الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

قالوا اللهم نعم.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقا.

فقال أبو حنيفة ليس لي علم بكتاب الله إنما أنا صاحب قياس.

قال أبو عبد الله فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟

قال بل القتل.

قال فكيف رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟ ثم قال له الصلاة أفضل أم الصيام؟ قال بل الصلاة أفضل.

قال عليه‌السلام فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

قال له عليه‌السلام البول أقذر أم المني؟

قال البول أقذر.

قال عليه‌السلام يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ـ وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.

قال إنما أنا صاحب رأي.

قال عليه‌السلام فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟

قال إنما أنا صاحب حدود.

قال فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد؟

قال إنما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.

قال فأخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون ( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) ولعل منك شك؟ (١) قال نعم.

قال وكذلك من الله شك إذ قال ( لَعَلَّهُ ) قال أبو حنيفة لا علم لي.

قال عليه‌السلام تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس

__________________

(١) طه ـ ٤٤.

٣٦١

إبليس لعنه الله ولم يبن دين الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوابا ومن دونه خطأ لأن الله تعالى قال ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) (١) ولم يقل ذلك لغيره وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ولو لا أن يقال دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء فقس إن كنت مقيسا.

قال أبو حنيفة لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.

قال كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر

وعن عيسى بن عبد الله القرشي (٢) قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال يا أبا حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال نعم.

فقال لا تقس فإن أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فقاس بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.

وعن الحسن بن محبوب (٣) عن سماعة قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام كم بين المشرق والمغرب؟

قال مسيرة يوم للشمس بل أقل من ذلك قال فاستعظمه.

قال يا عاجز لم تنكر هذا إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب في أقل من يوم تمام الخبر.

عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٤) كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم وأناس من رؤسائهم وذلك أنه حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم فتكلموا فأكثروا وخطبوا فأطالوا.

فقال لهم أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام إنكم قد أكثرتم علي فأطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز.

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال :

__________________

(١) المائدة ـ ٥١.

(٢) عيسى بن عبد الله القرشي لم أعثر له على ترجمة فيما بين يدي من كتب الرجال.

(٣) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته : الحسن بن محبوب السراد ويقال الزراد ، يكنى أبا علي مولى بجيلة كوفي ثقة عين ، روى عن الرضا « عليه‌السلام » وكان جليل القدر يعد في الأركان الأربعة في عصره.

(٤) عبد الكريم بن عتبة قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ـ بضم العين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين ، والباء المنقطة تحتها نقطة ـ الهاشمي من أصحاب أبي الحسن الكاظم « عليه‌السلام » ثقة.

٣٦٢

قتل أهل الشام خليفتهم وضرب الله بعضهم ببعض وتشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروة ومعدن للخلافة وهو محمد بن عبد الله بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثم نظهر أمرنا معه وندعو الناس إليه فمن بايعه كنا معه وكان منا ومن اعتزلنا كففنا عنه ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ونرده إلى الحق وأهله وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فإنه لا غنى بنا عن مثلك لفضلك ولكثرة شيعتك فلما فرغ قال أبو عبد الله عليه‌السلام أكلكم على مثل ما قال عمرو؟

قالوا نعم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال إنما نسخط إذا عصي الله فإذا أطيع الله رضينا أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مئونة فقيل لك ولها من شئت من كنت تولي؟

قال كنت أجعلها شورى بين المسلمين قال بين كلهم؟ قال نعم.

فقال بين فقهائهم وخيارهم؟ قال نعم.

قال قريش وغيرهم؟ قال العرب والعجم.

قال فأخبرني يا عمرو أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرأ منهما؟ قال أتولاهما.

قال يا عمرو إن كنت رجلا تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحدا ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور أحدا ثم جعلها عمر شورى بين ستة فخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش ثم أوصى الناس فيهم بشيء ما أراك ترضى أنت ولا أصحابك قال وما صنع؟

قال أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام وأن يتشاور أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم إلا ابن عمر ويشاورونه وليس له من الأمر شيء ـ وأوصى من كان بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعا وإن اجتمع أربعة قبل أن يمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين أفترضون بهذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟ قالوا لا.

قال يا عمرو دع ذا أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه ثم اجتمعت لكم الأمة ولم يختلف عليكم منها رجلان فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية كان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المشركين في الجزية؟ قالوا نعم.

قال فتصنعون ما ذا؟ قالوا ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية.

قال فإن كانوا مجوسا وأهل كتاب وعبدة النيران والبهائم وليسوا بأهل كتاب؟ قالوا سواء.

قال فأخبرني عن القرآن أتقرءونه؟ قال نعم.

٣٦٣

قال اقرأ ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) قال فاستثنى الله عز وجل واشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال نعم.

قال عليه‌السلام عمن أخذت هذا؟ قال سمعت الناس يقولونه.

قال فدع ذا فإنهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت كيف تصنع بالغنيمة؟ قال أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليها.

قال تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟ قال نعم.

قال فقد خالفت رسول الله في فعله وفي سيرته وبيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم فسلهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم وأن لا يهاجروا على أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم من الغنيمة نصيب ـ وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سيرته في المشركين دع ذا ما تقول في الصدقة؟

قال فقرأ عليه هذه الآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) إلى آخرها قال نعم فكيف تقسم بينهم؟

قال أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا.

فقال عليه‌السلام إن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال نعم.

قال وما تصنع بين صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال نعم.

قال فخالفت رسول الله في كل ما أتى به ـ كان رسول الله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي وصدقة الحضر في أهل الحضر ولا يقسم بينهم بالسوية إنما يقسمه قدر ما يحضره منهم وعلى قدر ما يحضره فإن كان في نفسك شيء مما قلت لك فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم لا يختلفون في أن رسول الله كذا كان يصنع ثم أقبل على عمرو وقال :

اتق الله يا عمرو وأنتم أيضا الرهط فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف

وروي عن يونس بن يعقوب (١) قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فورد عليه رجل من أهل الشام

__________________

(١) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٨٥.

يونس بن يعقوب بن قيس أبو علي الجلاب البجلي الدهني اختلف علماؤنا فيه.

فقال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : إنه ثقة مولى شهد له وعدله في عدة مواضع ، وقال النجاشي : إنه اختص بأبي عبد الله ـ

٣٦٤

فقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك.

فقال له أبو عبد الله كلامك هذا من كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من عندك؟ فقال من كلام رسول الله بعضه ومن عندي بعضه.

فقال أبو عبد الله ـ فأنت إذا شريك رسول الله ص؟ قال لا.

قال فسمعت الوحي من الله تعالى؟ قال لا.

قال فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله؟ قال لا.

قال فالتفت إلي أبو عبد الله عليه‌السلام فقال يا يونس هذا خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنما قلت ويل لقوم تركوا قولي بالكلام وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال اخرج إلى الباب فمن ترى من المتكلمين فأدخله.

قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن نعمان الأحول وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانا متكلمين وكان قيس عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين فأدخلتهم فلما استقر بنا المجلس وكنا في خيمة لأبي عبد الله عليه‌السلام في طرف جبل في طريق الحرم وذلك قبل الحج بأيام فأخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب قال هشام ورب الكعبة.

قال وكنا ظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل وكان شديد المحبة لأبي عبد الله فإذا هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر منه سنا فوسع له أبو عبد الله عليه‌السلام وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال لحمران كلم الرجل يعني الشامي.

فكلمه حمران وظهر عليه ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن نعمان ثم قال لهشام بن سالم كلمه فتعارفا ثم قال لقيس الماصر كلمه وأقبل أبو عبد الله عليه‌السلام يتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم

ثم قال الشامي لهشام : يا غلام سلني في إمامة هذا يعني أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

وأبي الحسن عليهما‌السلام وكان يتوكل لأبي الحسن عليه‌السلام ومات في المدينة قريبا من الرضا عليه‌السلام فتولى أمره وكان حظيا عندهم موثقا وكان قد قال بعبد الله ثم رجع. وقال أبو جعفر ابن بابويه إنه فطحي هو وأخوه يوسف

قال الكشي : حدثني حمدويه عن بعض أصحابنا أن يونس بن يعقوب فطحي كوفي مات بالمدينة وكفنه الرضا عليه‌السلام.

وروى الكشي أحاديث حسنة تدل على صحة عقيدة هذا الرجل والذي أعتمد عليه قبول روايته.

٣٦٥

فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال له أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم فقال الشامي بل ربي أنظر لخلقه.

قال ففعل بنظره لهم في دينهم ما ذا قال كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم به وأزاح في ذلك عللهم.

فقال له هشام فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال هشام فبعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قال الكتاب والسنة.

فقال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفع عنا الاختلاف ومكننا من الاتفاق ـ فقال الشامي نعم.

قال هشام فلم اختلفنا نحن وأنت جئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أن الرأي طريق الدين وأنت مقر بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟

فسكت الشامي كالمفكر فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ما لك لا تتكلم؟

قال إن قلت إنا ما اختلفنا كابرت وإن قلت إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه ولكن لي عليه مثل ذلك.

فقال له أبو عبد الله سله تجده مليا فقال الشامي لهشام من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟ فقال بل ربهم أنظر لهم.

فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ فقال هشام نعم.

قال الشامي من هو ـ؟ قال هشام أما في ابتداء الشريعة فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأما بعد النبي فعترته قال الشامي من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته؟ قال هشام في وقتنا هذا أم قبله؟

قال الشامي بل في وقتنا هذا قال هشام هذا الجالس يعني أبا عبد الله عليه‌السلام الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن جده.

قال الشامي وكيف لي بعلم ذلك؟ فقال هشام سله عما بدا لك.

قال الشامي قطعت عذري فعلي السؤال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أنا أكفيك المسألة يا شامي أخبرك عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا ومر بك كذا فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول صدقت والله فقال الشامي أسلمت لله الساعة!

٣٦٦

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام بل آمنت بالله الساعة إن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون قال صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي الأنبياء.

قال فأقبل أبو عبد الله عليه‌السلام على حمران فقال يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب فالتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرف ثم التفت إلى الأحول فقال قياس رواغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقال تكلم وأقرب ما يكون من الخبر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما تكون منه تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي من كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان.

قال يونس بن يعقوب فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذ هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس اتق الزلة والشفاعة من ورائك.

وعن يونس بن يعقوب قال كان عند أبي عبد الله عليه‌السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله يا هشام قال لبيك يا ابن رسول الله!

قال ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ قال هشام جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أمرتكم بشيء فافعلوه!

قال هشام بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة وأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتد بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت:

أيها العالم أنا رجل غريب ـ أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال اسأل قلت له ألك عين؟ قال يا بني أي شيء هذا من السؤال إذا كيف تسأل عنه؟ فقلت هذا مسألتي فقال يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقى قلت أجبني فيها قال فقال لي سل فقلت ألك عين؟ قال نعم.

قال قلت فما تصنع بها قال أرى بها الألوان والأشخاص قال قلت ألك أنف؟ قال نعم.

قال قلت فما تصنع به؟ قال أشم به الرائحة.

قال قلت ألك لسان؟ قال نعم ـ قلت فما تصنع به قال أتكلم به.

٣٦٧

قال قلت ألك أذن؟ قال نعم قلت فما تصنع بها قال أسمع بها الأصوات.

قال قلت ألك يدان؟ قال نعم قلت فما تصنع بهما؟ قال أبطش بهما وأعرف بهما اللين من الخشن.

قال قلت ألك رجلان؟ قال نعم قال قلت فما تصنع بهما؟ قال أنتقل بهما من مكان إلى مكان.

قال قلت ألك فم؟ قال نعم قال قلت فما تصنع به؟ قال أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها.

قال قلت ألك قلب؟ قال نعم.

قال قلت فما تصنع به قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح.

قال قلت أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال لا.

قلت وكيف ذاك؟ وهي صحيحة سليمة؟

قال يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردته إلى القلب فتيقن بها اليقين وأبطل الشك.

قال فقلت فإنما أقام الله عز وجل القلب لشك الجوارح ـ؟ قال نعم.

قلت لا بد من القلب وإلا لم يستيقن الجوارح؟ قال نعم.

قلت يا أبا مروان إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وينفي ما شكت فيه ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ـ ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟

قال فسكت ولم يقل لي شيئا قال ثم التفت إلي فقال لي أنت هشام؟ قال قلت لا فقال لي أجالسته فقلت لا.

قال فمن أين أنت؟ قلت من أهل الكوفة.

قال فأنت إذا هو ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت فضحك أبو عبد الله ثم قال يا هشام من علمك هذا؟

قلت يا ابن رسول الله جرى على لساني قال يا هشام هذا والله مكتوب في صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى.

وبالإسناد المقدم ذكره عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : قوله عز وجل ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )

٣٦٨

يقول أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ونأخذ بآرائنا فنهلك فإن من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرقت جماعة العامة عنه لحوائجهم.

وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ـ ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم أقول وما حاجته إذا إلى المسارقة ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له :

يا أبا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي قال ما هو؟

قلت رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ـ فقال لي قبل كل شيء حدثني من أنت؟ قلت رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال حدثني ممن أنت؟ قلت رجل من أهل بيت رسول الله قال أين بلدك؟ قلت المدينة.

قال لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قلت بلى.

قال لي فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لأنه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله.

قلت وما هو؟ قال القرآن كتاب الله قلت وما الذي جهلت؟

قال قول الله عز وجل ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها ) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة أنقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي ست وثلاثون.

قلت ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت قول الله عز وجل ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (١) ـ؟ إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتها إلى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.

__________________

(١) المائدة ـ ٢٧.

٣٦٩

وبالإسناد الذي تقدم عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام أنه قال : قال بعض المخالفين بحضرة الصادق عليه‌السلام لرجل من الشيعة ما تقول في العشرة من الصحابة؟

قال أقول فيهم القول الجميل الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع به درجاتي.

قال السائل الحمد لله على ما أنقذني من بغضك كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة فقال الرجل ألا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله.

قال لعلك تتأول ما تقول فمن أبغض العشرة من الصحابة؟

فقال من أبغض العشرة من الصحابة فعليه ( لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) فوثب فقبل رأسه فقال اجعلني في حل مما قذفتك به من الرفض قبل اليوم.

قال أنت في حل وأنت أخي ثم انصرف السائل فقال له الصادق عليه‌السلام جودت لله درك لقد عجبت الملائكة من حسن توريتك وتلفظك بما خلصك ولم تثلم دينك زاد الله في قلوب مخالفينا غما إلى غم وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم.

فقال أصحاب الصادق عليه‌السلام يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عقلنا من كلام هذا إلا موافقته لهذا المتعنت الناصب.

فقال الصادق عليه‌السلام لئن كنتم لم تفهموا ما عنى فقد فهمنا نحن فقد شكره الله له إن ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه ويعظم الله بالتقية ثوابه ـ إن صاحبكم هذا قال :

من عاب واحدا منهم فعليه لعنة الله أي من عاب واحدا منهم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقال في الثانية من عابهم وشتمهم فعليه لعنة الله وقد صدق لأن من عابهم فقد عاب عليا عليه‌السلام لأنه أحدهم فإذا لم يعب عليا ولم يذمه فلم يعبهم جميعا وإنما عاب بعضهم ولقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به إلى فرعون مثل هذه التورية كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوة موسى ـ وتفضيل محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي بن أبي طالب عليه‌السلام والخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيين وإلى البراءة من فرعون فوشى به واشون إلى فرعون وقالوا إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادتك.

فقال لهم فرعون ابن عمي وخليفتي في ملكي وولي عهدي إن كان قد فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا أنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر نعماءه.

فقال حزقيل أيها الملك هل جربت علي كذبا قط؟ قال لا.

٣٧٠

قال فسلهم من ربهم قالوا فرعون قال ومن خلقكم قالوا فرعون هذا.

قال ومن رازقكم الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا فرعون هذا.

قال حزقيل أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي لا رب لي ولا خالق غير ربهم وخالقهم ورازقهم وأشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته وكافر بإلهيته.

يقول حزقيل هذا وهو يعني أن ربهم هو الله ربي ـ ولم يقل إن الذي قالوا هم إنه ربهم هو ربي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول فرعون ربي وخالقي ورازقي.

فقال لهم يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي أنتم المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري وهلاك ابن عمي والفت في عضدي ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى ( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) (١) لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه ( وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد ـ ومشط عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط.

ومثل هذه التورية قد كانت لأبي عبد الله عليه‌السلام في مواضع كثيرة.

فمن ذلك ما رواه معاوية بن وهب (٢) عن سعيد بن سمان [ السمان ] (٣) قال : كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له أفيكم إمام مفترض طاعته؟ قال فقال لا.

فقالا له قد أخبرنا عنك الثقات أنك تقول به وسموا أقواما وقالوا هم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام وقال ما أمرتهم بهذا فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا.

فقال لي أتعرف هذين؟ ـ قلت هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله عند عبد الله بن الحسن.

فقال كذبا لعنهما الله وهو ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه‌السلام فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما أثره في موضع مضربه؟

__________________

(١) غافر ـ ٤٥.

(٢) عده الشيخ في أصحاب الصادق « عليه‌السلام » ص ٣١٠ من رجاله وذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته فقال : « معاوية بن وهب البجلي ، أبو الحسن عربي صميم ثقة صحيح ، حسن الطريق ، روى عن ابي عبد الله وابي الحسن « عليهما‌السلام ».

(٣) سعيد بن عبد الرحمن وقيل : ابن عبد الله الأعرج السمان أبو عبد الله التيمي مولاهم كوفي ثقة ، روى عن أبي عبد الله « عليه‌السلام » ، ذكره ابن عقدة وابن نوح له كتاب يرويه عن جماعة .. رجال النجاشي ص ١٣٧.

٣٧١

وإن عندي لسيف رسول الله وإن عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه ولامته ومغفره فإن كانا صادقين فما علامة من درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغلبة وإن عندي ألواح موسى وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان بن داود وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها القربان وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين ـ لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة.

وإن عندي لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ولقد لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطت على الأرض خططا ولبستها أنا وكانت تخط على الأرض يعني طويلة مثل ما كانت على أبي وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله تعالى :

وكان الصادق عليه‌السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليها‌السلام وعندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.

فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال أما الغابر فالعلم بما يكون والمزبور فالعلم بما كان وأما النكت في القلوب فهو الإلهام والنقر في الأسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله وأما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.

وأما الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى إن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة

ولقد كان زيد بن علي بن الحسين (١) يطمع أن يوصي إليه أخوه الباقر عليه‌السلام ويقيمه مقامه في الخلافة

__________________

(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه « زيد الشهيد » ص ٤٣ : قال المحدث النوري في رجال مستدرك الوسائل : « إن زيد بن علي جليل القدر ، عظيم الشأن كبير المنزلة. وأما ما ورد مما يوهم خلاف ذلك مطروح أو محمول على التقية.

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ص ٢٥١ : كان زيد بن علي بن الحسين « عليه‌السلام » عين اخوته بعد أبي جعفر « عليه‌السلام » ، وأفضلهم وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويأخذ بثأر الحسين « عليه‌السلام ». وفي عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٤٨ بسنده عن محمد بن يزيد النحوي عن ابن أبي عبدون عن أبيه قال : لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون ـ وكان قد خرج بالبصرة وأحرق دور بني العباس ـ وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا « عليه‌السلام » وقال : يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل ، لقد خرج من قبله زيد بن علي فقتل ولو لا مكانك لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (عليه‌السلام) : لا تقس أخي زيدا إلى زيد بن علي فانه كان من علماء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله غضب لله عز وجل فجاهد اعداءه حتى قتل في سبيله ، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول : رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لو في بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له : يا عمي إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك فلما ولى قال جعفر بن محمد : ويل لمن سمع داعيته فلم يجبه ، فقال المأمون يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ ـ

٣٧٢

بعده مثل ما كان يطمع في ذلك محمد بن الحنفية بعد وفاة أخيه الحسين عليه‌السلام ـ حتى رأى من ابن أخيه زين العابدين عليه‌السلام من المعجزة الدالة على إمامته ما رأى وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب فكذلك زيد رجا أن يكون القائم مقام أخيه الباقر صلوات الله عليه حتى سمع ما سمع من أخيه ورأى ما رأى من ابن أخيه أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه صدقة بن أبي موسى عن أبي بصير قال : لما حضر أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام الوفاة دعا بابنه الصادق عليه‌السلام ليعهد إليه عهدا فقال له أخوه زيد بن علي.

لما امتثلت في مثال الحسن والحسين عليه‌السلام رجوت أن لا تكون أتيت منكرا.

فقال له الباقر عليه‌السلام يا أبا الحسين إن الأمانات ليست بالمثال ولا العهود بالرسوم إنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى ثم دعا بجابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟

فقال له نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهنئها بولادة الحسن عليه‌السلام فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة فقلت يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك قالت فيها أسماء أئمة من ولدي.

قلت لها ناوليني لأنظر فيها! قالت يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.

قال جابر فقرأت فإذا فيها أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أمه آمنة.

أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه‌السلام المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

أبو محمد الحسن بن علي البر التقي أبو عبد الله الحسين بن علي أمهما فاطمة بنت محمد.

أبو محمد علي بن الحسين العدل أمه شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار.

__________________

فقال الرضا « عليه‌السلام » : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وإنه كان أتقى لله من ذاك إنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وإنما جاء فيمن يدعي أن الله نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم. وكان زيد بن علي والله ممن خوطب بهذه الآية : ( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ ).

وروى الكليني في روضة الكافي ص ٢٦٤ مسندا عن الصادق « عليه‌السلام » أن قال : لا تقولوا : خرج زيد فان زيدا كان عالما وكان صدوقا ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنما دعا إلى الرضا من آل محمد « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ولو ظفر لو في بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه.

وفي إرشاد المفيد « ره » ص ٢٥٢ قال : ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله الصادق « عليه‌السلام » كل مبلغ وحزن له حزنا عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار وروى ذلك أبو خالد الواسطي قال : سلم إلي أبو عبد الله « عليه‌السلام » ، الف ـ دينار وأمرني أن اقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة وكانت سنه يومئذ اثنين وأربعين سنة.

٣٧٣

أبو جعفر محمد بن علي الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ـ أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة أمه جارية اسمها حميدة المصفاة.

أبو الحسن علي بن موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة.

أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها خيزران.

أبو الحسن علي بن محمد الأمين أمه جارية اسمها سوسن.

أبو محمد الحسن بن علي الرضي أمه جارية اسمها سمانة تكنى أم الحسن.

أبو القاسم محمد بن الحسن وهو الحجة القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين.

وعن زرارة بن أعين قال : قال لي زيد بن علي وأنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام يا فتى ما تقول في رجل من آل محمد استنصرك ـ؟

قال قلت إن كان مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل.

فلما خرج قال أبو عبد الله ـ أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا.

وقيل للصادق عليه‌السلام ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل ويقتل معه بشر كثير فأطرق طويلا ثم قال إن فيهم الكذابين وفي غيرهم المكذبين.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ليس منا أحد إلا وله عدو من أهل بيته فقيل له بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق.

قال بلى ولكن يحملهم الحسد.

عن أبي يعقوب (١) قال : لقيت أنا ومعلى بن خنيس (٢) الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام

__________________

(١) عده الشيخ الطرسي « ره » في رجاله ص ٣٣٩ من أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق « عليه‌السلام » فقال : « أبو يعقوب : الأسدي إمام بني الصيد الكوفي ».

(٢) المعلى بن خنيس ذكره الشيخ الطوسي « ره » في عداد أصحاب الصادق « عليه‌السلام » ص ٣٢٠ من رجاله وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص ٢٥٩ فقال : معلى بن خنيس ـ بضم الخاء المعجمة وفتح النون والسين المهملة بعد الياء المنقطة تحتها نقطتين ـ أبو عبد الله مولى الصادق جعفر بن محمد « عليه‌السلام » ، ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفي. قال النجاشي : إنه بزاز بالزاي قبل الألف وبعدها وهو ضعيف جدا وقال : الغضائري إنه كان أول أمره مغيريا ثم دعا إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية ، وفي هذه الظنة أخذه داود بن علي فقتله ، والغلاة يضيفون إليه كثيرا. قال : ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه. وروى فيه أحاديث تقتضي الذم واخرى تقتضي المدح ، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ـ في الغيبة بغير إسناد ـ إنه كان من قوام أبي عبد الله « عليه‌السلام » وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وهذا يقتضي وصفه بالعدالة.

أقول : يريد بقوله كان مغيريا أي : من أصحاب المغيرة بن سعيد مولى بجيلة الذي لعنه الإمام الصادق « عليه‌السلام » مرارا.

٣٧٤

فقال يا يهودي فأخبرنا بما قال فينا جعفر بن محمد عليه‌السلام فقال هو والله أولى باليهودية منكما إن اليهودي من شرب الخمر.

وبهذا الإسناد قال سمعت أبا عبد الله يقول : لو توفي الحسن بن الحسن على الزنا والربا وشرب الخمر كان خيرا له مما توفي عليه.

وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) (٣) قال أي شيء تقول؟ قلت إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة.

فقال عليه‌السلام أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية.

قلت من يدخل فيها؟ قال الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام.

عن محمد بن أبي عمير الكوفي (١) عن عبد الله بن الوليد السمان (٢) قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يقول الناس في أولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قلت ما يقدمون على أولي العزم أحدا.

قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى قال لموسى ( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً ) (٣) ولم يقل كل شيء موعظة وقال لعيسى ( وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (٤) ولم يقل كل شيء وقال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه‌السلام ( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٥) وقال الله عز وجل ( وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) (٦) وعلم هذا الكتاب عنده.

__________________

(١) محمد بن أبي عمير ، واسم أبي عمير : زياد بن عيسى ويكني : أبا محمد مولى الأزد. من موالي المهلب بن أبي صفرة. وقيل :

من موالي بني أمية. والأول أصح ، بغدادي الأصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسى « عليه‌السلام » وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال : يا أبا أحمد.

وروى عن الرضا « عليه‌السلام ». كان جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين. قال الكشي : إنه ممن جمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه والعلم. وقال الشيخ الطوسي « ره » : إنه كان أوثق الناس عند الخاصة والعامة ، وأنسكهم نسكا وأزهدهم وأعبدهم. أدرك من الأئمة ثلاثة : أبا إبراهيم موسى بن جعفر « عليه‌السلام » ولم يرو عنه وروى عن أبي الحسن الرضا « عليه‌السلام » قال أبو عمرو الكشي :

قال محمد بن مسعود : حدثني علي بن الحسين قال : ابن أبي عمير أفقه من يونس بن عبد الرحمن وأصلح وأفضل وله حكاية ذكرناها في كتابنا الكبير ، مات رحمه‌الله سنة سبع عشر ومائتين.

القسم الأول من خلاصة العلامة ص ١٤١

(٢) خلاصة العلامة ص ١١٦ :

عبد الله بن الوليد السمان ، بالسين المهملة والنون أخيرا ـ النخعي مولى كوفي روى عن أبي عبد الله « عليه‌السلام » ثقة.

(٣) الأعراف ـ ١٤٥.

(٤) الزخرف ـ ٦٣

(٥) الرعد ـ ٤٣.

(٦) الأنعام ـ ٥٩

٣٧٥

وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي (١) قال سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل قلت له ولم جعلت فداك؟

قال الأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟

قال وجه الحكمة في غيبته ـ وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلى وقت افتراقهما يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.

وعن علي بن الحكم (٢) عن أبان قال : أخبرني الأحول أبو جعفر محمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق أن زيد بن علي بن الحسين بعث إليه وهو مختف قال فأتيته فقال لي يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟

قال قلت له إن كان أبوك أو أخوك خرجت معه.

قال فقال لي فأنا أريد أن أخرج وأجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي قال قلت لا أفعل جعلت فداك!

قال فقال لي أترغب بنفسك عني؟ قال فقلت له إنما هي نفس واحدة فإن كان لله تعالى في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك وإن لم يكن لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء.

قال فقال لي يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني اللقمة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي ولم يشفق علي من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟

قال قلت له من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني فإن قبلته نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثم قلت له :

جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال بل الأنبياء.

قلت يقول يعقوب ليوسف ( يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) (٣) لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمه وكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك

__________________

(١) عده الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق عليه‌السلام ص ٢٢٢ من رجاله.

(٢) علي بن الحكم من أهل الأنبار. قال الكشي : عن حمدويه عن محمد بن عيسى أن علي بن الحكم هو ابن اخت داود بن النعمان بياع الأنماط وهو نسيب بني الزبير الصيارفة ، وعلي بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير ، ولقي من أصحاب أبي عبد الله الكثير وهو مثل ابن فضال وابن بكير.

(٣) يوسف ـ ٥.

٣٧٦

قال فقال أما والله لئن قلت ذلك فقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.

قال فحججت وحدثت أبا عبد الله عليه‌السلام بمقالة زيد وما قلت له فقال لي أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تترك له مسلكا يسلكه.

وعن هشام بن الحكم قال : اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق وعبد الملك البصري وابن المقفع عند بيت الله الحرام يستهزءون بالحاج ويطعنون بالقرآن.

فقال ابن أبي العوجاء تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام وإثبات ما نحن فيه فاتفقوا على ذلك وافترقوا فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام فقال ابن أبي العوجاء :

أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية ( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) (١) فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.

فقال عبد الملك وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) (٢) ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال أبو شاكر وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (٣) لم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال ابن المقفع يا قوم إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٤) ولم أبلغ غاية المعرفة بها ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

قال هشام بن الحكم فبينما هم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فقال ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (٥) فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلا إلى جعفر بن محمد والله ما رأيناه قط إلا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته ثم تفرقوا مقرين بالعجز

__________________

(١) يوسف ـ ٨٠.

(٢) الحج ـ ٧٣.

(٣) الأنبياء ـ ٢٤.

(٤) هود ـ ٤٤.

(٥) الإسراء ـ ٨٨.

٣٧٧

ولهذا الأمر قال محمد بن أبي بكر في خبر عجيب شعرا (١) :

تجملت تبغلت وإن عشت تفيلت

لك التسع من الثمن وبالكل تملكت

وعن أحمد بن عبد الله البرقي (٢) عن أبيه (٣) عن شريك بن عبد الله (٤) عن الأعمش قال اجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة (٥) وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر فقال ابن أبي حذرة :

أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي ومن جميع أصحاب النبي بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس هو ثان مع رسول الله في بيته مدفون وهو ثاني اثنين معه في الغار ـ وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو ثاني اثنين الصديق من هذه الأمة.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه يا ابن أبي حذرة وأنا أقرر معك أن عليا أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ثلاث جهات من القرآن وصفا ومن خبر الرسول نصا ومن حجة العقل اعتبارا ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي وعلى أبي إسحاق السبيعي وعلى سليمان بن مهران الأعمش.

__________________

(١) تجملت في حرب البصرة ، اي ركبت الجمل وخرجت لحرب علي عليه‌السلام وتبغلت حين جاءوا بجنازة الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام لزيارة قبر جده فخرجت راكبة على بغلة يقودها مروان وهي تنادي : لا تدخلوا بيتي من لا أحب ، وقال مروان : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع جده رسول الله ، لا كان ذلك أبدا والبيت لابن عباس خاطبها به ذلك اليوم وليس لمحمد بن أبي بكر. بل إن محمدا لم يدرك ذلك اليوم وقتل في عهد أمير المؤمنين وقد مرت ترجمته ، ولا اعرف موضع البيت هنا.

(٢) قال السيد الأمين العاملي رحمه‌الله في أعيان الشيعة ج ٩ ص ٤ : « أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، في طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم ، والظاهر أنه من مشايخ الاجازة ، وربما احتمل أن يكون ابن بنت البرقي ونسب إلى جده والله أعلم ».

(٣) لم أعثر له على ترجمة فيما عندي من كتب الرجال.

(٤) شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي الكوفي ، ذكره ابن قتيبة والذهبي في رجال الشيعة ، وكان ممن روى النص على أمير المؤمنين علي عليه‌السلام كما في الميزان للذهبي ومن تتبع سيرته علم أنه كان يوالي أهل البيت عليهم‌السلام وقد روى عن أوليائهم علما جما ، قال ابنه عبد الرحمن : كان عند أبي عشرة آلاف مسألة عن جابر الجعفي ، وعشرة آلاف غرائب. وقال عبد الله بن المبارك : شريك أعلم بحديث الكوفيين من سفيان ، وكان عدوا لأعداء علي عليه‌السلام ، سيئ القول فيهم ، ومع ذلك وصفه الذهبي بالحافظ الصادق أحد الأئمة ، ونقل عن ابن معين القول بأنه صدوق ثقة ، احتج به مسلم وأرباب السنن الأربعة. قال الذهبي : قد كان شريك من اوعية العلم حمل عنه إسحاق الأزرق تسعة آلاف حديث.

ولد بخراسان أو ببخارى سنة ٩٥ ومات بالكوفة مستهل « قع » سنة ١٧٧ أو ١٧٨.

عن الكنى والألقاب للقمي ج ٣ ص ٢٠٥.

(٥) قال في تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٢٥٨ : أبو نعيم النخعي الصغير. اسمه عبد الرحمن بن هاني الكوفي ، سبط إبراهيم النخعي تقدم.

وقال في ج ٦ : عبد الرحمن بن هاني بن سعيد الكوفي أبو نعيم النخعي الصغير ابن بنت إبراهيم النخعي روى عن مسعر والثوري وشريك وابن جريح وعمر بن ذر ... الخ

٣٧٨

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق أخبرني يا ابن أبي حذرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف ترك بيوته التي أضافها الله إليه ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه ميراثا لأهله وولده أو تركها صدقة على جميع المسلمين قل ما شئت.

فانقطع ابن أبي حذرة لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما فيه.

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ولا يصيبها من البيت ذراع في ذراع وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب من البيت إلا ما لأدنى رجل من المسلمين فدخول بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وولده فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال لهم إنكم تعلمون أن النبي أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي عليه‌السلام فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله فأبى عليه وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة وقال :

إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون ( أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً ) وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما وإن عليا هو بمنزلة هارون من موسى وذريته كذرية هارون ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته عليه‌السلام فقالوا بأجمعهم كذلك كان.

قال أبو جعفر ذهب ربع دينك يا ابن أبي حذرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك وأما قولك ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار؟ قال ابن أبي حذرة نعم.

قال أبو جعفر فقد خرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي في هذه الليلة على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار فقال الناس صدقت.

فقال أبو جعفر يا ابن أبي حذرة ذهب نصف دينك وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمة فقد أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام في قوله عز وجل ( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) إلى آخر الآية ـ والذي ادعيت إنما هو شيء سماه الناس ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس ـ وقد قال علي عليه‌السلام على منبر البصرة أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله قال الناس صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب ثلاثة أرباع دينك.

وأما قولك في الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له ـ وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما عزله عن تلك الصلاة بعينها أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ولا تخلو هذه الصلاة

٣٧٩

من أحد وجهين إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين.

وإما أن تكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا في طلبه وأخذه منه وعزله عنها وعن تبليغها فكذلك كانت قصة الصلاة وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه وفي ذلك دليل واضح أنه لا يصلح للاستخلاف بعده ولا هو مأمون على شيء من أمر الدين فقال الناس صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت.

فقال الناس لأبي جعفر هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليه‌السلام فقال أبو جعفر مؤمن الطاق :

أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) فوجدنا عليا بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ـ يعني في الحرب والشغب ـ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٢) فوقع الإجماع من الأمة بأن عليا عليه‌السلام أولى بهذا الأمر من غيره لأنه لم يفر من زحف قط كما فر غيره في غير موضع فقال الناس صدقت.

وأما الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصا فقال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن تقدمها مرق ومن لزمها لحق (٣) فالمتمسك بأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هاد مهتد بشهادة من الرسول ـ والمتمسك بغيرها ضال مضل.

قال الناس صدقت يا أبا جعفر وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الإجماع قد وقع على علي عليه‌السلام بأنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان الناس يسألونه ويحتاجون إليه وكان علي مستغنيا عنهم هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٤).

__________________

(١) التوبة ـ ١٢٠

(٢) البقرة ـ ١٧٧

(٣) ذخائر العقبى ص ٢٠ : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تعلق بها فاز ، ومن تخلف عنها غرق » أخرجه الملا في سيرته. قال الحجة الأميني في ج ٢ ص ٣٠١ من الغدير : وحديث السفينة رواه الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥١ عن أبي ذر وصححه بلفظ : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق. وأخرجه الخطيب في تاريخه ج ١٢ ص ٩١ عن أنس والبزار عن ابن عباس وابن الزبير وابن جرير والطبراني عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري وأبو نعيم وابن عبد البر ومحب الدين الطبري وكثيرون آخرون.

(٤) يونس ـ ٣٥.

٣٨٠