الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

قال كفرة أهل الكتاب اليهود والنصارى وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكواء ثم قال يا ابن الكواء وما أهل النهروان منهم ببعيد.

فقال يا أمير المؤمنين ما أريد غيرك ولا أسأل سواك.

قال فرأينا ابن الكواء يوم النهروان فقيل له ثكلتك أمك بالأمس تسأل أمير المؤمنين عما سألته وأنت اليوم تقاتله؟ فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام قال : سلوني عن كتاب الله عز وجل فو الله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمني تأويلها.

فقام إليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟

قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول لي يا علي أنزل الله علي بعدك كذا وكذا وتأويله كذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله.

وجاء في الآثار ـ أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يخطب فقال في خطبته سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فتنة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل (١) فقال يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت عنه وأن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله ذلك مصداق ما أخبرتك به ولو لا أن الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما نبأتك من لعنك وسخلك الملعون وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو فلما كان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان تولى قتله وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام.

احتجاجه عليه‌السلام على من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى وأن يتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل وذكر الوجه لاختلاف من اختلف في الدين والرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه ـ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم

__________________

(١) هو الأشعث بن قيس لعنه الله.

٢٦١

كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وفيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) وأن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به.

وروي أنه عليه‌السلام قال : إن أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان :

رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل سائر بغير علم ولا دليل مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة (٢) فهو فتنة لمن افتتن به ضال [ عن ] هدي من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.

ورجل قمش جهلا فوضع في جهال الأمة غار في أغباش الفتنة قد لهج منها بالصوم والصلاة ـ عمي في عقد الهدنة سماه الله عاريا منسلخا وسماه أشباه الناس عالما وليس به ولما يغن في العلم يوما سالما بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن وأكثر من غير طائل جلس بين الناس مفتيا قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره إن خالف من سبقه لم يؤمن من نقض حكمه من يأتي من بعده كفعله بمن كان قبله فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت خباط جهالات وركاب عشوات ومفتاح شبهات فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوت الذي إذا مرت به النار لم يعلم بها.

لم يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم بذري الروايات إذراء الريح الهشيم لا ملي والله بإصدار ما ورد عليه لا يحسب العلم في شيء مما أنكره ولا يرى أن من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما بلغ منه مذهبا لغيره وإن قاس شيئا بشيء لم تكذب [ يكذب ] رأيه كيلا يقال له لا يعلم شيئا وإن خالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه ـ وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه تصرخ من جور قضائه الدماء وتعج منه المواريث إلى الله أشكو معشرا يعيشون جهالا ويموتون ضلالا لا يتعذر مما لا يعلم فيسلم وتولول منه الفتيا وتبكي منه المواريث ويحلل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج الحلال ويأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله.

وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بعد ذلك.

أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنى يتاه بكم بل أين تذهبون ـ يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هذه مثلها فيكم فاركبوها فكما نجا في هاتيك من نجا فكذلك

__________________

(١) الأنعام ـ ٢٨

(٢) المشعوف : المجنون الوله.

٢٦٢

ينجو في هذه من دخلها أنا رهين بذلك قسما حقا ( وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف.

أما بلغكم ما قال فيكم نبيكم حيث يقول في حجة الوداع إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ألا ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ* ) فاشربوا منه ( وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ* ) فاجتنبوا

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لرأس اليهود على كم افترقتم؟ فقال على كذا وكذا فرقة.

فقال علي عليه‌السلام كذبت ثم أقبل على الناس فقال والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم.

افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه‌السلام.

وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة بالجنة وهي التي اتبعت شمعون الصفا وصي عيسى عليه‌السلام.

وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وضرب بيده على صدره ثم قال:

ثلاث عشرة فرقة من الثلاث وسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي وحبي واحدة منها في الجنة وهي النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار

عن مسعدة بن صدقة (١) عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول كيف أنتم إذا لبستم الفتنة ينشأ فيها الوليد ويهرم فيها الكبير ويجري الناس عليها حتى يتخذونها سنة فإذا غير منها شيء قيل أتى الناس بمنكر غيرت السنة ثم تشتد البلية وتنشأ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثقالها يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة.

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه ناس من أهل بيته وخاص من شيعته فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال:

لقد عمل الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي

__________________

(١) مسعدة بن صدقة : عده الشيخ الطوسي رحمه‌الله تعالى من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص ٢٦٠ فقال : مسعدة بن صدقة : قال الشيخ رحمه‌الله : إنه عامي ، وقال الكشي إنه بتري.

٢٦٣

إلا قليلا من شيعتي الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه‌السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله ورددت فدك إلى ورثة فاطمة س ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما كان وأمضيت إلى قطائع كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقطعها للناس سنين ـ ورددت دار ( ابن ) جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها وأخرجتها من المسجد ورددت الخمس إلى أهله ورددت قضاء كل من قضى بجور ورددت سبي ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت ديوان العطاء وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم أجعلها ( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ).

والله لقد أمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة حتى خفت أن يثور في ناحية عسكري على ما لقيت ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار.

وأعظم من ذلك سهم ذوي القربى الذي قال الله تبارك وتعالى فيه : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) وذلك لنا خاصة : ( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ ) نحن والله غني بذوي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه ـ ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس.

فقال له رجل إني سمعت من سلمان وأبي ذر والمقداد أشياء في تفسير القرآن والرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتم تخالفونهم وتزعمون أن ذلك باطل فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويفسرون القرآن بآرائهم.

قال فأقبل علي عليه‌السلام عليه فقال له سألت فافهم الجواب إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وخاصا وعاما ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله وهو حي حتى قام خطيبا فقال :

أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس.

رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ولكنهم قالوا صاحب رسول الله رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله وقد أخبرك الله تعالى عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك ثم بقوا بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان

__________________

(١) الأنفال ـ ٤١.

٢٦٤

فولوهم الأعمال وجعلوهم حكاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله تعالى فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يديه ويرويه ويعمل به ويقول إنما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه نهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفا لله تعالى وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه وحفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ وجنب عنه وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه وعرف المتشابه والمحكم.

وقد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان فكلام خاص وكلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله تعالى به ولا ما عنى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ولا ما قصد به وما خرج من أجله وليس كل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطاري فيسأله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسمعوا كلامه وكان لا يمر بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم.

وعن يحيى الحضرمي (١) قال سمعت عليا عليه‌السلام يقول كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نائم ورأسه في حجري قيل لي ما الدجال.

فاستيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله محمر وجهه فقال فيما أنتم فقلت له يا رسول الله سألوني عن الدجال.

فقال لغير الدجال أنا أخوف عليكم من الدجال الأئمة الضالون المضلون يسفكون دماء عترتي أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم

__________________

(١) يحيى الحضرمي من أصحاب أمير المؤمنين « عليه‌السلام » كان هو وابنه عبد الله من شرطة الخميس نقل أن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي ـ يوم الجمل ـ أبشر يا ابن يحيى : فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا ، لقد أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس ، والله سماكم في السماء : « شرطة الخميس » على لسان نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

٢٦٥

جواب مسائل الخضر عليه‌السلام للحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام بحضرة أبيه عليه‌السلام.

عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (١) عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليه‌السلام قال :

أقبل أمير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليه‌السلام وسلمان الفارسي ره وأمير المؤمنين عليه‌السلام متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس فأقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فرد عليه السلام فجلس ثم قال :

يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أفضى إليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم وإن يكن الأخرى علمت أنك وهم شرع سواء.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام سلني عما بدا لك.

فقال أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام فقال يا أبا محمد أجبه فقال عليه‌السلام :

أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة فإن أذن الله برد تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت فسكنت في بدن صاحبها وإن لم يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها جذبت الهواء الريح فجذبت الريح الروح فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأما ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان ـ فإن قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق فإن صلى

__________________

(١) أبو هاشم الجعفري : داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم البغدادي :

وكان ثقة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام ، وقد شاهد منهم : الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر صلوات الله عليهم أجمعين ، وكان منقطعا إليهم ، وقد روى عنهم كلهم ، وله أخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم (عليه‌السلام) منه قوله في أبي الحسن الهادي (عليه‌السلام) وقد اعتل :

مادت الأرض بي وأدت فؤادي

واعترتني موارد العرواء

حين قيل الامام نضو عليل

قلت نفسي فدته كل الفداء

مرض الدين لاعتلالك واعتل

وغارت له نجوم السماء

عجبا أن منيت بالداء والسقم

وأنت الامام حسم الداء

أنت آسي الأدواء في الدين

والدنيا ومحيي الأموات والأحياء

وكان مقدما عند السلطان ، وكان ورعا زاهدا ناسكا عالما عاملا ، ولم يكن أحد في آل أبي طالب (عليه‌السلام) مثله في زمانه في علو النسب ، وذكر السيد ابن طاوس رحمه‌الله : أنه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم ، توفي في ج ١ سنة (٢٦١) عن الكنى والألقاب للقمي ج ١

٢٦٦

الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي وإن لم يصل على محمد وآل محمد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب ونسي الرجل ما كان ذكره.

وأما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم ـ خرج الولد يشبه أباه وأمه وإن أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك وأشهد أنك وصي رسول الله القائم بحجته وأشار إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته وأشار إلى الحسن عليه‌السلام وأشهد أن الحسين بن علي وصي أبيك والقائم بحجته بعدك وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده وأشهد على محمد بن علي عليه‌السلام أنه القائم بأمر علي بن الحسين بعده وأشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي بعده وأشهد على موسى بن جعفر ـ أنه القائم بأمر جعفر بن محمد بعده وأشهد على علي بن موسى الرضا بأنه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى وأشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي وأشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قام فمضى.

فقال أمير المؤمنين للحسن عليه‌السلام يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد.

فخرج في أثره فقال فما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعلمته.

فقال عليه‌السلام يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم قال هو الخضر (ع).

جوابه عن مسائل جاءت من الروم ثم من الشام الجاري مجرى الاحتجاج بحضرة أبيه عليه‌السلام.

روى محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال :

بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته : محمد بن قيس أبو نصير ـ بالنون ـ الأسدي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ثقة ثقة.

٢٦٧

فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت؟ قال أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.

فقال له ما أنت برعيتي وأهل بلادي ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي فقال الأمان يا أمير المؤمنين.

فقال هل أحدثت منذ دخلت مصري؟ هذا قال لا.

قال فلعلك من رجال الحرب؟ قال نعم.

قال إذا وضعت الْحَرْبُ أَوْزارَها فلا بأس.

قال أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه وقال له إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك ـ فإنك إن فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام قاتل الله ابن آكلة الأكباد وما أضله وأعماه ومن معه حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي يا قنبر علي بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا.

فقال يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه‌السلام.

فقال له الحسن عليه‌السلام سلني عما بدا لك.

فقال الشامي كم بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟

فقال الحسن عليه‌السلام بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنك باطلا كثيرا فقال الشامي صدقت.

قال وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال صدقت يا ابن رسول الله.

قال وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حين تغيب في مغربها قال صدقت فما قوس قزح؟

قال ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان وهو قوس الله وهذه علامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت

٢٦٨

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى.

وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها وإلا قيل له بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.

وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شيء خلقه الله الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر وأشد من الحديد النار تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب يحمل الماء وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب وأشد من الريح الملك الذي يرسلها وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت.

فقال الشامي أشهد أنك ابن رسول الله حقا وأن عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية فبعثها إلى ابن الأصفر.

فكتب إليه ابن الأصفر يا معاوية تكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك أقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك

احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية

روي عن الشعبي وأبي مخنف (١) ويزيد بن أبي حبيب المصري (٢) أنهم قالوا : لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول من يوم

__________________

(١) أبو مخنف : لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، كما عن النجاشي ، وتوفي سنة (١٥٧) يروي عن الصادق (عليه‌السلام) ، ويروي عنه هشام الكلبي ، وجده مخنف بن سليم صحابي ، شهد الجمل في أصحاب علي « عليه‌السلام » حاملا راية الازد ، فاستشهد في تلك الواقعة سنة (٢٦) وكان أبو مخنف من اعاظم مؤرخي الشيعة ، ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير وغيرهما ، وليعلم أن لأبي مخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير منها : كتاب « مقتل الحسين » الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه ، ولكن المؤسف أنه فقد ولا يوجد منه نسخة. وأما المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه فليس له ، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين ومن أراد تصديق ذلك فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك ، وقد بينت ذلك في : « نفس المهموم » في طرماح بن عدي والله العالم. الكنى والألقاب ج ١ ص ٤٨ للشيخ عباس القمي

(٢) يزيد بن أبي حبيب : واسمه سويد الأزدي مولاهم أبو رجاء المصري وقيل غير ذلك في ولائه. قال ابن سعد : كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان أول من أظهر العلم في مصر والكلام في الحلال والحرام ، وقال الليث : يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا وذكره ابن حبان في الثقاة ، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث مات سنة (١٢٨) وقال غيره بلغ زيادة على (٧٥) سنة. عن تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣١٨ باختصار

٢٦٩

اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة بن أبي معيط والمغيرة بن أبي شعبة وقد تواطئوا على أمر واحد.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سنة أبيه وخفقت النعال خلفه أمر فأطيع وقال فصدق ـ وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه وصغرنا بقدره وقدر أبيه وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه فقال لهم معاوية إني أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتى يدخلكم قبوركم والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه وهبت عتابه وإني إن بعثت إليه لأنصفنه منكم.

قال عمرو بن العاص أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا ومرضه على صحتنا؟ قال لا قال فابعث إذا عليه.

فقال عتبة هذا رأي لا أعرفه ـ والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم وإنه لأهل بيت خصم جدل فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له يدعوك معاوية قال ومن عنده؟

قال الرسول عنده فلان وفلان وسمى كلا منهم باسمه.

فقال الحسن عليه‌السلام ما لهم خر ( عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) ثم قال يا جارية أبلغيني ثيابي ـ ثم قال :

اللهم إني أدرأ بك في نحورهم وأعوذ بك من شرورهم وأستعين بك عليهم فاكفنيهم بما شئت وأنى شئت من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين وقال للرسول هذا كلام الفرج فلما أتى معاوية رحب به وحياه وصافحه.

فقال الحسن إن الذي حييت به سلامة والمصافحة أمن.

فقال معاوية أجل إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك أن عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك فلا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال الحسن فسبحان الله البيت بيتك والإذن فيه إليك ـ والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إني لأستحيي لك من الفحش وإن كانوا غلبوك على ما تريد إني لأستحيي لك من الضعف فبأيهما تقر ومن أيهما تعتذر وأما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بني هاشم مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم فمرهم فليقولوا فأسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال ما سمعت كاليوم أن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان وكان ابن أختهم والفاضل في الإسلام منزلة

٢٧٠

والخاص برسول الله أثرة فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه ـ اعتداء وطلبا للفتنة وحسدا ونفاسة وطلب ما ليسوا بأهلين لذلك مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الإسلام فيا ذلاه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أمية ببدر.

ثم تكلم عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أي ابن أبي تراب بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما وادعى ما ليس له حق ووقع فيه وذكر الفتنة وعيره بشأنها؟

ثم قال إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك فتركبون فيه ما لا يحل لكم ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ولا رأيه وكيف وقد سلبته وتركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك وإنما دعوناك لنسبك وأباك.

ثم إنك لا تستطيع أن تعيب علينا ولا أن تكذبنا به فإن كنت ترى أن كذبناك في شيء وتقولنا عليك بالباطل وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلق الله فأما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به وأما أنت فإنك في أيدينا نتخير فيك والله أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله ولا عيب عند الناس.

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان فكان أول ما ابتدأ به أن قال :

يا حسن إن أباك كان شر قريش لقريش أقطعه لأرحامها وأسفكه لدمائها وإنك لمن قتلة عثمان وإن في الحق أن نقتلك به ـ وإن عليك القود في كتاب الله عز وجل وإنا قاتلوك به وأما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا أمره وأما رجاؤك الخلافة فلست فيها لا في قدحة زندك ولا في رجحة ميزانك.

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال :

يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه حتى قتلتموه حرصا على الملك وقطيعة للرحم واستهلاك الأمة وسفك دمائها حرصا على الملك وطلبا للدنيا الخبيثة وحبا لها وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان لكم وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم قد كنتم أول من حسده وطعن عليه ثم وليتم قتله فكيف رأيتم صنع الله بكم.

ثم تكلم المغيرة بن شعبة فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه‌السلام ثم قال :

يا حسن إن عثمان قتل مظلوما ـ فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء ولا اعتذار مذنب غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان وإيوائه لهم وذبه عنهم أنه بقتله راض وكان والله طويل السيف واللسان يقتل الحي ويعيب الميت وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم كره أن يبايع أبا بكر حتى أتي به قودا ثم

٢٧١

دس عليه فسقاه سما فقتله ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته فعمد في قتله ـ ثم طعن على عثمان حتى قتله كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق فكان من الحق لو قتلناك وأخاك والله ما دم علي بأخطر من دم عثمان وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة.

ثم سكت فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليه‌السلام فقال :

الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا وآخركم بآخرنا ـ وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم.

اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك أبدأ يا معاوية إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني وسببتني فحشا منك وسوء رأي وبغيا وعدوانا وحسدا علينا وعداوة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قديما وحديثا وإنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا به ولا استقبلوني بما استقبلوني به.

فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي ـ ولا تكتموا حقا علمتموه ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيك إلا دون ما فيك.

أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح وأنت يا معاوية بالأولى كافر وبالأخرى ناكث؟

ثم قال أنشدكم بالله هل تعلمون أنما أقول حقا إنه لقيكم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ومعه راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين ـ ومعك يا معاوية راية المشركين وأنت تعبد اللات والعزى وترى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرضا واجبا؟ ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ومعك يا معاوية راية المشركين؟ ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعك يا معاوية راية المشركين ـ؟ كل ذلك يفلج الله حجته ويحق دعوته ويصدق أحدوثته وينصر رايته وكل ذلك رسول الله [ يرى ] عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك.

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاصر بني قريظة وبني النظير [ النضير ] ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار.

فأما سعد بن معاذ فخرج وحمل جريحا وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ـ ثم لا يرجع حتى يفتح الله على يديه.

فتعرض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتفل في عينه فبرأ من رمده وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه

٢٧٢

وطوله وأنت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله ـ فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ورجل عادى الله ورسوله.

ثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد ولكن اللسان خالف فهو يتكلم بما ليس في القلب!!

أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة وتكلم فيه المنافقون فقال لا تخلفني يا رسول الله فإني لم أتخلف عنك في غزوة قط فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ثم أخذ بيد علي عليه‌السلام فقال أيها الناس من تولاني فقد تولى الله ومن تولى عليا فقد تولاني ومن أطاعني ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن أطاع عليا فقد أطاعني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أحب عليا فقد أحبني.

ثم قال أنشدكم بالله ـ أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في حجة الوداع أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا بما أنزل الله من الكتاب وأحبوا أهل بيتي وعترتي ووالوا من والاهم وانصروهم على من عاداهم وإنهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.

ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ولا في السماء مصعدا واجعله في أسفل درك من النار؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له أنت الذائذ عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله؟

أنشدكم بالله أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال علي ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال يبكيني أني أعلم أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن لا يبدونها لك حتى أتولى عنك؟

أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم وقال إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ـ من دخل فيها نجا ومن تخلف عنها غرق؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحياته؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله فأنزل الله عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) (١) وكان عنده علم المنايا وعلم القضايا وفصل الكتاب ورسوخ العلم ومنزل القرآن وكان [ في ] رهط لا نعلمهم يتممون عشرة

__________________

(١) المائدة ـ ٧٨ ـ ٨٨.

٢٧٣

نبأهم الله أنهم مؤمنون وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأشهد لكم وأشهد عليكم أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم ـ؟

وأنشدكم بالله ـ هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال هو يأكل فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول هو يأكل فقال رسول الله اللهم لا تشبع بطنه فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة.

ثم قال أنشدكم بالله هل تعلمون أنما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد وهذا يوم الأحزاب فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق فكان أبوك الراكب وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد؟

أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن.

أولهن حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهم أن يبطش به ثم صرفه الله عز وجل عنه.

والثانية يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالثة يوم أحد قال رسول الله الله مولانا ولا مولى لكم وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فلعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون أجمعون.

والرابعة يوم حنين يوم جاء أبو سفيان يجمع [ بجمع ] قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله ( بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً ) هذا قول الله عز وجل أنزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة وعلي يومئذ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى رأيه ودينه.

والخامسة قول الله عز وجل ( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) (١) وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادسة يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وجاء عيينة بن حصين بن بدر بغطفان فلعن رسول الله القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة.

فقيل يا رسول الله أما في الأتباع مؤمن؟

قال لا تصيب اللعنة مؤمنا من الأتباع أما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج.

والسابعة يوم الثنية يوم شد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر رجلا سبعة منهم من بني أمية وخمسة من سائر قريش فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية ـ غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائقه وقائده؟

__________________

(١) الفتح ـ ٢٥.

٢٧٤

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

يا ابن أخي هل علينا من عين؟

فقال لا.

فقال أبو سفيان تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنة ولا نار؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته.

يا أهل القبور الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.

فقال الحسين بن علي عليه‌السلام قبح الله شيبتك وقبح وجهك ـ ثم نتر يده وتركه فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك.

فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا ومن لعنتك يا معاوية أن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم تنهاه عن الإسلام وتصده.

ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله أنك قاتلت عليا عليه‌السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك ـ ومن غيرك عند الله وعند الناس ولآذيته بل أوطأت الناس عشوة وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك فعل من لا يؤمن بالمعاد ولا يخشى العقاب فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى وعلي إلى خير منقلب والله لك بالمرصاد.

فهذا لك يا معاوية خاصة وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل.

وأما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك أن تتبع هذه الأمور فإنما مثلك مثل البعوضة ـ إذ قالت للنخلة استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك فقالت لها النخلة ما شعرت بوقوعك فكيف يشق علي نزولك وإني والله ما شعرت أنك تجسر أن تعادي لي فيشق علي ذلك وإني لمجيبك في الذي قلت إن سبك عليا عليه‌السلام أينقص في حسبه أو يباعده من رسول الله أو يسوء بلاءه في الإسلام أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا فإن قلت واحدة منها فقد كذبت.

وأما قولك إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر فإن الله ورسوله قتلهم ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم إلا الله وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا أخذوا مال الله بينهم دولا وعباده خولا وكتابه دغلا ـ فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا حقت اللعنة عليهم ولهم فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ـ

٢٧٥

فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام فقال رسول الله اخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع وذلك حين رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الأمة يعني في المنام فساءه ذلك وشق عليه فأنزل الله عز وجل في كتابه : ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) يعني بني أمية وأنزل أيضا ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل علي إلا ألف شهر التي أجلها الله عز وجل في كتابه.

وأما أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين الأبتر فإنما أنت كلب أول أمرك أن أمك بغية ـ وأنك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحارث والنضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن وائل كلهم يزعم أنك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية ثم قمت خطيبا وقلت أنا شانئ محمد وقال العاص بن وائل إن محمدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل الله تبارك وتعالى ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) ـ وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة وأشدهم له تكذيبا ثم كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي فحاق المكر السيئ بك وجعل جدك الأسفل وأبطل أمنيتك وخيب سعيك وأكذب أحدوثتك ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا ).

وأما قولك في عثمان ـ فأنت يا قليل الحياء والدين ألهبت عليه نارا ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر فلما أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ولسنا نلومك على بغضنا ولم نعاتبك على حبنا وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام وقد هجوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين بيتا من شعر فقال رسول الله اللهم إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك ـ أهديت إلى النجاشي الهدايا ورحلت إليه رحلتك الثانية ولم تنهك الأولى عن الثانية كل ذلك ترجع مغلوبا حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه فلما أخطأك ما رجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد.

وأما أنت يا وليد بن عقبة فو الله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن وسماك فاسقا وهو قول الله عز وجل : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٢) وقوله ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٣) ـ وما أنت وذكر قريش وإنما أنت ابن

__________________

(١) الإسراء ـ ٦٠.

(٢) السجدة ـ ١٨.

(٣) الحجرات ـ ٦.

٢٧٦

علج من أهل صفورية اسمه ذكوان وأما زعمك أنا قتلنا عثمان فو الله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله أنت ولو سألت أمك من أبوك؟ إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة ومع ما أعد الله لك ولأبيك ولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة ـ وما الله بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ.

ثم أنت يا وليد والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعى له ولقد قالت لك أمك يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة.

وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان فو الله ما أنت بحصيف فأجاوبك ولا عاقل فأعاقبك وما عندك خير يرجى وما كنت ولو سببت عليا لأعير به عليك لأنك عندي لست بكفؤ لعبد علي بن أبي طالب فأرد عليك وأعاتبك ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد ـ فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال ( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ. تَصْلى ناراً حامِيَةً. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ) إلى قوله ( مِنْ جُوعٍ ) (١).

وأما وعيدك إياي أن تقتلني فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى ألصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا ولذلك حريا إذ تسومني القتل وتوعدني به ولا ألومك أن تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنم ـ وأذاقهما العذاب الأليم ونفى عمك بأمر رسول الله.

وأما رجائي الخلافة فلعمر الله إن رجوتها فإن لي فيها لملتمسا وما أنت بنظير أخيك ولا بخليفة أبيك لأن أخاك أكثر تمردا على الله وأشد طلبا لإهراقه دماء المسلمين وطلب ما ليس له بأهل يخادع الناس ويمكرهم وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.

وأما قولك إن عليا كان شر قريش لقريش فو الله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما.

وأما أنت يا مغيرة بن شعبة فإنك لله عدو ولكتابه نابذ ولنبيه مكذب وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فأخر رجمك ـ ودفع الحق بالأباطيل والصدق بالأغاليط (٢) وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ

__________________

(١) الغاشية ـ ٣ ـ ٦.

(٢) اشار الإمام (عليه‌السلام) في كلامه هذا الى ما نشر وفاضت به السير والتواريخ صراحة او تلميحا ، من ان المغيرة بن شعبة زنا بام جميل حين كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب ، وكتبوا بذلك إلى الخليفة ، فكتب إليه وإلى الشهود جميعا ان يحضروا عنده ، فلما قدموا صفهم ، ودعا أبا بكرة ، فأثبت الشهادة وقال : انه رآه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة و ( قال ) : لكأني انظر إلى اثره الجدري بفخذ المرأة ، ثم دعا نافعا وشبل بن معبد فشهدا بمثل ما شهد به أبو بكرة ثم دعا زيادا وهو الشاهد الرابع وقال له : « اني لأرى وجه رجل ما كان الله يخزي رجلا من المهاجرين بشهادته » أو قال : « أما اني أرى رجلا أرجو ان لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله على يده ولا يخزى بشهادته » يوحي بذلك إلى زياد بالعدول عن الشهادة ليدرأ الحد عن المغيرة ، فقال شبل بن معبد ثالث الشهود : أفتجلد شهود ـ

٢٧٧

أَخْزى وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالا منك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومخالفة منك لأمره وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة والله مصيرك إلى النار وجاعل وبال ما نطقت به عليك فبأي الثلاثة سببت عليا أنقصا في نسبه أم بعدا من رسول الله أم سوء بلاء في الإسلام أم جورا في حكم أم رغبة في الدنيا إن قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس أتزعم أن عليا عليه‌السلام قتل عثمان مظلوما ـ فعلي والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلوما فو الله ما أنت من ذلك في شيء فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا وتحيي أمر الجاهلية وتميت الإسلام حتى كان ما كان في أمس.

وأما اعتراضك في بني هاشم وبني أمية فهو ادعاؤك إلى معاوية.

وأما قولك في شأن الإمارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما‌السلام يلقيان ما يلقيان من الأذى وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر وقال الله ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وقال ( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ).

ثم قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول ( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ ) هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك : ( وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) هم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأصحابه وشيعته ثم خرج وهو يقول لمعاوية ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت وما قد أعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

فقال معاوية لأصحابه وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم.

فقال الوليد بن عقبة والله ما ذقنا إلا كما ذقت ولا اجترأ إلا عليك.

فقال معاوية ألم أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا أطعتموني أول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم فو الله ما قام حتى أظلم علي البيت ـ وهممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم.

قال وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي عليه‌السلام

__________________

ـ الحق ، وتبطل الحد أحب إليك يا عمر؟ فقال عمر ـ لزياد ـ : ما تقول؟ فقال : قد رأيت منظرا قبيحا ، ونفسا عاليا ولقد رأيته بين فخذي المرأة ولا ادري هل كان خالطها أم لا؟ فقال عمر : الله أكبر فقال : المغيرة : الله أكبر ، الحمد لرب الفلق ، والله لقد كنت علمت اني سأخرج عنها سالما ـ فقال له عمر : اسكت فو الله لقد رأوك بمكان سوء ، فقبح الله مكانا رأوك فيه ، وأمر بجلد الشهود الثلاثة فقال نافع انت والله يا عمر جلدتنا ظلما ، انت رددت صاحبنا أن يشهد بمثل شهادتنا ، اعلمته هواك ، فاتبعه ، ولو كان تقيا لكان رضى الله والحق عنده آثر من رضاك فلما جلد أبا بكرة قام وقال : اشهد لقد زنى المغيرة ، فأراد عمر ان يجلده ثانيا فقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : ان جلدته رجمت صاحبك.

٢٧٨

فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم :

ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟

قال قد كان كذلك.

فقال لهم مروان أفلا أحضرتموني ذلك؟ فو الله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الإماء والعبيد.

فقال معاوية والقوم لم يفتك شيء وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش.

فقال مروان فأرسل إليه يا معاوية فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي.

فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه‌السلام ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة فأقبل الحسن فلما جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها ـ غير أن مروان قد حضر معهم في هذا الوقت فمشى الحسن عليه‌السلام حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص.

ثم قال الحسن لمعاوية لم أرسلت إلي؟

قال لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك.

فقال له مروان أنت يا حسن السباب لرجال قريش.

فقال له الحسن وما الذي أردت؟

فقال مروان والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد.

فقال الحسن عليه‌السلام أما أنت يا مروان فلست سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه محمد والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر ـ هذه اللعنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لك ولأبيك من قبلك وما زادك الله يا مروان بما خوفك ( إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً ) وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً ) وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن وذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل.

فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال يا أبا محمد ما كنت فحاشا ولا طياشا فنفض الحسن عليه‌السلام ثوبه وقام فخرج فتفرق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة.

مفاخرة الحسن بن علي صلوات الله عليهما على معاوية ومروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان

قيل وفد الحسن بن علي عليه‌السلام على معاوية فحضر مجلسه وإذا عنده هؤلاء القوم ففخر كل

٢٧٩

رجل منهم على بني هاشم ووضعوا منهم وذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي وبلغت منه.

فقال الحسن بن علي عليه‌السلام أنا شعبة من خير الشعب وآبائي أكرم العرب لنا الفخر والنسب والسماحة عند الحسب ونحن من خير شجرة أنبتت فروعا نامية وأثمارا زاكية وأبدانا قائمة فيها أصل الإسلام وعلم النبوة ـ فعلونا حين شمخ بنا الفخر واستطلنا حين امتنع بنا العز ونحن بحور زاخرة لا تنزف وجبال شامخة لا تقهر.

فقال مروان بن الحكم مدحت نفسك وشمخت بأنفك هيهات هيهات يا حسن نحن والله الملوك السادة والأعزة القادة لا تبجحن فليس لك عز مثل عزنا ولا فخر كفخرنا ثم أنشأ يقول :

شفينا أنفسا طابت وقورا

فنالت عزها فيمن يلينا

فأبنا بالغنيمة حيث أبنا

وأبنا بالملوك مقرنينا

ثم تكلم مغيرة بن شعبة فقال نصحت لأبيك فلم يقبل النصح ولو لا كراهية قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشام فكان يعلم أبوك أني أصدر الوراد عن مناهلها بزعارة قيس وحلم ثقيف وتجاربها للأمور على القبائل.

فتكلم الحسن عليه‌السلام فقال يا مروان أجبنا وخورا وضعفا وعجزا زعمت أني مدحت نفسي وأنا ابن رسول الله وشمخت بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنة؟ وإنما يبذخ ويتكبر ويلك من يريد رفع نفسه ويتبجح؟ من يريد الاستطالة؟ فأما نحن فأهل بيت الرحمة ومعدن الكرامة وموضع الخيرة وكنز الإيمان ورمح الإسلام وسيف الدين ألا تصمت ثكلتك أمك قبل أن أرميك بالهوائل ـ وأسمك بميسم تستغني به عن اسمك فأما إيابك بالنهاب والملوك أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوما وانخرجت مذعورا فكانت غنيمتك هزيمتك وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته قبحا لك ما أغلظ جلدة وجهك!!

فنكس مروان رأسه وبقي مغيرة مبهوتا فالتفت إليه الحسن عليه‌السلام فقال :

أعور ثقيف ما أنت من قريش فأفاخرك؟ أجهلتني يا ويحك أنا ابن خيرة الإماء وسيدة النساء غذانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلم الله تبارك وتعالى فعلمنا تأويل القرآن ومشكلات الأحكام لنا العزة العليا والفخر والسناء وأنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب ـ ولا لهم في الإسلام نصيب عبد آبق ما له والافتخار عن مصادمة الليوث ومجاحشة الأقران نحن السادة ونحن المذاويد القادة نحمي الذمار وننفي عن ساحتنا العار وأنا ابن نجيبات الأبكار ثم أشرت زعمت إلى وصي خير الأنبياء وكان هو بعجزك أبصر وبجورك أعلم وكنت للرد عليك منه أهلا لوعزك [ لوغرك ] في صدرك وبدو الغدر في عينك هيهات لم يكن ليتخذ ( الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) وزعمك أنك لو كنت بصفين بزعارة قيس وحلم ثقيف فبما ذا ثكلتك أمك أبعجزك عند المقامات وفرارك عند المجاحشات.

أما والله لو التفت عليك من أمير المؤمنين الأجاشع لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع ولقامت

٢٨٠