الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

فليصب الابن على الابن فصب محمد بن الحنفية على الابن.

ثم قال الحسن العسكري عليه‌السلام فمن اتبع عليا عليه‌السلام على ذلك فهو الشيعي حقا

احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين

سعد بن عبد الله القمي الأشعري (١) قال : بليت بأشد النواصب منازعة فقال لي يوما بعد ما ناظرته تبا لك ولأصحابك أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم وبالجحود لمحبة النبي لهم فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام ألا تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما ذهب به ليلة الغار لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته وأراد أن يصون نفسه كما يصون عليه‌السلام خاصة نفسه كي لا يختل حال الدين من بعده؟ ويكون الإسلام منتظما وقد أقام عليا على فراشه لما كان في علمه أنه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه لا جرم لم يبال من قتله؟

قال سعد إني قلت على ذلك أجوبة لكنها غير مسكتة.

ثم قال معاشر الروافض تقولون إن الأول والثاني كانا ينافقان وتستدلون على ذلك بليلة العقبة.

ثم قال لي أخبرني عن إسلامهما كان من طوع ورغبة أو كان عن إكراه وإجبار؟ فاحترزت عن جواب ذلك ـ وقلت مع نفسي إن كنت أجبته بأنه كان عن طوع فيقول لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق وإن قلت كان عن إكراه وإجبار لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتى يكون إسلامهما بإكراه وقهر فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي فأخذت طومارا وكتبت بضعا وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها فقلت أدفعها إلى صاحب مولاي أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام الذي كان في قم أحمد بن إسحاق (٢) فلما طلبته كان هو قد ذهب فمشيت على أثره فأدركته وقلت الحال معه.

فقال لي جئ معي إلى سر من رأى حتى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي عليه‌السلام.

فذهبت معه إلى سر من رأى ثم جئنا إلى باب دار مولانا عليه‌السلام فاستأذنا عليه فأذن لنا فدخلنا الدار وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري وكان فيه مائة وستون صرة من الذهب والورق على كل واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه ولما دخلنا وقعت أعيننا على أبي محمد

__________________

(١) سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي قال الشيخ في باب أصحاب العسكري عليه‌السلام ص ٤٣١ : « عاصره عليه‌السلام ولم أعلم انه روى عنه »

وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص ٧٨ : « يكنى ابا القاسم ، جليل القدر واسع الاخبار ، كثير التصانيف ، ثقة شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها ولقي مولانا أبا محمد العسكري عليه‌السلام.

قال النجاشي : ورأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لأبي محمد ويقولون : هذه حكاية موضوعة عليه ، والله اعلم.

توفي سعد رحمه‌الله سنة إحدى وثلاثمائة وقيل : سنة تسع وتسعين ومائتين : وقيل : مات رحمه‌الله يوم الأربعاء لسبع وعشرين من شوال سنة ثلاثمائة ، وفي ولاية رستم ».

(٢) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٤ : « أحمد بن إسحاق الرازي من أصحاب ابي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام ، أورد الكشي ما يدل على اختصاصه بالجهة المقدسة ، وقد ذكرته في الكتاب الكبير ».

٤٦١

الحسن العسكري عليه‌السلام ـ كأن وجهه كالقمر ليلة البدر وقد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن والجمال وكان على رأسه ذؤابتان وكان بين يديه رمان من الذهب قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة قد أهداه واحد من رؤساء البصرة وكان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس فكلما أراد أن يكتب شيئا أخذ الغلام يده فألقى الرمان حتى يذهب الغلام إليه ويجيء به فلما ترك يده يكتب ما شاء.

ثم فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي العسكري عليه‌السلام فنظر العسكري إلى الغلام فقال فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك!

فقال يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة ـ؟

ثم قال يا ابن إسحاق أخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام ثم أخرج صرة فقال الغلام هذا لفلان بن فلان من محلة كذا بقم مشتمل على اثنين وسبعين دينارا فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثا عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.

فقال مولانا عليه‌السلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها.

فقال الغلام في هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا قد ذهب نصف نقصه عنه وثلاثة أقطاع قراضة بالوزن دانق ونصف في هذه الصرة الحرام هذا القدر فإن صاحب هذه الصرة في سنة كذا في شهر كذا كان له عند نساج وهو من جملة جيرانه من وربع فأتى على ذلك زمان كثير فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك فما صدقه وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ من ونصف ثم أمر حتى نسج منه ثوب وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثم حل عقدها فوجد الدينار والقراضة كما أخبر ثم أخرجت صرة أخرى.

فقال الغلام هذا لفلان بن فلان من المحلة الفلانية بقم والعين فيها خمسون دينارا ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها.

قال لم؟ فقال من أجل أن هذه الدنانير ثمن الحنطة وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له فأخذ نصيبه بكيل كامل وأعطى نصيبه بكيل ناقص.

فقال مولانا الحسن بن علي عليه‌السلام صدقت يا بني قال يا ابن إسحاق احمل هذه الصرر وبلغ أصحابها وأوص بتبليغها إلى أصحابها فإنه لا حاجة بنا إليها ثم قال جئ إلي بثوب تلك العجوز

فقال أحمد بن إسحاق كان ذلك في حقيبة فنسيته ثم مشى أحمد بن إسحاق ليجيئ بذلك إلى مولانا أبي محمد العسكري عليه‌السلام وقال ما جاء بك يا سعد؟

فقلت شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت على حالها يا مولاي قال فاسأل قرة عيني وأومى إلى الغلام مما بدا لك!

فقلت يا مولانا وابن مولانا روي لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين حتى إنه بعث يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي

٤٦٢

حصل منك وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة فإن امتنعت وإلا طلقتك فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام؟

فقال إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا أبا الحسن إن هذا شرف باق ما دمن لله على طاعة فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج وأسقطها من شرف أمية المؤمنين.

ثم قلت أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها؟

فقال عليه‌السلام تلك الفاحشة السحق (١) وليست بالزنا لأنها إذا زنت يقام عليها الحد وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم والرجم هو الخزي ومن أمر الله تعالى برجمها فقد أخزاها ليس لأحد أن يقربها.

ثم قلت أخبرني يا ابن رسول الله ـ عن قول الله تعالى لنبيه موسى ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) (٢) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة؟

فقال عليه‌السلام من قال ذلك؟ افترى على موسى واستهجنه في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خطبين إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاة موسى جائزة فيها فجاز لموسى أن يكون لابسها في تلك البقعة وإن كانت مقدسة مطهرة وإن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم يجز وهذا كفر.

قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها؟

قال إن موسى عليه‌السلام كان بالوادي المقدس فقال يا رب إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.

فقلت أخبرني عن تأويل ( كهيعص ).

قال هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك أن زكريا عليه‌السلام سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر اسم الحسين عليه‌السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة.

فقال ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت

__________________

(١) المساحقة عند النساء كاللواط عند الرجال.

(٢) طه ـ ١٢.

٤٦٣

الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال ( كهيعص ) فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع بذلك زكريا عليه‌السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه :

إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟

إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟

إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثوب هذه المصيبة؟

إلهي تحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟

ثم كان يقول إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.

فقلت أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟

قال مصلح أو مفسد؟ فقلت مصلح.

قال هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت بلى.

قال فهي العلة أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت نعم.

قال أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم فأهدى إلى ثبت الاختيار ومنهم موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما على المنافق بالاختيار أن يقع خيرتهما وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت لا.

قال فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين قال الله عز وجل : ( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) الآية (١) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وينصرف عنه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

ثم قال مولانا عليه‌السلام يا سعد من ادعى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو خصمك ذهب بمختار هذه الأمة مع

__________________

(١) الأعراف ـ ١٥٤.

٤٦٤

نفسه إلى الغار فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه وإنما أقام عليا على مبيته لأنه علم أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور لم لا تنقض عليه بقولك أولستم تقولون إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة وصيرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله فإن خصمك لم يجد بدا من قوله بلى.

قلت له فإذا كان الأمر كذلك فكما أبو بكر الخليفة من بعده كان هذه الثلاثة خلفاء أمته من بعده فلم ذهب بخليفة واحد وهو أبو بكر إلى الغار ولم يذهب بهذه الثلاثة فعلى هذا الأساس يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مستخفا بهم دون أبي بكر فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما يفعل بأبي بكر فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم وتاركا للشفقة عليهم بعد أن كان يجب أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر.

وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا؟ وذلك أنهما يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واستيلائه على العرب عن التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بختنصر على بني إسرائيل إلا أنه يدعي النبوة ولا يكون من النبوة في شيء فلما ظهر أمر رسول الله فساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة ولاية رسول الله ولاية بلد إذا انتظم أمره وحسن باله واستقامت ولايته فلما أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة وتلثما مثل من تلثم منهم فنفروا بدابة رسول الله لتسقطه ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا عليا عليه‌السلام وبايعاه طمعا أن تكون لكل واحد منهما ولاية فلما لم يكن ذلك وأيسا من الولاية نكثا بيعته وخرجا عليه حتى آل أمر كل واحد منهما إلى ما يئول أمر من ينكث العهود والمواثيق.

ثم قام مولانا الحسن بن علي عليه‌السلام لصلاته وقام القائم معه فرجعت من عندهما وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت ما أبطأك وما أبكاك؟

قال قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره قلت لا بأس عليك فأخبره!

فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وأهل بيته فقلت ما الخبر؟

فقال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه‌السلام يصلي عليه.

قال سعد فحمدنا الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليه‌السلام أياما نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال :

٤٦٥

يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك فاطمة الزهراء وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة من بعدهما آبائك وأن يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه‌السلام حتى استهملت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال :

يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال :

سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال :

خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت والله ( لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).

قال سعد فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه‌السلام من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد إلى مرقده.

قال سعد فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم ـ وختم بالمحبوب رؤيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله.

وعن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري ره (١) قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من

__________________

(١) هو عثمان بن سعيد العمري ـ بفتح العين وسكون الميم ـ أول النواب الأربعة يكنى أبا عمرو السمان ويقال له الزيات ، والعسكري ، ذكره الشيخ الطوسي في عداد أصحاب الهادي عليه‌السلام ص ٤٢٠ وقال : « .. خدمه عليه‌السلام وله إحدى عشر سنة ، وله إليه عهد معروف » وفي أصحاب العسكري ص ٤٣٤ وقال : « .. جليل القدر ثقة وكيله عليه‌السلام » وفي كتاب الغيبة ص ٢١٤ قال : « فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة ، فأولهم : من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم‌السلام وهو الشيخ الموثوق به : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وكان أسديا وإنما سمي العمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب أنه ابن بنت أبي جعفر العمري ـ رحمه‌الله ـ قال أبو نصر كان أسديا فنسب إلى جده فقيل العمري. وقد قال قوم من الشيعة : إن أبا محمد الحسن بن علي عليه‌السلام قال : لا يجتمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو فأمر بكسر كنيته فقيل العمري ، إلى أن قال : ويقال له : ( السمان ) لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه‌السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد عليه‌السلام تقية وخوفا » وقال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١١٦ : « .. ويقال له : الزيات الأسدي من أصحاب ابي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما‌السلام خدمه وله إحدى عشر سنة ، وله إليه عهد معروف ، وهو ثقة جليل القدر وكيل أبي محمد عليه‌السلام » وفي ج ٢ من سفينة البحار ص ١٥٨ « أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري اول النواب الأربعة ، ما ورد في شأنه من الجلالة والعدالة والأمانة أكثر من أن ـ

٤٦٦

الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد عليه‌السلام مضى ولا خلف له ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه.

فورد جواب كتابهم بخطه صلى الله عليه وعلى آبائه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا.

يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون وفي الحيرة تنعكسون أوما سمعتم الله يقول ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١)؟ أوما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم على الماضين والباقين منهم السلام؟ أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن ظهر الماضي ع؟ كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر ( أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ ) وإن الماضي عليه‌السلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم‌السلام حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا كافر جاحد ولو لا أن أمر الله لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما تبتز منه عقولكم ويزيل شكوككم ولكنه ما شاء الله كان و ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) ـ فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم ولو لا ما عندنا من محبة صاحبكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه المضاد لربه المدعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته الظالم الغاصب ـ وفي ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي أسوة حسنة وسيتردى الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر ( لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ).

عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته إنه ولي ذلك والقادر

__________________

بذكر وهو اجل وأشهر من أن يصفه مثلي ( ش ) كان باب الجواد عليه‌السلام ... وحكى : ـ أنه يقال له : العمري لأنه ينتسب من قبل الام الى عمر الأطرف بن علي عليه‌السلام .. » وقبره في الجانب الغربي ببغداد.

(١) النساء ـ ٥٨.

٤٦٧

على ما يشاء وكان لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما

وعن سعد بن عبد الله الأشعري عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري : أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه ويعلمه أنه القيم بعد أخيه وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها قال أحمد بن إسحاق فلما قرأت الكتاب ـ كتبت إلى صاحب الزمان عليه‌السلام وصيرت كتاب جعفر في درجه فخرج إلي الجواب في ذلك.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطإ فيه ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* ) حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا أبى الله عز وجل للحق إلا إتماما وللباطل إلا زهوقا وهو شاهد علي بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون.

وإنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.

يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا ثم بعث النبيين عليهم‌السلام ( مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة ـ والبراهين الباهرة والآيات الغالبة فمنهم من جعل النار عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ) واتخذه خليلا ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ومنهم من أحيا ( الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ ) وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ومنهم من علمه ( مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) وأوتي من كل شيء.

ثم بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ( رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) وتمم به نعمته وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة وأظهر من صدقه ما أظهر وبين من آياته وعلاماته ما بين ثم قبضه صلى‌الله‌عليه‌وآله حميدا فقيدا سعيدا وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد أحيا بهم دينه وأتم بهم نوره وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا تعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس وجعلهم خزان علمه ومستودع

٤٦٨

حكمته وموضع سره وأيدهم بالدلائل ولو لا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد ولما عرف الحق من الباطل ولا العلم من الجهل.

وقد ادعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادعاه فلا أدري بأية حالة هي له ـ؟ رجا أن يتم دعواه بفقه في دين الله؟ فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطإ وصواب أم بعلم؟ فما يعلم حقا من باطل ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها أم بورع؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة ولعل خبره تأدى إليكم وها تيك ظروف مسكره منصوبة وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة أم بآية؟ فليأت بها أم بحجة؟ فليقمها أم بدلالة؟ فليذكرها قال الله عز وجل في كتابه ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) (١).

فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة يبين حدودها وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه.

حفظ الله الحق على أهله وأقره في مستقره وأبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلا في الحسن والحسين وإذ أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية و ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) وصلى الله على محمد وآل محمد.

محمد بن يعقوب الكليني (٢) عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله (٣) أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب

__________________

(١) الأحقاف : ١ ـ ٦.

(٢) قال المحقق الشيخ عباس القمي في ج ٣ من الكنى والألقاب ص ٩٨ : « هو الشيخ الأجل قدوة الأنام ، وملاذ المحدثين العظام ، ومروج المذهب في غيبة الإمام عليه‌السلام ، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي الملقب : ( ثقة الإسلام ) ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للامامية مثله ، قال المولى محمد أمين الأسترآبادي في محكي فوائده : سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه ، وكان خاله علان الكليني الرازي » وقال النجاشي ص ٢٩٢ : « شيخ أصحابنا بالري ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ... » وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص ١٤٥ : « ... صنف كتاب الكافي في عشرين سنة ومات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وقال الشيخ الطوسي وقال النجاشي : في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، سنة تناثر النجوم وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط ودفن بباب الكوفة في مقبرتها ... ».

(٣) محمد بن عثمان العمري رحمه‌الله هو ثاني الوكلاء الأربعة ذكره الشيخ في رجاله ص ٥٩ وقال : « .. يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو جميعا وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه‌السلام ولهما منزلة جليلة عند الطائفة » وقال في الغيبة ص ٢١٨ :ـ

٤٦٩

الزمان عليه‌السلام :

أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا.

فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح.

وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه‌السلام.

وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب.

وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع وما آتانا ( اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ ).

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون.

وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.

وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي.

وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه.

وأما ما وصلنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام.

وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم بريء وآبائي عليهم‌السلام منهم براء.

__________________

فلما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بنص أبي محمد عليه‌السلام عليه ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم عليه‌السلام ». وفي ج ١ من سفينة البحار ص ٣٢٨ : « ... أبو جعفر باب الهادي وهو وكيل الناحية في خمسين سنة الذي ظهر على يديه من طرف المأمول المنتظر « عليه‌السلام » معاجز كثيرة وكان محمد رحمه‌الله شيخا متواضعا في بيت صغير ليس له غلمان ... وروى عنه قال : إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم مع الناس كل سنة يرى الناس فيعرفهم ويرونه ولا يعرفونه وروي أنه قيل له : رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : أنجز لي ما وعدتني. وعنه أيضا قال : رأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول : اللهم انتقم بي من أعدائك. وروي أنه حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج ونقش فيه آيات من القرآن وأسماء الأئمة عليهم‌السلام على حواشيه قيل سئل عن ذلك فقال : للناس أسباب ، وكان في كل يوم ينزل في قبره ويقرأ جزءا من القرآن ثم يصعد » قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص ١٤٩ ثم سئل بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل : سنة أربع وثلاثمائة .. وقال عند موته امرت أن اوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح وأوصى إليه .. ، وقبره ببغداد مشيد ويعرف بالشيخ الخلاني.

٤٧٠

وأما المتلبسون بأموالنا ـ فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين.

وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب و ( عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).

أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي (٢) قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله تعالى لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل وقال آخرون بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا فقال قائل ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه فإنه الطريق إلى صاحب الأمر فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته.

إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).

وأما الأئمة عليهم‌السلام ـ فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم.

عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ره (٣) قال حدثني محمد بن إبراهيم بن

__________________

(١) المائدة ـ ١٠٤.

(٢) ج ٣ من رجال المامقاني ص ١١ باب الكنى : أبو الحسن الدلال ليس له ذكر في كلمات أصحابنا الرجاليين وإنما الذي عثرنا عليه رواية الكليني رحمه‌الله في باب تربيع القبر من الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إسماعيل عنه عن يحيى بن أبي عبد الله.

(٣) قال الشيخ عباس القمي في ج ١ من الكنى والألقاب ص ٢١٢ : « أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر « عليه‌السلام » ، ونال بذلك عظيم الفضل والفخر فعمت بركته الأنام وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام ، له نحو من ثلاثمائة مصنف. قال ابن إدريس في حقه « ره » إنه كان ثقة جليل القدر بصيرا بالأخبار ناقدا للآثار ، عالما بالرجال ، وهو استاذ المفيد محمد بن محمد بن النعمان « ره » وقال العلامة في ترجمته : شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ورد بغداد سنة ٣٥٥ وسمع منه شيوخ الطائفة ،

٤٧١

إسحاق الطالقاني (١) قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه (٢) مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له أريد أن أسألك عن شيء فقال له سل عما بدا لك.

فقال الرجل أخبرني عن الحسين بن علي عليه‌السلام أهو ولي الله؟ قال نعم

قال أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو لله؟ قال نعم

قال الرجل فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه ـ؟

فقال أبو القاسم قدس الله روحه افهم عني ما أقول لك اعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ـ ولا يشافههم بالكلام ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ( الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ) قالوا لهم أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز من أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.

__________________

وهو حدث السن كان جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، نحو؟؟؟ من ثلاثمائة مصنف ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير ، مات « ره » بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة انتهى. وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة : نقل المشايخ معنعنا عن شيخنا البهائي وقد سئل عنه فعدله ووثقه وأثنى عليه ، وقال : سئلت قديما عن زكريا بن آدم والصدوق محمد بن علي بن بابويه أيهما أفضل وأجل مرتبة فقلت : زكريا بن آدم لتوافر الأخبار بمدحه ، فرأيت شيخنا الصدوق قدس‌سره عاتبا علي وقال : من أين ظهر لك فضل زكريا بن آدم علي؟ وأعرض عنى كذا في حاشية المحقق البحراني على بلغته. وقبره رحمه‌الله في بلدة الري قرب عبد العظيم الحسني مزار معروف في بقعة عالية في روضة مونقة وله خبر مستفيض مشهور ذكره « ضا » وعده من كراماته وأطراف قبره قبور كثير من أهل الفضل والايمان .. ».

(١) في ج ٢ من جامع الرواة ص ٤٣ محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ « رحمه‌الله » عنه أبو جعفر بن بابويه مترضيا وهو عن الحسين بن روح قدس الله روحه ما ينبئ عن حسن حاله واعتقاده ( كتاب ميرزا محمد )

(٢) الحسين بن روح : أحد النواب الأربعة في الجزء الأول من سفينة البحار ص ٢٧١ : « أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي‌الله‌عنه وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه ، جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا : إن حدت الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد امرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعولوا في اموركم عليه ، وفي رواية اخرى ما حاصلها أنه لما اشتدت حال أبي جعفر رحمه‌الله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة فدخلوا عليه فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في اموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك امرت وقد بلغت ، وعن أم كلثوم بنت ابي جعفر ـ رض ـ قالت : كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح « ره » وكيلا لابي جعفر ـ اي : محمد بن عثمان ـ سنين كثيرة ينظر له في املاكه ويلقى بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصا به ، حتى انه كان يحدثه ما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وانسه ، وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم ولوضعه وجلالة محله عندهم ، فحصل في انفس الشيعة محلا جليلا لمعرفتهم باختصاص ابى إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الامر فتمهدت له الحال في حياة ابى الى ان انتهت الوصية إليه بالنص عليه فلم يختلف في امره ولم يشك فيه أحد الا جاهل بأمر ابي ... وكان أبو سهل النوبختى يقول في حقه : انه لو كان الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل .. مات رحمه‌الله في شعبان سنة ٣٢٦ وقبره في بغداد .. »

٤٧٢

فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد.

ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ).

ومنهم من أخرج من الحجر الصلب الناقة وأجرى من ضرعها لبنا.

ومنهم من فلق له البحر وفجر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا ( تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ).

ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أممهم من أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين وليعلم العباد أن لهم عليه‌السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل و ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ).

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق ره فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ره في الغد ـ وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأني وقال يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتختطفني الطير أو تهوي بي ( الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ ) أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه.

ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي.

يا محمد بن علي تعالى الله وجل ( عَمَّا يَصِفُونَ ) سبحانه وبحمده ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) (١).

وأنا وجميع آبائي من الأولين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ومن الآخرين

__________________

(١) النمل : ٦٥

٤٧٣

محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل ( مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) (١).

يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه.

فأشهد الله الذي لا إله إلا هو و ( كَفى بِهِ شَهِيداً ) ورسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وملائكته وأنبياءه وأولياءه عليهم‌السلام.

وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي.

وأشهدكم أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ولا يبلغ منتهاه فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين

روى أصحابنا أن أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان عليه‌السلام وكذب على الله وحججه عليهم‌السلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن عليه‌السلام فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد عليه‌السلام ويقول بالإباحة للمحارم وكان أيضا من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليه‌السلام ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان فخرج التوقيع يلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه في جملة من لعن وتبرأ منه وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري لعنهم الله فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ره ونسخته :

عرف أطال الله بقاك وعرفك الله الخير كله وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله قد

__________________

(١) طه ـ ١٢٤ ـ ١٢٦.

٤٧٤

ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى وافترى كذبا وزورا وقال بهتانا وإثما عظيما كذب العادلون بالله و ( ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً ) وخسروا ( خُسْراناً مُبِيناً ).

وإنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه ولعناه عليه لعائن الله تترى في الظاهر منا والباطن والسر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على تولاه بعده.

أعلمهم تولاك الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (١).

__________________

(١) قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله في كتاب الغيبة ص ٢٤٤ : « ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله » أولهم المعروف بالسريعي « أخبرنا » جماعة عن أبي محمد التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام « قال » : كان السريعي يكنى : ب « أبي محمد » « قال » هارون : وأظن اسمه كان « الحسن » ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده عليهم‌السلام.

وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه ، ولم يكن أهلا له ، وكذب على الله وعلى حججه عليهم‌السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم ، وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمام « عليه‌السلام » بلعنه والبراءة منه.

قال هارون : ثم ظهر منه القول بالكفر والالحاد.

قال : وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا على الامام وأنهم وكلاؤه ، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعا لعائن الله تترى.

ومنهم : محمد بن نصير النميري ( قال ابن نوح ) : أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد ( قال ) : كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان ، وادعى له البابية. وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه ، واحتجابه عنه ، وادعى ذلك الأمر بعد السريعي.

( قال أبو الخطاب الأنباري ) لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي‌الله‌عنه وتبرأ منه ، فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر رضي‌الله‌عنه ، ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه ، فلم يأذن له وحجبه ورده خائبا.

( وقال ) سعد بن عبد الله : كان محمد بن نصير النميري يدعي : أنه رسول نبي وأن علي بن محمد (عليه‌السلام) أرسله ، وكان يقول بالتناسخ ، ويغلو في أبي الحسن (عليه‌السلام) ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالاباحة للمحارم ، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم ويزعم : أن ذلك من التواضع والاخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئا من ذلك ، وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده.

( أخبرني ) بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان : أنه رآه عيانا وغلام على ظهره.

( قال ) : فلقيته فعاتبته على ذلك فقال : إن هذا من اللذات ، وهو من التواضع لله وترك التجبر.

( قال ) سعد : فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها ، قيل له ـ وهو مثقل اللسان ـ : لمن هذا الأمر من بعدك؟

فقال ـ بلسان ضعيف ملجاج ـ : أحمد فلم يدروا من هو ، فافترقوا بعده ثلاث فرق.

قالت فرقة : إنه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات وفرقة قالت : إنه أحمد بن أبي الحسين ابن بشر بن يزيد ، فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء.

ومنهم : أحمد بن هلال الكرخي ، قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه‌السلام) فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ بنص الحسن (عليه‌السلام) في حياته. ولما مضى الحسن (عليه‌السلام) قالت الشيعة الجماعة له :ـ

٤٧٥

__________________

ـ ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه ، وقد نص عليه الامام المفترض الطاعة؟

فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة وليس انكر أباه ـ أي : عثمان بن سعيد ـ فاما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه.

فقالوا : قد سمعه غيرك ، فقال أنتم وما سمعتم ، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرءوا منه ، ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن.

ومنهم : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ نضر الله وجهه ـ وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للامام ، وامتناعه من تسليمها ، وادعاؤه أنه الوكيل ، حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج فيه من صاحب الزمان ما هو معروف.

( وحكى ) أبو غالب الرازي : قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال :

كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة ثم أنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال :

كنت عند أبي طاهر بن بلال يوما وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر على الباب ، ففزعت الجماعة لذلك ، وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال : يدخل.

فدخل أبو جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقام له أبو طاهر والجماعة. وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه ، إلى أن سكتوا ـ ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان بحمل ما عندك من المال إلي؟

فقال : اللهم نعم.

فنهض أبو جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ منصرفا ، ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب :

من أين رأيت صاحب الزمان؟

فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه.

فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان (عليه‌السلام

قال : قد وقع علي من الهيبة له ، ودخلني من الرعب منه ، ما علمت أنه صاحب الزمان (عليه‌السلام) ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه.

ومنهم : الحسين بن منصور الحلاج ، أخبرنا الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال :

لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ، ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي ـ رضي‌الله‌عنه ـ ممن تجوز عليه مخرقته ، ووجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله ، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ، ويتسوف بانقياده على غيره ، فيستتب إليه ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم.

ويقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان (عليه‌السلام) ـ وبهذا أولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره ـ وقد امرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك ، ولا ترتاب بهذا الأمر.

فأرسل إليه أبو سهل ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول له :

إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك ، في جنب ما ظهر على يديك ، من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأ تحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك ، والا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعدا ، والوصال هجرا وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مئونته ، وتجعل لحيتي سوداء ، فاني طوع يديك ، وصائر إليك ، وقائل بقولك ، وداع إلى مذهبك ، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.

٤٧٦

وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة :

فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما‌السلام ثم بعد ذلك قام

__________________

ـ فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه : علم أنه قد أخطأ في مراسلته ، وجهل في الخروج إليه بمذهبه ، وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا ، ولم يرسل إليه رسولا ، وصيره أبو سهل ـ رضي‌الله‌عنه ـ أحدوثة وضحكة ويظن به ( أي يسخر ) عند كل أحد ، وشهر أمره عند الكبير والصغير ، وكان هذا الأمر سببا لكشف أمره ، وتنفير الجماعة عنه.

ومنهم : ابن أبي العزاقر ، أخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري « رضي‌الله‌عنه » ( قال ) : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام وذلك أن الشيخ أبا القاسم « رضي الله تعالى عنه وأرضاه » كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاها ، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء ، وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم ، فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم « رضي‌الله‌عنه » فأنكروه وأعظمه ، ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا ، واقاموا على توليه وذاك أنه كان يقول لهم :

إنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص ، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته ، فبلغ ذلك أبا القاسم « رضي‌الله‌عنه » فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله وأقام على توليه ، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاء عظيما ثم قال : إن لهذا القول باطنا عظيما وهو : أن اللعنة ( الابعاد ) فمعنى قوله لعنه الله أي : باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال : عليكم بالكتمان لهذا الأمر ، قالت الكبيرة « رضي الله عنها » : وقد كنت

أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر ابن بسطام قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلها فأنكرت ذلك وقلت لها : مهلا يا ستي.

فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي قد كشف لنا السر. قالت : فقلت لها : وما السر؟

قالت : قد أخذ علينا كتمانه ، وأفزع إن أنا أذعته عوقبت.

قالت : وأعطيتها موثقا أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ « رضي‌الله‌عنه » يعني أبا القاسم الحسين بن روح.

قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ‌وسلم انتقلت إلى أبيك يعني : أبا جعفر محمد بن عثمان « رضي‌الله‌عنه » وروح أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روج ، وروح مولاتنا فاطمة (عليها‌السلام)انتقلت إليك فكيف لا اعظمك يا ستنا؟.

فقلت لها : مهلا لا تفعلي فان هذا كذب يا ستنا.

فقالت لي : سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد فالله الله في لا يحل لي العذاب ، ويا ستي لو لا أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك.

قالت الكبيرة أم كلثوم « رضي الله عنها » فلما انصرفت من عندها دخلت على الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح « رضي‌الله‌عنه » فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي.

فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولا إن أنفذته إليك ، ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح (عليه‌السلام) ويعدو الى قول الحلاج لعنه الله.

قالت : فهجرت بني بسطام ، وتركت المضي إليهم ، ولم أقبل لهم عذرا ، ولا لقيت امهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث لم يبق أحد الا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته ، ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه‌السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعة وشايعه ورضي بقوله وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع وله حكايات قبيحة ننزه كتابنا عن ذكرها ، ذكرها ابن نوح وغيره.

٤٧٧

بأمر صاحب الزمان عليه‌السلام وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.

فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك.

فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت فلما مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري (١) ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه‌السلام ـ ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه‌السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له إلى من توصي.

فأخرج إليهم توقيعا نسخته :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا.

وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه.

فقال له بعض الناس من وصيك من بعدك؟

فقال لله أمر هو بالغه وقضى فهذا آخر كلام سمع منه ره.

__________________

(١) قال في الجزء الثاني من سفينة البحار ص ٢٤٩ : « الشيخ الأجل علي بن محمد السمري رضي‌الله‌عنه ، أبو الحسن ، قام بأمر النيابة بعد الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه ، ومضى في النصف من شعبان سنة (٣٢٩) تسع وعشرين وثلاثمائة ، وأخرج إلى الناس توقيعا قبل وفاته بأيام :

بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري ، اعظم الله اجر إخوانك فيك ، فانك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد إلخ.

فلما كان اليوم السادس دخلوا عليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيك من بعدك؟

فقال : لله أمره وبالغه ، وقضى رحمه‌الله ... روي انه قال يوما لجمع من المشايخ عنده آجركم الله في علي بن الحسين ـ أي : ابن بابويه ـ فقد قبض في هذه الساعة.

قالوا : فاثبتنا تاريخ الساعة واليوم والشهر ، فلما كان بعد سبعة عشر يوما او ثمانية عشر ، ورد الخبر : انه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن رضي‌الله‌عنه .. وقبره ببغداد بالقرب من قبر الكليني رحمه‌الله ».

٤٧٨

[ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان عليه‌السلام من المسائل الفقهية وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم].

عن محمد بن يعقوب الكليني رفعه عن الزهري قال : طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه‌السلام.

قال ليس إلى ذلك وصول فخضعت له فقال لي بكر بالغداة.

فوافيت فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وفي كمه شيء كهيئة التجار فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومى إليه فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت.

ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث بها.

فقال العمري إن أردت أن تسأل فاسأل فإنك لا تراه بعد ذا.

فذهبت لأسأل فلم يستمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنفض النجوم ودخل الدار.

وعن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي (١) قال : كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائل إلى صاحب الزمان :

أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان شيء أفضل من الصلاة فصلها وأرغم الشيطان أنفه.

وأما ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار وكل ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه.

وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجل ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢).

__________________

(١) قال العلامة في الخلاصة ص ١٦٠ : « محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي أبو الحسين الكوفي سكن الري يقال له محمد بن أبي عبد الله كان ثقة صحيح الحديث إلا أنه روى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه فأنا في حديثه من المتوقفين ، وكان أبوه وجها ، روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى. وقال الشيخ الطوسي رحمه‌الله في رجاله ص ٤٩٦ : « محمد بن جعفر الأسدي كان يكنى أبو الحسين الرازي كان أحد الأبواب ».

(٢) الأعراف : ٤٣.

٤٧٩

وأما ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرة أخرى فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحا.

وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل يجوز صلاته؟

فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك؟ فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن يصلي والنار والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران.

وأما ما سألته عنه عن أمر الضياع التي لناحيتنا؟ هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم؟

فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه فكيف يحل ذلك في مالنا من فعل ذلك بغير أمرنا ـ فقد استحل منا ما حرم عليه من أكل من أموالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا.

وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدي من دخلها خراجها ومئونتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإن ذلك جائز لمن جعله [ جعل ] الضيعة [ للضيعة ] قيما عليها إنما لا يجوز ذلك لغيره.

وأما ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه ويأكل هل يحل له ذلك ـ؟

فإنه يحل له أكله ويحرم عليه حمله

وعن أبي الحسين الأسدي أيضا قال : ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه ابتداء لم يتقدمه سؤال عنه نسخته.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ على من استحل من أموالنا درهما.

قال أبو الحسين الأسدي ره فوقع في قلبي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل وقلت في نفسي إن ذلك في جميع من استحل محرما ـ فأي فضل في ذلك للحجة عليه‌السلام على غيره؟

قال فو الذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ على من أكل من مالنا درهما حراما.

وقال أبو جعفر بن بابويه في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات

٤٨٠