بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٢

* ( « باب آخر » ) *

* « ( في صلاة الموتحل والعريق ، ومن لايجد الارض للثلج ) » *

١ ـ السرائر : من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يصلي على الثلج؟ قال : لا ، فان لم يقدر على الارض بسط ثوبه وصلى عليه (١).

وعن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لايقدر أن يسجد فيه من الطين ، ولايجد موضعا جافا؟ قال : يفتتح الصلاة فاذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى ، فاذا رفع رأسه عن الركوع فليؤم بالسجود أيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ويسلم (٢).

٢ ـ نوادر الراوندى : عن عبدالواحد بن إسماعيل الروياني ، عن محمد بن الحسن التميمي ، عن سهل بن أحمد الديباجي ، عن محمد بن محمد بن الاشعث ، عن موسى ابن إسماعيل بن موسى ، عن أبيه ، عن جده موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : إذا أدركه الصلاة وهو في الماء أومأ برأسه إيماء ولايسجد على الماء (٣).

تحقيق : عدم السجود على الوحل الذي لايستقر عليه الجبهة ، وعلى الماء مقطوع به ، في كلام الاصحاب ، ومقتضى الخبر الاول صريحا ، والثاني ظاهرا ، وإطلاق كلام جماعة من الاصحاب عدم وجوب الجلوس للسجود ، وأوجب الشهيد الثاني رحمه الله الجلوس وتقريب الجبهة من الارض بحسب الامكان ، وجعل بعضهم كالسيد في المدارك وجوب الجلوس والاتيان من السجود بالممكن أولى استنادا إلى أنه لايسقط الميسور بالمعسور بعد استضعاف الرواية ، لانهم ذكروا مارواه الشيخ (٤) في الموثق

____________________

(١ ـ ٢) السرائر : ٤٧٥.

(٣) نوادر الراوندى : ٥١.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٣٠٤ و ٢٢٤.

١٠١

عن عمار أنه سأله عن الرجل يصيبه المطر وهو لايقدر أن يسجد فيه إلى آخر ما مر في رواية هشام.

واجيب بأن ضعفها منجبر بالشهرة ، وغفلوا عن رواية هشام فانها صحيحة ، ومؤيدة بالموثقة المذكورة ، بل بخبر الراوندي أيضا لان ترك البيان عند الحاجة دليل العدم ، فترك العمل بها والتمسك بتلك الوجوه الضعيفة غير جيدة وتسميته مخالفة النص أولى وجعله احتياطا غريب ، ولو جعل الاحتياط في تعدد الصلاة لكان وجها ، وكون الجلوس والانحناء واجبين مستقلين ممنوع ، بل يحتمل كون وجوبهما من باب المقدمة ، ويسقط بوجوب ذي المقدمة.

١٠٢

١٣

( باب )

* « ( الاذان والاقامة وفضلهما وتفسيرهما ) » *

* « ( وأحكامهما وشرائطهما ) » *

الايات : المائدة : « وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لايعقلون (١).

الجمعة : وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (٢).

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله في الآية الاولى (٣) : قيل في معناه قولان : أحدهما أنه كان إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم ، وتغامزوا على طريق السخف والمجون ، تجهيلا لاهلها ، وتنفيرا للناس عنها ، وعن الداعي إليها ، والآخر أنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهاذي بفعلها ، جهلا منهم بمنزلتها « ذلك بأنهم قوم لايعقلون » مالهم في إجابتهم إليها من الثواب ، وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب ، وأنهم بمنزلة من لا عقل له يمنعه من القبايح.

قال السدى : كان رجل من النصارى بالمدينة فسمع المؤذن ينادي بالشهادتين فقال : حرق الكاذب ، فدخلت خادمة له ليله بنار وهو نائم وأهله ، فسقطت شررة فاحترق هو وأهله ، واحترق البيت.

وقال في كنز العرفان : اتفق المفسرون على أن المراد بالنداء الاذان (٤) ففيه دليل على أن الاذان والنداء إلى الصلاة مشروع بل مرغوب فيه من شعائر الاسلام

____________________

(١) المائدة : ٥٨.

(٢) الجمعة : ٩.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ٢١٣.

(٤) كنز العرفان ج ١ ص ١١٢.

١٠٣

ويومئ إلى أن ما يشعر بالتهاون بشعار من شعائر الاسلام حرام.

وقال المفسرون في قوله تعالى : « إذا نودي للصلاة » أن المراد بالنداء الاذان لصلاة الجمعة ، وسيأتي تفسيرها.

١ ـ الخصال : عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن علي الكوفي ، عن مصعب بن سلام ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه‌السلامقال : من أذن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مد بصره ومد صوته في السمآء ، ويصدقه كل رطب ويابس سمعه ، وله من كل من يصلي معه في مسجده سهم ، وله من كل من يصلي بصوته حسنة (١).

٢ ـ ثواب الاعمال : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن ناجية ، عن محمد بن علي مثله (٢).

المقنعة : روي عن الصادقين عليهما‌السلام أنهم قالوا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يغفر للمؤذن مد صوته وبصره ، ويصدقه كل رطب ويابس ، وله من كل من يصلي بأذانه حسنة (٣).

تبين : قوله عليه‌السلام : « مد بصره ومد صوته » كأنه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس ، أي هذا المقدار من الذنب ، أو هذا المقدار من المغفرة ، أو يغفر لاجله المذبين الكائنين في تلك المسافة ، أو المراد أن المغفرة منه تعالى تزيد بنسبة مد الصوت فكلما يكثر الثاني يزيد الاول ، وهذا إنما يناسب رواية ليس فيها ذكر مد البصر وقيل يغفر ترجيعه وغناؤه ، ونظره إلى بيوت المسلمين ، ولا يخفى مافيه.

ثم إن قوله عليه‌السلام : في السماء ، يحتمل أن يكون قيدا للاخيرين فقط ، فالمراد بقدر مد البصر قدر ميل تقريبا ، ويحتمل أن يكون قيدا لهما ، والصوت وإن لم يصل إلى السماء لكنه ورد في بعض الاخبار أن الله تعالى وكل ريحا ترفعه إلى السماء

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٦٠.

(٢) ثواب الاعمال ص ٣٠.

(٣) المقنعة : ١٥.

١٠٤

ويحتمل أن يكون المراد بالسماء جهة العلو.

وقال في النهاية : فيه أن المؤذن يغفر له مد صوته ، المد القدر يريد به قدر الذنوب أي يغفر له ذلك إلى منتهى مد صوته ، وهو تمثيل لسعة المغفرة كقوله الآخر لو لقيتني بتراب الارض خطايا لقيتك بها بمغفرة ، ويروى « مدى صوته » والمدى الغاية أي يستكمل مغفرة الله إذا استوفي وسعه في رفع صوته ، فيبلغ الغاية في الصوت ، وقيل هو تمثيل أي إن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقام المؤذن ذنوب تملا تلك المسافة لغفرها الله لها انتهى.

قوله عليه‌السلام : « ويصدقه » الظاهر أن المراد أنه يصدقه فيما يذكره من المضامين الحقة التي تضمنها الاذان من الشهادتين ، وكون الصلاة خير الاعمال ، وسببا للفلاح وأنه يلزم أداؤها ، فهو مختص بالملائكة والمؤمنين.

ويمكن القول بالتعميم بأن لا يكون المراد التصديق باللسان والقلب فقط ، بل مايشمل لسان الحال أيضا ، فان جميع الممكنات تنادي بلسان الامكان بأن لها خالقا هو أكبر من كل شئ ، وأعظم من أن يوصف ، وبما فيها من الاحكام وحسن النظام بأن إلهها وخالقها واحد ، ولا يستحق العبادة غيره ، وأنه حكيم عليم رؤف رحيم ، فلا يناسب حكمته أن لايعرضهم للمثوبات الاخروية ، واللذات الباقية ، ولايتأتى ذلك إلا ببعثة الرسل ، والمناسب للخالق الرحمن الرحيم غاية التعظيم والتذلل عنده ، ولا يكون ذلك إلا بالصلاة المشتمل على غاية ما يتصور من ذلك ، فتشهد جميع البرايا بلسان حالها على حقية ما ينادى به في الاذان ، ويسمع نداءها بالتصديق جميع المؤمنين بسمع الايمان والايقان.

ويحتمل أن يكون المراد تصديقها إياه يوم القيامة ، إما المؤمنون فقط أو جميع المكلفين للايمان الاضطراري الحاصل لهم ، أو الجمادات أيضا بانطاق الله تعالى إياها تكميلا لسرور المؤذنين ، وتطييبا لقلوبهم.

ويؤيد الاخير مارواه البخاري ، عن أبي سعيد الخدي قال : قال رسو الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لايسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا يشهد

١٠٥

له يوم القيامة.

ثم اعلم أن في قولهم عليهما‌السلام : « كل من يصلي بصوته أو بأذانه » إشعارا بجواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت ، وفي الاخير إشعارا بجواز الاكتفاء بسماع أذان الاعلام.

٣ ـ ثواب الاعمال : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن العزرمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون (١).

٤ ـ العيون : عن محمد بن عمر الجعابي ، عن الحسن بن عبدالله بن محمد بن العباس التميمي ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة (٢).

توضيح : روى المخالفون أيضا هذه الرواية في كتبهم ، قال الجزري : فيه المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة ، أي أكثر أعمالا يقال : لفلان عنق من الخير أي قطعة وقيل أراد طول الاعناق ، أي الرقاب ، لان الناس يومئذ في الكرب ، وهم في الروح ، متطلعون لان يؤذن لهم في دخول الجنة ، وقيل أراد أنهم يكونون يومئذ رؤساء سادة ، والعرب تصف السادة بطول الاعناق ، وروي أطول إعناقا بكسر الهمزة أي أكثر إسراعا وأعجل إلى الجنة يقال أعنق يعنق إعناقا فهو معنيق ، والاسم العنق بالتحريك انتهى.

وقيل : أكثرهم رجاء ، لان من يرجو شيئا طال إليه عنقه ، وقيل أراد أنه لايلجمهم العرق ، فان الناس يوم القيامة يكونون في العرق بقدر أعمالهم ، وقيل الاعناق الجماعة يقال : جاء عنق من الناس أي جماعة ، فمعنى الحديث أن جمع المؤذنين يكون أكثر ، فان من أجاب دعوتهم يكون معهم ، فالطول مجاز عن الكثرة ، لان للجماعة إذا توجهوا مقصدا لهم امتدادا في الارض ، وقيل طول العنق كناية عن عدم التشوير

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ٢٩.

(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ٦١.

١٠٦

والخجل ، فان الخجل متنكس الرأس ، متقلص العنق ، كما قال تعالى « ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم » (١).

وقيل : معناه الدنو من الله كناية تلويحية لان طول العنق يدل على طول القامة ولا ارتياب في أن طول القامة ليس مطلوبا بالذات ، بل لامتيازهم من سائر الناس ، وارتفاع شأنهم كما وصفوا الغر المحجلين للامتياز والاشتهار.

وقال بعضهم في توجيه الوجه الاول الذي ذكره الجزري : هذا مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآلهأسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا ، أي أكثركن عطاء ، سمى العمل بالعنق باعتبار ثقله ، قال تعالى : « فمن ثقلت موازينه » فلما سمى العمل بالعنق ، جئ بقوله أطول الناس كالترشيح لهذا المجاز ، وكذلك اليد لما سمى بها العطاء أتبعها بالطول مراعاة للمناسبة.

أقول : يمكن إبداء وجوه اخرى للتشبيه أوفق مما ذكره وأظهر كما لايخفى.

٥ ـ سعد السعود : للسيد علي بن طاوس نقلا من تفسير محمد بن العباس بن مروان عن الحسين بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن البيض بن الفياض ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن ابن حماد ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المعراج قال : ثم قام جبرئيل فوضع سبابته اليمنى في اذنه اليمنى فأذن مثنى مثنى ، يقول في آخرها : حي على خير العمل مثنى مثنى ، حتى إذا قضى أذانه أقام للصلاة مثنى مثنى الخبر (٢).

٦ ـ العيون والعلل : عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، عن فرات بن إبراهيم ، عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، عن العباس بن عبدالله البخاري ، عن محمد ابن القاسم بن إبراهيم ، عن أبي الصلت الهروي ، عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى

____________________

(١) السجدة : ١٢.

(٢) سعد السعود ص ١٠٠.

١٠٧

الخبر بطوله (١).

٧ ـ العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد ابن عبدالحميد وأحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : الاذان مثنى مثنى ، والاقامة مثنى مثنى ، ولابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر لانه لايقصر فيهما في حضر ولا سفر ، ويجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والاذان والاقامة في جميع الصلوات أفضل (٢).

تنقيح وتفصيل

اعلم أنه لابد في بيان ما اشتمل عليه هذه الرواية الصحيحة من إيراد فصلين :

الاول : يدل الخبر على لزوم الاذان والاقامة لصلاتي الفجر والمغرب ، سفرا وحضرا والاقامة في سائرها ، واختلف الاصحاب في ذلك ، فذهب الشيخ والسيد في بعض كتبهما وابن إدريس وسلار وجمهور المتأخرين إلى استحبابهما مطلقا في الفرائض اليومية ، وأوجبهما المفيد في الجماعة ، وذهب إليه الشيخ في بعض كتبه وابن البراج وابن حمزة ، وعن أبي الصلاح أنهما شرط في الجماعة ، وفي المبسوط من صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.

وأوجبهما المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ، وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة ، وأوجب الاقامة خاصة على الرجال في كل فريضة.

وأوجبهما ابن الجنيد على الرجال للجمع والانفراد ، والسفر والحضر ، في الفجر والمغرب ، والجمعة يوم الجمعة ، والاقامة في باقي المكتوبات قال : وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط.

وعن ابن أبي عقيل من ترك الاذان والاقامة متعمدا بطلت صلاته ، إلا الاذان

____________________

(١) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٦٢ ، علل الشرائع ج ١ ص ٧.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٦.

١٠٨

في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، فان الاقامة مجزية عنه ، ولا إعادة عليه في تركه ، فأما الاقامة فانه إن تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الاعادة ، وكذا في المختلف ، ونقل المحقق عنه وعن المرتضى أن الاقامة واجبة على الرجال دون الاذان إذا صلوا فرادى ويجبان عليهم في المغرب والعشاء ، ثم قال بعد ذلك بأسطر : وقال علم الهدى أيضا يجب الاذان والاقامة سفرا وحضرا.

إذا علمت هذا فاعلم أن الاخبار في ذلك مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب الاذن مطلقا وأما الاقامة ففيه إشكال إذ الاخبار الدالة على جواز الترك إنما هي في الاذان ، وتمسكوا في الاقامة بخرق الاجماع المركب ، وفيه مافيه ، والاحوط عدم ترك الاقامة مطلقا والاذان في الغداة والمغرب والجمعة والجماعة لا سيما في الحضر.

الثاني : ظاهر الرواية الاكتفاء بتكبيرتين في أول الاذان وتثنية التهليل في آخر الاقامة ، ودلت عليهما أخبار كثيرة ، لكن المشهور بين الاصحاب تربيع التكبير في أول الاذان كما ورد في صحيحة زرارة وبعض الروايات الاخر ، وهذه الرواية يمكن حملها على غالب الفصول ، لكن وردت روايات مصرحه بالاكتفاء بالتكبيرتين ، فيمكن حمل الزائد على الاستحباب ، أو على أنهما من مقدمات الاذان ليستا داخلتين فيه كما يومئ إليه بعض الاخبار ، وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الاصحاب تربيع التكبير في آخر الاذان وهو ضعيف.

وأما تثنية التهليل في آخر الاقامة فهو الظاهر من أكثر الاخبار الواردة فيها ، والمشهور أن فصولها سبعة عشر ، ونسبه في المعتبر إلى السبعة وأتباعهم ، وفي المنتهى قال : ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة إجماع الفرقة عليه ، وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الاصحاب أنه جعل فصول الاقامة مثل فصول الاذان ، وزاد فيها « قد قامت الصلاة » مرتين ، وقال ابن الجنيد : التهليل في آخر الاقامة مرة واحدة ، إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الاذان ، فان كان قد أتى بها بغير أذان ثنى لا إله إلا الله في آخرها.

وقال الشيخ في النهاية بعد ماذكر الاذان والاقامة على المشهور : هذا الذي

١٠٩

ذكرناه هو المختار المعمول عليه ، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا ، في بعض الروايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا ، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا ، فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فانه يقول في أول الاقامة أربع مرات الله أكبر ، ويقول في الباقي كما قدمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف إلى ماقدمناه قول لا إله إلا الله اخرى في آخر الاقامة ، ومن روى اثنتين وأربعين فصلا فانه يجعل في آخر الاذان التكبير أربع مرات ، وفي أول الاقامة أربع مرات ، وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات ، ويقول لا إله إلا الله مرتين في آخر الاقامة ، فان عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما انتهى.

والعمدة في مستند المشهور مارواه الكليني والشيخ (١) في الموثق عن إسماعيل الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الاذان والاقامة خمسة وثلاثون حرفا ، فعدد ذلك بيده واحدا واحدا ، الاذان ثمانية عشر حرفا ، والاقامة سبعة عشر حرفا ، وهذا وإن كان منطبقا على المشهور لكن ليس فيه تصريح بعدد الفصول ، ولا أن النقص في أيها.

لكن الشهرة بين الاصحاب ومارواه الشيخ (٢) في الصحيح عن معاذ بن كثير عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا دخل الرجل المسجد وهو يأتم بصاحبه ، وقد بقي على الامام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل « قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله » يدلان على تخصيص النقص بالاخير ويؤيده ماسيأتي في فقه الرضا ورواية دعائم الاسلام.

والاظهر عندي القول بالتخيير واستحباب التهليل الاخير أو القول بسقوطه عند الضرورة كما يدل عليه هذا الخبر وأما الاجماع المنقول فلا عبرة به بعد ما عرفت من اختلاف القدماء ، ودلالة الاخبار الصحيحة على خلافه.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٥٠ ، الكافى ج ٣ ص ٣٠٢ و ٣٠٣.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ ، وتراه في الكافي ج ٣ ص ٣٠٦.

١١٠

وصرح الصدوق ره في الهداية (١) بتثنية التهليل في آخر الاقامة ، حيث قال قال الصادق عليه‌السلام : الاذان والاقامة مثنى مثنى ، وهما اثنان وأربعون حرفا : الاذان عشرون حرفا ، والاقامة اثنان وعشرون حرفا ، وظاهره في الفقيه أيضا أنه اختار التثنية لانه روى في الفقيه (٢) عن أبي بكر الحضرمي وكليب الاسدي عن أبي عبدالله عليه‌السلام الاذان موافقا للمشهور وقال في آخره : والاقامة كذلك ثم قال : هذا هو الاذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص عنه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن عليا ولي الله مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتين ، ولا شك في أن عليا ولي الله ، وأنه أمير المؤمنين حقا ، وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية ، ولكن ذلك ليس في أصل الاذان ، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض ، المدلسون أنفسهم في جماعتنا انتهى ، وظاهره العمل بهذا الخبر في الاقامة أيضا.

وأقول : لايبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للاذان ، لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها (٣) قال الشيخ في المبسوط فأما قول : « أشهد أن عليا أمير المؤمنين ، وآل محمد خير البرية » على ماورد في شواذ الاخبار ، فليس بمعمول عليه في الاذان ، ولو فعله الانسان لم يأثم به ، غير أنه ليس من فضيلة الاذان ولا كمال فصوله.

وقال في النهاية : فأما ماروي في شواذ الاخبار من قول : أن عليا ولي الله وأن محمدا وآله خير البشر ، فمما لايعمل عليه في الاذان والاقامة ، فمن عمل به كان مخطئا

____________________

(١) الهداية ص ٣٠.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٨٨.

(٣) قال الشعرانى مد ظله : ليس هذه الاخبار التى ذكرها الصدوق ره من طرقنا والا لكانت مروية معنى ، منقولة في كتب الحديث ، وانما كانت في كتب المفوضة أو منقولة شفاها بينهم ، فما يظهر من والد المجلس ره من الاعتناء بها كمراسيله الاخر ، لا وجه له.

١١١

وقال في المنتهى : وأما ماروى من الشاذ من قول « أن عليا ولي الله ، وآل محمد خير البرية » فمما لايعول عليه.

ويؤيده مارواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي ره في كتاب الاحتجاج (١) عن القاسم بن معاوية قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما اسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أبوبكر الصديق ، فقال : سبحان الله غير واكل شئ حتى هذا؟ قلت : نعم ، قال إن الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ، ثم ذكر عليه‌السلام كتابة ذلك على الماء والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السماوات والارضين ورؤس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال عليه‌السلام : فاذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين ، فيدل على استحباب ذلك عموما ، والاذان من تلك المواضع ، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه‌السلام ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية ، بل بقصد البركة ، لم يكن آثما ، فان القوم جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا ، وهذا من أشرف الادعية والاذكار.

٨ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلامقال : سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته ، فذكر قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال : إن كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته ، وإن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها ، وإن ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته ، وأجزءه ، ذلك (٢).

قال : وسألته عن رجل يفتتح الاذان والاقامة وهو على غير القبلة ، ثم يستقبل القبلة؟ قال : لابأس (٣).

قال : وسألته عن المسافر يؤذن على راحلته ، وإذا أراد أن يقيم أقام على الارض؟

____________________

(١) الاحتجاج ص ٨٣.

(٢) قرب الاسناد ص ٨٥ ط حجر ص ١١١ ط نجف.

(٣) قرب الاسناد ص ١١٢ ط نجف ص ٨٦ ط حجر.

١١٢

قال : نعم لابأس (١).

بيان : الخبر يشتمل على أحكام.

الاول : قوله « يخطئ في أذانه وإقامته » يحتمل أن يكون المراد تركهما ، أو ترك بعض فصولهما ، واختلف الاصحاب في تارك الاذان والاقامة حتى يدخل في الصلاة فقال السيد في المصباح والشيخ في الخلاف وأكثر الاصحاب : يمضي في صلاته ، إن كان متعمدا ، ويستقبل صلاته مالم يركع إن كان ناسيا ، وقال الشيخ في النهاية : بالعكس واختاره ابن إدريس وأطلق في المبسوط الاستيناف مالم يركع ، وقد ورد بعض الاخبار بالرجوع قبل الركوع وبعضها بالرجوع قبل الشروع في القراءة ، وبعضها بالرجوع قبل أن يفرغ من الصلاة ، فان فرغ منها فلا يعيد ، وحملها الشيخ في التهذيب على الاستحباب وقال في المعتبر : ماذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر.

أقول : وحمل الشيخ متين لصحة الخبر ، لكن لما كان الظاهر في الحكم الاستحباب لورود الرواية الصحيحة بعدم وجوب الرجوع ، وعدم القائل بالوجوب ظاهرا ، فالظاهر أن الاحتياط في عدم الرجوع بعد الركوع ، وأما الاخبار الواردة بالرجوع قبل القراءة فلعلها محمولة على تأكد الاستحباب.

ثم اعلم أن الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الاذان والاقامة أو الاقامة وحدها ، وليس فيها مايدل على جواز القطع ، لاستدراك الاذان مع الاتيان بالاقامة ، والظاهر من كلام أكثر الاصحاب أيضا عدم جواز القطع لذلك ، وحكى فخر المحققين الاجماع على عدم الرجوع مع الاتيان بالاقامة ، لكن المحقق في الشرائع وابن أبي عقيل ذهبا إلى الرجوع للاذان فقط أيضا وحكم الشهيد الثانى ره بجواز الرجوع لاستدراك الاذان وحده دون الاقامة ، وهو غريب.

ثم اعلم أنه إن حملنا الخبر على ترك بعض فصول الاذان أو الاقامة كما هو الظاهر فلم أر مصرحا به ، ومتعرضا له ، وإثباته بمحض هذا الخبر لايخلو من إشكال ثم إن حملنا الركعة على معناها المتبادر يدل على تفصيل آخر سوى مامر من

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٢ ط نجف ص ٨٦ ط حجر.

١١٣

التفاصيل المشهورة ، وإن حملناها على الركوع كما هو الشائع أيضا في عرف الاخبار فان حملنا كلام القوم على إتمام الركوع فيوافق المشهور ، لكن الظاهر من كلامهم والاخبار التي استدلوا بها أنه يكفي لعدم الرجوع الوصول إلى حد الركوع فهو أيضا تفصيل مخالف للمشهور وسائر الاخبار ، إذ حمل إتمام الركعة على الوصول إلى حد الركوع في غاية البعد ، وبالجملة التعويل على مفاد هذا الخبر مشكل والله يعلم.

الثانى : أنه يدل على عدم وجوب الاستقبال في الاذان والاقامة ، كما هو المشهور والاقوى ويستحب الاستقبال فيهما ، وفي الاقامة وفي الشهادتين في الاذان أيضا آكد ، ونقل عن المرتضى أنه أوجب الاستقبال فيهما وأوجبه المفيد في الاقامة ، والاحوط عدم تركه فيها.

الثالث : يدل على جواز الاذان على الراحلة ولزوم كون الاقامة على الارض ويدل عليهما أخبار كثيرة حملت في المشهور على الاستحباب ، والمنع من الاقامة راكبا إما لعدم الاستقبال ، وقد عرفت حكمه ، أو لعدم القيام والمشهور استحبابه فيهما ، وظاهر المفيد وجوبه في الاقامة أو لعدم الاستقرار أيضا لما ورد في بعض الروايات أنه يشتري فيها شرايط الصلاة والاحوط رعاية جميعها فيها مع الاختيار.

وقال في الذكرى : يجوز الاذان راكبا وماشيا وتركه أفضل ، وفي الاقامة آكد ، ولو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس للنص عن الصادق عليه‌السلام.

وقال : قال ابن الجنيد : لا يستحب الاذان جالسا في حال يباح فيها الصلاة كذلك وكذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصة ، وإذا أراد أن يؤذن أخرج رجليه جميعا من الركاب وكذا إذا أراد الصلاة راكبا ، ويجوزان للماشى ، ويستقبل القبلة في التشهد مع الامكان ، فأما الاقامة فلا تجوز إلا وهو قائم على الارض مع عدم المانع.

قال : ولابأس أن يستدبر المؤذن في أذانه إذا أتى بالتكبير والتهليل والشهادة تجاه القبلة ، ولا يستدبر في إقامته ، ولابأس بأن يؤذن الرجل ويقيم غيره ، ولا بالاذان على غير طهارة والاقامة لاتكون إلا على طهارة وبما يجوز أن يكون داخلا به في الصلاة فان ذكر أن إقامته كانت على غير ذلك ، رجع فتطهر وابتدأ بها من أولها ، ولا يجوز

١١٤

الكلام بعد « قد قامت الصلاة » للمؤذن ، ولا للتابعين إلا لواجب لايجوز لهم الامساك عنه انتهى.

٩ ـ الخصال : فيما أوصى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة (١).

ومنه : عن أحمد بن الحسن القطان ، عن الحسن بن علي السكري ، عن محمد ابن زكريا الجوهرى ، عن الحسن بن محمد بن عمارة ، عن جابر الجعفى ، عن أبي جعفر عليه‌السلامقال : ليس على النساء أذان ولا إقامة الخبر (٢).

بيان : حمل في المشهور على عدم تأكد الاستحباب لهن وقال في المنتهى : ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا نعرف فيه خلافا لانها عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بها على الشرع ، ولم يرد ، ويجوز أن تؤذن المرءة للنساء ويتعددن به ، ذهب إليه علماؤنا وقال علماؤنا : إذا أذنت المرءة أسرت صوتها لئلا تسمعه الرجال وهو عورة.

وقال الشيخ يعتد بأذانهن وهو ضعيف ، لانها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع انتهى ، والظاهر أن غرضه من أول الكلام نفي الوجوب لدلالة آخر الكلام عليه ، ولقوله في التذكرة : يستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم ، لكن لاتسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد ، ثم قال ويجزيها التكبير والشهادتان لقول الصادق (٣) عليه‌السلام وقد سئل عن المرءة تؤذن للصلاة : حسن إن فعلت وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى.

اقول : وفي صحيحة زرارة (٤) إذا شهدت الشهادتين فحسبها.

١٠ ـ مجالس الصدوق والخصال : باسناده المتقدم في باب فضل الصلاة

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٩٧.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٤١.

(٣ و ٤) التهذيب ج ١ ص ١٥٠.

١١٥

قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل إلى أن قال أعلمهم : أخبرني عن سبع خصال اعطاك الله من بين النبيين وأعطى امتك من بين الامم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطاني الله عزوجل فاتحة الكتاب والاذان ، والجماعة في المسجد ، ويوم الجمعة والاجهار في ثلاث صلوات ، والرخص لامتي عند الامراض والسفر ، والصلاة على الجنائز والشفاعة لاهل الكبائر من امتي إلى أن قال : وأما الاذان فانه يحشر المؤذنون من امتي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين عليهما‌السلام (١).

١١ ـ السرائر : نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي ، عن جعفر ابن محمد ، عن عبدالله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحشر بلال على ناقة من نوق الجنة يؤذن أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاذا نادى كسي حلة من حلل الجنة (٢).

١٢ ـ المقنعة : روي عن الصادقين عليهما‌السلام أنهم قالوا : من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ، ومن أقام بغير أذان صلى خلفه صف من الملائكة (٣).

١٣ ـ مجالس الشيخ : بالاسناد المتقدم في باب فضل الصلاة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته له قال : يا أبا ذر إن ربك ليباهي ملائكته بثلاثة نفر : رجل يصبح في أرض قفراء فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملائكة : انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه ، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم وساق الحديث إلى أن قال : (٤).

يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي يعنى قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله الملائكة فصفوا خلفه صفا لايرى طرفاه يركعون لركوعه ويسجدون

____________________

(١) أمالي الصدوق ص ١١٧ ، الخصال ج ٢ ص ٩.

(٢) السرائر ص ٤٧٥.

(٣) المقنعة ص ١٥.

(٤) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٧.

١١٦

لسجوده ، ويؤمنون على دعائه ، يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه (١).

بيان : في أمثال هذين الخبرى دلالة ما على جواز ترك الاذان في الصلوات مطلقا.

١٤ ـ السرائر : نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عمران بن علي قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الاذان قبل الفجر ، فقال : إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس (٢).

بيان : لايجوز تقديم الاذان على دخول الوقت إلا في الصبح (٣) فيجوز تقديمه عليه مع استحباب إعادته بعده ، وعلى الاول نقل جماعة من الاصحاب الاجماع بل اتفاق علماء الاسلام ، والثاني هو المشهور بين الاصحاب قال ابن أبي عقيل الاذان عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فانه جائز أن يؤذن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الاخبار عنهم ، وقال : كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤذنان أحدهما بلال ، والآخر ابن ام مكتوم وكان أعمى ، وكان يؤذن قبل الفجر ويؤذن

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٨.

(٢) السرائر ص ٤٧٥.

(٣) قد عرفت في ج ٨٢ ص ٣٢١ وج ٨٣ ص ٧٢ أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى بغلس قبل أن يستعرض الفجر وأن من عرف الحساب وعلم قران الفجر جاز له أن يقتدى بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ويصلى مع طلوع الفجر ، بأن يؤذن ويقيم ثم يصلى ، فيكون أذانه هذا قبل طلوع الفجر أول الغلس ، وأما الاذان قبل الفجر بمدة فلا يجوز أبدا ، لعدم جواز الصلاة قبل قرآن الفجر.

وأما من لايعرف الحساب من عرض الناس فلا يجوز له أن يصلى قبل استعراض الفجر حتى يكون على يقين من طلوعه فحينئذ يؤذن ويقيم ويصلى وهذا هو المراد بالاذان الثانى اذا كان في جماعة.

١١٧

بلال إذا طلع الفجر ، وكان عليه وآله السلام يقول : إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب.

وخالف فيه ابن إدريس فمنع من تقديم الاذان في الصبح أيضا وهو المنقول عن ظاهر المرتضى ره في المسائل المصرية ، وابن الجنيد وأبي الصلاح والجعفي ، ولعل الاشهر أظهر ، وأما التفصيل الوارد في هذا الخبر مع صحته لم ينسب القول به إلى أحد نعم قال العلامة في المنتهى : أما الفجر فلا بأس بالاذان قبله ، وعليه فتوى علمائنا ، ثم احتج بهذه الرواية ، ثم قال : والشرط في الرواية حسن لان القصد به الاعلام للاجتماع ومع الجماعة لايحتاج إلى الاعلام للتأهب بخلاف المنفرد انتهى ولعله ره حمل الخبر على أنه إذا كان الناس مجتمعين فلا يؤذن قبل الوقت لتأهبهم وحضورهم ، وإن كانوا متفرقين وكان الامام أو غيره وحده فليؤذن قبله لينتبهوا ويجتمعوا ، فالاذان في الصورتين معا للجماعة ، ولو كان المراد بالثاني صلاة المنفرد وبالاول صلاة الجماعة كان العكس أقرب إلى اعتبار العقل ، والله يعلم حقيقة الامر.

١٥ ـ السرائر : نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن جعفر بن بشير ، عن الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : لابأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم وبعد مايقيم إن شاء (١).

ومنه : من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام قلت : أيتكلم الرجل بعد ماتقام الصلاة؟ قال : لابأس (٢).

بيان : الخبران يدلان على عدم حرمة الكلام بعد الاقامة ، كما هو المشهور وحمل الشيخ أمثالهما على الضرورة ، أو على كلام يتعلق بالصلاة.

١٦ ـ المعتبر : قال في كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من أصحابنا قال : حدثني عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : الاذان الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وقال : في آخره : لا إله إلا الله مرة ، ثم قال : إذا كنت في أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل ، و

____________________

(١ و ٢) السرائر ص ٤٧٥.

١١٨

قل بعد الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، ولا تقل في الاقامة الصلاة خير من النوم ، إنما هو في الاذان.

قال المحقق ره قال الشيخ في الاستبصار : هو للتقية ولست أرى هذا التأويل شيئا ، فان في جملة الاذان حي على خير العمل ، وهو انفراد الاصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الوجه أن يقال فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (١).

بيان : يمكن أن يكون الغرض المماشاة مع العامة بالجمع بين ما يتفرد الشيعة به ، وبين ماتفرد دوابه ، أو يكون الغرض قول حى على خير العمل سرا ، ويمكن حمل وحدة التهليل في الاذان أيضا على التقية لان المخالفين أجمعوا عليها كما أن الشيعة أجمعوا على المرتين ، وربما يحمل على الواحدة في آخر الاقامة ولا يخفى بعده.

١٧ ـ كتاب زيد الزراد عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الغول نوع من الجن يغتال الانسان ، فاذا رأيت الشخص الواحد فلا تسترشده وإن أرشدكم فخالفوه ، وإذا رأيته في خراب وقد خرج عليك أو في فلاة من الارض فأذن في وجهه وارفع صوتك ، ثم ذكر دعاء ثم قال : فاذا ضللت الطريق فأذن بأعلى صوتك ثم ذكر دعاء وقال : وارفع صوتك بالاذان ترشد وتصب الطريق إن شاء الله.

١٨ ـ كتاب عاصم بن حميد : عن عمرو بن أبي نصر قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ قال : نعم ، ولا يقيم إلا وهو على وضوء ، قال : فقلت يؤذن وهو جالس؟ قال : نعم ، ولا يقيم إلا وهو قائم.

١٩ ـ العياشي : عن عبدالصمد بن بشير قال : ذكر عند أبي عبدالله عليه‌السلام بدو الاذان فقال إن رجلا من الانصار رأى في منامه الاذان فقصه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعلمه بلالا فقال أبوعبدالله : كذبوا إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان نائما في ظل الكعبة ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام ومعه طاس فيه ماء من الجنة ، فأيقظه وأمره أن يغتسل ثم وضع في محمل له ألف ألف لون من نور.

ثم صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب

____________________

(١) المعتبر ص ١٦٦.

١١٩

السماء فأمر الله جبرئيل عليه‌السلام فقال : « الله أكبر الله أكبر » فتراجعت الملائكة نحو أبواب السماء ففتحت الباب فدخل عليه‌السلام حتى انتهى إلى السماء الثانية فنفرت الملائكة عن أبواب السماء فقال : « أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الا الله » فتراجعت الملائكة ثم فتح الباب فدخل عليه‌السلام ومر حتى انتهى إلى السماء الثالثة فنفرت الملائكة عن أبواب السماء فقال جبرئيل « أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله » فتراجعت الملائكة وفتح الباب ومر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى السماء الرابعة فاذا هو بملك متك وهو على سرير تحت يده ثلاث مائة ألف ملك تحت كل ملك ثلاث مائة ألف ملك فنودي أن قم ، قال : فقام الملك على رجليه فلا يزال قائما إلى يوم القيامة.

قال : وفتح الباب ومر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى السماء السابعة قال : وانتهى إلى سدرة المنتهى قال : فقال السدرة ماجاوزني مخلوق قبلك ، قال : ثم مضى فتدانى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى قال : فدفع إليه كتابين كتاب أصحاب اليمين ، وكتاب أصحاب الشمال ، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر فيه فاذا فيه أسماء أهل الجنة ، وأسماء آبائهم وقبائلهم ، قال : فقال الله « آمن الرسول بما انزل إليه من ربه » فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله » فقال الله : « وقالوا سمعنا وأطعنا » فقال النبي : « غفرانك ربنا وإليك المصير » قال الله : « لايكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت » قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا » قال فقال الله : قد فعلت.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولاتحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا » قال قد فعلت فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ربنا ولاتحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولينا فانصرنا على القوم الكافرين » كل ذلك يقول الله قد فعلت.

ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه وفتح الاخرى صحيفة أصحاب الشمال فاذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن هؤلاء قوم لايؤمنون » فقال الله : يا محمد « فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ».

قال : فلما فرغ من مناجات ربه رد إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة ،

١٢٠