الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال :

معاشر الناس هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله.

أقول و ( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ ) بأمر ربي أقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقه اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا فقلت ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (١) اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا أني قد بلغت.

معاشر الناس إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وفي ( النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ).

معاشر الناس هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي والله عز وجل وأنا عنه راضيان وما نزلت آية رضى إلا فيه وما خاطب الله ( الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا بدأ به ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه ولا شهد بالجنة في ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ) إلا له ولا أنزلها في سواه ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله وهو التقي النقي الهادي المهدي نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.

معاشر الناس إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم فإن آدم أهبط إلى الأرض لخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله إنه لا يبغض عليا إلا شقي ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص وفي علي والله نزلت سورة والعصر ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) إلى آخرها.

معاشر الناس قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )

معاشر الناس ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).

معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ).

معاشر الناس النور من الله عز وجل في مسلوك ثم في علي ـ ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق

__________________

(١) آل عمران ٨٥.

٦١

الله وبكل حق هو لنا لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت ( انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم ( بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ ) إنه لبالمرصاد

معاشر الناس إنه سيكون من بعدي أئمة ( يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ).

معاشر الناس إن الله وأنا بريئان منهم.

معاشر الناس إنهم وأنصارهم وأتباعهم وأشياعهم ( فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ولبئس ( مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته ـ قال فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

معاشر الناس إني أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة وسيجعلونها ملكا واغتصابا ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين وعندها ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) فيُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ.

معاشر الناس إن الله عز وجل لم يكن يذركم ( عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ).

معاشر الناس إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها وكذلك يهلك القرى ( وَهِيَ ظالِمَةٌ ) كما ذكر الله تعالى وهذا علي إمامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.

معاشر الناس قد ضل قبلكم ( أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين قال الله تعالى ( أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ. كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (١).

معاشر الناس إن الله قد أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل فاسمعوا لأمره تسلموا وأطيعوا تهتدوا وانتهوا لنهيه ترشدوا وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.

معاشر الناس أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون إلى الحق ( وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ثم قرأ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى آخرها وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت أولئك أولياء ( اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ألا إن ( حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون وإخوان الشياطين الذين ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى

__________________

(١) المرسلات : ١٦ ـ ١٩.

٦٢

بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ).

ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ ) (١) ( اللهَ وَرَسُولَهُ ) (٢) إلى آخر الآية.

ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا ) (٣) ( إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (٤) ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم أن ( طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (٥).

ألا إن أولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل : ( يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٦).

ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا (٧).

ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم ( شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ) ولها زفير (٨) ألا إن أعداءهم الذين قال فيهم : ( كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها ) (٩) الآية ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل : ( كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) (١٠).

ألا إن أولياءهم ( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) (١١).

معاشر الناس شتان ما بين السعير والجنة عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من مدحه الله وأحبه.

معاشر الناس ألا وإني ( مُنْذِرٌ ) وعلي ( هادٍ ).

معاشر الناس إني نبي وعلي وصيي.

ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي.

ألا إنه الظاهر على الدين.

__________________

(١) حاد بتضعيف الدال : خالفه ولم يطع أمره.

(٢) المجادلة : ٢٢.

(٣) أي يستروا ايمانهم بظلم ، فان اللبس في الأصل بمعنى الستر.

(٤) الأنعام : ٨٢.

(٥) هذا المضمون مأخوذ من قوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) الزمر : ٧٣.

(٦) مأخوذ من قوله تعالى : ( فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ) غافر : ٤٠.

(٧) مأخوذ من قوله تعالى ( فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً* وَيَصْلى سَعِيراً ) الانشقاق ١٢.

(٨) إشارة الى قوله تعالى : ( إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ) الفرقان : ١٢.

(٩) الأعراف : ٣٨.

(١٠) الملك : ٨ ـ ٩.

(١١) غرف الماء بيده : أخذه بها ، وهذا إشارة الى ما أخذه علي عليه‌السلام من علوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكثيرة التي هي كالبحر العميق الذي لم يصل الناس الى أعماقه.

٦٣

ألا إنه المنتقم من الظالمين.

ألا إنه فاتح الحصون وهادمها.

ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك.

ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله.

ألا إنه الناصر لدين الله.

ألا إنه الغراف في بحر عميق.

ألا إنه يسم (١) كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله.

ألا إنه خيرة الله ومختاره ألا إنه وارث كل علم والمحيط به.

ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه.

ألا إنه الرشيد السديد ألا إنه المفوض إليه.

ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه.

ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده.

ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته معاشر الناس قد بينت لكم وأفهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي.

ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي (٢) على بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي.

ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل : ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) (٣) الآية.

معاشر الناس إن الحج و ( الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ) والعمرة مِنْ شَعائِرِ اللهِ ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (٤) الآية.

معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا استغنوا ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.

__________________

(١) يسم الشيء : يجعل له علامة يعرف بها.

(٢) صفق يده بالبيعة ، وصفق على يده : ضرب يده على يده ، والمصافقة : المبايعة.

(٣) الفتح : ١٠ ، ونكث العهد والبيع : نقضه ونبذه.

(٤) البقرة : ١٥٨.

٦٤

معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.

معاشر الناس الحجاج معاونون (١) ونفقاتهم مخلفة والله ( لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).

معاشر الناس حجوا البيت بكمال الدين والتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع (٢).

معاشر الناس ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) كما أمركم الله عز وجل لئن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل بعدي ومن خلفه الله مني ومنه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم ما لا تعلمون.

ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

معاشر الناس وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا تغيروه.

ألا وإني أجدد القول ألا ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله عز وجل ومني ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.

معاشر الناس القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده وعرفتكم أنه مني وأنا منه حيث يقول الله في كتابه : ( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (٣) وقلت لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.

معاشر الناس التقوى التقوى احذروا الساعة كما قال الله عز وجل ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) (٤) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب فمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أثيب عليها ( وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ) فليس له في الجنان نصيب.

معاشر الناس إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي وأمر ولده من صلبه من الأئمة نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيا ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين اللذين قد عرفتكم مكانهما مني

__________________

(١) ومعاونون : مساعدون ، ومخلفة : معوضة.

(٢) الاقلاع : الترك ، والمراد منه هنا ترك الذنوب.

(٣) الزخرف : ٢٨.

(٤) الحج : ١.

٦٥

ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك إليكم وإنهما سيدا شباب أهل الجنة وإنهما الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله.

وقولوا أطعنا الله بذلك وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده وأقر بهما بلسانه (٢) ولا نبغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا أشهدنا الله ( وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ) وأنت علينا به شهيد وكل من أطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد.

معاشر الناس ما تقولون فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس فمن اهتدى فلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ومن بايع فإنما يبايع ( اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ).

معاشر الناس فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى و ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية.

معاشر الناس قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بإمرة المؤمنين وقولوا : ( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) وقولوا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ ) الآية.

معاشر الناس إن فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام عند الله عز وجل وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه.

معاشر الناس ( مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وعليا والأئمة الذين ذكرتهم ( فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ).

معاشر الناس ( السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين ، أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

معاشر الناس قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول (فإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (١) اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).

فناداه القوم سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وتداكوا (٣) على رسول الله وعلى علي عليه‌السلام فصافقوا بأيديهم فكان أول من صافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم إلى أن صليت المغرب والعتمة في وقت واحد ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ـ ورسول الله يقول كلما بايع قوم الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين وصارت المصافقة سنة ورسما وربما يستعملها من ليس له حق فيها

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : لما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الخطبة رأى الناس رجلا جميلا بهيا طيب

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) الضمير في ادركهما وأقربهما عائدان على العهد والميثاق ، وتقدير الكلام : قولوا أطعنا الله بالذي ذكرت من العهد والميثاق المأخوذين لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، فمن ادرك منا العهد والميثاق في هذا الاجتماع صافق بيده ، وأقر بالعهد والميثاق بلسانه. وفي العبارة ارتباك ربما يكون ناشئا من سقوط بعض الألفاظ لدى النسخ.

(٣) تداكوا عليه : ازدحموا عليه.

٦٦

الريح فقال تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط ـ ما أشد ما يؤكد لابن عمه وإنه يعقد عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم وبرسوله ويل طويل لمن حل عقده.

قال والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته هيئته ثم التفت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال أما سمعت ما قال هذا الرجل قال كذا وكذا؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال لا قال ذلك الروح الأمين جبرئيل فإياك أن تحله فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنون منك براء

ذكر تعيين الأئمة الطاهرة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واحتجاج الله تعالى بمكانهم على كافة الخلق

روى أبو بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنه قال : قال أبي محمد بن علي لجابر بن عبد الله الأنصاري إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها قال له جابر في أي الأحوال أحببت فخلا به أبي في بعض الأوقات وقال له.

يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

فقال جابر أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة صلوات الله عليها في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهنأتها بولادة الحسين عليه‌السلام ورأيت في يدها لوحا أخضر فظننت أنه من زمرد ورأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس فقلت لها بأمي وأبي أنت يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟

فقالت عليها‌السلام هذا اللوح أهداه الله تعالى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرني بذلك قال جابر فأعطتنيه أمك عليها‌السلام فقرأته واستنسخته.

قال له أبي فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال نعم فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر وأخرج إلى أبي صحيفة من رق وقال يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك فنظر جابر في نسخته وقرأ أبي فما خالف حرف حرفا قال جابر فأشهد بالله أني هكذا رأيت في اللوح مكتوبا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

هذا كتاب ( مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) لمحمد نبيه ورسوله ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.

عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي فإني ( أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ) قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان يوم الدين ( لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ) من رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته ( عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ) فإياي فاعبد وعلي فتوكل إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا وإني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه وجعلت حسينا خازن علمي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة وهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده

٦٧

بعترته أثيب وأعاقب :

أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الصادق الراد عليه كالراد علي حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه وانتجبت بعده موسى وأتيح بعده فتنة عمياء حندس (١) ألا إن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وإن أوليائي لا يشقون.

ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي.

ألا إن المكذب بالثامن مكذب بكل أوليائي علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه وهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي لا يؤمن به عبد إلا جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري.

ثم أكمل ديني بابنه محمد رحمة للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب سيد أوليائي سيذل أوليائي في زمانه وتتهادى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم أولئك أوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).

قال عبد الرحمن بن سالم (٢) قال أبو بصير (٣) لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله

وعن علي بن أبي حمزة (٤) عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ورسولي وأن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وليي وخليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري فأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فر مني

__________________

(١) الحندس : الليل المظلم ، والظلمة الشديدة.

(٢) عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الأشل الكوفي العطار ، وكان سالم بياع المصاحف ، وعبد الرحمن بن سالم اخو عبد الحميد بن سالم له كتاب رجال النجاشي ص ١٧٧.

(٣) ابو بصير يحيى بن القسم الأسدي ، مما أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وعن جماعة آخرين مذكورين في كتب التراجم وانقادوا اليهم بالفقه ، توفي سنة ١٥٠ بعد أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام الكنى والألقاب ١ / ١٧.

(٤) علي بن أبي حمزة مولى الأنصار الكوفي ، روى عن أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن موسى عليهما‌السلام ، وصنف كتبا عدة منها كتاب جامع في أبواب الفقه. رجال النجاشي ص ١٨٨.

٦٨

دعوته وإن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحته.

ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع نداءه وإن دعاني لم أستجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني ( وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟

فقال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم زين العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي الجواد محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي محمد بن الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليهم أجمعين الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم ( يُمْسِكُ ) الله عز وجل ( السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته ولا يواليك إلا مؤمن ولا يعاديك إلا كافر.

فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال يا رسول الله فقد عرفنا علامة خبث الولادة والكافر في حياتك ببغض علي وعداوته فما علامة خبث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الإسلام بلسانه وأخفى مكنون سريرته؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن مسعود إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام إمامكم بعدي وخليفتي عليكم فإذا مضى فالحسن والحسين ابناي إماماكم بعده وخليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم تاسعهم قائم أمتي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لا يحبهم إلا من طابت ولادته ولا يبغضهم إلا من خبثت ولادته ولا يواليهم إلا مؤمن ولا يعاديهم إلا كافر من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله عز وجل ومن جحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عز وجل لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله.

يا ابن مسعود إياك أن تجد في نفسك حرجا مما أقضي فتكفر فو عزة ربي ما أنا متكلف ولا أنا ناطق عن الهوى في علي والأئمة عليهم‌السلام من ولده.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو رافع يديه إلى السماء اللهم وال من والى خلفائي وأئمة أمتي من بعدي وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ولا تخل الأرض من قائم منهم بحجتك إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبيناتك.

٦٩

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه هلكتم وإن تمسكتم به نجوتم ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).

والأخبار في هذا المعنى متواترة لا تحصى كثرة ذكرنا طرفا منها جلاء للأبصار وشفاء لما في الصدور وهدى لقوم ينصفون

ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من اللجاج والحجاج في أمر الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق والإشارة إلى شيء من إنكار من أنكر على من تأمر على علي بن أبي طالب عليه‌السلام تأمره وكيد من كاده من قبل ومن بعد

عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني (١) بإسناده الصحيح عن رجال ثقة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بن عباس وغلام له يقال له ثوبان وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ثم حمل على نفسه وخرج فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه اجلس على الباب ولا تحجب أحدا من الأنصار وتجلاه الغشي وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب وقالوا استأذن لنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال هو مغشي عليه وعنده نساؤه فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البكاء فقال :

من هؤلاء؟ قالوا الأنصار فقال من هاهنا من أهل بيتي قالوا علي والعباس فدعاهما وخرج متوكئا عليهما فاستند إلى جذع من أساطين مسجده وكان الجذع جريد نخل فاجتمع الناس وخطب فقال في كلامه.

معاشر الناس إنه لم يمت نبي قط إلا خلف تركة وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ألا فمن ضيعهم ضيعه الله ألا وإن الأنصار كرشي وعيبتي (٢) التي آوي إليها وإني أوصيكم بتقوى الله والإحسان إليهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.

ثم دعا أسامة بن زيد فقال سر على بركة الله والنصر والعافية حيث أمرتك بمن أمرتك عليه وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمره على جماعة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين وأمره أن يغير على مؤتة (٣) واد في فلسطين فقال له أسامة بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن لي في المقام أياما حتى يشفيك الله فإني متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة فقال أنفذ يا أسامة لما أمرتك ـ فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال.

قال فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الناس طعنوا في عمله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلغني أنكم طعنتم في عمل أسامة وفي عمل أبيه من قبل وايم الله إنه لخليق للإمارة وإن أباه كان خليقا لها وإنه وأباه من أحب الناس إلي فأوصيكم به خيرا فلئن قلتم في إمارته لقد قال قائلكم في إمارة أبيه.

__________________

(١) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن بهلول الشيباني كان سافر في طلب الحديث عمره ، أصله كوفي ، كان في أول عمره ثبتا ثم خلط منتهى المقال ٩ ٢٨٠.

(٢) الكرش : الجماعة من الناس ، وعيال الرجل ، وصغار أولاده والعيبة ما يجعل فيه الثياب ، وعيبة الرجل : موضع سره.

(٣) مؤتة : قرية من قرى البلقان في حدود الشام ، وقيل انها من مشارف الشام على اثني عشر ميلا من أذرح بها قبر جعفر بن أبي طالب وزيد بن أبي حارثة وعبد الله بن رواحة على كل قبر منها بناء منفرد. مراصد الاطلاع ٣ ـ ١٣٣٠.

٧٠

ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيته وخرج أسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة ونادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أن لا يتخلف عن أسامة أحد ممن أمرته فلحق الناس به وكان أول من سارع إليه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فنزلوا في رقاق (١) واحد مع جملة أهل العسكر.

قال وثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامة يدخلون عليه إرسالا (٢) وسعد بن عبادة يومئذ شاك (٣) وكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا انصرف إلى سعد يعوده.

قال وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت الضحى من يوم الإثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها.

فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال أيها الناس ما لكم تموجون (٤) إن كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (٥).

قال ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة (٦) فلما سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلا فقال عمر وأبو عبيدة ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار و ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين وأنتم يا معاشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجتري مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم وأثنى على الأنصار ثم قال فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير.

فقام عمر بن الخطاب فقال هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد إنه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع إلى توالي أمرها من كانت النبوة فيهم وأولو الأمر منهم ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين فما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو

__________________

(١) الرقاق : الصحراء الأرض المستوية اللينة التراب تحته صلابة ، وقيل التي نضب عنها الماء ، وقيل اللينة المتسعة.

(٢) أي : قطائع مجتمعين.

(٣) أي : مريض.

(٤) تموجون : تختلف اموركم وتضطربون.

(٥) آل عمران : ١٤٤.

(٦) سقيفة بني ساعدة : بالمدينة ، وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها. مراصد الاطلاع ٢ ـ ٧٢١.

٧١

متجانف بإثم (١) أو متورط في الهلكة محب للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال ـ يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم فأنتم والله أحق به منهم فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرحب (٢) المرجب والله لئن أحد رد قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطاب فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام فارغ فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مهاترته (٣) فحلفت أن لا أكلمه أبدا.

قال عمر لأبي عبيدة تكلم فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير وذكر فيه فضائل الأنصار وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الأنصار لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في إفساد الأمر عليه وتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحث الناس كلهم لا سيما الأنصار على الرضا بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم.

فقال عمر وأبو عبيدة ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك فقال بشير بن سعد وأنا ثالثكما.

وكان سيد الأوس وكان سعد بن عبادة سيد الخزرج فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير وما ادعت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا فجعلوا يطئون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض فقال قتلتموني قال عمر اقتلوا سعدا قتله الله فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال والله يا ابن صهاك الجبان في الحرب والفرار الليث في الملإ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة (٤).

فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فإن الرفق أبلغ وأفضل.

فقال سعد يا ابن صهاك وكانت جدة عمر الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ولألحقتكما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثم قال للخزرج احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع فقال لا والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم

__________________

(١) المدل : الذي يقيم الدليل على مدعاه ، والمدل بباطل : الذي استدل بباطل والمتجانف : المائل عن الحق.

(٢) جذيل : تصغير جذل ، وهو العود الذي ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو تصغير تعظيم ، اي : انا من يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود وعذيق : تصغير العذق : النخلة. والرجبة ان تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع ، وقد يكون ترجيب النخلة بأن يجعل حولها شوك لئلا يرقى اليها. وملخص المراد من هذا الكلام : انني الذي يؤخذ برأيه وهو ستر وحفظ لما يخاف عليه من المكاره والإضرار.

(٣) المهاترة مأخوذة من الهتر ، وهو السقط في الكلام والخطأ فيه.

(٤) الواضحة : الأسنان التي تبدو عند الضحك.

٧٢

بسيفي ما أقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ثم وايم الله لو اجتمع الجن والإنس علي لما بايعتكما أيها الغاصبان حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.

فلما جاءهم كلامه قال عمر لا بد من بيعته ـ فقال بشير بن سعد إنه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوس فاتركوه فليس تركه بضائر فقبلوا قوله وتركوا سعدا فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم فلم يزل كذلك مدة ولاية أبي بكر حتى هلك أبو بكر ثم ولي عمر وكان كذلك فخشي سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران (١) في ولاية عمر ولم يبايع أحدا.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله وزعم أن الجن رموه وقيل أيضا إن محمد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة وقيل خالد بن الوليد.

قال : وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا : ما لنا نراكم حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه‌السلام ومعهم الزبير.

قال فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس وايم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.

فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب فقالوا له بايع أبا بكر.

فقال علي عليه‌السلام أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول الله حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة

__________________

(١) حوران بالفتح : كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع ، قصبتها بصرى ، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما مراصد الاطلاع ١ ـ ٤٣٥.

٧٣

وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لسانا (١) وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار وإلا فبوءوا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون.

فقال عمر يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة؟

فقال علي عليه‌السلام سلوهم عن ذلك فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا والله ما بيعتنا لكم بحجة على علي ومعاذ الله أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال عمر إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها.

فقال علي عليه‌السلام احلب حلبا لك شطره اشدد له اليوم ليرد عليك غدا إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع فقال أبو بكر مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك.

فقام أبو عبيدة إلى علي عليه‌السلام فقال يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنك حدث السن وكان لعلي عليه‌السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك وهو أحمل لثقل هذا الأمر وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس.

فو الله معاشر الجمع إن الله قضى وحكم ـ ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية والله إنه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.

فقال علي عليه‌السلام يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع.

قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكتمت الشهادة يومئذ فدعا علي علي فذهب بصري.

__________________

(١) الذرب ككتف. حديدة الاسكاف التي يقطع بها ، وذرب اللسان : حديده.

٧٤

قال وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه‌السلام ففسح المجلس وقال إن الله يقلب القلوب ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك

وعن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري.

قال فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال آخرون منهم والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من غيرك لأنا سمعنا رسول الله يقول علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين وايم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين وايم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك فلا بد لي من أن أدفع القوم عن نفسي وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوعز إلي قبل وفاته وقال لي يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه فقلت يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك فقال إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما.

فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط ـ سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة (٢) [ وغرة ] صدور القوم وبغضهم لله ورسله ولأهل بيت نبيه فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وردوا عليه فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يوم الجمعة فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون

__________________

(١) البقرة : ١٩٥.

(٢) الوغر : الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض.

٧٥

للأنصار تقدموا وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين ـ بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب إذ قال الله عز وجل : ( لَقَدْ تابَ اللهُ ) بالنبي على المهاجرين والأنصار ( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ).

قال أبان قلت له يا ابن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك قال وكيف تقرأ؟ قال قلت إنها تقرأ : ( لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (١) فقال ويلهم فأي ذنب كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى تاب الله عليه عنه إنما تاب الله به على أمته فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الأنصار.

وروي أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ونحن محتوشوه (٢) يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم.

يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فاحفظوه ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي ( عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ).

فقال له عمر بن الخطاب اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا من يقتدى برأيه فقال له خالد بل اسكت أنت يا ابن الخطاب فإنك تنطق على لسان غيرك وايم الله لقد علمت قريش أنك من ألأمها حسبا وأدناها منصبا وأخسها قدرا وأخملها ذكرا وأقلهم عناء عن الله ورسوله وإنك لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر وإنك في هذا الأمر بمنزلة ( الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ) (٣) فأبلس (٤) عمر وجلس خالد بن سعيد.

ثم قام سلمان الفارسي وقال كرديد ونكرديد أي فعلتم ولم تفعلوا وقد كان امتنع من البيعة قبل ذلك حتى وجئ (٥) عنقه فقال يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك وأقرب إلى رسول الله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ومن قدمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد

__________________

(١) التوبة : ١١٧.

(٢) احتوشوه واحتوشوا به : احاطوا به.

(٣) الحشر : ١٦ ـ ١٧.

(٤) ابلس : سكت على مضض أو خوف ..

(٥) وجئ عنقه : لوي وضرب.

٧٦

ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذرا من مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولا حظ للدين ولا المسلمين في قيامك به فالله الله في نفسك فقد أعذر من أنذر ولا تكون كمن أدبر واستكبر.

ثم قام أبو ذر الغفاري فقال يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها وليسفكن في طلبها دماء كثيرة فكان كما قال أبو ذر.

ثم قال لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الأمر بعدي لعلي ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها (١) وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله ( بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).

ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا أبا بكر ارجع عن ظلمك وتب إلى ربك والزم بيتك وابك على خطيئتك وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك فقد علمت ما عقده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنئان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٢) فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو وهو كان أميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة ذات السلاسل وأن عمرا قلدكما حرس عسكره فأين الحرس إلى الخلافة اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله ـ فسلمه إليه بما جعله الله له فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي ( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ).

ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ما ذا لقي الحق من الباطل يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل أولم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تسمية علي عليه‌السلام بإمرة المؤمنين والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرنا وقوله في عدة أوقات هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ،

__________________

(١) نكصت على أعقابها ، رجعت القهقري.

(٢) الكوثر : ٣.

٧٧

ولا تتماد في اغتصابه وراجع وأنت تستطيع أن تراجع فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة فلا تكونن ( ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ).

ثم قام عمار بن ياسر فقال يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفوا فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلي أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم وليكم بعد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم وقوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وإنكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه و ( تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) على الآخرة ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على أعقابكم ( فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ).

ثم قام أبي بن كعب فقال يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيه وصفيه وصدف عن أمره ، اردد الحق إلى أهله تسلم ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما جنيت ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).

ثم قام خزيمة بن ثابت فقال : أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري قالوا بلى قال فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم وقد قلت ما علمت ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ).

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال وأنا أشهد على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أقام عليا يعني في يوم غدير خم فقالت الأنصار ما أقامه للخلافة ـ وقال بعضهم ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مولاه وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه عن ذلك فقال قولوا لهم علي ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي وقد شهدت بما حضرني ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ).

ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال : يا معاشر قريش اشهدوا على أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان يعني الروضة وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول أيها الناس هذا علي إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأول من يصافحني على حوضي فطوبى لمن اتبعه ونصره والويل لمن تخلف عنه وخذله.

٧٨

وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي فقام إليه رجل فقال يا رسول الله وأي أهل بيتك فقال علي والطاهرون من ولده وقد بين صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا تكن يا أبا بكر ( أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ) و ( لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).

ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال اتقوا عباد الله في أهل بيت نبيكم وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ومجلس بعد مجلس يقول أهل بيتي أئمتكم بعدي ويومئ إلى علي ويقول هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه ( إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.

قال الصادق عليه‌السلام : فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا ثم قال وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني فقال له عمر بن الخطاب انزل عنها يا لكع (١) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة.

قال فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عمر والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال يا ابن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا؟ والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا والله لو لا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.

فقال أمير المؤمنين اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه فلست أشك إلا وأنكم هم فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال يا ابن صهاك

__________________

(١) اللكع : اللئيم والعبد الأحمق.

٧٩

الحبشية ( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) وعهد من رسول الله تقدم لأريك أينا ( أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ).

ثم التفت إلى أصحابه فقال انصرفوا رحمكم الله فو الله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون إذ قال له أصحابه ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) (١) والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لقضية أقضيها فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك الناس في حيرة

وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة فينثال (٢) الناس يبايعون فعرف أن جماعة في بيوت مستترون فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه‌السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه فقيل له إن فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وأنكر الناس ذلك من قوله.

فلما عرف إنكارهم قال ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟ إنما أردت التهويل فراسلهم علي أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم تركتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة.

وفي رواية سليم بن قيس الهلالي (٣) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال : أتيت عليا عليه‌السلام وهو يغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي عليه‌السلام وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال جبرئيل.

فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم‌السلام فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه.

__________________

(١) المائدة : ١٤.

(٢) انثال الناس : انصبوا واجتمعوا.

(٣) أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ، كان من أصحاب علي عليه‌السلام وكان هاربا من الحجاج لأنه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن عياش ، فآواه فلما حضرته الوفاة قال لأبان : « إن لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يا ابن أخي إنه كان من أمر رسول الله كيت وكيت » واعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور رواه عنه أبان بن عياش الفهرست للطوسي ص ٨١.

٨٠