بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وعنه عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا قام إلى الصلاة تغير لونه ، فاذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا.

وروى العيص ابن القاسم عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة ، فأي شئ أشد من هذا؟ والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها ، إن الله عزوجل لايقبل إلا الحسن ، فكيف تقبل مايستخف به.

وعن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه ، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه ولم يحزن صدره بما اعطي غيره.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قام العبد إلى الصلاة فكان هواه وقلبه إلى الله تعالى انصرف كيوم ولدته امه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله مقبل على العبد مالم يلتفت.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رأى مصليا يعبث بلحيته : أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يمضي على الرجل ستون سنة أو سبعون ماقبل الله من صلاة واحدة.

٦٠ ـ اعلام الدين : كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا صلى تبرز إلى مكان خشن يتخفى ويصلي فيه وكان كثير البكاء ، قال : فخرج يوما في حر شديد إلى الجبان ليصلي فيه فتبعه مولى له وهو ساجد على الحجارة وهي خشنة حارة وهو يبكي فجلس مولاه حتى فرغ فرفع رأسه وكأنه قد غمس رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع الخبر.

٦١ ـ مشكوة الانوار : نقلا من المحاسن ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله يبغض الشهرتين : شهرة اللباس وشهرة الصلاة (١).

____________________

(١) مشكاة الانوار : ٣٢٠.

٢٦١

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة ليلتها قالت : يارسول الله ولم تتعب نفسك وقد غفر لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : ياعائشة ألا أكون عبدا شكورا (١).

قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم على أصابع رجليه فأنزل الله ، « طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » (٢).

وعن علي بن يقطين قال : قال أبوالحسن موسى عليه‌السلام مر أصحابك أن يكفوا ألسنتهم ويدعو الخصومة في الدين ، ويجتهدوا في عبادة الله ، وإذا قام أحدهم في صلاة فريضة فليحسن صلاته ، وليتم ركوعه وسجوده ، ولايشغل قلبه بشئ من امور الدنيا فاني سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إن ملك الموت يتفصح وجوه المؤمنين عند حضور الصلوات المفروضات (٣).

٦٢ ـ ثواب الاعمال : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الصلاة وكل بها ملك ليس له عمل غيرها ، فاذا فرغ منها قبضها ثم صعد بها ، فان كانت مما تقبل قبلت ، وإن كانت مما لاتقبل قيل له ردها على عبدي فينزل بها حتى يضرب بها وجهه ، ثم يقول له : اف لك لايزال لك عمل يعنتني (٤).

المحاسن : عن أبيه ، عن صفوان ، عن ابن خارجة عنه عليه‌السلام مثله (٥).

٦٣ ـ كتاب الغايات : للشيخ جعفر بن أحمد القمي ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : خياركم ألينكم مناكب في الصلاة.

____________________

(١) مشكاة الانوار : ٣٥.

(٢) المصدر نفسه : ٣٥.

(٣) مشكاة الانوار : ٦٨.

(٤) ثواب الاعمال : ٢٠٦.

(٥) المحاسن : ٨٢.

٢٦٢

بيان : قال في النهاية : فيه خياركم ألاينكم مناكب في الصلاة ، هي جمع ألين بمعنى السكون والوقار والخشوع انتهى ، ويحتمل أن يكون كناية عن كثرة الصلاة أو التفسح للواردين في الجماعة.

٦٤ ـ معاني الاخبار : عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : اعلم أن الصلاة حجزة الله في الارض فمن أحب أن يعلم ما أدرك من نفع صلاته فلينظر ، فان كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فانما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز (١).

بيان : قال في النهاية فيه : أن الرحم أخذت بحجزة الرحمن ، أي اعتصمت به والتجأت إليه مستجيرة ، وأصل الحجزة موضع شد الازار ، ثم قيل للازار حجزة للمجاورة ، واحتجر الرجل بالازار إذا شده على وسطه ، فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسك بالشئ والتعلق به ، ومنه الحديث الآخر : والنبي آخذ بحجزة الله ، أي بسبب منه ، والانحجاز مطاوع حجزه إذا منعه.

وقال في القاموس : حجزه يحجزه ويحجزه حجز أمنعه وكفه فانحجز ، وبينهما فصل ، والحجزة الذين يمنعون بعض الناس من بعض ويفصلون بينهم بالحق ، وتحاجزا : تمانعا ، وشدة الحجزة كناية عن الصبر انتهى والظاهر أن المراد هنا مايحجز الناس عن المعاصي ويحتمل السبب أيضا.

٦٥ ـ تفسير علي بن ابراهيم : « اتل ما اوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » قال من لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا (٢).

٦٦ ـ دعائم الاسلام : عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أسرق

____________________

(١) معاني الاخبار : ٢٣٦ في حديث.

(٢) تفسير القمي : ٤٩٦ ، في سورة النعكبوت الاية ٤٥.

٢٦٣

السراق من سرق من صلاته يعني لايتمها (١).

وعنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من لم يتم وضوءه وركوعه وسجوده وخشوعه فصلاته خداع ، يعني ناقصة غير تامة (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : الصلاة ميزان فمن وفى استوفى (٣).

وعنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : صلاة ركعتين خفيفتين في تمكن خير من قيام ليلة (٤).

وعنه عليه‌السلام قال : مثل الذي لايتم صلاته كمثل حبلى حملت إذا دنا نفاسها أسقطت ، فلا هي ذات حمل ولا ذات ولد (٥).

وعنه عليه‌السلام أنه دخل المسجد فنظر إلى أنس بن مالك يصلي وينظر حوله ، فقال له : يا أنس صل صلاة مودع ترى أنك لاتصلي بعدها صلاة أبدا ، اضرب ببصرك موضع سجودك لاتعرف من عن يمينك ولا عن شمالك ، واعلم أنك بين يدي من يراك ولاتراه (٦).

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال في قول الله عزوجل : « الذينهم في صلواتهم خاشعون » قال : الخشوع غض البصر في الصلاة ، وقال : من التفت بالكلية في صلاته قطعها (٧).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بنيت الصلاة على أربعة أسهم : سهم منها إسباغ الوضوء ، وسهم منها الركوع ، وسهم منها السجود ، وسهم منها الخشوع ، فقيل : يا رسول الله ، وما الخشوع؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : التواضع في الصلاة ، وأن يقبل العبد بقلبه كله على ربه ، فاذا هو أتم ركوعها وسجودها وأتم سهامها صعدت إلى السماء لها نور يتلالؤ ، وفتحت أبواب السماء لها ، وتقول حافظت على حفظك الله ، فتقول الملائكة

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٣٥ وفيه : لايتم فرائضها.

(٢ ـ ٥) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٣٦.

(٦ و ٧) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٧ و ١٥٨.

٢٦٤

صلى الله على صاحب هذه الصلاة ، وإذا لم يتم سهامها صعدت ولها ظلمة وغلقت أبواب السماء دونها وتقول ضيعتني ضيعك الله ، ويضرب الله بها وجهه (١).

وروينا عن علي بن الحسين أنه صلى فسقط الرداء عن منكبيه ، فتركه حتى فرغ من صلاته ، فقال له بعض أصحابه : يا ابن رسول الله! سقط رداؤك عن منكبيك فتركته ومضيت في صلاتك؟ فقال : ويحك تدري بين يدي من كنت؟ شغلني والله ذلك عن هذا ، أتعلم أنه لايقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه ، فقال له : يا ابن رسول الله هلكنا إذا قال : كلا إن الله يتم ذلك بالنوافل (٢).

وعنه عليه‌السلام أنه كان إذا توضأ للصلاة وأخذ في الدخول فيها اصفر وجهه وتغير فقيل له مرة في ذلك ، فقال : إني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم (٣).

وعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما كانا إذا قاما في الصلاة تغيرت ألوانهما مرة حمرة ومرة صفرة كأنهما يناجيان شيئا يريانه (٤).

وعن علي عليه‌السلام أنه كان إذا دخل الصلاة كان كأنه بناء ثابت أو عمود قائم لايتحرك ، وكان ربما ركع أو سجد فيقع الطير عليه ، ولم يطق أحد أن يحكي صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين عليهما‌السلام (٥).

وعن جعفر بن محمد أنه سئل عن الرجل يقول في الصلاة هل يراوح بين رجليه أو يقدم رجلا ويؤخر اخرى من غير علة؟ قال : لابأس بذلك مالم يتفاحش (٦).

وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يفرق المصلي بين قدميه في الصلاة ، وقال إن ذلك فعل اليهود ، ولكن أكثر مايكون ذلك نحو الشبر فما دونه وكلما جمعهما فهو أفضل إلا أن تكون به علة (٧).

وعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما قالا : إنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها ، فاذا أوهمها كلها لفت فضرب بها وجهه (٨).

____________________

(١ ـ ٣ و ٨) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٨.

(٤ ـ ٧) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٩.

٢٦٥

وعن جعفر بن محمد أنه قال : إذا أحرمت في الصلاة فأقبل عليها ، فانك إذا أقبلت أقبل الله عليك وإذا أعرضت أعرض الله عنك ، فربما لم يرفع من الصلاة إلا الثلث أو الربع أو السدس ، على قدر إقبال المصلي على صلاته ، ولا يعطى الله الغافل شيئا (١).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال ليرم أحدكم ببصره في صلاته إلى موضع سجوده ونهى أن يطمح الرجل ببصره إلى السماء وهو في الصلاة (٢).

بيان : يدل على كراهة النظر إلى السماء في الصلاة؟ ونقل عليه في المنتهى الاجماع ، وقال : روى أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : مابال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم ، لينتهن عن ذلك أو ليخطفن أبصارهم وفي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أجمع بصرك ولاترفعه إلى السماء.

وأما تغميض العين فقد عرفت أن ظاهر أكثر الاخبار استحباب النظر إلى موضع السجود ، وقال في المنتهى : يكره تغميض العين في الصلاة ، وروي النهي عنه من طريق العامة عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن طريق الخاصة عن مسمع عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يغمض الرجل عينه في الصلاة (٣) ويحتمل التخيير كما مر والافضل النظر إلى موضع السجود في القيام ، وعد الشهيد ره في النفلية من المكروهات تحديد النظر إلى شئ بعينه وإن كان بين يديه ، بل ينظر نظر خاشع والتقدم والتأخر إلا لضرورة.

٦٧ ـ الدعائم : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نظر إلى رجل يصلي وهو يعبث بلحيته فقال : أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه (٤).

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥١.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٧.

(٣) رواه في التهذيب ج ١ ص ٢٢٥ ، لكنك قد عرفت فيما سبق غير مرة أن الغض غير الغمض ، والمسنون هو الغض الذى به يقع الطرف على موضع السجود ، والمكروه هو الغمض بتطبيق الاجفان.

(٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٤.

٢٦٦

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله كره لكم ستا : العبث في الصلاة ، والمن في الصدقة ، والرفث في الصيام ، والضحك عند القبور ، وإدخال الاعين في الدور بغير إذن ، والجلوس في المساجد وأنتم جنب (١).

وعن علي عليه‌السلام قال : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم وشدة التثاؤب في الصلاة (*) (٢).

وعن جعفر بن عليهما‌السلام أنه كره التثاؤب والتمطي في الصلاة (٣).

قال المؤلف : وذلك لان هذا إنما يعتري من الكسل فهو منهي عنه أن يعتمد أو يستعمل ، والتثاؤب شئ يعتري على غير تعمد ، فمن اعتراه ولم يملكه فليمسك يده على فيه ولا يثنه ولايمده (٤).

وقد روينا عن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا تثاءب في الصلاة ردها بيمينه (٥).

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه نهى أن يغمض المصلي عينيه في الصلاة (٦).

٦٨ ـ أصل : من اصول الاصحاب ، عن أحمد بن إسماعيل ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ابن عبدالله ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس السارق من يسرق الناس ، ولكنه الذي يسرق الصلاة.

٦٩ ـ كتاب عاصم بن حميد : عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من أغبط أوليائي عندي رجل خفيف الحاذ ، ذو حظ

____________________

(١ ـ ٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٤.

(*) زاد في المصدر : فانها عوة الشيطان.

(٥ و ٦) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٥ ، وههنا ينتهى أصل المؤلف الذى كان عندنا وبعده في الجزوة الاخرى ، ولكنه يظهر من ذيل الصفحة أن بعد ذلك ينقل الحديث من مشكاة الانوار ، لا أصل من أصول أصحابنا.

٢٦٧

من صلاة أحسن عبادة ربه في الغيب ، وكان غامضا في الناس ، جعل رزقه كفافا فصبر عجلت عليه منيته مات فقل تراثه وقلت بواكيه.

١٧

* « ( باب ) » *

* « ( مايجوز فعله في الصلاة ومالايجوز ) » *

* « ( وما يقطعها وما لايقطعها ) » *

الايات : النساء : يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون ولاجنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا » (١).

____________________

(١) النساء : ٤٣ ، وقد مر في ج ٨١ ص ٣٣ و ١٣٣ شطر مما يتعلق بالاية وأقول هنا : أن السكر خلاف الصحو ، يقال له بالفارسية « مستى » وهي حالة تعترى المشاعر حين يمتلئ الرأس وفيها الدماغ من الابخرة المتصاعدة اليها كالغيم الذى يملا أرجاء السماء فاذا ذهبت وصحى الرجل عاد المشاعر بحالها من الادراك وتمالك الاعضاء كالسماء الصاحبة اذا صحى من الغيم.

وهذا الامتلاء قد يكون لغضب أو عشق أو هم أو يكون باقتحام نازلة كما قال عزوجل « وجاءت سكرة الموت » أو لغلبة النوم كما قال عزوجل : « لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون » وقد يكون يشرب المسكرات كالشراب والنبيذ أو شرب الحشيش والافيون أو أكل بعض المخدرات كالشيلم والافيون ، الا أن الناس في عرفهم تداولوا كلمة السكر بينهم عند حصول السكر من الشراب ولا موجب لحمل ألفاظ القرآن الحكيم على عرف الناس الذى قد يتبدل بتبدل الاعصار ، بل انما يحمل على أصل اللسان وأساس اللغة : « لسان عربي مبين ».

ومن السكر سكر الابصار كما في قوله تعالى : « لقالوا سكرت أبصارنا » يعنون حارت أبصارنا كانها تبصر من وراء غيم وضباب فلم نتحقق العروج إلى السماء ، وهذا مما يسلم

٢٦٨

وقال تعالى : « وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها إن الله كان على كل شئ حسيبا » (١).

المائدة : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة و

____________________

أن السكر ليس هو سكر الشراب فقط ، حتى يعترض على الاية بانها كيف تجوز شرب المسكرات وتجعله اصلا ثم يتفرع عليه النهى عن الاقتراب إلى الصلاة حال السكر.

اذا عرفت ذلك فاعلم أن الذى سكر من النوم أو الافيون أو الخمر ، اذا تحقق سكره ذهب عنه التحفظ في القول والعمل بذهاب المشاعر ، فلا هو يدرى ما يقول اذا تكلم ولعله يقول هجرا أو يقول كلمة الكفر ، ولا هو يقدر على حفظ عدد الركعات وهو واجب عليه خصوصا مع فرضه وكونه ركنا بالنسبة إلى الركعتين الاوليين ، فلا يدرى بثنتين صلى الظهر أم بثمانيا. بل الذى سكر اذا تحقق سكره أرخى وكاء السته منه فلا يعقل ولا يحس بما يخرج منه من الفسوة والضرطة وغيرهما ، وقد مر في كتاب الطهارة ج ٨٠ ص ٢١٥ أن السكر كالاغماء والجنون والنوم أمارة عقلائية فطرية لنقض الطهارة ، فلا يجوز لهذا السكران أن يقرب من المسجد ، ولا من عبادة الصلاة ، حتى يصحو من سكره ، ويكون صحوه بحيث يعلم مايقول اذا تكلم.

فقوله تعالى : « حتى تعلموا ماتقولون » حد الصحو الذى يجوز معه الاقتراب من الصلوات بكلا معنييه ، لا أنه يجب أن يعلم ويفهم مايقوله من القراءة والتسبيح والتهليل بحيث اذا غفل عن ذكره وقراءته كانت صلاته باطلة ، والا لكانت صلاة الاكثرين وخصوصا الاعجمين الذى لم يتعلموا العربية باطلة.

(١) النساء : ٨٦. والاية كما أشرنا إلى ذلك قبلا من المتشابهات بأم الكتاب تشبه أنها مستقلة برأسها وليست كذلك ، بل هي مؤولة أولها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة سنة في فريضة ، فلو ترك المصلى رد السلام متعمدا بطلت صلاته ، وان تركه جاهلا أو ساهيا أو لايدري فلا شئ عليه.

وزعم جمهور المخالفين أن الاية من المحكمات أم الكتاب مستقلة برأسها كسائر الفرائض فليست داخلة في الصلاة ، ولما كان كلاما آدميا يخاطب آدميا من البشر لا

٢٦٩

يؤتون الزكوة وهم راكعون (١).

تفسير : قد مر في كتاب الطهارة أن في الآية وجهين أحدهما المنع عن قرب الصلاة والدخول فيها حال السكر من خمر ونحوها أو من النوم كما مر في بعض الروايات وذكره بعض المفسرين ، أو الاعم كما هو ظاهر القاضي ، وفي الكافي (٢) ومنه سكر النوم وهو يفيد التعميم ، وفي مجمع البيان (٣) عن الكاظم عليه السلام أن المراد به سكر الشراب ثم نسختها آية تحريم الخمر كما روت العامة أن عبدالرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا لجماعة من الصحابة قبل نزول تحريم الخمر ، فأكلوا وشربوا فلما ثملوا دخل وقت المغرب ، فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ « أعبد ماتعبدون وأنتم عابدون ما أعبد » فنزلت الآية فكانوا لايشربون الخمر في أوقات الصلاة ، فاذا صلوا العشاء شربوا فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وسيأتي عن العياشي تفسيره بسكر الخمر ، وقد مر تأويله بسكر النوم ، والجمع بالتعميم أولى.

وربما يجمع بينهما بأنه لما كانت الحكمة يقتضي تحريم الخمر متدرجا وكان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها قبل استقرار تحريمها ، نزلت هذه الآية وخوطبوا بمثل هذا الخطاب ، ثم لما ثبت تحريمها واستقر وصاروا ممن لاينبغي أن يخاطبوا بمثله لان المؤمنين لايسكرون من الشراب بعد أن حرم عليهم جاز أن يقال : الآية منسوخة بتحريم الخمر ، بمعنى عدم حسن خطابهم بمثله بعد ذلك ، لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر ، ثم لما عم الحكم ساير مايمنع من حضور القلب جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة وأن يعمم الحكم اخرى ، فلا تنافي بين الروايات.

____________________

يجوز فعله في الصلاة لكونه نقضا لتحريم ، الصلاة منافيا لها بالطبع. ولان تحليل الصلاة هو التسليم فاذا سلم وكان سلامه جائزا خرج من الصلاة وضعا.

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣٧١.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ٥١.

٢٧٠

ثم إن المخاطب بذلك المكلف به المؤمنون العاقلون ، إلى أن يذهب عقلهم ، فيجب عليهم مايأمنون معه من فعل الصلاة حال السكر.

والحاصل أن المراد نهيهم عن أن يكونوا في وقت الاشتغال بالصلاة سكارى ، بأن لايشربوا في وقت يؤدي إلى تلبسهم بالصلاة حال سكرهم ، وليس الخطاب متوجها إليهم حال سكرهم إذ السكران غير متأهل لهذا الخطاب.

أو يكون جنبا إلا أن يكونوا مسافرين غير واجدين للماء فانه يجوز لهم دخول الصلاة بالتيمم مع أنه لايرتفع به حدثهم ، فقد دخلوا في الصلاة مع الجنابة.

وثانيهما أن المراد بالصلاة هنا مواضعها تسمية للمحل باسم الحال ، أو على حذف المضاف ، والمعنى لاتقربوا المساجد في حالتين إحداهما حالة السكر ، فان الاغلب أن الذي يأتي المسجد إنما يأتيه للصلاة ، وهي مشتملة على أذكار وأقوال يمنع السكر من الاتيان بها على وجهها ، والحالة الثانية حالة الجنابة إلا اجتيازا كما مر تفصيله.

وقيل وجه ثالث وهو أن يكون الصلاة في قوله سبحانه : « لاتقربوا الصلوة » على معناها الحقيقي ويراد بها عند قوله تعالى : « ولاجنبا » مواضعها على طريقة الاستخدام ، وعلى التقادير يدل على المنع من إيقاع مايوجب كون الصلاة حالة السكر وإن كان في الاول والثالث أظهر ، فيشمل على من لم يشرب إذا علم أن بعد الشرب تقع صلاته مع السكر ، أو شرب وعلم أنه إذا دخل في الصلاة يقع بعضها على السكر.

وأما سكر النوم فان بلغ إلى حد لايعقل شيئا أصلا ويبطل سمعه فدخوله في الصلاة مع تلك الحالة يكون حراما ، ولو علم أنه لا يعقل عقلا كاملا ، ولا يكون قلبه حاضرا متنبها لما يقول ويأتي به كما هو ظاهر الاخبار فالنهي على التنزيه ولو قيل بالتعميم كان محمولا على المنع المطلق أعم من التحريم والتنزيه ، كما هو مقتضى الجمع بين الاخبار ، ولو كان في أول الوقت نومان ، وإذا دخل في الصلاة لايكون له حضور القلب فيها ، وإذا نام ليذهب عنه تلك الحالة يخرج وقت الفضيلة فأيهما أفضل؟ الترجيح بينهما لايخلو من إشكال ، واختار بعض المتأخرين ترجيح

٢٧١

حضور القلب ، فانه روح العبادة ولايخلو من قوة.

و « حتى » في قوله سبحانه : « حتى تعلموا » يحتمل أن يكون تعليلية كما في : أسلمت حتى أدخل الجنة ، وأن يكون بمعنى « إلى أن » كما في : أسير حتى تغيب الشمس.

واستدل به على بطلان صلاة السكران لاقتضاء النهي في العبادة الفساد على بعض الوجوه ، وعلى منع السكران من دخول المسجد ، وفي قوله جل شأنه « حتى تعلموا ماتقولون » إشعار بأنه ينبغي للمصلي أن يعلم مايقوله في الصلاة ويلاحظ معاني مايقرؤه ويأتي به من الادعية والاذكار ، كما دل عليه مامر من الاخبار (١).

قوله سبحانه : « وإذا حييتم بتحية فحيوا » (٢) أي بنوع من أنواع التحايا والتحية مشتقة من الحياة ، لان المسلم إذا قال : سلام « عليكم » فقد دعا للمخاطب

____________________

(١) قد وقع في طبعة الكمبانى ههنا ص ٢٠٤ خمسة أسطر أسقطناها لما سيجئ بعينها في محلها قبيل ذكر الاخبار.

(٢) النساء : ٨٦ ، وأصل التحية أن يقول الرجل حياك الله ، دعاء له بالحياة ولكن هذا دعاء جاهلية جهلا بأن الحياة لاتدوم لاحد ، ولو دامت لكانت سأما وبرما ، فهو دعاء لايجاب ، ولا هو مرغوب فيه.

نعم مايرغب فيه من الحياة أن تكون على سلام دائم في النفس والاهل والمال والولد ، ولذلك عدل الاسلام عن تحية الجاهلية « حياك الله » إلى قول السلام والدعاء به للمؤمنين حتى لانفسهم قال الله عزوجل : « فاذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة » النور : ٦١.

فالسلام هو التحية التى جاءت من عند الله مباركة طيبة ، وهو تحية أهل الجنة قال الله عزوجل : « دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام » يونس : ١٠ وهو تحية الملائكة المقربين وأنبياء الله المرسلين ابتداء وردا كما فيما حكاه الله عزوجل في غير واحد من آياته البيات ، واولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.

٢٧٢

بالسلامة من كل مكروه ، والموت من أشد المكاره ، على أن كل مكروه منغص للحيوة مكدر لها.

ولنقدم مباحث ليظهره ماهو المقصود من نقل الآية :

الاول : اختلف في التحية فقيل هي السلام ، لانه تحية الاسلام ، وهو الظاهر من كلام أكثر اللغويين والمفسرين ، قال في القاموس التحية السلام وقال البيضاوي الجمهور على أنه السلام ، وقيل تشمل كل دعاء وتحية من القول ، قال : في المغرب حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية ، هذا أصلها ثم سمي مايحيى به من سلام ونحوه تحية ، وقيل يشمل كل بر من الفعل والقول ، كما يظهر من علي بن إبراهيم في تفسيره (١) حيث قال السلام وغيره من البر ، وإن احتمل أن يكون مراده البر من القول ، وقيل : المراد بالتحية العطية وأوجب الثواب أو الرد على المتهب ذكره في الكشاف وهو ضعيف ، بل الظاهر أن المراد به السلام أو يشمله وغيره من التحية والاكرام كما تدل عليه الاخبار عن الائمة الكرام عليهما‌السلام.

فقد روي (٢) في الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا عطس أحدكم قولوا : يرحمكم الله ، ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى : « وإذا حييتم » الآية.

وفي مناقب ابن شهر آشوب (٣) جاءت جارية للحسن عليه‌السلام بطاق ريحان فقال لها : أنت حر لوجه الله ، فقيل له في ذلك فقال أدبنا الله تعالى فقال : « إذا حييتم » الآية وكان أحسن منها إعتاقها.

وفي الكافي (٤) في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، وقد مرت الاخبار في ذلك في محله.

____________________

(١) تفسير القمي : ١٣٣.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ١٨.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٧٠.

٢٧٣

وقال في مجمع البيان (١) : التحية السلام يقال حيا تحية إذا سلم ، وقال في تفسير الآية : أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا وإلا فليقل وعليكم ، لايزيد على ذلك ، فقوله : « بأحسن منها » للمسلمين خاصة وقوله : « أو ردوها » لاهل الكتاب عن ابن عباس ، فاذا قال المسلم : السلام عليكم فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام وقيل قوله : « أو ردوها » للمسلمين أيضا قالوا إذا سلم عليك رد عليه بأحسن مما سلم عليك ، أو بمثل ما قال ، وهذا أقوى لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم.

وذكر الحسن أن رجلا دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعليك السلام ورحمة الله ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليك ، فقيل يارسول الله؟ زدت للاول والثاني في التحية ، ولم تزد للثالث؟ فقال : إنه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله انتهى.

وبالجملة لا إشكال في شمول الآية للسلام ووجوب رده ، وأما ساير التحيات من الاقوال والافعال فشمول الآية لها مشكل ، والاحوط ردها في غير السلام ، وأما فيها فسيأتي القول فيه.

الثاني : قال بعض الاصحاب : لو قال : السلام عليك أو عليكم السلام بتقديم الظرف فهو صحيح يوجب الرد ، وقال في التذكرة : لو قال عليكم السلام ، لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب ، ويناسبه ماروى العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لمن قال عليك السلام يارسول الله! : لاتقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى (٢) إذا سلمت فقل سلام عليك ، فيقول الراد عليك السلام.

وكذا اختلفوا في سلام وسلاما والسلام وسلامي عليك ، وسلام الله عليك

____________________

(١) المجمع ج ٣ ص ٨٤ و ٨٥.

(٢) يعنى عند الوداع عن الاحبة.

٢٧٤

وظاهر ابن إدريس عدم وجوب الرد في أمثالها ، ولايبعد القول بالوجوب لعموم الآية (١) والخبر المتقدم عامي مع أنها ليس بصريح في عدم الرد ، بل قد روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله رد عليه السلام بعد ذلك.

الثالث : هل يتعين في غير الصلاة رده بعليكم السلام بتقديم عليكم؟ ظاهر التذكرة ذلك ، حيث قال : وصيغة الجواب وعليكم السلام ، ولو قال وعليكم السلام للواحد جاز ، ولو ترك العطف وقال عليكم السلام ، فهو جواب خلافا لبعض الشافعية فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ، ولايحصل الجواب بالسلام انتهى.

والمستفاد من كلام ابن إدريس خلافه ، ولعله أقوى لما في حسنة إبراهيم بن هاشم « فاذا سلم عليكم مسلم فقلوا : سلام عليكم ، فاذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك » (٢).

الرابع : ظاهر أكثر الاصحاب عدم وجوب الرد بالاحسن لظاهر الآية ، والاخبار المعتبرة ، ولا عبرة بما يوهمه بعض الاخبار العامية من وجوب الرد بالاحسن إذا كان المسلم مؤمنا.

الخامس : الرد واجب كفاية لاعينا ، وحكى عليه في التذكرة الاجماع ، وقد مرت الاخبار في ذلك ، وعموم الآية مخصص بالاخبار المؤيدة بالاجماع ، ثم الظاهر أنه إنما يسقط برد من كان داخلا في السلام عليكم ، فلا يسقط برد من لم يكن داخلا فيهم ، وهل يسقط برد الصبى المميز؟ فيه إشكال والاحوط بل الاقوى عدم الاكتفاء

____________________

(١) حيث ان الاية تشمل المخاطبة العرفية بحذف الظرف وعدمه ، على أن الله العزيز قد حكا في القرآن الكريم تسليم الملائكة على ابراهيم وجوابه عليه الصلاة والسلام كذلك : « ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام » هود : ٦٩ ، اذا دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون » الذاريات : ٢٥ ، إلى غير ذلك من الايات وقد مر أن تحية أهل الجنة « سلام » بحذف الظرف ، وهو أيضا في غير واحد من الايات.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٤ في حديث.

٢٧٥

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وجهان أظهرهما ذلك لعموم الآية.

السادس : المشهور أن وجوب الرد فوري لانه المتبادر من الرد في مثل هذا المقام ، وللفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة ، وربما يمنع ذلك في الجزائية. والتارك له فورا يأثم ، وقيل : يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق وفيه نظر.

السابع : صرح جماعة من الاصحاب بوجوب الاسماع تحقيقا أو تقديرا ، ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة.

وقال في التذكرة : ولو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال : السلام عليكم يافلان أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال : سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ، لان تحية الغائب إنما تكون بالمنادات أو الكتاب أو الرسالة ، وقد قال تعالى : « وإذا حييتم بتحية » الآية ، والوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا ، وقال ره : وما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لاتحية يستحب الجواب عنه ، ولا يجب انتهى ، وماذكره في المقام الاول موجه وفي الثاني الاحوط بل الاظهر وجوب الجواب لعموم الآية.

الثامن : قيل : يحرم سلام المرءة على الاجنبي لان إسماع صوتها حرام وأن صوتها عورة : وتوقف فيه بعض المتأخرين وهو في محله إذ الظاهر من كثير من الاخبار عدم كونها صوتها عورة كما سيأتي في محله ، نعم يفهم من بعض الاخبار كراهة السلام على الشابة منهن حذرا من الريبة والشهوة.

وعلى المشهور من التحريم هل يجب على الاجنبي الرد عليها؟ يحتمل ذلك لعموم الدليل ، والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة ، وهو مختار التذكرة حيث قال : لو سلم رجل على امرءة أو بالعكس ، فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة الفتنة ، ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا ، وفي وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا إلى عموم الآية فيجوز اختصاص تحريم الاسماع بغيره ويحتمل العدم كما اختاره العلامة ويحتمل وجوب الرد خفيا كما قيل.

٢٧٦

التاسع : قال في التذكرة : ولايسلم على أهل الذمة ابتداء ، ولو سلم عليه ذمي أو من لم يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام ، بأن يقول هداك الله ، أو أنعم الله صباحك ، أو أطال الله بقاءك ، ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله وعليك انتهى.

وقد مرت الاخبار الدالة على المنع من ابتدائهم بالسلام ، وعلى الرد عليهم بعليك أو عليكم ، وهل الاقتصار على ماذكر على الوجوب حتى لايجوز المثل أو على الاستحباب؟ فيه تردد ، وأما ماذكره رحمه الله من الرد بغير السلام ، فلم أره في الاخبار وهل يجب عليهم الرد فيه إشكال ولعل العدم أقوى ، وإن كان الرد أحوط.

العاشر : قالوا : يكره أن يخص طائفة من الجمع بالسلام ، ويستحب أن يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهما على أصحاب الحمير ، وقد مرجميع ذلك (١) وإنما ذكرناها هنا استطرادا.

الحادى عشر : إذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب عليه الراد لفظا ، والظاهر أنه لاخلاف فيه بين الاصحاب ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا وقال في المنتهى : ويجوز له أن يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولعله أراد بالجواز نفي التحريم ردا لقول بعض العامة ، قال في الذكرى : وظاهر الاصحاب مجرد الجواز للخبرين والظاهر أنهم أرادوا به شرعيته ، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية.

قال : وبلغ بعض الاصحاب في ذلك فقال يبطل الصلاة إذا اشتغل بالاذكار ولما يرد السلام ، وهو من مشرب اجتماع الامر والنهي في الصلاة ، والاصح عدم البطلان بترك رده انتهى ، ويدل على وجوب رد السلام في حال الصلاة الآية لعموما ويدل على شرعيته في الصلاة روايات كثيرة سيأتي بعضها ، وكثير منها بلفظ الامر الدال على الوجوب على المشهور.

الثاني عشر : المشهور بين الاصحاب أنه إذا سلم عليه في الصلاة بقوله « سلام عليكم » يجب أن يكون الجواب مثله ، ولايجوز الجواب بغليكم السلام ، ونسبه

____________________

(١) راجع ج ٧٦ ص ١٥١.

٢٧٧

المرتضى إلى الشيعة ، وقال المحقق هو مذهب الاصحاب ، قاله الشيخ وهو حسن ، ولم يخالف في ذلك ظاهرا إلا ابن إدريس ، حيث قال في السرائر : إذا كان المسلم عليه قال له : سلام عليكم أو السلام عليكم أو سلام عليك أو عليكم السلام ، فله أن يرد بأى هذه الالفاظ كان ، لانه رد سلام مأمور به قال : فان سلم بغير مابيناه فلا يجوز للمصلي الرد عليه انتهى ، واتباع المشهور أولى.

ولو غير عليكم بعليك ، ففي حصول الرد به تردد ، ولو أضاف في الجواب إلى عليكم السلام مايوجب كونه أحسن ، ففي حصول القربة به تردد ، ورجح بعض المحققين ذلك نظرا إلى الولاية.

ولو قال المسلم عليكم السلام فظاهر المحقق عدم جواز إجابته إلا إذا قصد الدعاء ، وكان مستحقا له ، وتردد فيه العلامة في المنتهى ، وعلى تقدير الجواز هل يجب؟ فيه أيضا تردد للشك في دخوله تحت المراد في الاية ، ولعل الوجوب أقوى ، وعلى تقديره هل يتعين سلام عليكم ، أو يجوز الجواب بالمثل؟ نقل ابن إدريس الاول عن بعض الاصحاب ، واختار الثاني ، واستشكله العلامة في التذكرة والنهاية كما سيأتي ، ولايبعد كون الجواب بالمثل أولى نظرا إلى الاية وصحيحة محمد بن مسلم (١) الدالة على الجواب بالمثل ، وكذا صحيحة (٢) منصور بن حازم وإن عارضهما بعض الاخبار ، ولايبعد القوب بالتخيير أيضا.

الثالث عشر : لو سلم عليه بغير ماذكر من الالفاظ فعند ابن إدريس والمحقق لا يجب إجابته ، وقال المحقق نعم ، لو دعا له وكان مستحقا وقصد الدعاء لا رد السلام لا أمنع منه ، وقال العلامة في التذكرة : لو سلم بقوله سلام عليكم رد مثله ، ولا يقول وعليك السلام لانه عكس القرآن ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عثمان بن عيسى (٣) عن

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٢٩.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٣٠.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٢٩ ، الكافى ج ٣ ص ٣٦٦ ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة.

٢٧٨

الرجل يسلم عليه في الصلاة يقول سلام عليكم ولايقول وعليكم السلام ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا ، ولو سلم عليه بغير اللفظ المذكور فان سمي تحية فالوجه جواز الرد به وبقوله سلام عليكم لعموم الاية ولو لم يسم تحية جاز إجابته بالدعاء له ، إذا كان مستحقا له ، وقصد الدعاء لا رد السلام.

ولو سلم عليه بقوله عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال من النهي ، ومن جواز رد مثل التحية انتهى ونحوه قال في النهاية ، وأوجب الرد في المختلف وقال في المنتهى : لو حياه بغير السلام فعندي فيه تردد أقربه جواز رده لعموم الآية انتهى.

والمسألة في غاية الاشكال ، وإن كان جواز الرد بقصد الدعاء لايخلو من قوة وفي التحية بالالفاظ الفارسية أشد إشكالا ، وكذا التحيات الملحونة كقولهم « سام أليك » وأمثاله ، ولو أجاب في الاول بالتحية العربية وفي الثاني بالسلام الصحيح بقصد الدعاء فيهما لم أبعد جوازه ، وإن كان الاحوط إعادة الصلاة لو وقع ذلك ، سواء أجاب أم لا.

الرابع عشر : يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا على المشهور بين الاصحاب ، وظاهر اختيار المحقق في المعتبر خلافه ، والاول أقوى ، والاخبار الدالة على خلافه لعلها محمولة على التقية إذ المشهور بين العامة وعدم وجوب الرد مطلقا ، وقال في التذكرة لو اتقى رد فيما بينه وبين نفسه ، تحصيلا لثواب الرد وتخليصا من الضرر.

وقال في الذكرى : يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا كما في سائر الموارد ، وقد روى منصور بن حازم (١) عن الصادق عليه‌السلام : يرد عليه ردا خفيا ، وروى عمار (٢) عنه عليه‌السلام : رد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك ، وهما مشعران بعدم اشتراط إسماع المسلم والاقرب اشتراط إسماعه لتحصيل قضاء حقه من السلام ، ولا تكفي الاشارة بالرد عن السلام لفظا ردا على الشافعي ، ولو كان في موضع تقية رد

____________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ١ ص ٢٣٠.

٢٧٩

خفيا وأشار ، وعليه تحمل الروايتان السابقتان.

الخامس عشر : لو قام غيره بالواجب من الرد ، فهل يجوز للمصلي الرد أم لا قيل : نعم لاطلاق الامر ، وقيل لا لحصول الامتثال ، فيسقط الوجوب ، ولا دليل على الاستحباب ، وكذا الجواز إلا أن يقصد به الدعاء ، وكان مستحقا له فحينئذ لا يبعد الجواز كما اختاره بعض المتأخرين ، ويظهر من المحقق فيما اختاره في المسألة المتقدمة.

السادس عشر : لو ترك المصلي الرد واشتغل باتمام الصلاة يأثم ، وهل تبطل الصلاة؟ قيل نعم للنهي المقتضي للفساد ، وقيل إن أتى بشئ من الاذكار في زمان الرد بطلت ، وقيل إن أتى بشئ من القراءة أو الاذكار في زمان الوجوب الرد فلا يعتد بها بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده ، والنهي عن العبادة يستلزم الفساد ، لكن لايستلزم بطلان الصلاة ، إذ لادليل على أن الكلام الذي يكون من قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل الصلاة إن كان حراما.

فان استمر على ترك الرد وقلنا ببقائه في ذمته يلزم بطلان الصلاة ، لانه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح ، والحق أن الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات أكثرها بل كلها في محل المنع ، لكن الاحتياط يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة.

ثم الظاهر أن الفورية المعتبرة في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لايعد تاركا له عرفا وعلى هذا لايضر إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما.

السابع عشر : ذكر جماعة من الاصحاب منهم العلامة والشهيدان أنه لايكره التسليم على المصلي والاخبار في ذلك مختلفة كما سيأتي بعضها ، ولعل أخبار المنع محمولة على التقية ، وسيأتي تمام القول فيها ، وإنما أطنبنا الكلام في هذه لكثرة ، الجدوى ، وعموم البلوى بها ، والله يعلم حقايق الاحكام وحججه الكرام (١).

قوله تعالى : « الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون » (٢) قد مر تفسير الآية مفصلا في أبواب النصوص على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبيان أنها نزلت فيه عليه‌السلام عند التصدق بخاتمه في الركوع بالاخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة فيدل على

____________________

(١) وسيجئ « تمام الكلام في آخر الباب انشاء الله.

(٢) المائدة : ٥٥.

٢٨٠