بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بيان : قال الفيروزآبادي : الجد البخت والحظ والحظوة والرزق والعظمة ،

____________________

القرظي ، والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال ومنه قول انس بن مالك : كان الرجل اذا قرء سورة البقرة جد في أعيينا : أي عظم.

وعن الربيع بن أنس أنه قال : ليس لله جد وانما قالته الجن بجهالة فحكاه سبحانه كما قالت : وروى ذلك عن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق عليهما السلام انتهى.

ومما روى في ذلك مافي تفسير القمي ص ٦٩٨ قال : انه شئ قالته الجن بجهالة فلم يرضه الله تعالى منهم ، ومعنى « جد ربنا » أي بخت ربنا.

أقول : اختلف المفسرون في توجيه النصب في قوله تعالى « وأنه » « وأنهم » ، و « أنا » الواقعة في صدر آيات هذه السورة ، والذى ظهر لى بعد التدبر في الايات أن النصب هو الصحيح وأن ذلك كله عطف على الرشد في قوله « يهدى إلى الرشد » والمعنى أن الجن بعد ماسمعوا القرآن قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد وهو توحيد الله عزوجل فأمنا به ولن نشرك بعد ذلك بربنا أحدا ، ويهدى إلى أنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا حيث قال : ان الله اتخذ صاحبة وولدا.

ومن عجيب مافيه أنه يحكى من أحوالنا ماهو غائب عن أبصار البشر وحواسهم يخبر بأنا ظننا أن لن تقول الجن والانس على الله كذبا ، وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع وأنا ... وأنا ... وأنا ..

فهذه الايات تحكى أن الجن بعد ماسمعوا القرآن العزيز وعرفوا مافيه من المعارف الحقة أصولا وفروعا آمنوا به ثم انصرفوا إلى سائر اخوانهم فأنذروهم بالقرآن وبينوا لهم معارفه وحقائقه ، الا انهم حينما شرعوا في بيان تلك الحقائق والمعارف لاخوانهم ، جذبتهم العظمة الالهية فقالوا من عند أنفسهم تعظيما لله عزوجل : « تعالى جد ربنا » وجعلوه جملة معترضة بين الكلامين وكان اصل الكلام « وأنه ما اتخذ ربنا صاحبة ولا ولدا ».

فكل مابينوه من حقائل القرآن الكريم وأخباره الغيبية في كلماتهم هذه ، موجود في القرآن العزيز ، الا معنى هذه الجملة المعترضة « تعالى جد ربنا » فان الجد هو الحظ والبخت

٣٢١

وقال الجزري : في حديث الدعاء : « تبارك اسمك وتعالى جدك » أي علا جلالك وعظمتك والجد الحظ والسعادة والغناء انتهى وفي حديث آخر أن ابن مسعود كان يقول ذلك ولعل ابن مسعود كان يقرء هذا الذكر بعد الركوع أو عند افتتاح الصلاة كما سيأتي ، والمنع لان الجن أرادوا بقولهم هذا : البخت ، ولايجوز إطلاق ذلك عليه تعالى ، وابن مسعود لما أراد به ماهو المراد في الآية جهلا فكأنه أراد هذا المعنى أو يقال : إنه وإن لم يقصد هذا المعنى وأراد به العظمة أو غيرها فلما كان موهما لهذا المعنى لاينبغي إطلاقه على الله ، لا سيما في الصلاة ، وماورد في بعض الادعية فلعله أيضا من طريق المخالفين ، أو اريد به معنى آخر أو يقال : لا ينبغي ذكر مثل ذلك في الصلاة وإن جاز في غيرها ، وعلى أى حال الظاهر أن المراد به إفساد الكمال إن لم يرد به معنى ينافي عظمة ذي الجلال.

وأما التسليم فالمراد به ذكره في التشهد الاول كما هو دأبهم ، واستمر إلى اليوم وسيأتي التصريح به في خبر الاعمش ، وقال الصدوق في الفقيه بعد إيراد الرواية : يعني

____________________

والنصيب وتوجب هذه الجملة حطا من عظمة الله وقدرته ، حيث يسند عظمة الله وقدرته وجلاله إلى البخت والاتفاق.

فاذا قال المصلى على ما كان يقوله ابن مسعود في تشهده : « تبارك اسمك وتعالى جدك » فقد نقض مفهوم الصلاة وهو التوجه والدعاء وتحميد الله عزوجل وتمجيده.

وأما قول الرجل « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » فان كان يقوله في التشهد الاول فقد أبطل تحريم صلاته وخرج عنها ، وان كان يقوله في التشهد الاخير ، فان كان بعد التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا بأس به حيث أنه قد خرج عن الصلاة بالتسليم المبيح على ما سيجئ شرحه في محله ، وان كان قبل ذلك أو بدونه بطلت صلاته كما في التشهد الاول ، نعم اذا قاله بعد : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » خطابا للنبي وآله : فلا بأس به أيضا ، فان هذا السلام أيضا مخرج عن الصلاة مبيح للتكلم بالكلام الادمى.

وأما سند الحديث ، فقد رواه في الفقيه ج ١ ص ٢٦١ مرسلا ورواه الشيخ في التهذيب باسناده إلى أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو صحيح كسند الخصال المؤيدة بالفقيه.

٣٢٢

في التشهد الاول وأما في التشهد الثاني بعد الشهادين فلا بأس به ، لان المصلي إذا تشهد الشهادتين في التشهد الاخير فقد فرغ من الصلاة.

١٠ ـ المحاسن : عن محمد بن على ، عن عيسى بن عبدالله العمري ، عن أبيه عن جده ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لايصلي أحدكم وبه أحد العصرين : يعني البول والغائط (١).

معاني الاخبار : عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه ، عن محمد بن علي الكوفي مثله (٢).

بيان في المعاني : « العقدين » بدل العصرين أي مايعقده في بطنه ويحبسه وما في المحاسن أظهر ، قال الفيروزآبادي العصر الحبس ، وفي الحديث أمر بلالا أن يؤذن قبل الفجر ليعتصر معتصرهم أراد قاضي الحاجة.

١١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن أبي الحكم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لا صلاة لحاقن وحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه (٣).

توضيح : الخبر محمول على المبالغة في نفي الفضل والكمال ، قال في المنتهى بعد إيراد هذه الصحيحة : المراد بذلك نفي الكمال لا الصحة ، ثم نقل الاجماع على أنه إن صلى كذلك صحت صلاته ، ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالاعادة.

١٢ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن المرءة المغاضبة زوجها هل لها صلاة أو ماحالها؟ قال : لاتزال عاصية حتى يرضى عنها (٤).

بيان : في الجواب إشعار بعدم البطلان كما لايخفى.

١٣ ـ المجازات النبوية : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يصلي الرجل وهو زناء ____________________

(١) المحاسن : ٨٢.

(٢) معاني الاخبار : ١٦٤.

(٣) المحاسن : ٨٣ ، ورواه في التهذيب ج ١ ص ٢٣٠.

(٤) المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٨٥.

٣٢٣

قال السيد : أصل الزناء الضيق والاجتماع ويقال : قد زنا بوله زنوا إذا احتقن وأزنا الرجل بوله إزناء إذا حقنه ، فسمى الحاقن زناء لاجتماع البول فيه وضيق وعائه عليه ووصف الرجل بالضيق مجاز وإنما الضيق في وعاء البول إلا أن ذلك الموضع لما كان شيئا من جملته ونوطا معلقا به ، جاز أن يجري اسمه عليه ، والزناء أحسن من الحاقن لان الحاقن قد يحقن القليل كما يحقن الكثير ، والزناء هو الضيق ولايكاد يضيق وعاء البول إلا من الكثير دون القليل (١).

١٤ ـ الخصال : عن ستة من مشايخه رضي الله عنهم ، عن أحمد بن يحيى بن زكريا ، عن بكر بن عبدالله ، عن تميم بن بهلول ، عن أبي معاوية ، عن الاعمش ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث طويل في ذكر شرائع الدين قال : ويقال في افتتاح الصلاة « تعالى عرشك » ولا يقال : « تعالى جدك » ولا يقال : في التشهد الاول « السلام علينا وعلى عباد الصالحين » لان تحليل الصلاة هو التسليم ، وإذا قلت هذا فقد سلمت (٢).

____________________

(١) المجازت النبوية : ٧٧.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥١.

٣٢٤

١٩

* ( باب ) *

* « ( النهى عن التكفير ) » *

١ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن القاسم ابن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن الصادق ، عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لايجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس (١).

٢ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى ، فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا فانه أحرى أن لاتشغل نفسك عن الصلاة (٢).

٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : قال علي بن الحسين عليه‌السلام وضع الرجل إحدى يديه على الاخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل (٣).

٤ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعيه؟ قال : لايصلح ذلك ، فان فعل فلا يعود له.

قال علي قال موسى : سألت أبي جعفرا عن ذلك فقال : أخبرني أبي محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهما‌السلام قال : ذلك عمل ، وليس في الصلاة عمل (٤).

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦١.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٩.

(٣) قرب الاسناد : ٩٥ ط حجر : ١٢٥ ط نجف.

(٤) المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧٧. وأما يكون التكفير عملا لان

٣٢٥

بيان : « وليس في الصلاة عمل » أي لاينبغي أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة ، أو هو بدعة ولايجوز الابتداع فيها ، أو فعل كثير كما فهمه بعض الاصحاب.

ثم اعلم أن هذا هو الذي عبر عنه الاصحاب بالكتف والتكفير ، واختلف الاصحاب في حكمه ومعناه ، أما حكمه فالمشهور بين الاصحاب تحريمه وبطلان الصلاة بتعمده ، ونقل الشيخ والمرتضى عليه إجماع الفرقة ، وخالف فيه ابن الجنيد فجعل تركه مستحبا ، وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها ، واستوجهه المحقق في المعتبر ، واختار بعض المحققين من المتأخرين التحريم بدون الابطال ، والاحوط الترك والاعادة مع الاتيان به عمدا من غير تقية ، وإن كان ما استوجهه المحقق ره لايخلو من وجه ، إلا إذا قصد به العبادة فيكون بدعة محرمة.

وأما معناه فالتكفير في اللغة الخضوع ، وأن ينحني الانسان ويطأطي رأسه قريبا من الركوع ، واختلف الاصحاب في تفسيره ، فالفاضلان فسراه بوضع اليمين على

____________________

أصل العمل ينسب إلى اليدين كما في قوله تعالى : « أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت ايدينا أنعاما فهم لها مالكون » يس : ٧١ وقال : « ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون » يس : ٣٥ وأما الاعمال التى يصدر من سائر الجوارح فانما يطلق عليها العمل لانها مكتسبة بالايدى مجازا كما قال عزوجل « ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس » الروم : ٤١.

فعلى هذا وضع اليد على اليد تكفيرا وتعظيما لله عزوجل عمل من أعمال اليد ، وليس العمل من حقيقة الصلاة ومفهومها وهو الدعاء والتوجه في شئ حتى يكون من أجزائها الواجبة أو المندوبة.

وأما رفع اليدين بالتكبيرات ورفعها مقابل الوجه عند القنوت فهما أيضا عملان خارجان عن مفهوم الصلاة كما هو ظاهر الا أن النبي صلى الله عليه وآله ادخلهما في الصلاة سنة في فريضة من تركهما عمدا بطلت صلاته ، فالتكفير على ما هو سيرة المخالفين علينا تبعا للمجوس حيث يتكتفون عند أعاظمهم قياما ، بدعة أبدعوها في الصلاة ، وكل بدعة سبيلها إلى النار.

٣٢٦

الشمال ، وقيده العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة ، وقال الشيخ : لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس ، وتبعه ابن إدريس والشهيدان وقال في المنتهى : قال الشيخ في الخلاف : يحرم وضع الشمال على اليمين ، وعندي فيه تردد انتهى.

والظاهر أنه لافرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها ، وبين أن يكون بينهما حائل أم لا ، وبين أن يكون الوضع على الزند أو على الساعد وقد صرح بالجميع جماعة من الاصحاب ، واستشكل العلامة في النهاية الاخير ، ولا ريب في جواز التكفير حال التقية ، بل قد يجب ، ولو تركه والحال هذه فالظاهر عدم بطلان الصلاة لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة ، وإن كان الاحوط الاعادة وقد مضت أخبار في ذلك في باب آداب الصلاة.

٥ ـ العياشي : عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال قلت : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال : لابأس إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى ، فانزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خذ ما آتيتك بقوة » (١) فاذا دخلت الصلاة فادخل فيها بجلد وقوة ، ثم ذكرها في طلب الرزق : فاذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة (٢).

بيان : على نبيه أي على موسى عليه‌السلام فيكون نقلا بالمعنى ، لبيان أن المخاطب بالذات هو موسى عليه‌السلام أو على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أي الغرض من إيراد تلك القصة ، أن قوله تعالى لبني إسرائيل خذوا ما آتيناكم بقوة بيان أنه ينبغي لهذه الامة أيضا أن يأتوا بمثله ، وذكر ذلك بعد تجويز وضع اليد على الذراع أنه نوع من التماوت ، فلا ينبغي إشعارا بأن ما ذكرناه إنما كان تقية ، ويحتمل أن يكون الخبر بتمامه محمولا على التقية ، ويكون المراد أن إرسال اليد من التماوت.

ويمكن أن لا يكون هذا الكلام متعلقا بالسابق ، بل ذكره للمناسبة ، فيكون مؤيدا لتوقف العلامة في منع وضع اليد على الذراع والساعد ، لكن بمثل هذا الخبر الذي

____________________

(١) الاعراف : ١٤٤.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٦.

٣٢٧

هو في غاية الاجمال يشكل الاستدلال على حكم.

قوله « ثم ذكرها » : يمكن أن يكون من كلام الراوي أي ثم ذكر عليه‌السلام القوة وحسنها في طلب الرزق ، وقال فاطلبه بقوة ويحتمل أن يكون في الاصل « قال : إذا طلبت ». ويحتمل أن يكون من كلامه عليه‌السلام أي الاخذ بقوة في الآية ليس مقصورا على العبادات ، بل يشمل طلب الرزق أيضا والله تعالى يعلم.

٣٢٨

٢٠

* « ( باب ) » *

* « ( مايستحب قبل الصلاة من الاداب ) » *

١ ـ تفسير علي بن إبراهيم : « خذوا زينتكم عند كل مسجد » (١) روي أنه المشط عند كل صلاة (٢).

٢ ـ العلل : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن عبدالله بن ميمون القداح قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا أن أشق على امتي لامرتهم بالسواك مع كل صلاة (٣).

٣ ـ الاداب الدينية للطبرسي : يستحب السواك عند كل صلاة ، وروي أن ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : لايخلو المؤمن من خمس : مشط وسواك وخاتم عقيق وسجادة وسبحة فيها أربع وثلاثو ن حبة.

٤ ـ العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله تعالى « خذوا زينتكم عند كل مسجد » قال : هو المشط عند كل صلاة فريضة ونافلة (٤).

ومنه : عن عمار النوفلي ، عن أبيه قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : المشط يذهب بالوباء قال : وكان لابي عبدالله عليه‌السلام مشط في المسجد يتمشط به إذا فرغ من صلاته (٥).

٥ ـ جامع الاخبار : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ركعتان بسواك أحب إلى الله من

____________________

(١) الاعراف : ٣١.

(٢) تفسير القمي : ٢١٤.

(٣) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧٧.

(٤ ـ ٥) تفسير العياشي ج ٢ ص ١٣.

٣٢٩

سبعين ركعة بغير سواك (١).

٦ ـ اعلام الدين للديلمي : قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك فان صلاة على أثرا السواك خير من خمس وسبعين صلاة بغير سواك.

٧ ـ ثواب الاعمال : عن علي بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد ، عن أبيه ، عن المفضل ، عن الصادق عليه‌السلام قال : ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر (٢).

بيان : تدل هذه الاخبار على استحباب السواك قبل الصلاة ، وهل يكتفي بما يقع قبل الوضوء؟ الاظهر ذلك (٣) وإن كان الافضل إعادته متصلا بالصلاة والتمشط قبل الصلاة وبعدها ، والقبل أفضل ، والاحوط عدم الترك لتفسير الامر الوارد في الآية بالزينة به في الاخبار الكثيرة ، والتعطر عندها ، وكل ذلك مذكور في كلام الاكثر.

____________________

(١) جامع الاخبار : ٦٨.

(٢) ثواب الاعمال : ٣٧.

(٣) الفطرة تقتضى السواك قبل مضمضة الوضوء ، كما هو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

٣٣٠

٢١

* ( باب ) *

* « ( القيام والاستقلال فيه وغيره من أحكامه وآدابه ) » *

* « ( وكيفية صلاة المريض ) » *

الايات : البقرة : وقوموا لله قانتين (١).

آل عمران : الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم (٢).

تفسير : « وقوموا » استدل به على وجوب القيام في الجملة إما في الصلاة الوسطى

____________________

(١) البقرة : ٢٣٨ ، وقد مر بعض القول فيها في ج ٨٢ ص ٢٧٨ والظاهر من الاية عطف قوله تعالى : « وقوموا لله قانتين » على « حافظوا » فيكون الامر بظاهره مستقلا كما في : « حافظوا على الصلوات » فيكون واجبا على حدة في عرض الصلاة ، الا أنه لما كان متشابها أوله رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله داخل الصلاة ، فعلى هذا يكون القيام في حال الصلاة واجبا بالسنة من تركه عمدا فلا صلاة له ، ومن تركه ناسيا أو ساهيا أو لايدري فلا شئ عليه ، وقد عرفت في هذا المجلد ( ج ٨٤ ) ص ٩٠ أن هذا القيام يجب أن يكون عن استقرار وأمنة.

(٢) آل عمران : ١٩١ ، وفي ايراد الاية الكريمة في الباب تأمل حيث لا أمر فيه بل الله عزوجل يمدح اولى الالباب بأنهم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ( قائلين ) ربنا ما خلقت هذا باطلا ، سبحانك ، فقنا عذاب النار ، واذا رجعنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وجدنا الاية متعلقة بقيام الليل تهجدا يتذكر المصلى هذه الايات الخمس ، ويذكر الله في القيام والقعود وفي الضجعة بين ركعتى الفجر وركعتى الغداة.

وأما الاية التى تتعلق بالبحث عن هذا الموضوع قوله تعالى : « فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فاذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة » النساء : ١٠٣ على ماعرفت في ج ٨٢ ص ٣١٤ ، فراجع.

٣٣١

أو مطلقا حال القنوت إن حمل على القنوت المصطلح ، أو مطلقا ، واورد عليه بأن الظاهر من قوله تعالى « حافظوا على الصلوات » ارادة العموم بالنسبة إلى الواجب والمندوب فالامر للاستحباب وحينئذ لاترجيح ، ويحمل الامر على الوجوب على تخصيص الصلوات بالفرائض ، وإن حملنا الامر المذكور على الاستحباب يمكن أن يجعل ذلك قرينة لارادة القيام في جميع الصلوات من قوله « قوموا » وحمل الامر به على الاستحباب وانصراف القنوت إلى الامر المعهود وتبادره إلى الذهن بعد ثبوت استحبابه يؤيد هذا الحمل.

ويمكن أن يجاب بأن حمل المعرف باللام على المعهود المنساق إلى الذهن وهو مطلق الصلاة اليومية أولى من حمل الامر على الاستحباب ، والقنوت تبادره في المعنى المخصوص إنما هو في عرف الفقهاء ، وعلى تقدير التسليم يمكن أن يكون الامر بالقيام للوجوب ، والقيد للاستحباب ، ويكفي في الحالية المقارنة في الجملة ولايخفى مافيه ، والحق أن الاستدلال على الوجوب بالآية مشكل لكن الاخبار المستفيضة المؤيدة بالاجماع يكفينا لاثبات وجوب القيام ، والآية مؤيدة لها.

« لله » يدل على وجوب النية والاخلاص فيها « قانتين » سيأتي تفسيره.

« الذين يذكرون الله قياما » قال الطبرسي ره : (١) وصفهم بذكر الله تعالى قائمين وقاعدين ومضطجعين ، أي : في ساير الاحوال لان أحوال المكلفين لايخلو من هذه الاحوال الثلاثة ، وقيل : معناه يصلون لله على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم ، فالصحيح يصلي قائما ، والسقيم يصلي جالسا وعلى جنبه أي مضطجعا ، فسمى الصلاة ذكرا رواه علي ابن إبراهيم في تفسيره (٢) انتهى.

____________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥٦.

(٢) تفسير القمي ص ١١٧.

٣٣٢

وروى الكليني (١) في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في هذه الآية قال : الصحيح يصلي قائما « وقعودا » المريض يصلي جالسا « وعلى جنوبهم » الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا ، وقد مر مايؤيد التفسير الاول للطبرسي في باب الذكر.

أقول : سيأتي ساير الآيات في ذلك في باب صلاة الخوف.

١ ـ العياشي : عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : في قول الله « الذين يذكرون الله قياما » الاصحاء « وقعودا » يعني المرضى « وعلى جنوبهم » قال : أعل ممن يصلي جالسا وأوجع.

وفي رواية اخرى : عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وذكر نحو ما مر برواية الكليني (٢).

٢ ـ المحاسن : في رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال علي : من لم يقيم صلبه في الصلاة فلا صلاة له (٣).

بيان : لا خلاف في وجوب القيام في الصلاة بين علماء الاسلام ، ونقل الاجماع عليه أكثرهم ونقل الفاضلان وغيرهما الاجماع على ركنيته ، ويظهر من نهاية العلامة قول من ابن أبي عقيل بعدم ركنيته ، فانه قسم أفعال الصلاة إلى فرض وهو ما إذا أخل به عمدا أو سهوا بطلت الصلاة ، وإلى سنة وهو ما إذا أخل به عمدا بطلت لا سهوا ، وإلى فضيلة وهو ما لايبطل بتركه مطلقا ، وجعل الاول الصلاة بعد دخول الوقت ، والاستقبال ، والتكبير ، والركوع ، والسجود ، ولم يتعرض للقيام.

ويمكن الاستدلال بهذا الخبر علي الوجوب والركنية معا ، ويدل على وجوب الانتصاب في القيام أيضام بدون انحناء وانخناس ، فان الصلب عظم من الكاهل إلى

____________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٤١١.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢١١.

(٣) المحاسن ص ٨٠ ، والمراد باقامة الصلب ليس في حال القيام فقط ، بل هو عام لجميع حالات الصلاة من القيام والركوع والسجود والجلسة بين السجدتين وللتشهد ، وان شئت راجع في ذلك ج ٨٢ ص ٣١٦.

٣٣٣

العجب ، وهو أصل الذنب ، وإقامته يستلزم الانتصاب ويمكن أن يقال : استعمال لا صلاة وأشباهه في نفي الكمال شاع ، بحيث يشكل الاستدلال به على نفي الصحة وإن كان في الاصل حقيقة فيه.

ثم إنه معلوم أن القيام ليس بركن في جميع الحالات ، لان من نسي القراءة أو أبعاضها أو جلس في موضع القيام لا تجب عليه إعادة الصلاة ، فلذا ذهب بعضهم إلى أن الركن هو القيام المتصل بالركوع (١) وقيل : القيام في حال كل فعل تابع له ، وتحقيق هذه الامور لايناسب هذا الكتاب بل لاثمرة لها سوى الاطناب.

٣ ـ العيون : عن محمد بن عمر الحافظ ، عن جعفر بن محمد الحسيني ، عن عيسى ابن مهران ، عن عبدالسلام بن صالح الهروي وبأسانيد ثلاثة اخرى ، عن الرضا ، آبائه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا ، فان لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء (٢).

صحيفة الرضا : عنه عليه‌السلام مثله (٣).

٤ ـ تفسير النعماني : بالاسناد المذكور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : وأما الرخصة التي هي الاطلاق بعد النهي ، فمنه « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين » (٤) فالفريضة منه أن يصلي الرجل صلاة الفريضة على الارض بركوع وسجود تام ، ثم رخص للخائف فقال سبحانه : « فان خفتم فرجالا أو ركبانا » (٥) ومثله قوله عزوجل : « فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم » (٦).

____________________

(١) بمعنى أن الركوع الذي هو ركن بفرض القرآن الكريم ، انما هو الركوع من قيام حال الاختيار.

(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ٦٨ و ٣٦ ، بالاسنادين.

(٣) صحيفة الرضا ص ١٥.

(٤) البقرة : ٢٣٨.

(٥) البقرة : ٢٣٩.

(٦) النساء : ١٠٣.

٣٣٤

ومعنى الآية أن الصحيح يصلي قائما ، والمريض يصلي قاعدا ، ومن لم يقدر أن يصلي قاعدا صلى مضطجعا ، ويومي إيماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة (١).

بيان : المشهور بين الاصحاب أنه مع العجز عن الاستقلال في القيام يعتمد على شئ ، فمع العجز عن القيام مطلقا حتى مع الانحناء والاتكاء يصلي قاعدا ، ونقلوا على تلك الاحكام الاجماع ، لكن اختلفوا في حد العجز المسوغ للقعود فالمشهور أنه العجز عن القيام أصلا وهو مستند إلى علمه بنفسه ونقل عن المفيد أن حده أن لايتمكن من المشي بمقدار الصلاة ، لما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص (٢) المروزي قال : قال الفقيه عليه‌السلام : المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لايقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما.

والخبر يحتمل وجهين : أحدهما أن من يقدر على المشي بقدر الصلاة يقدر على الصلاة قائما ، وثانيهما أن من قدر على المشي مصليا ولم يقدر على القيام مستقرا فالصلاة ماشيا أفضل من الصلاة جالسا ، ولو حمل على الاول بناء على الغالب لاينافي المشهور كثيرا.

ثم إنهم اختلفوا فيما إذا قدر على الصلاة مستقرا متكئا وعليها ماشيا فالاكثر رجحوا الاستقرار ، ونقل عن العلامة ترجيح المشي ، وكذا اختلفوا فيما إذا قدر على المشي فقط ، هل هو مقدم على الجلوس أم الجلوس مقدم عليه؟ فذهب الشهيد وجماعة إلى الثاني ، والشهيد الثاني إلى الاول بحمل الرواية على المعنى الثاني مؤيدا له بأن مع المشي يفوت وصف القيام ومع الجلوس أصله ، ولايخفى مافيه ، إذا لاستقرار واجب برأسه يجتمع هو وضده مع القيام والقعود معا.

والمسألة في غاية الاشكال ، ولايبعد أن يكون الصلاة جالسا أوفق لفحوى الاخبار كما لايخفى على المتأهل فيها ، والخبر المتقدم له محملان متعادلان يشكل الاستدلال به على أحدهما.

____________________

(١) تفسير النعماني المطبوع في البحار ج ٩٣ ص ٢٨.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٠٥.

٣٣٥

واعلم أن العجز يتحقق بحصول الالم الشديد الذي لايتحمل عادة ، ولا يعتبر العجز الكلى ، ولايختص القعود بكيفية وجوبا ، بل يجلس كيف شاء ، نعم المشهور أنه يستحب أن يتربع قارئا ويثني رجليه راكعا ، ويتروك متشهدا ، وفسر التربع ههنا بأن ينصب فخذيه وساقيه ، وتثنية الرجلين بأن يفترشهما تحته ويجلس على صدورهما بغير إقعاء ، وقد مر معنى التورك.

وذكر جماعة من الاصحاب في كيفية ركوع القاعد وجهين أحدهما أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم المنتصب ، وثانيهما أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده ، وأدناه أن يحاذي جبهته قدام ركبتيه ولايبعد تحقق الركوع بكل منهما والظاهر عدم وجوب رفع الفخذين عن الارض وأوجبه الشهيد في بعض كتبه مستندا إلى وجه ضعيف.

ثم إنه لا خلاف بين الاصحاب في أنه مع العجز عن الجلوس أيضا يضطجع متوجها إلى القبلة ، واختلفوا في الترتيب حينئذ فالمشهور أنه يضطجع على الايمن فان تعذر فعلى الايسر ، فان تعذر فيستلقي ، ويظهر من المعتبر والمنتهى الاتفاق على تقديم الايمن ، ومن المحقق في الشرايع والعلامة في بعض كتبه والشيخ في موضع من المبسوط التخيير بين الايمن والايسر ، وجعل العلامة رحمه الله في النهاية الايمن أفضل.

ثم على القول بتقديم الايمن ، إن عجز عنه ، فظاهر بعضهم تقديم الايسر ، وبعضهم التخيير بينه وبين الاستلقاء ، وبعضهم الانتقال إلى الاستلقاء فقط ، ولعل تقديم الايسر أحوط بل أظهر لفحوى بعض الايات والاخبار.

وتدل رواية العيون ورواية مرسلة (١) رواها الشيخ عن الصادق عليه‌السلام ، على أن بعد العجز عن القعود ينتقل إلى الاستلقاء وقال المحقق في المعتبر بعد إيراد رواية التهذيب وإيراد رواة عمار (٢) قبلها دالة على تقدم الاصطجاع : الرواية الاولى

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٨٣.

(٢) سيجئ بألفاظه تحت الرقم ٥.

٣٣٦

أشهر وأظهر بين الاصحاب.

أقول : يمكن حمل أخبار الانتقال أولا إلى الاستلقاء على التقية ، فانه مذهب أبي حنيفة وبعض الشافعية ، وراوي خبر العيون عامي وأخبار الرضا عليه‌السلام كثيرا ماترد على التقية ، ومع قطع النظر عن ذلك ، والاجماع المنقول ، يمكن القول بالتخيير ، وحمل تقديم الاضطجاع على الافضلية ، والعمل بالمشهور أحوط وأولى.

ثم المشهور أن الايماء بالرأس مقدم على الايماء بالعين ، والاخبار مختلفة ، وبعضها مجملة ، والعمل بالمشهور أحوط ، ومع الايماء بالرأس فليجعل السجود أخفض من الركوع ، كما ذكره الاصحاب وورد في بعض الروايات.

٥ ـ المعتبر : روى أصحابنا عن حماد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده ، وينام على جانبه الايمن ، ثم يؤمي بالصلاة ، فان لم يقدر على جانبه الايمن فكيف ما قدر ، فانه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ، ثم يؤمي بالصلاة إيماء.

بيان : روى الشيخ بسند موثق بن عمار (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومي إيماء ، وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الايمن ثم يومي بالصلاة فان لم يقدر أن ينام على جنبه الايمن فكيف ما قدر ، فانه له جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ويومئ إيماء.

وتشابه الخبرين في أكثر الالفاظ يوهم اشتباه عمار بحماد منه رحمه الله أو من النساخ ، وتغيير عبارة الخبر لتصحيح مضمونه نقلا بالمعنى ، وجلالته تقتضي كونه خبرا آخر ، واشتباه النساخ بعيد لاتفاق مارأينا من النسخ على حماد ، وساير أجزاء الخبر كما نقلنا ، إلا أن يكون من الناسخ الاول والله أعلم.

٦ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المريض الذي لايستطيع القعود ولا الايماء

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٠٥.

٣٣٧

كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال : يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبر هو (١).

وسألته عن رجل نزع الماء من عينه أو يشتكي عينه وشق عليه السجود ، هل يجزيه أن يؤمي وهو قاعد أو يصلي وهو مضطجع؟ قال : يؤمئ وهو قاعد (٢).

بيان : المشهور بين الاصحاب أنه إن قدر المريض على رفع موضع السجود والسجدة عليه وجب ، ويدل عليه أخبار ، والعمل به متعين. وأما إذا صلى بالايماء هل يجب عليه أن يضع على جبهته شيئا حال الايماء؟ لم يتعرض له الاكثر ، ونقل عن بعضهم القول بالوجوب ، ويدل عليه هذا الخبر وموثقة سماعة (٣) والاحوط العمل به ، وإن أمكن حملهما على الاستحباب ، لخلو كثير من الاخبار عنه.

قوله عليه‌السلام : « يومي وهو قاعد » محمول على القدرة على القعود ، ولا ريب أن مع القدرة عليه لايجوز الاضطجاع ، والخبر بجزئيه يدل على تقدم الاضطجاع على الاستلقاء.

٧ ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه ، عن محمد بن محمد بن مخلد ، عن عبد الواحد بن محمد ، عن يحيى بن أبي طالب ، عن أبي بكر الحنفي ، عن سفيان ، عن ابن الزبير ، عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها ، فأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به ، وقال : على الارض إن استطعت ، وإلا فأوم إيماء ، واجعل سجودك أخفض من ركوعك (٤).

بيان : الخبر عامي ولا يعارض الاخبار المعتبرة.

٨ ـ طب الائمة : عن الحسن بن أورمة ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن بزيع المؤذن قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام إني اريد أن أقدح عيني ، فقال لي : استخر الله وافعل ، قلت : لهم يزعمون أنه ينبغي للرجل أن ينام على ظهره كذا وكذا ، ولا

____________________

(١ ـ ٢) قرب الاسناد ص ٩٧ ط حجر ص ١٢٨ ط نجف.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٣٣٩.

(٤) أمالي الطوسي ج ١ ص ٣٩٦.

٣٣٨

يصلي قاعدا؟ فقال : افعل (١).

توضيح : قال الجوهري قدحت العين إذا أخرجت منها الماء الفاسد ، قوله عليه‌السلام « استخر الله » أي اسأل الله أن يجعل خيرك فيه ، قال في التذكرة : لو كان به رمد وهو قادر على القيام ، فقال العالم بالطب : إذا صلى مستلقيا رجا له البرء ، جاز ذلك ، وبه قال أبوحنيفة والثوري ، وقال مالك والاوزاعي : لايجوز لان ابن عباس لم يرخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا.

٩ ـ دعوات الراوندى : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يصلي المريض قائما إن استطاع فان لم يستطع صلى قاعدا ، فان لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه ، وجعل مقصده إلى القبلة متوجها إليها ، فان لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الايمن مستقبل القبلة ، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الايمن صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة.

وروي عنهم عليهما‌السلام أن المريض تلزمه الصلاة إذا كان عقله ثابتا ، فان لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة وليصل قائما فان لم يتمكن فليصل جالسا ، فاذا أراد الركوع قام فركع ، فان لم يقدر فليركع جالسا ، فان لم يتمكن من السجود إذا صلى جالسا رفع خمرة وسجد عليها ، فان لم يتمكن من الصلاة جالسا فليصل مضطجعا على جانبه الايمن وليسجد ، فان لم يتمكن من السجود أومأ إيماء ، وإن لم يتمكن من الاضطجاع فليستلق على قفاه ، وليصل موميا يبدء الصلاة بالتكبير يقرأ فاذا أراد الركوع غمض عينيه ، فاذا أراد الرفع فتحهما ، وإذا أراد السجود غمضهما ، فاذا أراد رفع رأسه ثانيا فتحهما ، وعلى هذا تكون صلاته.

١٠ ـ قرب الاسناد : عن محمد بن الوليد ، عن عبدالله بن بكير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الصلاة قاعدا ويتوكأ على عصا أو على حائط؟ فقال : لا ما شأن أبيك وشأن هذا؟ ما بلغ أبوك هذا بعد إن سوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما عظم وبعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تبارك وتعالى : « طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » فوضعها.

ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام لابأس بالصلاة وهو قاعد ، وهو على نصف صلاة القائم

____________________

(١) طب الائمة : ٨٧.

٣٣٩

ولابأس بالتوكي على عصا والاتكاء على الحائط ، قال : ولكن يقرأ وهو قاعد فاذا بقيت آيات قام فقرأهن ثم ركع (١).

بيان : « لابأس بالصلاة وهو قاعد » أي النافلة ، ولا خلاف في جواز الجلوس فيها مع الاختيار أيضا ، قال في المعتبر : وهو إطباق العلماء وفي المنتهى أنه لايعرف فيه مخالف ، وكأنهما لم يعتبرا خلاف ابن إدريس حيث منع من الجلوس في النافلة في غير الوتيرة اختيارا ، والاشهر أظهر ، وما ذكره عليه‌السلام في أول الخبر للتأكيد في إدراك فضل القيام عند السهولة وعدم العسر والعذر ، وقد جوز بعض الاصحاب الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام وهو بعيد ، والظاهر أن تجويز الاتكاء على العصا والحائط أيضا في النافلة ، فأما القيام قبل الركوع فهو أيضا محمول على الفضل للاخبار الدالة على جواز الجلوس في الجميع ، وأوجبوا ذلك في الفريضة مع القدرة عليه والعجز عن القيام في الجميع ، وهو حسن.

١١ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ قال : لابأس (٢).

وسألته عن رجل يكون في الصلاة هل يصلح له أن يقدم رجلا ويؤخر اخرى من غير مرس ولا علة؟ قال : لابأس (٣).

وسألته عن رجل يكون في صلاة الفريضة فيقوم في الركعتين الاوليين له يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض ويستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال : لابأس (٤).

كتاب المسائل : لعلي بن جعفر عن أبيه عليه‌السلام مثله (٥).

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٧٩ ط حجر ١٠٤ ط نجف.

(٢) قرب الاسناد ص ٩٤ ط حجر : ١٢٣ ط نجف.

(٣ ـ ٤) قرب الاسناد ص ١٢٤ ط نجف.

(٥) المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧٥.

٣٤٠