بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

دقيقة

اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن السجدتين معا ركن ، وأما إحداهما فليست ركنا ، وههنا خلاف في موضعين : أحدهما أن الاخلال بالسجدتين معا مبطل في الاخيرتين كالاوليين أم لا ، واختار الشيخ الثاني خلافا للمشهور كما سيأتي الثانى أن الاخلال بالسجدة الواحدة سهوا هل هو مبطل أم لا؟ وعلى الاخير معظم الاصحاب وقال في الذكرى : بل هو اجماع ، وكلام ابن أبي عقيل يومئ إلى الاول لصدق الاخلال بالركن ، إذ الماهية المركبة تفوت بفوات جزء منها.

ويرد على المشهور أن الركن إن كان مسمى السجود يلزم بطلان الصلاة بالسجدتين والثلاث عمدا وسهوا ، وإن كان السجدتين يلزم بطلان الصلاة بترك واحدة منهما سهوا ، واجيب عنه بوجوه مدخولة أوردوها في كتبهم ، ولافائدة في إيرادها.

وربما يتوهم اندفاع الشبهة بما يومي إليه خبر المعراج بأن الاولى كأنت بأمره تعالى والثانية أتى بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل نفسه ، فتكون الاولى فريضة وركنا والثانية سنة بالمعنى المقابل للفريضة ، وغير ركن (١).

____________________

(١) قد عرفت في صدر الباب أن آية النساء : ١٠١ ، قد فرضت لكل ركعة سجدة فتكون ركنا تبطل الصلاة بالاخلال به عمدا وسهوا وجهلا ، وزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سجدة أخرى معها فتكون سنة تبطل الصلاة بالاخلال بها عمدا فقط ، لاسهوا ولانسيانا ولاجهلا.

وهذا هو الفرق بين الفرض الذي هو ركن وبين السنة التى هى واجب غير ركنى.

وأما أن الاخلال بالفرض أو السنة كيف يكون؟ فهو أمر يتعلق بنفس العمل وماهيته لابعنوان آخر ، فترك الركن اخلال به مطلقا ، كترك الطهارة والوقت والقبلة ( باستدبارها ) وترك الركوع والسجود ، وأما زيادة الركن فقد يتحقق ويتحصل لذاته كزيادة الركوع وقد لايتحصل لذاته كزيادة القبلة والوقت والطهور وكلها ركن ، وقد لايتحصل لعارض كالسجدة ، حيث ضم اليها سجدة أخرى سنة ، فكلما زيد على الاولى سجدة كانت سجدة ثانية بعنوان السنة.

فالزائد في السجدة لايمكنه ان يزيد في الفرض الذى هو ركن ، وانما يزيد في

١٤١

ويرد عليه بعد تسليم دلالة خبر المعراج عليه أنه لاينفع في دفع الفساد ، بل يزيده إذ لايعقل حينئذ زيادة الركن أصلا ، لان السجدة الاولى لاتتكرر إلا بأن يفرض أنه سها عن الاولى وسجد اخرى بصد الاولى ، فيلزم زيادة الركن بسجدتين أيضا مع أنه يلزم أنه إذا سجد ألف سجدات بغير هذا الوجه لم يكن زاد ركنا على أنه لو اعتبرت النية في ذلك يلزم بطلان صلاة من ظن أنه سجد الاولى ثم سجد بنية الاخيرة فظهر له بعد الصلاة ترك الاولى ، ولم يقل به أحد.

وقيل في دفعه وجه آخر أيضا وهو أن الركن هو أحد الامرين من إحداهما وكلتيهما ، ويرد عليه أنه إذا سجد ثلاث سجدات سهوا يلزم بطلان صلاته حينئذ.

وقال بعض الافاضل ممن قرب عصرنا يدفع الاشكال بأن يقال : الركن المفهوم المردد بين السجدة الواحدة بشرط لا ، والسجدتين بشرط لا ، وثلث سجدات بشرط لا ، إذ ترك الركن حينئذ إنما يكون بعدم تحقق السجدة مطلقا وإذا سجد أربع سجدات أو أكثر لم يتحقق الركن أيضا ، ويرد عليه أنه لاخلاف في أن بطلان الصلاة فيما إذا أتى بأربع أو أكثر إنما هو لزيادة الركن لالتركه ويلزم على هذا الوجه أن يكون البطلان لترك الركن وعدم تحققه لالزيادته.

ويخطر بالبال وجه آخر لدفع الاشكال على سياق هذا الوجه لكنه أخصر وأفيد وهو أن يكون الركن المفهوم المردد بين سجدة واحدة بشرط لا وسجدتين لابشرط شئ ، فاذا أتى بواحدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن وكذا إذا أتى بهما ، ولاينتفي الركن إلا بانتفاء الفردين ، بأن لايسجد أصلا ، وإذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا بفرد واحد وهو الاثنان لابشرط شئ ، وأما الواحدة الزائدة فليست فردا له لكونها مع اخرى ، وما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لايكون معها شئ ، وإذا أتى

____________________

السنة التى كان عنوانها سجدة اخرى ، أو سجدة ثانية ، فالذى أتى بها ان كان أتى بها عمدا بطلت صلاته لاجل السنة لالاجل الفرض ، وان أتى بها سهوا لازال يأتى بها بعنوان السنة.

وأما الذى سها عن الاولى وزعم أنه لم يأت بها فأتى بها ثانية بعنوان الفرض ، لم يزد في الفرض الا بزعمه ، فان الفرض هو الاولى حقيقة وواقعا لازعما.

١٤٢

بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنتين.

وهذا وجه متين لم أر أحدا سبقني إليه ، ومع ذلك لايخلو من تكلف.

والاظهر في الجواب أن يقال : غرض المعترض إما إيراد الاشكال على الاحاديث الواردة في هذا الباب ، أو على كلام الاصحاب ، والاول لاوجه له لخلو الروايات عن ذكر الركن ومعناه وعن هذه القواعد الكلية ، بل إنما ورد حكم كل من الاركان بخصوصه (١) وورد حكم السجود هكذا ، فلا إشكال يرد عليها ، وأما الثاني فغير وارد عليه أيضا ، لتصريحهم بحكم السجود فهو مخصص لقاعدة الكلية كما خصصت تلك القاعدة بغيره مما ذكر في كلامهم ، وفصل في زبرهم ، وأمثال تلك المناقشات بعد ظهور المرام لاطائل تحتها ، كما لايخفى على ذوي النهى.

____________________

(١) لم يرد في الباب الا قوله عليه‌السلام : ( لاتعاد الصلاة الا من خمس : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ) ، والحديث باطلاقه لايشمل الا موارد تركها سهوا وجهلا وعمدا ونسيانا ، وأما موارد الاخلال بها بالزيادة فظاهر الخبر منصرف عنه.

١٤٣

 ٢٨

* ( باب ) *

* ( ما يصح السجود عليه (١) وفضل السجود ) *

* ( على طين القبر المقدس ) *

١ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : باسنادهما ، عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يجزيه أن يضع الحصير أو البوريا على

____________________

(١) ومن الايات التى تتعلق بالباب قوله عزوجل : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء ) البقرة : ٢١ و ٢٢ ، حيث انه عزوجل أمر بعبادته ، وهى الصلاة التى تتخلص بالركوع والسجود على مادل عليه قوله عزوجل ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) الحج : ٧٧ ، ثم وصف الرب بأنه الذى جعل الارض فراشا والسماء بناء ، ارشادا إلى أن منة الرب عزوجل بهاتين النعمتين مما يقتضى عبادته بالسجود له عزوجل.

فعلى هذا يجب على المصلى العابد لله أن يعبده ويصلى ويسجد له على الارض ( و معناه بالفراسية خاك كما عرفت في ج ٨١ ص ١٦٥ ) ويأتى بالعبادة تحت السماء الذى هو بناءالله عزوجل قال : ( والسماء بنيناها بأيد ) الذاريات : ٤٧ ، لايرغب عن هاتين النعمتين عند عبادته بأن يسجد على فراش غير فراشه ويدخل تحت سقف مظلل غير سمائه. وأما النباتات التى تنبت من الارض وموادها وأملاحها بوسيلة الماء فما دامت رطبة تغلب عليها المائية حكمها حكم الماء لايسجد عليها ، واذا يبست وغلبت عليها الارضية ، فالسجود عليها جائزة الا اذا كانت ملبوسا أو مأكولا فيترك السجدة عليها ، لئلا يتوهم المتوهم من المنافقين أو ينقم المستهزئ من المشركين أن المسلمين انما يعبدون زخرف الدنيا وزينتها.

هذا هو الفرض من ذلك ، وأما السنة ، فلما كانت الارض مختلطة بالرمل والحصا

١٤٤

الفراش وغيره من المتاع ثم يصلي عليه؟ قال : إن كان يضطر إلى ذلك فلا بأس (١).

وسألته عن الرجل هل يجزيه أن يقوم إلى الصلاة على فراشه فيضع على الفراش مروحة أو عودا ثم يسجد عليه؟ قال : إن كان مريضا فليضع مروحة وأما العود فلا يصلح (٢).

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقوم في الصلاة على القت والتبن والشعير وأشباهه ، ويضع مروحة ويسجد عليها؟ قال : لايصلح له إلا أن يكون مضطرا (٣).

وسألته عن الرجل يوذيه حر الارض في الصلاة ، ولايقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال : إذا كان مضطرا فليفعل (٤).

وسألته عن الطين يطرح فيه التبن حتى يطين به المسجد أو البيت أيصلى فيه؟ قال : لابأس (٥).

وسألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلح الصلاة عليها إذا يبست؟ قال

____________________

غالبا ـ خصوصا سفاح الجبال وأطرافها حيث تغلب عليها الرمل والحصا والسبخة كما في المدينة ومكة وأمثالهما ، عمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم إلى خمرة معمولة من سعف النخل وسجد عليها فصارت سنة متبعة.

وانما فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك تخفيفا لامته من أن يوجب عليهم حمل جراب من التراب الخالص ليسجدوا عليها حين الصلاة ، نعم كان بوسعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أن يأمر المسلمين بأن يعملوا لوحا سعته مقدار درهم من الطين الحر يأخذوه معهم لسجدة الصلاة ، ولكن لم يأمرهم بذلك والناس حديثو عهد بالاسلام ، لئلا يتوهم متوهم من المنافقين أو يستهزء به مستهزء من المشركين أنه رفض آلهة آبائه واتخذ الها لنفسه يعبده ويضع جبهته عليه كما أن الشيعة منذ عملت هذا اللوح واتخذته مسجدا لجبهتهم حين السجود ، أخذا بالافضل الاسهل ، وهو السجود على الارض الخالصة ، نقمت عليهم المخالفون بأنها أصنام لهم ، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.

(١ ـ ٤) قرب الاسناد ص ١١٢ ط نجف ص ٨٦ ط حجر.

(٥) قرب الاسناد : ١٢٧ ط نجف : ٩٧ ط حجر.

١٤٥

عليه‌السلام : لابأس (١).

قال : وسألته عن القعدة والقيام على جلود السباع وركوبها وبيعها أيصلح ذلك؟ قال : لابأس مالم يسجد عليها (٢).

وسألته عن الرجل يسجد فتحول عمامته وقلنسوته بين جبهته وبين الارض قال : لايصلح حتى يضع جبهته على الارض (٣).

وسألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه والتكاءة والصلاة عليه؟ قال : يفرشه ويقوم عليه ولايسجد عليه (٤).

توضيح : تقييد الجواز في جواب السؤال الاول والثاني والثالث بالاضطرار والمرض ، لعدم الاستقرار التام ، وأما العود فالظاهر أنه لاخلاف في جواز السجود عليه ، وفي صحيحة زرارة (٥) فاسجد على المروحة وعلى السواك وعلى عود ، والنهي لعله محمول على الكراهة كما هو الظاهر ، لعدم إيصال قدر الدرهم ، أوعلى الحرمة بناء على لزم هذا المقدار ، أو على عود لم يتحقق معه استقرار الجبهة.

ثم اعلم أنه أجمع الاصحاب على أنه لايجوز السجود على ما ليس من الارض ولانباتها ، ودلت عليه الاخبار المستفيضة ونقلوا الاجماع أيضا على عدم جواز السجود على ما يؤكل أويلبس عادة إلا القطن والكتان ، فانه نقل عن المرتضى في بعض رسالته تجويز الصلاة عليهما على كراهية ، واستحسنه في المعتبر والمشهور عدم الجواز وهو أقوى وأحوط والاخبار الدالة على الجواز محمولة على التقية أو الضرورة ، ويمكن حمل بعضها على ما قبل النسج والغزل ، وقد جوز العلامة في النهاية السجود عليهما قبلهما ، والاحوط ترك ذلك أيضا كما هو المشهور.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٢٧ ط نجف ٩٧ ط حجر.

(٢) قرب الاسناد : ١٥٠ ط نجف.

(٣) قرب الاسناد : ١٢١ ط نجف ص ٩٢ ط حجر.

(٤) قرب الاسناد : ١١٢ ط نجف ص ٨٦ ط حجر.

(٥) التهذيب ج ١ ص ٢٢٤.

١٤٦

وأما البواري المبلولة بالماء القذر فالمراد بالقذر إما غير النجس ، أو محمول على ما إذا جففتها الشمس ، وظاهره عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة ، وقد مر الكلام فيه.

٢ ـ العلل : عن علي بن أحمد ، عن محمد بن جعفر الاسدي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن عباس ، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن هشام بن الحكم قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لايجوز؟ قال : السجود لا يجوز إلا على الارض أو ما أنبتت الارض إلا ما اكل أو لبس ، فقلت له : جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال : لان السجود هو الخضوع لله عزوجل ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لان أبناء الدنيا عبيد مايأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها ، والسجود على الارض أفضل ، لانه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزوجل (١).

ومنه : عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن محمد بن أحمد الاشعري ، عن السياري أن بعض أهل المداين كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلما نفذ كتابي إليه فكرت فقلت هومما أنبتت الارض ، وما كان لي أن أسأل عنه قال : فكتب : لاتصل على الزجاج ، فان حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الارض فانه مما أنبتت الارض ولكنه من الرمل والملح وهما ممسوخان.

قال الصدوق ـ رحمه الله ـ ليس كل ممسوخا ، ولاكل ملح ، ولكن الرمل والملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان (٢).

٣ ـ كشف الغمة : نقلا من دلايل الحميري ، عن محمد بن الحسين بن مصعب المدايني أنه كتب إليه عليه‌السلام وذكر مثله وفي آخره : فانه من الرمل والملح ، و

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٠.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٣١.

١٤٧

الملح سبخ (١).

ايضاح : لعل السائل زعم أن المراد بما أنبتت الارض كل ماحصل منها ، قوله عليه‌السلام : ( ممسوخان ) أي مستحيلان خارجان عن اسم الارض ، ويدل على عدم جواز السجود على الرمل ولم أربه قائلا ، ويمكن أن يقال الرمل مؤيد للمنع ، ومناط التحريم الملح أو المعنى أنهما استحيلا حتى صار زجاجا ، فلو كان أصله من الارض أيضا لم يصح السجود عليه ، ولعل هذا مراد الصدوق ـ رحمه الله ـ وإن كان بعيدا من عبارته ، وإلا فلا يعرف له معنى محصلا ، وعلى ما في رواية الحميري يرتفع الاشكال رأسا.

٤ ـ العلل : بالاسناد المقدم ، عن الاشعري ، عن علي بن الحسن ، عن أحمد ابن إسحاق القمي ، عن ياسر الخادم قال مر بي أبوالحسن عليه‌السلام وأنا اصلي على الطبري ، وقد ألقيت عليه شيئا ، فقال لي : مالك لاتسجد عليه؟ أليس هو من نبات الارض؟ قال محمد بن أحمد : وسألت أحمد بن إسحاق عن ذلك فقال : قد رويته (٢).

بيان : حمله أكثر الاصحاب على التقية حملا له على الثوب الطبري ولا يبعد أن يراد به الحصير الطبري فلايحتاج إلى ذلك.

٥ ـ العلل : عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن محمد بن يحيى الصيرفي ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله قال : سمعته يقول : السجود على ما أنبتت الارض إلا ما اكل أولبس (٣).

٦ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد ، عن محمد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام لايسجد الرجل على كدس حنطة ولاشعير ، ولاعلى لون مما يؤكل ولا

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٢٤٥ في دلائل الامام أبى الحسن الهادى عليه‌السلام.

(٢ ـ ٣) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٠.

١٤٨

يسجد على الخبز (١).

بيان : الكدس بالضم الحب المحصود المجموع ذكره الفيروزآبادي والظاهر أن النهي لعدم جواز السجود عليه ، ويحتمل كونه للقيام والقعود فوقه لمنافاته لاحترام الطعام.

٧ ـ الخصال : عن أحمد بن محمد بن الهيثم وجماعة من مشايخه ، عن أحمد ابن يحيى ، عن بكر بن عبدالله ، عن تميم بن بهلول ، عن أبي معاوية ، عن الاعمش عن الصادق عليه‌السلام قال : لايسجد إلا على الارض أوما أنبتت الارض ، إلا المأكول والقطن والكتان (٢).

٨ ـ الاحتجاج : قال : كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه‌السلام يجوز ذلك وفيه الفضل (٣).

بيان : يدل على أن عمل الطين لوحا لايخرجه عن الفضل كما توهم.

٩ ـ تحف العقول : قال الصادق عليه‌السلام وكل شئ يكون غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ، ولا السجود ، إلا ما كان من ثبات الارض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا ، فاذا صار غزلا فلاتجوز الصلاة عليه ، إلا في حال الضرورة (٤).

بيان : يدل على ما ذهب إليه العلامة في النهاية من جواز السجود على القطن والكتان قبل الغزل وقد مر.

١٠ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : إذا سجدت فليكن سجودك على الارض أوعلى شئ ينبت من الارض مما يلبس ولاتسجد على الحصر المدنية لان سيورها من جلود ، ولاتسجد على شعر ولاعلى وبرو لاعلى صوف ولاعلى جلود ولاعلى أبريسم

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥١.

(٣) الاحتجاج : ٢٧٤.

(٤) تحف العقول ص ٣٥٥ ط الاسلامية.

١٤٩

ولاعلى زجاج ولاعلى ما يلبس به الانسان ، ولاعلى حديد ولاعلى الصفر ولاعلى الشبه (١) ولاعلى النحاس ولاعلى الرصاص ولا على آجر يعني المطبوخ ، ولاعلى الريش ولاعلى شئ من الجواهر وغيره من الفنك والسمور والحواصل والثعالب ، ولاعلى بساط فيها الصور والتماثيل ، وإن كانت الارض حارة تخاف على جبهتك أن تحرق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أوحية أوشوكة أوشيئا يؤذيك فلابأس أن تسجد على كمك إذا كان من قطن أوكتان.

فان كان في جبهتك علة لاتقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة ، فاذا سجدت جعلت الدمل فيها ، وإن كان على جبهتك علة لاتقدر على السجود من أجلها ، فاسجد على قرنك الايمن ، فان تعذر عليه فعلى قرنك الايسر ، فان لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك فان لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك ، يقول الله تبارك وتعالى ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ـ إلى قوله ـ ويزيدهم خشوعا ) (٢).

ولابأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين والابهامين على غير الارض ، و ترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم ، ويكون سجودك إذا سجدى تتخوى كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه ، تكون شبه المعلق ، ولايكون شئ من جسدك على شئ منه (٣).

بيان : قوله عليه‌السلام : لان سيورها ، كذا ذكره في الفقيه نقلا من رسالة والده ، إليه ، والاظهر أن يقال : لان لحمتها أوسداها من جلد إذ السيور لايكون إلا من جلد ، وهو مأخوذ من خبر علي بن الريان (٤) قال : كتب بعض أصحابنا إليه يعني

____________________

(١) الشبه : حجر يشبه الكهرباء في لينه وخفته في لون السواد مع لمعان ، يتخذ للزينة ، وقد يجعل فصا للخاتم.

(٢) أسرى : ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٣) فقه الرضا ص ٩.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٢٣ ، الكافى ج ٣ ص ٣٣١.

١٥٠

أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة عن الخمرة المدنية فقال : صل فيها ماكان معمولا بخيوطة ولاتصل على ما كان معمولا بسيورة ، قال : فتوقف أصحابنا فأنشدتهم بيت شعر لتأبط شرا الفهمي (١).

كأنها خيوطة ماري تغارو تفتل

وماري رجل حبال يفتل الخيوط

أقول : كأن توقفهم لجمعه عليه‌السلام بين الجمعية والتاء ، ولعلهما كانتا في خطه عليه‌السلام منقوطتين فاستشهد الراوي لجوازه بالبيت ، وقوله : ( كأنها ) تمام المصراع السابق ، وهو هكذا.

وأطوى على الخمص الحوايا كأنها

خيوطة ماري تغار وتفتل

 يقال : أغار أي شد القتل.

ثم اعلم أن الفرق بين ما كان بخيوط أو بسيور أن ما كان بخيوط لاتظهر الخيوط في وجهه كما هو المشاهد بخلاف السيور ، فانها تظهر إما بأن تغطيه جميعا فالنهي للحرمة أو بعضه بحيث لايصل من الجبهة بقدر الدرهم إلى الحصير ، فبناء على اشتراطه على الحرمة أيضا وإلا فعلى الكراهة ، قال في الذكرى : لو عملت الخيوط من جنس مايجوز السجود عليه فلا إشكال في جواز السجود عليها ، ولو عملت بسيور فان كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح السجود أيضا ، ولو وقعت على السيور لم يجز ، وعليه دلت رواية ابن الريان ، وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط انتهى.

وأما الاجر (٢) فظاهر الاكثر جواز السجود عليه ولم ينقلوا فيه خلافا مع

____________________

(١) هو ثابت بن جابر أحد رآبيل العرب من مضر بن نزار ، لانه تأبط جفير سهام وأخذ قوسا او تأبط سكينا فأتى ناديهم فوجأ بعضهم ، والفهمى نسبة إلى فهم بن عمرو ، بطن من قيس بن عيلان وهم بنوفهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وفى الكافى والتهذيب نسبه إلى العدوان ، وهو عدوان بن عمرو بن قيس ابن عيلان.

(٢) لايجوز السجود عليه ، لانه خرج عن كونه أرضا تنبت فهو كالرمل والرماد والنورة والجص المطبوخ.

١٥١

أن الشيخ جعل من الاستحالة المطهرة صيرورة التراب خزفا ولذا تردد فيه بعض المتأخرين وهذا الخبر يدل على المنع وهو أحوط وحكم الشهيد بالكراهة ، ولعله للخروج عن هذا الاشكال ، أو الخلاف إن كان فيه.

قوله عليه‌السلام ( فان لم تقدر فاسجد على ظهر كفك ) كذا عبارة رسالة والد الصدوق وأكثر ماهنا مطابق لها ، ويرد عليه أن هذا ليس على سياق ما تقدم ، وليس في الاخبار هذا بين تلك المراتب ، بل ذكر في خبر آخر أنه إن لم يقدر على السجود على الارض لشدة الحر سجد على ظهر كفه كما مر ، ولعل المراد هنا أنه إن لم يقدر على السجود على الارض لخشونتها سجد على ظهر الكف لكونه ألين ، والمراد بالقرن هنا الجبين مجازا.

قوله عليه‌السلام : ( كما يتخوى ) الظاهر أن التشبيه في عدم إلصاق البطن بالارض وعدم إلصاق الاعضاء بعضها ببعض ، وإلقاء الخوى بينها ، ويحتمل أن يكون التشبيه في أصل البروك أيضا فان البعير يسبق بيديه قبل رجليه عند بروكه ، قال في النهاية : فيه أنه كان إذا سجد خوى أي جافى بطنه عن الارض ورفعها ، وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوي مابين ذلك ، ففي القاموس خوى في سجوده تخوية تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه ، والخواء بالمد الهواء بين الشيئين.

١١ ـ المحاسن : عن علي بن أسباط ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن ركوب جلود السباع قال : لابأس مالم يسجد عليها (١).

١٢ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : كل شئ يكون غذاء الانسان في المطعم والمشرب من الثمر والكثر فلا تجوز الصلاة عليه ، ولا على ثياب القطن والكتان والصوف والشعر والوبر ، ولا على الجلد إلا على شئ لايصلح للبس فقط ، وهو مما يخرج من الارض إلا أن تكون في حال الضرورة (٢).

____________________

(١) المحاسن ص ٦٢٩.

(٢) فقه الرضا ص ٤١.

١٥٢

بيان : الكثر بالفتح وبالتحريك شحم النخلة الذي في وسطها.

١٣ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون على المصلى أو على الحصير فيسجد فيقع كفه على المصلى أو أطراف أصابعه وبعض كفه خارج عن المصلى على الارض قال : لابأس (١).

١٤ ـ مصباح الشيخ : روى معاوية بن عمار قال : كان لابي عبدالله عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله عليه‌السلام فكان إذا حضرت الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال عليه‌السلام : السجود على تربة الحسين عليه‌السلام يخرق الحجب السبع (٢).

دعوات الراوندى : عنه عليه‌السلام مثله.

بيان : خرق الحجب كناية عن قبول الصلاة ورفعها إلى السماء.

١٥ ـ كتاب العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم : لايسجد على شئ من الحبوب ولاعلى الثمار ، ولا على مثل البطيخ والقثاء والخيار ، مما لاساق له ، ولاعلى الجلود ولاعلى الشعر ولا على الصوف ولا على الوبر ولا على الريش ولا على الثياب إلا من ضرورة من شدة الحر والبرد ، ولا على الطين والثلج ، ولاعلى شي ء مما يؤكل ولا على الصهروج ، ولاعلى الرماد ولا على الزجاج.

ثم قال : والعلة في الصهروج أن فيه دقيقا ونورة ، ولاتحل عليه الصلاة ولا على الثلج لانه رجز وسخطة ، ولا على الماء والطين لانه لايتمكن من السجود ويتأذى به ، والعلة في السجود على الارض من بين المساجد أن السجود على الجبهة لايجوز إلا لله تعالى ، ويجوز أن تقف بين يدي مخلوق على رجليك وركبتيك ويديك ولايجوز السجود على الجبهة إلا لله تعالى فلهذه العلة لايجوز أن يسجد على ما يسجد عليه ، ويضع عليه هذه المواضع.

بيان : قال في القاموس : الصاروج النورة واختلاطها ، وقال الصهريج : كقنديل حوض يجتمع فيه الماء ، والمصهرج المعمول بالصاروج.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٩٣ ط حجر ص ١٢٢ ط نجف.

(٢) المصباح ص ٥١١.

١٥٣

واعلم أن المشهور بين الاصحاب عدم جواز السجود على الصاروج والرماد والنورة أي بعد الطبخ ، وكذا الجص ، قال في التذكرة : لولم يخرج بالاستحالة عن اسم الارض جاز كالسبخة والرمل وأرض الجص والنورة على كراهة ثم قال : ويحرم السجود على الزجاج ، قال في المبسوط : لما فيه من الاستحالة ، وكذا منع من الرماد ، ويحرم على القير والصهروج وفي رواية المعلى (١) الجواز وهي محمولة على الضرورة انتهى.

١٦ ـ الهداية : قال الصادق عليه‌السلام : اسجدوا على الارض أو على ما أنبتت الارض إلا ما اكل أو لبس (٢).

١٧ ـ العلل للصدوق : عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد الاشعري ، عن يعقوب بن يزيد رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : السجود على الارض فريضة وعلى غير ذلك سنة (٣).

تبيين : هذا الخبر يحتمل وجوها الاول ماذكره الاكثر من أن السجود على الارض ثوابه ثواب الفريضة وعلى ما أنبتته ثوابه ثواب السنة ، الثاني أن المستفاد من أمرالله تعالى بالجسود إنما هو وضع الجبهة على الارض إذ هو غاية الخضوع والعبودية ، وأما جواز وضعها على غير الارض فانما استفيد من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله رخصة ورحمة ، الثالث أن يكون المراد بالارض أعم منها ومما أنبتته والمراد بغير الارض تعيين شئ خاص للسجود كالخمرة واللوح أو الخريطة من طين الخسين عليه‌السلام وهو بعيد ، وإن كان يؤيده في الجملة مارواه في الكافي (٤) مرسلا أنه قال : السجود على الارض فريضة وعلى الخمرة سنة.

١٨ ـ المحاسن : عن علي بن الحكم عمن ذكره قال : رأيت أبا عبدالله عليه‌السلام في

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٦٩.

(٢) الهداية لم نجده.

(٣) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٠ ، وقد عرفت وجه الحديث في صدر الباب.

(٤) الكافى ج ٣ ص ٣٣١.

١٥٤

المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومي إيماء (١).

توضيح : اعلم أن الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ نقل الاجماع على جواز السجود على القرطاس في الجملة ، وإطلاق الاخبار يقتضي عدم الفرق بين المتخذ من القطن والابريسم وغيرهما ، واعتبر العلامة في التذكرة كونه مأخوذا من غير الابريسم لانه ليس بأرض ولانباتها ، وهو تقييد للنص بلا دليل ، واعتبر الشهيد في البيان كونه مأخوذا من نبات ، وفي الدروس عدم كونه من حرير أو قطن أو كتان.

وقال في الذكرى : الاكثر اتخاذ القرطاس من القنب فلو اتخذ من الابريسم فالظاهر المنع إلا أن يقال : ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له ، وفيه بعد لاستحالتها عن اسم الارض ، ولو اتخذ من القطن أو الكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما ، وقد سلف ، وأمكن أن يقال المانع اللبس حملا للقطن والكتان المطلقين على المقيد ، فحينئذ يجوز السجود على القرطاس وإن كان منهما لعدم اعتياد لبسه وعليه يخرج جواز السجود على مالم يصلح للبس من القطن والكتان.

وقال ـ ره ـ روى داود بن فرقد (٢) عن صفوان أنه رأى أبا عبدالله عليه‌السلام في المحمل يسجد على قرطاس وفي رواية جميل بن دراج (٣) عنه عليه‌السلام أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة لاشتغاله بقراءته ، ولايكره في حق الامي ولا في القاري إذا كان هناك مانع من البصر ، كذا قاله الشيخ في المبسوط وابن إدريس وفي النفس من القرطاس شئ من حيث اشتماله على النورة المستحيلة إلا أن يقال الغالب جوهر القرطاس أو يقال جمود النورة يرد إليها اسم الارض ، ويختص المكتوب بأن أجرام الحبر مشتملة غالبا على

____________________

(١) المحاسن ص ٣٧٣.

(٢) رواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد ، عن عبدالرحمان بن أبى نجران ، عن صفوان الجمال ، وأما مارواه داود بن فرقد فقد رواه باسناده ، عن على بن مهزيار قال : سأل داود ابن فرقد أبا الحسن عليه‌السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : يجوز ، راجع التهذيب ج ١ ص ٢٢٤.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٢٣.

١٥٥

شئ من المعادن إلا أن يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم.

وربما يخيل أن لون الحبر عرض والسجود في الحقيقة إنما هو على القرطاس وليس بشئ ، لان العرض لايقوم بغير حامله ، والمداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون ، وينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات وفيه نظر انتهى.

ولايبعد القول بالجواز لكونها في العرف لونا وإن كانت في الحقيقة أجساما وأكثر الالوان كذلك ، والاحوط ترك السجود إذا لم تكن فيه فرج تكفى للسجود ، وأما الاشكالات الواردة في القرطاس فيدفعها إطلاقات النصوص وإن أمكن الجواب عن كل منها فلم نتعرض لها لقلة الجدوى.

١٩ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد في السفينة على القير؟ قال : لابأس (١).

بيان : اعلم أن الاخبار مختلفة في جواز السجود على القير وعدمه ويمكن الجمع بينها بوجهين : أحدهما حمل أخبار الجواز على التقية ، والثاني حمل أخبار النهي على الكراهة ، والاول أحوط بل أقوى للشهرة العظيمة بين الاصحاب بحيث لايكاد يظهر مخالف في المنع ، بل ربما يدعى عليه الاجماع ، واتفاق المخالفين على الجواز ، ولولاهما لكان الجمع الثاني أوجه.

٢٠ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الارض بكم برة تتيممون منها ، وتصلون عليها في الحياة وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل مايسجد عليه المصلي الارض النقية (٢).

وروينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الارض ويعفر وجهه في التراب ، لانه من التذلل لله (٣).

وعنه عليه‌السلام أنه قال : لابأس بالسجود على ماتنبت الارض غير الطعام كالكلاء

____________________

(١) المسائل ـ البحار ج ١٠ ص ٢٨٣.

(٢ ـ ٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٨.

١٥٦

وأشباهها (١).

وروينا عن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على حصير (٢).

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه صلى على الخمرة (٣).

والخمرة منسوج يعمل من سعف النخل ويوصل بالخيوط ، وهو صغير على قدر مايسجد عليه المصلي أو فويق ذلك قليلا (٤) ، فاذا اتسع عن ذلك حتى يقف عليه المصلي ويسجد عليه ويكفي جسده كله عند سقوطه للسجود فهو حصير حينئذ وليس بخمرة.

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه نهى عن السجود على الكم وأمر بابراز اليدين وبسطهما على الارض ، أوعلى مايصلي عليه عند السجود (٥).

وروى عن أبيه ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى أن يسجد المصلي على ثوبه أوعلى كمه أوعلى كور عمامته (٦).

بيان : الكفات بالكسر الشئ الذي يكفت فيه الشئ أي يضم ، ومنه قوله تعالى ( ألم نجعل الارض كفاتا ) (٧) وقال الجوهري : كار العمامة على رأسه يكورها كورا أي لاثها وكل دور كور.

٢١ ـ المعتبر : عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الصلاة على البساط والشعر والطنافس قال : لاتسجد عليه ، وإذا قمت عليه وسجدت على الارض فلابأس وإن بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصير فلابأس (٨).

____________________

(١ ـ ٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٨.

(٤) قال الجوهرى : الخمرة ـ بالضم ـ سجادة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط.

أقول : انما سميت سجادة بعد ما اتخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجدا لجبهته الكريمة وأما قبل ذلك فقد كانت خمرة يخمر بها رأس الجام حذرا من أن يقع فيه شئ من الهوام.

(٥ ـ ٦) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٩.

(٧) المرسلات : ٢٥.

(٨) المعتبر ص ١٥٨.

١٥٧

٢٢ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : باسنادهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقعد في المسجد ورجلاه خارجة منه أو أسفل من المسجد وهو في صلاته قال : لابأس (١).

بيان : قدمر أن الظاهر أن المراد بالمسجد مصلاه الذي يصلي عليه.

٢٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الحشيش النابت والثيل وهو يجد أرضا جددا؟ قال : لابأس (٢).

٢٤ ـ مجالس ابن الشيخ : عن والده الجليل ، عن ابن مخلد ، عن أبي عمرو السماك عن يحيى بن أبي طالب ، عن أبي بكر الحنفي ، عن سفيان ، عن ابن الزبير ، عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها وأخذ عودا ليصلي عليه ، فأخذه فرمى به ، وقال : على الارض إن استطعت ، وإلا فأوم إيماء ، واجعل سجودك أخفض من ركوعك (٣).

بيان : قد سبق الكلام في العود ، ويمكن حمله هنا على أنه كان في صدر الاسلام السجود على الارض متعينا ثم نسخ مع أن الخبر عامي ضعيف.

٢٥ ـ ارشاد القلوب : للديلمي قال : كان الصادق عليه‌السلام لايسجد إلا على تربة الحسين عليه‌السلام تذللا لله واستكانة إليه (٤).

٢٦ ـ المجازات النبوية : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ( تمسحوا بالارض فانها بكم برة ).

قال السيد : هذه استعارة أي أنها كالام للبرية لان خلقهم ومعاشهم عليها ، ورجوعهم إليها ، وأنهم يقولون الارض ولود يريدون كثرة إنشاء الخلق واستيلادهم

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٢٤ ط نجف ، وقدمر في ج ٨٣ ص ٢٨٦.

(٢) قرب الاسناد ص ٨٧ ط حجر : ١١٤ ط نجف.

(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٩٦.

(٤) ارشاد القلوب ص ١٤١.

١٥٨

عليها ، وكونها برة من صفات الام.

والكلام يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد التيمم منها في حال الحدث والجنابة ، والوجه الاخر أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعفير الوجوه فيها ، أو يكون هذا القول أمر تأديب لا أمر وجوب ، لانه يجوز السجود على غير الارض أيضا إلا أن مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسجد على الخمرة وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل (١).

أقول : قد مر في باب التيمم وأبواب المكان أخبار كثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا (٢).

____________________

(١) المجازات النبوية ص ١٧٣.

(٢) راجع ج ٨٣ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٤.

١٥٩

 ٢٩

* ( باب ) *

* ( فضل السجود واطالته واكثاره ) *

الايات : الفتح : والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود (١).

العلق : واسجد واقترب (٢).

تفسير : ( تريهم ركعا سجدا ) يدل على فضل الركوع والسجود ، قال الطبرسي : (٣) هذا إخبار عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي يلتمسون بذلك زيادة نعمهم من الله ويطلبون مرضاته.

أقول : فيه دلالة على أنه لوضم في نية العبادة مزيد البركات الدنيوية لايضر بالاخلاص ، وأن كثرة الصلاة والركوع والسجود موجبة لذلك ولرضاه سبحانه ( سيماهم في وجوههم ) قال الطبرسي ـ ره ـ : أي علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشد بياضا عن ابن عباس وعطية ، قال شهر بن حوشب : تكون مواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر ، وقيل : هو التراب على الجباه لانهم يسجدون على التراب لاعلى الاثواب ، وقيل : هو الصفرة والنحول ، قال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وماهم بمرضى وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الاية كل من صلى الخمس انتهى.

أقول : يحتمل أن يكون المراد به الاثر الذي يظهر في الجبهة من كثرة السجود ، ويؤيده مارواه الشيخ عن السكوني (٤) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام إني لاكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود وستأتي

____________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) العلق : ١٩ ، آية السجدة.

(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ١٢٧.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٢٥.

١٦٠