الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

وقلت لعلي عليه‌السلام حين يغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن القوم فعلوا كذا وكذا وإن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا.

فقال علي عليه‌السلام : يا سلمان فهل تدري من أول من يبايعه على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقلت لا إلا أني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.

قال لست أسألك عن هذا ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد.

فقال لي علي عليه‌السلام يا سلمان وهل تدري من هو؟ قلت لا ولكني ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال علي إن ذلك إبليس لعنه الله أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إياي بغدير خم بأمر الله تعالى فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأتاه أبالسة ومردة أصحابه فقالوا إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل قد علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم ، فانطلق إبليس كئيبا حزينا فأخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لو قد قبض أن الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا ثم تجتمع شياطينه وأبالسته فيخر ويكسع (١) ثم يقول كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله؟

فقال سلمان فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلا فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رءوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة.

قلت لسلمان من الأربعة؟

قال أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام.

__________________

(١) يكسع : يضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.

٨١

ثم أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا نصحبك بكرة فما منهم أحد وفى غيرنا ثم الليلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا.

فلما رأى علي عليه‌السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ فبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع فبعث إليه إني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنادى عليه‌السلام بأعلى صوته أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب ، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمني تأويلها.

فقالوا لا حاجة لنا به عندنا مثله.

ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر أرسل إلى علي فليبايع فإنا لسنا في شيء حتى يبايع ولو قد بايع أمناه وغائلته فأرسل أبو بكر رسولا أن أجب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه الرسول فأخبره بذلك.

فقال علي عليه‌السلام ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال اذهب فقل أجب أمير المؤمنين أبا بكر فأتاه فأخبره بذلك.

فقال علي عليه‌السلام سبحان الله والله ما طال العهد بالنبي مني وإنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي وقد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا أمر من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نعم حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

قال فانطلق الرسول إلى أبي بكر فأخبره بما قال فكفوا عنه يومئذ فلما كان الليل حمل فاطمة عليها‌السلام على حمار ثم دعاهم إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرنا أربعة ، فإنا حلقنا رءوسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا.

وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام لما رأى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا والآخر أفظهما وأغلظهما وأخشنهما وأجفاهما.

فقال من نرسل إليه؟ فقال عمر أرسل إليه قنفذا وكان رجلا فظا غليظا جافيا من

٨٢

الطلقاء أحد بني تيم فأرسله وأرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن فأبى علي عليه‌السلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا لم يأذن لنا فقال عمر هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه.

فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها‌السلام أحرج عليكم (١) أن تدخلوا بيتي بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا إن فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها فغضب عمر وقال ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليه‌السلام والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته ثم قال لقنفذ إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم نارا.

فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود وحالت فاطمة عليها‌السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (٢) من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة بيتها فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها.

ثم انطلقوا بعلي عليه‌السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلي هذا جزاء مني وبالله لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم فلعن الله قوما بايعوني ثم خذلوني.

فانتهره عمر فقال بايع فقال وإن لم أفعل؟ قال إذا نقتلك ذلا وصغارا قال إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا نقر لك به قال عليه‌السلام أتجحدون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين نفسه وبيني ـ فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم أقبل علي عليه‌السلام فقال :

يا معاشر المهاجرين والأنصار أنشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزاة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع شيئا قاله فيه عليه‌السلام علانية للعامة إلا ذكره فقالوا اللهم نعم.

__________________

(١) التحرج : التضييق وعدم الاذن والالجاء.

(٢) الدملوج : حلى يلبس في المعصم.

٨٣

فلما خاف أبو بكر أن ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال كل ما قلته قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بعد هذا إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة.

فقال علي عليه‌السلام أما أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد هذا معك؟ قال عمر صدق خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمعنا منه هذا كما قال وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال لهم لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو أماته أن تزووا هذا الأمر عنا أهل البيت.

فقال أبو بكر وما علمك بذلك أطلعناك عليها؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد أذكركم بالله وبالإسلام أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك لي وعد فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟ قالوا اللهم نعم قد سمعناه يقول ذلك لك فقلت له بأبي أنت وأمي يا نبي الله فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟ ـ فقال لك إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وإن لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك.

فقال علي عليه‌السلام أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لجاهدتكم في الله ولله أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة.

ثم نادى قبل أن يبايع يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) ثم تناول يد أبي بكر فبايعه فقيل للزبير بايع الآن فأبى فوثب عليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسر فقال الزبير وعمر على صدره يا ابن صهاك أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني ثم بايع.

قال سلمان ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها مثل السلعة (٢) ثم فتلوا يدي فبايعت مكرها ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين وما من الأمة أحد بايع مكرها غير علي وأربعتنا.

ولم يكن أحد منا أشد قولا من الزبير فلما بايع قال يا ابن صهاك أما والله لو لا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت من جبنك ولؤمك ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم فغضب عمر فقال أتذكر صهاك؟ فقال الزبير ومن صهاك وما يمنعني من ذلك؟ وإنما كانت صهاك أمة حبشية لجدي عبد المطلب فزنى بها نفيل

__________________

(١) الأعراف : ١٥.

(٢) السلعة : خراج كهيئة الغدة.

٨٤

فولدت أباك الخطاب ـ فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته فإنه لعبد جدي فولد زنا فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل [ واحد ] منهما عن صاحبه.

فقال سليم فقلت يا سلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال قد قلت بعد ما بايعت تبا لكم سائر الدهر أوتدرون ما ذا صنعتم بأناسكم أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها ـ فقال لي عمر أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له.

قال قلت فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم وقال قل ما شئت أليس قد بايع ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك قال قلت فإني أشهد أني قرأت في بعض كتب الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم قال قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا.

قال قلت فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ ) (١) فقال إنك أنت هو فقال عمر اسكت. قال قلت أسكت الله نأمتك (٢) أيها العبد يا ابن اللخناء (٣) فقال لي علي عليه‌السلام اسكت يا سلمان فسكت فو الله لو لا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شيء نزل فيه وفي صاحبه فلما رأى ذلك عمر أنه قد سكت قال إنك له مطيع مسلم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد شيئا كما قال سلمان.

قال عمر يا سلمان ألا تكف عنا كما كف صاحباك فو الله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لهم ولحقهم فقد كفا كما ترى وبايعا فقال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد وتعظيمهم لعن الله من أبغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد الناس على أدبارهم القهقرى وقد فعل ذلك بهم.

فقال عمر آمين فلعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها حق وما هم وعرض الناس في هذا الأمر إلا سواء قال أبو ذر فلم خاصمتهم بحقهم وحجتهم فقال علي عليه‌السلام يا ابن صهاك فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب.

فقال عمر كف الآن يا أبا الحسن إذا بايعت فإن العامة رضوا بصحابتي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟ قال علي عليه‌السلام لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما

__________________

(١) الفجر : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) النامة : الصوت ، يقال « اسكت الله نامته » أي نغمته وصوته.

(٣) اللخناء : المرأة المنتنة الفرج.

٨٥

وآزركما بسخط من الله وعذابه وخزيه ويلك يا ابن الخطاب أوتدري مما خرجت وفيم دخلت وما ذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك فقال أبو بكر يا عمر أما إذا بايع وأمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء.

فقال علي عليه‌السلام لست بقائل غير شيء واحد أذكركم بالله أيها الأربعة يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد أسمعتم رسول الله يقول إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب فسألناه عنهم وأنتم شهود فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه وفرعون الفراعنة نمرود و ( الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم أما أحدهما فهود اليهود والآخر نصر ـ النصارى (١) وإبليس سادسهم والدجال في الآخرين ـ وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي والتظاهر عليك بعدي هذا وهذا وهذا حتى عدهم وسماهم.

قال سلمان فقلنا صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عثمان يا أبا الحسن أما عندك وعند أصحابك هؤلاء في حديث؟ فقال بلى قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك فغضب عثمان فقال ما لي ولك أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولا بعده؟ فقال الزبير نعم فأرغم الله أنفك فقال عثمان فو الله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن الزبير يقتل مرتدا عن الإسلام قال سلمان فقال لي علي عليه‌السلام فيما بيني وبينه صدق عثمان وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدا عن الإسلام.

قال سليم ثم أقبل علي سلمان فقال إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من عصمه الله بآل محمد إن الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : لما استخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبر فقالت لهم خلوا عن ابن عمي فو الذي بعث محمدا أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسي ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي قال سلمان رضي الله

__________________

(١) يعني أحدهما غير دين موسى وحرف كتابه بعده ، والآخر غير دين عيسى وحرف كتابه بعده.

٨٦

عنه كنت قريبا منها فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ فدنوت منها فقلت يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.

وروي عن الباقر عليه‌السلام أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر اكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك فإن في قدومه قطع الشنيعة عنا فكتب أبو بكر إليه من أبي بكر خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أسامة بن زيد أما بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام.

قال فكتب أسامة إليه جواب كتابه من أسامة بن زيد عامل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على غزوة الشام أما بعد فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله وذكرت في آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك أمرنا وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي يوم الغدير فما طال العهد فتنسى انظر مركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليك وعلى صاحبك ولم يعزلني حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذن.

فأراد أبو بكر أن يخلعها من عنقه قال فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ولكن ألح عليه بالكتب والرسائل ومر فلانا وفلانا أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا.

قال فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه الناس من المنافقين أن ارض بما اجتمعنا عليه وإياك أن تشتمل المسلمين فتنة من قبلك فإنهم حديثو عهد بالكفر.

قال فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له ما هذا؟ قال له علي هذا ما ترى؟ قال له أسامة فهل بايعته؟ فقال نعم يا أسامة فقال طائعا أو كارها فقال لا بل كارها قال فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر وقال له السلام عليك يا خليفة المسلمين قال فرد عليه أبو بكر وقال السلام عليك أيها الأمير

وروي : أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبويع لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتابا عنوانه من خليفة رسول الله إلى أبي قحافة أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا كان أقر لعينك.

٨٧

قال فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول ما منعكم من علي؟ قال هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها وأبو بكر أسن منه قال أبو قحافة إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر لقد ظلموا عليا حقه وقد بايع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرنا ببيعته.

ثم كتب إليه من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر أما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا مرة تقول خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها منك فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك.

وعن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال : لما قال المنافقون إن أبا بكر تقدم عليا وهو يقول أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال صبرا على من ليس يئول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية أظهر الإيمان ذلة وأسر النفاق غلة هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أني أقول إني أفضل من علي وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته وحد الله وأنا ملحده وعبده علي قبل أن أعبده ووالى الرسول وأنا عدوه وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره وإن علي بن أبي طالب فاز والله من الله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الإيمان برتبة لو جهد الأولون والآخرون إلا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه بذل في الله مهجته ولابن عمه مودته كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق.

محنة لهذا العالم لحق قبل أن يلاحق وبرز قبل أن يسابق جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمل أن ينال درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا وللنبي وصيا وللخلافة راعيا وبالإمامة قائما أفيغتر الجاهل بمقام قمته إذ أقامني وأطعته إذ أمرني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحق مع علي وعلي مع الحق من أطاع عليا رشد ومن عصى عليا فسد ومن أحبه سعد ومن أبغضه شقي.

والله لو لم يحب ابن أبي طالب إلا لأجل أنه لم يواقع لله محرما ولا عبد من دونه صنما ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب فكيف لأسباب أقلها موجب وأهونها مرغب للرحم الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل وخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك مجدها ود المتمنون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبي طالب أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى الله وإلى رسوله.

وعن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال : إني لعند أبي بكر إذ طلع علي

٨٨

والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر يكفيكم القصير الطويل يعني بالقصير عليا وبالطويل العباس فقال العباس أنا عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته.

فقال أبو بكر فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطلب وأنت أحدهم؟ فقال أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي ينجز عدتي ويقضي ديني فأحجمتم عنها إلا علي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت كذلك.

فقال العباس فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه قال أبو بكر اعذروني يا بني عبد المطلب٠

وروى رافع بن أبي رافع الطائي عن أبي بكر وقد صحبه في سفر قال قلت له يا أبا بكر علمني شيئا ينفعني الله به قال قد كنت فاعلا ولو لم تسألني ( لا تُشْرِكْ بِاللهِ ) شيئا وأقم الصلاة وآت الزكاة وصم شهر رمضان وحج البيت واعتمر ولا تأمرن على اثنين من المسلمين.

قال قلت له أما ما أمرتني به من الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة فأنا أفعله وأما الإمارة فإني رأيت الناس لا يصيبون هذا الشرف وهذا الغنى والعز والمنزلة عند رسول الله إلا بها قال إنك استنصحتني فأجهدت نفسي لك.

فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستخلف أبو بكر جئته وقلت له يا أبا بكر ألم تنهني أن أتأمر على اثنين؟ قال بلى قلت فما بالك تأمرت على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال اختلف الناس وخفت عليهم الضلالة ودعوني فلم أجد من ذلك بدا.

وروي أن أبا بكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتل علي عليه‌السلام وضمن ذلك لهما فسمعت ذلك الخبر أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر في خدرها فأرسلت خادمة لها وقالت ترددي في دار علي وقولي له الملأ ( يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ) (١) ففعلت الجارية وسمعها علي عليه‌السلام فقال رحمها الله قولي لمولاتك فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين؟

ووقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان أخفى واختيرت للسدفة (٢) والشبهة فإنهم كانوا يغلسون (٣) بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل ولكن ( اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) وكان أبو بكر قال لخالد بن الوليد إذا انصرفت من صلاة الفجر فاضرب عنق علي ـ فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وأبو بكر في الصلاة يفكر في العواقب فندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على نفسه فقال قبل أن يسلم في صلاته يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ثلاثا ـ

__________________

(١) القصص : ٢٠.

(٢) السدفة : ظلمة فيها ضوء من أول النهار وآخره.

(٣) الغلس : ظلمة آخر الليل ، يغسلون بالصلاة : يصلون الغلس.

٨٩

وفي رواية أخرى لا يفعلن خالد ما أمر به.

فالتفت علي عليه‌السلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه فقال يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال بقتلك يا أمير المؤمنين قال أوكنت فاعلا؟ فقال إي والله لو لا أنه نهاني لوضعته في أكثرك (١) شعرا فقال له علي عليه‌السلام كذبت لا أم لك من يفعله أضيق حلقة است منك أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين ( شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً )

وفي رواية أخرى لأبي ذر رحمه الله : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أخذ خالدا بإصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة ففزع الناس وهمتهم أنفسهم وأحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلم فقال أبو بكر لعمر هذه مشورتك المنكوسة كأني كنت أنظر إلى هذا وأحمد الله على سلامتنا وكلما دنا أحد ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعبا فبعث أبو بكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه وأقسم عليه فقال بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وأمهما إلا تركته ففعل ذلك وقبل العباس بين عينيه.

احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء عليها‌السلام فدك بالكتاب والسنة

عن حماد بن عثمان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك (٣) من أخرج وكيل فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله منها ،

__________________

(١) يريد الرأس لأنه أكثر الأعضاء شعرا.

(٢) قال العلامة الحلي في خلاصته ص ٥٦ : حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم كوفي وكان يسكن عرزم فذهب إليها واخوه عبد الله ثقتان رويا عن ابي عبد الله عليه‌السلام وروى حماد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) ومات حماد في الكوفة رحمه‌الله سنة تسعين ومائة ذكرهما أبو العباس في كتابه.

(٣) « فدك » : قرية في الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة وهي أرض يهودية ، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على النصف من فدك ، وروي أنه صالحهم عليها كلها فصارت ملكا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (عليها‌السلام) وكانت بيدها في عهد أبيها وبعد وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الأول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة ردها إلى ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما ولي عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم فلما صار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان ثلثها ، وعمر بن عثمان ثلثا ، ويزيد ابنه ثلثها الآخر ، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان ، فلما ولي الأمر ردها لولد فاطمة (عليها‌السلام) ، ثم انتزعها يزيد بن عبد الملك من أولاد فاطمة وظلت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.

فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي عليه‌السلام ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بني الحسن ، وردها المهدي بن المنصور على الفاطميين ، ثم انتزعها موسى بن المهدي من أيديهم ، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار من أهل ـ

٩٠

فجاءت فاطمة الزهراء عليها‌السلام إلى أبي بكر ثم قالت لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى؟

فقال هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أم أيمن امرأة من أهل الجنة؟ (١) فقال بلى قالت فأشهد أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) (٢) فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله فجاء علي عليه‌السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها فدخل عمر فقال ما هذا الكتاب؟ فقال إن فاطمة عليها‌السلام

__________________

ـ طبرستان وردها المعتضد ، وحازها المكتفي ، وقيل أن المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده قال ابن أبي الحديد : ـ في شرح النهج ـ وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل. وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن لا يتقوى علي بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ.

وقال أيضا : وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغريبة ببغداد فقلت له : أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم قلت :

فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشيء لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي. راجع : معجم البلدان لياقوت الحموي ص ٣٤٢ ج ٦ ، أعيان الشيعة ص ٥٩٠ ج ٢ ، فدك في التاريخ للسيد الصدر ، فتوح البلدان للبلاذري ص ٢٦ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣.

(١) أم أيمن : مولاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحاضنته. اسمها : بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان ، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة ، وإلى المدينة ، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في أحد تسقي الماء وتداوي الجرحى. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخاطبها يا أمه ويقول : « هي امي بعد امي » وكان إذا نظر إليها يقول : « هذه بقية أهل بيتي ».

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : « روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنها أنس بن مالك وحنش بن عبد الله الصنعاني وأبو يزيد المدني ».

وكنيت بابنها أيمن بن عبيد وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعد عبيد الحبشي قيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (عليه‌السلام) فصارت للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ميراثا وقيل إنها كانت لامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وروي انها كانت لاخت خديجة فوهبتها للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلما تزوج من خديجة (عليها‌السلام) أعتقها وفي الإصابة : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن » ... وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري أنها توفيت بعد النبي بخمسة أشهر.

راجع الإصابة ص ٤١٥ ج ٤ ، تهذيب التهذيب ص ٤٥٩ ج ١٢ ، أعلام النساء ص ١٠٧ ج ١ ، طبقات ابن سعد ، البخاري قاموس الرجال أعيان الشيعة أسد الغابة ج ٥ ص ٥٦٧.

(٢) قال الطبرسي في مجمع البيان : « وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزال الحسيني قراءة قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسكاني قال حدثنا الحاكم الوالد أبو محمد قال حدثنا عبد الله عن عمر بن عثمان ببغداد شفاها قال : أخبرني عمر بن الحسن بن علي بن مالك ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الأحمسي قال حدثنا حسن بن حسين قال : حدثنا أبو معمر سعيد بن خثيم وعلي بن القاسم الكندي ويحيى بن يعلى وعلي بن مسهر عن فضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزل قوله : ( آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدكا. قال عبد الرحمن بن صالح كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك فكتب إليه عبد الله بهذا الحديث رواه الفضل بن مرزوق عن عطية فرد المأمون فدكا إلى ولد فاطمة انتهى.

٩١

ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي عليه‌السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها‌السلام تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه‌السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ملكته في حياة رسول الله (ص)؟

فقال أبو بكر هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا قال فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال إياك أسأل البينة قال فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم (١) فسكت أبو بكر فقال عمر يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال نعم قال أخبرني عن قول الله عز وجل : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال بل فيكم قال فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين ـ قال إذن كنت عند الله من الكافرين قال ولم؟ قال لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها وأخذت منها فدكا وزعمت أنه فيء للمسلمين وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فرددت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه قال فدمدم الناس وأنكروا ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا صدق والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام ورجع إلى منزله.

قال ثم دخلت فاطمة المسجد وطافت بقبر أبيها وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

__________________

(١) إذ أنها عليها‌السلام كانت صاحبة اليد والمسلمون يمثلون دور المدعي.

(٢) روى محب الدين الطبري في ذخائر العقبى عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) سورة الأحزاب آية : ٢٣ في بيت أم سلمة رضي الله عنها فدعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله؟ قال : « أنت على مكانك وأنت على خير ».

٩٢

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (١)

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنا فكل الخير محتجب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك ينزل من ذي العزة الكتب

تجهمتنا رجال واستخف بنا

إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منا العيون بتهمال لها سكب

قال فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما ـ وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه ثم قال له أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم والله لئن قعد مقعدا آخر مثله ليفسدن علينا أمرنا فما الرأي؟ فقال عمر الرأي أن تأمر بقتله قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد (٢)

__________________

(١) في كشف الغمة : ثم التفتت إلى قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة اثاثة :

وقد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك لما غبت وانقلبوا

(٢) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي.

قال ابن حجر ـ في الإصابة ـ : « وشهد مع كفار قريش الحروب إلى غزوة الحديبية ، كما ثبت في الصحيح : أنه كان على خيل قريش طليعة ، ثم أسلم في سنة سبع بعد خيبر وقيل قبلها ، ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس ».

وقال ابن الأثير ـ في أسد الغابة ـ : « ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل فتح مكة ولما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة بعثه الى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي فقتل منهم من لم يجز قتله. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ». فأرسل مالا مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فودى القتلى وأعطاهم ثمن ما اخذ منهم حتى ثمن ميلغة الكلب ، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم فلما اخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك استحسنه .. » ..

و ( قال ) فيه أيضا : « ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قتال المرتدين منهم مسيلمة الحنفي في اليمامة ، وله في قتالهم الأثر العظيم ، و ( منهم ) : مالك ابن نويرة من بني يربوع من تميم وغيرهم إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة فقيل : ( إنه قتل مسلما ) لظن ظنه خالد به ، وكلام سمعه منه ، وأنكر عليه أبو قتادة وأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته ، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب .. » ..

و ( قال ) في أسد الغابة أيضا ـ في ترجمة مالك بن نويرة ـ : « فلما فرغ خالد من بني أسد وغطفان ، سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به أحدا كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث سراياه فأتى بمالك بن نويرة ونفر من قومه فاختلف السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة وكان فيمن شهد أنهم أذنوا او أقاموا وصلوا فحبسهم في ليلة باردة ، وأمر خالد فنادى : ادفنوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة : القتل ـ فقتلوهم فسمع خالد الواعية ، فخرج وقد قتلوا ، فتزوج خالد امرأته ، فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه فقال أبو بكر : تأول فأخطأ ولا اشيم سيفا سله الله على المشركين ، وودى مالكا ، وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته لأرجمنك ».

( قال ) : « وقيل : إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا ، أخذوا السلاح فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم ، ضعوا السلاح فوضعوه وصلوا وكان خالد يعتذر في قتله ، أن مالكا قال : ما أخال صاحبكم إلا قال كذا فقال أو ما تعده لك صاحبا؟ فقتله ، فقدم متمم على أبي بكر ، يطلب بدم أخيه وأن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي ، وودى مالكا من بيت المال ، فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد .. » انتهى.

وجعله أبو بكر واليا من قبله على الشام فلما ولي عمر الخلافة عزله ومات فيها بحمص في خلافة عمر. ـ

٩٣

فبعثا إلى خالد بن الوليد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم قال احملاني على ما شئتما ولو على قتل علي بن أبي طالب ـ قالا فهو ذلك قال خالد متى أقتله؟ قال أبو بكر احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت فقم إليه واضرب عنقه قال نعم.

فسمعت أسماء بنت عميس (١) وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهم‌السلام وأقرئيهما السلام وقولي لعلي ( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) فجاءت فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام قولي لها إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون.

ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد وصلى خلف أبي بكر وخالد بن الوليد يصلي بجنبه ومعه السيف فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وعرف شدة علي وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه قد سها.

__________________

ـ راجع الإصابة لابن حجر ج ١ ص ٤١٢ ، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ٩٣ ابن أبي الحديد ج ٤ من شرح النهج الاستيعاب ).

(١) أسماء بنت عميس الخثعمية : هي اخت ميمونة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واخت لبابة زوج العباس بن عبد المطلب وأم الفضل وعبد الله.

هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب (عليه‌السلام) إلى الحبشة.

ذكر ابن الأثير في ( أسد الغابة ) : « أن عمر بن الخطاب قال لها : نعم القوم لو لا أننا سبقناكم إلى الهجرة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : « بل لكم هجرتان : إلى أرض الحبشة ، وإلى المدينة انتهى » وأعقبت أسماء من جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنان (عليه‌السلام) ثمانية بنين وهم : عبد الله ، وعون ، ومحمد الأكبر ، ومحمد الأصغر وعبد الله الأكبر ، وعبد الله الأصغر ، وحميد. وحسين.

أما ( محمد الأكبر ) فقتل مع عمه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بصفين.

وأما ( عون ) و ( محمد الأصغر فقتلا مع ابن عمهما الحسين عليه‌السلام يوم الطف.

أما ( عبد الله الأكبر ) فهو أحد أجواد بني هاشم الأربعة وهم : « الحسن والحسين (عليهما‌السلام) وعبد الله بن العباس وهو الرابع » ولم يبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طفلا غير هؤلاء الأربعة.

ولد بأرض الحبشة ، وله في الجود أخبار كثيرة حتى لقب بقطب السخاء ، حضر مع عمه صفين ، وعقد له يوم الجمل على عسرة آلاف ، وليس لجعفر عقب إلا منه.

فلما قتل جعفر بن أبي طالب (عليه‌السلام) تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيب علي عليه‌السلام وربيب حجره وواليه على مصر ، قتله معاوية بن أبي سفيان ، وللإمام (عليه‌السلام) عند قتل محمد بن أبي بكر خطبة موجودة في النهج ولما مات أبو بكر ، تزوجها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فأولدت له « يحيى » بإجماع ، واختلف في عون بن علي بن أبي طالب فقيل إنه منها.

وروي أنها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فأولدت له بنتا اسمها أمامة.

في كشف الغمة : « عن أسماء بنت عميس قالت : أوصتني فاطمة (عليها‌السلام) أن لا يغسلها إلا أنا وعلي فغسلتها أنا وعلي عليه‌السلام راجع : الإصابة ج ٤ ص ٢٢٥ ، أسد الغابة ج ٥ ص ٣٩٥ ، أعلام النساء ج ١ ص ٤٦ ريحانة الأدب شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤ كشف الغمة للإربلي أعيان الشيعة.

٩٤

ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعلن ما أمرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا خالد ما الذي أمرك به؟ فقال أمرني بضرب عنقك قال أوكنت فاعلا؟ قال إي والله لو لا أنه قال لي لا تقتله قبل التسليم لقتلتك.

قال فأخذه علي عليه‌السلام فجلد به الأرض فاجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة فقال الناس يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب القبر فخلى عنه ثم التفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه وقال يا ابن صهاك والله لو لا عهد من رسول الله و ( كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) ـ لعلمت أينا ( أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ) ودخل منزله.

رسالة لأمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أبي بكر لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليها‌السلام فدك

شقوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة وحطوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر واستضاءوا بنور الأنوار واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار واحتقبوا (١) ثقل الأوزار بغصبهم نحلة النبي المختار فكأني بكم تترددون في العمى كما يتردد البعير في الطاحونة أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رءوسكم عن أجسادكم كحب الحصيد بقواضب من حديد ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم وأوحش به محالكم فإني مذ عرفت مردي العساكر ومفني الجحافل ومبيد خضرائكم ومخمد ضوضائكم وجرار الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون وإني لصاحبكم بالأمس لعمر أبي وأمي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أحد.

أما والله لو قلت ما سبق من الله فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوارة الرحى فإن نطقت يقولون حسدا ـ وإن سكت فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت هيهات هيهات الساعة يقال لي هذا وأنا المميت المائت وخواض المنايا في جوف ليل حالك حامل السيفين الثقيلين والرمحين الطويلين ومنكس الرايات في غطامط الغمرات (٢) ومفرج الكربات عن وجه خير البريات إيهنوا فو الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمه هبلتكم الهوابل (٣) لو بحت بما أنزل الله سبحانه في كتابه فيكم لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (٤) ولخرجتم من بيوتكم هاربين وعلى وجوهكم هائمين ولكني أهون وجدي حتى ألقى ربي ـ بيد جذاء صفراء من لذاتكم خلو من طحناتكم فما مثل دنياكم

__________________

(١) احتقبوا : حملوا على ظهورهم.

(٢) غطامط : عظيم الأمواج والغمرات جمع غمرة وهي : الشدة وغمرة الشيء شدته ومزدحمة.

(٣) هبلت فلانا أمه : ثكلته فهي هابل.

(٤) الارشية جمع رشاء : هو حبل الدلو ، والطوى السقاء الذي يجعلون فيها الماء.

٩٥

عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى ثم استغلظ فاستوى ثم تمزق فانجلى.

رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل (١) وتجنون ثمر فعلكم مرا وتحصدون غرس أيديكم ذعافا ممقرا (٢) وسما قاتلا وكفى بالله حكيما وبرسول الله خصيما وبالقيامة موقفا فلا أبعد الله فيها سواكم ولا أتعس فيها غيركم ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).

فلما أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا وقال يا سبحان الله ما أجرأه علي وأنكله عن غيري.

معاشر المهاجرين والأنصار ـ تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلتم إن الأنبياء لا يورثون وإن هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفيء وتصرف في ثمن الكراع والسلاح وأبواب الجهاد ومصالح الثغور فأمضينا رأيكم ولم يمضه من يدعيه وهو ذا يبرق وعيدا ويرعد تهديدا إيلاء بحق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يمضحها (٣) دما ذعافا والله لقد استقلت منها فلم أقل واستعزلتها عن نفسي فلم أعزل كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب وهربا من نزاعه ما لي ولابن أبي طالب أهل نازعه أحد ففلج (٤) عليه.

فقال له عمر أبيت أن تقول إلا هكذا ـ فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان الله ما أهلع (٥) فؤادك وأصغر نفسك قد صفيت لك سجالا (٦) لتشربها فأبيت إلا أن تظمأ كظمائك وأنخت لك رقاب العرب وثبت لك الإشارة والتدبير ولو لا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صير عظامك رميما فأحمد الله على ما قد وهب لك مني وأشكره على ذلك فإنه من رقي منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان حقيقا عليه أن يحدث لله شكرا وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماؤها إلا بعد كسرها ـ والحية الرقشاء التي لا تجيب إلا بالرقى والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت إلا مرا قتل سادات قريش فأبادهم وألزم خرهم العار ففضحهم فطب عن نفسك نفسا ولا تغرنك صواعقه ولا يهولنك رواعده وبوارقه فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك.

فقال له أبو بكر ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من أغاليطك وتربيدك فو الله لو هم ابن أبي طالب بقتلي وقتلك ـ لقتلنا بشماله دون يمينه وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث خصال أحدها أنه وحيد ولا ناصر له والثانية أنه ينتهج فينا وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والثالثة أنه

__________________

(١) القسطل : الغبار الساطع في الحرب.

(٢) الذعاف : السم الذي يقتل من ساعته. والممقر : المر.

(٣) وفي نسخة يمضخها.

(٤) فلج عليه : فاز.

(٥) الهلع : الجبن عند اللقاء.

(٦) السجال جمع سجل وهو : دلو عظيم فيه ماء.

٩٦

ما من هذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه (١) كتخضم الثنية الإبل أوان الربيع فتعلم لو لا ذلك رجع الأمر إليه وإن كنا له كارهين أما إن هذه الدنيا أهون إليه من لقاء أحدنا للموت أنسيت له يوم أحد وقد فررنا بأجمعنا وصعدنا الجبل وقد أحاطت به ملوك القوم وصناديدهم موقنين بقتله لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أم رأسه فبقي على فك واحد ولسان ـ ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض يتمرغون في حسرات المنايا يتجرعون كئوس الموت قد اختطف أرواحهم بسيفه ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتى ابتدأت منك إليه التفاته وكان منه إليك ما تعلم ولو لا أنه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين وهو قوله تعالى ( وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ ) (٢).

فاترك هذا الرجل ما تركك ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله فإنه لا يجسر على ذلك ولو رام لكان أول مقتول بيده فإنه من ولد عبد مناف إذا هاجوا هيبوا وإذا غضبوا أدموا ولا سيما علي بن أبي طالب عليه‌السلام نابها الأكبر وسنامها الأطول وهامتها الأعظم ، ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).

احتجاج فاطمة الزهراء عليها‌السلام على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة بالإمامة

روى عبد الله بن الحسن (٣) بإسناده عن آبائه عليهم‌السلام أنه لما أجمع (٤) أبو بكر وعمر على منع

__________________

(١) في بعض النسخ « يتهضمه كتهضم ».

(٢) آل عمران / ١٢٥.

(٣) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن (عليه‌السلام) وأمه فاطمة بنت الحسين (عليه‌السلام) وكان يشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكان شيخ بني هاشم في زمانه ، وقيل له : بما صرتم أفضل الناس؟ قال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد. وقال أبو الفرج الأصفهاني ـ في مقاتل الطالبيين ـ عند ذكر من قتل أيام أبي جعفر المنصور : « وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته وجماعة من أهل بيته بالمدينة ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها ، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس .. ـ إلى أن قال ـ : وعبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) يكنى أبا محمد .. ـ إلى أن قال ـ : وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية ، وهو ابن خمس وسبعين ، سنة خمس وأربعين ومائة ».

وفي معجم البلدان : والهاشمية أيضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى أن قال وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ومن كان معه من أهل بيته.

(٤) أجمع : أحكم النية والعزيمة.

٩٧

فاطمة عليها‌السلام فدكا وبلغها ذلك (١) لاثت خمارها (٢) على رأسها واشتملت بجلبابها (٣) وأقبلت في لمة (٤) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (٥) ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) حتى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (٧) فنيطت دونها ملاءة (٨) فجلست ثم أنت أنة أجهش (٩) القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت عليها‌السلام :

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته وإظهارا لقدرته تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : قال أبو بكر ـ يعني : الجوهري فحدثني محمد بن زكريا قال : حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال : حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال : حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب (ع).

قال : وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.

قال أبو بكر : وحدثني عثمان بن عمران الجعفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر بن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام.

قال أبو بكر : وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ... الخ.

(٢) اللوث : الطي والجمع ، ولاث العمامة شدها وربطها ، ولاثت خمارها لفته والخمار ـ بالكسر ـ : المقنعة ، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى.

(٣) الاشتمال بالشيء : جعله شاملا ومحيطا لنفسه ـ والجلباب : الرداء والإزار.

(٤) في لمة : أي جماعة ، وفي بعض النسخ « في لميمة » بصيغة التصغير ، أي جماعة قليلة ، والحفدة ـ بالتحريك ـ: الأعوان والخدم.

(٥) أي إن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي ، وفي بعض النسخ « تجر أدراعها » والمعنى واحد.

(٦) الخرم ـ بضم الخاء وسكون الراء ـ : الترك ، والنقص ، والعدول.

(٧) الحشد. الجماعة.

(٨) نيطت : علقت وناط الشيء : علقه ، والملامة الإزار.

(٩) أجهش القوم : تهيئوا.

٩٨

وحياشة (١) لهم إلى جنته.

وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمآيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور.

ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ظلمها وكشف عن القلوب بهمها (٢) وجلى عن الأبصار غممها (٣) وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم.

ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار صلى الله على أبي نبيه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم زعيم حق له فيكم وعهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه قائدا [ قائد ] إلى الرضوان أتباعه مؤد إلى النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة.

فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك والصلاة تنزيها لكم عن الكبر والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق والصيام تثبيتا للإخلاص والحج تشييدا للدين والعدل تنسيقا للقلوب وطاعتنا نظاما للملة وإمامتنا أمانا للفرقة والجهاد عزا للإسلام والصبر معونة على استيجاب الأجر والأمر بالمعروف مصلحة للعامة وبر الوالدين وقاية من السخط وصلة الأرحام منسأة في العمر (٤) ومنماة للعدد والقصاص حقنا للدماء والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس واجتناب القذف حجابا عن اللعنة وترك السرقة إيجابا للعفة وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية فـاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ

__________________

(١) حاش الإبل : جمعها وساقها.

(٢) بهمها : أي مبهماتها : وهي المشكلات من الأمور.

(٣) الغمم : جمع غمة وهي : المبهم والملتبس وفي بعض النسخ ( عماها )

(٤) منسأة للعمر : مؤخرة.

٩٩

ثم قالت أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أقول عودا وبدوا ولا أقول ما أقول غلطا ولا أفعل ما أفعل شططا (١) ، ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) (٢) ( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) فإن تعزوه (٣) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ـ وأخا ابن عمي دون رجالكم (٤) ولنعم المعزي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة (٥) مائلا عن مدرجة المشركين (٦) ضاربا ثبجهم (٧) آخذا بأكظامهم (٨) داعيا إلى سبيل ربه ( بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) يجف [ يجذ ] الأصنام (٩) وينكث الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه (١٠) وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين (١١) وطاح وشيظ النفاق (١٢) وانحلت عقد الكفر والشقاق وفهتم بكلمة الإخلاص (١٣) في نفر من البيض الخماص (١٤) و ( كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) مذقة الشارب (١٥) ونهزة الطامع (١٦) وقبسة العجلان وموطئ الأقدام (١٧) تشربون الطرق (١٨) وتقتاتون القد (١٩) أذلة خاسئين ( تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم (٢٠) الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) أو نجم قرن الشيطان (٢١) أو فغرت فاغرة من المشركين (٢٢) قذف أخاه في لهواتها (٢٣) فلا ينكفئ

__________________

(١) الشطط ـ بالتحريك ـ وهو البعد عن الحق ومجاورة الحد في كل شيء.

(٢) عنتم : أنكرتم وجحدتم.

(٣) تعزوه : تنسبوه.

(٤) سيأتي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي (عليه‌السلام) أنت أخي وحديث المؤاخاة مفصلا.

(٥) صادعا : الصدع هو الإظهار ، والنذارة ـ بالكسر ـ الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف.

(٦) المدرجة : هي المذهب والمسلك.

(٧) ثبجهم ، الثبج ـ بالتحريك ـ : وسط الشيء ومعظمه.

(٨) أكظامهم ، الكظم ـ بالتحريك ـ : مخرج النفس من الحلق.

(٩) يجف الأصنام وفي بعض النسخ « يكسر الأصنام » وفي بعضها « يجذ » أي يكسر.

(١٠) تفرى الليل عن صبحه : أي انشق حتى ظهر وجه الصباح.

(١١) شقاشق الشياطين ، الشقاشق ـ جمع شقشقة بالكسر ـ وهي : شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج.

(١٢) طاح : هلك ، والوشيظ : السفلة والرذل من الناس.

(١٣) كلمة الإخلاص : كلمة التوحيد.

(١٤) البيض الخماص : المراد بهم أهل البيت عليهم‌السلام.

(١٥) مذقة الشارب : شربته.

(١٦) نهزة الطامع ـ بالضم ـ : الفرصة أي محل نهزته.

(١٧) قبسة العجلان : مثل في الاستعجال ، وموطئ الأقدار : مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.

(١٨) الطرق : بالفتح ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر.

(١٩) القد ـ بكسر القاف وتشديد الدال ـ : سير يقد من جلد غير مدبوغ.

(٢٠) بهم الرجال : شجعانهم.

(٢١) نجم : ظهر ، وقرن الشيطان : امته وتابعوه.

(٢٢) فغرفاه : أي فتحه ، والفاغرة من المشركين الطائفة منهم.

(٢٣) قذف رمى ، واللهوات ـ بالتحريك ، جمع لهات ـ : وهي اللحمة في أقصى شفة الفم.

١٠٠