بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

من الوجوب والاستحباب ، والطهور أعم من الطهارة من الحدث والخبث لايتي الوضوء والغسل ، ولقوله تعالى ( وثيابك فطهر ) (١) والتوجه المراد به إما تكبيرة الافتتاح لقوله تعالى : ( وربك فكبر ) (٢) والنية لقوله تعالى : ( وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) (٣) وأمثاله ، أو استقبال القبلة بأن يكون المراد بالقبلة معرفتها لا التوجه إليها وهو بعيد ، والدعاء القنوت لقوله سبحانه

____________________

عليه كما في قوله تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) وقوله تعالى ( قم الليل الا قليلا ) الاية وانما عدفى الفرائض ، لكونه ركنا كالفرض تبطل الصلاة بالاخلال به عمدا وسهوا ونسيانا ، وانما جعل ركنا لانه تحريم الصلاة بالحكم الوضعى ، فلو ترك لم يكن المصلى داخل الصلاة وضعا ، وان ركع وسجد ، ومثله التسليم من بعض الجهات كما سيأتى.

وأما الركوع والسجود فسيأتى في بابهما ، وأما الدعاء فهو مفهوم الصلاة المفروضة بقوله تعالى ( الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ) وغير ذلك مما ذكر بلفظ الصلاة وحقيقته التوجه إلى الله مخلصا وصورته بالتكبير والقراءة والتسبيح والتهليل والابتهال وقدمر في ج ٨٢ ص ٢٧٧ أن حفظ عدد الركعات أيضا فرض وسيأتى الكلام عليه في محله.

وأماما ذكر في القرآن العزيز صريحا لابما هو صلاة ، بل بما هو غيره ، لكن النبى صلى الله عليه وآله جعله في الصلاة ، فهو سنة لاتبطل الصلاة بالاخلال به الاعمدا ، ومن أخل به جاهلا أو ناسيا أو سهوا فلاشئ عليه ، وذلك مثل طهارة الثوب والبدن ومثل قراءة الحمد والسورة وقول ( سبحان ربى العظيم وبحمده والتشهد وغير ذلك مما سنبحث عنها في محالها بحول الله وقوته.

(١) المدثر : ٤.

(٢) المدثر : ٣.

(٣) البينة : ٥.

١٦١

( وقوموا لله قانتين ) (١) فيدل على التفسير الاول للفرض على وجوبه ، أو القراءة لاشتماله على الدعاء ، ويقال للفاتحة سورة الدعاء لقوله تعالى ( فاقرؤ اما تيسر من القرآن ) (٢) أو الاعم منهما.

قوله عليه‌السلام : ( سنة في فريضة ) أي ظهر وجوبه أو رجحانه من السنة بأن يوقع في فعل ظهر وجوبه بالقرآن وهو الصلاة.

٢ ـ فقه الرضا : اعلم أن الصلاة ثلثه وضوء وثلثه ركوع ، وثلثه سجود وأن لها أربعة آلاف حد ، وأن فروضها عشرة ثلاث منها كبار ، وهي تكبيرة الافتتاح والركوع والسجود ، وسبعة صغار وهي القراءة ، وتكبير الركوع ، وتكبير السجود ، وتسبيح الركوع ، وتسبيح السجود ، والقنوت ، والتشهد ، وبعض هذه أفضل من بعض (٣).

توضيح : روى الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٤) والحصر للمبالغة وبيان شدة الاهتمام بتلك الافعال وعد الوضوء من الاجزاء أيضا للمبالغة وبيان شدة مدخليته في الصحة.

وقال والدي قدس سره التثليث إما باعتبار المسائل والاحكام ، أو باعتبار الواجبات والمندوبات ، أو باعتبار الثواب ، والغرض منه الترغيب في الاهتمام بشأن هذه الثلاثة سيما الطهور لانه رفع المانع ولذاقدمه ، وهو أعم من إزالة النجاسات والطهارات الثلاث ، ويمكن إرادة الاخير فقط ، والاهتمام بشأن الركوع والسجود باعتبار كثرة الذكر والتوجه والطمأنينة انتهى.

والخبر يدل على وجوب تكبيري الركوع والسجود والقنوت ، ويمكن

____________________

(١) البقرة : ٢٣٨ وقدمر البحث فيها ج ٨٢ ص ٢٧٨ راجعه.

(٢) المزمل : ٢٠ ، والاية ناظرة إلى قراء القرآن سورة سورة كما سيأتى في محله

(٣) فقه الرضا ص ٨ السطران الاخران.

(٤) الكافى ج ٣ ص ٢٧٣.

١٦٢

حمله على شدة الاستحباب وتأكده.

٣ ـ كتاب العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن كبار حدود الصلاة فقال : سبعة : الوضوء ، والوقت ، والقبلة ، وتكبيرة الافتتاح ، والركوع ، والسجود ، والدعاء.

فهذه فرض على كل مخلوق ، وفرض على الاقوياء والعلماء الاذان ، و الاقامة ، والقراءة ، والتسبيح ، والتشهد ، وليست فرضا في نفسها ، ولكنها سنة وإقامتها فرض على العلماء والاقوياء ، ووضع عن النساء والمستضعفين والبله الاذان والاقامة ، ولابد من الركوع والسجود وما أحسنوا من القراءة و التسبيح والدعاء.

وفي الصلاة فرض وتطوع فأما الفرض فمنه الركوع ، وأما السنة فثلاث تسبيحات في الركوع ، وأما التطوع فمازاد في التسبيح والقراءة ، والقنوت واجب ، والاجهار بالقراءة واجب في صلاة المغرب والعشاء والفجر ، والعلة في ذلك من أجل القنوت حتى إذا قطع الامام القراءة علم من خلفه أنه قدقنت ، فيقنتون ، وقد قال العالم عليه‌السلام : إن للصلاة أربعة آلاف حد.

بيان : الظاهر أن من قوله ( فهذه فرض ) كلام المؤلف ، فلذا لم نتعرض لشرحه وتأويله.

٤ ـ الهداية : قال الصادق عليه‌السلام حين سئل عما فرض الله تبارك وتعالى من الصلاة فقال : الوقت ، والطهور ، والتوجه ، والقبلة والركوع ، والسجود ، والدعاء ، ومن ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له ، ومن ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له (١).

____________________

(١) الهداية : ٢٩.

١٦٣

أبواب

لباس المصلى

١

* ( باب ) *

* ( ستر العورة ، وعورة الرجال والنساء وفى الصلاة ) *

* ( وما يلزمهما من الثياب فيها ، وصفاتها وآدابها ) *

الايات : الاعراف : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سو آتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون * يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما.

إلى قوله تعالى : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد.

إلى قوله سبحانه : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون (١).

____________________

(١) الاعراف : ٢٦ ـ ٢٣ ، أما الايتان الاوليان ، فكما مرالكلام فيهما في ج ٧٩ ص ٢٩٥ ـ ٢٩٧ ، عرفت أن المراد باللباس الذى يوارى سوآت الناس هو الازار ، لكن لبس هذا الازار بمعنى عدم كشف السوآت ليس مختصا بحال الصلاة ، لان كشفهما من الفاحشة المحرمة ، ولذلك وجه الخطاب إلى كل البشر بقوله ( يا بنى آدم )

١٦٤

النحل : والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون إلى قوله

____________________

وأما قوله تعالى : ( يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) فالمراد الازار والرداء كمامر توضيحه في ج ٧٩ ص ٢٩٨ وانما عبر عنهما بالزينة لكونهما موجبا لتزيين البدن وحشمته ، ولما قال ( عند كل مسجد ) والمسجد موضع الصلاة ، كان المراد أخذ الزينة بلبس الازار والرداء عند الصلاة ، ولذلك كره الصلاة من دون رداء بحيث يعرى أعالى البدن.

وهذه الاية من المتشابهات على اصطلاح القرآن المجيد حيث انها تشبه الايات التى هى ام الكتاب : توهم كونها مستقلة برأسها وليس كذلك.

بيان هذا انجازا لما وعدنا في ج ٨٢ ص ٣٢٢ أنه قال الله عزوجل : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب : منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ـ وما يعلم تأويله الا الله ـ والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب ) آل عمران : ٧.

والمعنى أن آيات القرآن على قسمين : قسم هى محكمات وهن معذلك أم الكتاب و أصله ومرجعه ، وقسم آخر هى محكمات تشابه أم الكتاب.

فكل الايات محكمة لقوله تعالى ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) هود : ١ ، مثلا قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) الاية من القسم الاول فان الصلاة فرض مستقل في حد نفسها ، والاية أم الكتاب وأصل يرجع اليه فروع : كقوله تعالى ( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ) ومعناه في السنة : ( لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد ) وقوله تعالى : ( فاقرؤا ما تسير من القرآن ) ومعناه في السنة ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) ، وامثال ذلك مما سنشرحه في محله. فظاهر تلك الاوامر كلها يشبه أم الكتاب وكونها مستقلة يجب الاتيان بها في نفسها ، لكن بعضها أم الكتاب مستقل في حد نفسها كالصلاة والصوم والحج ، وبعضها متشابه به غير مستقل أدخلها النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله في الفرائض المستقلة ، الحاق الفرع بالاصل والولد بأمه.

فأما الذين في قلوبهم زيغ واعوجاج عن الفطرة وميل إلى الاستبداد وهوى

١٦٥

سبحانه : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها (١).

وقال تعالى : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين * والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (٢).

فاطر : وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها (٣).

____________________

إلى الرئاسة ، يتبعون بأهوائهم ما تشابه أم الكتاب ، مع أن المتشابهات لا يصلح اتباعها الا بعد تأويلها وهو ارجاعها إلى أمها ، ولا يعلم تأويل ذلك الا الله عزوجل وهو بمعزل عن الاتصال بالوحى ، ومع جهلهم يدعون علم ذلك ومعرفتهم بالام والمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله كما زعموا أن قوله تعالى ( اذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) وقوله ( فاذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) مستقلة من أمهات الكتاب ، ويفتون بوجوب الاستعاذة والانصات والاستماع عند قراءة القرآن مطلقا ، وليس كذلك كما أجمع عليه أهل الفقه بأن شيئا من ذلك ليس بواجب الا في الصلاة.

وأما الراسخون في العلم والايمان فهم يعترفون بأن الامهات والمتشابهات كلها نزلت من عندالله ، فلا بدو أن يوحى علمه إلى رسوله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور : يقولون آمنا به كل من عند ربنا ولسنا نتبع الكتاب الا باشارة الرسول وعترته ، وما يذكر سرذلك الا اولوا الالباب الذين أخذوا بالكتاب والعترة وهجروا مقالة الزائغين الذين قالوا حسبنا كتاب الله.

(١) النحل : ٥ ـ ١٤.

(٢) النحل : ٨٠ ـ ٨١.

(٣) فاطر : ١٢.

١٦٦

الرحمن : يخرج منهما اللؤلوء والمرجان (١).

تفسير : ( قر أنزلنا عليكم لباسا ) أي خلقناه لكم بتد بيرات سماوية و أسباب نازلة منها ، أو لكون العلة أشرف من المعلول ، فحصول الشئ من العلة كأنه نزول من الاعلى إلى الاسفل ، أو إشارة إلى علو رتبته تعالى ، فالنزول منه إلينا نزول من العليا إلى السفلى ، وهو قريب من الثاني ، وقيل إشارة إلى إنزال شئ من اللباس مع آدم وحوا عليهما‌السلام.

( يواري سوآتكم ) أي يستر عوراتكم وكل مايسوء كشفه منكم ( وريشا ) وهو لباس الزينة (٢) استعير من ريش الطير لانه لباسه وزينته ، وفسر ابن عباس الريش بالمال والاول يؤمى إلى وجوب ستر العورة في جميع الاوقات ، لا سيما في وقت العبادات ، فان ( يواري سوآتكم ) يومي إلى قبح الكشف ، وأن الستر مراد الله تعالى ، وظاهر الثاني استحباب التجمل باللباس.

( ولباس التقوى ) قيل خشية الله ، وقيل العمل الصالح ، وقيل ما يقصد به التواضع لله تعالى وعبادته ، كالصوف والشعر والخشن من الثياب ، وعند زيد بن (٣) علي أنه ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحروب وقيل مطلق اللباس الذي يتقى به من الضرر كالحر والبرد والجرح وقال علي بن

____________________

(١) الرحمن : ٢٢.

(٢) الريش ـ بالكسر ـ كسوة جناح الطائر ، استعير في الاية الكريمة للرداء بعد تشبيهه بريش الطير ، فكما أن ريش الطير يلتف على جناحيه وابطيه يسترهما ، كذلك الرداء يلتف على العضدين والابطين يسترهما ، فلوعرى جناحا الطير من الريش أشبه الانسان حيث لبس الازار من دون رداء أشد الشباهة ولا يخفى لطف التشبيه على من تأمل وتصور ذلك خيالا ولا يذهب عليك أن مرادنا بالازار والرداء ما يعرفهما المسلمون اليوم بلباسى الاحرام كما عرفت شرح ذلك في ج ٨١ ص ٢٦٩.

(٣) ذكره الطبرسى في المجمع ج ٤ ص ٤٠٨.

١٦٧

إبراهيم (١) لباس التقوى ثياب البياض ، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : فأما اللباس فالثياب التي تلبسون وأما الرياش فالمال والمتاع ، وأما لباس التقوى فالعفاف ، إن العفيف لا تبدوله عورة ، وإن كان عاريا من الثياب ، والفاجر بادي العورة ، وان كان كاسيا من الثياب.

( ذلك خير ) أي لباس التقوى ذلك خير ، وقيل إشارة إلى موارات السوءة فانه من التقوى تفضيلا له على نفس اللباس مطلقا أو إشارة إلى اللباس المواري للسوءة ( ذلك ) يعني إنزال اللباس مطقا أو جميع ماتقدم ( من آيات الله ) الدالة على وجوده ولطفه وفضله ورحمته على عباده ، ( لعلهم يذكرون ) فيعرفون عظيم النعمة فيه أو يتعظون فيتور عوا عن القبائح.

( لا يفتننكم الشيطان ) أي لا يوقعنكم في فتنة وفضيحة بأن يدعوكم أن لا تتذكروا بآيات الله ، ولا تتور عوا عن القبايح ، فيخرجكم من محال فضل الله ومواضع رحمته ، فيسلبكم نعمة الله وستره عليكم ، ويحرمكم الجنة ( ينزع عنهما لباسهما ) إسناد النزع إليه للتسبيب فيه.

( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) في مجمع البيان عن الباقر عليه‌السلام أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد (٢) وروى العياشي عن الرضا عليه‌السلام قال : هي الثياب (٣) وعن الصادق عليه‌السلام هي الاردية يعني في العيدين والجمعة (٤) وقال علي بن إبراهيم : في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا. وروي أيضا المشط عند كل صلاة (٥) وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام يعني في العيدين والجمعة (٦) وفي العياشي والجوامع كان الحسن بن علي عليهما‌السلام إذا قام

____________________

(١) تفسير القمى : ٢١٣ ، راجع ج ٧٩ ص ٢٩٧.

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٤١٢.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٢ ، الرقم ٢١.

(٤) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٣ الرقم : ٢٧.

(٥) نفسير القمى ص ٢١٤.

(٦) الكافى ج ٣ ص ٤٢٤.

١٦٨

إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال فأتجمل لربي وقرأ هذه الاية (١) وفي الفقيه (٢) عن الرضا عليه‌السلام من ذلك التمشط عند كل صلاة ، والعياشي عن الصادق عليه‌السلام مثله (٣).

وفي التهذيب (٤) عن الصادق عليه‌السلام في هذه الاية قال : الغسل عند لقاء كل إمام ، والعياشي عنه عليه‌السلام يعني الائمة (٥) وقيل هو أمر بلبس الثياب في الصلاة والطواف ، وكانوا يطوفون عراة ويقولون لانعبد في ثياب أذنبنا فيها ونحوه ذكر علي بن إبراهيم (٦).

وفي الخصال عن أبي عبدالله عليه‌السلام في تفسير هذه الاية قال : تمشطوا فان التمشط يجلب الرزق إلى آخر الخبر (٧) ، وفي العياشي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : هو المشط عند كل صلاة فريضة ونافلة (٨) ، وقال بعض الافاضل : وقد فسر بالمشط والسواك والخاتم والسجادة والسبحة.

( قل من حزم زينة الله التي أخرج لعباده ) من الثياب كالقطن والكتان والحرير والصوف ، وما يعمل منه الدروع والخواتيم والحلي وغيرها ( والطيبات من الرزق ) المستلذات من المآكل والمشارب أو المباحات والاستفهام للانكار ( قل هي ) أي الزينة والطيبات ( للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) الظرف متعلق بآمنوا ( خالصة

____________________

(١) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٤ الرقم ٢٩.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٧٥ ط نجف.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٣ ، الرقم ٢٥.

(٤) التهذيب ج ٦ ص ١٠٧ ط نجف.

(٥) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٢ ، الرقم ١٨.

(٦) تفسير القمى ص ٢١٤ راجع شرح ذلك ج ٧٩ ص ٢٩٧.

(٧) الخصال ج ١ ص ١٢٩.

(٨) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٣ ، الرقم ٢٥ ، وقدمر الاشارة اليه.

١٦٩

يوم القيامة ) حال من المستتر في متعلق للذين ، ويوم القيامة ظرف لخالصة ، أي لايشاركهم غيرهم فيها كما يشار كهم في الدنيا ، أو الظرف متعلق بمتعلق ( للذين ) أي هي حاصلة للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة لهم ، خالصة لهم يوم القيامة (١) قيل : ولم يقل ولغير هم لينبه على أنها خلقت لهم بالاصالة ، وأن غيرهم تبع لهم كقوله : ( ومن كفر فامتعه قليلا ) (٢) الاية.

و ( والانعام خلقها لكم ) (٣) أي لمصالحكم ( فيها دفء ) اسم لمايد فأبه فيقي البرد ، وهو اللباس المعمول من صوف أو وبر أو شعر ، والظاهر شموله للفراء أيضا ( ومنافع ) هي نسلها ودرورها وظهورها وغير ذلك ، ( حلية تلبسونها ) كاللؤلؤ و المرجان ، وقيل اليواقيت أيضا.

( سكنا ) (٤) موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم ( بيوتا ) يعني الخيم والمضارب المتخذة من الادم والوبر والصوف والشعر ( تستخفونها ) أى تجدونها خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها ووضعها وضربها ( يوم ظعنكم ) ترحالكم وسفركم ( ويوم إقامتكم ) نزولكم وحضركم ، والاثاث أنواع متاع البيت من الفرش والاكسية ، وقيل المال والمتاع ما يتجربه من سعلة أو ينتفع به مطلقا ( إلى حين ) أي إلى أن تقضوا منه أو طار كم ، أو إلى حين مماتكم ، أو إلى مدة من الزمان فانها لصلابتها تبقى مدة أو إلى يوم القيامة ، وقيل إلى وقت البلى والفناء ، إشارة إلى أنها فانية ، فلا ينبغي للعاقل أن يختارها.

( والله جعل لكم مما خلق ) من الشجر والجبل والابنية وغيرها ( ظلالا ) تتقون به حر الشمس ( وجعل لكم من الجبل أكنانا ) مواضع تستكنون بها

____________________

(١) وقيل : معناه : قل هى في الحياة الدنيا للذين آمنوا غير خالصة من الهموم والاحزان والمشقة ، وهى لهم خالصة في الاخرة ، منه رحمه الله ، على ما في هامش طبعة الكمبانى.

(٢) البقرة : ١٢٦.

(٣) النحل : ٥.

(٤) النحل : ١٤.

١٧٠

من الغيران والبيوت المنحوتة فيها ( وجعل لكم سرابيل ) ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها ( تقيكم الحر ) اكتفى بذكر أحد الضدين لدلالته على الاخر ، ولان وقاية الحر كانت عندهم أهم ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) يعني الدروع والجواشن ، والسربال يعم كل ما يلبس ( كذلك ) كاتمام هذه النعم التي تقدمت ( يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به ، وتنقادون لحكمه.

( هذا عذب ) (١) أي طيب ( فرات ) أي اشتدت عذوبته ، وقيل هو الخالص الذي لا يشوبه شئ ( سائغ شرابه ) [ أي ] مرئ سريع الانحدار لعذوبته ، وذكر الاكثر أن اللؤلوء كبار الدر ، والمرجان صغاره ، وقيل المرجان الخرز الاحمر.

ففي الايات دلالة على لزوم ستر العورة ، لا سيما في الصلاة وعلى استحباب أنواع الزينة من التنظيف والتطهير والتطييب ، والملابس الفاخرة عند الصلاة والطواف ، وعلى جواز اتخاذ الملابس والفرش وغيرها ، وأنواع انتفاع يمكن من أصواف الانعام وأوبارها وأشعارها وجلودها ، وجواز الصلاة فيها وعليها إلا ما أخرجه الدليل من عدم جواز السجود ونحو ، وطهارتها ولو من الميتة لاطلاق واللفظ (٢) وعلى جواز بناء الابنية والاستظلال بها وبالكهوف والغيران والصلاة فيها.

وجواز استعمال ثياب القطن والكتان والصوف وغيرها ، والدروع والجواشن وأمثالهما في الصلاة وغيرها ، إلا ما أخرجه الدليل. وعلى جواز التحلي باللؤلؤ والمرجان للرجال والنساء وصلاتهما فيهما للاصلاق ، لاسيما في مقام الامتنان.

____________________

(١) فاطر : ١٢.

(٢) لايتم هذا الاطلاق ، فان المولى ليس بصدد بيان حلية أو طهارة جلود الانعام بل المقام مقام الامتنان عليهم باستفادتهم من جلود الانعام ، ويكفى في صدق ذلك المذكى منها.

١٧١

وقد يستشكل في الصلاة في اللؤلؤ (١) لكونه جزءا من الصدف ، والصدف حيوان لايؤكل لحمه أما كونه حيوانا فلما ذكره الاطباء وغيرهم من التجار والغواصين ، ولمارواه الكليني (٢) في الصحيح عن على بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات ، أيؤكل؟ قال : ذلك لحم الضفادع ، لايحل أكله ، وأما كونه غير مأكول اللحم فلهذا الخبر ، وللاجماع المنقول على أن من حيوان البحر لا يوكل لحمه إلى السمك ، وأما عدم الجواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه فلما سيأتي من عدم جواز الصلاة في شئ منه ، إلا ما استثني.

ويمكن أن يجاب بوجوه الاول لانسلم كونه جزء من ذلك الحيوان ، فان الانعقاد في جوفه لا يستلزم الجزئية بل الظاهر أنه ظرف لتولد ذلك ، نعم يكون اللؤلوء في بعض الاصداف مركوزا في جرمه ، وهذا نادر ، ويمكن أن يناقش فيه أيضا.

الثانى أنا لانسلم عدم جواز الصلاة في أجزاء مالايؤكل لحمه مما ليس له له نفس سائلة وظاهر الاصحاب اختصاص الحكم بماله نفس سائلة وإن أمكن المناقشة فيه.

الثالث أنه على تقدير عدم اختصاص الحكم بماله نفس سائلة فهو أيضا من المستثنيات لظواهر الايات السالفة ، ولشيوع التحلي بها ، والصلاة معها في أعصار الائمة عليهم‌السلام مع أنه لم يرو منع بخصوص ذلك والظاهر أنه لو كان ممنوعا

____________________

(١) وعندى أن اللؤلؤ كالذهب والحرير من لباس أهل الجنة ومواعيدهم كما في قوله تعالى ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ) الحج : ٢٣ ، فاطر : ٣٣ ولقبح تمتع الموعود قبلا مما هيئ له ثم حضوره في الميعاد ، قال رسول الله ( ص ) في مورد الحرير والذهب : ان هذين حرام على ذكور أمتى ، فكذلك اللؤلؤ ، بحكم الاية الكريمة ، (٢) الكافى ج ٦ ص ٢٢١.

١٧٢

لورد المنع منه في أخبار متعددة ، فلم أرخبرا يتضمنه إلا العمومات والاطلاقات التي يمكن أن يدعى أنها محمولة على الافراد الشايعة ، وليس هذا منه.

وبالجملة الحكم بالمنع مع عموم الايات والاخبار الدالة على الجواز ، و عدم ظهور التخصيص ، وتطرق الاجمال فيه من وجوه لا يخلو من إشكال ويؤيد الجواز ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي وفي فيه الخرزة اللؤلوء؟ قال إن كان يمنعه من قراءته فلا ، وإن كان لا يمنعه فلا بأس (١).

تذنيب

قال الشهيد ـ ره ـ في الذكرى : أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة ، وعندنا وعند الاكثر أنه شرط في الصحة ، لقوله تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قيل : اتفق المفسرون على أن الزينة هنا ما توارى به العورة للصلاة والطواف ، لانهما المعبر عنهما بالمسجد ، والامر للوجوب ، ويؤيده قوله تعالى : ( يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ) أمر تعالى باللباس المواري للسوءة ، وهي ما يسوء الانسان انكشافه ، ويقبح في الشاهد إظهاره ، وترك القبيح واجب ، قيل : وأول سوء أصاب الانسان من الشيطان انكشاف العورة ، و لهذا ذكره تعالى في سياق قصة آدم عليه‌السلام انتهى.

وهل الستر شرط مع الذكر أو مطلقا؟ ظاهر (٢) العلامة في المختلف والنهاية

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٦٥.

(٢) قد عرفت في صدر الباب أن أخذ اللباس الذى يوارى السوءة وهو الازار حكم تكليفى مستقل يشمل كل بشر مسلم أو غير مسلم ، مصل أو غيره ، فقوله تعالى ( قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى يوآتكم ) من الايات أم الكتاب ، فلا يتعلق وجوب ستر العورة بحال دون حال وظرف دون ظرف ، ولذلك لم يقيد بماقيد به الاية التالية لها من قوله تعالى ( عند كل مسجد ) الا أن كون الستر شرطا للصلاة لم يرد به أية حتى يكون فرضا وركنا تبطل الصلاة بالاخلال به سهوا وجهلا ونسيانا ، نعم بعد ما كان الستر فرضا في حد نفسه وكشف العورة

١٧٣

صحة الصلاة إذا لم يعلم بالانكشاف سواء دخل في الصلاة عاريا ساهيا أو انكشف في الاثناء وسواء كان الانكشاف في جميع الصلاة أو كان في بعضها وقال في المعتبر ، لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة ولم يعلم صحت صلاته ، لانه مع عدم العلم غير مكلف ، ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام في الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه الاعادة؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمت صلاة (١) ويظهر من التعليل عدم الفرق بين عدم الستر ابتداء والتكشف في الاثناء.

وفرق الشهيد ـ ره ـ في كتبه فقال في الذكرى : ولو قيل بأن المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الاثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا ، كان قويا وقربه في الدروس ، وقريب منه كلامه في البيان ، وكلامه يحتمل أمرين أحدهما الفرق بين الانكشاف في الكل والبعض وثانيهما الفرق بين النيسان ابتداء والتكشف في الاثناء ، وكلامه في الذكرى يشعر بالاول ، حيث قال : وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع عدمه ببعض الاعتبارات تلازم ، بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة ، فلا يحصل البطلان بدونه ، وجاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها فيبطل بدونه.

وقال ابن الجنيد : لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط وقال الشيخ في المبسوط فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه ، ولا

____________________

فاحشة ممقوتا تمنع الصلاة منها لقوله عزوجل : ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) كان كشف العورة مانعا للصلاة منافيا له في حال العلم والاختيار ، وأماحال الجهل بالانكشاف مطلقا من أول الصلاة أو أثنائه ، فلا. وأما انكشاف تمام العورة فلا معنى للسهو عنه ، فان الانكشاف التام لا يكون الا بوضع الازار والسربال ، وهذا مما لا يسهو عنه الامن غفل عن صلاته بالمرة. وهو فاقد لركن الدعاء ، أعنى التوجه إلى الله وأنه في حال الصلاة ، فصلاته باطلة من رأس.

(١) التهذيب ج ١ ص ١٩٧ ، وتراه في السرائر ص ٤٧٦.

١٧٤

تبطل صلاته ، سواء كان ما انكشفت عنه قليلا أو كثيرا ، بعضه أو كله ، وكلام الشيخ مطلق يشمل صورة العلم والعمد ، وعليه حمله العلامة في التذكرة ، وإن كان المنساق إلى الذهن منه الانكشاف بدون العلم والعمد ، وعليه حمله في المختلف والاقرب أن الانكشاف ساهيا غير ضائر ، والله يعلم.

١ ـ مكارم الاخلاق : عن محمد بن حسين بن كثير قال : رأيت على أبي عبدالله عليه‌السلام جبة صوف بين قميصين غليظين ، فقلت له في ذلك ، فقال رأيت أبي يلبسها وإنا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا (١).

بيان : رواه الكليني ، عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن محمد بن الحسين بن كثير الخزاز ، عن أبيه قال : رأيت أبا عبدالله عليه‌السلام وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه ، وفوقه جبة صوف ، وفوقها قميص غليظ فمسستها فقلت : جعلت فداك إن الناس يكرهون لباس الصوف ، فقال : كلا كان أبي محمد بن علي عليه‌السلام يلبسها ، وكان علي بن الحسن عليه‌السلام يلبسها ، و كانوا عليهم‌السلام يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ونحن نفعل ذلك (٢).

٢ ـ العياشي : عن خيثمة بن أبي خيثمة قال : كان الحسن بن على عليه‌السلام إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له : يا ابن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، فأتجمل لربي ، وهو يقول : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) فأحب أن ألبس أجود ثيابي (٣).

غوالي اللئالي مرسلا مثله.

بيان : الاخبار في فضل التزين للصلاة كثيرة ، والجمع بينها وبين ما سبق بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلى لحاجة مهمة ، ولدفع بلية ، وفي

____________________

(١) مكارم الاخلاق : ١٣٣.

(٢) الكافى ج ٦ ص ٤٠٥.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٤ ، الرقم ٢٩ من سورة الاعراف الاية : ٣١.

١٧٥

مقام تناسبه غاية الخشوع ، لما رواه في الكافي (١) عن حريز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اتخذ مسجدا في بيتك فاذا خفت شيئا فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك فصل فيهما الخبر ولما رواه في المكارم (٢) عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال كان لابي ثوبان خشنان يصلي فيهما صلاته ، وإذا أراد أن يسأل الحاجة لبسهما ، وسأل الله حاجته.

أو يحمل الخشن على ما إذا صلى في الخلوة ، والزينة على ما إذا خرج إلى الناس ، كما يظهر من فحوى بعض الاخبار ، ولما سيأتي في خبر مسمع (٣) قال : كتب إلى أبوعبدالله إني احب لك أن تتخذ في دارك مسجدا في بعض بيوتك ثم تلبس ثوبين طمرين غليظين ، ثم تسأل الله أن يعتقك من النار وأن يدخلك الجنة الخبر ، ولما روي عن الباقر عليه‌السلام في تفسير قوله سبحانه ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قال أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد (٤).

ويمكن حمل لبس الخشن على التقية ، لانه كان الشايع بين أهل البدع في تلك الازمنة ، وكانوا ينكرون على أئمتنا عليهم‌السلام لبس الثياب الفاخرة.

وبالجملة الظاهر ، أن لبس الفاخر أفضل في جميع الصلوات ، إلا فيما ورد فيه نص باستحباب غيره ، لظاهر الاية والاخبار العامة قال في الذكرى بعد إيراد الرواية الاولى : قلت إما للمبالغة في الستر وعدم الشف والوصف ، وإما للتواضع لله تعالى مع أنه روي استحباب التجمل في الصلاة ، وذكره ابن الجنيد وابن البراج وأبوالصلاح وابن إرديس ، وروى غياث بن إبراهيم (٥) عن جعفر عن

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٤٨٠.

(٢) مكارم الاخلاق : ١٣١.

(٣) المحاسن : ٤١٢.

(٤) قدمر عن المجمع ج ٤ ص ٤١٢.

(٥) راجع التهذيب ج ١ ص ٢٤٢.

١٧٦

أبيه ، عن علي عليه‌السلام لا تصلي المرءة عطلا وهو بضم العين والطآء والتنوين ، و هي التي خلاجيدها من القلائد.

٣ ـ السرائر : من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن أحمد أبي إسماعيل الهاشمي ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والعمركي البوفكي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه إعادة أو ماحاله؟ قال : لا إعادة عليه ، وقد تمت صلاته (١).

بيان : لا خلاف في أن من أخل بستر العورة عمدا يعيد في الوقت وخارجه ولو أخل ناسيا أو جاهلا ، فذهب الاكثر منهم الشيخ والمحقق والعلامة إلى عدم الاعادة مطلقا ، كما يدل عليه هذا الخبر الصحيح ، وقال ابن الجنيد يعيد في الوقت خاصة ، وفرق الشهيد ره بين ما إذا صلى جميع الصلاة مكشوف العورة أو بعضها فحكم في الاول بالاعادة دون الثاني ولا يعلم وجهه ، وما ذهب إليه الاكثر أظهر ، كما دل عليه الخبر.

٤ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المرءة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال : تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي ، فان خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس (٢).

تفصيل وتبيين : اعلم أنه لا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة والمشهور بين الاصحاب أن عورة الرجل التي يجب سترها في الصلاة وغيرها قبله ودبره أعني الذكر والانثيين ، وحلقة الدبردون الاليتين والفخذين (٣)

____________________

(١) السرائر : ٤٧٦.

(٢) راجع البحار ح ١٠ ص ٢٧٩.

(٣) قد عرفت في ذيل الاية أن المراد بالسوآت في قوله تعالى : ( فبدت لهما سوآتهما ) وهكذا قوله : ( ليريهما سوآتهما ) هو فلق الاليتين من الرجل والمرءة دبرا وفلق الحر من المرءة قبلا كالذكر والانثيين من الرجل ، بما عليها وعلى حواليها من

١٧٧

ونقل ابن إدريس عليه الاجماع ، ونقل عن ابن البراج أنه قال : هي من السرة إلى الركبة ، وعن أبي الصلاح أنه جعلها من السرة إلى نصف الساق ، مع أن

____________________

الشعر النابت ، كما هو الظاهر من لفظ السوآت ولذلك قال عز وعلا ( فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) وظاهر أن ورق الجنة لم يكن منسعا كالسربال والازار حتى يستر الاليتين والفخذين ، الا أن ذلك حكم عام للبشر ولذلك صدر الاية بقوله ( يا بنى آدم ) من دون تقييد.

فامتثال هذا الحكم بما أنه اجتناب الفاحشة ، انما يكون بلبس خرقة سيتر السوآت من القبل والدبر كالذى يسمونه اليوم ، ( شرت ) بضم الشين وسكون الراء ، سواء في ذلك المسلم وغيره.

وأما المسلمون فقد أوجب الله تعالى عليهم الستر من السرة إلى الركبتين بقوله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.. وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) النور : ٣٠ و ٣١ ، والمراد بالفرج فرج الازار بعد لبسه ، فانهم كانوا يلبسون شملة يلفونها على أسفلهم من السرة إلى الركبة بحيث يدرج أحد طرفيه على الاخر ، الا أنه قد ينفرج الطرفان عن الفخذين خصوصا حمين الجلوس أو المشى بسرعة فينكشف ، فأوجب الله على المؤمنين والمؤمنات أن يحفظوا فروج أزرهم حتى لا ينكشف عن أفخاذهم ومع ذلك أوجب عليهم ـ اذا انكشف وانفرج ازار أحدهم ـ أن يغضوا أبصارهم لئلا يبصروا منه ما وجب ستره.

وأما قول المفسرين بأن المراد بالفرج العورة من القبل والدبر. فلا يناسب مفهوم الفرج والانفراج خصوصا في الاية الاولى بالنسبة إلى الرجال ، فان حلقة الدبر مستورة بالاليتين ، والذكر والانثيين لا وجه لا طلاق الفرج عليه وهو ظاهر.

وأما قولهم بأن حفظ الفرج كناية عن عدم ارتكاب الزنا ، فهو صحيح في بعض الموارد كقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون ) وقوله تعالى : ( ومريم ابنت عمران التى أحصنت فرجها ) حيث أطلق حفظ الفرج والحصان الازار وكنى به عن عدم ارتكاب الفاحشة لان ارتكابها يوجب وضع الازار وانفراجه عن القبل أو الدبر ، وحفظ فرج الازار يوجب

١٧٨

المحقق في المعتبر قال : ليست الركبة من العورة باجماع علمائنا ، والاول أقوى وعورة المرءة جسدها كله عدا الوجه والكفين والقدمين ، هذا هو المشهور بين الاصحاب ، وقيل ظاهر القدمين دون باطنهما ، فيجب ستره في الصلاة ، ولا تكشف غير الوجه فقط.

____________________

الحفظ عن الزنا وارتكاب الفاحشة.

وأما في قوله تعالى : ( يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) فالظاهر منه الحفظ من النظر بقرينة غض البصر ، وبعبارة أخرى هو من صنعة الاحتباك كقوله تعالى : ( الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ) غافر : ٦١ حيث يكمل كل جزء الجزء الاخر ويفيد أنه : جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله.

فالمعنى في آية النور هكذا : قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين و المؤمنات ، ويحفظوا فروجهم من أبصار المؤمنين والمؤمنات ، وقد ورد بذلك قول الصادق عليه‌السلام ( كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا الاهذه الاية فانها من النظر ) راجع الكافى ج ٢ ص ٣٦ ، تفسير القمى ص ٤٥٥ ، الفقيه ج ١ ص ٦٣.

فعلى هذا يجب حفظ الفرج بعد لبس الازار حتى لا ينكشف عن موضعه ـ وهو من السرة إلى الركبة ـ ولا يمكن حفظه حين الركوع والانحناء الا اذا كان الازار متدليا إلى نصف الساق كما كان يلبسه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك لئلا ينكشف الفخذان حين الركوع.

وهذا الحكم عام بالنسبة إلى الرجال والنساء بنص الاية وصريحها ، ويختص النساء معذلك بقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) والزينة التى اريدت هنا وقد أعطاها الله عز وجل كل النساء ، شعر رأسها ( الا ما ظهر منها ) بعد سترها بقطعة من اللباس قهرا و أحيانا ، ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) والخمار كان شملة اخرى كالرداء يعقدنه النساء على جيوبهن ، فيستر من عنقها إلى سرتها وكان الخمار هذا مذيلا بحيث يتدلى على الازار إلى الاليتين ، لئلا ينكشف ما فوق الازار حين الانحناء ، أو عند رفع اليدين لبعض الحاجات كالقنوت في الصلاة.

١٧٩

وقال أبوالصلاح المرءة كلها عورة (١) وأقل ما يجزي الحرة البالغة درع سابغ إلى القدمين ، وخمار ، وهذا قريب من الاقتصار ، وقال ابن زهرة : والعورة الواجب سترها من النساء جميع أبدانهن إلا رؤس المماليك منهن ، و قال ابن الجنيد الذي يجب ستره من البدن العورتان وهما القبل والدبر من الرجل والمرءة ، وهذا يدل على المساواة بينهما عنده ، وقال أيضا لا بأس أن تصلي المرءة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس ، حيث لا يراها غير محرم لها ، وكذلك الرواية عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٢) انتهى ، والاول أقوى لهذه الرواية وغيرها.

ثم إنه ليس في كلام الاكثر تعرض لوجوب ستر الشعر ، واستقرب الشهيد في الذكرى الوجوب وهو أحوط ويجوز للامة والصبية غير البالغة كشف الرأس في الصلاة ونقل عليه الفاضلان والشهيد إجماع العلماء عليه ، إلا الحسن البصري فانه أوجب على الامة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه ، ولو انعتق بعضها فكالحرة.

قوله عليه‌السلام : ( فان خرجت رجلها ) أي بعض ساقها ، فيكون التقييد بعدم القدرة على الوجوب أو أصل القدمين ، فالتقييد على الاستحباب على المشهور ، وربما يؤيد قول من لم يستثن بطن القدمين.

____________________

وهذا حكم ستر المرءة في كل حال حتى في الصلاة ، الا أنه استثنى من ستر شعورهن بقوله عز من قائل ( ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن ) إلى آخر الاية فرخص ابداء شعورهن للمحارم ، ثم وصاهن بعد الاحتيال فقال : ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) أي لايضربن بأرجلهن حين المشى بحيث يظهر شعورهن شيئا فشيئا من تحت المقنعة ، ثم يعتذرن بأنها ظهرت قهرا وطبعا ،

(١) يعنى من حيث اصطلاح الفقه ، والا فهى ريحانة يحق شمها واستطابتها.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٩٧ ، وأخرى ص ١٩٨ ، ولفظه لابأس بالمرءة المسلمة الحرة أن تصلى وهى مكشوفة الرأس ، أقول : ويحمل على ما اذا صلت في بيتها عند المحارم.

١٨٠