الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل غيري؟ قالوا لا (١).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت أفضل الخلائق عملا يوم القيامة بعد النبيين غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله ـ هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كساءه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال اللهم أنا وأهل بيتي إليك لا إلى النار غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطعام وهو في الغار ويخبره بالأخبار غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت أخي ووزيري وصاحبي من أهلي غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت أقدمهم سلما وأفضلهم علما وأكثرهم حلما غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قتل مرحبا اليهودي فارس اليهود مبارزة غيري؟ قالوا لا (٢).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد عرض عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام فقال له أنظرني حتى ألقى والدي فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنها أمانة عندك فقلت فإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى به مائة ذراع ثم عالجه بعده أربعين رجلا فلم يطيقوه غيري؟ قالوا لا.

__________________

ـ ٤٢١ بسنده عن جابر أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر فمن امترى فقد كفر وفي ج ٣ ص ١٩٢ عن علي عليه‌السلام وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ٩ / ٤١٩ عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.

(١) في ذخائر العقبى : عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي « أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب الدين »

(٢) مر في ص ١٦٧ قصة إعطاء الراية لعلي (عليه‌السلام) في غزوة خيبر. وفي هذه الواقعة نفسها خرج مرحب ملك خيبر يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلتهب

فأجابه علي عليه‌السلام مرتجزا أيضا :

أنا الذي سمتني امي حيدره

ضرغام آجام وليث قسورة

ثم ضرب مرحبا فشقه نصفين ، وفتح باب خيبر وقلعها ثم مشى بها مائة ذراع ورمى بها أربعين ذراعا وكانت لضخامتها قد وكل بها أربعون بطلا من شجعان اليهود يقول ابن أبي الحديد في عينيته :

يا قالع الباب الذي عن هزه

عجزت أكف أربعون وأربع

١٤١

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) فكنت أنا الذي قدم الصدقة غيري؟ قالوا لا (١).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منزلي مواجه منزلك في الجنة غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت أولى الناس بأمتي بعدي غيري؟ قالوا لا (٢).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت يوم القيامة عن يمين العرش والله يكسوك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين وأشهر غيري؟ قالوا لا (٣).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي؟ قالوا لا (٤).

__________________

(١) سمعت أبا إسحاق التميمي يقول : سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول : حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم ، فدخلوا على « أم سلمة » زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعتها تقول : « يا شبيب بن ربعي ». فأجابها رجل جلف جاف : « لبيك يا أمتاه » قالت : « يسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناديكم؟!! » قال : « وأنى ذلك؟! » قالت : « فعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام) » قال : « إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا » قالت : فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى ».

(٢) كنز العمال ج ٦ ص ١٥٥ الحديث ٢٥٧٩ عن وهب بن حمزة : لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي ـ يعني عليا

(٣) الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٩ عن رافع قال : صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين ، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين ، وصلى يوم الثلاثاء من الغد قبل أن يصلي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد سبع سنين وأشهر. وعنه قال : صليت قبل أن تصلي الناس بسبع سنين. وعنه ، انه كان يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصديق الأكبر ، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين خرجهن الخلعي.

(٤) الاستيعاب ج ٢ ص ٤٦٤ عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لوفد ثقيف حين جاءه : لتسلمن أو لأبعثن رجلا مني أو قال : مثل نفسي فليضربن أعناقكم ، وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم. قال عمر : فو الله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول : هو هذا قال : فالتفت إلى علي رضي‌الله‌عنه ، فأخذ بيده ، ثم قال : هو هذا.

١٤٢

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولايتك كولايتي عهد عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم اجعله لي عونا وعضدا وناصرا غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المال يعسوب الظلمة وأنت يعسوب المؤمنين غيري؟ قالوا لا (١).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للإيمان غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رمانة وقال هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلا نبي أو وصي نبي غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل ربي شيئا إلا سألت لك مثله غيري؟ قالوا لا (٢).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل الله وليك الجنة وعدوك النار غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة غيري قالوا لا (٣).

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب والعجم ولا فخر غيري؟ قالوا لا (٤).

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ١٥٣ الحديث ٢٥٣٦ : « علي يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ».

(٢) كنز العمال ج ٦ ص ٢٥٩ الحديث ٢٦٦٧ قم يا علي فقد برئت. ما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله ، إلا أنه قيل لي : لا نبوة بعدك.

(٣) كنز العمال ج ٦ ص ١٥٤ الحديث ٢٥٦١ عن جابر : أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى والحديث ٢٥٦٢ عنه : « يا علي الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة ».

(٤) الصواعق المحرقة ص ١٢٠ : روى البيهقي : أنه ظهر علي من البعد فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : « هذا سيد العرب ». فقالت عائشة : ألست سيد العرب؟ فقال : « أنا سيد العالمين ، وهو سيد العرب ». ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس بلفظ : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وقال : إنه صحيح ولم يخرجاه.

١٤٣

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد رضي الله عنه في الآيتين من القرآن غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله موعدك موعدي وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين غيري قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم إني أحبه فأحبه اللهم إني أستودعكه غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت تحاج الناس فتحججهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الحدود والقسم بالسوية غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول ـ ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه وصدقوه فإنه وليكم غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) غيري؟ قالوا لا.

قال نشدتكم بالله فهل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه غيري؟ قالوا لا قال فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حنوطا من حنوط الجنة ثم أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري؟ قالوا لا.

قال فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حياه وأدناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري فقالوا لا.

قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها غيري؟ قالوا لا.

قال فهل فيكم أحد سرحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري؟ قالوا لا.

قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها غيري؟ قالوا لا.

قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أدى الله عن أمانتك أدى الله عن ذمتك غيري؟ قالوا لا.

١٤٤

قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت قسيم النار تخرج منها من زكا وتذر فيها كل كافر غيري؟ قالوا لا (١).

قال فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسبى بنت مرحب فأداها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا لا.

قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم ويرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين مسودة وجوههم غيري؟ قالوا لا (٢).

قال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام أما إذا أقررتم على أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم ـ فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره وردوا الحق إلى أهله واتبعوا سنة نبيكم فإنكم إن خالفتم خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهله وهي له.

قال فتغامزوا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا قد عرفنا فضله وعلمنا أنه أحق الناس بها ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد فإن وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعا سواء ولكن ولوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون فدفعوها إليه.

احتجاجه عليه‌السلام على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النص عليه وغيره من القول الجميل

روي عن سليم بن قيس الهلالي (٣) أنه قال : رأيت عليا عليه‌السلام في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل مثل قوله الأئمة من قريش وقوله الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب وقوله لا تسبقوا (٤) قريشا وقوله إن للقريشي مثل قوة رجلين من غيرهم وقوله من أبغض قريشا أبغضه الله وقوله من أراد هوان قريش أهانه الله.

وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال فيهم رسول الله

__________________

(١) ينابيع المودة ص ٨٤ قال : أخرج ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي إنك قسيم الجنة والنار ، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءك بغير حساب ».

(٢) راجع هامش ص ١٩٩ في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ). وفي بعض النسخ « ظماء مفحمين ».

(٣) قال الأميني ـ في ج ١ ص ١٦٣ من الغدير : روى شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين بن حمويه بإسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين ، عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال : رأيت عليا وساق الرواية ... ثم قال : هذا لفظ الحمويني وفي كتاب سليم بن قيس نفسه اختلاف يسير وزيادات.

(٤) وفي نسخة « لا تسبوا ».

١٤٥

من الفضل مثل قوله الأنصار كرشي وعيبتي ومثل قوله من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله ومثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله وبرسوله وقوله لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار.

وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته وإن العرش اهتز لموته وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما جيء إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس بها فقال لمناديل سعد في الجنة أحسن منها والذي غسلته الملائكة والذي حمته الدبر فلم يدعوا شيئا من فضلهم حتى قال كل حي منها منا فلان وفلان وقالت قريش منا رسول الله ومنا حمزة ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة ومنا أبو بكر وعمر وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف ـ فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سموه وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل فيهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وابن عمر والحسن والحسين عليهم‌السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وأبو هيثم بن التيهان ومحمد بن سلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه وعبد الرحمن قاعد بجنبه غلام أمرد الوجه مديد القامة فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة قال فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما.

وأكثر القوم في الحديث وذلك من بكرة إلى حين الزوال وعثمان في داره لا يعلم بشيء مما هم فيه وعلي بن أبي طالب لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته فأقبل القوم عليه فقالوا يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم.

فقال عليه‌السلام لهم ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار بمن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟

قالوا بل أعطانا الله ومن به علينا بمحمد وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتنا.

قال صدقتم يا معشر قريش والأنصار أتعلمون الذي نلتم به من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم فإن ابن عمي رسول الله قال إني وأهل بيتي كنا نورا بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه‌السلام ـ ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه‌السلام ثم لم يزل الله عز وجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط.

فقال أهل السابقة وأهل بدر وأهل أحد نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله

١٤٦

ثم قال أنشدكم بالله أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟ قالوا اللهم نعم.

قال فأنشدكم بالله أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وأني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من هذه الأمة؟ قالوا اللهم نعم.

قال فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (١) ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٢) وسئل عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ـ أنزله الله عز وجل في الأنبياء وأوصيائهم فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا اللهم نعم.

قال فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٣) وحيث نزلت ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٤) وحيث نزلت ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (٥) قال الناس يا رسول الله أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم فأمر الله عز وجل نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم فنصبني للناس علما بغدير خم.

ثم خطب فقال أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة ثم خطب.

فقال : أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال قم يا علي فقمت فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فقام سلمان فقال يا رسول الله والاه كما ذا فقال لا كولائي فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ـ فأنزل الله عز وجل ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (٦) فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله أكبر على تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي.

فقام أبو بكر وعمر فقالا يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصة في علي ـ؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

قالا يا رسول الله بينهم لنا ـ

__________________

(١) التوبة : ١٠٠.

(٢) الواقعة : ١٠

(٣) النساء ٥٩

(٤) راجع هامش ص ١٦١

(٥) التوبة ١٦

(٦) المائدة ٣

١٤٧

قال أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ثم ابني الحسن والحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.

فقالوا كلهم اللهم نعم ـ قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء وقال بعضهم قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ كله وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.

فقال علي عليه‌السلام صدقتم ليس كل الناس يستوي في الحفظ أنشدكم بالله من حفظ ذلك من رسول الله لما قام وأخبر به؟

فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول أيها الناس أمرني الله أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض على المؤمنين في كتابه طاعته وقرنه بطاعته وطاعتي وأمركم بولايته وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني.

أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم والزكاة والصوم والحج فقد بينتها لكم وفسرتها وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة ووضع يده على يد علي بن أبي طالب ثم لابنيه من بعده ثم للأوصياء من بعدهم ومن ولدهم عليهم‌السلام لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي الحوض أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم (١) بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني الله عز وجل من علمه وحكمته فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ـ ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلهم (٢) ثم جلسوا.

قال سليم ثم قال علي عليه‌السلام.

أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فجمعني وفاطمة وابنيه حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء فدكيا وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا يا رسول الله ـ فقال أنت إلى خير إنما نزلت في وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد الحسين خاصة وليس معنا أحد غيرنا؟

فقالوا كلهم نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة.

قال علي عليه‌السلام أنشدكم بالله أتعلمون أن الله أنزل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ

__________________

(١) المفزع : الملجأ.

(٢) زايله : فارقه.

١٤٨

الصَّادِقِينَ ) (١) فقال سلمان يا رسول الله عامة هذه الآية أم خاصة؟ فقال أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك وأما الصادقون خاصة [ فخاصة ] لأخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم القيامة؟ فقالوا اللهم نعم.

قال أنشدكم بالله أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة تبوك لم تخلفني فقال إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ قالوا اللهم نعم.

قال أنشدكم بالله أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢) إلى آخر السورة فقام سلمان فقال يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم ولم يجعل عليهم ( فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ )؟ قال عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة فقال سلمان بينهم لنا يا رسول الله فقال أنا وأخي علي وأحد عشر من ولدي قالوا اللهم نعم.

قال أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام خطيبا ولم يخطب بعد ذلك فقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين (٣) كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب فقال يا رسول الله أكل أهل بيتك؟ قال لا ولكن أوصيائي منهم أولهم أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي هو أولهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء لله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته من أطاعهم ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاهم فقد عصى الله ـ فقالوا كلهم نشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك.

__________________

(١) التوبة : ١١٩.

(٢) الحج : ٧٧.

(٣) قال السيد شرف الدين : في المراجعة « ٨ » ص ٥١ :

والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة وقد صدع بها رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » في مواقف له شتى : تارة يوم غدير خم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ومرة على منبره في المدينة ، واخرى في حجرته المباركة في مرضه ، والحجرة غاصة بأصحابه إذ قال : « أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عز وجل ، وعترتي أهل بيتي ، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال : هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض » الحديث وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور ، حتى قال ابن حجر ـ إذ أورد ـ حديث الثقلين ـ : « ثم اعلم أن لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا » « قال » ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك : بحجة الوداع بعرفة ، وفي أخرى إنه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أخرى إنه قال ذلك بغدير خم ، وفي أخرى إنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر » « قال » « ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة » إلى آخر كلامه انتهى ما أردنا نقله من كتاب المراجعات وتجد ما نقله السيد « قدس‌سره » من كلام ابن حجر في ص ٧٥ و ٨٩ من صواعقه.

١٤٩

ثم تمادى بعلي عليه‌السلام السؤال والمناشدة فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى علي على أكثر مناقبه وما قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.

ثم قال حين فرغ اللهم اشهد عليهم وقالوا اللهم اشهد أنا لم نقل إلا ما سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما حدثنا من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال أتقرون بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني ووضع يده على رأسي فقال له قائل كيف ذلك يا رسول الله؟ ـ قال لأنه مني وأنا منه ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله قال نحو عشرين رجلا من أفاضل الحيين اللهم نعم وسكت بقيتهم.

فقال للسكوت ما لكم سكتم؟ قالوا هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقات في قولهم وفضلهم وسابقتهم فقال اللهم اشهد عليهم.

فقال طلحة بن عبد الله وكان يقال له داهية قريش فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل (١) وفي عنقك حبل فقالوا لك بايع فاحتججت بما احتججت به فصدقوك جميعا ثم ادعى أنه سمع رسول الله يقول أبى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقه بذلك عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ ثم قال طلحة كل الذي قلت وادعيت واحتججت به من السابقة والفضل حق نقر به ونعرفه وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت.

فقام علي عليه‌السلام عند ذلك وغضب من مقالته فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا قال له عمر يوم مات لم يدر ما عنى به فأقبل على طلحة والناس يسمعون فقال أما والله يا طلحة ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة ـ الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو توفاه أن يتوازروا دون علي ويتظاهروا فلا تصل إلي الخلافة.

والدليل والله على باطل ما شهدوا وما قلت يا طلحة قول نبي الله يوم غدير خم من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله (ص).

وقوله إني تركت فيكم أمرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ـ لا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم أفينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله عز وجل : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما

__________________

(١) العتل : الجذب العنيف تقول عتلت الرجل إذا جذبته جذبا عنيفا.

١٥٠

لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) (٢) وقال ( ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) (٣) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل يذهب أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فما الولاية غير الإمارة؟

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله ومن الحجة عليهم وعليك خاصة ـ وعلى هذا معك يعني الزبير وعلى الأمة وعلى سعد بن أبي وقاص وابن عوف وخليفتكم هذا القائم يعني عثمان فإنا معشر الشورى أحياء كلنا أن جعلني عمر بن الخطاب في الشورى إن كان قد صدق وأصحابه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة وإنما أمرنا أن نتشاور في غيرها وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم فهلا أخرجني وقد قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا؟

فقال علي عليه‌السلام لعبد الله ابنه وها هو ذا ـ أنشدك بالله يا عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت؟

قال أما إذ ناشدتني بالله فإنه قال إن يتبعوا أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم قال يا ابن عمر فما قلت له عند ذلك؟

قال قلت له فما يمنعك أن تستخلفه؟

قال وما رد عليك؟

قال رد علي شيئا أكتمه.

قال علي فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خبرني به في حياته ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي ومن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناما فقد رآه قال فما أخبرك به؟

قال عليه‌السلام فأنشدك بالله يا ابن عمر لئن أخبرتك به لتصدقن قال إذن سكت قال فإنه قال لك حين قلت له فما يمنعك أن تستخلفه قال الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة فسكت ابن عمر.

فقال أسألك بحق رسولك لم سكت عني؟

قال سليم فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان.

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) البقرة : ٢٤٧.

(٣) الأحقاف : ٤.

١٥١

وأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يحل لكم ولايتهم وإن كانوا صدقوا ما حل لكم أيها الخمسة أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورد عليه.

ثم أقبل على الناس فقال أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب؟ قالوا صدوق لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الإسلام قال فو الله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة وجعل منا محمدا وأكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين لا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا ولا حقا أما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول ختم برسول الله الأنبياء إلى يوم القيامة وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه فرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في غير آية من القرآن فالله عز وجل جعل محمدا نبيا ـ وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل ثم إن الله عز وجل أمر نبيه أن يبلغ ذلك أمته فبلغهم كما أمره الله فأيكما أحق بمجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه وقد سمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعثني ببراءة فقال لا يبلغ عني إلا رجل مني أنشدتكم [ أنشدكم ] بالله أسمعتم ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ؟ قالوا اللهم نعم نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعثك ببراءة.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة (١) أربع أصابع ولن يصلح أن يكون المبلغ عنه غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه الذي سمي بخاصة أنه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من حضر مجلسه من الأمة.

فقال طلحة قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله غيرك وقد قال لنا ولسائر الناس ليبلغ الشاهد الغائب فقال بعرفة من حجة الوداع نصر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم أخلص العمل لله عز وجل السمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم وقال في غير موطن ليبلغ الشاهد الغائب.

فقال علي عليه‌السلام إن الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع في آخر خطبة خطبها حين قال إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض كهاتين ولا أقول كهاتين فأشار إلى سبابته وإبهامه لأن أحدهما قدام الآخر فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تزالوا ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم إنما أمر الله العامة جميعا أن يبلغوا من لقوا من العامة إيجاب طاعة الأئمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وإيجاب حقهم ولم يقل ذلك في شيء من الأشياء غير

__________________

(١) يريد الصحيفة التي كتبت بها سورة براءة.

١٥٢

ذلك وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله جميع ما بعثه الله به غيرهم ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون يا أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك تبرئ ذمتي وتؤدي ديني وغراماتي وتقاتل على سنتي؟ فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عداته ودينه فاتبعتموه جميعا فقضيت دينه وعداته ـ وقد أخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته وإنما كان الذي قضيت من الدين والعدة هو الذي أبرأه منه وإنما بلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما جاء به من عند الله من بعد الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم الذين من أطاعهم ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاهم فقد عصى الله.

فقال طلحة فرجت عني ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فسرته لي فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع أمة محمد الجنة يا أبا الحسن شيئا أريد أن أسألك عنه رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت أيها الناس ـ إني لم أزل مشتغلا برسول الله بغسله وكفنه ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته فهذا كتاب الله عندي مجموعا لم يسقط حتى حرف واحد ولم أر ذلك الذي كتبت وألفت وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها (١) فلم يكتب فقال عمر وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرءون قرآنا لا يقرؤه غيرهم فقد ذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وإن النور ستون ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله إلى الناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة فمزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار؟

فقال له علي عليه‌السلام يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي بإملاء رسول الله وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط يدي حتى أرش الخدش (٢).

قال طلحة كل شيء من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟

قال نعم وسوى ذلك إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتبعوني وأطاعوني ( لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته فقال صاحبك إن نبي الله يهجر (٣) فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتركها؟ فقال بلى قد شهدته.

__________________

(١) أرجأها : أخرها.

(٢) الأرش : الدية.

(٣) في شرح النهج لابن أبي الحديد ص ٢ من ج ٢ مسندا عن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه قال :

١٥٣

قال فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالذي أراد أن يكتب ويشهد عليه العامة فأخبره جبرئيل أن الله قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى على ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط سلمان وأبا ذر والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة (١) فسماني أولهم ثم ابني هذين وأشار بيده إلى الحسن والحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين وكذلك كان يا أبا ذر ويا مقداد فقاما ثم قالا نشهد بذلك على رسول الله (ص).

فقال طلحة والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبر عند الله من أبي ذر وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا بالحق ولأنت عندي أصدق وأبر منهما.

ثم أقبل علي عليه‌السلام فقال اتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا ابن عوف اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم.

ثم قال طلحة لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس؟

قال يا طلحة عمدا كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة بل قرآن كله.

قال إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا.

قال طلحة حسبي أما إذا كان قرآنا فحسبي ثم قال طلحة فأخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك قال إن الذي أمرني رسول الله

__________________

لما حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة ـ وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اثتوني بكتاب وصحيفة ، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي » فقال عمر : كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : عندنا القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول : « القول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قائل يقول القوم ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « قوموا إنه لا ينبغي لنبي أن يختلف عنده هكذا » فقاموا فمات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال ابن أبي الحديد قلت : هذا الحديث قد خرجه الشيخان : محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما ، واتفق المحدثون كافة على روايته.

(١) ينابيع المودة ص ٤٤٠ قال : وفي فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

قدم يهودي يقال له : « الأعتل » فقال : يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين ، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك ، قال : « سل يا أبا عمارة » فقال : يا محمد صف لي ربك ... إلى أن قال : صدقت فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي ، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون فقال : « إن وصيي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين ، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين ». قال : يا محمد فسمهم لي قال : « إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه الحسن ، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر » الخ ..

١٥٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أدفعه إليه وصيي وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم حوضه هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقرى (١) عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة

وفي رواية أبي ذر الغفاري (٢) أنه قال : لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع علي عليه‌السلام القرآن وجاء به إلى

__________________

(١) تفسير الطبري ج ١٥ ص ٧٣ والقرطبي ج ١٠ ص ٢٨٣ من طريق سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكا حتى مات. وأنزل الله تعالى ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً ) الإسراء ـ ٦٠.

(٢) أبو ذر الغفاري ـ واسمه جندب ـ بالجيم المضمومة والنون الساكنة والدال غير المعجمة المفتوحة والباء المنقطة تحتها نقطة ـ ابن جنادة ـ بالجيم المضمومة والنون والدال بعد الألف غير المعجمة ـ وقيل جندب بن السكن وقيل بريده بن جنادة عبد الله بن الصامت قال : قال لي أبو ذر : « يا ابن أخي صليت قبل الإسلام بأربع سنين » قلت له من كنت تعبد؟ قال : « إله السماء » قلت فأين كانت قبلتك؟ قال : « حيث وجهني الله عز وجل ».

وهو رابع من أسلم من الرجال فأول من أسلم علي بن أبي طالب ، ثم أخوه جعفر الطيار ، ثم زيد بن حارثة ، وكان أبو ذر رحمه‌الله رابعهم.

وأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع إلى أهله وقال له : « انطلق إلى بلادك حتى يظهر أمرنا » فرجع إليها حتى ظهر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية ، وهي مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة بثمانية أشهر ، ثم شهد مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر ، يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده ويدخل الجنة وحده وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أبو ذر ، في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده وورعه.

وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ، ثم أولى عليه فلم يخرج شيئا.

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام) : دخل أبو ذر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جبرئيل فقال جبرئيل : من هذا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال أبو ذر.

قال : أما أنه في السماء أعرف منه في الأرض سل عن كلمات يقولهن إذا أصبح قال : فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن؟ قال : يا رسول الله : « اللهم إني أسألك الإيمان بك والتصديق بنبيك ، والعافية من جميع البلايا ، والشكر على العافية ، والغنى عن شرار الناس ».

وبعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرتد أبو ذر ، وامتنع عن البيعة لأبي بكر ، وأنكر عليه قيامه مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغصبه للخلافة ، وهو أحد الأركان الأربعة وهم : سلمان والمقداد ، وحذيفة ، وأبو ذر ، وممن حضر تشييع فاطمة ، ولزم عليا (عليه‌السلام) وجاهر بذكر مناقب أهل البيت ، ومثالب أعدائهم ، وصبر على المشقة والعناء.

وما كانت تأخذه في الله لومة لائم. وكان يقول : أوصاني خليلي بست :

حب المساكين ، وأن انظر إلى من هو فوقي ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم.

وقال له فتى من قريش مرة : أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال : أرقيب أنت علي؟ فو الذي نفسي بيده لو وضعتم الصمامة هاهنا ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن تحتزوا لأنفذتها.

وبينا هو واقف مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما إذ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي ». قال أبو ذر : في الله؟ قال : « في الله » فقال أبو ذر : مرحبا بأمر الله.

١٥٥

المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه عليه‌السلام وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قاريا للقرآن فقال له عمر إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكا للمهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر فما الحيلة؟ قال زيد أنتم أعلم بالحيلة فقال عمر ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك.

فلما استخلف عمر سأل عليا عليه‌السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال عليه‌السلام هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا ( تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) والأوصياء من ولدي قال عمر فهل لإظهاره وقت معلوم؟ ـ فقال عليه‌السلام نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به صلوات الله عليه (١).

وقال سليم بن قيس بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب ثم نادى بأعلى

__________________

ـ ولما قام ثالث القوم نافجا حضنيه ـ كما قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ـ بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع كان من الطبيعي أن يشتد نكير أبي ذر على الدولة الأموية ، والسلالة الخبيثة ، والشجرة الملعونة.

فأرسل إليه عثمان « ٢٠٠ » دينار بيد موليين له وقال لهما انطلقا إلى أبي ذر وقولا له : إن عثمان يقرؤك السلام ويقول : هذه « ٢٠٠ » دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر : هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا : لا. فردها عليه.

ودخل يوما على عثمان ، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب : ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ، ويعطي في السبل ويفعل ويفعل؟ قال كعب : إني لأرجو له خيرا ، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال :

« يا ابن اليهودية أنت تعلمنا معالم ديننا ، وما يدريك ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه ».

ولما اشتد إنكاره على عثمان نفاه إلى الشام ، فواصل النكير على عثمان ومعاوية ، وكان يقول : والله إني لأرى حقا يطمى ، وباطلا يحيى ، وصادقا مكذبا ، وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه.

فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب إليه أن احمل أبا ذر على باب صعبة ، وقتب ثم ابعث من ينجش به نجشا عنيفا حتى يدخل به علي

ثم نفاه عثمان إلى الربذة وشيعه عند خروجه إلى الربذة أمير المؤمنين ، والحسن والحسين (عليهم‌السلام) ومات رحمه‌الله في الربذة سنة (٣٢) وصلى عليه ابن مسعود.

خلاصة العلامة ص ٣٦ ، رجال الكشي ص ٢٧ تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٩٠ حلية الأولياء ج ١ ص ١٥٦ ، صفة الصفوة ج ١ ص ٢٣٨ وج ١ من رجال المامقاني ، ورجال الشيخ الطوسي ص ١٣ ـ ٣٦.

(١) ذكر المجلسي في بحار الأنوار ج ٨ ص ٤٦٣ بعد نقل هذه الرواية عن الاحتجاج ما يلي :

أقول : روى الصدوق (ره) مختصرا من هذا الاحتجاج عن أبيه وابن الوليد معا عن سعد بن يزيد عن حماد بن عيسى عن اذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس.

١٥٦

صوته في الموسم أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة أنا أبو ذر أيها الناس إني قد سمعت نبيكم يقول إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تركها غرق ومثل باب حطة في بني إسرائيل أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول ـ إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له ما حملك على ما قمت به في الموسم؟ قال عهد عهده إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني به فقال من يشهد بذلك؟ فقام علي والمقداد فشهدا ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شيء

وروي أن يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام إن تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك قال علي عليه‌السلام ومن هو خير مني؟ قال أبو بكر وعمر فقال علي عليه‌السلام كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم

قال سليم بن قيس حدثني سلمان والمقداد وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر ثم سمعته من علي بن أبي طالب عليه‌السلام قالوا : إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب فاخر العرب وأنت أكرمهم ابن عم وأكرمهم صهرا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم أخا وأكرمهم عما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأقدمهم سلما وأعظمهم غنى بنفسك ومالك وأقرأهم بكتاب الله وأعلمهم بسنتي وأشجعهم لقاء وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشهدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلي وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت أعوانا فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه.

قال سليم بن قيس جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا فقال له سلمان عليك بكتاب الله فالزمه وعلي بن أبي طالب فإنه مع القرآن لا يفارقه فأنا أشهد أنا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إن عليا يدور مع الحق حيث دار وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل (١).

قال فما بال القوم ـ يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟ قال نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمرة المؤمنين لقد أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بإمرة المؤمنين.

__________________

(١) أخرج الطبري في الرياض النضرة ٢ / ١٥٥ بسنده عن أبي ذر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي (عليه‌السلام) : أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل. وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ والمناوي في فيض القدير ٤ / ٣٥٨ عن الطبراني والبزار والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ / ١٥٦ عن الطبراني جميعا عن سلمان وأبي ذر والبيهقي وابن عدي عن حذيفة قالوا : أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال : إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين.

١٥٧

وروى القاسم بن معاوية (١) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق فقال سبحان الله غيروا كل شيء حتى هذا؟ قلت نعم.

قال إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ـ ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في أكنافها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب في رءوسها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه‌السلام

وعن عبد الله بن الصامت (٢) قال : رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول :

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب بن السكن بن عبد الله أنا أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وذكر الحديث بطوله إلى قوله ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو قدمتم من قدمه الله وأخرتم من أخره الله وجعلتم الولاية حيث جعلها الله لما عال ولي الله ولما ضاع فرض من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله إلا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم فذوقوا وبال ما كسبتم ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

__________________

(١) لم أعثر في كتب الرجال على صاحب هذا الاسم ولعله القاسم بن بريد بن معاوية العجلي عده الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق والكاظم (عليه‌السلام) وفي خلاصة العلامة : القاسم بن بريد ـ بالباء المنقطة تحتها نقطة مضمومة ـ ابن معاوية العجلي ثقة روى عن أبي عبد الله (عليه‌السلام).

(٢) عبد الله بن الصامت ، ابن أخي أبي ذر عنونه ابن داود في الباب الأول كذلك ، ونسب إلى الشيخ (ره) في رجاله عده من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام مضيفا إلى ما في العنوان قوله : ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا. ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ (ره) وعندي نسخ عديدة مصححة ، ليس من ذلك في شيء منها أثر وإنما الموجود فيها : عبادة بن صامت إلى آخر ما نسبه في رجال الشيخ (ره) فهو سهو من قلمه الشريف. رجال المامقاني ج ٢ ص ١٨٩

١٥٨

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : إن العلم الذي هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون عليه‌السلام في عترة نبيكم فأين يتاه بكم؟

قال سليم بن قيس : سأل رجل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال وأنا أسمع أخبرني بأفضل منقبة لك قال ما أنزل الله في كتابه قال وما أنزل الله فيك قال : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) (١) أنا الشاهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) إياي عنى ب ( مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) فلم يدع شيئا أنزله الله فيه إلا ذكره ـ مثل قوله ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وقوله ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٣) وغير ذلك قال قلت فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال نصبه إياي يوم غدير خم فقال لي بالولاية بأمر الله عز وجل وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى وسافرت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس له خادم غيري وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ـ فأخذتني الحمى ليلة فأسهرتني فسهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسهري فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له ثم يأتيني يسألني وينظر إلي فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح فلما صلى بأصحابه الغداة قال اللهم اشف عليا وعافه فإنه أسهرني الليلة مما به ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمسمع من أصحابه أبشر يا علي قلت بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك قال :

إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه ولم أسأله لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله وإني دعوت الله عز وجل أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ـ وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل وسألته أن يجمع عليك أمتي بعدي فأبى علي فقال رجلان أحدهما لصاحبه أرأيت ما سأل؟

__________________

(١) هود ١٧.

ينابيع المودة والحمويني في فرائد السمطين ص ٣٣٨ أخرج بسنده عن ابن عباس وعن زاذان وهما عن علي كرم الله وجهه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه.

وابن المغازلي أخرج بسنده في المناقب ص ٢٧٠ عن عباد بن عبد الله قال : سمعت عليا كرم الله وجهه يقول في خطبته ـ : ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد علمت متى أنزلت ، وفيمن أنزلت ، وما من قريش رجل إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عز وجل تسوقه إلى جنه أو نار. قال رجل : يا أمير المؤمنين فما نزلت فيك؟ قال : أما تقرأ ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) الآية فرسول الله على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه. وأخرجه بهذا اللفظ والسند في ينابيع المودة ص ٩٩ وأخرجه في الدر المنثور ٣ / ٣٢٤ عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة وأخرجه الطبري في تفسيره ١٢ / ١٠ الى غير ذلك من المصادر.

(٢) الرعد : ٤٣.

عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الآية : ( الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ) قال : ذاك وزير أخي سليمان بن داود (عليه‌السلام). وسألته عن قول الله عز وجل : ( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب. ينابيع المودة ص ١٠٣

(٣) النساء : ٥٩.

في ص ١١٤ من ينابيع المودة قال : في المناقب في تفسير مجاهد : إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (عليه‌السلام) حين خلفه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمدينة فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال موسى : اخلفني في قومي وأصلح.

١٥٩

فو الله لصاع من تمر خير مما سأل أو لو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو ينزل عليه كنزا ينفقه وأصحابه فإن بهم حاجة كان خيرا مما سأل وما دعا عليا قط إلى خير إلا استجاب له.

احتجاجه عليه‌السلام على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها

فقال : إن الله ذا الجلال والإكرام لما خلق الخلق اختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه فكانت الجملة قول الله عز وجل ذكره حيث أمر فقال : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا فانْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وارتددتم ونقضتم الأمر ونكثتم العهد ولم تضروا الله شيئا وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله وإلى رسوله وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم فأقررتم ثم جحدتم وقد قال الله لكم : ( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (١).

إن أهل الكتاب والحكمة والإيمان آل إبراهيم عليه‌السلام بينه الله لهم فحسدوا فأنزل الله جل ذكره : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (٢) فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا كما حسد آباؤنا وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عز وجل بيده ( وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) وأسجد له ملائكته وعلمه ( الْأَسْماءَ كُلَّها ) واصطفاه على العالمين فحسده الشيطان فكان من الغاوين ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين ونوح حسده قومه فقالوا : ( ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ. وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) (٣) ولله الخيرة يختار من يشاء و ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ* ) و ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ ) والعلم ( مَنْ يَشاءُ ) ثم حسدوا نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس ونحن المحسودون كما حسد آباؤنا قال الله عز وجل : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ ) (٤) وقال ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٥).

فنحن أولى الناس بإبراهيم ونحن ورثناه ونحن أولو الأرحام الذين ورثنا الكعبة ونحن آل إبراهيم أفترغبون عن ملة إبراهيم وقد قال الله تعالى ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٦) يا قوم أدعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى كتابه وإلى ولي أمره وإلى وصيه ووارثه من بعده فاستجيبوا لنا واتبعوا آل إبراهيم واقتدوا بنا فإن ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي إلينا وذلك دعوة إبراهيم عليه‌السلام حيث قال : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (٧) فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما

__________________

(١) البقرة : ٤٠

(٢) النساء ٤ / ٥٥

(٣) المؤمنون ـ ٣٣ ـ ٣٤

(٤) آل عمران ـ ٦٨

(٥) الأحزاب ـ ٦

(٦) إبراهيم ـ ٣٦

(٧) إبراهيم ـ ٣٧

١٦٠