بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

 ٣١

* ( باب ) *

* ( الادب في الهوى إلى السجود والقيام عنه (١) ) *

* ( والتكبير عند القيام من التشهد ) *

* ( وجلسة الاستراحة ) *

١ ـ معانى الاخبار : عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرو بن جميع قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لابأس في الاقعاء في الصلاة بين السجدتين ، وبين الركعة الاولى والثانية ، وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الامام في موضع يجب أن تقوم فيه ، فتجاف! ولايجوز الاقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لان المقعي ليس بجالس إنما جلس بعضه على بعض ، والاقعاء أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهديه ، فأما الاكل مقعيا فلا بأس به لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أكل مقعيا (٢).

٢ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن القيام من التشهد من الركعتين الاوليين ، كيف يصنع؟ يضع ركبتيه ويديه على الارض ثم ينهض أو كيف يصنع؟ قال : ماشاء صنع و لابأس (٣).

٣ ـ الاحتجاج : قال : كتب : الحميري إلى القائم عليه‌السلام يسأله عن المصلي إذا

____________________

(١) من الايات المتعلقة بالباب قوله تعالى : ( وخر راكعا وأناب ) ص : ٢٤ ، على ما عرفت ج ٨٤ ص ١٩٥ ، وهكذا ج ٨٥ ص ٩٧. وهكذا قوله تعالى في وصف المنافقين ( واذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) النساء : ١٤٢ على ما عرفت في ج ٨٤ ص ٢٠٢.

(٢) معانى الاخبار : ٣٠٠.

(٣) قرب الاسناد ص ٩٢ حجر ١٢١ ط نجف.

١٨١

قام من التشهد الاول إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبر؟ فان بعض أصحابنا قال : لايجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد ) فوقع عليه‌السلام إن فيه حديثين أما أحدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأما الاخر فانه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهد الاول يجري هذا المجرى وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان ثوابا (١).

غيبة الشيخ : عن جماعة من مشايخه ، عن محمد بن أحمد بن داود القمي ، عن محمد بن عبدالله الحميري مثله (٢).

بيان : المشهور بين الاصحاب عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد الاول ، وقال المفيد ـ رحمه الله ـ باستحبابه عنده ، وعدم استحبابه للقنوت ، واعترض عليه الشيخ في التهذيب والشهيد في الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد تكبيرات الصلوات أربعا وتسعين مع ورود الرواية بأن عددها خمس وتسعون ، قال الشهيد : مع أنه روي بعدة طرق منها رواية محمد بن مسلم (٣) عن الصادق عليه‌السلام في القيام من التشهد يقول : ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد ) وفي بعضها ( بحولك وقوتك أقوم وأقعد ) وفي بعضها ( وأركع وأسجد ) ولم يذكر في شئ منها التكبير ، فالاقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت ، وبه كان يفتي المفيد وفي آخر عمره رجع عنه ، قال الشيخ : ولست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا انتهى.

وأقول : لعل مستند المفيد هذا الخبر ، لكن هذا لايقتضي إسقاط تكبير القنوت إلا لتصحيح العدد المذكور ، مع أنه لايصح أيضا ، فالاولى مع القول به حمل العدد

____________________

(١) الاحتجاج : ٢٧٠ ، وهذا التوقيع وأمثاله يؤذن بأن ابن روح كان يفتى مستندا إلى الروايات حين لم يمكنه الوصول إلى الامام عليه‌السلام وقد أحسن في فتواه اولا بتقديم الخاص على العام وأخطأ ثانيا حيث جوز العمل بالعام مع انصرافه عن المورد.

(٢) غيبة الشيخ ص ٢٤٧.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٥٩.

١٨٢

على التكبيرات المتعينة أو المؤكدة ، والعمل بالمشهور أولى.

ثم إن الخبر يدل على التخيير عند تعارض الاخبار.

٤ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ، ثم قوموا ، فان ذلك من فعلنا (١).

٥ ـ السرائر : نقلا من كتاب النوادر بن علي بن محبوب ، عن أحمد عن الحسين ، عن محمد بن الفضيل ، عن سعد الجلاب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يبرء من القدرية في كل ركعة ويقول : ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد ) (٢).

ومنه : من الكتاب المذكور ، عن العباس ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا قمت من السجود قلت : ( اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد وأركع وأسجد ) (٣).

ومنه : نقلا من كتاب حريز قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : لابأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ، ولاينبغي الاقعاء بين التشهد في الجلوس وإنما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس (٤).

٦ ـ فلاح السائل : قال : روى الكليني باسناده ، عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك ، وقل : ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد ) فان عليا عليه‌السلام كان يفعل ذلك (٥).

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) السرائر ص ٤٧٥.

(٣) السرائر ص ٤٧٦.

(٤) السرائر ص ٤٧٢.

(٥) فلاح السائل ص ١٣٤ ، وتراه في الكافى ج ٣ ص ٣٣٨ ، وقوله عليه‌السلام بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، وان كان بظاهره يؤمئ إلى القيام قراءة الصلاة والقعود للتشهد

١٨٣

٧ ـ نوادر الراوندى : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : كان علي عليه‌السلام إذا رفع رأسه من السجدتين قال : لا إله إلا الله (١).

٨ ـ العلل : عن علي بن حاتم ، عن القاسم بن محمد ، عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد ، عن طلحة السلمي أنه : سأل أبا عبدالله عليه‌السلام لاي علة توضع اليدان إلى الارض في السجود قبل الركعتين؟ قال : لان اليدين بهما مفتاح الصلاة (٢).

٩ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك ، يعني تعتمد عليهما وهي مقبوضة ، ولكن ابسطهما بسطا ، واعتمد عليهما وانهض قائما (٣).

وعن علي عليه‌السلام أنه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام : اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد (٤).

١٠ ـ كتاب زيد النرسى : عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الاخيره جلس جلسة ثم نهض للقيام ، وبادر بركبتيه من الارض قبل يديه ، وإذا سجد بادر بهما الارض قبل ركبتيه.

ومنه : قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك

____________________

(١) مثلا ، لكن المراد منه القيام بالطاعات والقعود عن المعاصى ، فان المراد بالحول هو حالة التدافع والتنافر ، ويتعلق بترك الافعال المذمومة ـ مثلا ـ نفرة عنها وقعودا منها ، والمراد بالقوة هو قوة الفعل وايجاد العمل والتسبب بالاسباب الكونية ، ويتعلق بالافعال المحمودة ـ مثلا ـ ميلا اليها وقياما بها.

فاذا قعد عن المعاصى ، فقد قعد بحول الله ومشيئته ، واذا قام بالطاعات فقد قام بها بقوة الله ومشيئته ، ولاحول ولاقوة الا بالله العزيز ، في كلتا الحالتين ، وهذا معنى البراءة من القدرية ومقالتهم.

(١) نوادر الراوندى ص ٤١.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٠ و ٢١.

(٣ ـ ٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٦٤.

١٨٤

في الصلاة ، قبل أن تقوم ، فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك إلى الارض قبل يديك ، وابط يديك بسطا واتك عليهما ثم قم ، فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه ، ولا تطيش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الاقشاب في صلاتهم.

بيان : قال في النهاية : فيه اغفر للاقشاب هي جميع قشب يقال : رجل قشب خشب بالكسر إذا كان لاخير فيه.

فوائد جليلة :

اعلم أنه يستفاد من تلك الاخبار أحكام :

الاول : ابتداء في الجلوس بوضع اليدين قبل الركبتين ، وقدمر أن استحبابه إجماعي عند الاصحاب.

الثانى : استحباب الابتداء برفع الركبتين قبل اليدين عند القيام وهو أيضا إجماعي عندهم.

الثالث : كراهة العجن باليدين عند القيام ، قال في الذكرى : إذا قام واعتمد على يديه بسطهما ولايعجن بهما ذكره الجعفي ورواه الشيخ والكليني (١) عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام.

الرابع : لاخلاف بين الاصحاب في رجحان الجلوس بعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة ، ويسمى بجلسة الاستراحة ، والمشهور استحبابه ، و أوجبه المرتضى ـ ره ـ وهو أحوط ، وإن كان الاول أقوى ، وقال ابن الجنيد : إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة ، [ وجلس ] ظ حتى يماس ألياه الارض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم ، جاز ذلك ، وقال علي بن بابويه : لابأس أن لايعقد في النافلة ، كذا ذكر في الذكرى.

الخامس : استحباب الدعاء عند القيام ، قال في الذكرى في سياق مستحباب السجود : ومنها الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد ) قاله في المعتبر ، والذي ذكره علي بن بابويه وولده والجعفي وابن الجنيد و

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٢٢ ، الكافى ج ٣ ص ٣٣٦.

١٨٥

المفيد وسلار وأبوالصلاح وابن حمزة وهو ظاهر الشيخ ـ ره ـ أن هذا القول يقوله عند الاخذ في القيام ، وهو الاصح لرواية عبدالله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد وإن شئت قلت : وأركع وأسجد ، وفي رواية محمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام إذا قام الرجل من السجود قال : ( بحول الله أقوم وأقعد ) وعنه عليه‌السلام (٣) إذا تشهدت ثم قمت فقل ( بحول الله أقوم وأقعد ) ، وعن رفاعة (٤) عنه عليه‌السلام كان علي عليه‌السلام إذا نهض من الاوليين قال : بحولك وقوتك أقوم و أقعد انتهى والظاهر التخيير بين تلك الاذكار ، والافضل الاتيان بها عند الاخذ في القيام.

السادس : كراهة الاقعاء ، واختلف كلام الاصحاب وكلام أهل اللغة في حكمه وتفسيره ، أما حكمه فذهب الاكثر إلى كراهته ، وادعى الشيخ في الخلاف الاجماع عليه ، ونقله المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء ، وذهب الشيخ في المبسوط والمرتضى إلى عدم كراهته ، وقال الصدوق : لابأس بالاقعاء بين السجدتين ، ولابأس بن بين الاولى والثانية ، وبين الثالثة والرابعة ، ولايجوز الاقعاء في التشهدين وتبعه ابن إدريس إلا في التشهد. وتركه أفضل وفي التشهد آكد.

ثم اعلم أن أكثر الروايات المشتملة على النهي عن الاقعاء مخصوصة بالجلوس بين السجدتين ، وكذا عبارات كثير من الاصحاب ، وصرح الشهيد ـ ره ـ بتعميم الحكم بالنسبة إلى جلسة الاستراحة أيضا وظاهر كلامه كون ذلك مذهب الاكثر ، ونسب العلامة في النهاية كراهة الاقعاء إلى الاكثر حالة الجلوس مطلقا ، وصرح الشهيد الثاني قدس سره بعموم الحكم لجميع حالات الجلوس ولعله أقوى.

وأما تفسيره فقد قال الجوهري أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه ، و ناصبا يديه ، وقد جاء النهي عن الاقعاء في الصلاة وهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا تفسير الفقهاء ، وأما أهل اللغة فالاقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه

____________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ١ ص ١٥٨.

(٣ ـ ٤) التهذيب ج ١ ص ١٥٩.

١٨٦

بالارض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره.

وقال الجزري في النهاية : فيه أنه نهى عن الاقعاء في الصلاة ، الاقعاء أن يلصق الرجل أليتيه بالارض وينصب ساقيه وفخذيه ، ويضع يديه على الارض كما يقعي الكلب ، وقيل : هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين ، والقول الاول ، ومنه الحديث أنه عليه‌السلام أكل مقعيا أراد أنه كان يجلس عند الاكل على وركيه مستوفزا غير متمكن.

وقال الفيروزآبادي : أقعى في جلوسه : تساند إلى ماوراءه ، والكلب جلس على استه.

وقال المطرزي في المغرب : الاقعاء أن يلصق أليتيه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كما يقعي الكلب وتفسير الفقهاء أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين وهو عقب الشيطان.

وقال المحقق نورالله ضريحه في المعتبر : يستحب الجلوس بين السجدتين متوركا وقال في المبسوط : الافضل أن يجلس متوركا ولوجلس مقعيا بين السجدتين وبعد الثانية جاز ، وقال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد : يجلس مفترشا لرواية أبي حميد الساعدي وكيفية التورك أن يجلس على وركه اليسرى ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى الارض ويجعل رجله اليسرى على الارض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى وكيفية الافتراش أن يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى من تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على الارض معتمدا عليها إلى القبلة.

وقال علم الهدى : يجلس مماسا بوركه الايسر مع ظاهر فخذه اليسرى الارض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الايسر ، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الارض ويستقبل بركبتيه معا القبلة ، وما ذكره الشيخ أولى.

ثم قال ـ ره ـ : يكره الاقعاء بين السجدتين قاله في الجمل ، وبه قال معاوية بن عمار منا ومحمد بن مسلم والشافعي وأبوحنيفة وأحمد ، وقال الشيخ بالجواز ، وإن كان التورك أفضل ، وبه قال علم الهدى ، لنا مارووه عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله

١٨٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولاتقع بين السجدتين ، وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رفعت رأسك من السجود فلاتقع كما يقعي الكلب ، ومن طريق الاصحاب مارواه أبوبصير (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لاتقع بين السجدتين ، والدليل على أن النهي ليس للتحريم مارواه (٢) عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لابأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين ، والاقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على الارض ويجلس على عقبيه وقال بعض أهل اللغة : هو أن يجلس على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والمعتمد الاول لانه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره.

وقال العلامة ـ ره ـ في المنتهى : مثل هذا الكلام من أوله إلى آخره وقال : الاقعاء عبارة عن أن يعتمد بصدور قدميه على الارض ويجلس على عقبه ، وقال بعض أهل اللغة : هو أن يجلس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب ، والاول أولى لانه تفسير الفقهاء وبحثهم فيه.

وقال الشهيد رفع الله مقامه عند ذكر مستحبات السجود : ومنها التورك بين السجدتين بأن يجلس على وركه اليسرى ويخرح رجليه جميعا من تحته ، ويجعل رجله اليسرى على الارض وظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الارض كما في خبر حماد (٣) ، وروى ابن مسعود التورك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولايستحب عندنا الافتراش ، وهو أن يثني رجليه اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ، ويجعل بطون أصابعه على الارض معتمدا عليها ، ليكون أطرافها إلى القبلة ، ويظهر من خبر (٤) زرارة عن الباقر عليه‌السلام كراهيته حيث قال : وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولاتكون قاعدا على الارض إنما قعد بعضك على بعض. وقال ابن الجنيد في الجلوس بين السجدتين : يضع أليتيه على بطن قدميه ، ولايقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ، ولايقعي إقعاء الكلب.

____________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٢.

(٣) راجع ج ٨٤ ص ١٨٥ مشروحا.

(٤) التهذيب ج ١ ص ١٥٧ في حديث.

١٨٨

ثم قال ـ ره ـ بعد ذكر جلسة الاستراحة : ويكره الاقعاء فيها وفي الجلوس بين السجدتين على الاشهر.

ثم قال بعد نقل كلام المحقق وغيره : وصورة الاقعاء أن يعتمد بصدر قدميه على الارض ويجلس على عقبيه ، قاله في المعتبر ، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه الجلوس على أليتيه ناصبا فخذيه إقعاء الكلب ، والمعتمد الاول ، ومثله قال الشهيد الثاني ـ ره ـ في شرح النفلية ، وشرح الارشاد وغيرهما ، والسيد في المدارك ، ولانطيل الكلام بذكر كلام غيرهم من أصحابنا فانهم لم يذكروا إلا مثل مانقلنا.

وقال البغوي من علماء العامة في شرح السنة بعد ماروى باسناده عن الحارث عن علي عليه‌السلام قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي احب لك ما احب لنفسي وأكره لك مأكره لنفسي ، لاتقرأ وأنت راكع ، ولا أنت ساجد ، ولا تصل وأنت عاقص شعرك ، فانه كفل الشيطان ، ولاتقع بين السجدتين :

على كراهية الاقعاء بين السجدتين أكثر أهل العلم ، وقد صح عن عائشة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن عقبة الشيطان والاقعاء قال أبوعبيد : هو جلوس الانسان على أليتيه ناصبا فخذيه واضعا يديه على الارض من إقعاء الكلب والسبع ، وليس هذا معنى الحديث من الاقعاء ، وتفسير أصحاب الحديث في عقبة الشيطان وفي الاقعاء واحد ، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه مستوفزا غير مطمئن إلى الارض.

وذهب بعض أهل العلم إلى الاقعاء بين السجدتين ، قال طاوس : قلت لابن عباس في الاقعاء على القدمين قال : هي السنة ، قال طاوس : رأيت العبادة يفعلون ذلك : عبدالله ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، قال أبوسليمان الخطابي وقد روى عن ابن عمر أنه قال لبنيه : لاتقتدوا بي في الاقعاء فاني إنما فعلت هذا حين كبرت ، وروى عن ابن عمر أنه كان يضع يديه بالارض بين السجدتين فلا يفارقان الارض حتى يعيد السجود ، و هكذا يفعل من أقعى ، وكان يفعل ذلك حين كبرت سنه قال الخطابي ويشبه أن يكون حديث الاقعاء منسوخا ، والاحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي حميد ووائل بن حجر أنه قعد بين السجدتين مفترشا قدمه اليسرى ، وقد رويت

١٨٩

الكراهة في الاقعاء عن جماعة من الصحابة ، وكرهه النخعي ومالك والشافعي وأحمد و إسحاق وأصحاب الرأي وعامة أهل العلم انتهى.

وقال الرافعي في شرح الوجيز في الجلوس بين السجدتين : والمشهور أنه يجلس مفترشا وكذلك رواه أبوحميد الساعدي ، وفي قول يضجع قدميه ويجلس على صدورهما وعن مالك أن المصلي يتورك في جميع جلسات الصلاة ، وقال في وصف التشهد ويجزي القعود على أي هيئة اتفق ، لكن السنة في القعود حال الصلاة الافتراش وفي القعود في آخرها التورك كذلك روي عن أبي حميد في صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال أبوحنيفة : السنة فيهما الافتراش ، وقال مالك : السنة فيهما التورك ، وقال أحمد : إن كانت الصلاة ذات تشهدين تورك في الاخير ، وإن كانت ذات تشهد واحد افترش فيه.

والافتراش أن يضجع رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الارض ويجلس عليها و ينصب اليمنى ويضع أطراف أصابعها على الارض موجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج رجليه وهما على هيئتهما في الافتراش من جهة يمينه ، ويمكن وركه من الارض ، و خص الافتراش بالتشهد الاول لان المصلي مستوفز للحركة يبادر إلى القيام عند تمامه ، وهو من الافتراش أهون ، والتورك هيئة السكون والاستقرار فخص بآخر الصلاة انتهى.

وقال بعض شراح صحيح مسلم في خبر رواه عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا ، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى ، وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، قال : قولها ( وكان يفرش رجله اليسرى ) : معناه يجلس مفترشا وفيه حجة لابي حنيفة ومن وافقه أن الجلوس في الصلاة يكون مفترشا ، سواء فيه جميع الجلسات ، وعند مالك متوركا بأن يخرج رجله اليسرى من تحته ويفضي بوركه إلى الارض ، وقال الشافعي : السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا إلا الجلسة التي يعقبها السلام ، والجلسات عند الشافعي أربع : الجلوس بين السجدتين ، وجلسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام ، والجلسة للتشهد الاول ، والجلسة للتشهد الاخير ، فالجميع يسن مفترشا إلا الاخيرة.

١٩٠

قولها ( عقبة الشيطان ) بضم العين ، وفي رواية اخرى ( عقب الشيطان ) بفتح العين وكسر القاف ، وفسره أبوعبيد وغيره بالاقعاء المنهى عنه ، وهو أن يلصق ألييه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كما يفترش الكلب وغيره من السباع ، وهو مكروه باتفاق العلماء بهذا التفسير ، وأما الاقعاء الذي ذكره مسلم بعد هذا في حديث ابن عباس أنه سنة فهو غير هذا كما سنفسره.

ثم قال في باب الاقعاء بعد نقل حديث ابن عباس أنه سنة : اعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث أنه سنة ، وفي حديث آخر النهي عنه رواه الترمذي وغيره من رواية علي عليه‌السلام وابن ماجة من رواية أنس وأحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة.

وقد اختلف العلماء في حكم الاقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الاحاديث والصواب الذي لامعدل عنه أن الاقعاء نوعان : أحدهما أن يلصق ألييه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كاقعاء الكلب ، هكذا فسره أبوعبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبوعبيد القاسم بن سلام ، وآخرون من أهل اللغة ، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي ، والنوع الثاني أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين وهذا هو مراد ابن عباس أنه سنة ، وقد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين ، وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين منهم البيهقي والقاضي عياض وآخرون.

قال القاضي : وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه ، قال : وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس ( من السنة أن تمس عقبيك ألييك ) فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس ، وقد ذكرنا أن الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين ، وله نص آخر وهو الاشهر أن السنة فيه الافتراش ، وحاصله أنهما سنتان ، وأيهما أفضل؟ فيه قولان انتهى.

أقول : بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا لايخفى عليك أن الاقعاء يطلق على معان : الاول الجلوس على الاليين ونصب الساقين ، وهو الاشهر بين اللغوين ،

١٩١

الثاني الجلوس على العقبين مطلقا كما هو الظاهر من كلام أكثر العامة ، الثالث ما اتفق عليه كلام أصحابنا من وضع صدور القدمين على الارض ووضع الاليين على القدمين ولعل مراد أكثر العامة أيضا هذا المعنى ، لان الجلوس على العقبين حقيقة لايتحقق إلا بهذا الوجه ، فانه إذا جعل ظهر قدمه على الارض يقع الجلوس على بطن القدمين لاعلى العقبين.

ويؤيده قول الجزري عند تفسير إقعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الاكل أنه كان يجلس عند الاكل على وركيه مستوفزا غير متمكن ، فان المستعجل هكذا يجلس ، و أما الجالس على بطون القدمين فهو متمكن مستقر وقال الجوهري : استوفز في قعدته إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن ، ومثله ما ذكره البغوي في تفسير الاقعاء.

وأيضا اعتذار ابن عمر بالضعف والكبر يدل على ذلك ، فان الضعف يقتضي عدم تغيير القدمين عما كانتا عليه في حالة السجود ، ولايتمكن من الجلوس ثم يعود إلى السجود ، ولذا قال الخطابي : معناه أنه كان يضع يديه بالارض بين السجدتين فلا تفارقان الارض حتى يعيد السجود ، وهكذا يفعل من أقعى ، وما هو المشاهد من العوام من الفريقين ، حيث يجلسون هكذا بين السجدتين لسهولته عليهم ، شاهد بذلك.

وأما التشبيه باقعاء الكلب فلا يلزم أن يكون كاملا من كل جهة بل يكفي أنه يشبهه في الانحناء عند الجلوس والاعتماد على الرجلين واليدين ، لاسيما إذا لم يرفع يديه من الارض ، وأما الجلوس على القدمين بدون ذلك فهو أبعد من مشابهة إقعاء الكلب كما لايخفى.

فاذا تمهد هذا فاعلم أن المعنى الاول خلاف ماهو المستحب من التورك ، وأما إثبات كراهته فهو مشكل لانه لايدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الاقعاء ، و هي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين الاصحاب ، ويؤيده ماورد في حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : ولاتقع على قدميك. إذا الظاهر من الاقعاء على القدمين أن يكون الجلوس عليهما ، وإن لم تكن ظاهرة في معنى آخر فمجرد الاحتمال لايكفي للاستدلال.

فان قلت : الاشتهار بين اللغويين يؤيده ، قلنا الشهرة بين علماء الفريقين في

١٩٢

خلافه يعارضه ، والاولى ترك هذا الجلوس لاشتهار هذا المعنى بين اللغويين ، واحتمله بعض علمائنا كما عرفت مع أنه خلاف ما هو السنة في هذا الجلوس ، والفرق بين ترك السنة وارتكاب المكروه ضعيف ، بل قيل باستلزامه له.

وأما المعنى الثالث فقد عرفت أن المشهور بين علمائنا بل علماء المخالفين أيضا كراهته ، وكفى بذلك مرجحا وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ، وقد عرفت ما يؤيده وتجويز ابن عمر وأضرابه ذلك وعملهم به يؤيد أن النهي إنما ورد في ذلك للرد عليهم وأما ماورد في صحيحة الحلبي من عدم البأس فلاينافي الكراهة بل قيل إنه يؤيدها.

وأما الجلوس على القدمين من غير أن يكون صدر القدمين على الارض الذي نسميها المعنى الثاني ، فهو خلاف المستحب أيضا ، ولم أرمن أصحابنا من قال بكراهته بل يظهر من كلام ابن الجنيد أنه قال باستحبابه كمامر ، وقد اتفقت كلمة أصحابنا في تفسير الاقعاء المكروه بما عرفت ، فاثبات كراهته مما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين والمخالفين مشكل.

فان قيل : مامر من قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة ( ولاتقع على قدميك ) وقوله عليه‌السلام في صحيحته الاخرى ( إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولاتكون قاعدا على الارض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلاتصبر للتشهد والدعاء ) يدلان على شمول النهي لهذا الفرد أيضا.

قلنا : أما الخبر الاول فقد ورد النهي فيه عن الاقعاء على القدمين لامطلق القعود عليهما فيتوقف الاستدلال به على أن الاقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله وقد عرفت مافيه ، نعم بظاهره ينفي المعنى الاول من الاقعاء كما أومأنا إليه ، وأما الخبر الثاني فهو وارد في الجلوس للتشهد لابين السجدتين ، ولو ارتكبنا التكلف في ذلك بأن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره ، فيتعدى الحكم إليه كما قيل ، فمع أنه يمكن المناقشة فيه بمنع جريان العلة إذ الدعاء والذكر في التشهد أكثر منهما بين السجدتين ، لانسلم أنه يدل على هذا المعنى ، إذ يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أن يجعل باطن قدميه على الارض غير موصل أليتيه إليها رافعا فخذيه و

١٩٣

ركبتيه إلى قريب ذقنه ، كما يتجافى المسبوق.

بل الخبر الاول أيضا يحتمل ذلك فيظهر معنى آخر للاقعاء والفرق بينه وبين المعنى الاول من المعاني الثلاثة بالصاق الاليتين بالارض وعدمه ، وربما احتمل كلام ابن الجنيد أيضا ذلك ، حيث قال ( ولايقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ) هذا المعنى أيضا ، والتعليل الوارد في الخبر أيضا شديد الانطباق على هذا الوجه ، ولو سلم عدم إرادة هذا المعنى ، فالتعليل الوارد في الخبر بالاقعاء بالمعنى المشهور بين الاصحاب ألصق.

وبالجملة الاظهر حمل الاقعاء المنهى عنه على ماهو المشهور بين الاصحاب ولكن الاحوط والاولى ترك الجلوس على الوجوه الاربعة التي ذكرنا أنها من محتملات الاخبار ، بل يحتمل أن يكون المراد النهي عن جميعها إن جوزنا استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين ، أو المعنى الحقيقي والمجازي معا ، والله تعالى يعلم وحججه صلوات الله عليهم حقايق أحكامه تعالى.

١٩٤

 ٣٢

* ( باب ) *

* ( القنوت وآدابه وأحكامه ) *

الايات : البقرة : وقوموا لله قانتين (١).

آل عمران : يا مريم اقتني لربك (٢).

تفسير : القنوت يطلق في اللغة على خمسة معان : الدعاء ، والطاعة ، والسكون والقيام في الصلاة ، والامساك عن الكلام ، ذكره في القاموس ، وذكر ابن الاثير معاني اخرى كالخشوع ، والصلاة ، والعبادة ، والقيام ، وطول القيام ، وقال الجوهري : القنوت الطاعة ، هذا هو الاصل ، ومنه قوله تعالى : ( القانتين والقانتات ) (٣) ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا ، وقريب منه كلام ابن فارس ، وهو في اصطلاح الفقهاء الدعاء في أثناء الصلاة في محل معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا ، وربما يطلق على الدعاء مع رفع اليد.

ثم إن المشهور بين الاصحاب استحبابه ، وقال الصدوق في الفقيه : سنة واجبة من تركه عمدا أعاد ، ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوبه في الصلوات الجهرية والاول لعله أقوى.

واستدل بالاية الاولى على مذهب الصدوق ويرد عليه أن القنوت جاء في اللغة

____________________

(١) البقرة : ٢٣٨ ، وقدمر في ج ٨٢ ص ٢٧٨ ما يتعلق بالمقام ، ونزيد هنا أن الاية من المتشابهات بأم الكتاب ، فأول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قيامها وقنوتها إلى الصلاة فتكون سنة في فريضة الاخذ بها هدى وتركها ضلالة وكل ضلالة في النار على حد سائر السنن التى تبطل الصلاة بتعمد تركها رغبة عنها ، كما قال به الصدوق في الفقيه ج ١ ص ٢٠٧.

(٢) آل عمران : ٤٣.

(٣) الاحزاب : ٣٥.

١٩٥

لمعان ، فيجوز أن يكون المراد به في الاية الطاعة أو غيرها من المعاني المتقدمة ، فلا يختص بالدعاء ، ولو سلم أن المراد به الدعاء فيمكن أن يراد به الدعاء الذي يتحقق في ضمن القراءة ، لان الفاتحة مشتملة على الدعاء ، فلا دلالة في الاية على الدعاء المخصوص ، على أن الاختصاص بالصلاة الوسطى قائم كما مر في الخبر أيضا ، فيحتاج إلى التمسك بعدم القائل بالفصل وفي إثباته عسر.

والمفسرون أيضا اختلفوا في تفسيره قال في مجمع البيان (١) : قال ابن عباس : معناه داعين ، والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام وقيل طائعين ، وقيل خاشعين ، وقيل ساكنين ، وقال في الكشاف ( قوموا لله قانتين ) ذاكرين الله في قيامكم ، والقنوت أن تذكر الله قائما وعن عكرمة كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا وقال مجاهد هو الركود وكف الايدي والبصر ، وروي أنه إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصا أو يحدث نفسه بشئ من اور الدنيا.

وكذا الكلام في الاية الثانية وتزيد على الاولى بأنها متعلقة بالامم السالفة ، قال الطبرسي ـ ره ـ (٢) ( اقنتي لربك ) أي اعبديه وأخلصي له العبادة ، عن ابن جبير وقيل : معناه أديمي الطاعة له ، وقيل أطيلي القيام في الصلاة.

١ ـ العيون والعلل : عن عبدالواحد بن عبدوس ، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا عليه‌السلام : فان قال : فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة ، ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل : لانه أحب أن يفتح قيامه لربه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ، ويختمه بمثل ذلك ، ويكون في القيام عند القنوت بعض الطول فأحرى أن يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعتان في الجماعة (٣).

____________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٤٣.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٤٤٠.

(٣) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٠٦ ، علل الشرايع ج ١ ص ٢٤٧.

١٩٦

٢ ـ العيون : بالاسناد المتقدم عن الفضل فيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون من شرايع الدين قال عليه‌السلام : والقنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخرة (١).

٣ ـ الخصال : عن ستة من مشايخه رضي الله عنهم عن أحمد بن يحيى بن زكريا ، عن بكر بن عبدالله ، عن تميم بن بهلول ، عن أبي معاوية ، عن الاعمش ، عن الصادق عليه‌السلام قال : القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، وقال فرائض الصلاة سبع : الوقت ، والطهور ، والتوجه ، والقبلة ، والركوع والسجود ، والدعاء (٢).

بيان : قد عرفت أنه لايمكن الاستدلال بالسنة على الاستحباب (٣) ولا بالوجوب على المعنى المصطلح ، لشيوع استعمال الاول فيما ظهر من السنة ، واجبا كان أم ندبا ، والثاني في السنن الاكيدة في الاخبار ، وقد يستدل بالجزء الاخير على وجوبه بحمل الدعاء على القنوت ، وقد عرفت احتمال كون المراد به قراءة الفاتحة لاشتمالها على الدعاء ، ولذا تسمى سورة الدعاء أيضا ، مع أنه يمكن حمل الفرض على ما يشمل السنة المؤكدة لوجود المعارض ، والاحوط عدم الترك.

ثم إن الخبر يدل على كون القنوت قبل الركوع كما هو المشهور بين الاصحاب وحكى العلامة في المنتهى اتفاق الاصحاب عليه ، ويظهر من المحقق في المعتبر الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده ، وإن كان الاول أظهر لما رواه الشيخ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : القنوت قبل الركوع وإن شئت بعده (٤) وفي سند الرواية

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٢٣.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥١.

(٣) الا بعد ملاحظة ماصح عن طرق الفريقين أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : السنة سنتان : سنة في فريضة الاخذبها هدى وتركها ضلالة ـ وكل ضلالة في النار ـ وسنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة.

(٤) التهذيب ج ١ ص ١٦٠.

١٩٧

ضعف ، والمشهور أقوى وأحوط ، والظاهر أن قنوت الوتر أيضا قبل الركوع ، و يستحب الدعاء أيضا بعده فيها لرواية وردت فيه وسماه في المعتبر قنوتا ، والعلامة في المنتهى جوز قنوت الوتر قبل الركوع وبعده وفيه نظر والاولى إما الجمع بينهما أو الاكتفاء بما قبل الركوع ، وسيأتي حكم قنوت الجمعة.

٤ ـ تحف العقول : عن الرضا عليه‌السلام : فيما كتب للمأمون قال : كل القنوت قبل الركوع وبعد القراءة (١).

٥ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله؟ قال عليه‌السلام : تمت صلاته ولاشئ عليه (٢).

بيان : المشهور بين الاصحاب استحباب القنوت بعد الركوع لمن نسيه قبله ، وقال في المنتهى : لاخلاف عندنا في استحباب الاتيان بالقنوت بعد الركوع مع نسيانه قبله ، وأما أنه هل هو أداء أوقضاء؟ ففيه تردد ، ثم قرب كونه قضاء.

والظاهر أنه لاحاجة إلى نية الاداء والقضاء ، وهذا الخبر إنما يدل على عدم وجوب القضاء ، ولعله لم يقل به أحد ، ولا ينافي استحبابه مع ورود الاخبار الكثيرة به ، ولو لم يذكره بعد الركوع أيضا استحب قضاؤه بعد الصلاة ، كما ذكره الاكثر ، ودلت عليه الرواية ، واحتمال الاداء هنا ضعيف جدا.

٦ ـ الاحتجاج : كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره ، للحديث الذي روي (٣) أن الله

____________________

(١) تحف العقول ص ٤٤٠ ط الاسلامية وفيه : القنوت في أربع صلوات : في الغداة والمغرب والعتمة ويوم الجمعة وصلاة الظهر.

(٢) المسائل ـ البحار ج ١٠ ص ٢٨٠.

(٣) روى عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : ما أبرز عبديده إلى الله العزيز الجبار الا استحيى الله عزوجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء ، فاذا دعا أحدكم فلا يرديده حتى يسمح على وجهه ورأسه ، تراه في الفقيه ج ١ ص ١٠٧ ، اصول الكافى ج ٢ ص ٤٧١ ، والحديث بظاهره منصرف في الدعاء غير القنوت.

١٩٨

عزوجل أجل من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملؤها من رحمته. أم لايجوز ، فان بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة (١).

فأجاب عليه‌السلام : رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض والذي عليه العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع ، والخبر صحيح ، وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض ، والعمل به فيها أفضل (٢).

ايضاح : هذا التفصيل لم أره في كلام الاصحاب بل قال الاكثر بعدم استحباب مسح الوجه بعده ، وقال بعضهم باستحبابه مطلقا ، قال في المنتهى : هل يستحب أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل : نعم ، ولم يبثت ، وقال في الذكرى : ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره ، قاله الجعفي ، وهو مذهب بعض العامة انتهى ، والاحوط تركه في المكتوبة للرواية من غير معارض.

٧ ـ مجالس الصدوق : عن أحمد بن زياد الهمداني ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن صفوان ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام عن أبي ذر ـ رحمه الله ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف (٣).

ثواب الاعمال : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان مثله (٤).

٨ ـ الخصال : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد الاشعري عن إبراهيم بن إسحاق عن ابن بزيع رفعه إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : سبعة مواطن

____________________

(١) قد عرفت الوجه في ذلك في ج ٨٤ ص ٣٢٦ ، راجعه.

(٢) الاحتجاج : ٢٧٢. وفى مطبوعة الكمبانى نقل الحديث من قرب الاسناد و هو سهو.

(٣) أمالى الصدوق : ٣٠٤.

(٤) ثواب الاعمال : ٣١.

١٩٩

ليس فيها دعاء موقت : الصلاة على الجنازة ، والقنوت ، والمستجار ، والصفا ، والمروة والوقوف بعرفات ، وركعتي الطواف (١).

الهداية : مرسلا مثله (٢).

٩ ـ معانى الاخبار والخصال : في خبر أبي ذر ـ رحمه الله ـ أنه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أي الصلاة أفضل؟ قال : طول القنوت (٣).

١٠ ـ العيون : عن جعفر بن نعيم بن شاذان ، عن عمه محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن القنوت في الفجر والوتر قال : قبل الركوع (٤).

أقول : قد مضى في خبر رجاء بن أبي الضحاك القنوت في الصلوات وقنوت الوتر وقال : كان قنوت الرضا عليه‌السلام في جميع صلواته ( رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الاعز الاجل الاكرم ) (٥).

١١ ـ مجالس ابن الشيخ : عن ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن القاسم ابن جعفر بن أحمد ، عن عباد بن أحمد القزويني ، عن عمه ، عن أبيه ، عن جابر عن إبراهيم بن عبدالاعلى ، عن سويد بن غفلة ، عن عمرو أبي بكر وعلي وعبدالله بن العباس قال كلهم قنت في الفجر وعثمان أيضا قنت في الفجر (٦).

ومنه : بالاسناد ، عن عباد ، عن عمه ، عن أبي المجالد ، عن زيد بن وهب عن أبي المنذر الجهني ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم قال : لاتنسين الاستغفار في صلاتك فانها

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٠.

(٢) الهداية : ٤٠.

(٣) معانى الاخبار : ٣٣٢ ، الخصال ج ٢ ص ١٠٣ في حديث.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٨.

(٥) راجع عيون الاخبار ج ٢ ص ١٨٢.

(٦) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٥٧.

٢٠٠