بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بيان : المشهور بين الاصحاب وجوب الاستقلال في القيام ، وذهب أبوالصلاح إلى جواز الاستناد على كراهة ، ولا يخلو من قوة ، وعلى المشهور حملوا هذه الرواية وأمثالها على استناد قليل لايكون بحيث لو زال السناد لسقط ، فان الواجب عندهم ترك هذا الاستناد لا مطلقا ، ويمكن حمل تلك الاخبار على النافلة ، وأخبار المنع على الفريضة ، ثم على تقدير الوجوب إذا أخل بالاستقلال عمدا بطلت صلاته والظاهر عدم البطلان بالنسيان ، وأما الاستعانة بشئ حال النهوض فقد صرح بعض المتأخرين بأن حكمه حكم الاستناد وهو ضعيف ، فقد دلت هذه الرواية على الجواز من غير معارض.

١٢ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المريض إذا كان لايستطيع القيام كيف يصلي؟ قال : يصلي النافلة وهو جالس ، ويحسب كل ركعتين بركعة ، وأما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لايستطيع القيام (١).

بيان : الظاهر أن تضعيف النافلة إذا صلاها جالس محمول على الافضلية ، لما رواه أبوبصير (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عمن صلى جالسا من غير عذر أتكون صلاته ركعتين بركعة؟ فقال : هي تامة لكم ، فان الظاهر أن الخطاب إلى الشيعة مطلقا وكون الخطاب إلى العيان والمشايخ بعيد عن الخبر كما لايخفى.

وقال الشهيد في الذكرى بعد إيراد هذه الرواية عقيب روايات التضعيف : فتحمل الاخبار الاولة على الاستحباب ، وهذا على الجواز ، ثم قال : ويستحب القيام بعد القراءة ليركع قائما ويحسب له بصلاة القائم ، وقال الشيخ في المبسوط يجوز أن يصلي النوافل جالسا مع القدرة على القيام ، وقد روي أنه يصلي بدل كل ركعة ركعتين ، وروي أنه ركعة بركعة وهما جميعا جائزان.

١٣ ـ تفسير علي بن ابراهيم : عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي

____________________

(١) المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧٧.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٨٤.

٣٤١

حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله وأبي جعفر عليهما‌السلام قالا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت فأنزل الله تعالى « طه » بلغة طيسئ يامحمد « ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » (١).

ايضاح : رواه في الكافي (٢) بسند موثق ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وفيه يقوم على أطراف أصابع رجليه ، وقال الطبرسي ره (٣) روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه ، فأنزل الله الآية فوضعها قال : روي ذلك عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

أقول : لعله كان أولا الصلاة على تلك الهيئات مشروعة فنسخت ، ولايجوز الآن الصلاة مع رفع إحدى الرجلين ، ولا مع القيام على الاصابع ، والمشهور وجوب الاعتماد على الرجلين ، وعدم جواز تباعدهما بما يخرج عن حد القيام عرفا.

١٤ ـ العلل والعيون : عن ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه السلام قال : صلاة القاعد على نصف صلاة القائم (٤).

١٥ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل صلي نافلة وهو جالس من غير علة كيف بحسب صلاته؟ قال : ركعتين بركعة (٥).

١٦ ـ دعائم الاسلام : روينا عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صلاة الليل فقال : يصلى قائما ، فان لم يستطع صلى جالسا قيل : يارسول الله ومتى يصلي جالسا؟ قال : إذا لم يستطع أن يقرأ فاتحة الكتاب و

____________________

(١) تفسير القمي : ٤١٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٩٥.

(٣) مجمع البيان ج ٧ ص ٢.

(٤) علل الشرايع ج ١ ص ٢٤٩ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ١٠٨.

(٥) قرب الاسناد ص ٩٦ ط حجر : ١٢٦ ط نجف.

٣٤٢

ثلاث آيات قائما ، وإن لم يستطع أن يسجد أومأ إيماءا برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فان لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الايمن ووجهه إلى القبلة ، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الايمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومي إيماء (١).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : من أصابه رعاف لم يرقا صلى إيماء (٢).

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : المريض إذا ثقل وترك الصلاة أياما أعاد ماترك إذا استطاع الصلاة (٣).

وعنه عليه‌السلام أنه قال : من صلى جالسا تربع في حال القيام ، وثنى رجله في حال الركوع والسجود والجلوس ، إن قدر على ذلك (٤).

وعنه عليه‌السلام أنه قال : يجزي المريض أن يقرء فاتحة الكتاب في الفريضة ويجزئه أن يسبح في الركوع والسجود تسبيحة واحدة (٥).

____________________

(١ ـ ٥) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩٨.

٣٤٣

٢٢

* ( باب ) *

* « ( آداب القيام إلى الصلاة والادعية عنده ) » *

* « ( والنية والتكبيرات الافتتاحية ) » *

* « ( وتكبيرة الاحرام ) » *

الايات : البقرة : وقوموا لله قانتين (١).

الانعام : قل إن صلوتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين (٢).

اسرى : وكبرة تكبيرا (٣).

الكهف : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه (٤).

وقال سبحانه : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (٥).

طه : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (٦).

المدثر : وربك فكبر (٧).

البينة : وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (٨).

____________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) الانعام : ١٦٢ أمره صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك ، لكن الاية متشابهة أولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التوجه في الصلاة فتكون سنة.

(٣) أسرى : ١١١.

(٤) الكهف : ٢٨.

(٥) الكهف : ١١٠.

(٦) طه : ١٤.

(٧) المدثر : ٤.

(٨) البينة : ٥.

٣٤٤

الكوثر : فصل لربك وانحر.

تفسير : « وقوموا لله » يدل على وجوب النية والاخلاص فيها كما مر « ونسكي » قيل عبادتي وتقربي كله فيكون تعميما بعد تخصيص فيدل على امتياز الصلاة عن سائر العبادات واختصاصها بمزيد الفضل ، وقيل مناسك حجي وقيل ذبحي لان المشركين كانوا يشركون فيهما الاصنام.

« ومحياي ومماتي » أي ما آتي به في حيائي وأموت عليه من الايمان والاعمال الصالحة ، وقيل العبادات والخيرات الواقعة حال الحياة التي تقع بعد الموت بالوصية ونحوها كالتدبير ، وقيل نفس الحياة والموت أي إنما اريد الحياة إذا كان موافقا لرضاه وكذا الموت ، أو المعنى أنهما منه تعالى ، وقيل طاعتي في حياتي لله ، وجزائي بعد موتي من الله ، وقيل جميع ما آتي عليه في حياتي حتى الحياة وجميع ما أموت عليه حتى الموت « لله رب العالمين » أي أجعلهما لله لانه رب العالمين ، ولايستحق العبادة غيره ، أو شكر المنعم واجب ، أو كل ذلك منه إذ العبادات بتوفيقه وهدايته والمحيا والممات بخلقه وتدبير ، أو يقال كونه لله في العبادات بمعنى أنه المستحق لان يفعل له ، وفي غيرها بمعنى أنه بقدرته وخلقه ، وعلى بعض الوجوه المتقدمة في المحيا والممات لانحتاج إلى تلك التكلفات.

« لاشريك له » أي في الالهية أو في العبادة والاحياء والاماتة ، أو لا أشرك معه في تلك الامور أحدا « وبذلك أمرت » أي بالاخلاص المذكور ، أو بالقول المذكور والاعتقاد به أمرني ربي « وأنا أول المسلمين » فان إسلام كل نبي مقدم على إسلام امته ، أو لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أول من أقر في عالم الذر كما يشهد به غير واحد من الخبر ويحتمل أن يراد بالمسلمين المنقادون لجميع الاوامر والنواهي.

ثم الآية تدل على تحريم فسمي الشرك الظاهر كعبادة الاصنام والكواكب ونحوها ، والخفي كالريا والسمعة ، وأنه لايجوز إسناد شئ من ذلك إلى غيره تعالى لا مستقلا ولا مشاركا كالكواكب والافلاك والعقول وغيرها ، وأما قصد حصول

٣٤٥

الثواب والخلاص من العقاب فلا ينافي الاخلاص لانهما بأمره تعالى وتكليف أكثر الخلق باخلاص النية منهما قريب من التكليف بالمحال ، بل هو عينه ، نعم ذلك درجة المقربين من الانبيآء والاوصياء والصديقين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن ادعى ذلك من غيرهم فلعله لم يفهم معنى النية ، وجعلها محض حضور البال ، وهو ليس من النية في شئ ، والنية هو الغرض الواقعي الباعث على الفعل.

وهذا مثل أن يقال : في طريقك أسد ولا تخف منه ، وأعدنا لك مائة ألف تومان للعمل الفلاني ، ولا يكن باعثك على العمل ذلك ، وهذا إنما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله يدخله بطاعته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة ويترك المعصية تقربا إلى الله تعالى ، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة القصوى والمنزلة العليا؟ وقد مر تحقيق ذلك وساير مايتعلق به في باب الاخلاص (١) من هذا الكتاب ، وفي بعض مؤلفاتنا العربية والفارسية ، نعم يمكن أن يراد في هذه الآية ذلك بناء على أن من خوطب به صلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب هذه الدرجة الجليلة ، لكن الظاهر أن الخطاب لتعليم الامة.

ثم اعلم أنه ربما يستدل بهذه الآية على كون الاخلاص المذكور من أحكام الاسلام ، وأن كل مسلم مأمور بذلك ، لقوله : « وأنا أول المسلمين » فانه يدل على أن غيره أيضا مكلف مأمور بذلك ، وأنه أولهم ، مع ماثبت من عموم التأسي وعلى أن صحة الصلاة بل سائر العبادات موقوفة على الاخلاص المذكور ، وماتضمنه من معرفة الله ووحدانيته وكونه ربا للعالمين ، أي منشئا ومريبا لهم ، فيستلزم ذلك وجوب العلم بكونه قادرا وعالما وحكيما ، إذ الاخلاص يستلزم ذلك.

وقد يناقش في استلزام وجوب الاخلاص المذكور توقف صحة العبادة على الاخلاص نفسه ، وما يستلزمه من المعرفة لان كل ما كان واجبا لشئ لا يجب أن يبطل ذلك عند عدمه بالكلية ، ويجاب بأنه إذا ثبت كون العبادة مأمورا بها على هذا الوجه ، فاذا لم يأت بها على الوجه الخاص لم يأت بالمأمور به ، فتكون باطلة ، و

____________________

(١) راجع ج ٧٠ ص ٢١٣ ٢٥٠.

٣٤٦

يعترض عليه بأن ذلك إذا كان الامر بالعبادة هو الذي تضمن هذا الوجه ، لا أن يكون بأمر على حدة ، وهنا كذلك.

وقيل يمكن الاستدلال بها على وجوب المعرفة وتوقف الصحة عليها للامر بذلك القول فانه يفهم منه أنه يجب قول ذلك ومعرفة القول وفهمه وصدقه مع المتعلقات متوقفة عليها ، ويمكن المناقشة في أكثر تلك الوجوه.

وأقول : يمكن الاستدلال بالامر بالقول على رجحان قراءة تلك الآية بل وجوبها على طريقة الاصحاب في مقدمة الصلاة كما ورد في الاخبار ، فتكون مؤيدة لها ، ولو ثبت الاجماع على عدم الوجوب لثبت تأكد الاستحباب.

« وكبره تكبيرا » استدل به على وجوب التكبير في الصلاة لعدم وجوبه في غيرها اتفاقا ، وفيه مافيه « بالغداة والعشي » أي طرفي النهار فيستفتحون يومهم بالدعاء ويختمونه به أو في مجامع أوقاتهم أي يدامون على الصلاة والدعاء كأنه لا شغل لهم غيره ، وقيل المراد صلاة الفجر والعصر « يريدون وجهه » أي رضوانه ، وقيل تعظيمه والقربة إليه دون الرياء والسمعة ، ويدل على رفعة شأن الاخلاص ، وأن المخلصين هم المقربون وهم الذين يلزم مصاحبتهم ومودتهم ومعاشرتهم.

« فمن كان يرجو لقاء ربه » أي يأمل حسن لقاء ربه ، وأن يلقاه لقا رضا وقبول أو يخاف سوء لقاء ربه كذا في الكشاف ، وقال في مجمع البيان : (١) أي يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمله ويقر بالبعث إليه ، والوقوف بين يديه ، وقيل معناه يخشى لقاء عقاب ربه ، وقيل إن الرجاء يستعمل في كلا المعنيين الخوف والامل ، وفي التوحيد (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يؤمن بأنه مبعوث.

« فليعمل عملا صالحا » أي نافعا متضمنا للصلاح والخبر ، وفي الجمع أي خالصا لله يتقرب به إليه « ولا يشرك بعبادة ربه أحدا » في المجمع أي أحدا غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر ، وقيل معناه لا يرائي في عبادة ربه أحدا ، وقال مجاهد : جاء

____________________

(١) مجمع البيان ج ٦ ص ٤٩٩.

(٢) توحيد الصدوق : ٢٦٧ ط مكتبة الصدوق في حديث.

٣٤٧

رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يقل شيئا فنزلت الآية.

قال عطا : عن ابن عباس إن الله تعالى قال : « ولا يشرك بعبادة ربه أحدا » ولم يقل ولا يشرك به ، فانه أراد العمل الذي يعمل لله ، ويحب أن يحمد عليه ، قال : ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصله بها. وروي عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالا : سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك ، ومن صام صوما يرائي به ، فقد أشرك ، ثم قرأ هذه الآية.

وفي تفسير علي بن إبراهيم (١) فهذا الشرك شرك رياء ، وعن الباقر عليه‌السلام سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير هذه الآية فقال : من صلى مراءات الناس فهو مشرك ومن زكى مراءات الناس فهو مشرك ، ومن صام مراءات الناس فهو مشرك ، ومن حج مراءات الناس فهو مشرك ، ومن عمل عملا مما أمره الله عزوجل مراءات الناس فهو مشرك ، ولا يقبل الله عمل مراء.

وفي الكافي (٢) عنه عليه‌السلام في هذه الآية : الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ، ثم قال : ما من عبد أسر خيرا فذهبت الايام أبدا حتى يظهر الله خيرا وما من عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر الله له شرا.

وروى العياشي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن تفسير هذه الاية فقال : من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله ، وهو شرك مغفور (٣) يعني أنه ليس من الشرك الذي قال الله : « إن الله لايغفر أن يشرك به » (٤) وذلك

____________________

(١) تفسير القمي : ٤٠٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٩٣.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٥٢.

(٤) النساء : ٤٨.

٣٤٨

لان المراد بذلك الشرك الجلي وهذا هو الشرك الخفي.

وللآية تفاسير اخر بحسب بطونها فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) باسنادهما عن الوشا قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتوضأ منه للصلاة فدنوت لاصب عليه ، فأبى ذلك ، وقال : مه يا حسن! فقلت : لم تنهاني أن أصب عليك؟ تكره أن اوجر؟ فقال : تؤجر أنت واوزر أنا ، فقلت له : وكيف ذلك؟ فقال : أما سمعت الله يقول : « فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا » ها أنا ذا أتوضأ للصلاة ، وهي العبادة ، فأكره أن يشركني فيها أحد.

وبمضمونه رواية اخرى عن الرضا عليه السلام (٢) ورواية اخرى (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فعلى هذا المعنى تدل على عدم جواز تولية الغير شيئا من العبادة لا بعضا ولا كلا ، ولا استعانة ، إلا ما أخرجه الدليل ، فلا تجوز التولية في الوضوء لا بعضا ولا كلا اختيارا كما مر ، ولا في الغسل والتيمم ، ولا الاتكاء في الصلاة ، بل يجب الاستقلال بالقيام والقعود وغيرهما اختيارا ، فلا يجوز أن يأخذ القرآن أو الكتاب غير المصلي ليقرأه إن جوزناه لكن مع إجمال الآية وتعارض التفاسير الواردة فيها ، يشكل الحكم بالتحريم بمجردها إلا بمعاونة الاخبار فلينظر فيها وقد مر الكلام فيها.

ومنها ما رواه العياشي (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال : العمل الصالح المعرفة بالادئمة ولا يشرك بعبادة ربه أحدا التسليم لعلي عليه‌السلام لا يشرك في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله.

وروى علي بن إبراهيم (٥) عنه عليه‌السلام « ولا يشرك بعبادة ربه أحدا » قال :

____________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٦٩ ، التهذيب ج ١ ص ١٠٤.

(٢) ارشاد المفيد : ٢٩٥.

(٣) تراه في علل الشرايع ج ١ ص ٢٦٤ ، المقنع ص ٢ ط حجر ، الفقيه ج ١ ص ٢٧.

(٤) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٥٣.

(٥) تفسير القمي : ٤٠٧.

٣٤٩

لايتخذ مع ولاية آل محمد عليهما‌السلام غيرهم ، وولايتهم العمل الصالح من أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها ، وجحد أمير المؤمنين عليه‌السلام حقه وولايته.

« فاعبدني » (١) لعل تفريعه على التوحيد يشعر بالاخلاص « وأقم الصلاة لذكري » فيه دلالة على الاخلاص على بعض الوجوه الآتية.

« وربك فكبر » أي خصص ربك بالتكبير ، وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا ، وقال الطبرسي رحمه الله أي عظمه ونزهه عما لايليق به ، وقيل كبر في الصلاة فقل الله أكبر انتهى ، واستدل به الاصحاب على وجوب تكبيرة الاحرام بأن ظاهره وجوب التكبير ، وليس في غير الصلاة ، فيجب أن يكون فيها (٢) وفيه من النظر مالا يخفى.

« وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين » قال الطبرسي رحمه الله : أي لم يأمرهم الله تعالى إلا لان يعبدوا الله وحده لا يشركون بعبادته ، ولا يخلطون بعبادته عبادة من سواه.

أقول : دلالتها على الاخلاص ظاهرة ، وبها استدل الاصحاب على وجوب النية ، ولعل في ذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد ذلك إشعارا بشدة اشتراط الاخلاص فيهما ، ومدخليته في صحبتهما وكمالهما ، وتعقيبه بقوله : « وذلك دين القيمة » أي دين الملة القيمة ، يدل على أن الاخلاص من عمدة أجزاء الدين والملة وشرايطهما ولوازمهما.

« فصل لربك » يدل على وجوب النية وإخلاصها في خصوص الصلاة « وانحر » قيل : المراد به نحر الابل (٣) قالوا كان اناس يصلون وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه أن يصلي وينحر لله عزوجل أي فصل لوجه ربك إذا صليت لا لغيره ، وانحر لوجهه وباسمه إذا نحرت ، مخالفا أعمالهم في العبادة والنحر لغيره كالاوثان.

____________________

(١) طه : ١٤.

(٢) قد عرفت وجه الاستدلال بالاية في ج ٨٣ ص ١٦٠ و ٢٥٧.

(٣) راجع ج ٨٢ ص ١٨٤ ولنا في تفسير سورة الكوثر رسالة لابأس بمراجعتها.

٣٥٠

وقيل هي صلاة الفجر بجمع ، والنحر بمعنى ، وقيل صلاة العيد فيكون دليلا على وجوبها ، وقيل صل صلاة الفرض لربك ، واستقبل القبلة بنحرك ، من قولهم منازلنا تتناحر أي تتقابل.

وروي الشيخ عن حريز ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : « فصل لربك وانحر » قال : النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره (١) وهذا معنى آخر ، قال في القاموس : نحر الدار الدار كمنع استقبلتها ، والرجل في الصلاة انتصب ونهد صدره أو انتصب بنحره إزاء القبلة ، انتهى.

وقيل : إن معناه ارفع يديك في الصلاة بالتكبير إلى محاذاة النحر ، أي نحر الصدر ، وهو أعلاه ، وهو الذي يقتضيه روايات عن أهل البيت عليهما‌السلام كما سيأتي وهو أقوى الوجوه من حيث الاخبار.

١ ـ مجمع البيان : عن عمر بن يزيد قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : في قوله : « فصل لربك وانحر » هو رفع يديك حذاء وجهك (٢).

قال : وروى عبدالله بن سنان عنه عليه‌السلام مثله (٣).

وعن جميل قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : « فصل لربك وانحر » فقال : بيده هكذا ، يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة (٤).

وعن حماد بن عثمان قال : سألت الصادق عليه‌السلام ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره فقال : هكذا ، ثم رفعهما فوق ذلك ، فقال : هكذا يعني استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة (٥).

وعن مقاتل بن حيان عن الاصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لجبرئيل : ماهذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال : ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت ، فانه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٥٨.

(٢ ـ ٥) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٠.

٣٥١

السبع ، فان لكل شئ زينة وإن زينة الصلاة رفع الايدي عند كل تكبيرة (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع اليدين من الاستكانة ، قلت : وما الاستكانة؟ قال ألا تقرء هذه الآية « فما استكانوا لربهم وما يتضرعون » أورده الواحدي والثعلبي في تفسيريهما (٢).

هذا آخر مانقلناه عن الطبرسي رحمه الله وهذه الاخبار تدل على أن المراد بها رفع اليدين في الصلاة حذاء النحر ، وهو يؤيد ما نسب إلى السيد من وجوب رفع اليدين في جميع التكبيرات ، بنآء على أن الامر للوجوب ، لا سيما أوامر القرآن ولو قيل بأنه لا معنى لوجوب كيفية المستحب ، فلا مانع من القول به في تكبيرة الاحرام إن سلم استحباب ساير التكبيرات ، لكن في كون الامر للوجوب كلام ، والاحتياط ظاهر.

والآية تؤيد الاخبار الواردة بالرفع إلى النحر ، وقد مر القول في الجمع بين الاخبار في ذلك ، وفي رواية حماد إشعار بالتخيير بين الرفع إلى المصدر وإلى النحر ، بأن يكون المعنى أن كليهما داخل في النحر سواء كان انتهاء الكف محاذيا للنحر ، وسائرها للصدر ، أو ابتداؤها محاذيا للنحر وسائرها للوجه.

٢ ـ عدة الداعى : روى الشيخ أبومحمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن عبدالواحد عمن حدثه ، عن معاذ بن جبل قال : قلت حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظته من دقة ماحدثك به ، قال : نعم وبكى معاذ ، ثم قال : بأبي وامي حدثني وأنا رديفه قال : بينا نحن نسير إذ رفع بصره إلى السماء فقال : « الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحب » ثم قال يامعاذ : قلت لبيك يارسول الله! إمام الخير ونبي الرحمة ، قال : احدثك ما حدث : نبي امته إن حفظته نفعك عيشك ، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله.

ثم قال : ان الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات ، فجعل في كل سماء

____________________

(١ ـ ٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٠ والاية الاخيرة في المؤمنين ٧٦.

٣٥٢

ملكا قد جللها بعظمته ، وجعل على كل باب من أبواب السماء ملكا بوابا فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسى ، ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمى حتى إذا بلغ السماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، أنا ملك الغيبة ، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي.

قال : ثم تجئ الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به وتزكيه وتكثره حتى يبلغ السماء الثانية ، فيقول الملك الذي في السماء الثانية : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، إنما أراد بهذا عرض الدنيا ، أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري.

قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة وتجاوزه إلى السماء الثالثة ، فيقول الملك : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره ، أنا ملك صاحب الكبر فيقول : إنه عمل وتكبر فيه على الناس في مجالسهم أمرني ربي أن لا ادع عمله يتجاوزني إلى غيري.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج فتمر به إلى ملك السماء الرابعة فيقول لهم الملك : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحب وبطنه ، أنا ملك العجب إنه كان يعجب بنفسه ، وإنه عمل وأدخل نفسه العجب أمرني ربي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة مابين الصلاتين ، ولذلك العمل رنين كرنين الابل عليه ضوء كضوء الشمس ، فيقول الملك قفوا أنا ملك الحمد ، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واحملوه على عاتقه إنه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته ، وإذا رأى لاحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه ، فيحملونه على عاتقه ويلعنه عمله.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة فيتجاوز إلى

٣٥٣

السماء السادسة فيقول الملك : قفوا أنا صاحب الرحمة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واطمسوا عينيه لان صاحبه لم يرحم شيئا إذا أصاب عبدا من عباد الله ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا شمت به ، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع ، وله صوت كالرعد ، وضوء كضوء البرق ، ومعه ثلاثة آلاف ملك ، فتمر به إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحب ، أنا ملك الحجاب ، أحجب كل عمل ليس لله إنه أراد رفعة عند القواد ، وذكرا في المجالس ، وصيتا في المدائن أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري مالم يكن لله خالصا.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة وحسن خلق وصمت وذكر كثير تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم ، فيطوف الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه سبحانه ، فيشهدوا له بعمل ودعاء ، يقول الله أنتم حفظة عمل عبدي ، وأنا رقيب على مافي نفسه ، إنه لم يردني بهذا العمل ، عليه لعنتي فتقول الملائكة : عليه لعنتك ولعنتنا.

قال : ثم بكى معاذ قال : قلت : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعمل قال : اقتد بنبيك يامعاذ في اليقين ، قال : قلت أنت رسول الله وأنا معاذ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك ، وعن حملة القرآن ، ولتكن ذنوبك عليك لاتحملها على إخوانك ، ولاتزك نفسك بتذميم إخوانك ، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك ، ولا تراء بعملك ، ولا تدخل من الدنيا في الآخرة ، ولاتفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ، ولاتناج مع رجل وأنت مع آخر ، ولاتتعظم على الناس فينقطع عنك خيرات الدنيا ولاتمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار ، قال الله تعالى : « والناشطات نشطا » (١) أقتدري ما الناشطات؟ كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم قلت : ومن يطيق هذه الخصال؟ قال : يا معاذ أما إنه يسير على من يسره الله عليه.

قال : وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث.

____________________

(١) النازعات : ٢.

٣٥٤

فلاح السائل : باسناده عن هارون بن موسى التلعكبري ، عن أحمد بن محمد ابن عقدة ، عن محمد بن سالم بن جبهان ، عن عبدالعزيز ، عن الحسن بن علي ، عن سنان عن عبدالواحد ، عن رجل عن معاذ (١) مثله.

٣ ـ كتاب جعفر بن محمد بن شريح : عن حميد بن شعيب ، عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : أرايت هؤلاء الذين يرخصون في الصلاة. فلم جعل للاذان وقت ، وللصلاة وقت؟ إذا توجه إلى الصلاة فليكبر وليقل : اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت حتى يفرغ من تكبيره والكاذبون يقولون ليست صلاة كذبوا عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

بيان : ليست صلاة لعل المعنى أنهم يقولون ليست التكبيرات داخلة في الصلاة ولا استحباب فيها.

ومن الكتاب المذكور عن حميد ، عن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله جالس فقام الرجل يصلي فكبر ثم قرأ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عجل العبد على ربه ثم دخل رجل آخر فصلى على محمد وآله وذكر الله وكبر وقرأ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل تعط.

٤ ـ العلل : عن علي بن حاتم ، عن القاسم بن محمد ، عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد ، عن الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن زياد ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت له : لاي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل؟ ولاي علة يقال : في الركوع « سبحان ربي العظيم وبحمده » ويقال : في السجود « سبحان ربي الاعلى وبحمده »؟

قال : يا هشام إن الله تبارك وتعالى خلق السماوات سبعا والارضين سبعا ، والحجب سبعا ، فلما اسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل يقول الكلمات التي يقال في الافتتاح ، فلما رفع له الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب وكبر سبع تكبيرات ، فلذلك

____________________

(١) فلاح السائل ص ١٢١ ١٢٤.

٣٥٥

العلة تكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات.

فلما ذكر مارأى من عظمة الله ، ارتعدت فرائصه فانبرك على ركبتيه وأخذ يقول : « سبحان ربي العظيم وبحمده » فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع ، خر على وجهه وجعل يقول : « سبحان ربي الاعلى وبحمده » فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب ، فلذلك جرت به السنة (١).

بيان : « وجعل يقول الكلمات » لعلها كلمات اخر سوى مانقل إلينا ، أو المراد هذه الادعية المنقولة وخفف علينا بأن نقرأها بعد الثلاث والخمس والسبع ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤها بعد كل تكبير ، « والانبراك » هنا اطلق على الركوع مجازا « نظر إليه » الضمير راجع إلى عظمة الله بتأويل أو إليه تعالى على حذف المضاف ، أو على المجاز ، أو راجع إلى مارأى ، ويدل على استحباب تكرار ذكر السجود سبع مرات.

٥ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر وفضالة معا ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي عليه‌السلام فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يجد الحسين التكبير ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبر ويعالج الحسين التكبير فلم يجده حتى أكمل سبع تكبيرات ، فأجاد الحسين عليه‌السلام التكبير في السابعة ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : وصارت سنة (٢).

ومنه : بالاسناد المتقدم عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة وقد كان الحسين ابن علي عليه‌السلام أبطأ عن الكلام حتى تخوفوا أن لايتكلم ، وأن يكون به خرس ، فخرج به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حامله على عنقه ، وصف الناس خلفه ، فأقامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على يمينه ، فافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة فكبر الحسين (٣) حتى كبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبع

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٢

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٢١.

(٣) ولم يكبر الحسين ظ ، ولكن رواه في الفقيه ج ١ ص ١٩٩ ، وفيه : « فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين عليه السلام » الخ.

٣٥٦

تكبيرات وكبر الحسين عليه‌السلام فجرت السنة بذلك.

قال زرارة : فقلت لابي جعفر عليه‌السلام فكيف نصنع؟ قال : تكبر سبعا ، وتسبح سبعا ، وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ (١).

توضيح : اعلم أنه لا خلاف بين الاصحاب في استحباب الافتتاح بسبع تكبيرات واختلفوا في عمومها ، فذهب المحقق وابن إدريس والشهيد ره وجماعة إلى العموم وبعضهم نص على شمول النوافل أيضا ، وقال المرتضى ره باختصاصها بالفرائض دون النوافل ، وابن الجنيد خصها بالمنفرد.

وقال المفيد في المقنعة : يستحب التوجه في سبع صلوات ، وقال الشيخ في التهذيب (٢) : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد بها خبرا مسندا وتفصيلها ماذكره أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل ، وفي المفردة من الوتر وفي أول كل ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب ، وفي أول ركعة من ركعتي الاحرام ، فهذه الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين وزاد الشيخ يعني المفيد الوتيرة (٣) والاول أظهر لعموم الاخبار.

ثم إنه لا خلاف بينهم في أن المصلي مخير في جعل أي السبع شاء تكبيرة الافتتاح ، وذكر الشيخ في المصباح أن الاولى جعلها الاخيرة ، وتبعه في ذلك جماعة ولم يظهر لهم مستند إلا كون دعاء التوجه بعدها ، وهو لا يصلح دليلا. وظاهر خبر الحسين عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلها الاولى ، ولذا ذهب بعض المحدثين إلى أن تعيين الاولى متعين ، ويمكن المناقشة فيه بأن كون أول وضعها كذلك لايستلزم استمرار هذا الحكم ، مع أن العلل الواردة فيها كثيرة ، وساير العلل لايدل على شئ.

وكان الوالد قدس سره يميل إلى أن يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٢١.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ٩٤ ط نجف.

(٣) المقنعة ص ١٧.

٣٥٧

وثلاث وخمس وسبع ، ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود ، وهذا أظهر من أكثر الاخبار كما لايخفى على المتأمل فيها ، بل بعضها كالصريح في ذلك.

فما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الاحرام ، إن أرادوا نية الصلاة ، فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها مع أنهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين ، لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها ، وإن أرادوا نية كونها تكبيرة الاحرام فلم يرد ذلك في خبر.

وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات ، وهذه أيضا غير معلومة ، إذ يمكن أن يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة ، وإن قارنت نية الصلاة الاولى ، لان الست من الاجزاء المستحبة أو لانه لم يتم الافتتاح بعد بناء على ما اختاره الوالد رحمه الله لكنهم نقلوا الاجماع على ذلك وتخيير الامام في تعيين الواحدة التي يجهر بها يومي إلى ماذكروه ، إذ الظاهر أن فائدة الجهر علم المأمومين بدخول الامام في الصلاة.

فالاولى والاحوط رعاية الجهتين معا بأن يتذكر النية عند واحدة منها ، ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الاولى ، ولولا ما قطع به الاصحاب من بطلان الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الاحوط مقارنة النية للاولى والاخيرة معا.

ثم ظاهر العلامة وجماعة أن موضوع التوجه عقيب تكبيرة الافتتاح أيتها كانت ، وظاهر الاخبار تعقيبه السابعة ، وإن نوى بالافتتاح غيرها ، وهو عندي أقوى.

قوله عليه‌السلام في الخبر الاول « فلم يجد » على بناء الافعال من الاجادة بمعنى إيقاعه جيدا ، وفي بعص النسخ « فلم يحر » بالحاء والراء المهملتين من قولهم ما أحار جوابا أي مارد والابطاء عن الكلام لعله كان عند الناس لورود الاخبار الكثيرة بتكلمهم عليهم السلام عند الولادة ، بل في الرحم ، وكذا التخوف كان من الناس لا منه عليه‌السلام.

٣٥٨

٦ ـ العلل : بالاسناد المتقدم عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن جبير ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : ما الافتتاح؟ فقال تكبيرة تجزيك ، قلت : فالسبع؟ قال ذاك الفضل (١).

٧ ـ الاحتجاج : كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام يسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملة إبراهيم ودين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فان بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع لانا لم نجده في شئ من كتب الصلاة ، خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق عليه‌السلام قال للحسن : كيف تتوجه؟ قال أقول لبيك وسعديك ، فقال له الصادق عليه‌السلام : ليس عن هذا أسألك كيف تقول « وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما » قال الحسن : أقوله : فقال له الصادق عليه‌السلام : إذا قلت ذلك فقال : « على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب والايتمام بآل محمد حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ».

فأجاب عليه‌السلام التوجه كله ليس بفريضة ، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لاخلاف فيه « وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين ، اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم » ثم يقرء الحمد.

قال الفقيه الذي لايشك في علمه : الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين لانها له عليه‌السلام وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة ، فمن كان كذلك فهو من المهتدين ، ومن شك فلا دين له ، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى (٢).

٨ ـ العيون والخصال : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن عبدالله الخلنجي ، عن الحسن بن راشد قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن تكبيرات الافتتاح فقال :

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٢١.

(٢) الاحتجاج ص ٢٧١.

٣٥٩

سبع قلت : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يكبر واحدة فقال إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا (١).

٩ ـ الخصال : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : رأيت أبا عبدالله عليه‌السلام وسمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (٢).

ومنه : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا كنت إماما فانه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر بها وتسر ستا (٣).

ومنه : عن أبيه ، عن سعد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أدنى مايجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات ، وخمس ، وسبع أفضل (٤).

ايضاح : قال الشهيد قدس سره في الذكرى والنفلية وغيره : يستحب للامام الجهر بتكيرة الافتتاح ليعلم من خلفه افتتاحه والاسرار للمأموم أما المنفرد فله الخيرة في ذلك ، وأطلق الجعفي رفع الصوت بها ، والتوجه بست غيرها أو أربع أو اثنتين والدعاء بينها ، ويجوز الولاء بينها بغير دعاء ، وذكروا استحباب إسرار الامام بغير تكبيرة الاحرام.

١٠ ـ الخصال : في خبر الاعمش عن الصادق عليه‌السلام قال يقال في افتتاح الصلاة : تعالى عرشك ، ولا يقال : تعالى جدك (٥).

ومنه : قال : قال أبي رض في رسالته إلى : من السنة التوجه في ست صلوات ، وهي أول ركعة من صلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وأول ركعة من ركعتي الزوال ، وأول ركعة

____________________

(١) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٧٨ ، الخصال ج ٢ ص ٤.

(٢ ـ ٤) الخصال ج ٢ ص ٥.

(٥) الخصال ج ٢ ص ١٥١.

٣٦٠