بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ثم الظاهر أن الواجب على القول بوجوب التسليم ( السلام عليكم ) خاصة ، وبه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وقال أبوالصلاح : يجب ( السلام عليكم ورحمة الله ) وذهب ابن زهرة إلى وجوب ( وبركاته ) أيضا ، وقال في المنتهى : ولو قال ( السلام عليكم ورحمة الله ) جاز ، وإن لم يقل ( وبركاته ) بلا خلاف ويخرج به من الصلاة ، واختلف الاصحاب فيما يخرج به المكلف من الصلاة ، فقيل يتعين للخروج ( السلام عليكم ) وهو قول أكثر القائلين بوجوب التسليم ، ومنهم من قال إنه يخرج من الصلاة بقوله ( السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) وإن وجب الاتيان بالسلام عليكم بعد ذلك ، وهو صاحب البشرى قال في الذكرى : وقال صاحب البشرى : السيد جمال الدين بن طاوس وهو مضطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله : لامانع أن يكون الخروج بالسلام علينا وأن يجب ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) بعده ، للحديث الذي رواه ابن اذينة عن الصادق عليه‌السلام في وصف صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السماء أنه لما صلى امر أن يقوم للملائكة ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) إلا أن يقال : هذا في الامام دون غيره ، قال : ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته وإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه انتهى.

وذهب المحقق ، والعلامة في المنتهى ، والشهيد في اللمعة والرسالة إلى التخيير بينهما ، وأنه يخرج من الصلاة بكل منهما ، ولو جمع بينهما يحصل الخروج بالمتقدم منهما ، وقد سمعت إنكار الشهيد لذلك في الذكرى ، وقال في البيان : بعد البحث عن الصيغة الاولى : وأوجبها بعض المتأخرين وخير بينهما وبين السلام عليكم ، وجعل الثانية منهما مستحبة ، وارتكب جواز السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين بعد السلام عليكم ، ولم يذكر ذلك في خبر ولامصنف ، بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابها يجعلونها مقدمة ، وذهب يحيى بن سعيد إلى تعيين الخروج بالصيغة الاولى.

وأما القائلون باستحباب التسليمتين فمنهم من قال إنه يخرج من الصلاة بالفراغ

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٦٦.

٣٠١

من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم من قال إنه يخرج من الصلاة بالتسليم ، وهو ظاهر الشيخين.

إذا عرفت هذا فالذي يقتضي الجمع بين الاخبار التخيير بين الصيغتين ، واستحباب الجمع بينهما بتقديم السلام علينا ، وهذا أحوط مع قصد القربة بهما من غير تعرض للوجوب والندب ، والاخبار في السلام علينا أكثر ، والسلام عليكم بين الاصحاب أشهر ويظهر من بعض الاخبار كخبر أبي بصير المتقدم أن آخر أجزاء الصلاة قول المصلي السلام علينا ، وبه ينصرف عن الصلاة ، وبعد الانصراف عنها بذلك يأتي بالتسليم للاذن وإيذان المأمومين بالانصراف.

قال في الذكرى : وبعد هذا كله فالاحتياط للدين الاتيان بالصيغتين جمعا بين القولين ، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه باديا بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لابالعكس فانه لم يأت به خبر منقول ، ولامصنف مشهور ، سوى مافي بعض كتب المحقق ـ ره ـ ويعتقد ندب السلام علينا ووجوب الصيغة الاخرى ، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخرجة بالاجماع انتهى ، ولايخفى جودة ما أفاده ـ ره ـ إلا ماذكره في اعتقاد الوجوب والندب.

وهل يجب نية الخروج على القول بوجوبه؟ الاجود عدمه ، لعدم الدليل عليه وقال في المنتهى : لم أجد لاصحابنا نصا فيه ، وقال الشيخ في المبسوط : ينبغي أن ينوى بها وربما يقال بالوجوب كما يظهر من صاحب الجامع.

٤ ـ المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة : نقلا من جامع البزنطي ، عن عبدالله ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة ، قال : يقول : السلام عليكم (١).

٥ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام :

____________________

(١) المعتبر ص ١٩١.

٣٠٢

إذا انفتلت من الصلاة فانفتل عن يمينك (١).

بيان : رواه في الفقيه (٢) باسناده عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك ، وهو يحتمل وجهين أحدهما الايماء بالسلام إلى اليمين ، وثانيهما أن يكون المراد أنه إذا فرغ من التعقيب وأراد الذهاب لحاجة فليذهب من جهة اليمين كما فهمه الصدوق حيث أورده في باب مفرد بعد الفراغ من ذكر التعقيب وسائر أحكام الصلاة ، وبعد أن ذكر الالتفات في التسليم سابقا ، ولعله أظهر وأبعد من التخصيص والتأويل.

٦ ـ المناقب : لابن شهر آشوب ، عن أبي حازم قال : سئل علي بن الحسين عليهما‌السلام ما افتتاح الصلاة؟ قال : التكبير ، قال : ماتحريمها؟ قال : التكبير ، قال : ماتحليلها؟ قال : التسليم (٣).

٧ ـ قرب الاسناد : عن محمد بن عبدالحميد ، عن يونس بن يعقوب قال : قلت لابي الحسن الاول عليه‌السلام : صليت بقومي صلاة فقمت ولم اسلم عليهم نسيت فقالوا : ماسلمت علينا ، قال : ألم تسلم وأنت جالس؟ قلت : بلى ، قال : فلا شئ عليك ، ولو شئت حين قالوا لك ، استقبلتهم بوجهك فقلت : ( السلام عليكم ) (٤).

بيان : روى الشيخ أيضا هذا الخبر في الموثق عن يونس (٥) وفيه ( ولو نسيت حيث قالوا ) ولعل ماهنا أصوب ، وظاهره أنه كان قال : ( السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) ولم يأت بالعبارة التي جرت العادة بسلام بعضهم على بعض بها وهي السلام

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦٦.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٣٤٥ ، ورواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٢٢٦ ، والكلينى في الكافى ج ٣ ص ٣٣٨.

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ١٣٠ في حديث مر بشرحه في ج ٨٤ ص ٢٤٤ و ٢٤٥.

(٤) قرب الاسناد ص ١٢٨ ط حجر ، ١٧٣ ط نجف.

(٥) راجع التهذيب ج ١ ص ٢٣٥.

٣٠٣

عليكم ، فقالوا له : ماسلمت علينا ، فلا يدل على عدم وجوب التسليم كما استدل به ، بل على الوجوب أدل ، نعم يدل على عدم وجوب السلام عليكم بعد السلام علينا وظاهر الخبر استحباب تحويل الوجه إلى المأمومين عند قوله ( السلام عليكم ) وتخصيصه بالسهو بعيد ، نعم على مافي قرب الاسناد الحكم مخصوص بما إذا بدأ بقوله ( السلام علينا ) وفيه وجه بحسب الاعتبار أيضا لانه قد خرج بالصيغة الاولى عن الصلاة ، فلا يضره الالتفات ، وبه يمكن الجمع بين أكثر الاخبار بحمل التسليم إلى القبلة ، على ما إذا لم يأت بالصيغة الاولى أوعلى الصيغة الاولى والالتفات على الصيغة الثانية.

قال في الذكرى عند ذكر الايماء : فيه دلالة ما على استحباب التسليم ، أو على أن التسليم وإن وجب لايعد جزءا من الصلاة ، إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين ويحرم إن استلزم استدبارا ، ويمكن أن يقال : التسليم وإن كان جزء من الصلاة إلا أنه خرج من حكم القبلة بدليل من خارج.

أقول : على ماذكرنا لاحاجة إلى التخصيص والتكلف.

٨ ـ الخصال : عن جعفر بن محمد بن بندار ، عن سعيد بن أحمد بن أبي سالم ، عن يحيى بن الفضل الوراق ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن سليمان بن سلمة ، عن بقية بن الوليد ، عن الزيادي ، عن الزهري ، عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسلم تسليمة واحدة (١).

ومنه : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد ابن محمد البزنطي ، عن ثعلبة ، عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم ، قول الرجل ( تبارك اسمك وتعالى جدك ) وإنما هو شئ قالته الجن بجهالة ، فحكى الله عنهم ، وقول الرجل ( السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) (٢).

بيان : قدمر أن المراد به قول ( السلام علينا في التشهد الاول ).

٩ ـ العلل : عن علي بن أحمد بن محمد ، عن محمد بن جعفر الاسدي ، عن محمد بن

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٨.

(٢) الخصال ج ١ ص ٢٦ ، وقد مر في ج ٨٤ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢ مع شرح مبسوط راجعه.

٣٠٤

إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن القاسم بن ربيع ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال : لانه تحليل الصلاة ، قلت : فلاي علة يسلم على اليمين ، ولا يسلم على اليسار؟ قال : لان الملك الموكل الذي يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيئات ، فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار.

قلت : فلم لايقال : السلام عليك ، والملك على اليمين واحد؟ ولكن يقال : ( السلام عليكم )؟ قال : ليكون قدسلم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالايماء إليه ، قلت : فلم لايكون الايماء في التسليم بالوجه كله ، ولكنه كان بالانف لمن يصلي وحده ، وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال : لان مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين ، فصاحب اليمين على الشدق الايمن ، وتسليم المصلي عليه ، ليبثت له صلاته في صحيفته ، قلت : فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال : تكون واحدة ردا على الامام ، وتكون عليه وعلى ملائكته ، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به ، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلي معه خلف الامام ، فيسلم على يساره.

قلت : فتسليم الامام على من يقع؟ قال : على ملائكته والمأمومين ، يقول لملائكته : اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها ، ويقول لمن خلفه سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزوجل.

قلت : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال : لانه تحية الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فاذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله وإن لم تسلم صلاته وردت عليه رد ماسواه من الاعمال الصالحة (١).

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٤٨ و ٤٩.

٣٠٥

بيان : هذا الخبر مع ضعفه ـ على المشهور ـ مشتمل على امور مخالفة لاقوال الاصحاب وسائر الاخبار.

الاول : الايماء بالانف لمن يصلي وحده ، والمشهور الايماء بالعين ، ولم يقل به أحد إلا صاحب الفاخر كما مر مع أنه لايمكن الايماء به إلا مع الوجه ، ولعل المراد الايماء القليل بالوجه بحيث ينحرف الانف عن القبلة ، والتخصيص به من بين أجزاء الوجه لارتفاعه ، فهو كالشاخص المنصوب عليه ، وكالشاقول لاستعلام استوائه وانحرافه.

الثانى : الانحراف بالعين للامام مع أن المشهور الانحراف بالوجه إلا أن يحمل أن المراد به انحراف قليل يرى بعينه بعض المأمومين ، أو انحراف كثير يرى كلهم أو أكثرهم.

الثالث : قعود الملكين على الشدقين ـ بكسر الشين وقد يفتح ـ بمعنى طرف الفم مع أن المشهور أن مقعدهما العاتقان ، ويمكن الجمع بأن جلوسهما على العاتقين ، ورؤسهما على طرفي الفم ، لاستماع مابه يتكلم.

الرابع : تسليم الماموم ثلاثا كما هو مختار الصدوق ، ويمكن حمله على الاستحباب.

الخامس : الاكتفاء بالتسليم على اليسار إذا كان اليمين إلى الحائط ، ولم أربه قائلا وإن أمكن تخصيص الاخبار العامة به.

قوله عليه‌السلام : ( وفي إقامة الصلاة ) يحتمل أن يكون تتمة لماسبق أي يحيي الملكين ليحيوه بالسلام ، ولما كان سلامهم متضمنا للدعاء بسلامة أعماله وقبولها ودعاء الملك مستجاب ، فلابد من التسليم لتحصيل هذا النفع العظيم ، والفضل العميم ويمكن أن يكون علة اخرى بأن يتضمن دعاء بعض المصلين لبعضهم بمثل هذا الدعاء الجامع الكريم ، أوهو بشارة لهم من الله بذلك كما ورد في الخبر.

١٠ ـ معانى الاخبار : عن أحمد بن الحسن القطان ، عن أحمد بن يحيى ابن زكريا ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن عبدالله

٣٠٦

ابن الفضل قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الامن ، وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره ، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم ، وإن لم يسلم لم يأمنوه ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماءالله عزوجل وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين به (١).

بيان : قوله عليه‌السلام وأمنا أي إيذانا بأنهم فرغوا من الصلاة ، فلا يصدر منهم بعد ذلك ما يفسدها مما يعمل في أثناء الصلاة ، أودعاء بالامن عن عدم القبول ، وفي النهاية التسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص وقيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا ، وقيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليك إذ كان اسم الله يذكر على الاعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه ، وانتفآء عوارض الفساد عنه ، وقيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك ، من السلامة بمعنى السلام انتهى ، وقال النووي أي اسم الله عليك أي أنت في حفظه كما يقال : الله معك.

١١ ـ العلل والعيون : بالاسناد المتقدم في علل الفضل ، عن الرضا عليه‌السلام : فان قال قائل : فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ، ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر؟ قيل : لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق ، كانت تحليلها كلام المخلوقين ، والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم (٢).

١٢ ـ مصباح الشريعة : قال الصادق عليه‌السلام : معنى السلام في دبر كل صلاة الامان ، أي من أدى أمرالله وسنة نبيه خالصا لله خاشعا فيه فله الامان من بلاء الدنيا ، وبراءة من عذاب الاخرة ، والسلام اسم من أسماءالله تعالى أودعه خلقه ،

____________________

(١) معانى الاخبار : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٢) علل الشرايع ج ١ ص ٢٤٩ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ١٠٨.

٣٠٧

ليستعملوا معناه في المعاملات والامانات والانصافات ، وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم ، فان أردت أن تضع السلام موضعه ، وتؤدي معناه فاتق الله و ليسلم منك دينك وقلبك وعقلك ولاتدنسها بظلمة المعاصي ، ولتسلم حفظتك ألا تبرمهم وتملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فان من لم يسلم منه من هو أقرب إليه ، فالابعد أولى ، ومن لم يضع السلام مواضعه هذه ، فلا سلم ، ولا سلام ، وكان كاذبا في سلامه ، وإن أفشاه في الخلق.

واعلم أن الخلق بين فتن ومحن في الدنيا ، إما مبتلا بالنعمة ليظهره شكره وإما مبتلا بالشدة ليظهر صبره ، والكرامة في طاعته والهوان في معصيته ، ولاسبيل إلى رضوانه إلا بفضله ، ولا وسيلة إلى طاعته إلا بتوفيقه ، ولاشفيع إليه إلا باذنه ورحمته (١).

١٣ ـ فلاح السائل : يقول : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله و بركاته ، السلام على جميع أنبياء الله وملائكته ورسله ، السلام على الائمة الهادين المهديين ، السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) ثم يسلم إن كان إماما أو منفردا تجاه القبلة ، يومئ بمؤخر عينه إلى يمينه ، وإن كان مأموما سلم عن يمينه ويساره إن كان على يساره أحد ، وإن لم يكن كفاه التسليم عن يمينه (٢).

١٤ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : إذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك ، تقول : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (٣).

بيان : قال الشهيد رحمه الله في الذكرى : روى علي بن جعفر (٤) أنه رأى موسى وإسحاق ومحمدا يسلمون على الجانبين ( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ) ويبعد أن يختص الرؤية بهم مأمومين لاغير ، بل الظاهر الاطلاق

____________________

(١) مصباح الشريعة ص ١٤.

(٢) فلاح السائل : ١٦٣.

(٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٦٥.

(٤) رواه في التهذيب ج ١ ص ٢٢٦.

٣٠٨

خصوصا ومنهم الامام عليه‌السلام ، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للامام والمنفرد أيضا غير أن الاشهر الواحدة فيهما انتهى ويمكن حمل التعدد على التقية ، والخلاف بينهم مشهور في ذلك.

١٥ ـ السرائر : نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن الفضال ، عن علي بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، عن أبي كهمش ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الركعتين الاولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله و بركاته ) انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت : ( السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) فهو الانصراف (١).

١٦ ـ العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم : السلام معناه تحية ، وذلك قول الله عزوجل يحكي عن أهل الجنة فقال : ( دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) (٢) والوجه الثاني معناه أمان ، وذلك قوله : ( وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) (٣) والدليل على ذلك أنه أمان قوله : ( هوالله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ) (٤) فمعنى المؤمن أنه يؤمن أولياءه من عذابه.

وسئل أميرالمؤمنين عليه‌السلام عن علة قول الامام ( السلام عليكم ) فقال : يترجم عن الله عزوجل فيقول في ترجمعه أمان لكم من عذابكم يوم القيامة ، وأقل مايجزي من السلام ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ومازاد على ذلك ففيه الفضل ، لقول الله عزوجل : ( فمن تطوع خيرا فهو خيرله ) (٥).

____________________

(١) السرائر : ٤٦٧.

(٢) يونس : ١٠.

(٣) الزمر : ٧٣.

(٤) الحشر : ٢٣.

(٥) البقرة : ١٨٤.

٣٠٩

بيان : القول بالاكتفاء بهذا التسليم منه غريب.

١٧ ـ الهداية : قال الصادق عليه‌السلام : تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم (١).

بيان : استدل به المحقق في المعتبر على وجوب التسليم ، ثم قال : لا يقال : كون التحليل بالتسليم لايستلزم انحصار التحليل فيه ، بل يمكن أن يكون به وبغيره لانا نقول : الظاهر إرادة حصر التحليل فيه ، لانه مصدر مضاف إلى الصلاة ، فيتناول كل تحليل يضاف إليها ، ولان التسليم وقع خبرا عن التحليل ، فيكون مساويا أو أعم من المبتدء ، فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعم من الخبر ، ولان الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ ، والمعنى أن الذي صدق عليه أنه تحليل للصلاة صدق عليه التسليم انتهى.

واورد عليه بأنا لانسلم تعين مساواة الخبر للمبتدأ فيما نحن فيه ، ولاكون إضافة المصدر للعموم ، إذ كما أنها تكون للاستغراق تكون لغيره كالجنس والعهد على أن التحليل قد يحصل بغير التسليم كالمنافيات ، وإن لم يكن الاتيان بها جائزا وحينئذ لابد من تأويل التحليل بالتحليل الذي قدره الشارع ، وحينئذ كما أمكن إرادة التحليل الذي قدره الشارع على سبيل الوجوب ، أمكن إرادة التحليل الذي قدره الشارع على الاستحباب (٢) وليس للاول على الاخير ترجيح واضح.

أقول : لاريب في ظهور تلك العبارة في الحصر كقرينتها لتعريف الخبر وغيره ، لكن مع المعارض تقبل التأويل.

____________________

(١) الهداية : ٣١.

(٢) قد عرفت أنه لاوجه لهذا الكلام حيث أن التحليل والتسليم كالحكم الوضعى لان يجعل الشارع التسليم محللا لمنافيات الصلاة استحبابا.

٣١٠

فائدة

قال في الذكرى : يستحب أن يقصد الامام التسليم على الانبياء والائمة و الحفظة والمأمومين لذكر اولئك وحضور هؤلاء ، والصيغة صيغة خطاب والمأموم يقصد باولى التسليمتين الرد على الامام ، فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب لعموم قوله : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها ) (١) ويحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب ، لانه لايقصد به التحية ، وإنما الغرض بها الايذان بالانصراف من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير ، وجاء في خبر عمار بن موسى (٢) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن التسليم ماهو؟ فقال : هو إذن ، والوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر ، وروى أمامة عن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسلم على أنفسنا وأن يسلم بعضنا على بعض ، وعلى القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد ، فيستحب الباقي.

وإذا اقترن تسليم المأموم والامام أجزأ ولايجب ردها وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافؤهم في التحية ، ويقصد المأموم بالثانية الانبياء والحفظة و المأمومين ، وأما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك ، ولو أضاف تسليمتين.

أقول : كأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد ، بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ، ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة ، وإنما قدم الرد لانه واجب مضيق إذ هو حق الادمي ، والاصحاب يقولون إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة ، كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة ، وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم ، وأما على القول بوجوبه فظاهر الاصحاب أن الاولى من المأموم للرد على الامام ، والثانية للاخراج من الصلاة ، ولهذا احتاج إلى تسليمتين.

____________________

(١) النساء : ٨٦.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٦.

٣١١

ويمكن أن يقال : ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردا ، والثانية مخرجة ، لانه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه ، و كانت محصلة للرد والخروج من الصلاة ، وإنما شرعية الثانية ليعمم السلام من على الجانبين لانه بصيغة الخطاب ، فاذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به ، وبقي الجانب الاخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة ، وكذا المنفرد ، ولذا حكم ابن الجنيد كما تقدم أن يسلم الامام إذا كان في صف عن جانبيه انتهى.

وأقول : الظاهر أن الصدوق بنى حكمه بالثلاث على الخبر المتقدم ، لا على تلك الوجوه ، نعم تصلح حكمة للحكم كما يؤمي إليه الخبر.

١٨ ـ المقنع : ثم سلم وقل : ( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلا على الائمة الراشدين المهتدين ، السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ) فاذا كنت إماما فسلم وقل : ( السلام عليكم ) مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة ، وتميل بعينك إلى يمينك ، وإن لم تكن إماما تميل بأنفك إلى يمينك ، وإن كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الامام ، وتسلم على يمينك واحدة ، وعلى يسارك واحدة ، إلا أن لايكون على يسارك أحد فلاتسلم على يسارك ، إلا أن تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك ولاتدع التسليم على يمينك ، كان على يسارك أحد أولم يكن (١).

____________________

(١) المقنع : ٢٩ ، ط الاسلامية.

٣١٢

 ٣٦

* ( باب ) *

* ( فضل التعقيب وشرائطه وآدابه ) *

الايات : ق : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود (١).

الانشراح : فاذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب (٢).

تفسير : ( وأدبار السجود ) ظاهره التسبيح بعد الصلوات (٣) كما روي عن ابن عباس ومجاهد ، وقيل المراد به الركعتان بعد المغرب ، وقيل النوافل بعد المفروضات ، ، روي أنه الوتر من آخر الليل رواه الطبرسي عن أبي عبدالله عليه‌السلام و التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب يشمل تعقيب الصبح والعصر ، وسيأتي القول فيه في باب أدعية الصباح والمساء.

( فاذا فرغت فانصب ) النصب التعب أي فاتعب ولاتشتغل بالراحة ، والمعنى إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب في الدعاء ( وإليه فارغب ) في المسألة

____________________

(١) ق : ٣٩ و ٤٠.

(٢) الانشراح آخر السورة : ٧ ـ ٨ والظاهر منها أن المراد اذا حصل لك فراغ من المشاغل فانصب نفسك قائما لعبادة ربك وارغب اليه بجهدك ، فلا تكون الاية من باب التعقيب.

(٣) وانما عبر بأدبار السجود ، لكون الصلاة في أول الاسلام سجدة بلاركوع على ما عرفت ص ١٧٣ باب سجود التلاوة ، ويظهر منها أن التعقيب انما تكون بعد الفريضة ، بالمداومة على هيئة الجلوس بعد تمام الصلاة ، فان المصلى في دبر الصلاة يكون جالسا مفترشا أو متوركا على الخلاف فيه ، والامر بالتسبيح وهو قوله : ( فسبحه ) بأن يقول ( سبحان الله وبحمده ) وأمثال ذلك توجه اليه في تلك الحالة.

٣١٣

يعطك ، عن جماعة من المفسرين ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام. وفي مجمع البيان قال الصادق عليه‌السلام هوالدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس واستدل بالفاء على الاشتغال به بغير فصل.

وفي الاية أقوال اخر الاول إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل عن ابن مسعود ، الثاني إذا فرغت من دنياك فانصب في عبادة ربك عن الجبائي ومجاهد في رواية ، الثالث إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب في عبادة ربك عن الحسن وابن زيد الرابع إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في جهاد نفسك ، الخامس إذا فرغت علي أداء الرسالة فانصب لطلب الشفاعة ، قيل أي استغفر للمؤمنين ، وفي المجمع وسئل عن ابن طلحة عن هذه الاية فقال : القول فيه كثير ، وقد سمعنا أنه يقال إذا صححت فاجعل صحتك وفراغك نصبا في العبادة (١).

( وإلى ربك فارغب ) أي بجميع حوائجك وامورك ، ولاترغب إلى غيره بوجه ، قيل : ويجوز عطفه على الجزاء والشرط.

أقول : وقد مر تأويلات اخر لهذه الاية في أبواب الايات النازلة في أمير ـ المؤمنين صلوات الله عليه ، وستأتي الاخبار في تأويلها ، ولنذكر بعض ماقيل في حقيقة التعقيب وشرايطه.

قال شيخنا البهائى نور الله ضريحه : لم أظفر في كلام أصحابنا قدس الله أرواحهم بكلام شاف فيما هو حقيقة التعقيب شرعا ، بحيث لونذر التعقيب لانصرف إليه ، ولو نذر لمن هو مشتغل بالتعقيب في الوقت الفلاني لاستحق المنذور إذا كان مشتغلا به فيه ، وقد فسره بعض اللغويين كالجوهري وغيره بالجلوس بعد الصلاة لدعاء أو مسألة وهذا يدل بظاهره على أن الجلوس داخل في مفهومه ، وأنه لواشتغل بعد الصلاة بالدعاء قائما أو ماشيا أو مضطجعا لم يكن ذلك تعقيبا.

وفسره بعض فقهائنا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ، ولم يذكر الجلوس ، ولعل المراد بما أشبه الدعاء والذكر : البكاء من خشية الله

____________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٠٩.

٣١٤

تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته ، والتذكر بجزيل آلائه ، وما هو من هذا القبيل.

وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا لم أظفر في كلام الاصحاب بتصريح في ذلك ، والظاهر أنه تعقيب أما لوضم إليه الدعاء فلا كلام في صدق التعقيب على المجموع المركب منها ، وربما يلوح ذلك من بعض الاخبار ، و ربما يظن دلالة بعضها على اشتراط الجلوس في التعقيب ، كما روي (١) عن أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما امرئ مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الاجر كحاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فان جلس فيه حتى يكون ساعة تحل فيه الصلاة ، فصلى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف ، وكان له من الاجر كحاج بيت الله.

وما روي (٢) عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهم‌السلام أنه قال : من صلى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار ، وغيرهما من الاحاديث المتضمنة للجلوس بعد الصلاة ، والحق أنه لادلالة فيها على ذلك ، بل غاية ما يدل عليه كون الجلوس مستحبا أيضا أما أنه معتبر في مفهوم التعقيب فلا وقس عليه عدم مفارقة مكان الصلاة.

وفي رواية وليد بن صبيح (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد ، يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة ، وهذا التفسير أعني تفسير التعقيب بالدعاء عقيب الصلاة ، لعله من الوليد بن صبيح أو من بعض رجال السند ، وأكثرهم من أجلاء أصحابنا ، وهو يعطي باطلاقه عدم اشتراطه بشئ من الجلوس ، والكون في المصلى والطهارة ، واستقبال القبلة ، وهذه الامور إنما هي شروط كماله ، فقد ورد أن المعقب ينبغي أن يكون علي هيئة المتشهد في استقبال

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٧٤.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٧.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٦٤.

٣١٥

القبلة ، والتورك.

وأما ما رواه (١) هشام بن سالم قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إني أخرج واحب أن أكون معقبا فقال : إن كنت على وضوء فأنت معقب ، فالظاهر أن مراده أن لمستديم الوضوء مثل ثواب المعقب لا أنه معقب حقيقة.

وهل يشترط في صدق اسم التعقيب شرعا اتصاله بالصلاة ، وعدم الفصل الكثير بينه وبينها؟ الظاهر نعم ، وهل يعتبر في الصلاة كونها واجبة أو يحصل حقيقة التعقيب بعد النافلة أيضا؟ إطلاق التفسيرين السابقين يقتضي العموم ، وكذلك إطلاق رواية ابن صبيح وغيرها ، والتصريح بالفرائض في بعض الروايات لايقتضي تخصيصها بها والله أعلم انتهى.

وقال الشهيد رفع الله درجته في الذكرى : قدورد أن المعقب يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة ، وفي التورك ، وأن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب انتهى.

وربما احتمل بعض الاصحاب كون محص الجلوس بعد الصلاة بتلك الهيئة تعقيبا ، وإن لم يقرء دعاء ، ولاذكرا ولا قرآنا ، وهو بعيد ، بل الظاهر تحقق التعقيب بقراءة شئ من الثلاثة بعد الصلاة أو قريبا منها عرفا ، على أي حال كان والجلوس والاستقبال والطهارة من مكملاته ، نعم ورد في بعض التعقيبات ذكر بعض تلك الشرائط كما سيأتي فيكون شرطا فيها بخصوصها في حال الاختيار ، وإن احتمل أن يكون فيها أيضا من المكملات ، ويكون استحبابه فيها أشد منه في غيرها ، و الافضل والاحوط رعاية شروط الصلاة فيه مطلقا بحسب الامكان.

وأما رواية هشام فيحتمل وجوها : الاول أن المدار في التعقيب على الطهارة ولايشترط فيه الاستقبال والجلوس وغيرهما ، الثاني أنك مادمت على ضوء يكتب لك ثواب التعقيب ، وإن لم تقرأ شيئا فكيف إذا قرأت ، الثالث أن الوضوء في تلك الحال يصير عوضا من الجلوس ، ويستدرك لك مافات بسبب فواته ، ويؤيد الاولين

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٢٧.

٣١٦

والثاني أكثر مارواه في الفقيه (١) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : المؤمن معقب مادام على وضوئه.

وقال الشهيد قدس سره في النفلية ووظائفه عشر : الاقبال عليه بالقلب ، و البقاء على هيئة التشهد ، وعدم الكلام أي قبله وخلاله ، والحدث بل الباقي على طهارة معقب وإن انصرف ، وعدم الاستدبار ، ومزايلة المصلى ، وكل مناف صحة الصلاة أو كمالها ، وملازمة المصلى في الصبح إلى الطلوع ، وفي الظهر والمغرب إلى الثانية.

وقال الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ : كل ذلك وظائف كماله ، وإلا فانه يتحقق بدونها.

١ ـ مجالس الصدوق والعيون : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد ابن عيسى اليقطيني ، عن أحمد بن عبدالله القروي ، عن أبيه قال : دخلت على الفضل ابن الربيع وهو جالس على سطح ، فقال لي : ادن فدنوت حتى حاذيته ، قال لي : أشرف إلى البيت في الدار ، فأشرفت ، فقال : ماترى في البيت؟ قلت : ثوبا مطروحا ، فقال : انظر حسنا فتأملت فنظرت فتيقنت ، فقلت : رجل ساجد ، فقال لي : تعرفه؟ قلت : لا قال : هذا مولاك ، قلت : ومن مولاي فقال : تتجاهل على؟ فقلت : ما أتجاهل ، ولكنى لا أعرف لي مولى ، فقال : هذا أبوالحسن موسى بن جعفر إني أتفقده الليل والنهار فلم أجد في وقت من الاوقات إلا على الحالة التي اخبرك بها.

إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلايزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد الزوال فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثبت فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوء فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، قاذا صلى العصر سجد سجدة فلايزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا ، ولايزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة ، فاذا صلى العتمة أفطر على شوئ يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٥٩.

٣١٧

ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر.

فهذا دأبه منذ حو؟ إلى ، فقلت : اتق الله ولاتحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلا كانت نعمته زائلة ، فقال : قد أرسلوا إلى في غير مرة يأمرونني بقتله فلم اجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ولوقتلوني ما أجبتهم إلى ماسألوني (١).

أقول : تمامه في باب أحواله عليه‌السلام.

٢ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام المنتظر وقت الصلاة بعد الصلاة من زوار الله عزوجل ، وحق على الله تعالى أن يكرم زائره ، وأن يعطيه ما سأل (٢).

وقال عليه‌السلام : اطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فانه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الارض ، وهي الساعة التي يقسم الله فيها الرزق في عباده (٣).

وقال : إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء فقال عبدالله بن سبا : يا أميرالمؤمنين! أليس الله في كل مكان؟ قال عليه‌السلام : بلى ، قال : فلم يرفع العبد يديه إلى السماء؟ قال : أما تقرء ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (٤) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه ، وموضع الرزق ما وعدالله عز

____________________

(١) لايوجد في أمالى الصدوق والحديث في عيون الاخبار ج ١ ص ١٠٧.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٩.

(٣) الخصال ج ٢ ص ١٥٦.

(٤) الذاريات : ٢٢.

٣١٨

وجل السماء (١).

بيان : الضرب في الارض المسافرة فيها والمراد هنا السفر للتجارة ، مع أنه قدورد أنتسعة أعشار الرزق في التجارة ، ومع ذلك التعقيب أبلغ منها في طلبه ، و ذلك لان المعقب يكل أمره إلى الله ويشتغل بطاعته بخلاف التاجر ، فانه يطلب بكدة ويتكل على السبب وقدمر أنه من كان لله كان الله له.

( وفي السماء رزقكم ) قيل أي أسباب رزقكم ، أو تقديره ، وقيل : المراد بالسماء السحاب وبالرزق المطر ، لانه سبب الاقوات ( وما توعدون ) أي من الثواب لان الجنة فوق السماء السابعة أو لان الاعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء ، والحاصل أنه لما كان تقدير الرزق وأسبابه في السماء والمثوبات الاخروية وتقديراتها في السماء ، فناسب رفع اليد إليها في طلب الامور الدنيوية والاخروية في التعقيب وغيره.

وابن سبا هوالذي كان يزعم أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام إله وأنه نبيه واستتابه أميرالمؤمنين عليه‌السلام ثلاثه أيام فلم يتب فأحرقه.

٣ ـ مجالس الصدوق : عن الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد الاشعري ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله جل جلاله : يا ابن آدم أطعني فيما أمرتك ولاتعلمني ما يصلحك (٢).

ومنه : بهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الله جل جلاله : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما أهمك (٣).

ثواب الاعمال : عن أبيه ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمر بن شمر ، عن

____________________

(١) الخاصل ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) أمالى الصدوق ص ١٩٢.

(٣) أمالى الصدوق : ١٩٣.

٣١٩

جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٤ ـ مجالس الصدوق : عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعد بن طريف ، عن عمير بن مأمون العطاردي قال : رأيت الحسن بن علي عليهما‌السلام يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس ، وسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكرالله عزوجل حتى تطلع الشمس ستره الله عزوجل من النار ، ستره الله عزوجل من النار ، ستره الله عزوجل من النار (٢).

٥ ـ ثواب الاعمال ومجالس الصدوق : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن عاصم بن أبي النجود الاسدي ، عن ابن عمر ، عن الحسن بن علي قال : سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما امرئ مسلم جلس في مضلاه الذي يصلي فيه الفجر يذكر الله عزوجل حتى تطلع الشمس ، كان له من الاجر كحاج بيت الله ، وغفر له ، فان جلس فيه حتى يكون ساعة تحل فيه الصلاة فصلى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف من ذنبه وكان له من الاجر كحاج بيت الله (٣).

بيان : الظاهر أن الصلاة محمولة على التقية بل قوله تحل فيها الصلاة

٦ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن داود المنقري ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل فرض عليكم الصلواة الخمس في أفضل الساعات ، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات (٤).

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ٤٢.

(٢) أمالى الصدوق : ٣٤٣.

(٣) أمالى الصدوق : ٣٤٩. ثواب الاعمال : ٤١ ، وقدمر ص ٣١٥.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٣٤.

٣٢٠