بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

دون ما خالفه (١).

٦ ـ ومنه : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إياك والتحاف الصماء ، قال : قلت : وما الصماء؟ قال : أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد (٢).

٧ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو ابن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يؤم بقوم يجوز له أن يتوشح؟ قال : لايصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه ، وإن كانت عليه ثياب كثيرة ، لان الامام لايجوز له الصلاة وهو متوشح (٣).

٨ ـ ومنه : عن أبيه ، عن سعد ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن ابن محبوب ، عن الهيثم بن واقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إنما كره التوشح فوق القميص لانه من فعل الجبابرة (٤).

٩ ـ ومنه : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن جماعة من أصحابه ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فوق القميص؟ قال : لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل (٥).

١٠ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى عن القاسم ابن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لايصلي الرجل في قميص متوشحا

____________________

(١) معانى الاخبار ص ٢٨١ في حديث طويل.

(٢) معانى الاخبار : ٣٩٠ باب نوادر الكتاب تحت الرقم ٣٢ ، وتراه في الكافى ج ٣ ص ٣٩٤.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ١٨ في حديث.

(٤ ـ ٥) علل الشرائع ج ٢ ص ١٩.

٢٠١

به ، فانه من أفعال قوم لوط (١).

١١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن الحجاج قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام إذ دخل عليه عبدالملك القمي فقال : اصلحك الله أشرب وأنا قائم؟ فقال : إن شئت ، قال : فأشرب بنفس واحد حتى أروي؟ قال : إن شئت ، قال : فأسجد ويدي في ثوبي؟ قال : إن شئت ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إني والله ما من هذا وشبهه أخاف عليكم (٢).

بيان : يدل على أنه يجوز للرجل أن يصلي ويده تحت ثوبه قال في المنتهى : يجوز للرجل أن يصلي ويداه تحت ثوبه وإن أخرجهما كان أولى ، لما رواه الشيخ في الصحيح (٣) عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصلي ولايخرج يديه من ثوبه ، فقال : إن أخرج يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس.

ولا يعارض هذا ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي (٤) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصلي ويدخل يديه في ثوبه ، قال : إن كان ثوب آخر إزار أوسراويل فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك ، وإن أدخل يدا واحدة ولم يدخل الاخرى فلا بأس.

أما أولا فلان رواتها ضعيفة ، وأما ثانيا فلانها معارضة للاصل المقتضي للجواز ، وأما ثالثا فلان قوله لايجوز يحمل على الكراهية لاحتماله ذلك انتهى.

وقال في الدروس : يستحب جعل اليدين بارزتين أو في الكمين لا تحت الثياب.

١٢ ـ كتاب المسائل وقرب الاسناد : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على الارض أو يجاوزه

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦٤.

(٢) المحاسن ص ٥٨١.

(٣ ـ ٤) التهذيب ج ١ ص ٢٣٨.

٢٠٢

عاتقه أيصلح ذلك؟ قال : لابأس (١).

١٣ ـ المقنع : إياك وسدل الثوب في الصلاة ، فان أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج على قوم يصلون قد أسدلوا أرديتهم فقال : ما لكم قد أسدلتم ثيابكم ، كانكم يهود قدخرجوا من فهرهم ، يعني من بيعهم (٢).

١٤ ـ قرب الاسناد : عن الحسن بن طريف ، عن الحسين بن علوان ، عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : إنما كره السدل على الازر بغير قميص ، فأما على القميص والجباب فلا بأس (٣).

* ( تبيين وتفصيل ) *

اعلم أن هذه الاخبار تشتمل على أحكام :

الاول : المنع من اشتمال الصماء [ وهو ] أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الاعراب بأكسيتهم ، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الايسر ، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الايمن ، فيغطيهما جميعا.

وذكر أبو عبيد أن الفقهاء يقولون هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه ، فيبد ومنه فرجه ، فاذا قلت اشتمل فلان الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم ، لان الصماء ضرب من الاشتمال افتعال من الشملة ، وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه ، والمنهى عنه هو التجلل بالثوب ، وإسباله من غير أن يرفع طرفه ، ومنه الحديث ( نهى عن اشتمال الصماء ) وهو أن يتجلل الرجل بثوبه ولايرفع منه جانبا ، وإنما قيل له صماء لانه يشد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولاصدع ، والفقهاء يقولون هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتكشف عورته.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٦ ط نجف.

(٢) المقنع ص ٢٣ و ٢٤ ط الاسلامية.

(٣) قرب الاسناد ص ٥٤ ط حجر ٧٣ ط نجف.

٢٠٣

وقال النووى في شرح صحيح مسلم : يكره على الاول لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره ، فيتعذر عليه أو يعسر ، ويحرم على الثاني إن انكشف بعض عورته ، وإلا يكره وهو بمهملة ومد.

وقال في الغريبين : من فسره بما قاله أبوعبيد فكراهته للتكشف وإبداء العورة ، ومن فسره تفسير أهل اللغة فانه كره أن يتزمل به شاملا جسده مخافة أن يدفع منها إلى حالة سادة لنفسه فيهلك.

وقال ابن فارس : هو أن يلتحف بالثوب ثم يلقي الجانب الايسر على الايمن وقال في المغرب : لبسة الصماء هي عند العرب أن يشتمل بثوبه فيجلل جسده كله به ، ولايرفع جانبا يخرج منه يده ، وقيل : أن يشتمل بثوب واحد وليس عليه إزار.

وقال الهروي : هو أن يتجلل الرجل بثوبه لايرفع منه جانبا ، وعن الاصمعي هو أن يشتمل بالثوب حتى يتجلل به جسده لايرفع منه جانبا فيكون فيه فرجة يخرج منها يده.

وقال الحسين بن مسعود في شرح السنة : روي عن ابن عمر قال : قال رسول الله  صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان لاحدكم ثوبان فليصل فيهما ، فان لم يكن إلا ثوب فليتزر ، ولايشتمل اشتمال اليهود ، هو أن يجلل بدنه الثوب ويسدله من غير أن يشيل طرفه فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث هو أن يجلل بدنه الثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقيه من أحد جانبيه فيبدو منه فرجه ، وقد جاء هذا التفسير في الحديث ، وإليه ذهب الفقهاء ، وفسر الاصمعي بالاول ، فقال : هو عند العرب أن يشتمل بثوبه فيجلل به جسده كله ، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده ، وربما اضطجع على هذه الحالة. كأنه يذهب إلى أنه لايدري لعله يصيبه شئ يحتاج أن يقيه بيديه ولايقدر لكونهما في ثيابه.

قلت وقد روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الصماء اشتمال اليهود فجعلهما شيئا واحد انتهى.

وروي العامة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن اشتمال الصماء

٢٠٤

وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الايمن ، ويرد طرفه على الايسر ، وعن ابن مسعود قال : نهى النبي أن يلبس الرجل ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه يدعى تلك الصماء ، وعن بعض الشافعية هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره فتبدو عورته.

أقول : هذا كلام اللغويين وفقهاء المخالفين في تفسير الصماء ، وأما فقهاؤنا فقال الشيخ في المبسوط والنهاية : هو أن يلتحف بالازار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود ، وهو المشهور بين الاصحاب ، والمراد بالالتحاف ستر المنكبين وقال ابن إدريس في السرائر : ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود ، وهو أن يتلفف بالازار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار السيد المرتضى.

فأما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل قالوا هو أن يلتحف بالازار ويدخل طرفيه من تحت يده ، ويجعلهما جميعا على منكب واحد ، ومقتضى كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء خلافا للمشهور والمعتمد قول الشيخ والاكثر موافقا للخبر.

الثانى : التوشح فوق القميص ، وقد ذكر أكثر الاصحاب كراهة الايتزار فوق القميص ، وقد ورد الاخبار بجوازه ، وإنما ورد في الاخبار النهى عن التوشح فوق القميص كمامر ، وهو خلاف الاتزار ، قال الجوهري والفيروزآبادي يقال : توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلدبهما ، ونقل الجوهري عن بعض أهل اللغة أن التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الايسر كما يفعل المحرم ، وقال في النهاية : فيه أنه كان يتوشح به ، أي يتغشي به ، فالاصل فيه من الوشاح.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : التوشح أن يأخذ طرف ثوب ألقاه على منكبه الايمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الايسر تحت يده اليمنى ، ثم يعقدهما على صدره مع المخالفة بين طرفيه ، والاشتمال بالثوب

٢٠٥

بمعنى التوشح.

وقال المحقق في المعتبر : الوجه أن التوشح فوق القميص مكروه ، وأما شد المئزر فوقه فليس بمكروه ، أما مارواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى قال : كتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح عليه‌السلام هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم (١) فمحمول على الجواز المطلق ، وهو لاينافي الكراهة.

وقال الشيخ : بعد نقل الاخبار المتعارضة : المراد بالاخبار المتقدمة هو أن لايلتحف الانسان ويشتمل به كما يلتحف اليهود ، وماقدمناه أخيرا هو أن يتوشح بالازار ليغطي ما قد كشف منه ، ويستر ما تعرى من بدنه ، واحتج لهذا بما رواه في الموثق عن سماعة (٢) قال : سألته عن رجل يشمل في صلاته بثوب واحد ، قال : لايشتمل بثوب واحد فأما أن يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس.

وقا الصدوق في الفقيه (٣) : بعد أن روى الكراهة : وقد رويت رخصة في التوشح بالازار فوق القميص عن العبد الصالح ، وعن أبي الحسن وعن أبي جعفر الثاني عليهم‌السلام ، وبه آخذوافتي.

وأما جعل المئرز تحت القميص ، فقد نقل العلامة الاجماع على عدم كراهته.

وروى الشيخ في الضعيف عن زياد بن المنذر (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سأله رجل وأنا حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس فميصه فوق الازار فيصلي ، وهو كذلك ، قال : هذا عمل قوم لوط ، قال : قلت : فانه يتوشح فوق القميص ، فقال : هذا من التجبر.

وفي هذا الخبر إشعار بأن المراد بالتوشح الاتزار ، فيؤيد ما قاله القوم

____________________

(١ و ٢) التهذيب ج ١ ص ١٩٧.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٦٩.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٤٢.

٢٠٦

لكن لايعارض هذا مامر ، فالاظهر كراهة التوشح فوق القميص إلا لضرورة وعدم كراهة الاتزار مطلقا ، وقال ابن الجنيد : لابأس أن يتزر فوق القميص إذا كان يصف ما تحته ليستر عورته.

أقول : ويؤيد ما ذكرناه من عدم كراهة الاتزار فوق القميص وشد الوسط فوق الثوب مارواه الكراجكي في كنز الفوائد قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عشرون خصلة في المؤمن من لم يكن فيه لم يكمل إيمانه ، إن من أخلاق المؤمن يا على الحاضرون للصلاة ، والمسارعون إلى الزكاة ، والمطعمون المساكين ، الماسحون رأس اليتيم ، والمطهرون أظفارهم ، والمتزرون على أوساطهم (١) إلى قوله رهبان بالليل ، اسد بالنهار ، صائمون النهار ، قائمون الليل الذين مشيهم على الارض هونا ، وخطاهم إلى المساجد ، وعلى أثر المقابر الخبر.

وعن أبي الرجا محمد بن طالب ، عن أبي المفضل محمد بن عبدالله الشيباني ، عن عبدالله بن جعفر الازدي ، عن خالد بن يزيد بن محمد ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام لنوف البكالي : هل تدري من شيعتي؟ قال : لاوالله ، قال شيعتي الذبل الشفاه ، الخمص البطون ، الذين تعرف الرهبانية والربانية في وجوههم ، رهبان بالليل ، اسد بالنهار ، الذين إذا جنهم الليل اتزروا على أوساطهم ، وارتدوا على أطرافهم ، وصفوا على أقدامهم ، وافترشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم ـ الخبر.

ثم اعلم أن أكثر الاصحاب حكموا بكراهة القباء المشدود في غير الحرب واعترفوا بأن مستنده غير معلوم ، وحرمه صاحب الوسيلة ، وقال المفيد في المقنعة :

____________________

(١) المراد بالازار والرداء في هذا الخبر : الازار والرداء المعروفان عندنا بثوبى الاحرام كمامر مرارا منا ، فلايكون في الخبرين شاهد على جواز الاتشاح فوق القميص لانهم لم يكونوا يلبسون تحتهما ثوبا الاشعارا.

٢٠٧

ولا يجوز لاحد أن يصلي وعليه قباء مشدود ، إلا أن يكون في الحرب ، فلا يتمكن أن يحله ، فيجوز ذلك للاضطرار ، وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه العبارة : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أعرف به خبرا مسندا.

وقال الشهيد قدس الله روحه في الذكرى بعد نقل هذا الكلام من الشيخ ، قلت : قدروى العامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لايصلي أحدكم وهو محزم ، وهو كناية عن شد الوسط وكرهه في المبسوط انتهى.

وقال الشهيد الثاني ـ ره ـ : الظاهر أنه جعله دليلا على كراهة القباء المشدود من جهة النص ، وهو بعيد لكونه على تقدير تسليمه غير المدعى ، ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط ، ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء الذي شدت أزراره ، وظاهر الاخبار كراهة حل الازرار في الصلاة ، وأنه من عمل قوم لوط ، ولاوجه لهذا الحكم من أصله ، ولامستندله ، ومارواه الشهيد خبر عامي لايصلح مستندا لشئ ، والله تعالى يعلم.

الثالث : سدل الثوب وحكم الاكثر بكراهته وقال العلامة في التذكرة : يكره السدل وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين ولايرد أحد طرفيه على الكتف الاخرى ، ولايضم طرفيه بيده ، وقال الشهيد في النفلية : هو أن يلتف بالازار فلا يرفعه على كتفيه ، وقال في الذكرى : بعد نقل كلام التذكرة ، وقال ابن إدريس باتحاده مع اشتمال الصماء ، وأنه قول المرتضى كما ذكرنا ، وجزم ابن الجنيد أيضا بكراهة السدل ونسبه إلى اليهود ، وللعامة فيه خلاف ، قال ابن المنذر ولا أعلم فيه حديثا.

وقال في النهاية : فيه أنه نهى عن السدل في الصلاة ، هو أن يلتحف بثوبه و يدخل يديه من داخل فير كع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله ، فنهوا عنه وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب ، وقيل هو أن يضع وسط الازار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه ، ومنه حديث على عليه‌السلام

٢٠٨

أنه رأى قوما يصلون قدسدلوا ثيابهم فقال : كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم ، و قال : من فهرهم أي موضع مدارسهم ، وهي كلمة نبطية أو عبرانية عربت وأصلها بهربالباء ، وقال الجوهرى : فهر اليهود بالضم مدارسهم (١) وأصلها بهر وهي عبرانية فعربت ، وروى في المشكوة عن أبي داود والترمذي باسنادهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه.

وقال الطيبي في شرحه : السدل منهى عنه مطلقا لانه من الخيلاء وفي الصلاة أشنع وأقبح ، قيل خص النهي بالمصلي لان عادة العرب شد الازار على أوساطهم حال التردد ، فاذا انتهوا إلى المجالس والمساجد أرخوا العقد وأسبلوا الازار حتى يصيب الارض ، فان ذلك أروح لهم ، وأسمح لقيامهم وقعودهم ، فنهوا عنه في الصلاة ، لان المصلي يشتغل بضبطه ، ولايأمن أن ينفصل عنه فيكون مصليا في الثوب الواحد ، وهو منهى عنه ، وربما يضم إليه جوانب ثوبه فيصدر عنه الحركات المتداركة انتهى.

وقال شارح السنة : السدل هو إرسال الثوب حتى تصب الارض ، واختلف العلماء فيه فذهب بعضهم إلى كراهية السدل في الصلاة وقال : هكذا تصنع اليهود ورخص بعض العلماء في الصلاة قال الخطابي : ويشبه أن يكونوا إنما فرقوا بين السدل في الصلاة وخارج الصلاة ، لان المصلي في مكان واحد ثابت ، وغير المصلي يمشي فيه ، فالسدل في حق الماشي من الخيلاء المنهى عنه ، وقال أحمد : إنما يكره السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ، فأما إذا سدل على القميص فلابأس ، ومن لم يجوز على الاطلاق احتج بما روي عن ابن مسعود من أسبل إزراه في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولاحرام انتهى.

أقول : لايبعد أن يكون الذي نهى عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام هو أن يضع وسط الرداء على رأسه ويرسل طرفيه ، فانه أشبه بفعل ليهود ، ولما رواه الصدوق عن ابن بكير أنه سأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه ، قال :

____________________

(١) في الصحاح : مدراسهم ، وهو الصحيح ومدارسهم تحريف.

٢٠٩

لابأس (١) ويمكن أن يكون إرسال طرفي الرداء مطلقا مكروها كما أن جمعهما على اليسار أيضا مكروه وإنما المستحب جمع طرفيه على اليمين ، ولاينافي ( لابأس ) الكراهة والاحوط ذلك تبعا للمشهور وقد مرت الاخبار والكلام فيه.

٢ ـ دعائم الاسلام : روينا عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام أنه قال : حدثني من رأى الحسين بن علي عليه‌السلام وهو يصلي في ثوب واحد ، وحدثه أنه رأى رسول الله  صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي في ثوب واحد (٢).

قال : وصلى بنا جابربن عبدالله في بيته في ثوب واحد ، وإن إلى جانبه مشجبا (٣) عليه ثياب لوشاء أن يتناول منها مايلبسه لفعل ، وأخبر أنه رأى رسول الله  صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي في ثوب واحد (٤).

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : صلى بنا أبي رضوان الله عليه في ثوب واحد قد توشح به (٥).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يصلي في الثوب الواحد الواسع (٦).

وقيل لابي جعفر عليه‌السلام : إن المغيرة يقول لا يصلي الرجل في ثوب واحد إلا وعليه معه إزار ، فان لم يجد شد في وسطه عقالا ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : هذا فعل اليهود (٧).

وعن علي عليه‌السلام أنه قال : لا بأس بالصلاة [ في القميص الواحد الكثيف : إذا أزره عليه. (٨).

وعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما قالا : لاباس بالصلاة في الازار ] (٩).

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٦٩.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٥.

(٣) المشجب والشجاب : خشبات موثقة منصوبة توضع عليها الثياب وتنشر.

(٤) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٥.

(٥ ـ ٨) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٦.

(٩) مابين العلامتين زيادة من المصدر ، وقد سقط عن الكمبانى ، بعد التوجه اليه.

٢١٠

أو في السراويل إذا رمى المصلي على كتفيه شيئا ولو مثل جناحي الخطاف (١).

وقد روينا عن على عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أبقى على ثوبه أن يلبسه في صلاته فليس لله اكتساؤه (٢).

وعن على عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي في البرنس (٣).

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال البرنس كالرداء (٤).

وعن علي عليه‌السلام أنه خرج على قوم في المسجد قد أسدلوا أرديتهم وهو قيام يصلون فقال مالكم اسدلتم أرديتكم كانكم يهود في بيعتهم إياكم والسدل (٥).

قال المؤلف : السدل أن يجعف الرجل حاشية الرداء من وسطه على رأسه أوعلى عاتقه ويضم طرفيه على صدره ، ويرصله إرسالا إلى الارض (٦).

وعن جعفر بن محمد أنه سئل عن الصلاة في السيف ، فقال السيف في الصلاة كالرداء (٧).

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٦.

(٢) المصدر نفسه وزاد بعده : وعن على عليه‌السلام أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اشتمال الصماء ، والصماء : الاشتمال بالثوب الواحد يجمع بين طرفيه على شق واحد ، كاشتمال البربر اليوم ، قال : فالصلاة لاتجوز بذلك الاشتمال ، ولكن من صلى في ثوب واحد يتوشح به فليجعل وسط حاشيتيه على مكنبيه ويرخى طرفيه مع يديه ثم يخالف بينهما فيلقى ما على يده اليمنى من الطرفين على عاتقه الايسر وما على يده اليسرى على عاتقة الايمن ويخرج يديه ويصلى.

(٣ ـ ٥) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٦.

(٦ ـ ٨) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٧.

٢١١

٣

* ( باب ) *

* ( صلاة العراة ) *

١ ـ نوادر الراوندى : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه قال : قال علي عليه‌السلام في العريان : إن رآه الناس صلى قاعدا وإن لم يره الناس صلى قائما (١).

٢ ـ قرب الاسناد : عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : من غرقت ثيابه فلاينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا ، فان لم يجد صلى عريانا جالسا يؤمي إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى (٢).

٣ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن عبدالله ابن مسكان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل عريان ليس معه ثوب قال : إذا كان حيث لايراه أحد فليصل قائما (٣).

٤ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال : إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأوهو قائم (٤).

فوائد لابد من التنبيه عليها لفهم الاخبار :

الاولى : يدل الاخير على جواز سترالعورة بالحشيش والتقييد بالضرورة وعدم الثياب إنما وقع في كلام السائل ، واختلف الاصحاب في ذلك فذهب الاكثر

____________________

(١) نوادر الراوندى ص ٥١.

(٢) قرب الاسناد ص ٦٦ ط حجر ص ٧٨ نجف.

(٣) المحاسن ص ٣٧٢.

(٤) البحار ج ١٠ ص ٢٧٨.

٢١٢

منهم الشيخ وابن إدريس والفاضلان والشهيد في البيان أنه مخير بين الثوب والورق والحشيش والطين ، وليس شئ منها مقيدا بحال الضرورة (١) وذهب الشهيد في الذكرى إلى التخيير بين الثلاثة الاول ، فان تعذر فبالطين ، وفي الدروس إلى أنه يجب الستر بالثوب ، فان تعذر فبالحشيش أو الورق ، فان تعذر فبالطين.

والمسألة قوية الاشكال إذ المتبادر من الستر ماكان بالثياب ، والغرض من الستر ـ وهو عدم كشف العورة ـ حاصل في غيرها ، وقد يقال بالتخيير في الستر بين الثياب وغيرها في غير حال الصلاة لعدم انتهاض الادلة على أكثر من ذلك ، و أما في حال الصلاة فيجب تقديم ماعدا الطين عليه تمسكا بمادل على الانتقال إلى الايماء من غير اعتبار الطين ، ولايخلو من قوة ، وإن أمكن أن يقال : قوله عليه‌السلام ( وإن لم يصب شيئا يستر به عورته ) يشمل الطين ، فيمكن أن يكون ذكر الحشيش أولا على المثال ، والاحتياط رعاية الترتيب في الجميع.

الثانية : الظاهر من هذا الخبر وجوب الايماء قائما مطلقا كما ذهب إليه ابن إدريس ـ ره ـ وخبر أبي البختري دل على الصلاة جالسا موميا مطلقا كما ذهب إليه المرتضى ـ رضي الله عنه ـ وخبر النوادر والمحاسن يدلان على ماذهب إليه الاكثر من أنه مع أمن المطلع يصلي قائما ، ومع عدمه جالسا ، وبه يجمع بين الاخبار المختلفة أيضا ، ولذا مال إليه الاكثرو رواية المحاسن صحيحة.

لكن رواها الشيخ (٢) عن محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة ، قال : يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فان رآه أحد

____________________

(١) بل يظهر من قوله تعالى ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) في سياق قصة آدم وحواء عليهما‌السلام أن التستر بالورق والحشيش ستر اضطرارى ولذلك من عليهم بانزال الثوب وقال : ( يابنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم ) فبين أن التستر بالحشيش والاوراق غير كاف حال الاختيار.

(٢) راجع التهذيب ج ١ ص ٢٤٠ ط حجر ج ٢ ص ٣٦٥ ط نجف.

٢١٣

صلى جالسا. وهذا مرسل ، لكن الارسال بعد ابن مسكان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، ويمكن أن يكونا خبرين لكن رواية ابن مسكان عن الباقر عليه‌السلام أيضا (١) غريب ولعل فيه أيضا إرسالا.

وبالجملة أخبار التفصيل معتبرة ، فحمل أخبار التفصيل المطلقة عليها حسن ، ويمكن الجمع بين الاخبار بالحمل على التخيير أيضا كما مال إليه المحقق في المعتبر استضعافا للرواية المفصلة ، فيمكن حمل أخبار التفصيل على الفضيلة والاستحباب ، وعلى أي حال العمل بالمشهور أولى ، فانه لاينافي التخيير.

ثم الظاهر من الروايتين أنه يصلي قائما إذا لم يكن رآه في حال الدخول في الصلاة ، وإن أمكن ورود أحد بعد الدخول فيها ، لكن القوم فهموا كما ذكرنا.

الثالثة : صرح الشيخ في النهاية بجواز صلاة العاري مع سعة الوقت ، وقال المرتضى وسلار : يجب أن يؤخر رجاء لحصول السترة ، ومال في المعتبر إلى وجوب التأخير مع ظن تحصيل الستر ، وعدمه بدونه ، وقربه في الذكرى ، والسيد في المدارك وخبر أبي البختري يدل على الثاني لكنه قاصر عن إفادة الوجوب سندا ومتنا.

الرابعة : المستفاد من كلام الاصحاب والاخبار لاسيما الخبر الاخير أن الايماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد ، فيجعلهما من قيام مع القيام ، ومن جلوس مع الجلوس ، وحكى الشهيد في الذكرى عن شيخه السيد عميد الدين أنه كان يقوي جلوس القائم ليؤمى للسجود جلسا استنادا إلى كونه حينئذ أقرب إلى هيئة الساجد ، فيدخل تحت ( فأتوا به ما استطعتم ) وهو ضعيف ، لان الوجوب

____________________

(١) لانه من اصحاب أبى عبدالله وأبى الحسن موسى عليهما‌السلام مات في أيامه قبل الحادثة ، روى عن الكاظم ولم يرو عن أبى عبدالله عليه‌السلام الا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ، كيف وعن أبى جعفر الباقر عليه‌السلام ، زعم العياشى أنه كان لايدخل على أبى عبدالله عليه‌السلام شفقة أن لايوفيه حق اجلاله ، فكان يسمع من أصحابه.

٢١٤

حينئذ انتقل إلى الايماء ، فلامعنى للتكليف بالاتيان بالممكن من السجود.

الخامسة : الايماء بالرأس للتصريح به في رواية زرارة (١) وهو الظاهر من رواية أبي البختري كما لايخفى ، فان تعذر فبالعينين وأوجب الشهيد في الذكرى الانحناء فيهما بحسب الممكن ، بحيث لاتبدو معه العورة ، وأن يجعل السجود أحفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع ، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود على الكيفية المعتبرة فيه ، وقال في المدارك : وكل ذلك تقييد للنص من غير دليل ، نعم لايبعد وجوب رفع شئ يسجد عليه لقوله عليه‌السلام في صحيحة عبدالرحمان (٢) الواردة في صلاة المريض ( ويضع وجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ) انتهى وخبر أبي البختري يدل على الاخفضية والاحوط العمل به.

السادسة : ماورد في خبر أبي البختري من النهي عن الجماعة ، لعله محمول على التقية بقرينة الراوي ، قال في الذكرى : يستحب للعراة الصلاة جماعة ، رجالا كانوا أو نساء ، إجماعا لعموم شرعية الجماعة ، وأفضليتها ، ومنع بعض العامة من الجماعة إلا في الظلمة حذر كشف العورة ، وسترها ساقط لانا نتكلم على تقدير عدمه.

ثم الذي دل عليه خبر إسحاق (٣) بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ الامام بالركوع والسجود ، و يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم ، وبها عمل الشيخ في النهايه وقال المرتضى والمفيد يومي الجميع كالصلاة فرادى ، وهو اختيار ابن إدريس مدعيا

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٠٥ ، ج ٢ ص ٣٦٤ ط نجف.

(٢) التهذيب ج ٣ ص ٣٠٨ ط نجف.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٤٠ ط حجر.

٢١٥

للاجماع ، وفي المعتبر رجح مضمون الرواية لجودة سندها ، ويشكل بأن فيه تفرقة بين المنفرد والجامع ، وقد نهى المنفرد عن الركوع والسجود كما تقدم لئلا تبدو العورة ، وقد روى عبدالله بن سنان (١) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس ، وأطلق.

وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين إما اختصاص المأمومين بهذا الحكم ، وإما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع والامر الثاني لاسبيل إليه ، والامر الاول بعيد ، انتهى.

ويمكن تأويل خبر إسحاق بما يوافق سائر الاخبار لكنه في غاية البعد.

السابعة : قال في المعتبر : لو وجد وحلا أومآء راكدا بحيث لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله ، لان فيه ضررا ومشقة ، وهو كذلك مع مخالفته لظواهر الاخبار ، ولو أمكن العاري ولوج حفيرة والصلاة فيها قائما بالركوع والسجود قيل يحب لمرسلة أيوب بن نوح (٢) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : العاري الذى ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها وركع وقيل : لا ، استضعافا للرواية والتفاتا إلى عدم انصراف لفظ الساتر إليها والمسألة لاتخلو من إشكال : لكنها قليلة الجدوى لقلة الحاجة إليها.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٠٥ ط حجر ج ٣ ص ١٧٨ ط نجف.

(٢) التهذيب ج ٣ ص ٧٩ ط نجف وهكذا ج ٢ ص ٣٦٥ ، وفى ط حجر ص ٣٠٥ و ٢٠٤.

٢١٦

٤

* ( باب ) *

* ( ماتجوز الصلاة فيه من الاوبار والاشعار ) *

* ( والجلود وما لاتجوز ) *

١ ـ العلل عن محمد بن علي ما جيلويه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى الاشعرى ، عن أحمد بن محمد السيارى ، عن أبي يزيد القسمي ، وقسم حى من اليمن بالبصرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه سأله عن جلود الدارش الذي يتخذ منها الخفاف ، قال : فقال لاتصلى فيها ، فانها تدبغ بخرء الكلاب (١).

بيان : قال في القاموس : الدارش جلد معروف أسود كأنه فارسي ، قوله عليه‌السلام : ( فانها تدبغ ) لعلهم لم يكونوا يغسلونها بعد الدباغ ، أو بعد الغسل أيضا كان تبقى فيها أجزاء صغار ، أو الحكم محمول على الاستحباب احتياطا ، لاحتمال أن يبقى فيها شئ منه ، ولعل عدم أمره عليه‌السلام بالغسل أيضا لذلك ، أولاجل اللون بناء على أن الملون بالنجس أو بالمتنجس لايطهر بالغسل.

قال في المنتهى : يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشث ، والقرظ ، والعفص وقشر الرمان ، وغيرها ، والقائلون بتوقف الطهارة على الدباغ من أصحابنا والجمهور اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الاشياء ، أما الاشياء النجسة ، فلايجوز استعمالها في الدباغ ، وهل تطهر أم لا؟ أماعندنا فان الطهارة حصلت بالتذكية ، وكان ملاقات النجس موجبة لتنجيس المحل ، ويطهر بالغسل ، وأما القائلون بتوقف الطهارة على الدباغ ، فقد ذهب بعضهم إلى عدم الطهارة ، ذكره ابن الجنيد وبعض الجمهور لانها طهارة من نجاسة ، فلا تحصل بالنجس كالاستجمار والغسل ، وينبغي أن يكون ما يدبغ به منشفا للرطوبة مزيلا للخبث ، وقد روي عن الرضا عليه‌السلام عدم جواز الصلاة في الجلود المدبوغة بخرء الكلاب ، والرواية ضعيفة ، ومع تسليمها

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٣٣.

٢١٧

تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل.

وقال في الذكرى : الاصح وقوع الذكاة على الطاهر في حال الحياة كالسباع لعموم ( إلا ماذ كيتم ) (١) وقول الصادق عليه‌السلام لاتصل فيما لايؤكل لحمه ذكاه الذبح أو لم يذكه ، فيطهر بالذكاة والمشهور تحريم استعماله حتى يدبغ ، والفاضلان جعلاه مستحبا لطهارته ، وإلا لكان ميتة ، فلايطهره.

وليكن الدبغ بالطاهر كالقرظ ، وهو ورق السلم ، والشث بالشين والثاء المثلثتين ، وهو نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به ، قاله الجوهري ، وقيل : بالباء الموحدة وهو شبه الزاج ، والاصل فيهما ما روي من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أليس في الشث والقرظ مايطهره ، ولايجوز بالنجس فلا يطهر عند ابن الجنيد ، والاجود أنه يكفي فيما يحتاج إلى الدبغ ، ولكن لايستعمل إلا بعد طهارته لقول الرضا عليه‌السلام في جلود الدارش بالراء المهملة والشين المعجمة لاتصل فيها فانها تدبغ بخرء الكلاب.

٢ ـ العلل : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى عن عبدالرحمان بن الحجاج قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا عنده عن جلود الخز فقال : ليس به بأس ، فقلت : جعلت فداك إنها علاجي وإنما هي كلاب تخرح من الماء ، فقال : إذا خرجت تعيش خارجا من الماء؟ قلت : لا ، قال : ليس به بأس (٢).

٣ ـ ومنه : عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس معا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى اليقطيني معا ، عن أيوب بن نوح رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس ، وأما الذي يخلط فيه الارانب أو غيرها مما يشبه [ هذا فلاتصل ] فيه (٣).

____________________

(١) المائدة ٣.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٤٥.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٤٦.

٢١٨

تبيين : جوازالصلاة في وبر الخز الخالص متفق عليه بين الاصحاب ، و نقل إجماعهم عليه جماعة والمشهور بين المتأخرين أن حكم الجلد حكم الوبر ، و منعه ابن إدريس ، ونفى عنه الخلاف ، وتبعه العلامة في المنتهى ، والمسألة لاتخلو من إشكال ، وإن كان الجواز أقوى.

ثم إن للاصحاب اختلافا في حقيقة الخز فقيل : إنه دابة بحرية ذات أربع تصاد من الماء وتموت بفقده ، وقد رواه الشيخ والكليني عن علي بن محمد عن عبدالله بن إسحاق العلوي ، عن الحسن بن علي ، عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب ، عن ابن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له : جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : لابأس بالصلاة فيه [ فقال له الرجل : جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه ] فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام أنا أعرف به منك فقال له الرجل : إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني ، فتبسم أبو عبدالله عليه‌السلام ثم قال : أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل : صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام فانك تقول : إنه دابة تمشي على أربع وليس هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء ، فقال الرجل إي والله هكذا أقول : فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : فان الله تبارك وتعالى أحله ، وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها (١).

وقال في المعتبر : عندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ، و مخالفتها لما اتفقوا عليه من أنه لايؤكل من حيوان البحر إلى السمك ولامن السمك إلا ماله فلس ، وحدثني جماعة من التجار أنها القندس ، ولم أتحققه.

وقال الشهيد في الذكرى : مضمونها مشهور بين الاصحاب ، فلا يضر ضعف الطريق ، والحكم بحله جاز أن يسند إلى حل استعماله في الصلاة ، وان لم يذك

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٣٩٩ ، التهذيب ج ١ ص ١٩٦ وما بين العلامتين ساقط من الكمبانى زيادة من التهذيب والكافى.

٢١٩

كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية ، فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال ، ثم قال الشهيد ـ ره ـ : ولعله ما يسمى في زماننا بمصر وبرالسمك وهو مشهور هناك ، ومن الناس من يزعم أنه كلب الماء ، وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح ، لان الظاهر أنه ذونفس سائلة انتهى هذا.

واعلم أن في جواي الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره إشكالا ، للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الائمة أم لا؟ بل الظاهر أنه غيره لانه يظهر من الاخبار أنه مثل السمك يموت بخروجه من الماء ، وذكاته إخراجه منه ، والمعروف بين التجار أن الخز المعروف الان دابة تعيش في البر ولاتموت بالخروج من الماء ، إلا أن يقال إنهما صنفان بري وبحري ، وكلاهما يجوز الصلاة فيه ، وهو بعيد ، ويشكل التمسك بعدم النقل و اتصال العرف من زماننا إلى زمانهم عليهم‌السلام إذ اتصال العرف غير معلوم ، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا رضوان الله عليهم ، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع ، فالاحتياط في عدم الصلاة فيه.

ثم إن الاتفاق على الجواز إنما هو في الخز الخالص عن الامتزاج بوبر الارانب والثعالب وأما الممتزج بشئ منهما فالمشهور بين الاصحاب عدم جواز الصلاة فيه ، قال في المنتهى : وعليه فتوى علمائنا ، وقال فيه أيضا : وكثير من أصحابنا ادعوا الاجماع ههنا ، وروي عن داود الصرمي (١) قال : سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الارانب ، فكتب يجوز ذلك ، وقال الصدوق ـ ره ـ في الفقيه (٢) بعد إيراد هذه الرواية : وهذه رخصة الاخذ بها مأجور ، ورادها مأثوم ، والاصل ماذكره أبي ـ ره ـ في رسالته : إلى وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الارانب انتهى ، والاظهر حمله على التقية ، وسيأتي بعض القول فيه.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٩٦.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٧٠ و ١٧١.

٢٢٠