الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

عليك المرنات الهوالع.

وأما زعارة قيس فما أنت وقيسا إنما أنت عبد آبق فثقف فسمي ثقيفا فاحتل لنفسك من غيرها فلست من رجالها أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب أعرف منك بالحروب.

فأما الحلم فأي الحلم عند العبيد القيون ثم تمنيت لقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فذاك من قد عرفت أسد باسل وسم قاتل لا تقاومه الأبالسة عند الطعن والمخالسة فكيف ترومه الضبعان وتناله الجعلان بمشيتها القهقرى.

وأما وصلتك فمنكورة وقربتك فمجهولة وما رحمك منه إلا كبنات الماء من خشفان الظباء بل أنت أبعد منه نسبا.

فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية أعذرنا من بني أمية إن تجاوزنا بعد مناطقة القيون ومفاخرة العبيد.

فقال معاوية ارجع يا مغيرة هؤلاء بنو عبد مناف لا تقاومهم الصناديد ولا تفاخرهم المذاويد.

ثم أقسم على الحسن عليه‌السلام بالسكوت فسكت.

وروي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية ابعث إلى الحسن بن علي فمره أن يصعد المنبر ويخطب الناس فلعله أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كل محفل فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام فحمد الله الحسن صلوات الله عليه وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس من عرفني فأنا الذي يعرف ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عم نبي الله أول المسلمين إسلاما وأمي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وجدي محمد بن عبد الله نبي الرحمة أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن السراج المنير أنا ابن من بعث ( رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس أجمعين فقطع عليه معاوية فقال يا أبا محمد خلنا من هذا وحدثنا في نعت الرطب أراد بذلك تخجيله.

فقال الحسن عليه‌السلام نعم التمر الريح تنفخه والحر ينضجه والليل يبرده ويطيبه.

ثم أقبل الحسن عليه‌السلام فرجع في كلامه الأول فقال أنا ابن مستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أول من ينفض عن رأسه التراب أنا ابن من يقرع باب الجنة فيفتح له فيدخلها ـ أنا ابن من قاتل معه الملائكة وأحل له المغنم ونصر بالرعب من مسيرة شهر فأكثر في هذا النوع من الكلام ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ثم نزل فقال له معاوية أما إنك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هناك فقال الحسن عليه‌السلام أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمل بطاعة الله عز وجل وليس الخليفة من سار بالجور

٢٨١

وعطل السنن واتخذ الدنيا أما وأبا وعباد الله خولا وماله دولا ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكا فتمتع منه قليلا وكان قد انقطع عنه فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته وكان كما قال الله تبارك وتعالى ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) ( مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ) ـ وأومى بيده إلى معاوية ثم قام فانصرف فقال معاوية لعمرو والله ما أردت إلا شيني حين أمرتني بما أمرتني والله ما كان يرى أهل الشام أن أحدا مثلي في حسب ولا غيره حتى قال الحسن عليه‌السلام ما قال قال عمرو وهذا شيء لا يستطاع دفنه ولا تغييره لشهرته في الناس واتضاحه فسكت معاوية

وروى الشعبي أن معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال أين علي بن أبي طالب؟

فقام الحسن بن علي فخطب وحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

إنه لم يبعث نبي إلا جعل له وصي من أهل بيته ـ ولم يكن نبي إلا وله عدو من المجرمين وإن عليا عليه‌السلام كان وصي رسول الله من بعده وأنا ابن علي وأنت ابن صخر وجدك حرب وجدي رسول الله وأمك هند وأمي فاطمة وجدتي خديجة وجدتك نثيلة فلعن الله ألأمنا حسبا وأقدمنا كفرا وأخملنا ذكرا وأشدنا نفاقا فقال عامة أهل المجلس آمين فنزل معاوية فقطع خطبته.

وروي أنه لما قدم معاوية بالكوفة قيل له إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس وأعينهم فأبى عليهم وأبوا عليه إلا أن يأمره بذلك فأمره ـ فقام دون مقامه في المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد أيها الناس فإنكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي وإنا أعطينا صفقتنا هذه الطاغية وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية وهو في مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها ـ و ( إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وأشار بيده إلى معاوية.

فقال له معاوية ما أردت بقولك هذا؟

فقال ما أردت به إلا ما أراد الله عز وجل فقام معاوية فخطب خطبة عييبة [ عيية ] فاحشة فسب فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام فقام إليه الحسن بن علي عليه‌السلام فقال له وهو على المنبر ويلك يا ابن آكلة الأكباد أوأنت تسب أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالدا فيها مخلدا وله عذاب مقيم.

ثم انحدر الحسن عليه‌السلام عن المنبر ودخل داره ولم يصل هناك بعد ذلك أبدا

تم الجزء الأول من كتاب الإحتجاج بحمد الله ومنه ويتلوه بمن الله وعونه الجزء الثاني.

٢٨٢

٢٨٣
٢٨٤

احتجاج الحسن بن علي عليه‌السلام على معاوية في الإمامة من يستحقها ومن لا يستحقها بعد مضي النبي.

وقد جرى قبل ذلك إيراد كثير من الحجج لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهما على معاوية في الإمامة وغيرها بمحضر من الحسن عليه‌السلام والفضل بن عباس وغيرهما.

روى سليم بن قيس قال سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال قال لي معاوية.

ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ما هما بخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك ولو لا أن فاطمة بنت رسول الله لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها.

قال فغضبت من مقالته وأخذني ما لا أملك فقلت أنت لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وأمهما بلى والله إنهما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظته منه ورعيته.

فقال معاوية وليس في المجلس غير الحسن والحسين عليهما‌السلام وابن جعفر رحمه الله وابن عباس وأخيه الفضل هات ما سمعت فو الله ما أنت بكذاب فقال إنه أعظم مما في نفسك.

قال وإن كان أعظم من أحد وحرى فآته ما لم يكن أحد من أهل الشام أما إذا قتل الله طاغيتكم وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه ـ فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما ادعيتم.

قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه وعلي بين يديه في البيت والحسن والحسين وعمرو [ عمر ] بن أم سلمة وأسامة بن زيد وفي البيت فاطمة عليها‌السلام وأم أيمن وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام وضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عضده وأعاد ما قال فيه ثلاثا ثم نص بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم‌السلام ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله.

لأمتي اثنا عشر إمام ضلالة كلهم ضال مضل عشرة من بني أمية ورجلان من قريش وزر جميع الاثني عشر وما أضلوا في عنقهما ـ ثم سماهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمى العشرة منهما.

قال فسمهم لنا قال فلان وفلان وفلان وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أولهم مروان.

قال معاوية لئن كان ما قلت حقا هلكت وهلكت الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة ولقد هلك أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غيركم وأهل

٢٨٥

البيت وشيعتكم.

قال ابن جعفر فإن الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال معاوية للحسن والحسين وابن عباس ما يقول ابن جعفر؟

قال ابن عباس ومعاوية بالمدينة أول سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل علي عليه‌السلام أرسل إلى الذي سمى فأرسل إلى عمرو [ عمر ] بن أم سلمة وأسامة فشهدوا جميعا أن الذي قال ابن جعفر حق قد سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سمعه.

ثم أقبل معاوية إلى الحسن والحسين وابن عباس والفضل وابن أم سلمة وأسامة.

قال كلكم على ما قال ابن جعفر؟

قالوا نعم.

قال معاوية فإنكم يا بني عبد المطلب لتدعون أمرا وتحتجون بحجة قوية إن كانت حقا وإنكم لتبصرون على أمر وتسترونه والناس في غفلة وعمى ولئن كان ما تقولونه حقا لقد هلكت الأمة ورجعت عن دينها وكفرت بربها وجحدت نبيها إلا أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم وأولئك قليل في الناس.

فأقبل ابن عباس على معاوية فقال قال الله تعالى ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) وقال ( وَقَلِيلٌ ما هُمْ ).

وما تعجب مني يا معاوية اعجب من بني إسرائيل إن السحرة قالوا لفرعون ( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ) فآمنوا بموسى وصدقوه ثم سار بهم ومن اتبعهم من بني إسرائيل فأقطعهم البحر وأراهم العجائب وهم مصدقون بموسى وبالتوراة يقرون له بدينه ثم مروا بأصنام تعبد فقالوا ( يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) ـ وعكفوا على العجل جميعا غير هارون فقالوا ( هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى ) وقال لهم موسى بعد ذلك و ( ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ) فكان من جوابهم ما قص الله عز وجل عليهم فقال موسى ( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ).

فما اتباع هذه الأمة رجالا سودوهم وأطاعوهم لهم سوابق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنازل قريبة منها وأصهاره مقرين بدين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالقرآن حملهم الكبر والحسد أن خالفوا إمامهم ووليهم بأعجب من قوم صاغوا ( مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً ) ثم عكفوا عليه يعبدونه ويسجدون له ويزعمون أنه رب العالمين واجتمعوا على ذلك كلهم غير هارون وحده وقد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى من أهل بيته ناس سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ثم رجع الزبير وثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتى لقوا الله.

٢٨٦

وتعجب يا معاوية أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد وقد نص عليهم رسول الله بغدير خم وفي غير موطن واحتج بهم عليهم وأمرهم بطاعتهم وأخبر أن أولهم علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده وأنه خليفته فيهم ووصيه وقد بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جيشا يوم مؤتة فقال عليكم بجعفر فإن هلك فزيد فإن هلك فعبد الله بن رواحة فقتلوا جميعا أفترى يترك الأمة ولم يبين لهم من الخليفة بعده ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة ـ كان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد ما بينه وما تركهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عمى ولا شبهة.

فأما ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه‌السلام وكذبوا على رسول الله وزعموا أنه قال إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقد شبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم ومكرهم.

قال معاوية ما تقول يا حسن؟

قال يا معاوية قد سمعت ما قلت وما قال ابن عباس العجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك ومن جرأتك على الله حين قلت قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟ ويل لك يا معاوية ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة لأقولن كلاما ما أنت أهله ولكني أقول ليسمعه بنو أبي هؤلاء حولي.

إن الناس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها ولا تنازع ولا فرقة على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعبده والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت ثم أشياء كثيرة من طاعة الله لا تحصى ولا يعدها إلا الله واجتمعوا على تحريم الزنا والسرقة والكذب والقطيعة والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله لا تحصى ولا يعدها إلا الله واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها وصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا وهي الولاية ويتبرأ بعضهم عن بعض ويقتل بعضهم بعضا أيهم أحق وأولى بها إلا فرقة تتبع كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا به من النار ودخل الجنة ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بأن نور قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو فهو عند الله سعيد ولله ولي وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله امرأ علم حقا فقال أو سكت فسلم.

نحن نقول أهل البيت إن الأئمة منا وإن الخلافة لا تصلح إلا فينا وإن الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه وإن العلم فينا ونحن أهله وهو عندنا مجموع كله بحذافيره وإنه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبخط علي عليه‌السلام بيده.

٢٨٧

وزعم قوم أنهم أولى بذلك منا حتى أنت يا ابن هند تدعي ذلك وتزعم أن عمر أرسل إلى أبي أني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلي بما كتبت من القرآن فأتاه فقال تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك قال ولم؟

قال لأن الله تعالى قال : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) إياي عنى ولم يعنك ولا أصحابك فغضب عمر ثم قال :

يا ابن أبي طالب تحسب أن أحدا ليس عنده علم غيرك من كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتني به إذا جاء رجل فقرأ شيئا معه يوافقه فيه آخر كتبه وإلا لم يكتبه.

ثم قالوا قد ضاع منه قرآن كثير بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله ثم أمر عمر قضاته وولاته اجتهدوا آراءكم واقضوا بما ترون أنه الحق فلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها فتجمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في شيء واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم لأن الله تعالى لم يؤته الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ وزعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أنهم معدن الخلافة والعلم دوننا فنستعين بالله على من ظلمنا وجحدنا حقنا وركب رقابنا وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك وحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

إنما الناس ثلاثة ـ مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا فذلك ناج محب لله ولي.

وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا فهذا كافر مشرك وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كذلك يشرك بالله بغير علم.

ورجل آخذ بما لا يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا ولا يعرف حقنا فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف.

فلما سمع معاوية أمر لكل منهم بمائة ألف درهم ـ غير الحسن والحسين وابن جعفر فإنه أمر لكل واحد منهم بألف ألف درهم.

احتجاجه عليه‌السلام على من أنكر عليه مصالحة معاوية ونسبه إلى التقصير في طلب حقه.

عن سليم بن قيس قال : قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب معاوية

٢٨٨

أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ـ ولما طمعتم فيها يا معاوية ولقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل.

وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى وقد تركت الأمة عليا عليه‌السلام وقد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي وقد هرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية.

وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعوانا وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير أخي.

وعن حنان بن سدير (١) عن أبيه سدير (٢) عن أبيه (٣) عن أبي سعيد عقيصا (٤) قال : لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته ـ فقال عليه‌السلام.

ويحكم ما تدرون ما عملت والله للذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت ألا تعلمون أني إمامكم ومفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص.

__________________

(١) ذكره النجاشي في رجاله ص ١١٢ فقال : « حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب أبو الفضل الصيرفي الكوفي ـ روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام له كتاب في صفة الجنة والنار » وعده الشيخ في أصحاب الكاظم عليه‌السلام في رجاله ص ٣٤٦ وقال : « حنان بن سدير الصيرفي واقفي » وفي الفهرست قال : « له كتاب. وهو ثقة رحمه‌الله ، وفي رجال الكشي ص ٤٦٥ : « حنان بن سدير واقفي ، أدرك أبا عبد الله ولم يدرك أبا جعفر ، وكان يرتضي به سديدا ».

(٢) ذكره العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص ٨٥ والشيخ في رجاله ص ٩١ وعده من أصحاب علي بن الحسين عليهما‌السلام وص ١٢٥ من أصحاب الباقر « عليه‌السلام » وص ٢٠٩ من أصحاب الصادق عليه‌السلام وقال : « سدير بن حكيم كوفي يكنى أبا الفضل والد حنان » وذكر الكشي ص ١٨٣ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر عنده سدير فقال : « سدير عصيدة بكل لون ».

(٣) عده الشيخ في رجاله ص ٨٨ من أصحاب علي بن الحسين عليهما‌السلام.

(٤) ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٩٣ في أولياء علي « عليه‌السلام » فقال : « وأبو سعيد عقيصان ـ بفتح العين المهملة ، والقاف قبل الياء المنقطة تحتها نقطتين ، والصاد المهملة والنون بعد الألف ـ من بني تيم الله بن ثعلبة. وذكره الشيخ في رجاله ص ٤٠ فعده من أصحاب علي « عليه‌السلام » وقال : « دينار يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله ، وذكره أيضا ص ٩٦ أصحاب الحسين « عليه‌السلام ».

٢٨٩

من رسول الله علي؟

قالوا بلى.

قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه‌السلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنه ما منا أحد إلا يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم عج الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ذلك ليعلم ( أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).

عن زيد بن وهب الجهني (١) قال : لما طعن الحسن بن علي عليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟

فقال أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي والله لئن آخذ من معاوية عهدا ـ أحقن به دمي وأومن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.

قال قلت تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟

قال وما أصنع يا أخا جهينة ـ؟ إني والله أعلم بأمر قد أدى به إلي ثقاته أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لي ذات يوم وقد رآني فرحا يا حسن أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج (٢) يأكل ولا يشبع ـ يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر ثم يستولي على غربها وشرقها يدين له العباد ويطول ملكه يستن بسنن أهل البدع والضلال ويميت الحق وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم المال في أهل ولايته ويمنعه من هو أحق به ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق ويجعل المال بين أنصاره دولا ويتخذ عباد الله خولا.

__________________

(١) ذكره العلامة « ره » في أولياء علي عليه‌السلام في القسم الأول من خلاصته ص ١٩٤ والشيخ في رجاله ص ٤٢ في أصحاب علي « عليه‌السلام » وفي الفهرست ص ٩٧ فقال : « زيد بن وهب له كتاب : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها » وفي أسد الغابة ص ٢٤٣ / ٢ إنه كان في جيش علي « عليه‌السلام » حين مسيره إلى النهروان وقال ابن عبد البر في هامش الإصابة ص ٢٤ ج ١ : إنه ثقة ، توفي سنة (٩٦).

(٢) أي : واسع الكرش والأمعاء.

٢٩٠

يدرس في سلطانه الحق ويظهر الباطل ويقتل من ناواه على الحق ويدين من والاه على الباطل فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر (١) وجهل من الناس يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها يملأ الأرض قسطا وعدلا ونورا وبرهانا يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلا آمن به ولا طالح إلا صلح وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاما؟ فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه

وعن الأعمش (٢) عن سالم بن أبي الجعد (٣) قال : حدثني رجل منا قال : أتيت الحسن بن علي عليه‌السلام فقلت يا ابن رسول الله أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا ما بقي معك رجل؟

قال ومم ذاك؟ قال قلت بتسليمك الأمر لهذا الطاغية.

قال والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل إنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا قال وهو يكلمني إذ تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه مليء مما خرج من جوفه من الدم.

فقلت له ما هذا يا ابن رسول الله ص؟ إني لأراك وجعا.

قال أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعا كما ترى.

قلت أفلا تتداوى؟

قال قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء ولقد رقي إلي أنه كتب إلى ملك

__________________

(١) الكلب : شبيه بالجنون.

(٢) الأعمش : أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي ، مولاهم الكوفي ، معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع والاستقامة ، والعامة أيضا يثنون عليه ، مطبقون على فضله وثقته ، مقرون بجلالته ، مع اعترافهم بتشيعه ، وقرنوه بالزهري ، ونقلوا منه نوادر كثيرة ، بل صنف ابن طولون الشامي كتابا في نوادره سماه : « الزهر الأنعش في نوادر الأعمش » مات سنة (١٤٨).

راجع الكني والألقاب ج ٢ ص ٣٩ رجال الشيخ ص ٢٠٦.

(٣) عده الشيخ ص ٤٣ من رجاله في أصحاب علي عليه‌السلام وص ٩١ في ـ أصحاب علي بن الحسين عليهما‌السلام فقال : « سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم الكوفي يكنى أبا أسماء » وذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٩٣ في أولياء علي عليه‌السلام.

٢٩١

الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة فكتب إليه ملك الروم أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا.

فكتب إليه أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة وقد خرج يطلب ملك أبيه وأنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه ووجه إليه بهدايا وألطاف فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس فيها فسقيتها واشترط عليه في ذلك شروطا

وروي : أن معاوية دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي عليه‌السلام جعدة بنت الأشعث فقال لها اسقيه فإذا مات هو زوجتك ابني يزيد فلما سقته السم ومات عليه‌السلام جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت زوجني يزيد فقال اذهبي فإن امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد

احتجاج الحسين بن علي عليه‌السلام على عمر بن الخطاب في الإمامة والخلافة

روي أن عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكر في خطبته أنه ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فقال له الحسين عليه‌السلام من ناحية المسجد:

انزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله لا [ إلى ] منبر أبيك!

فقال له عمر فمنبر أبيك لعمري يا حسين لا منبر أبي من علمك هذا أبوك علي بن أبي طالب؟

فقال له الحسين عليه‌السلام إن أطع أبي فيما أمرني فلعمري إنه لهاد وأنا مهتد به وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله نزل بها جبرئيل من عند الله تعالى لا ينكرها إلا جاحد بالكتاب قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم وويل للمنكرين حقنا أهل البيت ما ذا يلقاهم به محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من إدامة الغضب وشدة العذاب!!

فقال عمر يا حسين من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله أمرنا الناس فتأمرنا ولو أمروا أباك لأطعنا.

فقال له الحسين يا ابن الخطاب فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمرك على الناس بلا حجة من نبي ولا رضى من آل محمد؟ فرضاكم كان لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله رضى أو رضا أهله كان له سخطا أما والله لو أن للسان مقالا يطول تصديقه وفعلا يعينه المؤمنون لما تخطأت رقاب آل محمد ترقى منبرهم وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه ولا تدري تأويله إلا سماع الآذان المخطئ والمصيب عندك سواء فجزاك الله جزاك وسألك عما أحدثت سؤالا حفيا.

قال فنزل عمر مغضبا فمشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فدخل فقال :

٢٩٢

يا أبا الحسن ما لقيت اليوم من ابنك الحسين ـ يجهرنا بصوت في مسجد رسول الله ويحرض علي الطغام وأهل المدينة.

فقال له الحسن عليه‌السلام على مثل الحسين ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يشخب بمن لا حكم له أو يقول بالطغام على أهل دينه أما والله ما نلت إلا بالطغام فلعن الله من حرض الطغام.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام مهلا يا أبا محمد فإنك لن تكون قريب الغضب ولا لئيم الحسب ولا فيك عروق من السودان اسمع كلامي ولا تعجل بالكلام.

فقال له عمر يا أبا الحسن إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة.

فقال أمير المؤمنين هما أقرب نسبا برسول الله من أن يهما أما فأرضهما يا ابن الخطاب بحقهما يرض عنك من بعدهما قال وما رضاهما يا أبا الحسن ـ؟

قال رضاهما الرجعة عن الخطيئة والتقية عن المعصية بالتوبة.

فقال له عمر أدب يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء في الأرض.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا أؤدب أهل المعاصي على معاصيهم ومن أخاف عليه الزلة والهلكة فأما من والده رسول الله ونحله أدبه فإنه لا ينتقل إلى أدب خير له منه أما فأرضهما يا ابن الخطاب!

قال فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن يا أبا حفص ما صنعت فقد طالت بكما الحجة؟

فقال له عمر وهل حجة مع ابن أبي طالب وشبليه؟

فقال له عثمان يا ابن الخطاب هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف.

فقال له عمر ما أعد ما صرت إليه فخرا فخرت به بحمقك فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به ورده ثم قال له يا ابن الخطاب كأنك تنكر ما أقول فدخل بينهما عبد الرحمن وفرق بينهما وافترق القوم.

احتجاج الحسين عليه‌السلام بذكر مناقب أمير المؤمنين وأولاده عليهم‌السلام حين أمر معاوية بلعن أمير المؤمنين عليه‌السلام وقتل شيعته وقتل من يروي شيئا من فضائله

عن سليم بن قيس قال ـ قدم معاوية بن أبي سفيان حاجا في خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر

٢٩٣

فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش فلما نزل قال ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني؟

فقيل له إنهم محتاجون ليس لهم دواب.

فقال معاوية فأين نواضحهم؟

فقال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيد الأنصار وابن سيدها أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وأنتم كارهون فسكت معاوية فقال قيس أما إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلينا أنا سنلقى بعده إثرة.

فقال معاوية فما أمركم به؟ فقال أمرنا أن نصبر حتى نلقاه.

قال فاصبروا حتى تلقوه ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس فقال له :

يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجودة أني قاتلتكم بصفين فلا تجد من ذلك يا ابن عباس فإن ابن عمي عثمان قد قتل مظلوما.

قال ابن عباس فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما قال إن عمر قتله كافر.

قال ابن عباس فمن قتل عثمان؟ قال قتله المسلمون.

قال فذلك أدحض لحجتك.

قال فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك فقال يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال لا ـ.

قال أتنهانا عن تأويله؟ قال نعم.

قال فنقرؤه ولا نسأل عما عنى الله به ثم قال فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال العمل به.

قال فكيف نعمل به ولا نعلم ما عنى الله؟ قال سل عن ذلك من يتأوله غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

قال إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام ـ فإن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف.

قال اقرءوا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك.

قال فإن الله يقول في القرآن ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ).

٢٩٤

قال يا ابن عباس اربع على نفسك وكف لسانك وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية ـ.

ثم رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم ونادى منادي معاوية أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين الكوفة والبصرة فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف يقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم في جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور ـ فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.

وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات والخلع والقطائع من العرب والموالي وكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في الأموال والدنيا فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب اسمه وأجيز فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه فإن ذلك أحب إلينا وأقر لأعيننا وأدحض لحجة أهل البيت وأشد عليهم ـ فقرأ كل أمير وقاض كتابه على الناس فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة وكل مسجد زورا وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن حتى علموه بناتهم ونساءهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.

وكتب زياد ابن أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى رأيه فكتب إليه معاوية اقتل كل من كان على دين علي ورأيه فقتلهم ومثل بهم.

وكتب كتابا آخر انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهمتموه بحبه فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه حتى لو كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ولا يتعرض له بمكروه والرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيما الكوفة والبصرة حتى لو أن أحدا منهم أراد أن يلقي سرا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه ومملوكه فلا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه ثم لا يزداد الأمر إلا شدة ـ حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك.

وكان أشد الناس في ذلك القراء المراءون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم ويصيبون بذلك

٢٩٥

الأموال والقطائع والمنازل حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم ـ الذين لا يحبون الافتعال إلى مثلها فقبلوها وهم يرون أنها حق ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا بها ولم يبغضوا من خالفها فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا والباطل عندهم حقا والكذب صدقا والصدق كذبا.

فلما مات الحسن بن علي ازداد البلاء والفتنة فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه أو مقتول أو طريد أو شريد فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليه‌السلام وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه ـ وقد جمع الحسين بن علي عليه‌السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم ومن لم يحج ومن الأنصار ممن يعرفونه وأهل بيته ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أبنائهم والتابعين ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل والحسين عليه‌السلام في سرادقه عامتهم التابعون وأبناء الصحابة ـ فقام الحسين عليه‌السلام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإن الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم وإني أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب ( وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ).

فما ترك الحسين شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره ولا شيئا قاله الرسول في أبيه وأمه وأهل بيته إلا رواه وكل ذلك يقول الصحابة اللهم نعم قد سمعناه وشهدناه ويقول التابعون اللهم قد حدثنا من نصدقه ونأتمنه حتى لم يترك شيئا إلا قاله ثم قال :

أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به ثم نزل وتفرق الناس على ذلك

احتجاجه عليه‌السلام على معاوية توبيخا له على قتل من قتله من شيعة أمير المؤمنين وترحمه عليهم

عن صالح بن كيسان (١) قال : لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليه‌السلام فقال :

يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟

__________________

(١) صالح بن كيسان المدني : عده الشيخ من أصحاب علي بن الحسين عليه‌السلام ص ٩٣ من رجاله.

٢٩٦

فقال عليه‌السلام وما صنعت بهم ـ؟

قال قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم.

فضحك الحسين عليه‌السلام ثم قال خصمك القوم يا معاوية لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ـ ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا واعتراضك بني هاشم بالعيوب فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ثم سلها الحق عليها ولها فإن لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترن غير قوسك ولا ترمين غير غرضك ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب فإنك والله لقد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه ولا حدث نفاقه ولا نظر لك فانظر لنفسك أو دع يعني عمرو بن العاص.

وقال عليه‌السلام في جواب كتاب كتب إليه معاوية على طريق الاحتجاج :

أما بعد فقد بلغني كتابك أنه بلغك عني أمور إن بي عنها غنى وزعمت أني راغب فيها وأنا بغيرها عنك جدير أما ما رقي إليك عني فإنه رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنمائم المفرقون بين الجمع كذب الساعون الواشون ما أردت حربك ولا خلافا عليك وايم الله إني لأخاف الله عز ذكره في ترك ذلك وما أظن الله تبارك وتعالى براض عني بتركه ولا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك وفي أولئك القاسطين الملبين حزب الظالمين بل أولياء الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر والبدع ـ ويؤثرون حكم الكتاب ولا يخافون في الله لومة لائم فقتلتهم ظلما وعدوانا بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه ونحلت جسمه بعد أن آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل وميثاقه ما لو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال (١) ثم قتلته جرأة على الله عز وجل واستخفافا بذلك العهد؟

أولست المدعي زياد بن سمية ـ المولود على فراش عبيد عبد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هدى من الله ثم سلطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك فيهم ابن سمية أنهم على دين علي ورأيه فكتبت إليه اقتل كل من كان على دين علي عليه‌السلام ورأيه فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين علي والله وابن علي الذي كان يضرب عليه أباك وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه ولو لا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا من الله عليكم فوضعهما عنكم.

وقلت فيما تقول انظر نفسك ولدينك ولأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردهم في

__________________

(١) أي رءوس الجبال.

٢٩٧

فتنة فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ولا أعلم نظرا لنفسي وولدي وأمة جدي أفضل من جهادك فإن فعلته فهو قربة إلى الله عز وجل وإن تركته فأستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أموري.

وقلت فيما تقول إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني وهل رأيك إلا كيد الصالحين منذ خلقت فكدني ما بدا لك إن شئت ـ فإني أرجو أن لا يضرني كيدك وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك على أنك تكيد فتوقظ عدوك وتوبق نفسك كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا بما به شرفت وعرفت مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

أبشر يا معاوية بقصاص واستعد للحساب واعلم أن لله عز وجل كتابا ( لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ) وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنة وقتلك أولياءه بالتهمة ونفيك إياهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان يشرب الشراب ويلعب بالكعاب لا أعلمك إلا قد خسرت نفسك ـ وشريت دينك وغششت رعيتك وأخزيت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت التقي الورع الحليم.

قال فلما قرأ معاوية كتاب الحسين عليه‌السلام قال لقد كان في نفسه غضب على ما كنت أشعر به.

فقال ابنه يزيد وعبد بن أبي عمير بن جعفر أجبه جوابا شديدا تصغر إليه نفسه وتذكر أباه بأسوإ فعله وآثاره.

فقال كلا أرأيتما لو أني أردت أن أعيب عليا محقا ما عسيت أن أقول إن مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس ومتى عبت رجلا بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره شيئا وما عسيت أن أعيب حسينا وما أرى للعيب فيه موضعا ـ إلا أني قد أردت أن أكتب إليه وأتوعده وأهدده وأجهله ثم رأيت أن لا أفعل.

قال فما كتب إليه بشيء يسوؤه ولا قطع عنه شيئا كان يصله به كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض وهدايا من كل ضرب.

احتجاجه صلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامته على معاوية وغيره وذكر طرف من مفاخراته ومشاجراته التي جرت له مع معاوية وأصحابه

عن موسى بن عقبة (١) أنه قال : لقد قيل لمعاوية إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني تابعي عده الشيخ « ره » في أصحاب الصادق عليه‌السلام ص ٣٠٧.

٢٩٨

فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب فإن فيه حصرا أو في لسانه كلالة.

فقال لهم معاوية قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا فلم يزالوا به ـ حتى قال للحسين يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت.

فصعد الحسين عليه‌السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع رجلا يقول من هذا الذي يخطب؟

فقال الحسين عليه‌السلام نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأقربون وأهل بيته الطيبون وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثاني كتاب الله تبارك وتعالى الذي فيه تفصيل كل شيء ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) والمعول علينا في تفسيره لا يبطئنا تأويله بل نتبع حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة ـ أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة قال الله عز وجل ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) وقال ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً ).

وأحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم ( لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ) فتلقون للسيوف ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس ( إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ).

قال معاوية حسبك يا أبا عبد الله قد بلغت.

وعن محمد بن السائب (١) أنه قال : قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليه‌السلام لو لا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا؟

فوثب الحسين عليه‌السلام وكان عليه‌السلام شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه وأقبل الحسين عليه‌السلام على جماعة من قريش فقال :

أنشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني ومن أخي ـ؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟ قالوا اللهم لا.

قال وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريدي رسول الله والله ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.

__________________

(١) محمد بن السائب عده الشيخ في أصحاب الصادق « عليه‌السلام » ص ٢٨٩.

٢٩٩

قال فو الله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

احتجاجه عليه‌السلام على أهل الكوفة بكربلاء

عن مصعب بن عبد الله (١).

لما استكف الناس بالحسين عليه‌السلام ركب فرسه واستنصت الناس حمد الله وأثنى عليه ثم قال :

تبا لكم أيتها الجماعة وترحا وبؤسا لكم حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحمشتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا إليكم ـ فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستحصف ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبى وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها وضلة فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزءين ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) وعصاة الإمام وملحقي العهرة بالنسب و ( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ).

أفهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم واتزرت عليه عروقكم فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر وأكلة للغاصب ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) الناكثين الذين ينقضون ( الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) وقد جعلوا الله عليهم كفيلا.

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك مني هيهات منا الذلة أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طهرت وجدود طابت أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر ثم تمثل فقال :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا

ولو بقي الكرام إذا بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

و قيل إنه لما قتل أصحاب الحسين عليه‌السلام وأقاربه وبقي فريدا ليس معه إلا ابنه علي زين العابدين عليه‌السلام وابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله فتقدم الحسين عليه‌السلام إلى باب الخيمة فقال :

__________________

(١) مصعب بن عبد الله : من آل الزبير بن العوام مجهول الحال ذكره المامقاني في الجزء الثالث من رجاله ص ٢١٩.

٣٠٠