الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العقاب.

قال فالعمل الصالح من العبد هو فعله والعمل الشر من العبد هو فعله؟

قال العمل الصالح من العبد بفعله والله به أمره والعمل الشر من العبد بفعله والله عنه نهاه.

قال أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟

قال نعم ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشر الذي نهاه عنه.

قال فإلى العبد من الأمر شيء؟

قال ما نهاه الله عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه ولا أمره بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله لأنه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون.

قال فمن خلقه الله كافرا أيستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة؟

قال عليه‌السلام إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين أمرهم ونهاهم والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافرا.

قال أفيجوز أن يقدر على العبد الشر ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله ويعذبه عليه؟

قال إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه والإنزاع عما لا يقدر على تركه ثم يعذبه على أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه.

قال بما ذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء والسعة وبما ذا استحق الفقير التقتير والتضييق؟

قال اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم.

ووجه آخر أنه عجل لقوم في حياتهم ولقوم آخر ليوم حاجتهم إليه.

ووجه آخر فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال وأنواع الصناعات ـ وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.

قال فيما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض بلا ذنب عمله ولا جرم سلف منه؟

قال إن المرض على وجوه شتى مرض بلوى ومرض عقوبة ومرض جعل علة للفناء وأنت تزعم أن ذلك من أغذية ودية [ ردية ] وأشربة وبية أو من علة كانت بأمه وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه وأجمل النظر

٣٤١

في أحوال نفسه وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء وأفلاطون رئيس الحكماء وجالينوس شاخ ودق بصره وما دفع الموت حين نزل بساحته ولم يألوا حفظ أنفسهم والنظر لما يوافقها كم مريضا قد زاده المعالج سقما وكم من طبيب عالم وبصير بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.

ثم قال عليه‌السلام إن أكثر الأطباء قالوا إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه وأمناءه في أرضه وخزان علمه وورثة حكمته والأدلاء عليه والدعاة إلى طاعته؟

ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.

قال فكيف تزهد في قوم وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟

قال عليه‌السلام إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه وتأليف بدنه وتركيب أعضائه ومجرى الأغذية في جوارحه ومخرج نفسه وحركة لسانه ومستقر كلامه ونور بصره وانتشار ذكره واختلاف شهواته وانسكاب عبراته ومجمع سمعه وموضع عقله ومسكن روحه ومخرج عطسته وهيج غمومه وأسباب سروره وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم وغير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم جوزوها.

قال فأخبرني عن الله أله شريك في ملكه أو مضاد له في تدبيره قال لا.

قال فما هذا الفساد الموجود في العالم من سباع ضارية وهوام مخوفة وخلق كثير مشوهة ودود وبعوض وحيات وعقارب وزعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لأنه لا يعبث؟

قال ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة ولمن يبول في الفراش وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي فإن لحومها إذا أكلها المجذوم بشب [ بشبت ] نفعه وتزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة؟ قال نعم.

قال عليه‌السلام فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته واعلم أنا لو وقفنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه ولأي شيء أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه وعلمنا كل ما يعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء.

قال فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله وتدبيره ـ قال لا.

قال فإن الله خلق خلقه غرلا أذلك منه حكمة أم عبث قال بل منه حكمة.

٣٤٢

قال غيرتم خلق الله وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها وعبتم الأغلف والله خلقه ومدحتم الختان وهو فعلكم أم تقولون إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟

قال عليه‌السلام ذلك من الله حكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها وفي تركها فساد بين للمولود والأم وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم ـ وكان قادرا يوم دبر خلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول وكذلك الشعر من الشارب والرأس يطول فيجز وكذلك الثيران خلقها الله فحولة وإخصاؤها أوفق وليس في ذلك عيب في تقدير الله عز وجل.

قال ألست تقول يقول الله تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟

قال ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه وأما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم ينقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه وأشباه ذلك كثيرة فافهم هذا.

قال أخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد ولا يصعد من الأرض إليها بشر ولا طريق إليها ولا مسلك فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية وأنفى للشك وأقوى لليقين وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد ومن عنده يهبط الهابط؟

قال إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء ومنها يظهر أما ترى الشمس منها تطلع وهي نور النهار وفيها قوام الدنيا ولو حبست حار من عليها وهلك والقمر منها يطلع وهو نور الليل وبه يعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير وفي السماء النجوم التي يهتدى ( بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء من الزرع والنبات والأنعام وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا والريح لو حبست لفسدت الأشياء جميعا وتغيرت ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شيء ومن عنده ينزل وقد ( كَلَّمَ اللهُ مُوسى ) وناجاه ورفع الله عيسى بن مريم والملائكة تنزل من عنده غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل.

قال فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا وكيف حالهم وما ذا لقوا بعد الموت وأي شيء صنع بهم ـ لعمل الناس على اليقين واضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب.

قال إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم ولم يصدق بما جاءوا به من عند الله إذ أخبروا وقالوا إن

٣٤٣

الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه حال من مات منا أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله.

وقد رجع إلى الدنيا مما مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق.

وأمات الله أرميا النبي عليه‌السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله ـ حين غزاهم بختنصر وقال ( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ) ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل فلما استوى قاعدا قال ( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).

وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم وأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا بعث الله في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم وقاموا كهيئة يوم ماتوا لا يفقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا.

وإن الله أمات قوما خرجوا مع موسى عليه‌السلام حين توجه إلى الله فَقالُوا : ( أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ) فأماتهم الله ثم أحياهم.

قال فأخبرني عمن قال بتناسخ الأرواح من أي شيء؟ قالوا ذلك وبأي حجة قاموا على مذاهبهم؟

قال إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين وزينوا لأنفسهم الضلالات وأمرجوا أنفسهم في الشهوات (١) وزعموا أن السماء خاوية ما فيها شيء مما يوصف وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عز وجل خلق آدم على صورته وأنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر فإن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أو هوام مشوهة الخلقة وليس عليهم صوم ولا صلاة ولا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته وكل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من الأخوات والبنات والخالات وذوات البعولة.

وكذلك الميتة والخمر والدم فاستقبح مقالتهم كل الفرق ولعنهم كل الأمم فلما سئلوا الحجة زاغوا وحادوا فكذب مقالتهم التوراة ولعنهم الفرقان وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب وأن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟

وقالوا إن الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان والتصفية فهو ملك فطورا تخالهم نصارى في أشياء ـ وطورا دهرية يقولون إن الأشياء على غير الحقيقة فقد كان يجب

__________________

(١) أمرج الدابة : تركها تذهب حيث شاءت.

٣٤٤

عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم فلا يجوز أكل لحوم القربات.

قال ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية فلم يستطع التفصي منها (١) إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!

قال سبحان الله تعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي من الطينة إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفناء وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم والميت لا يجيء منه حي.

وهذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا وأمهنهم مثلا ـ نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله بما جاءوا عن الله.

فأما من زعم أن الأبدان ظلمة والأرواح نور وأن النور لا يعمل الشر والظلمة لا تعمل الخير فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ولا ركوب حرمة ولا إتيان فاحشة وإن ذلك عن الظلمة غير مستنكر لأن ذلك فعلها ولا له أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه لأن النور الرب والرب لا يتضرع إلى نفسه ولا يستعبد بغيره ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول أحسنت يا محسن أو أسأت لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها والإحسان من النور ولا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن وليس هناك ثالث وكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور لأن الأبدان محكمة فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟

وكل شيء يرى ظاهرا من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب يجب أن يكون إلها ثم حبست النور في حبسها والدولة لها وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير وليس له سلطان فلا فعل له ولا تدبير وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وجامع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله وكما تحسن الشر وتفعله فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت ولا ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الأمر إلى أن الله واحد وما سواه باطل فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه.

وأما من قال النور والظلمة بينهما حكم فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم وهذه مقالة المانوية والحكاية عنهم تطول.

قال فما قصة ماني؟

قال متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا

__________________

(١) التفصي. التخلص وتفصى عن الشيء بان عنه.

٣٤٥

منهما وزعم أن العالم دبر من إلهين نور وظلمة وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه فكذبته النصارى وقبلته المجوس.

قال فأخبرني عن المجوس أفبعث الله إليهم نبيا فإني أجد لهم كتبا محكمة ومواعظ بليغة وأمثالا شافية يقرون بالثواب والعقاب ولهم شرائع يعملون بها.

قال عليه‌السلام ما ( مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ ) ـ وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه وجحدوا كتابه.

قال ومن هو؟ فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟

قال عليه‌السلام إن خالدا كان عربيا بدويا ما كان نبيا وإنما ذلك شيء يقوله الناس.

قال أفزردشت؟

قال إن زردشت أتاهم بزمزمة وادعى النبوة فآمن منهم قوم وجحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض.

قال فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب؟

قال العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس وذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم تأخذ بشيء من سننهم وآثارهم وأن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي ـ وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة والعرب كانت تغتسل والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية وكانت المجوس لا تختن وهو من سنن الأنبياء وأول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله وكانت المجوس لا تغسل موتاها ولا تكفنها وكانت العرب تفعل ذلك وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس والعرب تواريها في قبورها وتلحدها وكذلك السنة على الرسل إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر وألحد له لحد وكانت المجوس تأتي الأمهات وتنكح البنات والأخوات وحرمت ذلك العرب وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته بيت الشيطان والعرب كانت تحجه وتعظمه وتقول بيت ربنا وتقر بالتوراة والإنجيل وتسأل أهل الكتب وتأخذ وكانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفية من المجوس.

قال فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.

قال فما حجتهم في إتيان البنات والأمهات وقد حرم ذلك آدم وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء وكل ما جاء عن الله عز وجل.

قال ولم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟

قال حرمها لأنها أم الخبائث ورأس كل شر يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه ولا يعرف ربه ولا

٣٤٦

يترك معصية إلا ركبها ولا حرمة إلا انتهكها ولا رحم ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها والسكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للأوثان سجد وينقاد حيث ما قاده.

قال فلم حرم الدم المسفوح؟

قال لأنه يورث القساوة ويسلب الفؤاد رحمته ويعفن البدن ويغير اللون وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال فأكل الغدد؟ قال يورث الجذام.

قال فالميتة لم حرمها؟ قال فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها.

قال فالسمك ميتة؟ قال إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك أنه ليس له دم وكذلك الجراد.

قال فلم حرم الزنا؟ قال لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها ـ ولا المولود يعلم من أبوه ولا أرحام موصولة ولا قرابة معروفة.

قال فلم حرم اللواط؟ قال من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في إجازة ذلك فساد كثير.

قال فلم حرم إتيان البهيمة؟

قال كره أن يضيع الرجل ماءه ويأتي غير شكله ولو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها ويغشى فرجها وكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها وحرم عليهم فروجها وخلق للرجال النساء ليأنسوا بهن ويسكنوا إليهن ويكن مواضع شهواتهم وأمهات أولادهم.

قال فما علة الغسل من الجنابة وإنما أتى حلالا وليس في الحلال تدنيس؟

قال عليه‌السلام إن الجنابة بمنزلة الحيض وذلك أن النطفة دم لم يستحكم ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها.

قال أيها الحكيم فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النجوم السبعة؟

قال عليه‌السلام يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر وسائرة لا تقف.

ثم قال وإن لكل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.

٣٤٧

قال فمن قال بالطبائع؟

قال القدرية فذلك قول من لم يملك البقاء ولا صرف الحوادث وغيرته الأيام والليالي لا يرد الهرم ولا يدفع الأجل ما يدري ما يصنع به.

قال فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ويذهب قرن ويجيء قرن وتفنيهم الأمراض والأعراض وصنوف الآفات ويخبرك الآخر عن الأول وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام ويصنف كتابا قد حبره بفطنته وحسنه بحكمته قد جعله حاجزا بين الناس يأمرهم بالخير ويحثهم عليه وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه لئلا يتهارشوا ولا يقتل بعضهم بعضا؟

قال عليه‌السلام ويحك ـ إن من خرج من بطن أمه أمس ويرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره أو لم يزل موجودا فما ليس بشيء ليس يقدر أن يخلق شيئا وهو ليس بشيء وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث لأن الأزلي لا تغيره الأيام ولا يأتي عليه الفناء مع أنا لم نجد بناء من غير بان ولا أثرا من غير مؤثر ولا تأليفا من غير مؤلف فمن زعم أن أباه خلقه قيل فمن خلق أباه ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته وصوره على محبته ولملك حياته ولجاز فيه حكمه ولكنه إن مرض فلم ينفعه وإن مات فعجز عن رده إن من استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد.

قال فما تقول في علم النجوم؟

قال هو علم قلت منافعه وكثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور إن المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه.

قال فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟

قال بل الرسول أفضل.

قال فما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السر وما هو أخفى؟

قال استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة ـ وعن معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى وكف فيقول ربي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشيطان وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله.

٣٤٨

قال فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟

قال خلقهم للرحمة وكان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية وجحدهم به.

قال يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره ـ فبم يعذب من وحده وعرفه؟

قال يعذب المنكر لإلهيته عذاب الأبد ويعذب المقر به عذاب عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه ثم يخرج ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ).

قال فبين الكفر والإيمان منزلة؟ قال عليه‌السلام لا.

قال فما الإيمان وما الكفر؟ قال عليه‌السلام الإيمان أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله كتصديقه بما شاهد من ذلك وعاين والكفر الجحود.

قال فما الشرك وما الشك؟ قال عليه‌السلام الشرك هو أن يضم إلى الواحد الذي ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) آخر والشك ما لم يعتقد قلبه شيئا.

قال أفيكون العالم جاهلا؟ قال عليه‌السلام عالم بما يعلم وجاهل بما يجهل.

قال فما السعادة وما الشقاوة؟ قال السعادة سبب الخير تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة والشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي فيجره إلى الهلكة وكل بعلم الله.

قال أخبرني عن السراج إذا انطفى أين يذهب نوره قال عليه‌السلام يذهب فلا يعود.

قال فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفى؟

قال لم تصب القياس إن النار في الأجسام كامنة ـ والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد فإذا ضرب أحدهما بالآخر سقطت من بينهما نار تقتبس منها سراج له ضوء فالنار ثابت في أجسامها والضوء ذاهب والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت إن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك وهو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه.

قال فأين الروح؟ قال في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.

قال فمن صلب فأين روحه؟

قال في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.

قال فأخبرني عن الروح أغير الدم؟

٣٤٩

قال نعم الروح على ما وصفت لك مادتها من الدم ومن الدم رطوبة الجسم وصفاء اللون وحسن الصوت وكثرة الضحك فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.

قال فهل يوصف بخفة وثقل ووزن؟

قال الروح بمنزلة الريح في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.

قال فأخبرني ما جوهر الريح؟

قال الريح هواء إذا تحرك يسمى ريحا فإذا سكن يسمى هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شيء وتطيبه فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير وتبارك اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.

قال أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قال بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين.

قال وأنى له بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكلها سباعها وعضو بأخرى تمزقه هوامها وعضو صار ترابا بني به مع الطين حائط ـ؟

قال عليه‌السلام إن الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه قال أوضح لي ذلك!

قال إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة والبدن يصير ترابا كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخضوا [ تمخض ] مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ـ والزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.

قال فأخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة قال عليه‌السلام بل يحشرون في أكفانهم.

قال أنى لهم بالأكفان وقد بليت؟ قال عليه‌السلام إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم.

قال فمن مات بلا كفن؟ قال عليه‌السلام يستر الله عورته بما يشاء من عنده.

قال أفيعرضون صفوفا؟ قال عليه‌السلام نعم هم يومئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الأرض.

٣٥٠

قال أوليس توزن الأعمال؟

قال عليه‌السلام لا إن الأعمال ليست بأجسام وإنما هي صفة ما عملوا وإنما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها أو خفتها و ( إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ).

قال فما معنى الميزان؟ قال عليه‌السلام العدل.

قال فما معناه في كتابه : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ )؟

قال عليه‌السلام فمن رجح عمله.

قال فأخبرني أوليس في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب؟

قال عليه‌السلام إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه إنما شريكه الذي يخلقه فيسلط الله عليهم العقارب والحيات في النار ـ ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.

قال فمن أين قالوا إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟

قال عليه‌السلام نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس عنه فلا ينقص من ضوئه شيئا وقد امتلأت ـ الدنيا منه سراجا.

قال أليسوا يأكلون ويشربون وتزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟

قال عليه‌السلام بلى لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له بل يخرج من أجسادهم بالعرق.

قال فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟

قال عليه‌السلام لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة ولا يخالط جسمها آفة ولا يجري في ثقبها شيء ولا يدنسها حيض فالرحم ملتزقة ملدم إذ ليس فيها لسوى الإحليل مجرى

قال فهي تلبس سبعين حلة ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها؟

قال عليه‌السلام نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح.

قال فكيف تنعم أهل الجنة بما فيه من النعيم وما منهم أحد إلا وقد فقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار ويعذب؟

قال عليه‌السلام إن أهل العلم قالوا إنهم ينسون ذكرهم ـ وقال بعضهم انتظروا قدومهم ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف.

قال فأخبرني عن الشمس أين تغيب؟

قال عليه‌السلام إن بعض العلماء قال إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا ،

٣٥١

إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع ويسلب نورها كل يوم وتجلل نورا آخر.

قال فالكرسي أكبر أم العرش؟

قال عليه‌السلام كل شيء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي.

قال فخلق النهار قبل الليل؟

قال عليه‌السلام خلق النهار قبل الليل والشمس قبل القمر والأرض قبل السماء ووضع الأرض على الحوت والحوت في الماء والماء في صخرة مجوفة والصخرة على عاتق ملك والملك على الثرى والثرى على الريح العقيم والريح على الهواء والهواء تمسكه القدرة وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء يتوهم ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض والكرسي أكبر من كل شيء خلقه الله ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي.

وعن أبان بن تغلب أنه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه أبو عبد الله فقال له مرحبا يا سعد فقال الرجل بهذا الاسم سمتني أمي وما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعد المولى فقال الرجل جعلت فداك بهذا اللقب كنت ألقب فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا خير في اللقب إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ).

ما صناعتك يا سعد؟ قال جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا.

فقال أبو عبد الله كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر؟ درجة فقال اليماني لا أدري.

فقال صدقت فقال فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟ قال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله عليه‌السلام صدقت!

قال فكم يزيد ضوء المشتري على ضوء العطارد درجة؟ قال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله صدقت!

قال فكم ضوء عطارد يزيد درجة على ضوء الزهرة؟ قال اليماني لا أدري قال أبو عبد الله صدقت!

قال فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام صدقت!

قال فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟ ـ فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام صدقت!

٣٥٢

قال فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ فقال اليماني لا أدري!

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام صدقت في قولك لا أدري فما زحل عندكم في النجوم؟

فقال اليماني نجم نحس.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو نجم الأوصياء عليهم‌السلام وهو ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) الذي قال الله تعالى في كتابه.

فقال اليماني فما معنى الثاقب؟

فقال إن مطلعه في السماء السابعة فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله النجم الثاقب.

ثم قال يا أخا العرب أعندكم عالم؟ فقال اليماني جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام وما يبلغ من علم عالمهم؟ فقال اليماني إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن قال اليماني وما يبلغ علم عالم المدينة؟

قال إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر ولا يزجر الطير ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما.

فقال له اليماني ما ظننت أن أحدا يعلم هذا وما يدري ما كنهه!

قال ثم قام اليماني وخرج.

وعن سعيد بن أبي الخضيب (١) قال : دخلت أنا وابن أبي ليلى المدينة فبينما نحن في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل جعفر بن محمد عليه‌السلام فقمنا إليه فسألني عن نفسي وأهلي ثم قال من هذا معك؟

فقلت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين فقال نعم ثم قال له :

أتأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتفرق بين المرء وزوجه ولا تخاف في هذا أحدا؟ قال نعم.

قال فبأي شيء تقضي؟

قال بما بلغني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أبي بكر وعمر.

قال فبلغك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أقضاكم علي بعدي؟ قال نعم.

__________________

(١) سعيد ابن أبي الخضيب البجلي : عده الشيخ في رجاله ص ٢٠٥ من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

٣٥٣

قال فكيف تقضي بغير قضاء علي عليه‌السلام وقد بلغك هذا؟

قال فاصفر وجه ابن أبي ليلى ثم قال التمس مثلا لنفسك فو الله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.

وعن الحسين بن زيد (١) عن جعفر الصادق عليه‌السلام أن رسول الله قال لفاطمة يا فاطمة إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.

قال فقال المحدثون بها قال فأتاه ابن جريح [ جريج ] فقال يا أبا عبد الله حدثنا اليوم حديثا استهزأه الناس.

قال وما هو؟

قال حديث أن رسول الله قال لفاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك.

قال فقال عليه‌السلام إن الله ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن ويرضى لرضاه؟ فقال نعم.

قال عليه‌السلام فما تنكر أن تكون ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمنة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟ قال صدقت ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ).

وعن حفص بن غياث (٢) قال : شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء (٣) يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) ما ذنب الغير؟

قال ويحك هي هي وهي غيرها!

قال فمثل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا قال نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها.

وروي أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه‌السلام ( قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) قال ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم عليه‌السلام قيل وكيف ذلك؟

فقال إنما قال إبراهيم ( فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) فإن نطقوا فكبيرهم فعل وإن لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا فما نطقوا وما كذب إبراهيم (ع).

__________________

(١) ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ٥١ فقال : الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام. أبو عبد الله ، يلقب ذا الدمعة كان أبو عبد الله تبناه ورباه ، وزوجه بنت الأرقط ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، وكتابه مختلف الرواية.

(٢) حفص بن غياث : عده الشيخ في رجاله ص ١١٨ من أصحاب الباقر « عليه‌السلام » وذكره في أصحاب الصادق عليه‌السلام أيضا ص ١٧٥ فقال : حفص بن غياث بن طلق بن معاوية. أبو عمر النخعي القاضي الكوفي أسند عنه ، وذكره في باب من لم يرو عن الأئمة عليهم‌السلام ص ٤٧١ والعلامة في القسم الثاني من خلاصته ص ٢١٨ وقال : ولي القضاء لهارون وروى عن الصادق « عليه‌السلام » وكان عاميا وله كتاب معتمد.

(٣) عبد الكريم بن أبي العوجاء هذا من تلامذة الحسن البصري وقد انحرف عن التوحيد وحبسه محمد بن سليمان عامل الكوفة من جهة المنصور وهو خال معن بن زائدة فكثر شفعاؤه بمدينة السلام وألحوا على المنصور حتى كتب إلى محمد بالكف عنه وقبل أن يجيء الكتاب إلى محمد بن سليمان بعث عليه وأمر بضرب عنقه فلما أيقن أنه مقتول قال أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث احرم فيها الحلال واحل بها الحرام ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم ثم ضربت عنقه.

٣٥٤

فسئل عن قوله في سورة يوسف ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ )؟

قال إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنه قال لهم : ( قالُوا ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ) ولم يقل سرقتم صواع الملك ـ إنما سرقوا يوسف من أبيه.

فسئل عن قول إبراهيم ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال ما كان إبراهيم سقيما وما كذب إنما عنى سقيما في دينه أي مرتادا.

وعن عبد المؤمن الأنصاري (١) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن قوما رووا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال اختلاف أمتي رحمة فقال صدقوا.

قلت إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟

قال ليس حيث تذهب وذهبوا إنما أراد قول الله عز وجل : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) أمرهم أن ينفروا إلى رسول الله ويختلفوا إليه ويتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم إنما أراد اختلافهم في البلدان لا اختلافا في الدين إنما الدين واحد.

وروي عنه صلوات الله عليه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما وجدتم في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به ولا عذر لكم في تركه وما لم يكن في كتاب الله عز وجل وكانت في سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا إنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة.

قيل يا رسول الله من أصحابك؟ قال أهل بيتي.

قال محمد بن الحسين بن بابويه القمي رضي‌الله‌عنه إن أهل البيت لا يختلفون ولكن يفتون الشيعة بمر الحق وربما أفتوهم بالتقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية والتقية رحمة للشيعة ويؤيد تأويله رضي‌الله‌عنه أخبار كثيرة.

منها ما رواه محمد بن سنان عن نصر الخثعمي (٢) قال سمعت أبا عبد الله يقول : من عرف من أمرنا أن لا نقول إلا حقا فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك منا دفاع واختيار له.

وعن عمر بن حنظلة (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في

__________________

(١) ذكره الشيخ في أصحاب علي بن الحسين « عليه‌السلام » ص ٩٩ من رجاله وفي أصحاب الباقر « عليه‌السلام » ص ١٣١ وعده في أصحاب الصادق عليه‌السلام ص ٢٣٦ وذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٣١ فقال : « عبد المؤمن بن القاسم بن قيس بن قهد ـ بفتح القاف وإسكان الهاء ـ الأنصاري روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام ثقة وهو أخو أبي مريم عبد الغفارين القاسم ، وقيس بن قهد الصحابي ».

(٢) نصر الخثعمي : لم أعثر فيما بين يدي من كتب الرجال على ترجمة لصاحب هذا الاسم. ولعله نصير الخثعمي فقد ذكره الأردبيلي في جامع الرواة ج ٢ ص ٢٩٢ فقال : نصير أبو الحكم الخثعمي. محمد بن سنان عنه عن أبي عبد الله في محاسن البرقي في باب إن المؤمن صنفان.

(٣) عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي : عده الشيخ في رجاله ص ٢٥١ من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

٣٥٥

دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟

قال عليه‌السلام من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت والطاغوت المنهي عنه وما حكم له به فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت ومن أمر الله عز وجل أن يكفر به قال الله عز وجل ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ).

قلت فكيف يصنعان وقد اختلفا؟

قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضيا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا كافر وراد على الله وهو على حد من الشرك بالله.

قلت فإن كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فيما حكما فإن الحكمين اختلفا في حديثكم؟

قال إن الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر.

قلت فإنهما عدلان مرضيان عرفا بذلك لا يفضل أحدهما صاحبه؟

قال ينظر الآن إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاث أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله عز وجل وإلى رسوله حلال بين وحرام بين وشبهات تتردد بين ذلك ـ فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

قلت فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ثم وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة والآخر يخالف بأيهما نأخذ من الخبرين؟

قال ينظر إلى ما هم إليه يميلون فإن ما خالف العامة ففيه الرشاد.

قلت جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا؟

قال انظروا إلى ما تميل إليه حكامهم وقضاتهم فاتركوا جانبا وخذوا بغيره.

قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟

٣٥٦

قال إذا كان كذلك فأرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات والله هو المرشد.

جاء هذا الخبر على سبيل التقدير لأنه قلما يتفق في الأثر أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام موافقين للكتاب والسنة وذلك مثل غسل الوجه واليدين في الوضوء لأن الأخبار جاءت بغسلهما مرة مرة وغسلهما مرتين مرتين فظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك بل يحتمل كلتا الروايتين ومثل ذلك يؤخذ في أحكام الشرع.

وأما قوله عليه‌السلام للسائل أرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك أمره بذلك عند تمكنه من الوصول إلى الإمام فأما إذا كان غائبا ولا يتمكن من الوصول إليه والأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على الآخر بالكثرة والعدالة كان الحكم بهما من باب التخيير.

يدل على ما قلنا ما روي عن الحسن بن الجهم (١) عن الرضا عليه‌السلام قال قلت للرضا عليه‌السلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟

قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا.

قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق.

فقال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.

ما رواه الحارث بن المغيرة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه.

وروى سماعة بن مهران (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه؟

__________________

(١) الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين : أبو محمد الشيباني ثقة روى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما‌السلام ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ٤٣ والنجاشي في رجاله ص ٤٠ والشيخ في أصحاب الكاظم ص ٣٤٧ من رجاله.

(٢) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ٥٥ الحرث بن المغيرة النصري ـ بالنون والصاد غير المعجمة ـ روى الكشي عن محمد بن قولويه قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد الحجال عن يونس بن يعقوب قال : كنا عند أبي عبد الله « عليه‌السلام » فقال : أما لكم من مفزع! أما لكم من مستراح تستريحون إليه! ما يمنعكم من الحرث بن المغيرة النصري؟ وروى حديثا في طريقه سجادة : أنه أهل الجنة.

وقال النجاشي : حارث بن المغيرة النصري من بني نصر بن معاوية بصري عربي روى عن أبي جعفر الباقر والصادق والكاظم « عليهم‌السلام » وعن زيد بن علي عليه‌السلام ثقة ثقة.

(٣) قال النجاشي ص ١٤٦ من رجاله : « سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي مولى عبد بن وائل بن حجر الحضرمي يكنى : أبا ناشرة وقيل : أبا محمد كان يتجر في القز ويخرج به إلى حران ، ونزل من الكوفة كندة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن « عليهما‌السلام » ومات بالمدينة ثقة وله بالكوفة مسجد بحضرموت وهو مسجد زرعة بن محمد الحضرمي بعده ، وذكره أحمد بن الحسين رحمه‌الله وأنه وجد في بعض الكتب أنه مات سنة خمس وأربعين ومائة في حياة أبي عبد الله ، وذلك أن أبا عبد الله « عليه‌السلام » قال : إن رجعت لم ترجع إلينا فأقام عنده فمات في تلك السنة ، وكان

٣٥٧

قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه.

قال قلت لا بد من أن نعمل بأحدهما.

قال خذ بما فيه خلاف العامة فقد أمر عليه‌السلام بترك ما وافق العامة لأنه يحتمل أن يكون قد ورد مورد التقية وما خالفهم لا يحتمل ذلك.

وروي عنهم أيضا أنهم قالوا : إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا فإنه لا ريب فيه وأمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل ذكرها هنا وما أوردناه عارض ليس هنا موضعه.

وعن بشير بن يحيى العامري (١) عن ابن أبي ليلى (٢) قال : دخلت أنا والنعمان أبو حنيفة (٣) على جعفر بن محمد فرحب بنا فقال :

__________________

نحوا من ستين سنة وليس أعلم كيف هذه الحكاية لأن سماعة روى عن أبي الحسن وهذه الحكاية يتضمن أنه مات في حياة أبي عبد الله « عليه‌السلام » والله أعلم. له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة « الخ » وذكره الشيخ في أصحاب الصادق ص ٢٠٤ وفي أصحاب الكاظم ص ٣١٥.

(١) بشير بن يحيى العامري : لم أعثر له على ترجمة فيما بين يدي من كتب الرجال.

(٢) في سفينة البحار ج ٢ ص ٥٢٠ أقول « ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن القاضي الكوفي عده الشيخ من أصحاب الصادق « عليه‌السلام ». كان بينه وبين أبي حنيفة منافرات توفي سنة ١٤٨ وكان أبوه من أكابر تابعي الكوفة ، وجده أبو ليلى من الصحابة قال ابن النديم : واسم أبي ليلى يسار ولد احيحة بن الجلاح وقال : ولي ابن أبي ليلى القضاء لبني أمية وولد العباس وكان يفتي بالرأي قبل أبي حنيفة ، وذكره في الخلاصة في القسم الأول ونقل عن ابن عقدة أنه روى عن ابن نمير أنه كان صدوقا مأمونا ولكنه سيئ الحفظ جدا. وقال ابن داود : إنه ممدوح وقال المولى محمد صالح : إنه ممدوح مشكور صدوق مأمون. وفي التعليقة روى ابن أبي عمير عنه عن أبيه وقد أغرب أبو علي في رجاله وقال : إن نصب الرجل أشهر من كفر إبليس ، وهو من مشاهير المنحرفين وتولى القضاء لبني أمية ثم لبني العباس برهة من السنين ، كما ذكره غير واحد من المؤرخين ورده شهادة جملة من أجلاء أصحاب الصادق « عليه‌السلام » لأنهم رافضة مشهور وفي كتب الحديث مذكور ، من ذلك ما ذكره الكشي في ترجمة محمد بن مسلم فلاحظ ، ومن ذلك في ترجمة عمار الدهني ويجب ذكره في الضعفاء كما فعله الفاضل ... قال شيخنا في المستدرك بعد نقل هذا الكلام من أبي علي : قلت : المدعى صدقه وأمانته ووثاقته في الحديث ومجرد القضاء والعامية لا ينافي ذلك. وقال صدر المحققين العاملي في حواشيه على رجاله وفي تضاعيف الأخبار ما يدل على أن ابن أبي ليلى لم يكن على ما ذكره المؤلف من النصب بل يظهر من الروايات ميله لآل محمد عليهم‌السلام. وروايات رد الشهادة تشهد بذلك لأنه قبل شهادتهم بعد ردها. وفي صدر الوقوف من الكافي أن ابن أبي ليلى حكم في قضية بحكم فقال له محمد بن مسلم : إن عليا عليه‌السلام قضى بخلاف ذلك وروى ذلك له عن الباقر « عليه‌السلام » فقال ابن أبي ليلى : هذا عندك؟ قال : نعم. قال. فأرسل وائتني به. قال له محمد بن مسلم : على أن لا تنظر في الكتاب الا في ذلك الحديث ثم أراه الحديث عن الباقر « عليه‌السلام » فرد قضيته ونقضه للقضاء بعد الحكم دليل على عدم التعصب فضلا عن النصب ... وبالجملة فمن تتبع الأخبار وجد أن ابن أبي ليلى كان يقضي بما يبلغه عن الصادقين عليهما‌السلام ويحكم بذلك بعد التوقف بل ينقض ما كان قد حكم به إذا بلغه عنهم « عليه‌السلام » خلافه فكيف يكون من حاله ذلك من النواصب؟ ».

(٣) أبو حنيفة : واسمه النعمان بن ثابت بن زوطي. وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة. وأصله من كابل ، وقيل مولى لبني قفل كما في الفهرست لابن النديم ص ٢٨٤ وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٣ ص ٣٢٤ : « ولد أبو حنيفة وأبوه نصراني » .. إلى أن قال : « وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فاعتق فولاؤه لبني عبد الله بن ثعلبة ثم لبني قفل ».

وروى مسندا عن الزيادي يقول : سمعت أبا جعفر يقول : كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا .. وقيل كان والد أبي حنيفة من « نسا » وقيل أصله من « ترمذ » وقيل ثابت والد أبي حنيفة من أهل « الأنبار ».

وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه عدة روايات بأسانيد مختلفة تقول : إن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين وفي بعضها ثلاثا وفي رواية سفيان الثوري استتيب من الكفر مرارا. وفي رواية أبي عيينة استتيب من الدهر ثلاث مرات راجع تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٨٠ ـ ٣٨٣ وفيه ص ـ ٣٧٢ مسندا أن أبا حنيفة قال : لو ان رجلا عبد هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أر بذلك بأسا وكان شريك يقول : كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب الله قال الله تعالى : ( وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) وقال تعالى : ( لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ) وزعم أبو حنيفة أن الايمان لا يزداد ولا ينقص وأن الصلاة ليست من دين الله.

وفي ص ٣٨٦ منه عن الجوهري روى مسندا قال : سمعت أبا مطيع يقول : قال أبو حنيفة : إن كانت الجنة والنار مخلوقتين فانهما يفنيان وفيه

٣٥٨

__________________

ـ عن ابن أسباط قال أبو حنيفة لو أدركني رسول الله وأدركته لأخذ بكثير من قولي وقال سمعت أبا إسحاق يقول كان أبو حنيفة يجيئه الشيء عن النبي فيخالفه إلى غيره وفي ص ٣٧٠ من نفس المصدر سئل أبو حنيفة عن رجل قال : أشهد أن الكعبة حق ولكن لا أدري هي هذه التي بمكة أم لا فقال مؤمن حقا. وسئل عن رجل قال : أشهد أن محمد بن عبد الله نبي ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا. فقال مؤمن حقا.

وهو أحد المذاهب الأربعة السنية ، صاحب الرأي والقياس والفتاوي المعروفة في الفقه.

ذكر ابن خلكان في ج ٢ ص ٨٦ من الوفيات في ترجمة محمد بن سبكتكين عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سماه : « مغيث الخلق في اختيار الأحق » قال : إن السلطان محمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفة وكان مولعا بعلم الحديث ، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع وكان يستفسر الأحاديث فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي فوقع في خلده حكمه. فجمع العلماء من الفريقين في مرو والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي وعلى مذهب أبي حنيفة ... فصلى القفال المروزي ... إلى أن قال : ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة فلبس جلد كلب مدبوغا ثم لطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر وكان في صميم الصيف في المفازة واجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوؤه منكسا منعكسا ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء ، وكبر بالفارسية ، ثم قرأ آية بالفارسية « دو بركك سبز » ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع وتشهد ، وضرط في آخره من غير نية السلام. وقال : أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة فقال السلطان : ولو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك ، فأنكرت الحنفية أن تكون هذه

صلاة أبي حنيفة فأمر القفال باحضار كتب أبي حنيفة وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة ، وفي ج ١٣ ، من تاريخ بغداد ص ٣٧٠ قال الحارث بن عمير : وسمعته يقول : لو أن شاهدين شهدا عند قاض ؛ أن فلان بن فلان طلق امرأته ، وعلما جميعا أنهما شهدا بالزور ففرق القاضي بينهما ، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها.

في ص ٣٦٢ منه قال : قال مساور الوراق :

كنا من الدين قبل اليوم في سعة

حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس

قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم

فاستعملوا الرأي عند الفقر والبؤس

أما العريب فأمسوا لا عطاء لهم

وفي الموالي علامات المفاليس

فلقيه أبو حنيفة فقال : هجوتنا نحن نرضيك ، فبعث إليه بدراهم فقال :

إذا ما أهل مصر بادهونا

بداهية من الفتيا لطيفه

أتيناهم بمقياس صحيح

صليب من طراز أبي حنيفة

إذا سمع الفقيه به حواه

وأثبته بحبر في صحيفه

فأجابه بعضهم يقول :

إذا ذو الرأي خاصم عن قياس

وجاء ببدعة هنة سخيفه

أتيناه بقول الله فيها

وآيات محبرة شريفه

فكم من فرج محصنة عفيف

احل حرامها بأبي حنيفة

وروي أيضا أنه اجتمع الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا له : ما تقول في رجل قتل أباه ونكح أمه وشرب الخمر في رأس أبيه؟ فقال : مؤمن. فقال له ابن أبي ليلى : لا قبلت لك شهادة أبدا ، وقال الثوري لا كلمتك أبدا ، وقال شريك : لو كان لي من الأمر شيء لضربت عنقك ، وقال له الحسن : وجهي من وجهك حرام أن انظر إلى وجهك أبدا. وروي أيضا عن الامام مالك قال : ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة وقال : كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس. وأخرج عن الأوزاعي قال : عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضه عروة عروة ، وعن عبد الرحمن ابن مهدي قال : ما علم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي أبي حنيفة وأخرج عن أبي صالح الفراء قال : سمعت يوسف بن اسباط يقول : رد أبو حنيفة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث أو أكثر وأنه سئل عن مسألة فأجاب فيها ثم قيل له :

يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها كذا وكذا قال : دعنا من هذا وفي رواية قال : حك هذا بذنب خنزيرة.

قال ابن خلكان ص ١٦٥ ج ٢ من الوفيات ولم يكن يعاب بشيء سوى قلة العربية فمن ذلك ما روي : أن أبا عمرو بن العلاء المقري النحوي سأله عن القتل بالمثقل هل يوجب القود أم لا؟ فقال : لا. فقال له أبو عمرو : ولو قتله بحجر المنجنيق؟ فقال : ولو قتله « بأبا قبيس ».

وتوفي سنة مائة وخمسين وقبره ببغداد في مقبرة خيزران.

٣٥٩

يا ابن أبي ليلى من هذا الرجل؟

فقلت جعلت فداك من أهل الكوفة له رأي وبصيرة ونفاذ.

قال فلعله الذي يقيس الأشياء برأيه ثم قال يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك؟ قال لا.

قال ما أراك تحسن أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والبرودة في المنخرين والعذوبة في الفم؟ قال لا.

قال فهل عرفت كلمة أولها كفر وآخرها إيمان؟ قال لا.

قال ابن أبي ليلى قلت جعلت فداك لا تدعنا في عمياء مما وصفت.

قال نعم حدثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله قال إن الله خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة فلو لا ذلك لذابتا ولم يقع فيهما شيء من القذى إلا أذابه والملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى وجعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ وليس من دابة تقع في الأذن إلا التمست الخروج ولو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ فأفسدته وجعل الله البرودة في المنخرين حجابا للدماغ ولو لا ذلك لسال الدماغ وجعل العذوبة في الفم منا من الله تعالى على ابن آدم ليجد لذة الطعام والشراب.

وأما كلمة أولها كفر وآخرها إيمان فقول لا إله إلا الله ثم قال يا نعمان إياك والقياس فإن أبي حدثني عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله قال ـ من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله تبارك وتعالى مع إبليس فإنه أول من قاس حيث قال ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* ) فدعوا الرأي والقياس فإن دين الله لم يوضع على القياس.

وفي رواية أخرى أن الصادق عليه‌السلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه من أنت؟ قال أبو حنيفة.

قال عليه‌السلام مفتي أهل العراق قال نعم.

قال بما تفتيهم؟ قال بكتاب الله.

قال عليه‌السلام وإنك لعالم بكتاب الله ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه؟ قال نعم.

قال فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) أي موضع هو؟ (١).

قال أبو حنيفة هو ما بين مكة والمدينة فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال :

نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق؟

فقالوا اللهم نعم.

فقال أبو عبد الله ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقا أخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) أي موضع هو؟ (٢) قال ذلك بيت الله الحرام فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟

__________________

(١) سبأ ١٧.

(٢) آل عمران ـ ٩٧.

٣٦٠