً ، وفيه : انها لآخر ما سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها في المغرب (١).

وأخرج لها البخاري في الحج والصوم والاشربة ، ومسلم في الصوم ، وأبو داود في الصوم ، ومالك في الموطأ في الحج حديث : « انّ الناس تماروا عندِها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسلت إليه بقعب من لبن وهو واقف فشربه » (٢).

وأخرج لها مسلم في النكاح ، والنسائي وابن ماجة فيه أيضاً حديث : « لا تحرم الرضعة والرضعتان » (٣).

وأخرج لها أبو داود في الطهارة ، وابن ماجة فيه وفي الرؤيا حديث : « كان الحسين بن عليّ في حجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبال عليه » (٤).

ولفظه لابن ماجة في الرؤيا : « قالت أم الفضل : يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضائك ، قال : خيراً رأيتِ ، تلد فاطمة غلاماً فترضعيه ، فولدت حسيناً أو حسناً ، فأرضعته بلبن قثم ، قالت : فجئت به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره فبال ، فضربت كتفه ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوجعت ابني رحمك الله » (٥).

وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ أوفى ولفظه : « بسنده عن شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث انها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_______________________

(١) ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث للنابلسي ٤ / ٢٨٦.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٨٦.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ / ٢٣٧ ط الأولى بمصر سنة ١٣١٣.

١٦٧

فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة ، قال : وما هو ؟ قالت : انّه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة عليها‌السلام الحسين عليه‌السلام فكان في حجري كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت يوماً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة ، فاذا عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال : أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا ؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين » (١).

وأخرج أحمد في المسند (٢) ، وابن ماجة في السنن (٣) ، وابن سعد في الطبقات (٤) ، وابن عساكر كما في تهذيب تاريخه (٥) ، والمتقي الهندي في كنز العمال هذا الحديث بالفاظ متقاربة (٦). وعندهم : خيراً رأيتِ ، تلد فاطمة غلاماً وترضعينه ، فتكفلينه بلبن ابنك قثم. وكانت أم الفضل في مدة رضاعها الحسين عليه‌السلام ترقصه وهي تقول:

يا ابن رسول الله

يا ابن كبير الجاه

_______________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦ وأخرجه في ١٧٩ بصورة أخصر ، كما أخرج الحديث بصورته الأولى في مشكاة المصابيح كما في ينابيع المودة / ٣٨٢ ط الحيدرية ، وتهذيب ابن عساكر ٤ / ٣١٣ ، وتذكرة الخواص / ٢٣٢ ، وكفاية الطالب / ٤١٨.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٣٣٩.

(٣) سنن ابن ماجه / ح ٣٩٢٣.

(٤) طبقات ابن سعد ٨ / ٣٠٤ ط بيروت.

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٤ / ٣١٦.

(٦) كنز العمال / ح ٤١٤٦٥.

١٦٨

فرداً بلا اشباه

أعاذه إلهي

من أمم الدواهي (١)

وكانت هي مع النساء في بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفي فيه.

فقد روى الشيخ المفيد بسنده إلى زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : « وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفي فيه رأسَه في حجر أم الفضل وأغمي عليه فقطرت قطرة من دموعها على خدّه ففتح عينيه وقال : ما لك يا أم الفضل ؟ قالت نعيتَ الينا نفسَك وأخبرتنا أنك ميت ، فإن يكن الأمر فينا فبشرنا ، وان يكن في غيرنا فأوص بنا قال فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتم المقهورون والمستضعفون من بعدي » (٢).

وروى نحو هذا مرة أخرى بسند آخر ينتهي إلى أم الفضل بن العباس قالت : « لمّا ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفي فيه أفاق إفاقة ونحن نبكي حوله فقال : ما الذي يبكيكم ؟

قلنا : يا رسول الله نبكي لغير خصلة : نبكي لفراقك إيانا ، ولانقطاع خبر السماء عنا ، ونبكي للأمة من بعدك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا إنكم المقهورون والمستضعفون من بعدي » (٣).

وتوفيت أم الفضل بعد زوجها العباس (٤). ومن الغريب أنّ الحصري القيرواني ذكر في كتابه زهر الآداب قال : يقال أنّ امرأة العباس عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت ترثي بنيها :

_______________________

(١) المناقب لابن شهر اشوب ٣ / ١٥٩ ط الحيدرية ، وكتاب قمقام لفرهاد ميرزا / ٣٠. ومرّ عن النووي ان قثم بن العباس كان أخاً للحسين من الرضاعة.

(٢) أمالي المفيد / ١١٢ ط الحيدرية سنة ١٣٦٧ ه‍.

(٣) نفس المصدر / ١٨٨.

(٤) في كثير من المصادر أنها توفيت قبل زوجها العباس وذلك في زمن خلافة عثمان ولكن سيأتي في الحديث عن شأن الناكثين لبيعة الإمام عليه‌السلام بعد مقتل عثمان وما أجتمع عليه

١٦٩

دعوا من المجد اكنافاً إلى أجل

حتى إذا كملت اظماؤهم وردوا

ميت بمصر وميت بالعراق ومي‍

ـت بالحجاز منايا بينهم بدد

كانت لهم همم فرقنّ بينهم

إذا القعاديد عن امثالهم قعدوا

بث الجميل وتفريج الجليل واعط

وإعطاء الجزيل الذي لم يعطه أحد (١)

أقول : من الغريب انه لم يعقب على ذلك بشيء ، من حيث القبور. فان بني العباس وإن كانوا كما قال أبو صالح صاحب التفسير : ما رأينا بني أم أبعد قبوراً من بني العباس لأم الفضل (٢).

إلّا أنّ في البيت الثاني قوله : وميت بالعراق فمن هو يا ترى ذلك الميت ؟!

على أنّ الأبيات المذكورة أوردها أبو عليّ القالي في أماليه منسوبة لأم معدان الأنصارية بزيادة في أولها وهي :

لا يبعد الله فتياناً رُزئتهم

بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا

أضحت قبورهم شتى ويجمعهم

زوّ المنون (٣) ولم يجمعهم بلد

ثم الأبيات الأربعة السابقة باختلاف في الترتيب (٤).

فرحمة الله على أم الفضل وأخواتها المؤمنات.

_______________________

رأيهم بمكة من اعلان العصيان ، ان أم الفضل كانت بمكة وعلمت بذلك فاستأجرت رجلاً من جهينة اسمه ظفر وكتبت معه عن نية القوم ، وأمرته أن يسرع في ايصال كتابها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالمدينة. وعلى هذا فهي كانت باقية حيّة إلى زمن خلافة الإمام عليه‌السلام.

(١) زهر الأداب ٤ / ١٠٤.

(٢) المعارف لابن قتيبة / ١٢٢ ، ووفيات الاعيان ٣ / ٦٤.

(٣) زوّ المنون : أحداثها.

(٤) الأمالي للقالي ٢ / ٩٦.

١٧٠

١٧١

١٧٢



في عهد النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

تبدأ شخصية حبر الاُمة بالظهور المتلأليء في عهد ابن عمه صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحتل بفضل نبوغها المبكّر مكانتها اللائقة بمثله ، بفضل ما حصلت عليه ، ممّا صار يغبطه عليها ـ بعد ذلك ـ كثير من أبناء الصحابة ، بل وحتى من الصحابة الّذين فاقهم بأستعداده الفطري ، وحسن تلقّيه ، وشدة ذكائه ، ما جعله متميزاً ـ بفضل ما لديه من الموروث والمكتسب ـ فكان حرياً بأن يوليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مربّيه عنايته التامة ، ويغدق عليه من فضل معارفه ، ما أكسبه أن يكون بحق (حبر الاُمة) بالرغم من قصر تلك الفترة الّتي حظي فيها بصحبته. وإن تكن الروايات الّتي تحدثت عن فترة صحبته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تخل من مزايدات مناقبية عباسية البصمات ، كما لم تسلم من مفارقات أموية الطابع ، فكانت مثار بعض الشبهات ولكن عكست آثارها على المروي عنه وفيه ، وبالرغم من دس هذه وتلك ، فإنّه يسع الباحث أن يستخلص من بين أكداس الشوائب ما يصحّ له فيتحدّث عنه. وذلك من خلال سلامة الرواية طريقاً واتفاق الأنصار والخصوم على روايته.

وإذا رجعنا إلى تاريخ بدء هجرته ونهاية صحبته فلا تتجاوز تلك الفترة أعوامها الثلاثة ، فقد مرّ بنا أنّه كان مع أبيه في هجرته في أواخر عام ثمان من

١٧٣

الهجرة والتقوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه المسلمون في طريقهم إلى مكة وذلك في شهر رمضان فكانوا معه. وانتهت تلك الفترة بالتحاق النبيّ الكريم بالرفيق الأعلى في صفر أو ربيع الأوّل عام أحد عشر فهي لم تتجاوز الثلاثة أعوام. وإذا أردنا تحديدها بدقة فلنأخذ بما قاله الذهبي في كتابه : « صحب النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم نحواً من ثلاثين شهراً وحدّث عنه بجملة صالحة » (١) ، وهو تحديد قريب من الواقع. ومهما يكن عمر تلك الصحبة طولاً وقصراً فقد كانت غنية بالعطاء ، مليئة بالبركات ، فضلت صحبة كثير ممّن طالت صحبتهم ولم ينتفعوا بها فلم تغن عنهم شيئاً.

وليس من شك كان له من العناية الآلهية التوفيق خير مساعد على درك ما اكتسب ، حين توفرت له أسباب النجاح ، فكان حفظه عن تعقل وبفضل ما عليه من استعداد في نفسه للتلقي وإعداد من ابن عمه في الإفاضة ، فكان يرعاه ويوليه عنايته ، فأصبح بفضل تلك المواهب والعناية (حبر هذه الاُمة) ، وما حفظه المحكم من القرآن وهو ابن عشر سنين ـ كما حدث بذلك ـ إلّا دليل نبوغه المبكّر وشدة ذكائه. وليس حفظ المحكم ـ وهو من سورة محمّد إلى آخر القرآن ـ سهلاً على من كان في مثل سنّه ، وبل وحتى على من كان أكبر منه.

ألم نقرأ عن آخرين من الصحابة وفيهم من نيّف على الأربعين وأكثر من عمره لم يستطع تعلم سورة من القرآن إلّا بعد جهد ، وكان بعضهم نحر جزوراً عندما ختم سورة البقرة في أثنتي عشرة سنة (٢).

_______________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٣٩.

(٢) لاحظ شرح الموطأ للزرقاني ٢ / ١٩٤جاء فيه : وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : تعلم عمر في أثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزوراً ، وقارن ربيع الأبرار للزمخشري ٢ / ٧٧ ط الأوقاف ببغداد ، ولاحظ أيضاً شرح الموطأ للزرقاني ٢ / ١٩٤ ، وذخائر

١٧٤

وسيأتي في مستقبل تأريخه أنّه صار يقريء جماعة من الصحابة ، وجاء عند البخاري وغيره ذكر عبد الرحمن بن عوف منهم (١) وعمر بن الخطاب (٢) ، فحفظه للمحكم في أوائل سنيّ صحبته دليل على حسن تلقّيه ومدى أستعداده. ولم يكن تلقّيه مجرد حفظ آيات وسور ، بل لابدّ أن يكون قد تلقّى التأويل كما تلقّى التنزيل من أبن عمه صاحب الرسالة ومن فلَقِ فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإذا صح ما يروى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي لقبه ب‍ (ترجمان القرآن) (٣) ففي ذلك دلالة على أنّه وجد فيه ما يؤهله لأن يكون كذلكَ بفضل ما تعلّمه منه تنزيلاً وتأويلاً.

وزاد حرص حبر الأمة على طلب المزيد ، كثرة متابعته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان ملازماً له ما وسعه ، ذلكَ وساعده على استزادة فرص تلك الملازمة ، وجود خالته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان يدخل بيتها ويبيت أحياناً عندها ، ليتابع معرفة أحوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته ، وحاله في نومه ويقظته ، وربما دعاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المبيت عند خالته كما سيأتي.

ولنقرأ عن ذلك :

_______________________

المواريث ٢ / ١٠١عن مالك في الموطأ ـ في الصلاة ـ قال مالك : بلغني أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها.

(١) المصنف لعبد الرزاق ٥ / ٤٣٩ ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري ١٢ / ١٢١.

(٢) ذكر ذلك المحب الطبري في ذخائر العقبى / ٢٣٣.

(٣) راجع ما مرّ في كنيته ولقبه.

١٧٥

١٧٦



هجرته وبيعته :

انتشر الإسلام وخفقت رايته على ربوع الحجاز ، وظهر أمر الله وقريش له كارهون ، وكثر المسلمون بعد هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقويت شوكتهم بعد موقعة بدر الكبرى ، حيث نصر الله نبيّه على قريش وأيّده بجنود لم يروها ، ومضت ستة أعوام على هجرته فيحنّ الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أم القرى ، لزيارة بيت ربّه ، ومقام أبيه إبراهيم عليه‌السلام ، فيتهيأ ويدعو المسلمين ، ويخرج ومعه الف وستمائة رجل ، فذي ركائبهم تجوب البيداء القاحلة ، وذا هديهم معهم قد ساقوه حيث ساق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتخرج قريش عندما علمت بمقدمه فتصدّه عن دخول مكة ، فيقيم بالحديبية (١) يبعث إليهم إني ما خرجت أريد قتالاً ، وإنّما أردت زيارة هذا البيت ، فلم يقبلوا منه ، وواعدوه أن يخلوا له مكة من قابل ثلاثة أيام يزور فيها البيت ويؤدي مناسكه ، وتكتب بذلك وثيقة الصلح بين الفريقين ، وفيها اشترطوا : أن لا تؤذي قريش أحداً من المسلمين ـ وان كان بمكة ـ ولا من حلفائهم ، كما لا يؤذي المسلمون أحداً من قريش ولا من حلفائهم ، واتفقوا أن تكون مدة الصلح عشر سنين وجرت من بعض رموز الصحابة مواقف غير مُرضّية بل مدخولة وَمَرضية (٢).

_______________________

(١) مكان على تسعة أميال من مكة ممّا يلي طرف الحرم.

(٢) قال عمر : مازلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الّذي صنعت يومئذ ، مخافة كلامي الّذي تكلمت به ، حتى رجوت أن يكون خيراً (تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٤ ط دار المعارف).

١٧٧

فنحر فيها الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هديه ، وحلّ من احرامه ، ورجع إلى يثرب دار هجرته ، وبعد مضي عام على ذلك يخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زيارة البيت ليعتمر عمرة القضاء ، وتخلي له قريش مكة ، ويبقى بها ثلاثاً ، ثمّ يخرج وفاءً بالشرط. ولم تمض برهة طويلة حتى كان تجاوز بني بكر ـ وهم حلفاء قريش ـ على خزاعة ـ وهم حلفاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لتراث بينهما ، ونصرت قريش بني بكر على خزاعة ، وبذلك نقضوا ما أشترطوه في عقد الصلح مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستنجدت خزاعة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسلت وفداً يضم أربعين راكباً بزعامة شاعرهم عمرو بن سالم ، فدخلوا المسجد ، ووقف شاعرهم على رأس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينشده :

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا (١)

كنت لنا أباً وكنّا ولدا

ثمة أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصراً عتدا (٢)

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجرّدا

إن سيم خسفاً وجهه تربّدا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

وجعلوا لي في كداء (٣) رصدا

وزعموا أن لست أدعوا أحداً

وهم أذلّ وأقلّ عددا

_______________________

(١) الأتلد : الأقدم.

(٢) العَتدَ : من العتيد : بمعنى الحاضر المهيأ وفرس عتَدَ بفتحتين معدّ للجري والركوب.

(٣) كداء : بالفتح والمد : ثنيّة بأعلى مكة عند المحصّب دار النبي عليه‌السلام من ذي طوى إليها (مراصد الاطلاع).

١٧٨

هم بيّتونا بالوتير (١) هُجّدا

وقتّلونا ركّعا وسجّداً (٢)

فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا نصرتُ إن لم أنصر بني كعب) (٣) ـ يعني خزاعة ـ وأحلّ الله له نقض ما كان بينه وبين قريش ، حيث بدأوا بالنكث ، ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ) (٤).

ويخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنصرة خزاعة ، ومعه المسلمون وعدتهم يومئذ عشرة آلاف (٥).

ولمّا وصل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه المسلمون إلى السقيا ـ قرية من أعمال الفرع ـ أو الجحفة ـ على بعد تسعة عشر ميلاً من السقيا وعلى ثلاث مراحل من م.كة ـ أو ذي الحليفة ـ على خمسة أميال من المدينة ـ التقى ـ فيما يقول أصحاب السيرة ـ عمه العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه وقد جاء مهاجراً بأهله ورحله إلى المدينة دار الهجرة والإيمان.

_______________________

(١) الوتير : بالفتح ثمّ الكسر : اسم ماء بأسفل مكة لخزاعة ، نفس المصدر.

(٢) السيرة لإبن هشام ٣ / ٢٢٧ ط مصر سنة ١٣٢٩ بالمطبعة الخيرية ، والسيرة الحلبية ٣ / ٧١ ـ ٧٨ ، والاستيعاب ٢ / ٥٣٣ ، والإصابة ٢ / ٥٢٩ ، وقد أحتج سعيد بن المسيب في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه المناشدة حين قال له عمران بن أبي كثير : يا أبا أن قبيصة بن ذؤيب جاء برجل من أهل العراق فأدخله على عبد الملك بن مروان فحدثه عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (الخليفة لا يناشد) ، فرفع سعيد يده فضرب بها الأخرى فقال : قاتل الله قبيصة كيف باع دينه بدنيا فانية ؟ والله ما من أمرأة من خزاعة قعيدة في بيتها إلا وقد حفظت قول عمرو بن سالم الخزاعي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفيناشد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يناشد الخليفة ؟ قاتل الله قبيصة كيف باع دينه بدنيا فانية ؟ (كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ٢ / ٥٧٤).

(٣) طبقات بن سعد ٢ / ٩٧ ط لبنان ، وتخريج الأحاديث والأثار للزيلعي ٢ / ٥٦ ط دار خزيمة الرياض ، وفي الاستيعاب (ترجمة عمرو بن سالم) : (لا نصر في الله إن لم أنصر بني كعب) ، وكذا في مجمع الزوائد ٦ / ١٦١ ، والمطالب العالية ٤ / ٢٤١.

(٤) الفتح / ١٠.

(٥) التنبيه والإشراف للمسعودي / ٢٣١ ط مصر.

١٧٩

وينزل الجميع ذلك المكان ، ويفرح كلٌ بلقاء الآخر ، ويعرف العباس نيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه ذلك ، فيرسل بركائبه إلى المدينة وقد مرّ منا أنّه وصل إلى المدينة قبل خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح مكة اعتماداً على حديث ابن عباس في الصوم في السفر (١) ومهما يكن فقد أنتظم هو وبعض بنيه في سلك النفر المجاهدين ، ويعود إلى مكة مع أبن أخيه قاصداً حرب قريش الّذين نكثوا العهد ونقضوا الأيمان ، فانقطعت العصمة فحلّ للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج إليهم بذلك الجيش.

وكان للعباس رضي‌الله‌عنه مقامه في جيش المسلمين ، وإن ذكر الصفوري : انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد له راية سوداء كما أنّ راية الأنصار كانت في ذلك اليوم صفراء (٢). ولا أكاد أصدقه في ذلك ، نعم كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاور عمه مع المشيرين وكان عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه زعيم هذه السيرة في المسيرة من بين أخوته الّذين رجعوا مع أبيهم إلى مكة بصحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يومئذٍ بعدُ لم يبلغ الحلم ، إذ كان له من العمر أحد عشرة سنة. كما أنّ بيعته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في ذلك السنّ ، فقد ذكر أنّه لم يبايع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طفلٌ غيره وغير الحسنين عليهما‌السلام وغير ابن جعفر (٣).

وعلى هذا يمكننا أن نعتبر أنّ اولى صفحات تاريخ حياته ذات الدلالة تبدأ من هذا الحين ، وإن سبق القول حكاية دخول الإسلام بيته بمكة ، إلّا أنّه لم يكن قد رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأبتدأ يحضر عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويشاهد مجالسه ، ومن ثَمّ يحدّث

_______________________

(١) سيأتي في شواهد ومشاهد برقم ١١.

(٢) نزهة المجالس للصفوري ١ / ١١٢.

(٣) عمدة الطالب / ٣٦ ط النجف في ذكر عبد الله بن جعفر وقد وَهَم ابن ظفر المكي في كتابه أنباء نجباء الأبناء / ٨١ ، فعدّ مكان ابن جعفر عبد الله بن الزبير ، ولم أجد فيما رأيت من المصادر فعلاً من ذكره ، والثابت المشهور ما ذكرناه.

١٨٠