بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

لابراهيم ) (١).

٢١ ـ كتاب المحتضر : للشيخ حسن بن سليمان من كتاب السيد حسن بن كبش باسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة تقبل أقوام على نجائب من نور ، ينادون بأعلى أصواتهم ( الحمدلله الذي أنجزنا وعده ، الحمدلله الذي أورثنا أرضه نتبوء من الجنة حيث شئنا ) قال فتقول الخلائق : هذه زمرة الانبياء فاذا النداء من عندالله عزوجل : هؤلاء شيعة علي بن أبي طالب ، وهو صفوتي من عبادي وخيرتي ، فتقول الخلائق إلهنا وسيدنا بما نالوا هذه الدرجة؟ فاذا النداء من قبل الله عزوجل نالوها بتختمهم في اليمين ، وصلاتهم إحدى وخمسين ، وإطعامهم المسكين ، وتعفيرهم الجبين ، وجهرهم في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم.

٢٢ ـ دعائم الاسلام : روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن علي والحسن و الحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم‌السلام أنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أول فاتحة الكتاب ، و أول السورة في كل ركعة ، ويخافتون بها فيما يخافت فيه من السورتين جميعا (٢).

قال الحسن بن علي عليه‌السلام اجتمعنا ولد فاطمة على ذلك (٣).

وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام التقية ديني ودين آبائي ، ولاتقية في ثلاث : شرب المسكر ، والمسح على الخفين ، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٤).

بيان : الاخفات بالبسملة في الاخفاتية محمول على التقية ، قال في التذكرة : يجب الجهر بالبسملة في مواضع الجهر ، ويستحب في مواضع الاخفات في أول الحمد وأول السورة عند علمائنا ، وقال الشافعي : يستحب الجهر بها قبل الحمد ، وقبل السورة في الجهرية والاخفاتية ، وبه قال عمرو ابن زبير وابن عباس وابن عمر وأبوهريرة وعطا وطاؤوس وابن جبير ومجاهد ، وقال الثوري والاوزاعى وأبوحنيفة وأحمد وأبوعبيد لايجهر بها بحال ، وقال النخعي الجهر بها بدعة ، وقال مالك المستحب أن لايقرأ بها ، وقال ابن أبي ليلى والحكم وإسحاق : إن جهر فحسن ، وإن

____________________

(١) الصافات : ٨٣.

(٢ ـ ٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٦٠.

٨١

أخفت فحسن.

٢٣ ـ السرائر : نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب ، عن العباس عن حماد بن عيسى ، عن معاوية بن عمار قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : الرجل لايرى أنه صنع شيئا في الدعاء وفي القراءة حتى يرفع صوته فقال لابأس إن علي بن الحسين عليه‌السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان يرفع صوته حتى يسمع أهل الدار ، وإن أبا جعفر عليه‌السلام كان أحسن صوتا بالقرآن ، وكان إذا قام من الليل وقرء صوته فيمر به مار الطريق من السقائين وغيرهم ، فيقومون فيستمعون إلى قراءته (١).

بيان : يدل على جواز الجهر في القراءة والاذكار مطلقا ، بل استحبابه ، وحمل على الجهرية ونوافل الليل ، ويحمل حسن الصوت على ما إذا لم يصل إلى حد الغناء : بأن يكون جوهر الصوت حسنا ، أو يضم اليه تحزين صوت لايظهر فيه الترجيع.

٢٤ ـ العياشى : عن أبي حمزة ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها ، فاذا سمعها المشركون ولوا مدبرين فأنزل الله ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) (٢).

٢٥ ـ تفسير على بن ابراهيم : بأسانيد جمة عن ابن اذينة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم أحق ماجهر بها : وهي الاية التي قال الله عزوجل : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) (٣).

ومنه : في قوله تعالى : ( وإذا ذكرت ربك ) الاية قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تهجد بالقرآن تسمع قريش لحسن قراءته ، وكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه (٤).

____________________

(١) السرائر ص ٤٧٦.

(٢) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٠ ، والاية في سورة أسرى : ٤٥.

(٣) تفسير القمى : ٢٥.

(٤) تفسير القمى ص ٣٨٢.

٨٢

٢٦ ـ قرب الاسناد : بسنده عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن المرء تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة؟ قلا : بقدر ما تسمع (١).

قال : وسألته عن النساء هل عليهن جهر بالقراءة؟ قال : لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها (٢).

قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال : إن شاء جهرو إن شاء لم يجهر (٣).

بيان : يدل على عدم وجوب الجهر على النساء ، ونقل عليه الفاضلان والشهيدان إجماع العلماء ، لكن لابد من إسماع نفسها كما دلت عليه الرواية ، ولو جهرت ولم يسمعها الاجنبى ، فالظاهر الجواز ، ولو سمعها الاجنبي فالمشهور بين المتأخرين بطلانها ، بناء على أن صوت الاجنبي عورة ، وهو في محل المنع ، وإن كان مشهورا إذ لم يقم عليه دليل.

ثم الظاهر من كلام الاكثر وجوب الاخفات عليها في موضعه ، وربما أشعر بعض عباراتهم بثبوت التخيير لها مطلقا ، وقال الفاضل الاردبيلي قدس سره : لادليل على وجوب الاخفات على المرءة في الاخفاتية ، وهو كذلك إلا أن الاحوط موافقة المشهور ، ويدل الخبر على جهرها إذا كانت إماما ، ولعله على الاستحباب.

٢٧ ـ العيون والعلل : عبدالواحد بن محمد بن عبدوس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان فيما رواه عن الرضا عليه‌السلام من العلل قال : فان قال : لم جعل الجهر في بعض الصلواة ولم يجعل في بعض؟ قيل : لان الصلوات التي لايجهر فيها إنما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيهما ، لان يمر المار فيعلم أن ههنا جماعة ، فان أراد أن يصلي صلى ، ولانه إن لم يرجماعة تصلي سمع وعلم ذلك من جهة السماع ، والصلاتان اللتان لايجهر فيهما فانهما بالنهار ، وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية ، فلايحتاج فيها إلى السماع (٤).

____________________

(١) قرب الاسناد : ١٠٠ ط حجر ص ١٣٢ و ١٣٣ ط نجف.

(٣) قرب الاسناد : ٩١ ط حجر : ١٢٠ ط نجف.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٠٩ ، علل الشرايع ج ١ ص ٢٤٩.

٨٣

٢٨ ـ كتاب الروضة وفضائل ابن شاذان : باسنادهما إلى عبدالله بن أبي أوفى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لما خلق الله إبراهيم الخليل كشف الله عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأى أنوار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام فقال : إلهي وسيدي أرى عدة أنوار حولهم لايحصي عدتهم إلا أنت ، قال : يا إبراهيم! هؤلاء شيعتهم ومحبوهم ، قال : إلهي وبما يعرف شيعتهم ومحبوهم؟ قال : بصلاة الاحدى والخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، وسجدة الشكر والتختم باليمين (١).

أقول : تمامه في باب نص الله على الائمة عليهم‌السلام (٢).

٢٩ ـ تفسير فرات بن ابراهيم : عن يحيى بن زياد رفعه ، عن عمرو بن شمر قال : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام أني أؤم قومي فأجهر ببسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : نعم حق فاجهر بها قد جهر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، فاذا قام من الليل يصلي جاء أبوجهل والمشركون يستمعون قراءته ، فاذا قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وضعوا أصابعهم في آذانهم وهربوا فاذا فرغ من ذلك جاؤوا فاستمعوا ، وكان أبوجهل يقول : إن ابن أبي كبشة ليردد اسم ربه إنه ليحبه ، فقال جعفر : صدق وإن كان كذوبا.

قال : فأنزل الله ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) وهو بسم الله الرحمن الرحيم (٣).

____________________

(١) الروضة : ٣٤ ، الفضائل : ١٦٧.

(٢) راجع ج ٣٦ ص ٢١٤ من هذه الطبعة.

(٣) تفسير فرات : ٨٥.

٨٤

 ٢٥

* ( باب ) *

* ( التسبيح والقراءة في الاخيرتين (١) ) *

١ ـ السرائر : نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب ، عن العباس عن حماد بن عيسى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الاولتين فيذكر في الركعتين الاخيرتين أنه لم يقرأ ،

____________________

(١) ومن الايات المتعلقة بالباب قوله تعالى في سورة النصر : ( اذا جاء نصرالله و الفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ) والظاهر من ( اذا ) الشرطية نزول السورة قبل فتح مكة بل قبل نصرة المسلمين على قريش في غزوة الاحزاب كأنه يقول عزوجل : اذا نصرك الله على قريش في غزوة الاحزاب ثم أتاك الفتح فتح مكة ثم رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا وفدا وفدا كما جاءه الوفود مسلمين في سنة التسع ، فحينئذ فاعلم أن أمرك قد دنا للاتمام فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا.

وقوله عزوجل : ( فسبح بحمد ربك واستغفره ) أمر غير مستقل من المتشابهات بأم الكتاب ، ولذلك بعد ما حصل الشرائط الثلاثة في سنة التسع ، وآن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يمتثل أمر هذه الاية أوله إلى ركعات السنة السبعة الداخلة في الفرائض ، فسبح الله عزوجل فيها وحمده ثم استغفره ، بدلا عن قراءة الفاتحة وحدها.

ولما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخافت بهذه الركعات السبعة ، لم يشتهر عند العامة أمر التسبيح يدل القراءة ، ولذلك أوجب أحمد والشافعى من العامة قراءة الفاتحة في الاخيرتين وأوجبها مالك في ثلاث ركعات وجوز التسبيح في الرابعة فقط ، وأبوحنيفة خير بين الفاتحة والتسبيح ، وجوز السكوت أيضا كأنه توهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسكت عند القيام للاخيرتين والظاهر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرء بفاتحة الكتاب حتى جاء سنة تسع فانتقل إلى التسبيح والتحميد ، واللازم علينا الاقتداء بسنته الاحدث فالاحدث.

٨٥

قال : أتم الركوع والسجود؟ قلت : نعم ، قال : إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها (١).

بيان : أي لايقرء أصلا بل يسبح ، فان القراءة للاوليين والتسبيح للاخيرتين أو لايقرء الحمد والسورة معا ، وسيأتي مايؤيد الاخير.

٢ ـ الاحتجاج : فيما كتب محمد بن عبدالله الحميري إلى القائم عليه‌السلام سأله عن الركعتين الاخيرتين قد كثرت فيهما الروايات ، فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لايهما لنستعمله؟ فأجاب عليه‌السلام : قد نسخت قراءة ام الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه‌السلام كل صلاة لاقراءة فيها فهي خداج ، إلا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه (٢).

٣ ـ السرائر : نقلا من كتاب حريز قال : وهو من جلة المشيخة عن زرارة قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : لاتقرأ في الركعتين الاخيرتين من الاربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أوغير إمام ، قلت : فما أقول فيهما؟ قال : إن كنت إماما فقل : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله ) ثلاث مرات ثم تكبر وتركع ، وإن كنت خلف إمام (٣) فلا تقرأ شيئا في الاوليين وأنصت لقراءته ، ولاتقولن شيئا في الاخيرتين ، فان الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وإذا قرئ القرآن ) يعني في الفريضة خلف الامام ( فاستمعوا

____________________

فبحكم الاية الكريمة يجب علينا وجوبا غير ركنى أن نسبح الله ونحمده ثم نستغفره من ذنوبنا في هاتين الركعتين ، كما أرشدنا بذلك علماء التأويل من أهل بيت العصمة عليهم صلوات الله الرحمن ، وسيمر عليك في الباب أحاديث تؤيد ذلك بحول الله وقوته.

(١) السرائر : ٤٧٦.

(٢) الاحتجاج : ٢٧٤ ، لكنك قد عرفت أن المنسوخ هو قراء الفاتحة وسيعود الكلام فيه.

(٣) يعنى اماما من أئمة الجمهور جيث يقرؤن في كل الركعات بفاتحة الكتاب

٨٦

له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) والاخريان تبع الاوليين (١).

قال زرارة : قال أبوجعفر عليه‌السلام : كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشرا فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعا وفيهن السهو وليس فيهن قراءة ، فمن شك في الاوليين أعاد حتى يحفظ ، ويكون على يقين ، ومن شك في الاخريين عمل بالوهم (٢).

بيان : روى ابن إدريس هذا الخبر من كتاب حريز في باب كيفية الصلاة ، و زاد فيه بعد لا إله إلا الله ( والله أكبر ) ورواه في آخر الكتاب في جملة ما استطرفه من كتاب حريز ولم يذكر فيه التكبير ، والنسخ المتعددة التي رأينا متفقة على ماذكرنا ويحتمل أن يكون زرارة رواه على الوجهين ورواهما حريز عنه في كتابه لكنه بعيد جدا ، والظاهر زيادة التكبير من قلمه ـ ره ـ أومن النساخ ، لان ساير المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير ، وزاد في الفقيه (٣) وغيره بعد التسبيحات ( تكملة تسع تسبيحات ) ويؤيده أنه نسب في المعتبر وفي التذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز وذكرا هذه الرواية.

٤ ـ العلل : عن حمزة بن محمد العلوي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن محمد بن أبي حمزة قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : لاي شئ صار التسبيح في الاخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : لانه لما كان في الاخيرتين ذكر مايظهر من عظمة الله عزوجل فدهش ، وقال : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ) فلذلك العلة صار التسبيح أفضل من القراءة (٤).

____________________

فيجب عليك الانصات في الاوليين انصاتا لقراءته ، وفى الاخيرتين لانهم يفتون بذلك ويجعلونهما تبعا للاوليين.

(١) السرائر : ٤٧١ و ٤٥.

(٢) السرائر : ٤٧٢.

(٣) فقثه من لايحضره الفقيه ج ١ ص ٢٥٦.

(٤) علل الشرايع ج ٢ ص ١٢ ، وهذا ذيل حديث تقدم في الباب السابق تحت الرقم : ١١.

٨٧

ومنه : عن عبدالواحد بن عبدوس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه‌السلام قال : فان قال : فلم جعل القراءة في الركعتين الاولتين والتسبيح في الاخيرتين؟ قيل : للفرق بين ما فرضه الله عزوجل من عنده وبين مافرضه من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٥ ـ المعتبر : روى زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الاخيرتين من الظهر؟ قال : تسبح وتحمدالله وتستغفر لذنبك (٢).

٦ ـ الهداية : سبح في الاخراوين إماما كنت أو غير إمام ، تقول : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله ) وفي الثالثة والله أكبر ثم تكبر وتركع (٣).

٧ ـ العيون : عن تميم بن عبدالله القرشي ، عن أحمد بن على الانصاري ، عن رجاء بن أبي الضحاك أنه صحب الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى مرو فقال : كان يسبح في الاخراوين يقول : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله ) ثلاث مرات ثم يركع (٤).

بيان : في بعض النسخ زيد في آخرها ( والله أكبر ) والموجود في النسخ القديمة المصححة كما نقلنا بدون التكبير ، والظاهر أن الزيادة من النساخ تبعا للمشهور.

ثم اعلم أنه لاخلاف بين الاصحاب في جواز التسبيحات بدل الحمد في الاخيرتين من الرباعية وثالثة المغرب ، ونقل جماعة عليه الاجماع ، والاخبار بذلك مستفيضة بل متواترة ، واختلف في مقدارها ، فقال الشيخ في النهاية والاقتصاد : إنها ثلاث مرات ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ) فتكون اثنتي عشرة تسبيحة ، وهو

____________________

(١) علل الشرايع ج ١ ص ٢٤٩.

(٢) المعتبر ص ١٧١ ووجه الحديث ما أشرنا اليه من قوله تعالى : ( فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ).

(٣) الهداية ص ٣١ ط الاسلامية.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٨٢.

٨٨

المنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل غير أنه قال : يقول سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث.

ونقل عن السيد رضي الله عنه أنها عشر تسبيحات بحذف التكبير في الاوليين دون الثالثة وهو مختار الشيخ في المبسوط والجمل وابن البراج وسلار. وذهب المفيد والشيخ في الاستبصار وجماعة إلى وجوب الاربع على الترتيب المذكورة مرة ، وذهب ابن بابويه إلى أنها تسعة بحذف التكبير في الثلاث وأسند في المعتبر والتذكرة و الذكرى إلى حريز بن عبدالله السجستاني من قدماء الاصحاب ، وهو منسوب إلى أبي الصلاح ، لكن العلامة في المنتهى نسب إليه القول بثلاث تسبيحات وقال ابن إدريس يجزي المستعجل أربع وغيره عشر ، ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير يقدم ماشاء.

وقال في المعتبر بعد إيراد الروايات التي بعضها يدل على إجزاء مطلق الذكر : الوجه جواز الكل وقال في الذكرى : ذهب صاحب البشرى جمال الدين ابن طاووس إلى إجزاء الجميع ، فيظهر منهما الاكتفاء بمطلق الذكر ، وقواه في الذكرى ، وقال العلامة في المنتهى الاقرب عدم وجوب الاستغفار ، وهو مشعر بوجود القول بوجوبه ، وقال سيد المحققين في المدارك : الاولى الجمع بين التسبيحات الاربع والاستغفار وإن كان الكل مجزيا إنشاءالله.

أقول : والذي يظهر لي من مجموع الاخبار جواز الاكتفاء بمطلق الذكر ثم الافضل اختيار التسع ، لانه أكثر وأصح أخبارا ، وهو مختار قدماء المحدثين الانسين بالاخبار ، المطلعين على الاسرار : كحريز والصدوق قدس الله روحهما ، ثم الاربع مرة لما رواه الكليني والشيخ (١) عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : ما يجزي من القول في الركعتين الاخيرتين؟ قال : أن يقول : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ) ويكبر ويركع ، ولايضر جهالة محمد بن إسماعيل لكونه من مشايخ إجازة كتاب الفضل ولتأيدها بالاخبار الكثيرة الدالة على إجزاء مطلق الذكر.

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٣١٩ ، التهذيب ج ١ ص ١٦٢ باسناده عن الكلينى.

٨٩

والافضل ضم الاستغفار إلى أيهما اختار ، لدلالة بعض الاخبار المعتبرة عليه فقد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الركعتين الاخيرتين من الظهر ، قال تسبح وتحمدالله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فائحة الكتاب فانها تحميد ودعاء (١) وقد مر مثله من المعتبر (٢) برواية زرارة ، ويحتمل اتحادهما والاشتباه في الراوي ، والدعاء الذي ورد في بعض الروايات يمكن حمله على الاستغفار.

وأما العشرة فلم أر رواية تدل عليها ، وربما يتوهم ذلك من رواية زرارة المتقدمة ولايخفى وهنه فانه ظاهر أن التكبير للركوع ، ولعلهم جمعوا بذلك بين روايتي الاربع والتسع ، وليكونوا عاملين بهما ، وإن كانوا من جهة غير عاملين بشئ منهما ، وكذا الاثنتي عشرة لم أقف لها على رواية سوى ما سيأتي في فقه الرضا عليه‌السلام وخبر زرارة على ما نقله ابن إدريس في موضع وخبر ابن أبي الضحاك وقد عرفت حالهما والاشتباه فيهما ويمكن الاكتفاء بما سيأتي مع تأيده بالشهرة العظيمة بين الاصحاب لاثبات الاستحباب ، مع أنه فرد كامل لافراد مطلق الذكر ، وموافق للاحتياط ، فالعمل به لايبعد عن الصواب.

واستدل لابن الجنيد بما رواه الشيخ في الصحيح (٣) عن عبيدالله بن علي الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا قمت في الركعتين لاتقرأ فيهما فقل الحمدلله وسبحان الله والله أكبر ، وهذا مما يؤيد ما اخترنا من إجزاء مطلق الذكر ، وقال المحقق ـ ره ـ في المعتبر بعد إيراد هذه الرواية : لاتقرأ ليس نهيا بل هي بمعنى

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٦٢ وقد عرفت الوجه في ذلك ، وأما قوله ( وان شئت فاتحة الكتاب فانها تحميد ودعاء ) يفيد بتعليله أنها غير مجزية ، فان الفاتحة وان تضمنت الحمد والدعاء لكنها لاتتضمن التسبيح والاستغفار ، والظاهر حمل الحديث على التقية لكونه فتوى أبى حنيفة.

(٢) مضى تحت الرقم : ٥.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٦٢.

٩٠

غير ، كأنه قال : غير قاري ، انتهى وهو ظاهر ، والفاء تدل عليه لدخولها على الجزاء غالبا.

ومما يؤيد التوسعة مارواه الكليني في الحسن (١) عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في جملة حديث قال : فزاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة ، إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء.

ومارواه الصدوق بسند لايخلومن قوة عن أبي بصير (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الاخيرتين ثلاث تسبيحات يقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله.

ومارواه الشيخ بسند فيه جهالة (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله.

ثم اعلم أنهم اختلفوا في أفضلية التسبيح أو القراءة في الاخيرتين فذهب الصدوق وابن أبي عقيل وابن إدريس إلى أفضلية التسبيح مطلقا وظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة ، ويظهر من الاستبصار التخيير للمنفرد ، وأفضلية القراءة للامام ، ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : يستحب للامام التسبيح إذا تيقن أنه ليس معه مسبوق ، وإن علم دخول المسبوق أو جوزه قرأ ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة يقرء فيها ، والمنفرد يجزيه مهما فعل.

وقال العلامة في المنتهى : الافضل للامام القراءة ، وللمأموم التسبيح ، وقواه في التذكرة ، وهذا القول لايخلو من قوة إذبه يجمع بين أكثر الاخبار ، وإن كان بعض الاخبار يأبى عنه ، وذهب جماعة من محققي المتأخرين إلى ترجيح التسبيح مطلقا وحملوا الاخبار الدالة على أفضلية القراءة للامام أو مطلقا التقية ، لان الشافعي وأحمد يوجبان القراءة في الاخيرتين ، ومالكا يوجبها في ثلاث ركعات من

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٢٧٣.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢٥٦.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٦٢.

٩١

الرباعية ، وأبا حنيفة خير بين الحمد والتسبيح ، وجوز السكوت ، ويرد عليه أن التخيير مع أفضلية القراءة أو التفصيل بين الامام والمنفرد مما لم يقل به أحد من العامة ، فلا تقبل الحمل على التقية نعم يمكن حمل أخبار التسوية المطلقة على التقية لقول أبي حنيفة بها ويمكن ترجيح القراءة بقوله تعالى : ( فاقروا ما تيسر من القرآن ) وربما يرجح بما ورد في فضيلة الفاتحة ، وبأنه لاخلاف في كيفيتها وعددها بخلاف التسبيح ، وبرواية الحميري مع قوة سندها لانه يظهر من الشيخ في الغيبة (١) والتهذيب أنها منقولة بأسانيد معتبرة مع ما ورد من قولهم عليهم‌السلام : خذوا بالاحدث.

فان قيل يرد عليها وجوه من الاشكال : الاول أن النسخ بعد زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لاوجه له (٢) الثاني أن الخبر يدل على عدم صحة صلاة لافاتحة فيها أصلا ، لا إذا لم يقرأ بها في الاخيرتين (٣) الثالث مخالفته لساير الاخبار الصحيحة والمعتبرة (٤).

____________________

(١) لايوجد هذا التوقيع في غيبة الشيخ ، ولا في التهذيب ، ولذلك لم يخرجه الشيخ الحر العاملى في وسائله الا عن الاحتجاج ، ولا استدرك عليه العلامة النورى في مستدركه والمؤلف نفسه قدس سره حيث ذكر التوقيعات في ج ٥٣ ص ١٥٠ ـ ١٩٨ لم يخرجه الا عن الاحتجاج ، وكيف كان الخبر مرسل في الاحتجاج ضعيف بالكتابة محمول على التقية لذلك ، فان الاتقاء في الكتابة والتوقيع أكثر كما هو واضح ، وسيأتى مزيد توضيح لذلك.

(٢) وسيأتى أن الامر بالعكس ،

(٣) هذا اذا كان الاحتجاج بالخبر المروى عن العالم ( كل صلاة لاقراءة فيها فهى خداج ) واما اذا احتج بخبر التوقيع ومتنه ( قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين ـ يعنى الاخيرتين ـ التسبيح ) فلا وجه لهذا الكلام.

(٤) بل هذا التوقيع بذيله يخالف صدره حيث يستثنى ويقول : ( الا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه ) ولا وجه لهذا الاستثناء من حيث الاعتبار ، ولم يرد به رواية عن الائمة المعصومين ، ولاقال به أحد من الفقهاء. كما هو واضح.

والظاهر عندى أن ابن روح قده اتقى في صدر هذا الفتوى وأفتى بفتوى الجمهور تقية ، ثم استدرك الحق في ذيله وقال : ( الا للعليل ) الخ حتى يعرف العارف أنه لايوجب قراءة

٩٢

ويمكن أن يجاب عن الاول بأن المراد بالعالم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لانها مروية عنه عليه‌السلام (١) كمامر نقلا من المجازات النبوية ، وإن كان المراد بالعالم غيره فهو رواه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله والنسخ إنما وقع في زمانه ، فيكون الاخبار الواردة في التسبيح لبيان الحكم المنسوخ (٢) ويحتمل أن يكون المراد بنسخ التسبيح نسخ أفضليته لئلا يلزم طرح جميع أخبار التسبيح.

____________________

الفاتحة ، والا فالعليل الذى يتمكن من قراءة التسبيحات المعروفة كيف لايتمكن من قراءة الفاتحة؟ وكيف يكثر السهو من قراءة الفاتحة ولايكثر من التسبيحات؟ مع أن السهو في الركعتين الاخيرتين يمكن تداركه مطلقا لكونهما سنة في فريضة يجوز الوهم فيهما.

وقد كان رحمه الله يستعمل التقية شديدا ، كما مرشطر من سيرته في باب أحوال السفراء ج ٥١ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧ نقلا من كتاب الغيبة للشيخ الطوسى قدس سره ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، ولذلك ترى أنه يستدل في فتواه ذلك بما لايروى الا من طرق الجمهور ، ويحتج بالحديث على الوجه الذى يحتجون به على ماستعرف.

(١) هذا هو المتعين وقد أشرنا في ج ٥٣ ص ١٦٧ أن المراد بالعالم في توقيعه هذا ( وقد تكرر ثلاث مرات عند المسألة ٢٤ و ٢٦ وهذه المسألة ٢٢ ) هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحديث هذا رواه الجمهور في كتبهم كأبى داود في سننه ج ١ ص ٨٨ وأخرجه السيوطى في الجامع الصغير عن مسند أحمد والسنن الكبرى للبيهقى ، وأخرجه في مشكاة المصابيح ص ٦٨ وقال : متفق عليه ، وأما من طرقنا فلم ينقل في واحد منها وانما نقلوه من كتب الجمهور نقلا مرسلا كما نقله السيد في المجازات النبوية وقد مر في ص ١١ من هذا المجلد.

(٢) بل قد عرفت أن الامر بالعكس ، حيث نسخت قراءة أم الكتاب بالتسبيح بعد نزول قوله تعالى : ( فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ).

على أنه كيف يقول شيعى بأن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لم يعرفوا الناسخ من المنسوخ حتى أمروا شيعتهم بالتسبيح المنسوخ في غير واحد من رواياتهم وفتاواهم؟ وعندى أنه قدس سره أشار ببطلان هذا النسخ إلى بطلان الفتوى وكونه صادرا على وجه التقية.

٩٣

وعن الثاني بأنه عليه‌السلام علم أن مراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتمال كل ركعة منها على الفاتحة (١) والاظهر عندي حمله على قراءة الامام إذا علم أن معه مسبوقا أو مطلقا لاحتمال ذلك (٢) لئلا يكون قراءة المسبوق بالركعتين بغير فاتحة الكتاب إذا قرأ

____________________

(١) احتج المخالفون بالحديث النبوى على أن قراءة الفاتحة واجب في كل ركعة أخذا بالاطلاق وغاية مايمكن لتوجيه احتجاجهم أن كل ركعة في حذ ذاتها صلاة تامة بركوعها وسجودها الا أن الركعة قد تنفرد وحدها كما في الوتر وركعة الاحتياط وقد تضم اليها ركعة أو ركعات ، فكما لايقتصر بقراءة الفاتحة في الركعة الاولى عن الثانية فهكذا في الثانية والرابعة.

وهذا الاحتجاج ساقط على مذهبنا حيث ان اطلاق الحديث لوسلم فقد كان على اطلاقه إلى سنة تسع وبعدها نسخت القراءة بقوله عزوجل ( فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ) وعلى المستدل بالحديث أن يأتى بشاهد يشهد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بعد سنة تسع في أواخر عمره الشريف ، وأنى له بالاثبات؟.

بل النسخ والتقييد مروى من طريق أهل السنة أيضا على ما نقله في المعتبر ص ١٧١ عن على عليه‌السلام أنه قال : ( اقرء في الاوليين وسبح في الاخيرتين ) ولذلك اختلف فقهاء الجمهور على ماعرفت.

(٢) هذا اذا كان على الامام الجهر بالقراءة في الاخيرتين وأما بعد أنه لايجهر بالقراءة فيهما اجماعا واتفاقا ، فلا معنى لتحمل الامام عن المأموم حيث لا انصات ، على أن المسلم في محله اتحاد وظيفة الامام مع المنفرد ، فان امام الجماعة انما يصلى صلاة نفسه وانما هو على المأموم أن يتحفظ على وظيفة نفسه في صلاته ويراعى وظائف الجماعة أيضا بالمتابعة و غيرها ، فلاوجه لهذا الحمل ولالهذا الفتوى.

وأما الاحاديث الواردة في ذلك ، فانما وردت تقية حيث كان شيعتهم عليهم‌السلام في ذاك الظرف مبتلين بالحضور في جماعاتهم والعمل بفتاواهم ظاهرا ، ولذلك أفتى ابن روح في التوقيع تقية حيث كان يصل هذا الحكم من الحميرى إلى جماعة الشيعة ويعملون به جهارا ، والا لم نجوز حمل الخبر على التقية بمعنى اتقاء الشيخ ابن روح قدس الله سره أن

٩٤

في الاخيرتين التسبيح ، ويمكن حمله على المسبوق كذلك فيكون موافقا لقول من قال بتعين القراءة أو أولويتها له كما ستعرف ومن هذين الوجهين يعرف الجواب عن الثالث ويمكن حمله على التقية أيضا.

ولننبه على أحكام ضرورية في ذلك تعم البلوى بها :

الاول : من نسي القراءة في الاوليين ، هل تتعين عليه القراءة في الاخيرتين؟ فالمشهور أن التخيير بحاله ، وقال الشيخ في المبسوط بأولوية القراءة حينئذ ، وظاهره في الخلاف تعين القراءة والاخبار في ذلك مختلفة ، ولعل بناء التخيير أقوى ، ولايبعد كون القراءة له أفضل ، لما رواه الشيخ (١) بسند مرسل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال لي : أى شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قال : يقولون يقرء في الركعتين بالحمد وسورة ، فقال : هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها؟ فقلت : فكيف يصنع؟ قال : يقرء بفاتحة الكتاب في كل ركعة.

الثانى : هل يجب الاخفات في التسبيحات؟ قيل : نعم ، تسوية بين البدل و المبدل ، كما اختاره الشهيد ـ ره ـ وقيل : لا ، وإليه ذهب ابن إدريس والاول أحوط والثاني أقوى ، ويدل بعض الاخبار ظاهرا على رجحان الجهر ولم أربه قائلا.

الثالث : المشهور أنه لو شك في عدده بنى على الاقل تحصيلا للبراءة اليقينية وهو قوي.

____________________

يظهر المخالفون على توقيعه ذلك ويعرفوا فتواه على خلافهم فيؤذوه.

وذلك لانه يفتى في المسألة ٦ من هذا التوقيع بجواز المتعة وفى المسألة ١١ بوضع تربة الحسين عليه‌السلام مع الميت وفى المسألة ١٤ و ١٣ بجواز اتخاذ السبحة للتسبيح و اللوح للسجدة من طين قبره وهو شرك عندهم وفى المسألة ١٥ بأن الصلاة أمام قبر الامام غير جائزة بل يصلى خلفه أو يمينه أو يساره ولايتقدم عليه وفى المسألة ٢٧ يفتى بسقوط آجل المهر بعد الزفاف وهو قول أهل البيت عليهم‌السلام وفى المسألة ٢٩ يفتى بالمسح على الرجلين ، وهكذا.

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٥٩.

٩٥

٨ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : واقرء في الركعتين الاخرتين إن شئت الحمد وحده ، وإن شئت سبحت ثلاث مرات (١).

وقال عليه‌السلام في موضع آخر : تقرء فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الاوليين وفي الركعة الاخراوين الحمد وحده ، وإلا فسبح فيها ثلاثا ثلاثا تقول : ( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ) تقولها في كل ركعة منها ثلاث مرات (٢)

٩ ـ جمال الاسبوع : باسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي يرفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال له رجل : جعلت فداك أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى وما وصف من الملائكة ( يسبحون الليل والنهار لايفترون ) (٣) ثم قال : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (٤) كيف لايفترون وهم يصلون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى لما خلق محمدا (ص) أمر الملائكة فقال : انقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمد ، فقول الرجل صلى الله على محمد في الصلاة مثل قوله سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر (٥).

بيان : يدل على جواز الصلوة في جميع أحوال الصلاة ، وعلى أنها تجزي عن التسبيحات (٦) وأن المطلوب في الاخيرتين الاربع ، وإن أمكن المناقشة في الاخيرتين.

____________________

(١) فقه الرضا ص ٨ س ١٦.

(٢) فقه الرضا ص ٧ س ٣٤ ،

(٣) الانبياء : ٢٠.

(٤) الاحزاب : ٥٦.

(٥) حمال الاسبوع. ٢٣٥.

(٦) وفى امالى الصدوق : ٤٥ : قال الرضا عليه‌السلام : الصلاة على محمد وآله تعدل عندالله عزوجل التسبيح والتهليل والتكبير.

٩٦

 ٢٦

* ( باب ) *

* ( الركوع وأحكامه وآدابه وعلله ) *

الايات : البقرة : واركعوا مع الراكعين (١).

آل عمران : مخاطبا لمريم عليها‌السلام : واركعي مع الراكعين (٢).

الحج : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (٣).

ص : وخر راكعا وأناب (٤).

الواقعة : فسبح باسم ربك العظيم (٥).

____________________

(١) البقرة : ٤٣. والاية توجب الاجتماع للصلاة ويكون الملاك في ادراك الجماعة الركوع ، وسيجيئ البحث عنها في محله.

(٢) آل عمران : ٤٣ ، وتدل الاية على شرافة عظيمة لها حيث أمرها بالصلاة جماعة ، مع أنه لاجماعة على النساء ، فهى صلوات الله عليها أنثى وليس الذكر كالانثى.

(٣) الحج : ٧٧. وتمامها : ( واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ، والاية من أمهات الكتاب توجب على المؤمنين عبادة الرب وهى الصلاة المفروضة ويبين كيفيتها بالركوع أولا ثم السجود ، ويسميها خير الافعال كما نودى عليها بحى على خير العمل.

(٤) ص : ٢٤ ، ومعنى الخرور : الوقوع على الارض من غير تمالك فالمراد هو السجود بعد الوصول إلى هيئة الركوع واستقبال الارض بباطن الكفين كما عرفت في ج ٨٤ ص ١٩٣ و ١٩٥ ، فالاية لاتناسب الباب.

(٥) الواقعة ، ٧٤ و ٩٦ ، الحاقة : ٥٢ ، والاية من المتشابهات أولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ركوع الصلاة ، وصوره التسبيح ( سبحان ربى العظيم وبحمده ) على ما سيجئ.

٩٧

المرسلات : وإذا قيل لهم اركعوا لايركعون * ويل يومئذ للمكذبين (١).

تفسير : ( واركعوا مع الراكعين ) قال الطبرسي ـ رحمه الله ـ (٢) الركوع الانحناء والانخفاض في اللغة (٣) وقال ابن دريد الراكع الذي يكبو على وجهه ، ومنه

____________________

(١) المرسلات : ٤٨.

(٢) مجمع البيان ج ١ ص ٩٧.

(٣) وأصل الركوع هو الانحناء ، وهو بالنسبة إلى الانسان الا إلى القدام حيث ان قامته يتكسر طبعا وخلقة بتكسر عجزه إلى خلف فيتحصل الانحناء إلى قدام.

ولانحنائه حد محدود بالطبع والفطرة ، وهو عند مايصل الكفان إلى الركبتين حتى يردهما إلى خلف ويعتمد عليهما بثقل البدن ليستقر كل عضو موضعه الفطرى الطبيعى ويحصل الطمانينة والاستقرار طبعا.

ولولا ذلك لكان تماسك ثقل البدن في الهواء بتجاذب أوتار الاعصاب قسريا فيكون الركوع غير طبيعى كالذى يسجد ولا يمكن جبهته من الارض وانما يماسها بالارض بتماسك الاعصاب ، أو يقوم على احدى رجليه ويتكئ عليها بثقله ويجعل الاخرى كالشلاء تماس الارض من دون اعتماد عليها ، او يقعد للتشهد ولايمكن اليتيه من الارض كالذى بمقعدته دمل لايقدر على القعود والجلوس المتعارف.

فكما أن القيام الطبيعى لايكون الا بالاعتماد على الرجلين ، والسجدة الطبيعية لا تكون الا بتقسيم ثقله على مساجده السبعة كل مسجد بحسب حاله ، والجلوس الطبيعى لايكون الا بتمكن الاليتين من الارض ليحصل القرار والامنة طبعا وفطرة لاقسرا فكذلك الركوع لا يكون طبيعيا الا بوضع كفيه على ركبتيه وردهما إلى خلف ثم الاعتماد عليهما ، وان التقم عين ركبتيه وهو أصل المفصل بكفيه فهو أوفق بطبيعة الركوع كما هو ظاهر.

وقد مر شطر من هذا البيان في بحث السجود ج ٨٤ ص ١٩٤ ـ ١٩٦ ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان ابن آدم يسجد على سبعة أعظم بناء على انصراف الامر إلى الكيفية الطبيعية للمأمور به ، ان شئت راجعه.

على أن المسلم من سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يضع يديه على ركبتيه ويردهما إلى خلف ، و

٩٨

الركوع في الصلاة ، وقال صاحب العين : كل شئ ينكب لوجهه فيمس ركبتيه الارض أو لايمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع.

قال : وإنما خص الركوع بالذكر ، وهو من أفعال الصلاة بعد قوله : ( وأقيموا الصلاة ) لاحد وجوه أحدها أن الخطاب لليهود ، ولم يكن في صلاتهم ركوع (١) فكان الاحسن ذكر المختص دون المشترك لانه أبعد من اللبس ، وثانيها أنه عبر بالركوع عن الصلاة لانه أول ما يشاهد من الافعال التي يستدل بها على أن الانسان يصلي فكأنه كرر ذكر الصلاة تأكيدا ، وثالثها أنه حث على صلاة الجماعة لتقدم ذكر الصلاة في أول الاية انتهى.

( اركعوا واسجدوا ) قيل أي صلوا فانهما من أعظم أركانها ، وافعلوهما فيها ، كما رواه الشيخ (٢) في الموثق عن سماعة قال : سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ فقال : نعم قول الله عزوجل : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) الخبر وقيل : كان الناس أول ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ، ويركعون بلا سجود ، فامروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود.

( وخر راكعا ) قال الطبرسي (٣) أي صلى لله تعالى وأناب إليه ، وقيل سقط ساجدا لله ورجع إليه ، وقد يعبر عن السجود بالركوع ، قال الحسن إنما قال : وخر راكعا لانه لايصير ساجدا حتى يركع.

____________________

لما كان هذه سنة في فريضة ، كان الاخذ بها هدى وتركها ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، فاذا ركع المصلى ولم يضع يديه على ركبتيه من دون عذر ، فأيا مافعل : وضع يديه على ظهره! أو أرسلهما إلى الارض كهيئة الذى يريد أن يأخذ شيئا من الارض! أو قبضهما إلى صدره كالنساء! أوجعلهما إلى الاذقان فهم مقمحون! أياما فعل ، فقد خرج عن السنة إلى البدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

(١) ويرد هذا قوله عزوجل خطابا لمريم عليها‌السلام : ( واركعى مع الراكعين )

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٥٥.

(٣) مجمع البيان ج ٨ ص ٤٧١.

٩٩

وقال في قوله تعالى : ( فسبح باسم ربك العظيم ) (١) أي فبرئ الله تعالى مما يقولون في وصفه ، ونزهه عما لايليق بصفاته ، وقيل معناه قل سبحان ربي العظيم (٢) فقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لما نزلت هذه الاية قال : اجعلوها في ركوعكم انتهى ، وروى الصدوق في الفقيه مرسلا مثله (٣).

( وإذا قيل لهم اركعوا لايركعون ) قال الطبرسي : أي صلوا لايصلون قال مقاتل : نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة فقالوا لاننحني فان ذلك مسبة علينا ، فقال عليه‌السلام : لاخير في دين ليس فيه ركوع وسجود ، وقيل إن المراد بذلك يوم القيامة حين يدعون إلى السجود ، فلا يستطيعون ، عن ابن عباس انتهى.

ثم اعلم أنه لاخلاف في وجوب الركوع في الصلاة بل هو من ضروريات الدين ولاخلاف بين الاصحاب في كونه ركنا في الجملة (٤) وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه ركن في الاوليين وفي ثالثة المغرب دون غيرها وسيأتي تحقيقه.

١ ـ المحاسن : عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه

__________________

(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٢٤.

(٢) الا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله زاد على لفظ الاية قوله : ( وبحمده ) لسائر الايات التى تأمره بأن يسبح بحمد ربه كما في غير واحد من الايات.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٢٠٧.

(٤) بل هو ركن مطلقا اذا كانت الصلاة حين حصول الطمانينة والامنة لقوله تعالى عزوجل ( فاذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) على ما أشرنا اليه في ج ٨٤ ص ٩٠ ، والدليل على ركنيته قوله : عزوجل في آية الحج ( اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ) وأوضح منه قوله : عزوجل ( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة : ٥٥ ، حيث يصرح بأن هذه الزكاة دفعت حين ركوع الصلاة ، فالاية من حيث الدلالة على كون الركوع جزءا من الصلاة من أمهات الكتاب ، فيكون ركنا مفروضا تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا وجهلا.

١٠٠