النشر فى القراءات العشر - ج ٢

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي

النشر فى القراءات العشر - ج ٢

المؤلف:

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

ابن غلبون وأبيه أبى الطيب ومكى وابن شريح والمهدوى وابن طاهر بن خلف وشيخه عبد الجبار وابن سفيان وغيرهم وهو ظاهر النصوص المذكورة كما ذكر الدانى إلا أن استدلاله لذلك برواية شبل عن ابن كثير فيه ليس بظاهر والله أعلم. وقال الحافظ أبو العلاء كبر البزى وابن فليح. وابن مجاهد عن قنبل من فاتحة والضحى وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس وكبر العمرى والزينبى والسوسى من فاتحة ألم نشرح إلى خاتمة الناس. وأجمعوا على ترك التكبير بين الناس والفاتحة إلا ما رواه بكار عن ابن مجاهد من إثباته بينهما. وانظر كيف قطع بعدم التكبير فى آخر الناس لكونه جعل التكبير من أول والضحى ومن أول ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) وكذلك قال كل من قال بقوله كشيخه أبى العز القلانسى وكأبى الحسن الخياط وأبى على البغدادى وأبى محمد سبط الخياط فى غير المبهج وغيرهم ( قلت ) والمذهبان صحيحان ظاهران لا يخرجان عن النصوص المتقدمة وأما قول أبى شامة إن فيه مذهبا ثالثا وهو أن التكبير ذكر مشروع بين كل سورتين فلا أعلم أحدا ذهب اليه صريحا وإن كان أخذه من لازم قول من قطعه عن السورتين أو وصله بهما فإن ذلك يتخرج على كل من المذهبين كما نبينه فى حكم الإتيان به من الفصل الثالث الآتى ولو كان أحد ذهب إلى ما ذكره أبو شامة لكان التكبير على مذهبه ساقطا إذا قطعت القراءة على آخر سورة أو استؤنفت سورة وقتا ما ولا قائل بذلك بل لا يجوز فى رواية من يكبر كما سيأتى إيضاحه فى التنبيه التاسع من الفصل الثالث والله أعلم

( تنبيه ) قول الشاطبى رحمه‌الله إذا كبروا فى آخر الناس مع قوله وبعض له من آخر الليل على ما تقرر من أن المراد بآخر الليل أول الضحى يقتضى أن يكون ابتداء التكبير من أول الضحى وانتهاؤه آخر الناس. وهو مشكل لما تأصل بل هو ظاهر المخالفة لما رواه فان هذا الوجه وهو التكبير من أول الضحى هو من زياداته على التيسير وهو من الروضة لأبى على كما نص عليه أبو شامة

٤٢١

والذى نص عليه صاحب الروضة أن قال روى البزى التكبير من أول سورة والضحى إلى خاتمة الناس ولفظه الله أكبر تابعه الزينبى عن قنبل فى لفظ التكبير وخالفه فى الابتداء فكبر من أول سورة ألم نشرح قال ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة والناس انتهى بحروفه فهذا الذى أخذ الشاطبى التكبير من روايته قطع بمنعه من آخر الناس فتعين حمل كلام الشاطبى على تخصيص التكبير آخر الناس بمن قال به من آخر والضحى كما هو مذهب صاحب التيسير وغيره ويكون معنى قوله إذا كبروا فى آخر الناس أى إذا كبر من يقول بالتكبير فى آخر الناس يعنى الذين قالوا به من آخر والضحى أو يكون المعنى من يكبر فى آخر الناس يردف التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول البقرة حتى يصل إلى المفلحون أى أن هذا الإرداف مخصوص عن تكبير آخر الناس كما سيأتى ولو لا قول صاحب الروضة ولم يختلفوا أنه منقطع أى منحذف مع خاتمة الناس لكان لمن يتشبث بقوله أولا إلى خاتمة الناس منزع فعلم بذلك أن المراد بخاتمة الناس آخر القرآن أى حتى يختم وهو صريح قول شبل عن ابن كثير أنه كان إذا بلغ ألم نشرح كبر حتى يختم وكذا قول صاحب التجريد إلى خاتمة الناس لا يريد أن التكبير فى آخرها بدليل قوله بعد ذلك إنك تقف فى آخر كل سورة وتبتدى بالتكبير منفصلا فان هذا لا يجوز فى آخر الناس كما سنبينه وكذا أراد ابن مؤمن فى الكنز حيث قال التكبير من أول سورة والضحى إلى آخر سورة الناس بدليل قوله بعد ذلك ورواه بكار عن قنبل فى آخر سورة الناس والله أعلم ، وأما قول الهذلى الباقون يكبرون من خاتمة والضحى إلى أول قل أعوذ برب الناس فى قول ابن هاشم قال وفى قول غيره إلى خاتمة قل أعوذ برب الناس فان فيه تجوزا أيضا وصوابه أن يقول فى قول ابن هاشم من أول والضحى إلى أول قل أعوذ برب الناس وابن هاشم هذا هو أبو العباس أحمد بن على بن هاشم المصرى المعروف بتاج الأئمة أستاذ القراءات وشيخها بالديار المصرية وهو شيخ الهذلى وشيخ

٤٢٢

ابن شريح وأبى القاسم بن الفحام. وقرأ قراءة ابن كثير على أصحاب أصحاب ابن مجاهد كالحمامى وعلى بن محمد بن عبد الله الحذاء ومذهبهم ابتداء التكبير من أول والضحى وانتهاؤه أول الناس كما نص عليه أصحابهم العارفون بمذهبهم ولو لا صحة طرق ابن هاشم عندنا على ما ذكرنا لقلنا لعل الهذلى أراد بآخر الضحى أول ألم نشرح ( فالحاصل ) أن من ابتدأ بالتكبير من أول الضحى أو ألم نشرح قطعه أول الناس ومن ابتدأ به فى آخر الضحى قطعه آخر الناس لا نعلم أحدا خالف هذا مخالفة صريحة لا تحتمل التأويل إلا ما انفرد به أبو العز فى كفايته عن بكار عن ابن مجاهد عن قنبل من التكبير من أول الضحى مع التكبير بين الناس والفاتحة وتبعه على ذلك الحافظ أبو العلاء فروى ذلك عنه وهو وهم بلا شك ولعله سبق قلم من أول ألم نشرح إلى أول الضحى لأن أبا العز نفسه ذكره على الصواب فى إرشاده فجعل له التكبير من أول ألم نشرح وكذلك أبو الحسن الخياط أكبر من أخذ عن أصحاب بكار. وإذا ثبت أن الصواب من أول ألم نشرح فيحتمل أن يكون المراد آخر الضحى. وعبر عن آخر والضحى بأول ألم نشرح كما رواه غيره ويحتمل أن يكون لحظ أن للسورة حظا من التكبير أولها وآخرها وقد يتعدى هذا إلى والضحى إن ثبت وقد عرفتك ما فيه على أن طريق بكار عن ابن مجاهد ليست من طرقنا فليعلم. قال أبو شامة ( فان قلت ) فما وجه من كبر من أول والضحى وكبر آخر الناس؟ قلت أعطى السورة حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين تكبيرتين وليس التكبير فى آخر الناس لأجل الفاتحة لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة لهؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن

( تتمة ) وقع فى كلام السخاوى فى شرحه ما نصه وذكر أبو الحسن ابن غلبون ومكى وابن شريح والمهدوى التكبير عن البزى من أول والضحى وعن

٤٢٣

قنبل من أول ألم نشرح انتهى. وتبعه على نقل ذلك عن مكى أبو شامة والذى رأيته فى تذكرة أبى الحسن بن غلبون يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن فاذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) كبر وفى التبصرة لمكى يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن مع خاتمة كل سورة وكذلك إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فانه يكبر وفى الكافى لابن شريح فاذا ختمها أى الضحى كبر وبسمل بعد آخر كل سورة إلى أن يختم القرآن. وفى الهداية للمهدوى يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن ولم أر فى كلام أحد منهم تكبيرا من أول الضحى فليعلم ذلك.

( فهذا ) ما ثبت عندنا عن ابن كثير فى الابتداء بالتكبير وما ينتهى اليه وأما ما ورد عن السوسى فان الحافظ أبا العلاء قطع له بالتكبير من فاتحة ألم نشرح إلى خاتمة الناس وجها واحدا وقطع له به صاحب التجريد من طريق ابن حبش وقرأنا بذلك من طريقه. وروى سائر الرواة عنه ترك التكبير كالجماعة وقدمنا أول الفصل ما كان يأخذ به الخبازى وابن حبش من التكبير لجميع القراء وما حكى عن أبى الفضل الخزاعى وغيره من التكبير فى أول كل سورة من جميع القرآن.

( وأما حكمه فى الصلاة ) وإن كان أكثر القراء لم يتعرضوا لذلك لعدم تعلقهم به فانا لما رأينا بعض ائمتنا قد تعرض إلى ذلك كالحافظ أبى عمرو الدانى والامام أبى العلاء الهمدانى والاستاذ أبى القاسم بن الفحام والعلامة أبى الحسن السخاوى والمجتهد أبى القاسم الدمشقى المعروف بأبى شامة وغيرهم تعرضوا لذكره فى كتبهم ورووا فى ذلك أخبارا عن سلف القراء والفقهاء لم نجد بدا من ذكره على عادتنا فى ذكر ما يحتاج اليه المقرئ وغيره مما يتعلق بالقراءات ( أخبرنى ) الامام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله المقدسى بقراءتى عليه. أخبرنا محمد بن على بن أبى القاسم الوراق قراءة عليه سنة ثمان عشرة وسبعمائة. أخبرنا عبد الصمد بن أبى الجيش. أخبرنا محمد بن أبى الفرج الموصلى أخبرنا يحيى

٤٢٤

ابن سعدون القرطبى. أخبرنا عبد الرحمن بن أبى بكر القرشى الصقلى.

قال حدثنا عبد الباقى يعنى ابن فارس بن أحمد. حدثنا أبو أحمد يعنى السامرى.

حدثنا أبو الحسن على بن الرقى. قال حدثنى قنبل بن عبد الرحمن حدثنا أحمد بن محمد بن عون القوس. حدثنا عبد الحميد بن جريج عن مجاهد أنه كان يكبر من والضحى إلى الحمد لله. قال ابن جريج فأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام رواه الحافظ أبو عمرو عن أبى الفتح فارس عن أبى أحمد بلفظه سواء. وقال الحافظ أبو عمرو : حدثنا أبو الفتح. حدثنا عبد الله يعنى السامرى. حدثنا أحمد يعنى أحمد بن مجاهد. حدثنا عبد الله يعنى أبا بكر ابن أبى داود السجستانى. حدثنا يعقوب يعنى ابن سفيان الفسوى الحافظ حدثنا الحميدى سألت سفيان يعنى ابن عيينة قلت يا أبا محمد رأيت شيئا ربما فعله الناس عندنا يكبر القارئ فى شهر رمضان إذا ختم يعنى فى الصلاة فقال رأيت صدقة بن عبد الله بن كثير يؤم الناس منذ أكثر من سبعين سنة فكان اذا ختم القرآن كبر. وبه عن الحميدى قال حدثنا محمد بن عمر بن عيسى أن أباه أخبره أنه قرأ بالناس فى شهر رمضان فأمره ابن جريج أن يكبر من والضحى حتى يختم. وبه عن الحميدى قال سمعت عمر بن سهل شيخنا من أهل مكة يقول رأيت عمر بن عيسى صلى بنا فى شهر رمضان فكبر من والضحى فأنكر بعض الناس عليه فقال أمرنى به ابن جريج فسألنا ابن جريج فقال أنا أمرته. وقال الشيخ أبو الحسن السخاوى وروى بعض علمائنا الذين اتصلت قراءتنا بهم باسناده عن أبى محمد الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبى يزيد القرشى قال صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام فى التراويح فى شهر رمضان فلما كانت ليلة الختمة كبرت من خاتمة الضحى الى آخر القرآن فى الصلاة فلما سلمت التفت وإذا بأبى عبد الله محمد ابن ادريس الشافعى قد صلى ورائى فلما بصر بى قال لى أحسنت أصبت السنة ( قلت ) أظن هذا الذى عناه السخاوى ببعض علمائنا هو والله أعلم أما الإمام

٤٢٥

أبو بكر بن مجاهد فانه رواه عن أبى محمد مضر بن محمد بن خالد الضبى عن حامد بن يحيى بن هانئ البلخى نزيل طرسوس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبى يزيد القرشى المكى المقرى الإمام بالمسجد الحرام وصاحب شبل بن عباد والله أعلم وأما الأستاذ أبو على الاهوازى فانه رواه عن أبى الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذى عن ابن شنبوذ عن مضر فذكره وقد تقدم ما أسنده الدانى عن البزى عن الامام الشافعى إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالاسناد المتقدم آنفا الى قنبل قال وأخبرنى ابن المقرى قال سمعت ابن الشهيد الحجبى يكبر خلف المقام فى شهر رمضان. قال قنبل وأخبرنى يعنى ابن المقرى فقال لى ابن الشهيد الحجبى أو بعض الحجبة ابن الشهيد أو ابن بقية شك فى أحدهما. وبه قال قنبل أخبرنى أحمد بن محمد بن عون القواس قال سمعت ابن الشهيد الحجبى يكبر خلف المقام فى شهر رمضان قال قنبل وأخبرنى ركين بن الحصيب مولى الجبيريين قال سمعت ابن الشهيد الحجبى يكبر خلف المقام فى شهر رمضان حين ختم من والضحى يعنى فى صلاة التراويح. ورواه الحافظ أبو عمرو عن قنبل باسناده المتقدم آنفا. وقال الإمام المحقق المجمع على تقدمه أبو الحسن على بن جعفر بن محمد السعيدى الرازى ثم الشيرازى فى آخر كتابه تبصرة البيان فى القراءات الثمان ما هذا نصه : ابن كثير يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن واختلف عنه فى لفظ التكبير فكبر قنبل ( الله أكبر ) والبزى ( لا إله إلا الله والله أكبر ) يسكت فى آخر السورة ويصل التكبير بالتسمية فى الصلاة وغيرها. قال الأستاذ الزاهد أبو الحسن على بن أحمد النيسابورى إمام القراء فى عصره بخراسان فى كتابه الإرشاد فى القراءات الأربع عشرة والمستحب للمكبر فى الصلاة على مذهب ابن كثير التهليل وهو ( لا إله إلا الله والله أكبر ) لئلا يلتبس بتكبيرة الركوع. فقد ثبت التكبير فى الصلاة عن أهل مكة فقهائهم وقرائهم وناهيك بالإمام الشافعى وسفيان بن عيينة وابن جريج وابن كثير وغيرهم

٤٢٦

وأما غيرهم فلم نجد عنهم فى ذلك نصا حتى أصحاب الشافعى مع ثبوته عن امامهم لم أجد لأحد منهم نصا فيه فى شىء من كتبهم المبسوطة ولا المطولة الموضوعة للفقه وإنما ذكره استطرادا الامام أبو الحسن السخاوى والامام أبو إسحاق الجعبرى وكلاهما من أئمة الشافعية والعلامة أبو شامة وهو من أكبر أصحاب الشافعى الذين كان يفتى بقولهم فى عصرهم بالشام بل هو ممن وصل إلى رتبة الاجتهاد وحاز وجمع من أنواع العلوم ما لم يجمعه غيره وحاز. خصوصا فى علوم الحديث والقراءات والفقه والأصول. ولقد حدثنى من لفظه شيخنا الامام حافظ الاسلام أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير الشافعى قال حدثنى شيخنا الامام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزارى شيخ الشافعية وابن شيخهم قال سمعت والدي يقول عجبت لأبى شامة كيف قلد الشافعى ( نعم ) بلغنا عن شيخ الشافعية وزاهدهم وورعهم فى عصرنا الامام العلامة الخطيب أبى الثناء محمود بن محمد بن جملة الامام والخطيب بالجامع الأموى بدمشق الذى لم تر عيناى مثله رحمه‌الله أنه كان يفتى به وربما عمل به فى التراويح فى شهر رمضان ورأيت أنا غير واحد من شيوخنا يعمل به ويأمر من يعمل به فى صلاة التراويح وفى الاحياء فى ليالى رمضان حتى كان بعضهم إذا وصل فى الاحياء إلى الضحى قام بما بقى من القرآن فى ركعة واحدة يكبر أثر كل سورة فإذا انتهى إلى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) كبر فى آخرها ثم يكبر ثانيا للركوع وإذا قام فى الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أول البقرة. وفعلت أنا كذلك مرات لما كنت أقوم بالاحياء إماما بدمشق ومصر. وأما من كان يكبر فى صلاة التراويح فانهم يكبرون أثر كل سورة ثم يكبرون للركوع وذلك إذا آثر التكبير آخر السورة ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع فى السورة كبر وبسمل وابتدأ السورة. وختم مرة صبى فى التراويح فكبر على العادة فأنكر عليه بعض أصحابنا الشافعية فرأيت صاحبنا

٤٢٧

الشيخ الإمام زين الدين عمر بن مسلم القرشى رحمه‌الله بعد ذلك فى الجامع الأموى وهو ينكر على ذلك المنكر ويشنع عليه ويذكر قول الشافعى الذى حكاه السخاوى وأبو شامة ويقول رحم الله الخطيب ابن جملة لقد كان عالما متيقظا متحريا. ثم رأيت كتاب الوسيط تأليف الإمام الكبير شيخ الإسلام أبى الفضل عبد الرحمن ابن أحمد الرازى الشافعى رحمه‌الله وفيه ما هو نص على التكبير فى الصلاة كما سيأتى لفظه فى الفصل بعد هذا فى صيغة التكبير. والقصد أننى تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا فلم أر لهم نصا فى غير ما ذكرت وكذلك لم أر للحنفية ولا للمالكية وأما الحنابلة فقال الفقيه الكبير أبو عبد الله محمد بن مفلح فى كتاب الفروع له وهل يكبر لختمة من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة فيه روايتان ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير وقيل ويهلل انتهى ( قلت ) ولما من الله تعالى على بالمجاورة بمكة ودخل شهر رمضان فلم أر أحدا ممن صلى التراويح بالمسجد الحرام إلا يكبر من الضحى عند الختم فعلمت أنها سنة باقية فيهم إلى اليوم والله أعلم ثم العجب ممن ينكر التكبير بعد ثبوته عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن أصحابه والتابعين وغيرهم ويجيز ما ينكر فى صلوات غير ثابتة وقد نص على استحباب صلاة التسبيح غير واحد من أئمة العلم كابن المبارك وغيره مع أن أكثر الحفاظ لا يثبتون حديثها فقال القاضى الحسين وصاحب التهذيب والتتمة والرويانى فى أواخر كتاب الجنائز من كتاب البحر يستحب صلاة التسبيح للحديث الوارد وذكرها أيضا صاحب المنية فى الفتاوى من الحنفية وقال صدر القضاة فى شرحه للجامع الصغير فى مسألة ويكره التكرار وعد الآى وما روى من الأحاديث أن من قرأ فى الصلاة الإخلاص كذا مرة ونحوه فلم يصححها الثقات أما صلاة التسبيح فقد أوردها الثقات وهى صلاة مباركة وفيها ثواب عظيم ومنافع كثيرة ورواها العباس وابنه وعبد الله بن عمرو ( قلت ) وقد

٤٢٨

اختلف كلام النووى فى استحبابها فمنع فى شرح المهذب والتحقيق ، وقال فى تهذيب الأسماء واللغات فى الكلام على سبح وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها خلاف العادة فى غيرها وقد جاء فيها حديث حسن فى كتاب الترمذى وغيره وذكرها المحاملى وصاحب التتمة وغيرهما من أصحابنا وهى سنة حسنة انتهى

الفصل الثالث فى صيغته وحكم الإتيان به وسببه

أما صيغته فلم يختلف عن أحد ممن أثبته أن لفظه ( الله أكبر ) ولكن اختلف عن البزى وعمن رواه عن قنبل فى الزيادة عليه. فأما البزى فروى الجمهور عنه هذا اللفظ بعينه من غير زيادة ولا نقص فيقول ( الله أكبر ) ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) والضحى أو ألم نشرح وهو الذى قطع به فى الكافى والهادى والهداية والتخليصين والعنوان والتذكرة وهو الذى قرأ به وأخذ صاحب التبصرة وهو الذى قطع به أيضا فى المبهج وفى التيسير من طريق أبى ربيعة وبه قرأ على أبى القاسم الفارسى عن قراءته بذلك على النقاش عنه وعلى أبى الحسن وعلى أبى الفتح عن قراءته بذلك عن السامرى فى رواية البزى وهو الذى لم يذكر العراقيون قاطبة سواه من طرق أبى ربيعة كلها سوى طريق هبة الله عنه وروى الآخرون عنه التهليل من قبل التكبير ولفظه ( لا إله إلا الله والله أكبر ) وهذه طريق ابن الحباب عنه من جميع طرقه وهو طريق هبة الله عن أبى ربيعة وابن فرح أيضا عن البزى وبه قرأ الدانى على أبى الفتح فارس عن قراءته على عبد الباقى وعلى أبى الفرج النجار أعنى من طريق ابن الحباب وهو وجه صحيح ثابت عن البزى بالنص كما أخبرنا أحمد بن الحسن المصرى بقراءتى عليه. أخبرنا عبد العزيز بن عبد الرحمن التونسى. أخبرنا محمد بن محمد البلنسى عن محمد بن أحمد المرسى. أخبرنا والدى عن عثمان بن سعيد الحافظ حدثنا فارس بن أحمد أخبرنا

٤٢٩

عبد الباقى بن الحسن. حدثنا أحمد بن سالم الختلى وأحمد بن صالح قالا حدثنا الحسن ابن الحباب قال سألت البزى عن التكبير كيف هو فقال ( لا إله إلا الله والله أكبر ) وقال الحافظ أبو عمرو وابن الحباب : هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة انتهى على أن ابن الحباب لم ينفرد بذلك فقال الإمام الكبير الولى أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازى فى كتابه الوسيط فى العشر لم ينفرد به يعنى ابن الحباب بل حدثنيه أبو عبد الله اللالكى عن الشذائى عن ابن مجاهد وبه كان يأخذ ابن الشارب عن الزينبى وهبة الله عن أبى ربيعة وابن فرح عن البزى قال وقد رأيت المشايخ يؤثرون ذلك فى الصلاة فرقا بينها وبين تكبير الركوع انتهى. وقد تقدم قريبا قول الإمام أبى الحسن السعيدى إنه رواه البزى يعنى من جميع طرقه التى ذكرها له وقد ذكر له طريق أبى ربيعة والخزاعى كلاهما عنه. وقد روى النسائى فى سننه الكبرى بإسناد صحيح عن الأغر قال أشهد على أبى هريرة وأبى سعيد أنهما شهدا على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أشهد عليهما أنه قال « إن العبد إذا قال لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه » ثم اختلف هؤلاء الآخذون بالتهليل مع التكبير عن ابن الحباب فرواه جمهورهم كذلك باللفظ المتقدم وزاد بعضهم على ذلك لفظ ولله الحمد فقالوا : ( لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ) ثم يبسملون وهذه طريق أبى طاهر عبد الواحد بن أبى هاشم عن ابن الحباب وذكره أبو القاسم الهذلى من طريق عبد الواحد المذكور عن ابن الحباب ومن طريق ابن فرح أيضا عن البزى.

وكذا رواه الغضائرى عن ابن فرح عن البزى وابن الصباح عن قنبل وكذا ذكره أبو الفضل الرازى وقال فى كتاب الوسيط وقد حكى لنا على بن أحمد يعنى الأستاذ أبا الحسن الحمامى عن زيد وهو أبو القاسم زيد بن على الكوفى عن ابن فرح عن البزى التهليل قبلها والتحميد بعدها بلفظة ( لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ) بمقتضى قول على رضي‌الله‌عنه انتهى ، ورواه الخزاعى أيضا وأبو الكرم عن

٤٣٠

ابن الصباح عن قنبل ورواه أيضا الخزاعى فى كتابه المنتهى عن ابن الصباح عن أبى ربيعة عن البزى ( قلت ) يشير الرازى إلى ما رواه الحافظ أبو العلاء الهمدانى عن على رضي‌الله‌عنه إذا قرأت القرآن فبلغت قصار المفصل فاحمد الله وكبر كما قدمنا عنه وأما قنبل فقطع له جمهور من روى التكبير عنه من المغاربة بالتكبير فقط وهو الذى فى الشاطبية وتلخيص أبى معشر ولم يذكره صاحب التيسير كما قدمنا وذكره فى غيره والأكثرون من المشارقة على التهليل وهو قول ( لا إله إلا الله والله أكبر ) حتى قطع له به العراقيون من طريق ابن مجاهد وقطع بذلك له سبط الخياط فى كفايته من الطريقين وفى المبهج من طريق ابن مجاهد فقط. وقال ابن سوار فى المستنير قرأت به لقنبل قرأت على جميع من عليه وقطع له به أيضا ابن فارس فى جامعه من طريقى ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهما وقال سبط الخياط فى كفايته قرأ ابن كثير من رواية قنبل المذكورة فى هذا الكتاب خاصة بالتهليل والتكبير من فاتحة والضحى على اختلاف شيوخنا الذين قرأت عليهم فمنهم من أمرنى بذلك ومنهم من أمرنى من أول ألم نشرح إلى آخر القرآن وهو الذى قرأ به صاحب الهداية على أبى الحسن القنطرى وقال الدانى فى جامع البيان والوجهان يعنى التهليل مع التكبير والتكبير وحده عن البزى وقنبل صحيحان جيدان مشهوران مستعملان ، وقال الامام أبو الفضل الرازى وقد حكى لنا على بن أحمد عن زيد عن ابن فرح عن البزى التهليل قبل التكبير والتحميد بعده بمقتضى قول على رضي‌الله‌عنه المتقدم إلا أن أبا البركات ابن الوكيل روى عن رجاله عن ابن الصباح عن قنبل وعن أبى ربيعة عن البزى ( لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد )

وأما حكم الاتيان بالتكبير بين السورتين فاختلف فى وصله بآخر السورة والقطع عليه وفى القطع على آخر السورة ووصله بما بعده وذلك مبنى على ما تقدم من أن التكبير لآخر السورة أو لأولها ويتأتى على التقديرين فى حالة وصل السورة بالسورة الأخرى ثمانية أوجه يمتنع منها وجه إجماعا وهو وصل التكبير

٤٣١

بآخر السورة وبالبسملة مع القطع عليها لأن البسملة لأول السورة فلا يجوز أن تجعل منفصلة عنها متصلة بآخر السورة كما تقدم فى باب البسملة فلا يتأتى هذا الوجه على تقدير من التقديرين المذكورين وتبقى سبعة أوجه محتملة الجواز منصوصة لمن نذكرها له منها اثنان مختصان بتقدير أن يكون التكبير لآخر السورة واثنان بتقدير أن يكون لأول السورة والثلاثة الباقية محتملة على التقديرين فأما الوجهان اللذان على تقدير كونه لآخر السورة ( فالأول منها ) وصل التكبير بآخر السورة والقطع عليه ووصل البسملة بأول السورة وهو ( فحدث ) الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) وهذا الوجه هو الذى اختاره أبو الحسن طاهر بن غلبون وقال وهو الأشهر الجيد وبه قرأت وبه آخذ ونص عليه الدانى فى التيسير ولم يذكر فى مفرداته سواه وهو أحد اختياراته نص على ذلك فى جامع البيان ونص عليه فى التجريد أيضا وهو أحد الوجهين المنصوص عليهما فى الكافى ونص عليه أيضا أبو الحسن السخاوى وأبو شامة وسائر الشراح وهو ظاهر كلام الشاطبى ( والثانى ) وصل التكبير بآخر السورة والقطع عليه والقطع على البسملة وهو ( فحدث ) الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) نص عليه أبو معشر فى تلخيصه ونقله عن الخزاعى عن البزى ونص عليه أيضا أبو عبد الله الفاسى وأبو إسحاق الجعبرى فى شرحيهما وابن مؤمن فى كنزه وهذان الوجهان جاريان على قواعد من ألحق التكبير بآخر السورة وإن لم يذكرهما نصا إلا أن ظاهر كلام مكى فى تبصرته منعهما معا فإنه قال ولا يجوز الوقف على التكبير دون أن يصله بالبسملة ثم بأول السورة المؤتنفة فيظهر من هذا اللفظ منع هذين الوجهين وهو مخالف لما اقتضاه كلامه حيث قال أولا يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن مع خاتمة كل سورة وكذلك إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فانه يكبر ويبسمل فان ظاهره أن التكبير لآخر السورة ولا سيما وقد

٤٣٢

أثبته فى آخر ( النَّاسِ ) وهذا مشكل من كلامه فانه لو كان قائلا بأن التكبير لأول السورة لكان منعه لهما ظاهرا والله أعلم وأما الوجهان اللذان على تقدير كون التكبير لأول السورة فان الأول منهما قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصل البسملة بأول السورة الآتية وهو ( فحدث ) الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) نص عليه أبو طاهر ابن سوار فى المستنير ولم يذكر غيره وكذلك أبو الحسن بن فارس فى جامعه وهو اختيار أبى العز القلانسى وابن شيطا والحافظ أبى العلاء فيما نقله عنهم ابن مؤمن فى الكنز وهو مذهب سائر من جعل التكبير لأول السورة وذكره صاحب التجريد وصاحب التيسير عن بعض أهل الأداء وقال فيه وفى جامع البيان إنه قرأ به على أبى القاسم الفارسى عن النقاش عن أبى ربيعة عن البزى وهذه طريق التيسير وقال إنه اختيار أبى بكر الشذائى وغيره من المقرئين وذكره المهدوى أيضا ( قلت ) وهذا من المواضع التى خرج فيها عن طرق التيسير اختيارا منه وحكاه أبو معشر الطبرى فى تلخيصه وهو الوجه الثانى فى الكافى ونص عليه فى المبهج عن البزى من غير طريق الخزاعى عنه وعن قنبل من غير طريق ابن خشنام وابن الشارب ولم يذكر فى كفايته سواه وقال أبو على فى الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به وكذلك حكى أبو العز فى الارشاد الاتفاق عليه وكذا فى الكفاية الا من طريق الفحام والمطوعى فانهما قالا إن شئت وقفت على التكبير يعنى بعد قطعه عن السورة الماضية وابتدأت بالتسمية موصولة بالسورة وهذا الوجه يأتى فى الثلاثة الباقية وهو الثانى منها وكذا ذكر الحافظ أبو العلاء فى الغاية قال سوى الفحام ثم ذكر له التخيير بين هذا الوجه وبين الوجه المتقدم كما قال أبو العز والوجه الثانى منهما قطع التكبير عن آخر السورة ووصله بالبسملة والسكت على البسملة ثم الابتداء بأول السورة وهو ( فحدث )

٤٣٣

الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) نص عليه ابن مؤمن فى الكنز وهو ظاهر من كلام الشاطبى ونص عليه الفاسى فى شرحه ومنعه الجعبرى ولا وجه لمنعه إلا على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة والا فعلى أن يكون لأولها لا يظهر لمنعه وجه إذ غايته أن يكون كالاستعاذة ولا شك فى جواز وصلها بالبسملة وقطع البسملة عن القراءة كما تقدم فى بابها وهذان الوجهان يظهران من نص الإمام أبى الحسن السعيدى الذى ذكرناه فى حكم الاتيان به فى الصلاة والله أعلم.

وأما الثلاثة الأوجه الباقية الجائزة على كل من التقديرين ( فالأول ) منها وصل الجميع أى وصل التكبير بآخر السورة والبسملة به وبأول السورة وهو ( فحدث ) الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) نص عليه الدانى والشاطبى والشراح وذكره فى التجريد وهو اختيار صاحب الهداية ونقله فى المبهج عن البزى من طريق الخزاعى.

( والثانى ) منها قطع التكبير عن آخر السورة وعن البسملة ووصل البسملة بأول السورة وهو ( فَحَدِّثْ ) الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) نص عليه أبو معشر فى التلخيص واختاره المهدوى ونص عليه أيضا ابن مؤمن وقال إنه اختيار طاهر بن غلبون ( قلت ) ولم أره فى التذكرة وذكره صاحب التجريد ونقله فيه أيضا عن شيخه الفارسى وهو الذى ذكره أبو العز فى الكفاية عن الفحام والمطوعى كما قدمنا وكذا نقله أبو العلاء الحافظ عن الفحام ويظهر من كلام الشاطبى ونص عليه الفاسى والجعبرى وغيرهما من الشراح وهو ظاهر نص الإمام أبى عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى فى كتابه المنهاج فى شعب الإيمان قال بعد أن ذكر التكبير من ( وَالضُّحى ) إلى آخر ( الناس ) وصفة التكبير فى أواخر هذه السور أنه كلما ختم سورة وقف وقفة ثم قال الله أكبر ووقف وقفة ثم ابتدأ السورة التى تليها إلى آخر القرآن ثم كبر.

٤٣٤

( والثالث ) منها ـ قطع الجميع أى قطع التكبير عن السورة الماضية وعن البسملة وقطع البسملة عن السورة الآتية وهو ( فَحَدِّثْ ) الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) يظهر هذا الوجه من كلام الحافظ أبى عمرو فى جامع البيان حيث قال فان لم توصل يعنى التسمية بالتكبير جاز القطع عليها وذلك بعد أن قدم جواز القطع على التكبير ثم ذكر القطع على آخر السورة فكان هذا الوجه كالنص من كلامه ونص عليه ابن مؤمن فى الكنز وكل من الفاسى والجعبرى فى الشرح وهو ظاهر من كلام الشاطبى ولكن ظاهر كلام مكى المتقدم منعه بل هو صريح نصه فى الكشف حيث منع فى وجه البسملة بين السورتين قطعها عن الماضية والآتية كما تقدم التنبيه عليه فى باب البسملة ولا وجه لمنع هذا الوجه على كلا التقديرين والحاصل أن هذه الأوجه السبعة جائزة على ما ذكرنا عمن ذكرنا قرأت بها على كل من قرأت عليه من الشيوخ وبها آخذ ونص عليها كلها الاستاذ أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطى فى كنزه ويتأتى على كل من التقديرين المذكورين خمسة أوجه وهى الوجهان المختصان بأحد التقديرين والثلاثة الجائزة على التقديرين وبقى هنا تنبيهات ( الأول ) المراد بالقطع والسكت فى هذه الأوجه كلها هو الوقف المعروف لا القطع الذى هو الاعراب ولا السكت الذى هو دون تنفس ، هذا هو الصواب كما قدمنا فى باب البسملة وكما صرح به أبو العباس المهدوى حيث قال فى الهداية ويجوز أن تقف على آخر السورة وتبدأ بالتكبير أو تقف على التكبير وتبدأ بالبسملة ولا ينبغى أن يقف على البسملة ومكى فى تبصرته بقوله ولا يجوز الوقف على التكبير دون أن تصله بالبسملة وأبو العز بقوله واتفق الجماعة يعنى رواة التكبير أنهم يقفون فى آخر كل سورة ويبتدئون بالتكبير ، والحافظ أبو العلاء بقوله : وكلهم يسكت على خواتيم السور ثم يبتدئ بالتكبير غير الفحام عن رجاله فانه خير بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير ، وعلم بذلك أنه أراد بالسكت المتقدم

٤٣٥

الوقف وصاحب التجريد بقوله وذكر الفارسى فى روايته أنك تقف فى آخر كل سورة وتبتدئ بالتكبير منفصلا من التسمية وابن سوار بقوله وصفته أن يقف ويبتدئ الله أكبر بسم الله الرّحمن الرّحيم وصرح به أيضا غير واحد كابن شريح وسبط الخياط والدانى والسخاوى وأبى شامة وغيرهم وزعم الجعبرى أن المقصود بالقطع فى قولهم هو السكت المعروف كما زعم ذلك فى البسملة قال فى شرح قول الشاطبى فان شئت فاقطع دونه. معنى قوله فان شئت فاقطع أى فاسكت ولو قالها لأحسن إذا القطع عام فيه والوقف انتهى. وهو شىء انفرد به لم يوافقه أحد عليه ولعله توهم ذلك من قول بعض أهل الأداء كمكى والحافظ الدانى حيث عبرا بالسكت عن الوقف فحسب أنه السكت المصطلح عليه ولم ينظر آخر كلامهم ولا ما صرحوا به عقيب ذلك وأيضا فقد قدمنا فى أول كتابنا هذا عند ذكر السكت أن المتقدمين إذا أطلقوه لا يريدون به إلا الوقف وإذا أرادوا به السكت المعروف قيدوه بما يصرفه اليه ( الثانى ) ليس الاختلاف فى هذه الأوجه السبعة اختلاف رواية يلزم الاتيان بها كلها بين كل سورتين وإن لم يفعل يكن اختلالا فى الرواية بل هو من اختلاف التخيير كما هو مبين فى باب البسملة عند ذكر الأوجه الثلاثة الجائزة ثم. نعم الاتيان بوجه مما يختص بكون التكبير لآخر السورة وبوجه مما يختص بكونه لأولها أو بوجه مما يحتملهما متعين إذ الاختلاف فى ذلك اختلاف رواية فلا بد من التلاوة به إذا قصد جمع تلك الطرق. وقد كان الحاذقون من شيوخنا يأمروننا بأن نأتى بين كل سورتين بوجه من الخمسة لأجل حصول التلاوة بجميعها وهو حسن ولا يلزم ، بل التلاوة بوجه منها إذا حصل معرفتها من الشيخ كاف والله أعلم ( الثالث ) التهليل مع التكبير مع الحمدلة عند من رواه حكمه حكم التكبير لا يفصل بعضه من بعض بل يوصل جملة واحدة ، كذا وردت الرواية وكذا

٤٣٦

قرأنا لا نعلم فى ذلك خلافا وحينئذ فحكمه مع آخر السورة والبسملة وأول السورة الأخرى حكم التكبير تأتى معه الأوجه السبعة كما فصلنا إلا أنى لا أعلمنى قرأت بالحمدلة بعد سورة الناس ومقتضى ذلك لا يجوز مع وجه الحمدلة سوى الأوجه الخمسة الجائزة مع تقدير كون التكبير لأول السورة وعبارة الهذلى لا تمنع التقدير الثانى والله أعلم. نعم يمتنع وجه الحمدلة من أول الضحى لأن صاحبه لم يذكره فيه والله أعلم.

( الرابع ) ترتيب التهليل مع التكبير والبسملة على ما ذكرنا لازم لا يجوز مخالفته. كذلك وردت الرواية وثبت الأداء ، وما ذكره الهذلى عن قنبل من طريق نظيف فى تقديم البسملة على التكبير غير معروف ولا يصح أيضا لأن جميع من ذكر طريق نظيف عنه سوى الهذلى لم يذكر عنه سوى تقديم التكبير على البسملة وهو اجماع منهم على ذلك وأيضا فان الهذلى أسند هذه الطريق من قراءته على أبى العباس بن هاشم عن أبى الطيب بن غلبون عنه ولم يذكر ذلك ابن غلبون فى ارشاده ولا فى غيره ولا ذكره أحد ممن روى هذه الطريق أيضا عن ابن غلبون المذكور فعلم ان ذلك لم يصح والله أعلم.

( الخامس ) لا يجوز التكبير فى رواية السوسى إلا فى وجه البسملة بين السورتين لأن راوى التكبير لا يجيز بين السورتين سوى البسملة ويحتمل معه كل من الأوجه المتقدمة إلا أن القطع على الماضية أحسن على مذهبه لأن البسملة عنده ليست آية بين السورتين كما هى عند ابن كثير بل هى عنده للتبرك وكذلك لا يجوز له التكبير من أول الضحى لأنه خلاف روايته والله أعلم ( السادس ) لا تجوز الحمدلة مع التكبير إلا أن يكون التهليل معه ، كذا وردت الرواية ويمكن أن يشهد لذلك ما قاله ابن جرير : كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال ( لا إله إلا الله ) يتبعها ( بالحمد لله ) عملا بقوله : ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) الآية ثم روى عن ابن عباس : من قال ( لا إله إلا الله ) فليقل

٤٣٧

على أثرها « الحمد لله رب العالمين » وذلك قوله ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).

( السابع ) قال الحافظ أبو عمرو فى الجامع وإذا وصل القارئ أواخر السور بالتكبير وحده كسر ما كان آخر هن ساكنا كان أو متحركا قد لحقه التنوين فى حال نصبه أو خفضه أو رفعه لسكون ذلك وسكون اللام من اسم الله تعالى فالساكن نحو قوله ( فَحَدِّثْ ) الله أكبر ، و ( فَارْغَبْ ) الله أكبر وما أشبهه ؛ والمتحرك المنون نحو قوله تعالى ( تَوَّاباً ) الله أكبر ، و ( لَخَبِيرٌ ) الله أكبر ، و ( مِنْ مَسَدٍ ) الله أكبر ، وما أشبهه وإن تحرك آخر السورة بالفتح أو الخفض أو الرفع ولم يلحق هذه الحركات الثلاث تنوين فتح المفتوح من ذلك وكسر المكسور وضم المضموم لا غير فالمفتوح نحو قوله ( الْحاكِمِينَ ) الله أكبر ، و ( إِذا حَسَدَ ) الله أكبر وما أشبهه والمكسور نحو قوله ( عَنِ النَّعِيمِ ) الله أكبر ، و ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) الله أكبر وما أشبهه والمضموم نحو قوله : ( هُوَ الْأَبْتَرُ ) الله أكبر وما أشبهه وإن كان آخر السورة هاء ضمير موصولة بواو فى اللفظ تحذف صلتها للساكنين سكونها وسكون اللام بعدها نحو قوله ( لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) الله أكبر ، و ( شَرًّا يَرَهُ ) الله أكبر وألف الوصل التى فى أول اسم الله تعالى ساقطة فى جميع ذلك فى حال الدرج استغناءا عنها بما اتصل من أواخر السور بالساكن الذى تجتلب لأجله واللام مع الكسرة مرققة ومع الفتحة والضمة مفخمة انتهى. وهو مما لا أعلم فيه خلافا بين أهل الأداء الذاهبين إلى وصل التكبير بآخر السورة ولم يختر أحد منهم فى شىء من أواخر السور ما اختار فى الأربع الزهر عند ( ويل ) ولا عند ( الْأَبْتَرُ ) الله أكبر ولا عند ( حَسَدَ ) الله أكبر ولا لا فى نحو ذلك وإنما نبهت على هذا لأنى رأيت بعض من لا علم له بأصول الروايات ينكر مثل ذلك فلهذا تعرضت له وحكيت نص الدانى وتمثيله به بحروفه فاعلم ذلك ( الثامن ) إذا وصل القارئ التهليل بآخر السورة أبقى ما كان من أواخر

٤٣٨

السور على حاله سواء كان متحركا أو ساكنا إلا أن يكون تنوينا فانه يدغم نحو ( لَخَبِيرٌ ) لا إله إلا الله ، و ( مُمَدَّدَةٍ ) لا إله إلا الله وكذلك لا يعتبرون فى شىء من أواخر السور عند « لا » ما اعتبروه معها فى وجه الوصل بين السورتين ( فَلا أُقْسِمُ ) وغيرها والله تعالى أعلم. ويجوز اجراء وجه مد ( لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) عند من أجرى المد للتعظيم كما قدمنا فى باب المد بل كان بعض من أخذنا عنه من شيوخنا المحققين يأخذون بالمد فيه مطلقا مع كونهم لم يأخذوا بالمد للتعظيم فى القرآن ويقولون إنما قصر ابن كثير المنفصل فى القرآن وهذا المراد به هنا هو الذكر فيأخذ بما يختار فى الذكر وهو المد للتعظيم فى الذكر مبالغة للنفى كما نص عليه العلماء وأكثر من رأينا لا يأخذ فيه إلا بالقصر مشيا على قاعدته فى المنفصل وذلك كله قريب مأخوذ به والله أعلم ( التاسع ) إذا قرئ برواية التكبير وإرادة القطع على آخر سورة فمن قال إن التكبير لآخر السورة كبر وقطع القراءة وإذا أراد الابتداء بعد ذلك بسمل للسورة من غير تكبير. وأما على مذهب من يقول إن التكبير لأول السورة فإنه يقطع على آخر السورة من غير تكبير فإذا ابتدأ بالسورة التى تليها بعد ذلك ابتدأ بالتكبير إذ لا بد من التكبير إما لآخر السورة أو لأولها حتى لو سجد فى آخر العلق فإنه يكبر أولا لآخر السورة ثم يكبر للسجدة على القول بأن التكبير للآخر وأما على القول بأنه للأول فإنه يكبر للسجدة فقط ثم يبتدئ بالتكبير لسورة القدر وكذا الحكم لو كبر فى الصلاة فإنه يكبر لآخر السورة ثم يكبر للركوع على القول الأول أو يكبر للركوع ثم يكبر بعد الفاتحة لابتداء السورة على القول الآخر والله أعلم ( العاشر ) لو قرأ القارئ بالتكبير لحمزة بين السورتين على رأى بعض من أجازه له فلا بد له من البسملة معه. فان قيل كيف تجوز البسملة لحمزة بين السورتين ( فالجواب ) أن القارئ ينوى الوقف على آخر السورة فيصير مبتدئا للسورة

٤٣٩

الآتية وإذا ابتدأ وجبت البسملة وهذا سائغ جائز لا شبهة فيه ولقد كان بعض شيوخنا المعتبرين إذا وصل القارئ عليه فى الجمع إلى قصار الفصل وخشى التطويل بما يأتى بين السورتين من الأوجه يأمر القارئ بالوقف ليكون مبتدئا فتسقط الأوجه التى تكون للقراء من الخلاف بين السورتين ولا أحسبهم إلا أثروا ذلك عمن أخذوا عنه والله أعلم

الفصل الرابع فى أمور تتعلق بختم القرآن العظيم

منها أنه ورد نصا عن ابن كثير من رواية البزى وقنبل وغيرهما أنه كان إذا انتهى فى آخر الختمة إلى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) قرأ سورة ( الحمد لله رب العالمين ) وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفيين وهو إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) لأن هذا يسمى الحال المرتحل ثم يدعو بدعاء الختمة. قال الحافظ أبو عمرو لابن كثير فى فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف فيها عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين ثم قال قرأت على عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن عمر.

ثنا العباس بن أحمد البرتى ثنا عبد الوهاب بن فليح المكى ثنا عبد الملك بن عبد الله بن سعوة عن خاله وهب بن زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبى بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) افتتح من الحمد ثم قرأ من البقرة إلى ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام.

حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده حسن إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهانى وأبا بكر الزينبى خالفا أبا طاهر بن أبى هاشم وغيره فروياه عن ابن سعوة عن خاله وهب بن زمعة عن أبيه زمعة عن ابن كثير وهو الصواب والله أعلم وقد ساق الحافظ أبو العلاء الهمدانى طرقه فى آخر مفردته لابن كثير فقال فيما أخبرنا

٤٤٠