بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عن أبيه قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام وقت المغرب فاذا هو قد أذن وجلس ، فسمعته يدعو بدعاء ما سمعت بمثله ، فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت : ياسيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط قال : هذا دعاء أمير المؤمنين ليلة بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو « يامن ليس معه رب يدعى ، يامن ليس فوقه خالق يخشى ، يا من ليسه دونه إله يتقى ، يامن ليس له وزير يغشى ، يامن ليس له بواب ينادى ، يامن لايزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا ، يامن لايزداد على عظم الجرم إلا رحمة وعفوا ، صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فانك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم » (١).

بيان : يدل على استحباب الجلوس بين أذان المغرب وإقامته ، وقد مر في خبر آخر أيضا مشتمل على فضل عظيم في خصوص المغرب ، وقد روي في الصحيح (٢) عنهم عليهم السلام القعود بين الاذان والاقامة في الصلاة كلها إذا لم يكن قبل الاقامة صلاة يصليها وفي صحيح آخر (٣) افرق بين الاذان والاقامة بجلوس أو بركعتين وعن أبي عبدالله عليه‌السلاملابد من قعود بين الاذان والاقامة (٤) وإنما يعارضها خبر مرسل عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٥) قال : بين كل أذانين قعدة إلا المغرب ، فان بينهما نفسا ، فرد تلك الاخبار الكثيرة أو تخصيصها بهذا الخبر مشكل ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد عدم المبالغة الكثيرة فيها أو يحمل على ضيق الوقت.

قوله عليه‌السلام : أهل التقوى ، أى أنت أهل لان يتقى سطوتك وعذابك لعظمتك وللمغفرة بسعة رحمتك.

١٤ ـ مصباح الشيخ : قال بعد أذان المغرب تقول « يامن ليس معه رب يدعى يامن ليس فوقه إله يخشى ، يامن ليس دونه ملك يتقى ، يامن ليس له وزير يؤتى يامن ليس له حاجب يرشى ، يامن ليس له بواب يغشى ، يامن لايزداد على كثرة

____________________

(١) فلاح السائل ص ٢٢٨.

(٢ ـ ٤) التهذيب ج ١ ص ١٥١.

(٥) التهذيب ج ١ ص ١٥٢.

١٨١

السؤال إلا كرما وجودا ، وعلى كثرة الذنوب إلا عفوا وصفحا ، صل على محمد وآل واغفر لي ذنوبى كلها ، واقض لى حوائجى كلها من حوائج الدنيا والآخرة ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

فائدة : قال في الذكرى : قال ابن البراج رحمه الله يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند « حي على خير العمل » آل محمد خير البرية مرتين ، ويقول أيضا إذا فرغ من قوله « حى على الصلاة » : لا حول ولا قوة إلا بالله وكذلك يقول عند قوله « حى على الفلاح » وإذا قال : قد قامت الصلاة ، قال : اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملا ، وإذا فرغ من قوله « قد قامت الصلاة » قال : اللهم رب الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، أعط محمدا سؤله يوم القيامة ، وبلغه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وتقبل شفاعته في امته.

١٥ ـ مصباح الشيخ : يستحب أن يقول في السجدة بين الاذان والاقامة : « اللهم اجعل قلبي بارا ، ورزقي دارا ، واجعل لي عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستقرا وقرارا.

بيان : في البلد الامين (١) وغيره « ورزقي دارا وعيشى قارا ، واجعل لي عند قر نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي النفلية « وعيشي قارا ورزقي دارا » وفي بعض الكتب بعد ذلك وعملي سارا ، وفي بعضها « عند رسولك » بغير ذكر القبر ، وفي الكافي (٢) في حديث مرفوع يقول الرجل إذا فرغ من الاذان وجلس « اللهم اجعل قلبي بارا ، ورزقي دارا ، واجعل لي عند قر نبيك قرارا ومستقرا ».

وقال الشهيد الثانى رفع الله مقامه في شرح النفلية : « اللهم اجعل قلبي بارا » البار المطيع والمحسن ، والمعنى عليهما سؤال الله أن يجعل قلبه مطيعا لسيده وخالقه ومحسنا في تقلباته وحركاته وسكناته ، فان الاعضاء تتبعه في ذلك كله « وعيشي قارا » الاجود كون القار هنا متعديا والمفعول محذوفا ، أي قارا لعيني ، يقال أقر الله عينك :

____________________

(١) البلد الامين ص ٦.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٣٠٨.

١٨٢

أي صادف فؤادك مايرضيك من العيش فتقر عينك من النظر إلى غيره قاله الهروي ، ويجوز كونه لازما أي مستقرا لا يحوج إلى الخروج إليه في سفر ونحوه.

وقد روي (١) أن من سعادة الرجل أن يكون معيشته في بلده. أو قارا في الحالة المهناة لايتكدر بشئ من المنغصات فيضطرب « ورزقي دارا » أي يزيد ويتجدد شيئا فشيئا كما يدر اللبن « واجعل لي عند قبر رسولك مستقرا وقرارا » المستقر المكان ، والقرار المقام ، أي اجعل لي عنده مكانا أقر فيه ، وقيل : هما مترادفان.

ونقل المصنف في بعض تحقيقاته أن المستقر في الدنيا والقرار في الآخرة كأنه يسأل أن يكون المحيا والممات عنده ، واختص الدنيا بالمستقر لقوله تعالى : « ولكم في الارض مستقر » (٢) والآخرة بالقرار لقوله تعالى : « وإن الآخرة هي دار القرار » (٣) وفيه أن القبر لايكون في الآخرة وإطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد ، نعم في بعض روايات الحديث « واجعل لي عند رسولك » بغير ذكر القبر ، ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه ، بأن يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى كلامه زيد إكرامه.

وقيل : المراد بالقار أن يكون مستقرا دائما غير منقطع ، والعمل السار هو الذي يصير سببا لسرور عامله وبهجته في الدارين ، لكن تلك الفقرة غير موجودة في الاصول المعتبرة.

١٦ ـ البلد الامين : في أديعة السر : يامحمد! من أراد من امتك الامان من بليتي ، والاستجابة لدعوته ، فليقل حين يسمع تأذين المغرب : « يامسلط نقمه على أعدائه بالخذلان لهم في الدنيا والعذاب لهم في الاخرة ، ويا موسعا على أوليائه بعصمته إياهم في الدنيا وحسن عائدته ، وياشديد النكال بالانتقال ، ويا حسن المجازاة بالثواب ، يا بارئ خلق الجنة والنار ، وملزم أهلهما عملهما ، والعالم بمن يصير

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٧٧.

(٢) البقرة : ٣٦ والاعراف : ٢٤.

(٣) غافر : ٣٩.

١٨٣

إلى جنته وناره ، ياهادي يا مضل يا كافي يا معافي يا معاقب ، اهدني بهداك وعافني بمعافاتك من سكنى جهنم مع الشياطين ، وارحمني فانك إن لم ترحمني أكن من الخاسرين ، أعذني من الخسران بدخول النار وحرمان الجنة ، بحق لا إله إلا أنت ياذا الفضل العظيم ».

فانه إذا قال ذلك تغمدته في ذلك المقام الذي يقول فيه برحمتي (١).

١٧ ـ المجازات النبوية : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد سمع مؤذنا يقول : « أشهد أن لا إله إلا الله » : صدقك كل رطب ويابس.

قال السيد : وهذا الكلام مجاز لان الرطب واليابس من الشجر والاعشاب والماء والتراب لا كلام لهما ولا روح فيهما ، وإنما أراد عليه‌السلام أن تصديقهما بلسان الخلق لا بلسان النطق ، فجميع المخلوقات شاهدة بأن لا إله إلا الله سبحانه ، بما فيها من تأثير القدرة وإتقان الصنعة فهي من هذه الوجوه متكلمة وإن كانت خرسا ، ومفصحة وإن كانت عجما ، كما قال الشاعر :

وفي كل شئ له آية

تدل على أنه واحد (٢)

____________________

(١) البلد الامين ص ٥١٤.

(٢) المجازات النبوية ص ١٤٠ ، وفيه « من تأثير الصبغة واتقان الصنعة ».

١٨٤

١٥

* « ( باب ) » *

* « ( وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ) » *

* « ( وجمل أحكامها وواجباتها وسننها ) » *

١ ـ مجالس الصدوق : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ابن عيسى قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام يوما : تحسن أن تصلي يا حماد؟ قال : فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، قال : فقال : لا عليك قم صل قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت فقال : يا حماد لاتحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة.

قال حماد : فأصابني في نفسي الذل ، فقلت : جعلت فداك فعلمني الصلاة ، فقام أبوعبدالله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قديمه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعا ( القبلة ) لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة ، وقال : الله أكبر ثم قرء الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ثم صبر هنيئة بقدر ماتنفس وهو قائم ، ثم قال : الله أكبر ، وهو قائم ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه متفرجات ، ورد ركبته إلى خلف حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ومد عنقه وغمض عينيه ، ثم سبح ثلاثا بترتيل ، فقال : « سبحان ربي العظيم وبحمده » ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام ، قال : « سمع الله لمن حمده » ثم كبر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد ووضع كفيه مضمومتي الاصابع بين ركبتيه حيال وجهه ، فقال : « سبحان ربي الاعلى وبحمده » ثلاث مرات ولم يضع شيئا من بدنه على شئ وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفين

١٨٥

وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، فهذه السبعة فرض ، ووضع الانف على الارض سنة ، وهو الارغام ثم رفع رأسه من السجود ، فلما استوى جالسا قال : « الله أكبر » ثم قعد على جانبه الايسر قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه الايسروقال : « أستغفر الله ربي وأتوب اليه » ثم كبر وهو جالس ، وسجد السجدة الثانية ، وقال كما قال في الاولى ، ولم يستعن بشئ من جسده على شئ في ركوع ولا سجود كان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الارض ، فصلى ركعتين على هذا.

ثم قال : يا حماد هكذا صل ولا تلتف ولا تعبث بيديك وأصابعك ولاتبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك (١).

كتاب العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جده ، عن حماد مثله ، وزاد بعد قوله فصلى ركعتين على هذا « ويداه مضمومتا الاصابع ، وهو جالس في التشهد ، فلما فرغ من التشهد سلم فقال : يا حماد! إلى آخر الخبر.

تبيين وتوضيح

الحديث حسن (٢) وفي الفقيه صحيح (٣) وعليه مدار عمل الاصحاب « تحسن » (٤) أي تعلم « أنا أحفظ » قال الوالد قدس سره : يفهم من عدم منعه عليه‌السلام عن العمل به جواز العمل به بل حجية خبر الواحد ، وإن أمكن أن يقال : يفهم من تأديبه عليه‌السلام منعه عن العمل سيما مع إمكان العلم لوجود المعصوم وإمكان الاخذ عنه ، « لا عليك » أي لابأس عليك في العمل به ، لكن صل ليحصل لك العلم ، أو لابأس عليك في الصلاة عندنا ، أو ليس عليك العمل بكتابه ، بل يجب عليك الاستعلام « فاستفتحت الصلاة » أي كبرت تكبيرة الاحرام والظاهر أنه أتي بالواجبات وترك المندوبات لعدم العلم أو

____________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢٤٨.

(٢) لمكان ابراهيم بن هاشم.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٩٦ ، وطريقه « عن أبيه عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن محمد ابن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف وعلي بن اسماعيل كلهم عن حماد.

(٤) في بعض نسخ الحديث : « أتحسن » منه ، كذا بخطه قدس سره في هامش الاصل.

١٨٦

ليعلم أقل الواجب بتقريره عليه‌السلام وما يفهم منه ظاهرا من ترك القراءة والاذكار الواجبة فبعيد عن مثله « ما أقبح بالرجل » وفي التهذيب والكافي (١) وبعض نسخ الفقيه « منكم » وقال الشيخ البهائي قدس سره : فصل عليه‌السلام بين فعل التعجب ومعموله وهو مختلف فيه بين النحاة ، فمنعه الاخفش والمبرد وجوزه المازنى والفراء بالظرف ناقلا عن العرب أنهم يقولون ما أحسن بالرجل أن يصدق ، وصدوره عن الامام عليه‌السلاممن أقوى الحجج على جوازه (٢) و « منكم » حال من الرجل أو وصف له ، فان لامه جنسية والمراد ما أقبح بالرجل من الشيعة أو من صلحائهم « بحدودها » متعطلق بيقيم « تامة » حال من حدودها أو نعت ثان لصلاة ، وظاهر أنه ترك المندوبات ويؤيده عدم الامر بالقضاء قال في الذكرى : الظاهر أن صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء ، وإلا لامره بقضائها ، ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة.

« فقام أبوعبدالله عليه‌السلام » الظاهر أنها لم تكن صلاة حقيقية ، بل كانت للتعليم للكلام في أثنائها ظاهرا ويمكن أن تكون حقيقية ، وكان الكلام بعدها ، وإنما ذكر حماد في أثنائها للبيان « منتصبا » أي بلا انحناء أو انخناس أو إطراق او حركة ، وما نسب إلى أبي الصلاح من استحباب إرسال الذقن إلى الصدر لامستند له ظاهرا (٣) ولعله فهمه من الخشوع « على فخذيه » أي قبالة ركبتيه « قد ضم أصابعه » يشمل الابهامين أيضا كما هو

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٥٧ ط حجر ، ج ٢ ص ٨١ ط نجف ، الكافى ج ٣ ص ٣١١ ط الاخوندى ج ١ ص ٨٥ ط الحجر.

(٢) ان لم يكن الحديث منقولا بالمعنى.

(٣) لعل مستنده ما سيأتى تحت الرقم ٦ من جامع البزنطى ، ولكن الظاهر من القرآن الكريم أن ذلك مرغوب عنه ، حيث وصف به الكفار والمجرمين كما في قوله تعالى : « ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين » والمراد بالخضوع هنا نكس الرؤس بارسال الذقن إلى الصدر كما في قوله تعالى : « ولو ترى اذا المجرمون ناكسوا رؤسهم » السجدة : ١٢ ، مع أن الايات الكريمة التى تمدح المؤمنين بصلواتهم لم يمدحهم بالخضوع بل ولم يذكرهم به في غيرها ، ولا بنكس الرؤس.

١٨٧

المشهور ، « قدر ثلاثة أصابع » المشهور بين الاصحاب أنه يستحب أن يكون بينهما ثلاثة أصابع مفرجات إلى شبر ، وفي صحيحة زرارة أقله أصبع ، وأوله بعضهم بطول الاصبع ليقرب من الثلاثة ويظهر منها أنه لابد أن يكون في الركوع بينهما قدر شبر « بخشوع واستكانة » متعلق بقام ، وقال الشهيد الثانى ره : الخشوع الخضوع والتطأمن والتواضع ويجوز أن يراد به الخوف من الله والتذلل إليه كما فسر به قوله تعالى : « الذينهم في صلاتهم خاشعون » (١) بحيث لايلتفت يمينا ولا شمالا ، بل يجعل نظره إلى موضع سجوده والاستكانة استفعال من الكون أو افتعال من السكون وهي الذلة والمسكنة.

وقال الوالد قدس سره : فهم حماد الخشوع إما من النظر إلى موضع السجود ، وإما من الطمأنينة وتغير اللون ، أو من بيانه عليه‌السلام ، ويمكن أن تفهم النية من الخشوع لانها إرادة الفعل لله ، والخشو دال عليها ، ولذا لم يذكرها مع ذكر أكثر المستحبات.

« ثم قرء الحمد بترتيل » قال الشيخ البهائي قدسر سره : الترتيل التأني ، وتبيين الحروف بحيث يتمكن السامع من عدها ، مأخوذ من قولهم ثغر رتل ومرتل إذا كان مفلجا وبه فسر في قوله تعالى : « ورتل القرآن ترتيلا » (٢) وعن أمير المؤمنين عليه‌السلامأنه حفظ الوقوف وبيان الحروف ، أي مراعاة الوقف التام والحسن ، والاتيان بالحروف على الصفات المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة وأمثالها والترتيل بكل من هذين التفسيرين مستحب ، ومن حمل الامر في الآية على الوجوب فسر الترتيل باخراج الحروف من مخارجها على وجه يتميز ولايندمج بعضها في بعض.

____________________

(١) المؤمنون : ٢ ، والخضوع على مافي القرآن الكريم انما هو خشوع البصر كما في قوله تعالى « خشعا أبصارهم » القمر : ٧ ، وخشوع القلب كما في قوله عزوجل : « ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله » الحديد : ١٦ ، وخشوع الصوت كما في قوله « وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا » طه : ١٠٨ وخشوع الصلاة محمولة على المعاني الثلاث.

(٢) المزمل : ٤.

١٨٨

« هنيهة » في بعض نسخ الحديث هنية بضم الهاء وتشديد الياء بمعنى الوقت اليسير ، تصغير هنة بمعنى الوقت ، وربما قيل هنيهة بابدال الياء هاء ، وأما هنيئة بالهمزة فغير صواب نص عليه في القاموس كذا ذكره الشيخ البهائى ره لكن أكثر النسخ هنا بالهمزة وفي المجالس وفي بعض نسخ التهذيب بالهاء.

« بقدر ماتنقس » وفي ساير الكتب « يتنفس » على البناء للمفعول ، ويدل على استحباب السكتة بعد السورة ، وأن حدها قدر مايتنفس ، قال في الذكرى : من المستحبات السكوت إذا فرغ من الحمد أو السورة ، وهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام المشتملة على أن ابي بن كعب قال : كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهسكتتان إذا فرغ من ام القرآن وإذا فرغ من السورة وفي رواية حماد تقرير السكتة بعد السورة بنفس ، وقال ابن الجنيد : روى سمرة وابي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن السكتة الاولى بعد تكبيرة الافتتاح والثانية بعد الحمد (٢). ثم قال الظاهر : استحباب السكوت عقيب الحمد في الاخيرتين قبل الركوع وكذا عقيب التسبيح.

« ثم قال : الله أكبر » في التهذيب « ثم رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر » أي بازاء وجهه ، ولم يذكر ذلك في تكبيرة الاحرام ، اكتفاء بذلك وبما يأتي بعده ، وربما يستدل بهذا على عدم وجوب الرفع ، لان السيد قال بوجوب الرفع في جميع التكبيرات والمشهور استحبابه في الجميع ، ولم يقل أحد بعدم الوجوب في تكبيرة الاحرام ، والوجوب في سايرها ، بل يمكن القول بالعكس كما هو ظاهر

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٢١.

(٢) ومن المندوب بعد قراءة الحمد قول « الحمد لله رب العالمين » حمدا وشكرا على ماهداه الله إلى صراطه المستقيم ، كما ورد به روايات أهل البيت ، لكنه لا يقول ذلك الا سرا بالاخفات التام كحديث النفس ، وهكذا بعد قراءة سورة التوحيد يقول بالاخفات : « كذلك الله ربي كذلك الله ربي » وبعد قراءة الجحد « ربى الله ودين الاسلام » وبعد قراءة النصر « سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه » ولعل النبى صلى الله عليه وآله كان يقول ذلك سرا ، وتخيل المسلمون أنه يتنفس هنيهة.

١٨٩

ابن الجنيد ، لكن الظاهر أن عدم الذكر هنا لسهو الراوي أو الاكتفاء بما يذكر بعده ، وسيأتي القول فيه.

والمشهور بين الاصحاب فيما سوى تكبيرة الاحرام الاستحباب وأوجب ابن أبي عقيل تكبير الركوع والسجود ، وسلار تكبير الركوع والسجود والقيام والقعود والجلوس في التشهدين أيضا ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا القول بوجوب تكبيرة الركوع متى تركها متعمدا بطلت صلاته وألزم على السيد القول بوجوب جميع التكبيرات ، للقول بوجوب رفع اليدين في الجميع ، والاحوط عدم الترك ، لاسيما قبل الركوع ، وقبل كل سجدة.

ثم إنه يدل على أنه يتم التكبير قائما ثم يركع ، وهو المشهور بين الاصحاب ، وقال الشيخ في الخلاف : ويجوز أن يهوى بالتكبير ثم الظاهر من كلام أكثر الاصحاب أنه يضع اليدين معا على الركبتين ، كما يفهم من هذا الخبر ، وذكر جماعة منهم الشهيد رحمهم الله في النفلية استحباب البداءة بوضع اليمنى قبل اليسرى ، لرواية زرارة (١) ولعل التخيير أوجه.

« وملا كفيه من ركبتيه » أي ماسهما بكل كفيه ، ولم يكتف بوضع أطرافهما والظاهر أن المراد بالكف هنا مايشمل الاصابع ، والمشهور أن الانحناء إلى أن يصل الاصابع إلى الركبتين هو الواجب ، والزايد مستحب كما يدل عليه بعض الاخبار ، وقال الشهيد في البيان : الاقرب وجوب انحناء يبلغ معه الكفان ، ولايكفيه بلوغ أطراف الاصابع ، وفي رواية يكفي.

وفي الفقيه : « لاستواء ظهره ورد ركبتيه » على المصدر علة اخرى لعدم الزوال وليست هذه الفقرة في الكافي والتهذيب.

« ومد عنقه » على صيغة الفعل والمصدر هنا بعيد ، وإن احتمله بعض ، وفي الفقيه « ونصب عنقه وغمض عينيه » هذا ينافي ماهو المشهور بين الاصحاب من نظر المصلي حال ركوعه إلى مابين قدميه ، كما يدل عليه خبر زرارة ، والشيخ في النهاية عمل بالخبرين

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٥٧.

١٩٠

معا ، وجعل التغميض أفضل ، والمحقق عمل بخبر حماد ، والشهيد في الذكرى ، جمع بين الخبرين بأن الناظر إلى مابين قدميه يقرب صورته من صورة المغمض ، وليس ببعيد إن قلنا إنه عليه‌السلام اكتفى بالفعل ولم يبين بالقول ، والقول بالتخيير أظهر.

« فقال سبحان ربي العظيم وبحمده » إي انزه ربي عما لايليق بعز جلاله تنزيها ، وأنا متلبس بحمده على ماوفقني له من تنزيهه وعبادته ، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون في هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله وأنا متلبس بحمده ، على أن صيرني أهلا لتسبيحه ، وقابلا لعبادته.

فسبحان مصدر بمعنى التنزيه كغفران ، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر ، كمعاذ الله ، وهو هنا مضاف إلى المفعول ، وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل بمعنى التنزه ، والوا في « وبحمده » للحالية ، وربما جعلت عاطفة (١) وقيل : زائدة والباء للمصاحبة والحمد مضافا إلى المفعول ، ومتعلق الجار عامل المصدر أي سبحت الله حامدا ، والمعنى نزته عما لايليق به وأثبت له مايليق به ، ويحتمل كونها للاستعانة والحمد مضافا إلى الفاعل أي سبحته بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه محمودا وقيل : الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف أي وبحمده سبحته لا بحولي وقوتي ، فيكون مما اقيم فيه المسبب مقام السبب ، ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم ، وحاصله أنزه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته وبحمده ، والعظيم في صفاته تعالى من يقصر عنه كل شئ سواه ، أو من اجتمعت له صفات الكمال ، أو من انتفت عنه صفات النقص.

« قال سمع الله لمن حمده » أي استجاب لكل من حمده ، وعدي باللام لتضمينه معنى الاستجابة كما عدي بالى لتضمينه معنى الاصغاء في قوله تعالى : « لا يسمعون إلى الملاء الاعلى » (٢) وفي النهاية أي أجاب حمده وتقبله يقال اسمع دعائي أي أجب لان غرض السائل الاجابة والقبول انتهى.

____________________

(١) زاد في ط الكمبانى « فيكون من قبيل عطف الجملة الاسمية على الفعلية » لكن المؤلف ره ضرب عليه في الاصل ، ولذلك أسقطناه. (٢) الصافات : ٨.

١٩١

وهذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفي رواية المفضل (١) عن الصادق عليه‌السلام تصريح بكونها دعاء ، فانه قال : قلت له : جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي : احمد الله فانه لايبقى أحد يصلي إلا دعا لك ، يقول : « سمع الله لمن حمده » ويدل على أن قول : « سمع الله لمن حمده » بعد إتمام القيام ، وقال الشهيد الثاني رحمه الله وذكر بعض أصحابنا أنه يقول « سمع الله لمن حمده » في حال ارتفاعه وباقي الاذكار بعده والرواية تدفعه.

« ثم كبر وهو قائم » يدل على أنه يستحب أن يكون تمام هذا التكبير في حال القيام ، وقال في الذكرى : ولو كبر في هويه جاز ، وترك الافضل ، قيل : ولا يستحب مده ليطابق الهوى ، لما ورد أن التكبير جزم ، وقال ابن أبي عقيل : يبدأ بالتكبير قائما ، ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا ، وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما وفي الكافي (٢) باسناده إلى المعلى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين إذا أهوى ساجدا انكب وهو يكبر انتهى ، والاول أفضل لكونه أكثر رواية ، وإن كان التخيير قويا ، ويمكن حمل خبر السجاد عليه‌السلام على النافلة.

« بين ركبتيه » في الكافي « بين يدي ركبتيه » أي قدامهما وقريبا منهما ، وفي الفقيه « ووضع يديه على الارض قبل ركبتيه ، فقال « وفيه وفي الكافي » وأنامل إبهامي الرجلين والانف « وفي التهذيب والكافي بعد ذلك » وقال : سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال : « وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا » (٣) وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامان ، ووضع الانف على الارض سنة ، ثم رفع رأسه » إلى آخر الخبر.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٥٠٣.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣٣٦.

(٣) الجن : ١٨.

١٩٢

فأما استحباب وضع اليدين قبل الركبتين (١) فقال في المنتهى عليه فتوى علمائنا أجمع ، والتجويز الوارد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله (٢) وغيرها يدل على عدم الوجوب ، وحملها الشيخ على الضرورة ، وقال في الذكرى : ويستحب أن يكونا معا وروي السبق باليمنى.

أقول : هي رواية عمار (٣) واختاره الجعفي والعمل بالمشهور أولى ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة (٣) وابدأ بيديك تضعهما على الارض قبل ركبتيك تضعهما معا.

وأما السجدة على الاعضاء السبعة فقد نقل جماعة الاجماع على وجوبها ، وذكر السيد وابن إدريس عوض الكفين المفصل عند الزندين وهو ضعيف ، والمراد بالكفين مايشمل الاصابع ، وصرح أكثر المتأخرين بأنه يكفي في وضع الكفين وغيرهما المسمى ولا يجب الاستيعاب ، ولم نجد قائلا بخلاف ذلك ، إلا العلامة في المنتهى ، حيث قال : هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود ، عندي فيه تردد ، ثم الاحوط اعتبار باطنهما ، لكون ذلك هو المعهود كما هو ظاهر الاكثر وصريح جماعة وجوز المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس إلقاء زنديه.

وظاهر أكثر الاخبار اعتبار الابهامين (٥) واستقرب في المنتهى جواز السجود

____________________

(١) يرغب في ذلك قوله تعالى في مدح داود عليه السلام « وخر راكعا وأناب » ص : ٢٤. والمعنى أنه خر إلى الارض ساجدا لله لكنه بعد ما صار بهيئة الركوع ، ولازم ذلك استقبال الارض بباطن الكفين عامة وسيأتي توضيحه.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٢.

(٣) لم نجده.

(٤) التهذيب ج ١ ص ١٥٧ ، الكافى ج ٣ ص ٣٣٥.

(٥) بل الاعتبار بالاصبع الذي هو أطول من سائر الاصابع ، فان كان هو الابهام تعين وان كان هو الذى يلى الابهام مع استقامة تعين ، ولو تساويا ، اعتمد عليهما معا ، هذا هو المعتبر من حيث طبيعة السجدة ، كما هو ظاهر وسيأتى مزيد توضيح له.

١٩٣

على ظاهر إبهامي الرجلين وهو غير بعيد ، عملا باطلاق الاخبار ، وذكر ابن إدريس طرفي الابهامين ، وفي المبسوط : إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ ، وابن زهرة : يسجد على أطراف القدمين ، وأبوالصلاح : أطراف أصابع الرجلين ، واستوجه الشهيد تعين الابهامين وهو ظاهر الاكثر ، قال : نعم لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أجزأ على بقية الاصابع وهو قوي.

وقالوا : يجب الاعتماد على مواضع الاعضاء بالقاء ثقلها عليها ، فلو تحامل عنهالم يجز ، ولعل ذلك هو المتبادر من السجود على الاعضاء ، والجمع في الانامل (١) لعله على التجوز أو أنه عليه‌السلام وضع الابهامين على الارض ، ولكل منهما أنملتان فتصير أربعا ، كذا ذكره الوالد قدس سره ، والاول أظهر ، إذ في الاخير أيضا مع مخالفته للمشهور وساير الاخبار لابد من تجوز إذ إطلاق الانملة على العقد الاسفل مجاز ، قال الفيروزآبادي : الانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات : التي فيها الظفر انتهى.

« فهذه السبعة فرض » أي واجب أو ثبت وجوبها من القرآن « ووضع الانف على الارض سنة » أي مستحب كما هو المشهور أو ثبت وجوبه من السنة (٢) والظاهر

____________________

(١) والجمع في الانامل لان الامام يكون خلقته على أحسن خلقة ، والخلق الحسن في أنامل الرجل هو تساوى الابهام والذي يليه ومن كان هذا خلقه ، انما يعتمد في سجدته على أربع أنامل في كل رجل أنملتان.

(٢) قوله عليه السلام « فهذه السبعة فرض » معناه أن وقوعها على الارض ثابت بظاهر القرآن الكريم كما هو شأن سائر الفرائض وانما كان كذلك. فان السجدة هو الوقوع على الارض عبادة للخالق ، ويسمى بالفارسية ( به خاك افتادن ) لقوله تعالى : « أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون » النحل : ٤٨ ، وقوله عزوجل ، « ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال ٠١٨٧ الرعد : ١٥ ، وغير ذلك ، لكن ظل الشجر والحجر والجبال وغير ذلك يقع على الارض دفعة واحدة كخرور السقف والعمود وامثال ذلك ، وأما الانسان وهو حي ذو

١٩٤

أن هذا من كلامه عليه‌السلام في هذا المقام إما في أثناء الصلاة ، على أن لاتكون صلاة

____________________

مفاصل لايمكنه أن يقع على الارض سالما الا على الهيئة المعتادة كما قال عليه‌السلام « ان ابن آدم يسجد على سبعة أعظم » يعنى طبيعة السجدة بمراعاة خلقة الانسان وفطرته ، فاذا سجد الانسان بمعنى أنه وقع على الارض يكون جبهته وكفاه وركبتاه ورؤس أصابع رجليه واقعة على الارض.

واما وقوع الذقن بدل الجبهة كما في قوله عزوجل : « ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا » إلى قوله عزوجل : « ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا » أسرى ١٠٩١٠٧ ، فهو وصف لسجدة النصارى فانهم لم يتنبهوا أن ابن آدم انما يسجد على سبعة أعظم فطرة وطبعا ، بل وقعوا على الارض منبطحين على وجوههم كما يقع العمود ولما لم يمكنهم الذكر والتوجه إلى قبلتهم بهذا الحال رفعوا رؤسهم وجعلوا أذقانهم على الارض ، فلا تغفل.

ويتفرع على ذلك : أن الاحسن والاليق بحال المتعبد الساجد أن يخر إلى الارض باستقبال الارض بباطن كفيه ثم ايقاع ركبتيه على الارض من دون تمالك بحيث يسمع لوقع الاعضاء عند وقوعها على الارض صوت ، كما يسمع عند خرور السقف والعمود والحائط ، ثم بعد تمالك البدن على أربعة أعظم بل ستة ، يضع جبهته على الارض ويسوى رؤس أصابع رجليه سويا كما مر شرحه.

ولذلك مدح الله عزوجل السجود كذلك ورغب المؤمنين اليه بقوله عز من قائل « ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا » : يوسف : ١٠٠ « انما يؤمن بآياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لايستكبرون » السجدة : ١٥ ( وهى آية السجدة ).

والاحسن أن يكون ذاك الخرور بصورة الركوع كما قال عزوجل في مدح داود : « وخر راكعا وأناب » ص : ٢٤ يعنى أنه خر إلى الارض ساجدا بحالة الركوع لا بحالة القعود ووضع الركبتين قبل اليدين ، على ماهو دأب الاكثرين.

وأما قوله عليه السلام « ووضع الانف على الارض سنة » أى سنة سنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٩٥

حقيقة أو بعد كما عرفت ، ويمكن أن يكون من كلام حماد سمعه منه عليه‌السلام في غير تلك الحال.

وقال الشيخ البهائي طيب الله مضجعه : تفسيره عليه‌السلام المساجد بالاعضاء السبعة التي يسجد عليها هو المشهور بين المفسرين (١) والمروي عن أبي جعفر محمد بن

____________________

من دون أن يكون ذلك داخلا في حقيقة السجدة ، كما قال نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم » وانما فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لان بأنفه روحنا وأرواح العالمين له الفداء كان قنى ، والقنا : أن يكون في عظم الانف احديداب في وسطه ، والانف اذا كان كذلك يقع على الارض حين السجود طبعا وقهرا ، الا أن يسجد على مرتفع كاللوح المعمول في هذا العصر ، لكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسجد على الارض والخمرة ، فيقع عرنين انفه على الارض سنة دائمة.

ولما كانت السنة هذه في فريضة يجب الاخذ بها في حال الاختيار والامكان ، بحيث لو تركه المصلى كان راغبا عن سنته ، ومن رغب عن سنته فليس منه في شئ ، واما اذا كان في حال الاضطرار أو كان بأنفه خنسا فلا عليه.

(١) رواه في المجمع عن سعيد بن جبير والزجاج والفراء ، ومبنى هذا التفسير على أن يكون المساجد جمع مسجد بكسر الميم وفتح الجيم اسم آلة فلا يصدق الا على الاعضاء السبعة التى لايسجد الا بها ، وهذا أنسب من حيث السياق وتفريع الفاء : حيث فرع عدم الشرك على كون المساجد لله مطلقا ، والمعنى أن ما يتحقق به السجدة ملك لله عزوجل فلا تدعوا أي لاتسجدوا بها لاحد غير الله عزوجل أبدا.

وأما اذا جعلنا المساجد جمع مسجد اسم مكان من السجدة فلا يقع الفاء موقعها من التفريع الكامل ، ويكون المعنى : ان المساجد متخذة لعبادة الله عزوجل والسجود له فلا تعبدوا فيها أحدا مع الله عزوجل ولا تسجدوا فيها لاحد غيره ، فيكون النهى عن الشرك في العبادة والسجدة لغير الله عزوجل مخصوصا بالمساجد.

وان حملنا الاية كلا المعنيين ، على ما أشرنا قبل ذلك ( ج ٨١ ص ٣٤ وج ٨٢ ص ٣١٦ ) فقد أخذنا بالحظ الاوفر من كتاب الله عزوجل وقوله صلى الله عليه وآله " نزل القرآن على

١٩٦

علي بن موسى عليهما‌السلام أيضا حين سأله المعتصم عن هذه الآية ومعنى « فلا تدعوا مع الله أحدا » فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها ، وأما ما قاله بعض المفسرين من أن المراد بها المساجد المشهورة فلا تعويل عليه ، بعد التفسير المروي عن الامامين عليهما‌السلام.

ثم قال رحمه الله : ماتضمنه الحديث من سجوده عليه‌السلام على الانف الظاهر أنه سنة مغايرة للارغام المستحب في السجود ، فانه وضع الانف على الرغام بفتح الراء وهو التراب ، والسجود على الانف كما روي عن علي عليه‌السلام « لايجزي صلاة لايصيب الانف مايصيب الجبين » يتحقق بوضعه على مايصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا ، وربما قيل الارغام يتحقق بملاصقة الانف للارض ، وإن لم يكن معه اعتماد ، ولهذا فسره بعض علمائنا بمماسة الانف التراب ، والسجود يكون معه اعتماد في الجملة ، فبينهما عموم من وجه ، وفي كلام شيخنا الشهيد مايعطي أن الارغام والسجود على الانف أمر واحد ، مع أنه عد في بعض مؤلفاته كلا منهما سنة على حدة.

ثم على تفسير الارغام بوضع الانف على التراب هل تتأدي سنة الارغام بوضعه على مطلق مايصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا؟ حكم بعض أصحابنا بذلك وجعل التراب أفضل ، وفيه مافيه فليتأمل انتهى.

أقول : وجه التأمل أنه قياس مع الفارق كما ذكره في الحاشية ، وتعبيره عليه‌السلامبوضع الانف على الارض ثم تفسيره بالارغام يشعر بكون الارغام أعم من الوضع على التراب ، واحتمل الوالد ره الاكتفاء بوضعه على شئ ، وإن لم يكن مما يصح السجود عليه كساير المساجد ، سوى الجبهة وهو بعيد.

ثم اعلم أن استحباب الارغام مما أجمع عليه الاصحاب على ماذكره العلامة رحمه الله لكن قال الصدوق في الفقيه والمقنع : الارغام سنة في الصلاة ، فمن تركه

____________________

سبعة أحرف فاقرؤا ماتيسر منه ».

١٩٧

متعمدا فلا صلاة له (١) والاشهر الاظهر أنه يكفي فيه إصابة جزء من الانف الارض أي جزء كان ، واعتبر السيد رضي الله عنه إصابة الطرف الذي يلي الحاجبين ، وقال ابن الجنيد : يماس الارض بطرف الانف وحدبته إذا أمكن ذلك للرجل والمرءة.

« فلما استوى جالسا » يدل على أنه يستحب أن يكون التكبير بعد الاعتدال لا في أثناء الرفع كما هو ظاهر الاكثر ، وقال في الذكرى : قال ابن الجنيد : إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة ، ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه وهو منتصب القامة لافظ به رافع يديه إلى نحو صدره ، وإذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل كان تكبيره بعد الخروج منه ، وحصوله فيما يليه من انتصاب ظهره في القيام ، وتمكنه من السجود ، ويقرب منه كلام المرتضى ، وليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال بل هو نص عليه ، وفي المعتبر أشار إلى مخالفة كلام المرتضى لانه لم يذكر في المصباح الاعتدال وضعفه برواية حماد انتهى.

« ثم قعد على جانبه الايسر » هذا يوهم أن التورك بعد التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية أخرى مثله.

وقد روى الشيخ في الموثق (٢) عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لاتقع بين السجدتين إقعاء ، وروى الصدوق في معاني الاخبار (٣) أنه قال الاقعاء أن يضع الرجل إلييه على عقبيه ، وهذا يشمل ماورد في الخبر ، وقد نهي عنه مطلقا في خبر أبي بصير فلعل « ثم » ههنا ليست للتراخي الزماني ، بل للتراخي الرتبي ، والترتيب المعنوي ، وهذا هو الذي قطع الاصحاب باستحبابه بين السجدتين وفي التشهد.

وقال الشيخ وأكثر المتأخرين : هو أن يجلس على وركه الايسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الارض ، وظاهر قدمه اليمنى على باطن

____________________

(١) قد عرفت وجه ذلك ، وأن المراد بالسنة : هى سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في امتثال أوامر الله عزوجل ، لا الاستحباب كما هو اصطلاح المتأخرين من الفقهاء.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٢.

(٣) معاني الاخبار : ٣٠٠ في حديث.

١٩٨

قدمه اليسرى ، ويقضي بمقعدته إلى الارض كما هو مدلول هذا الخبر ، ونقل عن المرتضى في المصباح أنه قال : يجلس مماسا بوركه الايسر مع ظاهر فخذه اليسرى للارض ، رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الايسر ، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الارض ويستقبل بركبتيه معا القبلة.

وعن ابن الجنيد أنه قال في الجلوس بين السجدتين يضع إليته على بطن قدميه ولايقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ، ولا يقعي إقعاء الكلب ، وقال في تورك التشهد : يلزق إليتيه جميعا ووركه الايسر وظاهر فخذه الايسر بالارض فلا يجزيه غير ذلك (١) ولو كان في طين ، ويجعل بطن ساقه الايمن على رجله اليسرى ، وباطن فخذه الايمن على عرقوبه الايسر ، ويلزق حرف إبهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الايسر بالارض ، وباقي أصابعها عاليا عليها ، ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة ، والمعتمد الاول وماذكره السيد وابن الجيند في التشهد أسهل غالبا.

« على باطن قدمه الايسر » في الفقيه اليسرى وفي التهذيب في الاول أيضا الايمن « أستغفر الله » واستحباب هذا الاستغفار مقطوع به في كلام الاصحاب ، وسيأتي غيره من الادعية ، وقال في المنتهى : إذا جلس عقيب السجدة الاولى دعا مستحبا ذهب إليه علماؤنا. ثم اعلم أنه ليس في بعض نسخ الحديث لفظ الجلالة ، وقال الشهيد الثاني رحمه الله : ليس في التهذيب بخط الشيخ رحمه الله لفظ « الله » بعد « أستغفر » وتبعه الشهيد في الذكرى والمحقق في المعتبر.

« ثم كبر وهو جالس » يدل على استحباب التكبير للسجود الثاني ولا خلاف فيه ، وعلى أنه يستحب إتمام التكبير جالسا ثم الهوى إلى السجود لا في أثنائه وهو المشهور وقد عرفت مايفهم من كلام المرتضى وابن الجنيد « وقال كما قال في الاولى » قال الشيخ البهائي قدس سره الظاهر أن مراده أنه عليه‌السلام قال فيها ما قاله في السجدة الاولى من الذكر يعني سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاث مرات ، فاستدلال

____________________

(١) ووجهه أن تلك الجلسة وهو التورك حين الجلوس سنة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله اتخذها في جلوس الصلاة فمن تركها عمدا فلا صلاة له.

١٩٩

شيخنا في الذكرى بهذه العبارة على أنه عليه‌السلام كبر بعد رفعه من السجدة الثانية فيه ما فيه انتهى ، وذكر الاكثر استحباب هذا التكبير.

« كان مجنحا » : بالجيم والنون المشددة والحاء المهملة أي رافعا مرفقيه عن الارض حال السجود ، جاعلا يديه كالجناحين فقوله : ولم يضع ذراعيه على الارض عطف تفسيري ، ونقل على استحباب التجنيح الاجماع.

« فصلى ركعتين على هذا » قال الشيخ البهائي رحمه الله : هذا يعطي أنه عليه‌السلام قرأ سورة التوحيد في الركعة الثانية أيضا وهو ينافي ماهو المشهور بين أصحابنا من استحباب مغايرة السورة في الركعتين وكراهة تكرار الواحدة فيهما إذا أحسن غيرها ، كما رواه علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام (١) ويؤيد ما مال إليه بعضهم من استثناء سورة الاخلاص من هذا الحكم ، وهو جيد ، يعضده مارواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى ركعتين وقرء في كل منهما قل هو الله أحد وكون ذلك لبيان الجواز بعيد.

وفي التهذيب والكافي بعد ذلك « ويداه مضمومتا الاصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم ، فقال : ياحماد هكذا صل » وليس بعد ذلك فيهما شئ ولذا احتمل الوالد ره كونه من كلام الصدوق ، والظاهر أنه من تمام الخبر ، وقال في المنتهى : يستحب أن يضع يديه على فخذيه مبسوطة الاصابع مضمومة ، ذهب إليه علماؤنا انتهى ، ويدل على المنع من الالتفات كراهة أو تحريما كما مر تفصيله وكراهة العبث باليدين ، أي أن يفعل بهما غير ماهو المستحب من كونهما عليه في أحوال الصلاة كما سيأتي ، والعبث بالاصابع الفرقعة أو الاعم منه ، ويدل على كراهة البزاق إلى القبلة لشرفها وإلى اليمين لشرفها ، وتضمنه للالتفات غالبا وإلى اليسار للاخير فقط ، وفي رواية عبدالله بن سنان (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبزق؟ فقال : عن يساره ، وإن كان في

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٥٤ ، قرب الاسناد ص ٩٥ ط حجر ص ١٢٤ ط نجف.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٢٦ ، وقد مر في باب أحكام المساجد.

٢٠٠