النشر فى القراءات العشر - ج ٢

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي

النشر فى القراءات العشر - ج ٢

المؤلف:

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

الثقات مشافهة عن الشيخ التقى إبراهيم بن الفضل الواسطى أن الشيخ عبد الوهاب ابن على أخبره عن الحافظ أبى العلاء

ذكر النبأ الوارد بقراءة سورة فاتحة الكتاب

ومن أول سورة البقرة إلى قوله ( هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) بعد الختمة وهى خمس آيات فى عدد الكوفة وأربع فى عدد غيرهم. أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد المقرى أنا أبو الحسن على بن القاسم بن إبراهيم المقرى الخياط أنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد المقرئ الكتانى قال فلما ختمت ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) على ابن ذؤابة قال لى كبر مع كل سورة حتى ختمت ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) قال وقال لى أيضا اقرأ ( الحمد لله رب العالمين ) من الرأس فقرأت من خمس آيات من البقرة إلى قوله ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فى عدد الكوفيين وقال كذا قرأ ابن كثير على مجاهد وقرأ مجاهد على ابن عباس وقرأ ابن عباس على أبى فلما ختم ابن عباس قال استفتح بالحمد وخمس آيات من البقرة هكذا قال لى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين ختمت عليه أخبرنا الحسن بن أحمد المقرى. أنا أحمد ابن عبد الله الحافظ ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر وأبو سعيد عبد الرحمن بن محمد ابن حسكا ومحمد بن إبراهيم بن على قالوا ثنا العباس بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو حبيب البرتى. ثنا عبد الوهاب بن فليح ثنا عبد الملك بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن أبيه زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد قالا عن ابن عباس عن أبى بن كعب رضي‌الله‌عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وقرأ ابن عباس على أبى وقرأ أبى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال إنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح الحمد ثم قرأ من البقرة إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد المقرى أنا أبو أحمد محمد بن على بن

٤٤١

محمد بن عبد الله المكفوف. أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أنا أبو خبيب العباس بن أحمد البرتى. ثنا عبد الوهاب بن فليح ثنا عبد الملك ابن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن أبيه زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد عن ابن عباس عن أبى بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقرأ أبىّ بن كعب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانه كان اذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة الى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختم ثم قام ( أخبرنا ) أبو على الحسن بن أحمد المقرى. انا أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الاسكاف. انا أبو القاسم منصور بن محمد بن السندى المقرى ( ثنا ) أبو محمد الحسن بن إبراهيم ابن يزيد القطان ( ثنا ) أبو الفضل جعفر بن درستويه فى جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين املاء ( ثنا ) عبد الوهاب بن فليح بن رباح المقرى.

( ثنا ) عبد الملك بن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس أو عن مجاهد عن ابن عباس عن ابى بن كعب قال قرأ على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقول إنه كان اذا قرأ علىّ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح بالحمد ثم قرأ بعدها أربع آيات من البقرة إلى قوله ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا ، هكذا رواه أبو الفضل بن درستويه عن ابن فليح فأدخل بين وهب بن زمعة وعبد الله بن كثير أباه زمعة بن صالح ووافقه على ذلك أبو خبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتى إلا أنه قال عن درباس وعن مجاهد عن عبد الله بن عباس فجمع بينهما ولم يشكك ( أخبرنا ) بذلك الحسن بن أحمد المقرى. انا أحمد بن عبد الله الحافظ. ( ثنا ) أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ( ح ) وأخبرنا الحسن بن أحمد المقرى أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الاسكاف. أنا أبو القاسم منصور بن محمد بن السندى المقرى. أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأنصارى. انا أبو خبيب العباس بن احمد البرتى. وقرأت

٤٤٢

على اسماعيل بن الفضل بن احمد السراج الأصبهانى عن احمد بن الفضل بن محمد الباطرقانى قال ( اخبرنا ) محمد بن جعفر بن محمد الخزاعى عن الجرجانى انا على بن محمد بن إبراهيم بن خشنام المالكى. انا أبو بكر محمد بن موسى ابن محمد الزينبى قال ( ثنا ) أبو خبيب العباس بن احمد بن محمد البرتى انا عبد الوهاب بن فليح ( ثنا ) عبد الملك بن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب ابن زمعة عن أبيه زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد عن ابن عباس عن أبى بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ أبى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام.

هذا حديث أبى محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبى الشيخ الأصبهاني عن أبى خبيب ، وقال أبو بكر الزينبى فى حديثه عن عبد الله بن عباس عن أبىّ بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبى وقرأ أبى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وخالف أبا بكر الزينبى وأبا محمد بن حيان أبو طاهر بن أبى هاشم وأبو القاسم بن النخاس وأبو بكر الشذائى فرووه عن أبى خبيب عن ابن فليح عن ابن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن عبد الله بن كثير عن درباس وحده عن ابن عباس فاما حديث أبى طاهر فاخبرنا به شيخنا أبو بكر محمد بن الحسين بن على الشيباني أنا أبو بكر محمد بن على بن محمد الخياط أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الله بن الخضر السوسنجردى ( ح ) وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين أيضا أنا أبو على الحسن بن أحمد بن عبد الله أنا أبو الحسن على بن أحمد بن عمر الحمامى قالا أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر ابن محمد بن أبى هاشم. أنا أبو خبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتى. ثنا عبد الوهاب ابن فليح المكى أنا عبد الملك بن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة بن صالح

٤٤٣

عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبى ابن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ على أبىّ وقرأ أبىّ على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام.

وأما حديث أبى القاسم ابن النخاس وأبى بكر الشذائى فاخبرنا به على بن زيد بن على الأصبهاني. انا احمد بن الفضل الباطرقانى. انا محمد بن جعفر الخزاعى الجرجانى. ثنا عبد الله ابن الحسين بن سليمان النخاس ببغداد وأحمد بن نصر بالبصرة قالا ( حدثنا ) أبو خبيب العباس بن أحمد البرتى ثنا عبد الوهاب بن فليح ثنا عبد الملك بن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن عبد الله بن كثير عن درباس عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما عن أبى بن كعب رضي‌الله‌عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ على أبىّ وقرأ أبىّ على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ من البقرة إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام. وصار العمل على هذا فى أمصار المسلمين فى قراءة ابن كثير وغيرها وقراءة العرض وغيرها حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع فى الأخرى سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه ، نوى ختمها أو لم ينوه. بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم ويسمون من يفعل هذا الحال المرتحل أى الذى حل فى قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى ؛ وعكس بعض أصحابنا هذا التفسير كالسخاوى وغيره فقالوا الحال المرتحل الذى يحل فى ختمة عند فراغه من الأخرى. والأول أظهر وهو الذى يدل عليه تفسير الحديث عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم « أفضل الأعمال الحال المرتحل » وهذا الحديث أصله فى جامع الترمذى ذكره فى آخر أبواب القراءة فقال ( حدثنا ) بصر بن على الجهضمى ( ثنا ) الهيثم بن الربيع ( حدثنا ) صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله أى العمل أحب إلى الله؟ قال « الحال المرتحل ».هذا حديث

٤٤٤

غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ( حدثنا ) محمد بن بشار ثنا مسلم ابن إبراهيم ( ثنا ) صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا عندى أصح من حديث نصر بن على عن الهيثم بن الربيع ( قلت ) فجعل الترمذى عنده ارساله أصح من وصله لأن زرارة تابعى. ( وأخبرنى ) بهذا الحديث أتم من هذا الإمام أبو بكر محمد بن أحمد البكرى مشافهة أنا أحمد بن إبراهيم الحافظ فى كتابه عن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن جوير ( ثنا ) محمد بن أحمد بن جمرة ( حدثنا ) أبى عن عثمان بن سعيد الحافظ. أنا عبد الله بن أحمد الهروى فى كتابه. ثنا عمر بن أحمد بن عثمان. ثنا إسحاق بن إبراهيم بن الخليل. ثنا زياد بن أيوب. ثنا زيد بن الحباب أخبرنى صالح المرى. أنا قتادة عن زرارة بن أو فى عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله أى الأعمال أفضل؟ قال : « عليك بالحال المرتحل ». قال : وما الحال المرتحل؟ قال : « صاحب القرآن كلما حل ارتحل ». هكذا رفعه مفسرا مسندا وكذا رواه مسندا مفسرا أبو الحسن بن غلبون من طريق إبراهيم بن أبى سويد عن صالح ثنا قتادة عن زرارة عن ابن عباس فذكره وزاد فيه : يا رسول الله وما الحال المرتحل؟ قال « فتح القرآن وختمه ، صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل ». « وأخبرتنا » شيختنا ست العرب المقدسية مشافهة رحمها الله أنا جدى على بن أحمد البخارى. أنا أبو سعد الصفار فى كتابه أنا زاهر بن طاهر. أنا الحافظ أبو بكر البيهقى. أنا محمد بن عبد الله الحافظ. ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال البيهقى وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى طاهر الدقاق. حدثنا على بن محمد القرشى قالا أخبرنا الحسن بن عفان. ثنا زيد بن الحباب. ثنا صالح المرى. أخبرنى قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن رجلا قال للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا رسول الله أى الأعمال أفضل؟ قال « عليك بالحال المرتحل ». قالوا يا رسول الله وما الحال

٤٤٥

المرتحل؟ قال « صاحب القرآن يضرب فى أوله حتى يبلغ آخره ويضرب فى آخره حتى يبلغ أوله كلما حل ارتحل » « وأخبرنى » به عمر بن الحسن قراءة عن على بن أحمد. أنا أبو المكارم فى كتابه. أنا الحسن بن أحمد المقدسى انا أحمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبى ثنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزى بالبصرة. ثنا زيد بن الحباب فذكره. ورواه البيهقى فى شعب الإيمان من طريق عمرو بن عاصم الكلابى. ثنا صالح المرى فذكره مرفوعا ولفظه أن رجلا قال يا رسول الله أى الأعمال أفضل؟ قال « الحال المرتحل » قالوا يا رسول الله : وما الحال المرتحل؟ قال « الذى يقرأ من أول القرآن إلى آخره ، ومن آخره إلى أوله » وأخبرنى به عاليا أحمد بن محمد ابن الحسين البنا فى آخرين مشافهة عن الشيخ أبى الحسن المقدسى. أنا القاضى أبو المكارم فى كتابه. أنا الحسن بن أحمد الحداد. أنا أبو نعيم الحافظ. ثنا سليمان ابن أحمد. ثنا معاذ بن المثنى. ثنا إبراهيم بن أبى سويد الزراع. ثنا صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أى العمل أحب إلى الله؟ فقال « الحال المرتحل » قال يا رسول الله فما الحال المرتحل؟ قال « صاحب القرآن يضرب فى أوله حتى يبلغ آخره. وفى آخره حتى يبلغ أوله » رواه الطبرانى بهذا اللفظ. ورواه الحافظ أبو الشيخ ابن حيان فى فضائل الأعمال من طريق زيد بن الحباب عن صالح به ولفظه « عليكم بالحال المرتحل » فذكره ـ وذكره صاحب الفردوس ولفظه. خير الأعمال الحل والرحلة افتتاح القرآن وختمه ورواه أيضا الحافظ أبو عمرو مرسلا من طريق عبد الله بن معاوية الجمحى ثنا صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أوفى قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « أفضل الأعمال الحال المرتحل الذى إذا ختم القرآن عاد فيه » وكذا رواه الترمذى مرسلا.

كما تقدم وقال إنه أصح. وقد قطع بصحة هذا الحديث أبو محمد مكى ورواه الحافظ البيهقى فى شعب الايمان مسندا مرفوعا كما تقدم وسكت عليه فلم يذكر فيه ضعفا كعادته وضعفه الشيخ أبو شامة

٤٤٦

من قبل صالح المرى ورد تفسيره بذلك فقال وكيفما كان الأمر فمدار هذا الحديث على صالح المرى وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث ، قال ثم على تقدير صحته فقد اختلف فى تفسيره فقيل المراد به ما ذكره القراء وقيل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال فى حل وارتحال ، ثم ذكر كلام ابن قتيبة فى تفسيره الحديث كما سيأتى. ثم قال وهذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة فى ذلك وعلى ما أوله به بعض القراء يكون مجازا وقد رووا التفسير فيه مدرجا فى الحديث ولعله من بعض الرواة ( قلت ) وفيما قاله الشيخ أبو شامة فى هذا الحديث نظر من وجوه :

( أحدها ) أن الحديث ليس مداره على صالح المرى كما ذكره بل رواه زيد بن أسلم أيضا قال الدانى أخبرنى أبو الحسن على بن محمد الربعى حدثنا على بن مسرور ثنا أحمد بن أبى سليمان حدثنا سحنون بن سعيد حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنى ابن لهيعة عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل أى الأعمال أفضل؟ فقال « الحال المرتحل » قال ابن وهب وسمعت أبا عفان المدنى يقول ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول « هذا خاتم القرآن وفاتحه » ورواه أيضا من طريق سليمان بن سعيد الكسائى. حدثنا الحصيب بن ناصح عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبى هريرة أن رجلا قام إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أى الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال « الحال المرتحل » فقال يا رسول الله وما الحال المرتحل؟ قال « صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل » فثبت أن الحديث ليس مداره على صالح المرى ( والثانى ) أن كلام ابن قتيبة لا يدل على أنهم اختلفوا فى تفسير الحديث فانه قال فى آخر كتاب غريب الحديث له ما هذا نصه : جاء فى الحديث « أفضل الأعمال الحال المرتحل » قيل ما الحال المرتحل؟ قال « الخاتم المفتتح » ثم قال ابن قتيبة

٤٤٧

بأثر هذا : الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به ، كذلك تالى القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده. والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير ، قال وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا فى الجهاد وهو أن يغزو ويعقب ، وكذلك الحال المرتحل يريد أن يصل ذاك بهذا انتهى ، وليس فيه حكاية اختلاف فى تفسير هذا الحديث غايته أنه قال : وقد يكون الخاتم المفتتح. ولا تعلق لهذا الكلام بتفسير الحديث إذ قد قطع أولا بتفسيره على ما فى الحديث ، بل ساق الحديث أولا مفسرا من الحديث ثم زاد تفسيره بيانا وانت ترى هذا عيانا ( والثالث ) ان قوله هذا ظاهر اللفظ يشير إلى تفسيره بتتابع الغزو وليس ظاهر اللفظ لو جرد من التفسير دالا على تتابع الغزو بل يكون عاما فى كل من حل وارتحل من حج او عمرة أو تجارة أو غزو أو غير ذلك ( والرابع ) أن قوله وعلى ما أوله به القراء يكون مجازا يدل على أن هذا التأويل مخصوص بالقراء وليس كذلك ولو قدر أن تفسيره ليس ثابتا فى الحديث فقد رأيت تفسير ابن قتيبة له وكذلك رواية الترمذى له فى أبواب القراءة تدل قطعا على أنه أراد هذا التأويل وكذلك أورده البيهقى الحافظ وغيره من الأئمة كأبى عبد الله الحليمى فى قراءة القرآن وعدوا ذلك من آداب الختم.

( والخامس ) قوله وقد رووا التفسير فيه مدرجا فى الحديث ولعله من بعض الرواة فلا نعلم أحدا صرح بادراجه فى الحديث بل الرواة لهذا الحديث بين من صرح بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسره به كما هو فى أكثر الروايات وبين من اقتصر على رواية بعض الحديث فلم يذكر تفسيره ، ولا منافاة بين الروايتين فتحمل رواية تفسيره على رواية من لم يفسره ويجوز الاقتصار على رواية بعض الحديث إذا لم يخل بالمعنى وهذا مما لا خلاف عندهم فيه ولا يلزم

٤٤٨

الادراج فى الرواية الاخرى وأيضا فغايته أن تكون رواية التفسير زيادة على الرواية الأخرى وهى من ثقة وزيادة الثقة مقبولة فدل ما ذكرناه وقدمناه من الروايات والطرق والمتابعات على قوة هذا الحديث وترقيه عن درجة أن يكون ضعيفا إذ ذاك مما يقوى بعضه بعضا ويؤيد بعضه بعضا وقد روى الحافظ أبو عمرو أيضا باسناد صحيح عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات وهذا صريح فى صحة ما اختاره القراء وذهب إليه السلف والله أعلم.

وقال الشيخ أبو شامة ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الاستكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع فى أخرى أى أنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل يكون قراءة القرآن دأبه وديدنه انتهى. وهو صحيح فانا لم ندع أن هذا الحديث دال نصا على قراءة الفاتحة والخمس من أول البقرة عقيب كل ختمة بل يدل على الاعتناء بقراءة القرآن والمواظبة عليها بحيث إذا فرغ من ختمة شرع فى أخرى وأن ذلك من أفضل الأعمال

وأما قراءة الفاتحة والخمس من البقرة فهو مما صرح به الحديث المتقدم أولا المروى من طريق ابن كثير وعلى كل تقدير فلا نقول إن ذلك لازم لكل قارئ بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن أحمد وغيره : من فعله فحسن ومن لم يفعله فلا حرج عليه ؛ وقد ذكر الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسى الحنبلى رحمه‌الله فى كتابه المغنى أن أبا طالب صاحب الإمام أحمد قال سألت أحمد إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) يقرأ من البقرة شيئا؟ قال لا ، فلم يستحب أن يصل ختمة بقراءة شىء انتهى. فحمله الشيخ موفق الدين على عدم الاستحباب وقال لعله لم يثبت عنده فيه أثر صحيح يصير إليه انتهى. وفيه نظر ؛ إذ يحتمل أن يكون فهم من السائل أن ذلك لازم فقال لا ، ويحتمل أنه أراد قبل أن يدعو

٤٤٩

ففي كتاب الفروع للإمام الفقيه شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلى ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه قال الآمدى يعنى قبل الدعاء وقيل يستحب فحمل نص أحمد بقوله « لا » على أن يكون قبل الدعاء بل ينبغى أن يكون دعاؤه عقيب قراءة سورة الناس كما سيأتى نص أحمد رحمه‌الله وذكر قولا آخر له بالاستحباب والله أعلم.

قال السخاوى بعد ذكر هذا الحديث : فان قيل فقد قلتم إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال « ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله » فكيف الجمع بينه وبين هذا الحديث؟ ( قلت ) القرآن من ذكر الله إذ فيه الثناء على الله عزوجل ومدحه وذكر آلائه ورحمته وكرمه وقدرته وخلقه المخلوقات ولطفه بها وهدايته لها. فان قلت ففيه ذكر ما حلل وحرم ومن أهلك ومن أبعد من رحمته وقصص من كفر بآياته وكذب برسله ؛ قلت ذكر جميعه من جملة ذكره إذ كان ذلك كله كلامه وأيضا فان من المدح ذكر ما أنزله من التحليل والتحريم كما أن من جملة الثناء على الطبيب أن يذكر بأن له جدا فى حمية المريض ومنعه مما يضره وندبه إلى ما ينتفع به ، وكذلك أيضا من جملة ذكر مفاخر الملك ذكر أعدائه ومخالفته وكيف كانت عاقبة خلافهم له ومحاربتهم إياه من الهلكة والدمار والخسار ، إذن القرآن أفضل الذكر ( قلت ) ورد فى هذا المعنى أحاديث صحيحة منها أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن أفضل الأعمال فقال « إيمان بالله ثم جهاد فى سبيله ثم حج مبرور »وفى حديث آخر « الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد فى سبيله »وفى آخر « واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة »و حديث أى الأعمال أفضل؟ قال « الصبر والسماحة »وقال لأبى أمامة عليك بالصوم فانه لا مثل له فقيل فى الجواب إن المراد أى من أفضل الأعمال النظائر ، لذلك يعبر عن الشيء بأنه الأفضل أى هو من جملة الأفضل أى المجموع فى الطبقة العليا التى لا طبقة أعلى منها وقيل إنه صلى الله

٤٥٠

عليه وسلم أجاب كل سائل بحسب ما هو الأفضل فى حقه بحسب ما يناسبه والاصلح له وما يقدر عليه ويطيقه والله أعلم.

( تنبيه ) المعنى فى الحديث « الحال المرتحل » على حذف مضاف أى عمل الحال المرتحل ، وكذا « عليك بالحال المرتحل » أى عليك بعمل الحال المرتحل وأما ما يعتمده بعض القراء من تكرار قراءة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عند الختم ثلاث مرات فهو شىء لم نقرأ به ولا أعلم أحدا نص عليه من أصحابنا القراء ولا الفقهاء سوى أبى الفخر حامد بن على بن حسنويه القزوينى فى كتابه حلية القراء فانه قال فيه ما نصه : والقراء كلهم قرءوا سورة الإخلاص مرة واحدة غير الهروانى عن الأعشى فانه أخذ باعادتها ثلاث دفعات والمأثور دفعة واحدة انتهى ( قلت ) والهروانى هذا هو بفتح الهاء والراء وهو القاضى أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفى الحنفى الكوفى كان فقيها كبيرا ؛ قال الخطيب البغدادى كان من عاصره بالكوفة يقول لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود إلى وقته أحد أفقه منه انتهى. وقرأ برواية الأعشى على محمد بن الحسن بن يونس عن قراءته بها على أبى الحسن على بن الحسن ابن عبد الرحمن الكسائى الكوفى صاحب محمد بن غالب صاحب الأعشى والظاهر أن ذلك كان اختيارا من الهروانى فان هذا لم يعرف فى رواية الأعشى ولا ذكره أحد من علمائنا عنه بل الذين قرءوا برواية الأعشى على الهروانى هذا كأبى على البغدادى صاحب الروضة وأبى على غلام الهراس شيخ أبى العز وكالشرمقاني والعطار شيخى ابن سوار وكأبى الفضل الخزاعى لم يذكر أحد منهم ذلك عن الهروانى ولو ثبت عندهم رواية لذكروه بلا شك فلذلك قلنا إنه يكون اختيارا منه والرجل كان فقيها عالما أهلا للاختيار فلعله رأى ذلك وقد صار العمل على هذا فى أكثر البلاد عند الختم فى غير الروايات والصواب ما عليه السلف لئلا يعتقد أن ذلك سنة ولهذا نص أئمة الحنابلة على أنه لا يكرر سورة الصمد وقالوا وعنه يعنون عن أحمد لا يجوز والله الموفق

٤٥١

ومن الأمور المتعلقة بالختم الدعاء عقيب الختم

وهو أهمها وهو سنة تلقاها الخلف عن السلف وتقدم فى أول هذا الفصل الحديث المرفوع عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طريق ابن كثير فى أنه كان يدعو عقب الختم بدعاء الختمة ثم يقول : وأخبرنى الشيخ العالم المسند الصالح أبو الثناء محمود بن خلف بن خليفة المنبجى رحمه‌الله مشافهة منه إلىّ فى سنة سبع وستين وسبعمائة بدمشق عن الإمام الحافظ أبى محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقى الحافظ. أخبرنا أبو سعيد خليل بن أبى الرجاء الدارانى. أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد الحداد إجازة. أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ. أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الحافظ. حدثنا محمد بن جعفر الإمام. حدثنا زكريا بن يحيى بن السكن الطائى. حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى عن مقاتل بن دوأل دوز عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « من قرأ القرآن ـ أو قال من جمع القرآن ـ كانت له عند الله دعوة مستجابة ان شاء الله عجلها له فى الدنيا وان شاء ادخرها له فى الآخرة » قال الطبرانى لم يروه عن جابر إلا شرحبيل ولا عنه الا مقاتل بن دوأل دوز تفرد به المحاربى ولم يسند عن مقاتل غير هذا الحديث ( قلت ) مقاتل هذا إن يكن مقاتل بن حيان كما قيل فهو ثقة من رجال مسلم وإن يكن غيره فلا نعرفه مع أن سائر رجاله ثقات والمحاربى من رجال الصحيحين الا أنه يروى عن المجهولين ( وأخبرتنا ) ست العرب بنت محمد المقدسية بمنزلها مشافهة أنا جدى على بن أحمد بن البخارى حضورا قال أنا عبد الله بن عمر أنا أبو القاسم زاهر أنا أبو بكر الحافظ أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر الإسماعيلي ثنا عبد الله بن يحيى بن ياسين حدثنى حمدون بن أبى عباد ثنا يحيى بن هاشم عن مسعر عن قتادة عن أنس رضي‌الله‌عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال « مع كل ختمة

٤٥٢

دعوة مستجابة » كذا رواه أبو بكر البيهقى وقال فى إسناده ضعف وروى من وجه آخر ضعيف عن أنس أخبرناه أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه أنا أبو الحسن على بن أحمد بن محمد البرناتى بمرو أنا عمرو بن عمر بن فتح ثنا محمد بن على ثنا أبى أنا أبو عصمة وهو نوح الجامع مروزى عن يزيد الرقاشى عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « له عند ختم القرآن دعوة مستجابة وشجرة فى الجنة » « وأخبرنا » شيخنا القاضى شرف الدين أحمد بن الحسين الحنفى مشافهة عن أبى الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقى أنا أبو روح إذنا أنا زاهر بن طاهر أنا الإمام أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجرودى أنا الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن ابن محمد الحليمى أنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفى. أنا أحمد بن الحسين. ثنا مقاتل بن إبراهيم. ثنا نوح بن أبى مريم عن يزيد الرقاشى عن أنس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه » وبه إلى الحافظ أبى بكر قال أخبرنا أبو سعد المالينى أنا أبو أحمد بن عدى أنا ابن أبى عصمة ومحمد بن عبد الحميد الفرغانى ومحمد بن على بن اسماعيل قالوا حدثنا على بن حرب ثنا حفص بن عمر بن حكيم ثنا عمرو بن قيس الملائى عن عطاء عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « من استمع حرفا من كتاب الله عزوجل طاهرا كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات ومن قرأ حرفا من كتاب الله فى صلاة قاعدا كتبت له خمسون حسنة ومحيت عنه خمسون سيئة ورفعت له خمسون درجة ومن قرأ حرفا من كتاب الله فى صلاة قائما كتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ورفعت له مائة درجة ومن قرأه فختمه كتبت له عند الله دعوة مستجابة معجلة أو مؤخرة » قال البيهقى تفرد به حفص بن عمر وهو مجهول ( قلت ) قد ذكره ابن عدى فى كامله وقال حدث عن عمرو بن قيس الملائى أحاديث بواطيل وقال يحيى ليس بشيء وقال الأزدى متروك الحديث وقد سألت شيخنا شيخ الإسلام ابن كثير

٤٥٣

رحمه‌الله تعالى ما المراد بالحرف فى الحديث؟ فقال : الكلمة ، لحديث ابن مسعود رضي‌الله‌عنه « من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف » وهذا الذى ذكره هو الصحيح إذ لو كان المراد بالحرف حرف الهجاء لكان ألف بثلاثة أحرف ولام بثلاثة وميم بثلاثة وقد يعسر على فهم بعض الناس فينبغى أن يتفطن له فكثير من الناس لا يعرفه. وقال لى بعض أصحابنا من الحنابلة إنه رأى هذا فى كلام الإمام أحمد رحمة الله عليه منصوصا والله أعلم ولكن روينا فى حديث ضعيف عن عون بن مالك الأشجعى مرفوعا « من قرأ حرفا من القرآن كتب الله له بها حسنة ، لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ولا أقول الم ولكن الألف واللام والميم وهو وإن صح لا يدل على غير ما قال شيخنا. ثم رأيت كلام بعض أصحاب الإمام أحمد فى ذلك فقال ابن مفلح فى فروعه : وإن كان فى قراءة زيادة حرف مثل ( فَأَزَلَّهُمَا ) و ( أزالهما ) و ( وَصَّى ) و ( أوصى ) فهى أولى لأجل العشر حسنات ؛ نقله حرب ( قلت ) وهذا التمثيل من ابن مفلح عجيب فانه إذا كان المراد بالحرف اللفظى فلا فرق بين ( وَصَّى ) و ( أوصى ) ولا بين ( أزالهما ) و ( فَأَزَلَّهُمَا ) إذ الحرف المشدد أيضا بحرفين فكان ينبغى أن يمثل بنحو ( مالِكِ ) و ( مُلْكِ ) ، و ( يَخْدَعُونَ ) و ( يُخادِعُونَ ) ثم قال ابن مفلح واختار شيخنا أن الحرف الكلمة ( قلت ) يعنى شيخه الإمام أبا العباس ابن تيمية وهذا الذى قاله هو الصحيح وقد رأيت كلامه فى كتابه على المنطق فقال : وأما تسمية الاسم وحده كلمة والفعل وحده كلمة والحرف وحده كلمة مثل هل وبل فهذا اصطلاح مختص ببعض النحاة ليس هذا من لغة العرب أصلا وإنما تسمى العرب هذه المفردات حروفا ، ومنه قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم « من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات » أما إنى لا أقول الم يعنى ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف والذى عليه محققو العلماء أن المراد بالحرف الاسم وحده والفعل وحده

٤٥٤

وحرف المعنى لقوله ألف حرف وهذا اسم. ولهذا لما سأل الخليل أصحابه عن عن النطق بالزاى من زيد فقالوا زاى فقال نطقتم بالاسم وإنما الحرف زه.

ثم بسط الكلام فى تقرير ذلك وهو واضح. وهذا الذى ذكره ابن مفلح عن حرب ومثل به تصرف منه وإلا فلا يقول مثل الإمام أحمد إن ( أزال ) ولى من ( أزلّ ) ولا ( أوصى ) أولى من ( وصى ) لأجل زيادة حرف ؛ وللكلام على هذا محل غير هذا والقصد تعريف ذلك والله أعلم. وبه قال الحافظ أبو بكر البيهقى أخبرنا أبو زكريا بن أبى اسحاق أنا أحمد بن سليمان الفقيه. ثنا بشر بن موسى حدثنى عمر بن عبد العزيز جليس كان لبشر بن حارث ( ح ) قال وأخبرنا أبو على الروذبارى ثنا أبو عمرو محمد بن عبد الواحد النحوى. ثنا بشر بن موسى. ثنا عمر بن عبد العزيز شيخ له قال سمعت بشر بن الحارث يقول : حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن حبيب بن أبى عمرة قال إذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه قال بشر بن موسى قال لى عمر بن عبد العزيز فحدثت به أحمد بن حنبل فقال لعل هذا من مخبيات سفيان واستحسنه أحمد بن حنبل. قال البيهقى هذا لفظ حديث الفقيه وبه قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ. أنا أحمد بن محمد بن خالد المطوعى. ثنا مسعر بن سعيد قال كان محمد بن اسماعيل البخارى رحمه‌الله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع اليه أصحابه فيصلى بهم فيقرأ فى كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكذلك يقرأ فى السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر فى كل ثلاث ليال وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الافطار كل ليلة ويقول : عند كل ختم دعوة مستجابة. وروى أبو بكر بن داود فى فضائل القرآن عن ابن مسعود « من ختم القرآن فله دعوة مستجابة » وعن مجاهد « تنزل الرحمة عند ختم القرآن » وعنه أيضا « إن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن » ونص الإمام أحمد على استحباب ذلك فى صلاة التراويح ؛ قال حنبل سمعت أحمد يقول فى ختم القرآن : إذا فرغت

٤٥٥

من قراءتك ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فارفع يديك فى الدعاء قبل الركوع ( قلت ) إلى أى شىء تذهب فى هذا؟ قال رأيت أهل مكة يفعلونه وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة ، قال عباس بن عبد العظيم وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة وروى أهل المدينة فى هذا أشياء وذكر عن عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه. وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعنى أحمد بن حنبل فقلت : أختم القرآن أجعله فى التراويح أو فى الوتر؟ قال اجعله فى التراويح يكون لنا دعاء بين اثنين.

قلت : كيف أصنع؟ قال إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن فى الصلاة وأطل القيام. قلت بم أدعو؟ قال بما شئت ، قال ففعلت كما أمرنى وهو خلفى يدعو قائما ويرفع يديه. وروينا فى كتاب فضائل القرآن لأبى عبيد عن قتادة قال كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له فكان ابن عباس يضع عليه الرقباء فاذا كان عند الختم جاء ابن عباس فشهده والله تعالى أعلم. قال الامام النووى يستحب الدعاء بعد قراءة القرآن استحبابا يتأكد تأكيدا شديدا فينبغى أن يلح فى الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك بل كله فى أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم وفى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق واجتماعهم عليه وظهورهم على أعداء الدين انتهى. ونص الإمام أحمد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف. وكان بعض شيوخنا يختار أن القارئ عليه إذا ختم هو الذى يدعو لظاهر هذا الحديث. وسائر من أدركناهم غيره يدعو الشيخ أو من يلتمس بركته من حاضرى الختم والأمر فى هذا سهل إذا الداعى والمؤمن واحد قال الله تعالى ( قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما ) قال أبو العالية وأبو صالح وعكرمة ومحمد ابن كعب القرظى والربيع بن أنس دعا موسى وأمّن هارون. فالداعى والمؤمن واحد. وكان أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه يجمع أهله وجيرانه عند الختم رجاء

٤٥٦

بركة دعاء الختم وحضوره. وروينا عنه فى حديث مرفوع ولفظه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ختم القرآن جمع أهله : قال البيهقى رفعه وهم والصحيح عن أنس موقوفا وكانوا يستحبون جمع أهل الصلاح والعلم فقد روينا عن شعبة عن الحكم قال أرسل إلى مجاهد وعنده ابن أبى لبابة قال : إنما أرسلنا إليك أنا نريد أن نختم القرآن وكان يقال : إن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن فلما فرغوا من ختم القرآن دعا بدعوات وكان كثير من السلف يستحب الختم يوم الاثنين وليلة الجمعة واختار بعضهم الختم وهو صائم وبعض عند الافطار وبعض أول الليل وبعض أول النهار. قال عبد الرحمن بن الأسود من قرأ القرآن فختمه نهارا غفر له ذلك اليوم ومن ختمه ليلا غفر له تلك الليلة. وعن إبراهيم التيمى أنه قال كانوا يقولون إذا ختم الرجل القرآن صلت عليه الملائكة بقية يومه وبقية ليلته وكانوا يستحبون أن يختموا فى قبل الليل وقبل النهار وبعض يتخير لذلك الأوقات الشريفة وأوقات الإجابة وأحوالها وأماكنها كل ذلك رجاء اجتماع أسباب الإجابة ولا شك أن وقت ختم القرآن وقت شريف وساعته ساعة مشهودة ولا سيما ختمة قرئت قراءة صحيحة مرضية كما أنزلها الله تعالى متصلة إلى حضرة الرسالة ومعدن الوحى فينبغى أن يعتنى بآداب الدعاء فإن له آدابا وشرائط وأركانا أتينا عليها مستوفاة فى كتابنا الحصن الحصين نشير هنا إلى ما لا يستغنى عنه منها : أن يقصد الله تبارك وتعالى بدعائه من غير رياء ولا سمعة قال تعالى فادعوه مخلصين له الدين ؛ وقال تعالى ( فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ومنها : تقديم عمل صالح من صدقة أو غيرها للحديث المجمع على صحته حديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة ومنها : تجنب الحرام أكلا وشربا ولبسا وكسبا لحديث أبى هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر

٤٥٧

يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم

ومنها : الوضوء لحديث عثمان بن حنيف رضي‌الله‌عنه أن رجلا ضرير البصر أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ادع الله أن يعافينى قال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك » قال فادعه فأمره أن يتوضا ويحسن وضوءه ويدعو. الحديث رواه الترمذى وقال حسن صحيح غريب.

ومنها : استقبال القبلة لحديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه : استقبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة ـ الحديث متفق عليه ؛ والأحاديث فى ذلك كثيرة ومنها : رفع اليدين لحديث سلمان يرفعه « إن ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفرا » رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة وابن حبان والحاكم فى صحيحيهما وحديث ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال « المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما » الحديث رواه أبو داود والحاكم فى صحيحه، ولحديث على رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « رفع اليدين من الاستكانة التى قال الله : فما استكانوا لربهم وما ينضرعون » رواه الحاكم ، ولحديث عبد الله بن جعفر رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما جمع أهل بيته ألقى عليهم كساء ثم رفع يديه ثم قال « اللهم هؤلاء أهلى » الحديث. رواه الحاكم ، والأحاديث فى رفع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه فى الدعاء كثيرة لا تكاد تحصى ، قال الخطابى إن من الأدب أن تكون اليدان فى حال رفعهما مكشوفتين غير مغطاتين ( قلت ) روينا عن أبى سليمان الدارانى رحمة الله عليه قال : كنت ليلة باردة فى المحراب فأقلقنى البرد فخبأت إحدى يدى من البرد يعنى فى الدعاء قال وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتنى عيناى فإذا تلك اليد المكشوفة قد سورت

٤٥٨

من الجنة فهتف بى هاتف يا أبا سليمان قد وضعنا فى هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى مكشوفة لوضعنا فيها ؛ قال فآليت على نفسى أن لا أدعو إلا ويداى خارجتان حرا كان أو بردا ( ومنها ) الجثو على الركب والمبالغة فى الخضوع لله عزوجل والخشوع بين يديه ويحسن التأدب مع الله تعالى لحديث عامر بن خارجة بن سعد عن جده سعد رضي‌الله‌عنه أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قحوط المطر قال : فقال اجثوا على الركب ثم قولوا يا رب يا رب قال ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم. رواه أبو عوانة فى صحيحه. وأما ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا ختم القرآن دعا قائما كما أورده ابن الجوزى فى كتابه الوفا وغيره فلا يصح وسيأتى إسناده والكلام عليه آخرا والله أعلم.

وإذا نظر العاقل إلى دعاء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وكيف خضوعهم وخشوعهم وتأدبهم عرف كيف يسأل ربه عزوجل ؛ فمن دعاء آدم وحواء عليهما‌السلام : ( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ونوح عليه‌السلام ( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ، ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) وموسى عليه‌السلام ( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، ( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) وزكريا عليه‌السلام ( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) وأيوب عليه‌السلام ( مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) وإبراهيم عليه‌السلام لما قصد الدعاء ( وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) فأضاف الشفاء الى الله تعالى دون المرض تأدبا. وفى صحيح مسلم أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو فى الصلاة « اللهم أنت الملك لا إله الا أنت. أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسى واعترفت بذنبى فاغفر لي ذنوبى جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت. واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها

٤٥٩

إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله فى يديك والشر ليس اليك ، أنا بك واليك ، تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب اليك قال الخطابى رحمه‌الله : معنى قوله والشر ليس اليك : الإرشاد إلى استعمال الأدب فى الثناء على الله جل ذكره والمدح له بأن يضاف اليه محاسن الأمور دون مساويها ولم يقع القصد به إلى إثبات شىء وإدخاله تحت قدرته ونفى ضده عنها فإن الخير والشر صادران عن خلقه وقدرته لا موجد لشىء من الخلق غيره وقد يضاف معاظم الخليقة اليه عند الدعاء والثناء فيقال يا رب السموات والأرضين كما يقال يا رب الأنبياء والمرسلين ولا يحسن أن يقال يا رب الكلاب ويا رب القردة والخنازير ونحوها من سفل الحيوانات وحشرات الأرض وإن كانت إضافة جميع الحيوانات اليه من جهة الخلقة لها والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها. وقال مسلم بن يسار : لو كنت بين يدى ملك تطلب حاجة لسرك أن تخشع له. رواه ابن أبى شيبة

( ومنها ) أن لا يتكلف السجع فى الدعاء لما فى صحيح البخارى عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : « وانظر الى السجع من الدعاء فاجتنبه فإنى عهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك أى لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ؛ قال الغزالى رحمه‌الله : المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام لأن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمات متوازنة غير متكلفة ( ومنها ) الثناء على الله تعالى أولا وآخرا أى قبل الدعاء وبعده وكذلك الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه‌السلام.

( رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) ، ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ). ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) الآيات. فقدم الثناء على الله ثم دعا ، وعن يوسف عليه‌السلام ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ

٤٦٠