بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

من عرض الدنيا ، أو تصلي بغير وقتها (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس مني من استخف بصلاته ، لا يرد على الحوض لا والله (٢).

وقال العالم عليه‌السلام : إن الرجل يصلي في وقت وما فاته من الوقت الاول خير من ماله وولده (٣).

٣٨ ـ الخرايج : عن إبراهيم بن موسى القزاز قال : خرج الرضا عليه‌السلام يستقبل بعض الطالبيين ، وجاء وقت الصلاة فمال إلى قصر هناك فنزل تحت صخرة فقال : أذن ، فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا ، فقال : غفر الله لك لا تؤخرن صلاة عن أول وقتها إلى آخر وقتها من غير علة ، عليك أبدا بأول الوقت فأذنت وصلينا تمام الخبر (٤).

بيان : يدل على أنه لا ينبغي التأخير عن أول وقت لانتظار الرفقة للجماعة أيضا.

٣٩ ـ فلاح السائل : اروى بحذف الاسناد عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيدة الانبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى أبنائها الاوصياء أنها سألت أباها صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال : يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة : ست منها في دار الدنيا ، وثلاث عند موته ، وثلاث في قبره ، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.

فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا : فالاولى يرفع الله البركة من عمره ، ويرفع الله البركة من رزقه ، ويمحو الله عزوجل سيماء الصالحين من وجهه ،

____________________

(١) فقه الرضا ص ٦.

(٢) فقه الرضا ص ٧.

(٣) فقه الرضا ص ٢.

(٤) الخرائج والجرائح ص ٢٣٠.

٢١

وكل عمل يعمله لا يوجر عليه ، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء ، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.

وأما اللواتي تصيبه عند موته فاولاهن أنه يموت ذليلا ، والثانية يموت جائعا ، والثالثة يموت عطشانا ، فلوسقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.

وأما اللواتي تصيبه في قبره فاولاهن يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره ، والثانية يضيق عليه قبره ، والثالثة تكون الظلمة في قبره.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره : فاولاهن أن يوكل الله به ملكا يسحبه على وجهه والخلايق ينظرون إليه ، والثانية يحاسب حسابا شديدا ، والثالثة لا ينظر الله إليه ولايزكيه وله عذاب أليم (١).

وروى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم فيما رواه عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله عليه‌السلام : لا تنال شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها (٢).

٤٠ ـ الخصال : عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن أبيه ، عن مجمد بن أحمد ، عن هارون بن مسلم ، عن الليثي ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها ، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عن عدونا؟ وإلى أموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فيها؟ (٣).

٤١ ـ ومنه ومن العيون : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن إبراهيم بن حمويه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الرضا عليه‌السلام قال : في الديك الابيض خمس خصال من خصال الانبياء عليهم‌السلام : معروفته بأوقات الصلوات والغيرة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة (٤).

بيان : فيه إشعار بجواز الاعتماد على صوت الديك في معرفة الاوقات ، وسيأتي

____________________

(١) فلاح السائل ص ٢٢.

(٢) فلاح السائل ص ١٢٧.

(٣) الخصال ج ١ ص ٥١.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٤٣ ، عيون الاخبار ج ١ ص ٢٧٧.

٢٢

الكلام فيه ، والطروقة بالضم أن يعلوا الفحل انثاه ، وبالفتح انثاه ، قال في النهاية : في حديث الزكوة فيها حقة طروقة الفحل أي يعلو الفحل مثلها في سنها ، وهي فعولة بمعنى مفعولة ، أي مركوبة للفحل انتهى ، والخبر يحتملهما ، وإن كان الضم أظهر.

٤٢ ـ قرب الاسناد : عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها (١).

٤٣ ـ ارشاد القلوب للديلمى : قال : كان علي عليه‌السلام يوما في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال ، وهو مع ذلك بين الصفين يراقب الشمس ، فقال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟ قال : أنظر إلى الزوال حتى نصلي ، فقال له ابن عباس : وهل هذا وقت صلاة؟ إن عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة ، فقال عليه‌السلام : على ما نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم على الصلاة ، قال : ولم يترك صلاة الليل قط حتى ليلة الهرير.

٤٤ ـ كتاب الغارات : لابراهيم بن محمد الثقفي ، عن يحيى بن صالح ، عن مالك بن خالد ، عن عبدالله بن الحسن ، عن عباية قال : كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى محمد بن أبي بكر : انظر صلاة الظهر فصلها لوقتها ، لا تعجل بها عن الوقت لفراغ ، ولا تؤخرها عن الوقت لشغل ، فان رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله عن وقت الصلاة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل عليه‌السلام فأراني وقت الصلاة ، فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم صلى العصر وهي بيضاء نقية ، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلى العشاء حين غابت الشفق ، ثم صلى الصبح فأغلس به والنجوم مشتبكة.

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا يصلي قبلك ، فان استطعت ولا قوة إلا بالله أن تلتزم السنة المعروفة ، وتسلك الطريق الواضح الذي أخذوا فافعل ، لعلك تقدم عليهم غدا ، ثم قال :

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٣٨ ط حجر ص ٥٢ ط نجف وتمامه كمامر من الخصال.

٢٣

واعلم يا محمد أن كل شئ تبع لصلاتك ، واعلم أن من ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع.

٤٥ ـ ومنه : باسناده عن ابن نباته قال : قال علي عليه‌السلام في خطبته : الصلاة لها وقت فرضه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تصلح إلا به ، فوقت صلاة الفجر حين يزائل المرؤ ليله ، ويحرم على الصائم طعامه وشرابه ، ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ يكون ظلك مثلك ، وإذا كان الشتاء حين تزول الشمس من الفلك وذلك حين تكون على حاجبك الايمن مع شروط الله في الركوع والسجود ، ووقت العصر تصلي والشمس بيضاء نقية قدر ما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها ، ووقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس وأفطر الصائم ، ووقت صلاة العشاء الاخرة حين يسق الليل وتذهب حمرة الافق إلى ثلث الليل ، فمن نام عند ذلك فلا أنام الله عينه ، فهذه مواقيت الصلاة ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) (١).

بيان : يدل على استحباب تأخير الظهر عند شدة الحر كمامر ، ويمكن حمله على التقية أيضا ( حين تكون على حاجبك الايمن ) أي عند استقبال نقطة الجنوب أو القبلة ، فان قبلتهم قريبة منها ( قدر ما يسلك الرجل ) أي بقي ربع اليوم تقريبا فانهم جعلوا ثمانية فراسخ لمسير الجمل بياض اليوم ، وهذا قريب من زيادة الفئ قامة أي سبعة أقدام ، إذ في أواسط المعمورة في أول الحمل والميزان عند استواء الليل والنهار يزيد الفئ سبعة أقدام في ثلات ساعات ودقايق ، ويزيد وينقص في سائر الفصول ، ولا يبعد حمل هذا أيضا على التقية لجريان عادة الخلفاء قبله على التأخير أكثر من ذلك ، فلم يمكنه عليه اسلام تغيير عادتهم أكثر من هذا.

( حين يسق الليل ) مأخوذ من قوله تعالى : ( والليل وما وسق ) أي (٢) وما جمع ، وما ضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه ، وذلك أن الليل إذا أقبل أوي كل شئ إلى مأواه ، وقيل أي وما طرد من الكواكب ، فانها تظهر

____________________

(١) النساء : ١٠٣ ، وكتاب الغارات مخطوط.

(٢) الانشقاق : ١٨.

٢٤

بالليل وتخفى بالنهار ، وأوضاف ذلك إلى الليل لان ظهورها فيه مطرد.

٤٦ ـ اسرار الصلاة : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن أول مايحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها ، إن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وفي بيضاء مشرقة ، تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة ، تقول : ضيعتني ضيعك الله (١).

بيان : رجعت إلى صاحبها ، الرجوع إما في الاخرة وهو أظهر أو في الدنيا بعد الثبت في ديوان عمله ، إما برجوع حاملها من الملائكة أو الكتاب الذب اثبتت فيه ، ولا يبعد أن يكون الرجوع والقول استعارة تمثيلية ، شبه الصلاة الكاملة وما يعودبها على صاحبها من النفع والبركة بالذي يذهب ويرجع ويقول هذا القول وكذا الصلاة الناقصة والله يعلم.

٤٧ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( موقوتأ ) قال : مفروضا (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : لكل صلاة وقتان أول وآخر ، فأول الوقت أفضله ، وليس لاحد أن يتخذ آخر الوقتين وقتا إلا من علة ، وإنما جعل آخر الوقت للمريض والمعتل ولمن له عذر وأول الوقت رضوان الله ، وآخر الوقت عفو الله (٣) وإن الرجل ليصلي في الوقت وإن مافاته من الوقت خير له من أهله وماله (٤).

____________________

(١) تراه في التهذيب ج ١ ص ٢٠٣ ، الكافى ج ٣ ص ٢٦٨.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٣١.

(٣) زاد في المصدر : والعفو لا يكون الا من تقصير.

(٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٣٧.

٢٥

٧

( باب )

( وقت فريضة الظهرين ونافلتهما )

١ ـ مجالس الصدوق : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر الباقر عليه اسلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، واستجيب الدعاء ، فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح (١).

٢ ـ الخصال : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن على بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، وأفضل ساعات الليل والنهار أوقات الصلوات ، ثم قال عليه‌السلام : إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وهبت الرياح ، ونظر الله عزوجل إلى خلقه ، وإني لاحب أن يصعد لي عند ذلك إلى السماء عمل صالح ، ثم قال : عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات ، فانه مستجاب (٢).

٣ ـ ومنه : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من كانت له إلى ربه عزوجل حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات : ساعة في يوم الجمعة ، وساعة تزول الشمس حين تهب الرياح ، وتفتح أبواب السماء ، وتنزل الرحمة ، ويصوت الطير ، و

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٣٤٣.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٨٥.

٢٦

ساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر ، فان ملكين يناديان : هل من تائب يتاب عليه هل من سائل يعطى؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من طالب حاجة فتقضى له؟ فأجيبوا داعي الله (١).

٤ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن وقت الظهر قال : نعم ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقتها ، فصل إذا شئت بعد أن تفرغ من تسبيحتك (٢).

وسألته عن وقت العصر متى هو؟ قال : إذا زالت الشمس قدمين وصليت الظهر والسبحة بعد الظهر فصل العصر إذا شئت (٣).

٥ ـ ومنه : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الفضل بن يونس قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام قلت : المرءة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : فقال : إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام ، فلا تصلي إلا العصر ، لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم و خرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر ، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر (٤).

بيان : استدل به على ما ذهب إليه الشيخ من أن الاوقات المقدرة بالاقدام والاذرع أوقات للمختار ، لا أوقات فضيلة ، وفيه نظر ظاهر. وأما ما تضمنه من سقوط الظهر عن الحائض إذا طهرت بعد الاربعة أقدام فهو مختار الشيخ في الاستبصار وخالفه عامة المتأخرين ، وقالوا : إن طهرت قدر ما تغتسل وتأتي بخمس ركعات قبل الغروب تجب عليها الصلاتان ، وأجاب عنه العلامة بوجوه : الاول القدح في

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٥٨.

(٢ ـ ٣) قرب الاسناد : ٨٦ ط حجر : ١٢ ط نجف.

(٤) قرب اسناد ص ١٣٠ ط حجر ص ١٧٦ ط نجف ، ورواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ١١١ ، وتراه في الكافى ج ١ ص ١٠٢.

٢٧

السند بأن الفضل واقفي ، واجيب بأن النجاشي وثقه ولم يذكر كونه واقفيا وإنما ذكر ذلك الشيخ ، والنجاشي أثبت منه ، مع أنه روى الكشى ما يدل على مدحه.

الثاني أنها منفية بالاجماع ، إذ لا خلاف بيننا في أن آخر وقت الظهر للمعذور يمتد إلى قبل الغروب بمقدار العصر ، وفيه نظر ، إذ قد عرفت أن الشيخ قال به في الاستبصار ، فالاجماع مع مخالفة الشيخ ممنوع.

الثالث أنه علق الحكم على الطهارة بعد أربعة أقدام ، فيحمل على أنه أراد بذلك ما إذا خلص الوقت للعصر ، ولا يخفى بعد هذا التأويل وركاكته ، لكن يعارضه موثق عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا طهرت المرءة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر ، وإن طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء (١) ويمكن الجمع بحمل خبر ابن سنان على الاستحباب ، وربما يحمل خبر الفضل على التقية ، وفيه نظر إذ لم يظهر موافقة العامة لمدلوله ، بل المشتهر بينهم خلافه ، والاحوط العمل بالمشهور.

٦ ـ العلل : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن حماد ، عن عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر ، قلت : ما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له في الجنة أهل ولا مال [ قيل : وما تضييعها ، قال : ] ظ يضيعها فيدعها متعمدا حتى تصفر الشمس وتغيب (٢).

بيان : الظاهر أن الواو بمعني أو ، كما في الفقيه (٣) وروى نحوه محيي السنة من محدثي العامة ، ونقل عن الخطابي أن معنى وتر : نقص وسلب ، فبقي وترا فردا بلا أهل ولا مال ، يريد فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهابهما

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١١١.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٤٥.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٤١ ، وفيه ( حتى تصفر الشمس أو تغيب ).

٢٨

وقيل : الوتر أصله الجناية ، فشبه ما يلحق هذا الذي يفوته العصر بما يلحق الموتور من قتل حميمه أو أخذ ماله.

٧ ـ معانى الاخبار : عن أبيه عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم وأيوب بن نوح ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يظلل قدر قامة ، فكان إذا كان الفئ ذراعا ـ وهو قدر مربض عنز ـ صلى الظهر ، فاذا كان الفئ ذراعين وهو ضعف ذلك صلى العصر (١).

٨ ـ ثواب الاعمال ومعانى الاخبار : عن محمد بن علي ما جيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أبي سمينة ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : ماخدعوك عن شئ فلا يخدعوك في العصر ، صلها والشمس بيضاء نقية ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر ، قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له أهل ولامال في الجنة ، قلت : وما تضييعها؟ قال : يدعها والله حتى تصفار الشمس أو تغيب (٢).

المحاسن : عن أبي سمينة مثله (٣).

٩ ـ ثواب الاعمال : بالاسناد المقدم ، عن أبي سمينة ، عن حنان بن سدير ، عن أبي سلام العبدي قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت له : ما تقول في رجل يؤخر العصر متعمدا؟ قال : يأتي يوم القيامة موتورا أهله وماله قال : قلت جعلت فداك وإن كان من أهل الجنة؟ قال : وإن كان من أهل الجنة ، قلت : فما منزلته في الجنة موتورا بأهله وماله؟ قال : يتضيف أهلها ليس له فيها منزل (٤).

____________________

(١) معانى الاخبار ص ١٥٩ في حديث.

(٢) معانى الاخبار ص ١٧١.

(٣) المحاسن ص ٨٣.

(٤) ثواب الاعمال ص ٢٠٨.

٢٩

المحاسن : عن أبي سمينة مثله (١).

بيان : قال في القاموس : ضفته أضيفه ضيفا وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفا كضيفته.

١٠ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبدالله بن بكير ، عن محمد بن هارون قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من ترك صلاة العصر غير ناس لها حتى تفوته وتره الله أهله وماله يوم القيامة (٢).

١١ ـ العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : قال لي : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم؟ قال : لمكان الفريضة ، لان لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ فيئك ذراعا ، فاذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة (٣).

١٢ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : أول صلاة فرضها الله على العباد صلاة يوم الجمعة الظهر ، فهو قوله تبارك وتعالى ( أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) (٤) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.

وقال : أول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخره أن يبلغ الظل ذراعا أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان ، ووقت العصر بعد القدمين الاولين إلى قدمين آخرين ، وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا فصار قدمان للظهر ، وقدمان للعصر.

فان لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا تقصير ولا يريد أن يطيل التنفل فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمعنه منها إلا السبحة بينهما ،

____________________

(١ ـ ٢) المحاسن ص ٨٣.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٣٨.

(٤) أسرى : ٧٨.

٣٠

والثمان ركعات قبل الفريضة ، والثمان بعدها ، فان شاء طول إلى القدمين ، وإن شاء قصر ، والحد لمن أراد أن يطول في الثماني والثماني أن يقرأ مائة آية فما دون و إن أحب أن يزداد فذاك إليه ، وإن عرض له شغل أو حاجة أو علة يمنعه من الثماني والثماني إذا زالت الشمس صلى الفريضتين ، وقضى النوافل متى ما فرغ من ليل أو نهار ، في أي وقت أحب ، غير ممنوع من القضاء ، ووقت من الاوقات.

وإن كان معلولا حتى يبلغ ظل القامة قدمين أو أربعة أقدام صلى الفريضة ، وقضى النوافل متى ما تيسر له القضاء.

وتفسير القدمين والاربعة أقدام ، أنهما بعد زوال الشمس في أي زمان كان شتاء أو صيفا طال الظل أم قصر ، فالوقت واحد أبدا ، والزوال يكون في نصف النهار سواء قصر النهار أم طال ، فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة ، وله مهلة في التنفل ، والقضاء والنوم والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فاذا بلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال ، فقد وجب عليه أن يصلي الظهر في استقبال القدم الثالث ، وكذلك يصلي العصر إذا صلى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس ، فاذا صلى بعد ذلك فق ضيع الصلاة ، وهو قاض للصلاة بعد الوقت.

وأول وقت المغرب سقوط القرصة وعلامة سقوطه أن يسود افق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق ، وهو أول وقت العتمة ، وسقوط الشفق ذهاب الحمرة ، وآخر وقت العتمة نصف الليل وهو زوال الليل.

وأول وقت الفجر اعتراض الفجر في افق المشرق ، وهو بياض كبياض النهار وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في افق المغرب ، وإنما يمتد وقت الفريضة بالنوافل ، فلولا النوافل وعلة المعلول لم يكن أوقات الصلاة ممدودة على قدر أوقاتها ، فلذلك تؤخر الظهر إن أحببت ، وتعجل العصر إن لم يكن هناك نوافل ولا علة تمنعك أن تصليهما في أول وقتهما وتجمع بينهما في السفر ، إذ لا نافلة تمنعك من الجمع ، وقد جاءت أحاديث مختلفة في الاوقات ، ولكل حديث معنى وتفسير (١).

____________________

(١) فقه الرضا ص ٣.

٣١

إن أول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة رجل : قدم وقدمان وجاء على النصف من ذلك وهو أحب إلي وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام. وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين وجاء لهما جميعا وقت واحد مرسل قوله ( إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ) وجاء أن رسول الله  صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ثم بالعشاء والعتمة من غير سفر ولا مرض وجاء أن لكل صلاة وقتين أول وآخر كما ذكرناه في أول الباب.

وأول الوقت أفضلها ، وإنما جعل آخر الوقت للمعلول ، فصار آخر الوقت رخصة للضعيف ، لحال علته ونفسه وماله ، وهي رحمة للقوي الفارغ لعلة الضعيف والمعلول ، وذلك أن الله فرض الفرائض على أضعف القوم قوة ليستوي فيها الضعيف والقوي ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( فما استيسر من الهدى ) (١) وقال : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) (٢) فاستوى الضعيف الذي لا يقدر على أكثر من شاة ، والقوي الذي يقدر على أكثر من شاة ، إلى أكثر القدرة في الفرائض ، وذلك لان لا تختلف الفرائض ولا تقام على حد.

وقد فرض الله تبارك وتعالى على الضعيف ما فرض على القوي ، ولا يفرق عند ذلك بين القوى والضعيف ، ، فلما أن لم يجز أن يفرض على الضعيف المعلول فرض القوى الذي هو غير معلول ، ولم يجز أن يفرض على القوى غير فرض الضعيف فيكون الفرض محمولا ثبت الفرض عند ذلك على أضعف القوم ، ليستوى فيها القوى والضعيف رحمة من الله للضعيف لعلته في نفسه ورحمة منه للقوى لعلة الضعيف ، ويستتم الفرض المعروف المستقيم عند القوى والضعيف.

وإنما سمي ظل القامة قامة ، لان حائط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قامة إنسان ، فسمي ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين ، وظل قدم وظل قدمين ، وظل أربعة أقدام

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التغابن : ١٦.

٣٢

وذراع ، وذلك أنه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا ، و إذا مسح بالذراعين كان ذراعين ، وإذا مسح بالقامة كان قامة ، أي هو ظل القامة وليس هو بطول القامة سواء مثله ، لان ظل القامة ربما كان قدما ، وربما كان قدمين ، ظل مختلف على قدر الازمنة ، واختلافها باختلافهما ، لان الظل قد يطول وينقص لاختلاف الازمنة ، والحائط المنسوب إلى قامة إنسان قائم معه غير مختلف ، ولا زائد ولا ناقص ، فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان الظل منسوبا إليه ممسوحا به ، طال الظل أم قصر.

فان قال : لم صار وقت الظهر والعصر أربعة أقدام ، ولم يكن الوقت أكثر من الاربعة ولا أقل من القدمين؟ وهل كان يجوز أن يصير أوقاتها أوسع من هذين الوقتين أو أضيق؟

قيل له : يجوز الوقت أكثر مما قدر لانه إنما صير الوقت على مقادير قوة أهل الضعف واحتمالهم ، لمكان أداء الفرائض ، ولو كانت قوتهم أكثر مما قدر لهم من الوقت ، لقدر لهم وقت أضيق ، ولو كانت قوتهم أضعف من هذا لخفف عنهم من الوقت وصير أكثرهما ، ولكن لما قدرت قوى الخلق على ما قدر لهم الوقت الممدود بها بقدر الفريقين ، قدر لاداء الفرائض والنافلة وقت ليكون الضعيف معذورا في تأخيره الصلاة إلى آخر الوقت لعلة ضعفه وكذلك القوي معذورا بتأخيره الصلاة إلى آخر الوقت لاهل الضعف ، لعلة المعلول ، مؤديا للفرض ، وإن كان مضيعا للفرض بتركه للصلاة في أول الوقت وقد قيل أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله.

وقيل : فرض الصلوات الخمس التي هي مفروضة على أضعف الخلق قوة ليستوى بين الضعيف والقوى كما استوى في الهدي شاة وكذلك جميع الفرائض المفروضة على جميع الخلق إنما فرضها الله على أضعف الخلق قوة مع ما خص أهل القوة على أداء الفرائض في أفضل الاوقات وأكمل الفرض كما قال الله ( ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ) (١).

____________________

(١) الحج : ٣٢.

٣٣

وجاء أن آخر وقت المغرب إلى ربع الليل للمقيم المعلول والمسافر ، كما جاز أن يصلي العتمة في وقت المغرب الممدود كذلك جاز أن يصلي العصر في أول وقت الممدود للظهر (١).

وقال عليه‌السلام في موضع آخر : أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ الظل قدمين ، وأول وقت العصر الفراغ من الظهر ، ثم إلى أن يبلغ الظل أربعة أقدام ، وقد رخص للعليل والمسافر منهما إلى أن يبلغ ستة أقدام ، وللمضطر إلى مغيب الشمس (٢).

توضيح وتبيين وتحقيق متين

قوله عليه‌السلام : ( وآخره أن يبلغ الظل ذراعا ) أي وآخر الوقت الذي يمكن تأخير الفريضة فيه النافلة ولعلة اخرى كما سيأتي تفسيره ، وكذا الاربعة الاقدام وقت يجوز تأخير العصر عنه للنافلة وغير ذلك ، ولم يذكر آخر وقت الفرضين هنا.

وهذا الخبر مع ما فيه من الاضطراب في الجملة قريب مما روي في الكافي والتهذيب (٣) ( عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن سعيد ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عما جاء في الحديث أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين ، وذراعا وذراعين ، وقدما وقدمين ، من هذا ، ومن هذا فمتى هذا؟ وكيف هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الاوقات نصف قدم. قال إنما قال : ظل القامة ، ولم يقل قامة الظل ، وذلك أن ظل القامة يختلف مرة يكثر ومرة يقل ، والقامة قامة أبدا لاتختلف.

ثم قال : ذراع وذراعان ، وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا ، وظل القامتين ذراعين ، ويكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين

____________________

(١) فقه الرضا ص ٣.

(٢) فقه الرضا ص ٧ س ١٩.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٤٠ ، الكافى ج ٣ ص ٢٧٧.

٣٤

مفسرا أحدهما بالاخر مسددا أبدا ، فاذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل ، وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ( فهذا تفسير القامة والقامتين ، والذراع والذراعين ) ولنمهد لشرح هذا الحديث مقدمة تكشف الغطاء عن وجوه سائر الاخبار الواردة في هذا المطلب ، مع اختلافها وتعارضها.

اعلم أن الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ، ثم لا يزال ينقص حتى تزول فاذا زالت زاد ، ثم قد تقرر أن قامة كل إنسان سبعة أقدام بأقدامه تقريبا كما عرفت ، وثلاث أذرع ونصف بذراعه ، والذراع قدمان تقريبا ، فلذا يعبر عن السبع بالقدم ، وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وإن كان غير الانسان وقد جرت العادة بأن تكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الزوال ذراعا وكان رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يقيس به الوقت أيضا ذراعا ، فلاجل ذلك كثيرا ما يعبر عن القامة بالذراع ، وعن الذراع بالقامة ، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة ، وكأنه كان اصطلاحا معهودا.

ثم إنه لما كان المشهور بين المخالفين تأخير الظهرين عن أول الوقت بالمثل والمثلين فقد اختلف الاخبار في ذلك ، ففي بعضها ، إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر ، وفي بعضها ، أن آخر وقت الظهر المثل ، وآخر وقت العصر المثلان ، كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من علمائنا وفي بعضها أن وقت نافلة الزوال قدمان ، ووقت فريضة الظهر ونافلة العصر بعدهما قدمان ، ووقت فضيلة العصر أربعة أقدام في بعض الاخبار وفي بعضها قدمان وفي بعضها قدمان ونصف ، وفي كثير منها أنه لايمنعك من الفريضة إلا سبحتك إن شئت طولت ، وإن شئت قصرت.

والذي ظهر لي من جميعها أن المثل والمثلين إنما وردا تقية لاشتهار هما بين المخالفين ، وقد أولوهما في بعض الاخبار بالذراع والذراعين ، تحرجا عن الكذب ، أو المثل والمثلان وقت للفضيلة بعد الذراع والذراعين والاربع ، أي إذا أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي أن لا يؤخروها عن السبعة ، وهي المثل ، وإذا

٣٥

أخروا العصر عن الثمانية فينبغي أن لا يؤخروها عن الاربعة عشر أعني المثلين.

فالاصل من الاوقات الاقدام لكن لابمعنى أن الظهر لايقدم عن القدمين بل بمعنى أن النافلة لا توقع بعد القدمين ، وكذا نافلة العصر ، لا يؤتي بها بعد الاربعة أقدام ، فأما العصر فيجوز تقديمها قبل مضى الاربعة إذا فرغ من النافلة قبلها ، بل التقديم فيهما أفضل وأما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب : الاولى سته أقدام ، والثانية ستة أقدام ونصف ، الثالثة ثمانية أقدام ، والرابعة المثلان على احتمال ، فاذا رجعت إلى الاخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه في الجمع بينها ، ومما يؤيد ذلك هذا الخبر ولنرجع إلى حله.

قوله عليه‌السلام : ( أن صل الظهر ) لعل ذكر الظهر على المثال ، ويكون القامتان والذراعان والقدمان للعصر ، كما هو ظاهر سائر الاخبار ، ويمكن أن يكون وصل إليه الخبر لجميع تلك المقادير في الظهر.

قوله : ( من هذا ) بفتح الميم في الموضعين أي من صاحب الحكم الاول؟ ومن صاحب الحكم الثاني؟ أو استعمل بمعنى ( ما ) وهو كثير ، أو بكسرها في الموضعين أي سألت من هذا التحديد ومن هذا التحديد ، وفيه بعد ما.

قوله : ( وقد يكون الظل ) لعل السائل ظن أن الظل المعتبر في المثل والذراع هو مجموع المتخلف والزائد ، فقال قد يكون الظل المتخلف نصف قدم فيلزم أن يؤخر الظهر إلى أن يزيد الفئ ستة أقدام ونصفا ، وهذا كثير. أو أنه ظن أن المماثلة إنما تكون بين الفئ الزايد والظل المتخلف ، فاستبعد الاختلاف الذي يحصل من ذلك بحسب الفصول ، فان الظل المتخلف قد يكون في بعض البلاد والفصول نصف قدم وقد يكون خمسة أقدام.

وحاصل جوابه عليه‌السلام أن المعتبر في ذلك هو الذراع والذراعان من الفئ الزايد ، وهو لا يختلف في الازمان والاحوال.

ثم بين عليه‌السلام سبب صدور أخبار القامة والقامتين ، ومنشأ توهم المخالفين وخطائهم في ذلك فبين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جدار مسجده قامة ، وفي وقت كان

٣٦

ظل ذلك الجدار المتخلف عند الزوال ذراعا قال إذا كان الفئ مثل ظل القامة فصلوا الظهر وإذا كان مثليه فصلوا العصر ، أو قال مثل القامة وكان غرضه ظل القامة لقيام القرينة بذلك ، فلم يفهم المخالفون ذلك وعملوا بالقامة والقامتين ، وإذا قلنا القامة والقامتين تقية فمرادنا أيضا ذلك ، فقوله عليه‌السلام متفقين في كل زمان يعني به أنا لما فسرنا ظل القامة بالظل الحاصل في الزمان المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي صلى الله عليه وآله وكان في ذلك الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف البلاد والفصول ، وكان اللفظان مفادهما واحدا ( مفسرا أحدهما ) أي ظل القامة ( بالاخر ) أي بالذراع.

وأما التحديد بالقدم ، فأكثر ما جاء في الحديث فانما جاء بالقدمين و الاربعة أقدام ، وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين ، وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فانما اريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالاول ، ولعل الامام عليه‌السلام إنما لم يتعرض للفدم عند تفصيل الجواب وتبيينه ، لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك ، وأنه إنما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار.

وربما يفسر هذا الخبر بوجه آخر ، وهو أن السائل ظن أن غرض الامام من قوله عليه‌السلام : ( صل الظهر إذا كانت الشمس قامة ) أن أول اوقت الظهر وقت ينتهي الظل في النقصان إلى قامة أو قامتين ، أو قدم أو قدمين ، أو ذراع أو ذراعين ، فقال : كيف تطرد هذه القاعدة ، والحال أن في بعض البلاد ينتهي النقص إلى نصف قدم ، فاذا عمل بتلك القواعد ، يلزم وقوع الفريضة في هذا الفصل قبل الزوال.

فأجاب عليه‌السلام بأن المراد بالشمس ظلها الحادث بعد الزوال ، بدليل أن قوله عليه‌السلام : ( صل الظهر إذا كانت الشمس قامة ) يدل على أن هذا الظل يزيد وينقص في كل يوم ، وإذا كان المراد الظل المتخلف فهو في كل يوم قدر معين لا يزيد ولا ينقص ثم حمل كلامه عليه‌السلام على أن الاصل صيرورة ظل كل شئ مثله

٣٧

لكن لما كان الشاخص قد يكون بقد ذراع ، وقد يكون بقدر ذراعين ، أو بقدر قدم أو قدمين ، فلذا قيل إذا كان الظل ذراعا أي في الشاخص الذي يكون ذراعا وهكذا ، وقوله فاذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا حمله على ان المعنى أنه إذا كان الشاخص ذراعا ، وكان الظل المتخلف ذراعا ، فبعد تلك الذراع يحسب الذراع المقصود ، وإن كان المتخلف أقل من الذراع فبعده يحسب الذراع والذراع الذي هو الظل الزايد ذراع أبدا لا يختلف ، وإنما يختلف ما يضم إليه من الظل المتخلف ، ولا يخفى بعد هذا الوجه ، وظهور ما ذكرنا على العارف بأساليب الكلام ، المتتبع لاخبار أئمة الانام عليهم‌السلام.

وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من زوال الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر ، وجعل التحديد بصيرورة الفئ الزايد مثل الظل الباقي كائنا ما كان ، واعترض عليه بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت ، كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو عن التوقيت في اليوم الذي تسامت فيه الشمس رأس الشخص ، لانعدام الظل الاول حينئذ ويعني بالعبادة النافلة لان هذا التأخير عن الزوال إنما هو للاتيان بها.

أقول : ويرد عليه أيضا أنه يأبى عنه قوله ( فاذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ) لانه على تفسيره يكون محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان ، وأيضا ينافي ساير الاخبار الواردة في هذا الباب ، وعلى ما حملنا عليه يكون جامعا بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب ، ويؤيده ما رواه (١) الشيخ عن الصادق عليه‌السلام أنه قال له أبوبصير : كم القامة؟ فقال : ذراع ، أن قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت ذراعا ، وعنه عليه‌السلام قال : القامة هي الذراع (٢) وعن عليه‌السلام (٣) قال : القامة والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي عليه‌السلام ونصبهما على الحكاية.

____________________

(١ ـ ٣) التهذيب ج ١ ص ١٤٠.

٣٨

ولنوضح هذا المطلب بايراد مباحث مهمة تعين على فهم الاخبار الواردة في هذا الكتاب ، وفي سائر الكتب في هذا الباب.

الاول : المشهور بين الاصحاب أن لكل صلاة وقتين ، سواء في ذلك المغرب وغيرهما ، كما ورد في الاخبار الكثيرة ( لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ) وحكى ابن البراج عن بعض الاصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب الشمس وسيأتي بعض القول فيه.

واختلف الاصحاب في الوقتين فذهب الاكثر منهم المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس والفاضلان وجمهور المتأخرين إلى أن الوقت الاول للفضيلة ، والثاني للاجزاء وقال الشيخان : الاول للمختار ، والثانى للمعذور والمضطر ، وقال الشيخ في المبسوط العذر أربعة : السفر ، والمطر ، والمرض ، وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه والضرورة خمسة : الكافر يسلم ، والصبي يبلغ ، والحائض تطهر ، والمجنون والمغمى عليه يفيقان.

الثانى : أول وقت الظهر زوال الشمس عند وسط السماء ، وهو خروج مركزها عن دائرة نصف النهار باجماع العلماء ، نقله في المعتبر والمنتهى ، و تدل عليه الاية والاخبار المستفيضة ، وما دل من الاخبار على أن وقت الظهر بعد الزوال بعدم أو ذراع أو نحو ذلك ، فانه محمول على وقت الافضلية أو الوقت المختص بالفريضة.

الثالث : اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر ، فقال السيد : يمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير ظل كل شئ مثله ووقت الاجزاء إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر ، وهو مختار ابن الجنيد وسلار وابن زهرة وابن إدريس و جمهور المتأخرين وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والجمل إلى امتداد وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شئ مثله ، ووقت الاضطرار إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر ، وقال في النهاية : آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس على أربعة أقدام ، وقال المفيد : وقت الظهر بعد زوال الشمس إلى

٣٩

أن يرجع الفئ سبعي الشخص.

ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أن أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا ، أو قدمين من ظل قامة بعد الزوال ، وأنه وقت لغير ذوي الاعذار ، وعن أبي الصلاح أن آخر وقت المختار الافضل أن يبلغ الظل سبعي القائم ، وآخر وقت الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه ، و آخر وقت المضطر أن يصير الظل مثل ، وقد عرفت ما اخترناه في هذا الباب.

الرابع : أول وقت العصر بعد الفراغ من الظهر ، ونقل عليه الاجماع في المعتبر والمنتهى ، ويستحب التأخير بمقدار أداء النافلة كما عرفت ، وهل يستحب التأخير إلى أن يصير الظل أربعة أقدام أو يصير ظل كل شئ مثله؟ فظاهر أكثر الاخبار عدمه كما عرفت ، وذهب إليه جماعة من المحققين وذهب المفيد وابن الجنيد وجماعة إلى استحباب التأخير إلى أن يخرج فضيلة الظهر ، وهو المثل أو الاقدام ، وجزم الشهيد في الذكرى باستحباب التفريق بين الصلاتين وقد عرفت أن التفريق يتحقق بتوسط النافلة بينهما.

الخامس : اختلف الاصحاب في آخر وقت العصر ، فقال المرتضى ـ ره ـ يمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير الفئ قامتين ، ووقت الاجزاء إلى الغروب و إليه ذهب ابن الجنيد وابن إدريس وابن زهرة وجمهور المتأخرين وقال المفيد يمتد وقتها للمختار إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب ، : وللمضطر و الناسي إلى الغروب.

وقال الشيخ في الخلاف : آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه ، وقال في المبسوط آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه للمختار ، وللمضطر إلى غروب الشمس ، وهو المنقول عن ابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة وظهر سلار وعن ابن أبي عقيل أن وقته إلى أن ينتهى الظل ذراعين بعد زوال الشمس ، فاذا جاوز ذلك دخل في الوقت الاخر مع أنه زعم أن الوقت الاخر للمضطر.

وعن المرتضى في بعض كتبه : يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة

٤٠