الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

أنزل علينا ولا تتفرقوا فتضلوا والله شهيد عليكم ـ قد أنذرتكم ودعوتكم وأرشدتكم ثم أنتم وما تختارون.

احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.

روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قال : كنت قاعدا عند علي عليه‌السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما وقال قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ثم التفت إلي فقال والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة ـ قلت له فلا تأذن لهما فردهما ثم قال لهما والله ما تريدان العمرة وما تريدان إلا نكثا لبيعتكما وفرقة لأمتكما فحلفا له فأذن لهما ثم التفت إلي فقال والله ما يريدان العمرة قلت فلم أذنت لهما؟ قال حلفا لي بالله قال فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها

وروي أنه عليه‌السلام عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:

أما بعد فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس كافة وجعله ( رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) فصدع بما أمر به (١) وبلغ رسالات ربه فلم به الصدع (٢) ورتق به الفتق (٣) وأمن به السبل (٤) وحقن به الدماء (٥) وألف بين ذوي الإحن (٦) والعداوة والوغر في الصدور والضغائن الراسخة في القلوب.

ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة وتولى أبو بكر وبعده عمر ثم عثمان فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل فقلتم بلى فقلت لا وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم فجذبتموها وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها ـ حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض فبسطت يدي فبايعتموني مختارين وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة والله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة وأن لا يبغيا للأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي فعجبا من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ولو شئت أن أقول لقلت اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما.

وقال عليه‌السلام في أثناء كلام آخر ـ:

__________________

(١) صدع بالأمر : أبانه وأظهره

(٢) الصدع : الكسر

(٣) الرتق : ضد الفتق وهو : الالتيام.

(٤) السبل : الطرق.

(٥) حقنت دمه : خلاف هدرته ، كأنك جمعته في صاحبه.

(٦) الإحن : الضغائن.

١٦١

وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول حين رأيا أن قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا ولا شهرا كاملا حتى وثبا علي دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني ثم دعا عليهما

وعن سليم بن قيس الهلالي قال : لما التقى أمير المؤمنين عليه‌السلام بأهل البصرة يوم الجمل نادى الزبير يا أبا عبد الله اخرج إلي فخرج الزبير ومعه طلحة فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ).

قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة فقال عليه‌السلام لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم فقال له الزبير أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي أنه سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عشرة من قريش في الجنة؟ قال علي عليه‌السلام سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته فقال الزبير أفترى كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال له علي عليه‌السلام لست أخبرك بشيء حتى تسميهم قال الزبير أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن عمرو بن نفيل.

فقال له علي عليه‌السلام عددت تسعة فمن العاشر؟ قال له أنت.

قال علي عليه‌السلام قد أقررت أني من أهل الجنة وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين قال له أفتراه كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال عليه‌السلام ما أراه كذب ولكنه والله اليقين.

فقال علي عليه‌السلام والله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة سمعت ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلا أظفرك الله بي وسفك دمي على يديك وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دماءكم على يدي وعجل أرواحكم إلى النار فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي

وروى نصر بن مزاحم (١) أن أمير المؤمنين عليه‌السلام حين وقع القتال وقتل طلحة ـ تقدم على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشهباء بين الصفين فدعا الزبير فدنا إليه حتى اختلف أعناق دابتيهما فقال يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم؟ قال نعم قال فلم جئت؟ قال جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول :

ترك الأمور التي تخشى عواقبها

لله أجمل في الدنيا وفي الدين

أتى علي بأمر كنت أعرفه

قد كان عمر أبيك الخير مذ حين

__________________

(١) نصر بن مزاحم المنقري العطار ، أبو الفضل كوفي مستقيم الطريقة صالح الأمر ، غير أنه يروي عن الضعفاء ، كتبه حسان كما في خلاصة العلامة.

١٦٢

فقلت حسبك من عذل أبا حسن

بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني

فاخترت عارا على نار مؤججة

أنى يقوم لها خلق من الطين

نبئت طلحة وسط النقع منجدلا

مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين

قد كنت أنصر أحيانا وينصرني

في النائبات ويرمي من يراميني

حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره

فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني

قال وأقبل الزبير على عائشة فقال يا أمه ما لي في هذا بصيرة وإني منصرف فقالت عائشة يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب فقال إنها والله طوال حداد تحملها فتية أنجاد (١) ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم فأخبر الأحنف بانصرافه فقال ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب ومعه غلامه فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير فحرك الرجلان رواحلهما وخلفا الزبير وحده فقال لهما الزبير ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير إليك عني فقال ابن جرموز يا أبا عبد الله إني جئتك لأسألك عن أمور الناس قال تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف قال ابن جرموز أخبرني عن أشياء أسألك عنها قال هات.

قال أخبرني عن خذلك عثمان وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته وعن إخراجك عائشة وعن صلاتك خلف ابنك وعن هذا الحرب التي جنيتها وعن لحوقك بأهلك.

فقال أما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطيئة وأخر فيه التوبة ـ وأما بيعتي عليا فلم أجد منها بدا إذ بايعه المهاجرون والأنصار وأما نقضي بيعته فإنما بايعته بيدي دون قلبي وأما إخراجي أم المؤمنين فأردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره وأما صلاتي خلف ابني فإن خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه وقال قتلني الله إن لم أقتلك.

وروي أنه جيء إلى أمير المؤمنين برأس الزبير وسيفه فتناول سيفه وقال طالما والله جلا به الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن الحين ومصارع السوء.

وروي أنه عليه‌السلام لما مر على طلحة من بين القتلى قال أقعدوه فأقعد فقال إنه كانت لك سابقة من رسول الله لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار.

وروي أنه عليه‌السلام مر عليه فقال هذا ناكث بيعتي والمنشئ للفتنة في الأمة والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي أجلسوا طلحة فأجلس فقال أمير المؤمنين يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال أضجعوا طلحة وسار فقال له بعض من

__________________

(١) انجاد : أشداء شجعان.

١٦٣

كان معه يا أمير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر.

وهكذا فعل عليه‌السلام بكعب بن شور القاضي لما مر به قتيلا وقال هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف ـ يزعم أنه ناصر أمه (١) يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه ثم استفتح ( وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله

وروي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به وروي أيضا أن مروان بن الحكم يوم الجمل كان يرمي بسهامه في العسكرين معا ويقول من أصبت منهما فهو فتح لقلة دينه وتهمته للجميع.

وقيل إن اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة عسكر من ولد إبليس اللعين ورئي منه ذلك اليوم كل عجيب لأنه كلما بتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى حتى نادى أمير المؤمنين عليه‌السلام اقتلوا الجمل فإنه شيطان وتولى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه

وروى الواقدي (٢) أن عمار بن ياسر رحمة الله عليه لما دخل على عائشة فقال ـ كيف رأيت ضرب بنيك على الحق؟ فقالت استبصرت من أجل أنك غلبت.

فقال عمار أنا أشد استبصارا من ذلك والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل فقالت عائشة هكذا يخيل إليك يا عمار أذهبت دينك لابن أبي طالب.

وروي عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين عليه‌السلام والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي لما قام فشهد فقال فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالب يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي.

قال فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي عليه‌السلام لقد أنبأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنبإ فقال إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل ( بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ).

وروي عن ابن عباس (٣) قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام حين أبت عائشة الرجوع دعها في البصرة ولا

__________________

(١) أي ناصر عائشة.

(٢) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني كان إماما عالما له التصانيف ، والمغازي وفتوح الأمصار ، وله كتاب الردة وغير ذلك نولى القضاء بشرقي بغداد وولاه المأمون القضاء بعسكر المهدي ، وهي المحلة المعروفة بالرصافة بالجانب الشرقي من بغداد عمرها المنصور لولده المهدي فنسب إليه. قال ابن النديم إن الواقدي كان يتشيع ، حسن المذهب ، يلزم التقية وهو الذي روى : أن عليا (عليه‌السلام) كان من معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كالعصا لموسى (عليه‌السلام) وإحياء الموتى لعيسى بن مريم. ولد سنة (١٣٠) وتوفي سنة (٢٠٧) وصلى عليه محمد بن سماعة ، ودفن بمقابر خيزران عن الكنى والألقاب للقمي ج ٠٣ ص ٢٣٠ ـ ٢٣٣.

(٣) عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان محبا لعلي (عليه‌السلام) وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين

١٦٤

ترحلها فقال علي عليه‌السلام إنها لا تألو شرا ولكني أردها إلى بيتها.

وروى محمد بن إسحاق (١) أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين وكتبت إلى معاوية وأهل الشام مع الأسود بن البختري تحرضهم عليه عليه‌السلام وروي أن عمرو بن العاص قال لعائشة ـ لوددت أنك قتلت يوم الجمل فقالت ولم لا أبا لك؟

قال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكثر للتشنيع على علي عليه‌السلام

احتجاج أم سلمة رض (٢) زوجة رسول الله على عائشة في الإنكار عليها بخروجها على علي أمير المؤمنين عليه‌السلام

روى الشعبي (٣) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي (٤) قال : كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير

__________________

(عليه‌السلام) أشهر من أن يخفى ، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه ، وهو أجل من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عليها رضي الله تعالى عنه. خلاصة العلامة ص ١٠٢.

(١) محمد بن إسحاق أخو يزيد شعر ـ بالشين المعجمة والعين المهملة والراء ـ.

روى الكشي عن حمدويه عن الحسن بن موسى قال : حدثني يزيد بن إسحاق شعر أن محمدا أخاه كان يقول بحياة الكاظم (عليه‌السلام) فدعا له الرضا عليه‌السلام حتى قال بالحق. خلاصة العلامة ص ١٥١.

(٢) ام المؤمنين أم سلمة : بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ، وامها عاتكة بنت عبد المطلب زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واسمها هند ، وكان أبوها يعرف بزاد الركب ، من المهاجرات إلى الحبشة ، وإلى المدينة.

وكانت مستودعة لبعض الوصايا وميراث النبوة وكان عندها البساط الذي سار به أمير المؤمنين إلى أصحاب الكهف ولما سار أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إلى الكوفة استودعها كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن (عليه‌السلام) دفعتها إليه ، ولما توجه الحسين عليه‌السلام الى العراق استودعها كتبه والوصية واوصاها ان تدفعها الى علي بن الحسين ففعلت.

وفي الدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي قال بعد خطبة فاطمة (عليها‌السلام) وكلام أبي بكر فقالت أم سلمة رضي الله عنها ، حيث سمعت ما جرى لفاطمة (عليها‌السلام) المثل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال هذا القول؟

هي والله الحوراء بين الإنس ، والنفس للنفس ، ربيت في حجور الأتقياء ، وتناولتها أيدي الملائكة ، ونمت في حجور الطاهرات ، ونشأت خير نشأ ، وربيت خير مربى ، أتزعمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها ، وقد قال الله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) أفأنذرها وخالفت متطلبه وهي خير النسوان ، وأم سادة الشبان ، وعديلة ابنة عمران ، تمت بأبيها رسالات ربه ، فو الله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر ، ويوسدها يمينه ، ويلحفها بشماله ، رويدا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمرأى منكم وعلى الله تردون! واها لكم فسوف تعلمون ، قال : فحرمت أم سلمة عطاها تلك السنة.

نعم ، وفي بيتها نزلت آية التطهير وهي آخر من مات من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ماتت في زمن يزيد سنة (٦٣)

راجع أسد الغابة ج ٥ ص ٥٨٨ سفينة البحار ج ١ ص ٦٤٢ ـ ٦٤٣.

(٣) الشعبي ـ بفتح الأول وسكون الثاني ـ : أبو عمر عامر بن شراحيل الكوفي ينسب إلى شعب بطن من همدان. يعد من كبار التابعين وجلتهم ، وكان فقيها شاعرا روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا عن السمعاني. مات فجأة بالكوفة سنة ١٠٤ ويظهر من ابن خلكان أن الشعبي كان قاضيا على الكوفة. الكنى والألقاب ج ٢ ص ٣٢٧ / ٣٢٨

(٤) صحابي مجهول.

١٦٥

وطلحة والزبير فأرسلا عبد الله بن الزبير فقالا له إن عثمان قتل مظلوما وإنا نخاف أمر أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يختل فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا.

فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت سبحان الله ما أمرت بالخروج وما تحضرني من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة فإن خرجت خرجت معها.

فرجع إليهما فبلغهما ذلك فقالا ارجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها منا فرجع إليها فبلغها فأقبلت حتى دخلت أم سلمة فقالت أم سلمة مرحبا بعائشة والله ما كنت لي بزوارة فما بدا لك؟ قالت قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت يا عائشة بالأمس أنت تشهدين عليه بالكفر وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما؟ فما تريدين؟ قالت تخرجين معنا فعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد (ص).

قالت يا عائشة تخرجين وقد سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما سمعنا نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك إن صدقت أتذكرين يوما كان نوبتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول والله لا تذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له الحوأب امرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الإناء من يدي فرفع رأسه إلي وقال ما بالك يا أم سلمة؟ فقلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول ما يؤمنني أن أكون هي أنا؟ فضحكت أنت فالتفت إليك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله مما تضحكين يا حميراء الساقين؟ إني أحسبك هي؟

ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يحدثنا فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك وقال أما والله ما يومه منك بواحدة أما إنه لا يبغضه إلا منافق كذاب وأنشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر وقد كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يتعاهد ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونعله وخفه ويصلح ما وهى منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله وهي حضرمية فهو يخصفها خلف البيت فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا :

يا رسول الله كيف أصبحت؟

قال أصبحت أحمد الله.

قالا لا بد من الموت قال أجل لا بد من الموت.

قالا يا رسول الله فهل استخلفت أحدا؟ قال ما خليفتي فيكم إلا خاصف النعل.

فخرجا فمرا على علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه!

١٦٦

ثم قالت أم سلمة يا عائشة أنا أخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يا ابن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة فرجع فبلغهما قال فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة ـ لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قالت يا هذه إنك سدة بين رسول الله وبين أمته وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (١) وضم ظفرك فلا تنشريه وشد عقيرتك فلا تصحريها (٢) إن الله من وراء هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهى عن الفرطة في البلاد (٣) إن عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال (٤) ولا يرأب بهن إن انصدع (٥) جمال النساء غض الأطراف وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل ومنزل إلى منزل ولغير الله مهواك وعلى رسول الله تردين ـ وقد هتكت عنك سجافه ونكثت عهده وبالله أحلف أن لو سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي فاتقي الله واجعليه حصنا [ و ] وقاعة الستر منزلا حتى تلقيه إن أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه وأنصح ما تكونين لله ما لزمته وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة (٦).

فقالت لها عائشة ما أعرفني بموعظتك وأقبلني نصحك ليس مسيري على ما تظنين ما أنا بالمغترة ولنعم المطلع تطلعت فيه فرقت بين فئتين متشاجرتين فإن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج ففي ما لا غنى بي عنه من الازدياد في الأجرة.

قال الصادق عليه‌السلام فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول :

لو كان معتصما من زلة أحد

كانت لعائشة الرتبى على الناس

من زوجة لرسول الله فاضلة

وذكر آي من القرآن مدراس

وحكمة لم تكن إلا لهاجسها

في الصدر يذهب عنها كل وسواس

يستنزع الله من قوم عقولهم

حتى يمر الذي يقضي على الراس

ويرحم الله أم المؤمنين لقد

تبدلت لي إيحاشا بإيناس

__________________

(١) أي : لا توسعيه وتنشريه.

(٢) العقيرة : الصوت. وصحر الحمار : نهق.

(٣) الفرطة ـ بالضم ـ : الخروج والتقدم يقال : ( فلان ذو فرطة في البلاد ) أي : أسفار كثيرة.

(٤) ثاب : رجع بعد ذهابه.

(٥) رأب الصدع : أصلحه.

(٦) الرقشاء من الحيات : المنقطة بسواد وبياض. وفي المثل « نهشني نهش الرقشاء المطرق ».

١٦٧

فقالت لها عائشة شتمتني يا أخت؟ فقالت أم سلمة ولكن الفتنة إذا أقبلت غضت عيني البصير وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل

احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد دخوله البصرة بأيام على من قال من أصحابه إنه ما قسم الفيء فينا بالسوية ولا عدل في الرعية وغير ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها

روى يحيى بن عبد الله (١) بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيام فقام إليه رجل فقال :

يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل البدعة ومن أهل السنة؟

فقال ويحك أما إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن تسأل عنها أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا ومن تبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله تعالى وعن أمر رسوله.

وأهل الفرقة المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا.

وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا.

وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج وعلى الله قبضها واستيصالها عن جدد الأرض.

فقام إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده فيء لنا.

فقام إليه رجل من بكر بن وائل ويدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت بالرعية.

فقال ولم ويحك؟

قال لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية.

فقال أيها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن.

فقال عباد جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف قيل ومن غلام ثقيف؟ فقال رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها فقيل أفيموت أو يقتل فقال يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه.

يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي أوما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير وأن الأموال كانت

__________________

(١) راجع هامش ص ١٥٤

١٦٨

لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة وولدوا على فطرة وإنما لكم ما حوى عسكركم وما كان في دورهم فهو ميراث فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.

يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة فقسم ما حوى العسكر ولم يتعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل.

يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بالحق فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني وأكثرتم علي وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ عائشة بسهمه.

فقالوا يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر الله تعالى ونادى الناس من كل جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد فقام عباد فقال:

أيها الناس إنكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيد شعرة وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه.

ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة وإن كان فيه مشقة شديدة ومرارة عديدة والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل.

ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليل [ قليلا ] منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم وأما عائشة فأدركها رأي النساء ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء

عن الأصبغ بن نباتة (١) قال : كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه

__________________

(١) لأصبغ بن نباتة ـ بضم النون ـ المجاشعي الحنظلي كان من خاصة أمير المؤمنين ومن ذخائره وقد بايعه على الموت.

وكان من ثقاته (عليه‌السلام) روي أنه دعا يوما كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال : أدخل عشرة من ثقاتي ، فقال : سمهم يا أمير المؤمنين فسماه في أولهم.

وكان رحمه‌الله من فرسان أهل العراق ، وكان يوم صفين على شرطة الخميس ، وقال لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) : قدمني في البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا ، قال عليه‌السلام : تقدم باسم الله والبركة ، وأخذ رايته وسيفه ، فمضى بالراية مرتجزا فرجع وقد خضب سيفه ورمحه دما ، وكان إذا لقي القوم لا يغمد سيفه.

وكان شيخا ناسكا عابدا ، قال : كنت أركع عند باب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وأنا أدعو الله عز وجل إذ خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال : يا أصبغ ، قلت : لبيك ، قال : أي شيء كنت تصنع؟ قلت : ركعت وأنا أدعو الله ، قال : أفلا أعلمك دعاء أسمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قلت بلى. قال : قل : الحمد لله على ما كان والحمد لله على كل حال ، ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الأيسر وقال : يا أصبغ لئن ثبتت قدمك ، وتمت ولايتك ، وانبسطت يدك. فالله أرحم بك من نفسك.

روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عهده للأشتر ووصيته لمحمد بن الحنفية ، وعمر بعد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ومات مشكورا.

رجال الطوسي ص ٣٤ ، رجال العلامة ص ٢٤ ، سفينة البحار ج ٢ ص ٧ ، ٨ ، ١٠.

١٦٩

فقال يا أمير المؤمنين كبر القوم وكبرنا وهلل القوم وهللنا وصلى القوم وصلينا فعلى ما تقاتلهم؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما أنزل الله جل ذكره في كتابه.

فقال يا أمير المؤمنين عليه‌السلام ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه.

فقال علي عليه‌السلام ما أنزل الله في سورة البقرة فقال يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه.

فقال علي عليه‌السلام هذه الآية ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (١) فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا فقال الرجل كفر القوم ورب الكعبة ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.

عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الجمل فقال يا أمير المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت وجثة قد زالت ونفس قد فاتت لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى ـ فالله الله ما يجللني من هذا إن يك شرا فهذا نتلقى بالتوبة وإن يك خيرا ازددنا منه أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه أفتنة عرضت لك فأنت تنفح الناس بسيفك (٢) أم شيء خصك به رسول الله.

فقال عليه‌السلام إذن أخبرك إذن أنبئك إذن أحدثك إن ناسا من المشركين أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلموا ثم قالوا لأبي بكر استأذن لنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع فدخل أبو بكر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستأذن لهم فقال عمر يا رسول الله أنرجع من الإسلام إلى الكفر؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله وما علمك يا عمر أن ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم ثم إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي فاستأذن لهم وعنده عمر فقال مثل قوله فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال:

والله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرود.

فقال له أبو بكر فداك أبي وأمي يا رسول الله أنا هو؟ قال لا قال عمر فمن هو؟ يا رسول الله فأومى إلي وأنا أخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال هو خاصف النعل عندكما ابن عمي وأخي وصاحبي ومبرئ ذمتي والمؤدي عني ديني وعداتي والمبلغ عني رسالاتي ومعلم الناس من بعدي ومبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون فقال الرجل أكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت فكان ذلك الرجل أشد أصحاب علي عليه‌السلام فيما بعد على من خالفه.

__________________

(١) البقرة : ٢٥٣.

(٢) أي : تأخذهم بطرف سيفك من بعيد.

١٧٠

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما فرغ علي عليه‌السلام من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب (١) ثم صعد عليه فخطب فحمد الله وأثنى عليه فقال:

يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة (٢) يا أهل الداء العضال (٣) أتباع البهيمة (٤) ـ يا جند المرأة (٥) رغا فأجبتم (٦) وعقر فهربتم ماؤكم زعاق (٧) ودينكم نفاق وأخلاقكم دقاق ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال:

يا حسن أسبغ الوضوء فقال يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله يصلون الخمس ويسبغون الوضوء فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا؟

فقال والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد يا حسن إلى أين؟ ارجع فإن القاتل والمقتول في النار فرجعت ذعرا وجلست في بيتي فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فتحنطت وصببت علي سلاحي ـ وخرجت أريد القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين؟ ارجع مرة بعد أخرى فإن القاتل والمقتول في النار.

قال علي عليه‌السلام صدقك أفتدري من ذلك المنادي؟ قال لا.

قال عليه‌السلام ذاك أخوك إبليس وصدقك أن القاتل والمقتول منهم (٨) في النار فقال الحسن البصري الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى

وعن يحيى الواسطي (٩) قال لما افتتح أمير المؤمنين عليه‌السلام اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري

__________________

(١) القنب ـ بالتحريك ـ رحل البعير.

(٢) المؤتفكة : المنقلبة قال تعالى ـ في قرى قوم لوط التي انقلبت بأهلها ـ : والمؤتفكة أهوى ، وفي الحديث : البصرة إحدى المؤتفكات.

(٣) الداء العضال ـ بعين مضمومة ـ : المرض الصعب الشديد الذي يعجز عنه الطبيب.

(٤) يريد : الجمل الذي ركبته عائشة.

(٥) يريد عائشة.

(٦) رغا فأجبتم أي الجمل رغا والرغاء ـ كغراب ـ : صوت ذوات الخف وقد رغا البعير يرغو رغاء إذا ضج ورغت الناقة صوتت فهي راغية.

(٧) الزعاق ـ كغراب ـ : الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه.

(٨) أي : القاتل والمقتول من أصحاب الجمل في النار.

(٩) أبو يحيى الواسطي واسمه سهيل بن زياد الواسطي له كتاب لقي أبا محمد العسكري. أمه بنت محمد بن نعمان أبي جعفر لأحول الملقب بمؤمن الطاق المتكلم المشهور. رجال الشيخ ص ٤٧٦ رجال النجاشي ص ١

١٧١

ومعه الألواح فكان كلما لفظ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكلمة كتبها فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام بأعلى صوته ما تصنع؟ فقال نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أما إن لكل قوم سامري وهذا سامري هذه الأمة أما إنه لا يقول ( لا مِساسَ ) ولكن يقول لا قتال.

احتجاجه عليه‌السلام على قومه في الحث على المسير إلى الشام لقتال معاوية وفيما أخذ عليهم من العهد والميثاق بالطاعة له حال بيعتهم إياه

روي أنه عليه‌السلام لما عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية قال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الله عباد الله وأطيعوه وأطيعوا إمامكم فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر وقد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقي ناكثا لبيعتي طاغيا في دين الله عز وجل وقد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس فجئتموني راغبين إلي في أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم لأبلو (١) ما عندكم ـ فراددتموني القول مرارا وراددتكم وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها حرصا على بيعتي حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا.

فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمركم وأمري وقلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي وقلت والله لألينهم وهم يعلمون حقي وفضلي أحب إلي من أن يلوني وهم لا يعرفون حقي وفضلي فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين وفيكم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان فأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذ على النبيين من عهد وميثاق لتقرن لي ولتسمعن لأمري ـ ولتطيعوني وتناصحوني وتقاتلون معي كل باغ علي أو مارق إن مرق فأنعمتم لي بذلك جميعا وأخذت عليكم عهد الله وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله فأجبتموني إلى ذلك جميعا وأشهدت الله عليكم وأشهدت بعضكم على بعض فقمت فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني الخلافة ويجحد لي الإمامة ويزعم أنه أحق بها مني جرأة منه على الله وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير حق له فيها ولا حجة ولم يبايعه المهاجرون ولا سلم له الأنصار والمسلمون.

يا معشر المهاجرين والأنصار وجماعة من سمع كلامي أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة؟ أما بايعتموني على الرغبة؟ ـ أما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي؟ أما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر وعمر فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا ونقض علي ولم يف لي أما يجب عليكم نصحي ويلزمكم أمري أما تعلمون أن بيعتي يلزم الشاهد منكم والغائب فما بال معاوية وأصحابه طاغون في بيعتي ولم لم يفوا لي وأنا في قرابتي وسابقتي وصهري أولى بالأمر ممن تقدمني أما سمعتم قول رسول الله يوم الغدير في ولايتي وموالاتي.

فاتقوا الله أيها المسلمون وتحاثوا على جهاد معاوية القاسط الناكث ـ وأصحابه القاسطين الناكثين

__________________

(١) أي : لأختبر ما عندكم.

١٧٢

اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فإنه والله أبلغ عظة لكم فانتفعوا بموعظة الله وازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا؟ قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (١) ( وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ؟ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢).

أيها الناس إن لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم وأنه فضل طالوت وقدمه على الجماعة باصطفائه إياه وزيادة بسطة في العلم والجسم ـ فهل تجدون أن الله اصطفى بني أمية على بني هاشم وزاد معاوية علي بسطة في العلم والجسم.

واتقوا الله عباد الله وجاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له قال الله سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (٣) وقال سبحانه ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٤).

اتقوا الله عباد الله وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر إذا أمرتهم أطاعوني وإذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن كثير منكم وأسرعت النهوض إلى حرب معاوية وأصحابه فإنه الجهاد المفروض.

ومن كلامه عليه‌السلام يجري مجرى الاحتجاج مشتملا على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية والتفنيد متضمنا اللوم والوعيد :

أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا (٥) وأسمعتكم فلم تجيبوا ونصحت لكم فلم تقبلوا ـ شهودا بالغيب (٦) [ كالغيب ] أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها كأنكم ( حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا تضربون الأمثال وتنشدون الأشعار وتجسسون الأخبار حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأخبار جهلا من غير علم وغفلة من غير ورع وتتبعا من غير خوف ونسيتم الحرب

__________________

(١) البقرة : ٢٤٦.

(٢) البقرة : ٢٤٧.

(٣) المائدة : ٧٨.

(٤) الصف : ١٠.

(٥) النفر : الخروج الى الغزو واصله الفزع.

(٦) الشهود : الحضور.

١٧٣

والاستعداد لها فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها شغلتموها بالأعاليل والأضاليل فالعجب كل العجب وكيف لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم.

يا أهل الكوفة أنتم كأم مخالد [ مجالد ] حملت فأملصت (١) فمات قيمها وطال أيمها (٢) وورثها أبعدها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم الأغبر الأدبر جهنم الدنيا ( لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ) ومن بعده النهاش الفراس الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر منهم بأرق بكم من الأول ما خلا واحدا (٣) بلاء قضاه الله على هذه الأمة لا محالة كائن يقتلون أخياركم ويستعبدون أرذالكم ويستخرجون كنوزكم وذخائركم في جوف حجالكم نقمة بما صنعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.

يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به من اتعظ واعتبر كأني بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله فيا ويلكم فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من عبده ووحده أم على رسوله فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره كلا ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء.

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين وذلك إذ صيركم إليها جهلكم ولا ينفعكم عندها علمكم فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال (٤).

أما والله أيها الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواؤهم (٥) ما أعز الله نصر من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم (٦) ولا قرت عين من آواكم كلامكم يوهن الصم الصلاب (٧) وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب ويحكم أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب أصبحت لا أطمع في نصرتكم ـ ولا أصدقكم قولكم فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم وأعقبكم بي من هو شر لكم مني إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني فإنها معرفة جرت ندما لقد وريتم صدري غيظا وأفسدتم علي أمري بالخلاف والعصيان حتى لقد قالت قريش إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب لله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني وأشد بها مقاساة (٨) لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ثم ها أنا قد ذرفت على الستين لكن لا أمر لمن لا يطاع أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين

__________________

(١) املصت المرأة : اسقطت.

(٢) الأيم : التي مات زوجها.

(٣) هو عمر بن عبد العزيز.

(٤) الحجال ـ جمع حجلة ـ وهي الغرفة وربات الحجال النساء.

(٥) الأهواء ـ جمع هوى ـ وهو ما تميل إليه النفس محمودا كان أو مذموما ثم غلب في الاستعمال على غير المحمود.

(٦) قاساكم : قهركم.

(٧) الصم ـ جمع أصم ـ وهو من الحجارة الصلب المصمت والصلاب ـ جمع صليب ـ وهو الشديد.

(٨) أي : أطول ممارسة وأشد معالجة.

١٧٤

أظهركم إلى رضوانه وأن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها وترك يده على رأسه ولحيته عهدا عهده إلي النبي الأمي ( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) ونجا من ( اتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ).

يا أهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم (١) وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واستصعب عليكم أمري ( وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) حتى شنت عليكم الغارات وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم حيث أخبر الله عز وجل عن الجبابرة العتاة الطغاة المستضعفين الغواة في قوله تعالى : ( يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) (٢) أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون.

عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي (٣) ولكن سيسلط عليكم سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم وليضربنكم وليذلنكم وليجرنكم في المغازي وليقطعن سبلكم وليجمعنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم ثم لا يبعد الله إلا من ظلم ولقل ما أدبر شيء فأقبل وإني لأظنكم على فترة وما علي إلا النصح لكم.

يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين (٤) صم ذوي أسماع وبكم ذوي ألسن وعمي ذوي أبصار ـ لا إخوان صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء.

اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني (٥) اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير وأمث قلوبهم كما يماث الملح بالماء (٦) أما والله لو أجد بدا (٧) من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من الحق وإلحادا إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين وإني لأعلم أنكم لا ( تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ) كلما أمرتكم بجهاد عدوكم ( اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول (٨) إن قلت لكم في القيظ سيروا قلتم الحر شديد (٩) وإن قلت لكم في البرد سيروا قلتم القر شديد كل ذلك فرارا عن الحرب

__________________

(١) أي احال كل منكم الأمر الى صاحبه ووكله إليه ولم يتوله أحد منكم.

(٢) البقرة : ٤٩.

(٣) أي : متطلبا صلاحكم بفساد ديني.

(٤) منيت به : امتحنت واختبرت به.

(٥) سئمه : مله.

(٦) يماث الملح : يذوب.

(٧) لم تجد لك بدا من كذا أي : مخلصا منه.

(٨) المطول : الكثير المطل ، وهو : تأخير أداء الدين بلا عذر.

(٩) القر ـ بالضم ـ : البرد.

١٧٥

إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون فأنتم عن حرارة السيف أعجز فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

يا أهل الكوفة قد أتاني الصريح يخبرني أن ابن عمر [ غامد ] قد نزل الأنبار (١) على أهلها ليلا في أربعة آلاف فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة بوأ الله لهم جنات النعيم وأنه أباحها ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام (٢) كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيهتكون سترها ويأخذون القناع من رأسها والخرص من أذنها والأوضاح من يديها ورجليها وعضديها والخلخال والمئزر عن سوقها فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء يا للمسلمين فلا يغيثها مغيث ولا ينصرها ناصر فلو أن مؤمنا مات دون هذا ما كان عندي ملوما بل كان عندي بارا محسنا وا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى (٣) ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون فتربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب.

احتجاجه عليه‌السلام على معاوية في جواب كتاب كتب إليه في غيره من المواضع وهو من أحسن الحجاج وأصوبها (*).

أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ (٤) لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت (٥) تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (٦) أو داعي مسدده إلى النضال (٧) وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان (٨) فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها (٩) وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك (١٠) وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة

__________________

(١) الأنبار : بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات ويقابلها على الجانب الغربي هيت.

(٢) العصبة ـ بضم العين ـ : جماعة من الرجال نحو العشرة ، وقيل : ومن العشرة الى الأربعين.

(٣) الغرض ـ بالتحريك ـ : الهدف الذي يرمى إليه.

(*) تجد هذا الكتاب في ج ٣ ص ٣٤ من نهج البلاغة.

(٤) خبأه : ستره واخفاه.

(٥) طفق : جعل.

(٦) مثل يضرب لمن يحمل الشيء الى معدنه لينتفع به فيه ، وهجر معروفة بكثرة التمر.

(٧) المناضلة : المرامات ، يقال : ناضله إذا راماه ، ومسدده : الذي يعلمه الرمي وهو مثل يضرب لمن يتعالم على معلمه ومثله قوله :

اعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

(٨) يريد أبا بكر وعمر.

(٩) القدح : السهم وهذا المثل يضرب لمن يفتخر بشيء ليس فيه.

(١٠) أربع : توقف وانتظر يقال : « أربع على نفسك أو على ظلعك » أي : توقف ولا تستعجل والظلع العيب : أي أنت ضعيف فانته عما لا تطيقه ويقصر عنه باعك

١٧٦

المغلوب ولا لك ظفر الظافر فإنك لذاهب في التيه رواغ عن القصد (١) ألا ترى غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه (٢) أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين (٣) ولو لا ما نهى الله عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين ـ فدع عنك من مالت به الرمية (٤) فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا (٥) لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا (٦) على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب (٧) ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف (٨) ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار (٩) ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب (١٠) في كثير

__________________

(١) أي : حائد عن القصد.

(٢) هو « حمزة بن عبد المطلب » عم الرسول « صلى‌الله‌عليه‌وآله » وقد مر ذكره في هامش ص ١٩٤ فراجعه.

(٣) هو جعفر بن أبي طالب (عليه‌السلام) وقد مر ذكره في هامش ص ١٧٢ من هذا الكتاب فراجع.

(٤) الرمية : الصيد وهو مثل يضرب لمن أعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه والمراد هنا بمن مالت به الرمية الأول والثاني.

(٥) قال العلامة المجلسي في ج ٨ ص ٥٣٦ من بحار الأنوار :

قوله (عليه‌السلام) : « فأنا صنايع ربنا » هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول ، ولنتكلم على ما يمكننا اظهاره والخوض فيه فنقول.

صنيعة الملك : من يصطنعه ويرفع قدره ، ومنه قوله تعالى : ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أي : اخترتك واخذتك صنيعتي ، لتتصرف عن ارادتي ومحبتي.

فالمعنى : انه ليس لأحد من البشر علينا نعمة ، بل الله تعالى أنعم علينا ، فليس بيننا وبينه واسطة ، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.

ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس ، نصطنعه ونرفع قدره

وفي ج ٣ من النهج لابن أبي الحديد ص ٤٥١ قال :

هذا كلام عظيم عال على الكلام ، ومعناه عال على المعاني ، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره ، يقول : ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا ، فليس بيننا وبينه واسطة ، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى ، وهذا مقام جليل ، ظاهره ما سمعت وباطنه أنهم عبيد الله ، وان الناس عبيدهم.

وقال محمد عبده في ص ٣٦ من ج ٣ من نهج البلاغة :

آل النبي : أسراء إحسان الله عليهم والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.

(٦) الطول : الفضل. قال العلامة المجلسي في ص ٥٣٦ من ج ٨ من بحار الأنوار « أقول : قد ظهر لك مما سبق ان بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه (عليهم‌السلام) مع ان قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم (عليهم‌السلام) أول المخلوقات ومن بدو خلق أنوارهم الى خلق أجسادهم وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات ، في الأرضين والسماوات ، يخبر بفضلهم كل سلف خلفا ، ورفع الله ذكرهم في كل امة عزا وشرفا.

(٧) المكذب : أبو سفيان كان المكذب لرسول الله وعدوه المجلب عليه وقيل المراد به أبو جهل.

(٨) أسد الله : حمزة وأسد الأحلاف ، قيل : هو أسد بن عبد العزى ، وقيل : عتبة بن ربيعة ، وقيل : أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب ، وحالفهم على قتال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة الخندق.

(٩) وصبية النار : اشارة الى الكلمة التي قالها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعقبة بن أبي معيط حين قتله يوم بدر وقال ـ كالمستعطف له صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من للصبية يا محمد » قال : النار.

(١٠) حمالة الحطب : أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب.

١٧٧

مما لنا عليكم فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتكم لا تدفع (١) وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا وهو قوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وقوله تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) ـ فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة.

ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم (٢).

وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت وعلى كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (٣)

وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة (٤) في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا في يقينه وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.

ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتلته أم [ أ ] من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى عليه قدره كلا والله لقد علم ( اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ) وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له فرب ملوم لا ذنب له وقد يستفيد الظنة المتنصح وما أردت ( إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ).

وذكرت أنه ليس لي ولا لأصحابي عندك إلا السيف ولقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين (٥) وبالسيوف مخوفين فالبث قليلا يلحق الهيجا (٦) حمل فسيطلبك من

__________________

(١) لا تدفع أي : لا تنكر وفي بعض النسخ « وجاهليتنا » وحينئذ يكون المعنى شرفنا وفضلنا في الجاهلية لا ينكره أحد.

(٢) وذلك ان المهاجرين احتجوا يوم السقيفة بأنهم شجرة الرسول ففلجوا أي : ظفروا بهم ، وظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية وإلا فالأنصار على حقهم من؟؟؟ الخلافة وفي كلا الحالين ليس لمعاوية فيها من نصيب. والفلج ـ بسكون اللام ـ : الظفر.

(٣) الشكاة ـ بالفتح ـ : النقيصة ، واصلها المرض. وصد البيت :

وعيرها الواشون أني احبها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

 (٤) المخشوش : الموضوع في أنفه. الخشاش ككتاب : ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب لينقاد. الغضاضة : النقص.

(٥) ناكلين : متأخرين.

(٦) لبث ـ بتشديد الباء ـ فعل أمر من « لبث » إذا استزاد لبثه ـ أي : مكثه ، والهيجاء : الحرب ، وحمل ـ بالتحريك ـ : هو حمل بن بدر ، رجل من قشير أغير على إبله في الجاهلية فاستنقذها وقال

لبث قليلا يلحق الهيجا حمل

لا بأس بالموت إذا الموت نزل

فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب.

١٧٨

تطلب ويقرب منك ما تستبعد وأنا مرقل (١) نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم (٢) متسربلين سرابيل الموت (٣) أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم وقد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها (٤) في أخيك وخالك وجدك (٥) وأهلك ( وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ).

وكتب أيضا عليه‌السلام (٦) إلى معاوية :

أما بعد فإنا كنا نحن وأنت على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم بالأمس أنا آمنا وكفرتم واليوم أنا استقمنا وفتنتم وما أسلم مسلمكم إلا كرها (٧) وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله حزبا (٨).

وذكرت أني قتلت طلحة والزبير وشردت بعائشة ونزلت بين المصرين (٩) وذلك أمر غبت عنه فلا الجناية عليك ولا العذر فيه إليك وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (١٠) فإن كان فيك عجل فاسترفه (١١) فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله عز وجل إنما بعثني للنقمة منك وإن تزرني فكما قال أخو بني أسد :

مستقبلين رياح الصيف تضربهم

بحاصب بين أغوار وأنجاد

وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد (١٢) وإنك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب للعقل (١٣) والأولى أن يقال لك إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك لأنك نشدت في غير ضالتك (١٤) ورعيت غير سائمتك (١٥) وطلبت أمرا لست من أهله ولا في

__________________

(١) مرقل : مسرع ، والجحفل الجيش العظيم.

(٢) الساطع : المنتشر. والقتام ـ بالفتح ـ الغبار.

(٣) السربال : اللباس ، أي : لابسين لباس الموت كأنهم في أكفانهم.

(٤) النصال : السهام.

(٥) اخوه : حنظلة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وجده : عتبة بن ربيعة وهو جده لامه.

(٦) تجد هذا الكتاب في ص ١٣٤ من ج ٣ من نهج البلاغة.

(٧) وذلك أن أبا سفيان لم يسلم حتى قبل فتح مكة وإنما دخل الإسلام خوف القتل.

(٨) أنف الإسلام : اشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح.

(٩) المصران : الكوفة والبصرة.

(١٠) اخوه : عمرو بن أبي سفيان ، أسر يوم بدر.

(١١) أي : استح ولا تستعجل وفي بعض النسخ « فاسترقه » بالقاف فيكون المعنى فأخفه ولا تظهره.

(١٢) أعضضته : جعلته يعضه والمراد ضربته به. وهؤلاء قتلهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يوم بدر.

(١٣) أي : أنت الذي أعرفه ، والأغلف القلب : الذي لا يدرك كأن قلبه في غلاف لا تنفذ إليه المعاني ، ومقارب العقل ناقصه وضعيفه. كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به.

(١٤) الضالة : ما فقدته من مال وغيره ، ونشدت طلبت ، وهذا مثل يضرب لمن يطلب حقا ليس له.

(١٥) السائمة : الماشية من الحيوان.

١٧٩

معدنه فما أبعد قولك من فعلك وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل على الجحود بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فصرعوا بمصارعهم حيث علمت لم يدفعوا عظيما ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغا فلم يماشها الهوينا (١) وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس (٢) ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله.

وأما تلك التي تريد (٣) فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال والسلام لأهله.

وكتب عليه‌السلام إلى معاوية في كتاب آخر (٤) فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتبعة (٥) مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام.

وروى أبو عبيدة (٦) قال كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن لي فضائل كثيرة كان أبي سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الإسلام وأنا صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخال المؤمنين وكاتب الوحي.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أبالفضائل يبغي علي ابن آكلة الأكباد (٧)؟ ـ اكتب إليه يا غلام :

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يمسي ويضحي

يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي

مسوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها

فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

وصليت الصلاة وكنت طفلا

مقرا بالنبي في بطن أمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خم

__________________

(١) الوغى : الحرب. أي إن تلك السيوف باقية لم تخل منها الحروب ولم ترافقها المساهلة.

(٢) أي : البيعة له (عليه‌السلام).

(٣) أي : الذي تريده من إبقائك واليا في الشام.

(٤) تجد هذا الكتاب في ج ٣ من نهج البلاغة ص ٦٩.

(٥) وفي نسخة : « والحيرة المتبعة ».

(٦) أبو عبيدة معمر ـ كجعفر ـ البصري النحري اللغوي كان متبحرا في علم اللغة وأيام العرب وأخبارها ويحكى أنه كان يقول ما التقى فرسان في جاهلية وإسلام إلا عرفتهما وعرفت فارسهما ، وهو أول من صنف غريب الحديث.

وفي مروج الذهب وفي سنة ٢١١ مات أبو عبيدة العمري معمر بن المثنى كان يرى رأي الخوارج ، وبلغ نحوا من مائة سنة ولم يحضر جنازته أحد من الناس بالمصلى حتى اكتري لها من يحملها ، وله مصنفات حسان في أيام العرب وغيرها منها كتاب المثالب إلخ عن الكنى والألقاب ج ١ ص ١٤.

(٧) آكلة الأكباد هند أم معاوية وهي التي أخرجت كبد حمزة وجعلت تلوكها كما مر ص ١٩٤.

١٨٠