النشر فى القراءات العشر - ج ٢

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي

النشر فى القراءات العشر - ج ٢

المؤلف:

الحافظ أبي الخير محمّد بن محمّد الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

القراء على ترقيق هذه الراآت المتطرفات وصلا كما أنهم أجمعوا على ترقيقها مبتدأة ومتوسطة إذا كانت مكسورة. فأما الوقف عليها إذا كانت آخرا فسنذكره فى فصل بعد ذلك إن شاء الله.

وأما الراء الساكنة فتكون أيضا أولا ووسطا وآخرا وتكون فى ذلك كله بعد ضم وفتح وكسر. فمثالها أولا بعد فتح ( وَارْزُقْنا ). ( وَارْحَمْنا ) وبعد ضم : ( ارْكُضْ ) وبعد كسر ( يا بُنَيَّ ارْكَبْ ). و ( أَمِ ارْتابُوا ). و ( رب ارجعونى ) ، و ( الَّذِي ارْتَضى ) ، و ( لِمَنِ ارْتَضى ) فالتى بعد فتح لا بدّ أن تقع بعد حرف عطف. والتى بعد ضم تكون بعد همزة الوصل ابتداء وقد تكون كذلك بعد ضم وصلا. وقد تكون بعد كسر على اختلاف بين القراء كما مثلنا به فإن قوله تعالى : بعذاب اركض يقرأ بضم التنوين قبل على قراءة نافع وابن كثير والكسائى وابى جعفر وخلف وهشام. ويقرأ بالكسر على قراءة أبى عمرو وعاصم وحمزة وأبى يعقوب وابن ذكوان فهى مفخمة على كل حال لوقوعها بعد ضم ولكون الكسرة عارضة وكذلك ( أَمِ ارْتابُوا ). و ( يا بُنَيَّ ارْكَبْ ). و ( رب ارجعونى ) ونحوه فتفخيمها أيضا ظاهر. وأما قوله تعالى ( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا ). و ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي ) ، و ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا ). و ( الَّذِينَ ارْتَدُّوا ) ، و ( تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ) فلا تقع الكسرة قبل الراء فى ذلك ونحوه إلا فى الابتداء فهى أيضا فى ذلك مفخمة لعروض الكسر قبلها وكون الراء فى ذلك أصلها التفخيم.

وأما الراء الساكنة المتوسطة فتكون أيضا بعد فتح وضم وكسر. فمثالها بعد الفتح ( بَرْقٌ ). و ( خَرْدَلٍ ). ( وَالْأَرْضِ ). و ( يَرْجِعُونَ ). و ( الْعَرْشِ ). و ( الْمَرْجانُ ) و ( وَرْدَةً ) و ( صَرْعى ). فالراء مفخمة فى ذلك كله لجميع القراء لم يأت عن أحد منهم خلاف فى حرف من الحروف سوى ثلاث كلمات وهى ( قَرْيَةً ). ( وَمَرْيَمَ ) ، و ( الْمَرْءِ ) فأما ( قَرْيَةً ) حيث وقعت ( وَمَرْيَمَ ) فنص على الترقيق فيهما لجميع القراء أبو عبد الله ابن سفيان وأبو محمد مكى وأبو العباس المهدوى وأبو عبد الله بن شريح وأبو القاسم

١٠١

ابن الفحام وأبو على الأهوازى وغيرهم من أجل سكونها ووقوع الياء بعدها وقد بالغ أبو الحسن الحصرى فى تغليط من يقول بتفخيم ذلك فقال :

وإن سكنت والياء بعد كمريم

فرقق وغلط من يفخم عن قهر

وذهب المحققون وجمهور أهل الأداء إلى التفخيم فيهما وهو الذى لا يوجد نص على أحد من الأئمة المتقدمين بخلافه وهو الصواب وعليه العمل فى سائر الأمصار وهو القياس الصحيح. وقد غلط الحافظ أبو عمرو الدانى وأصحابه القائلين بخلافه وذهب بعضهم إلى الأخذ بالترقيق لورش من طريق الأزرق وبالتفخيم لغيره وهو مذهب أبى على بن بليمة وغيره والصواب المأخوذ به هو التفخيم للجميع لسكون الراء بعد فتح ولا أثر لوجود الياء بعدها فى الترقيق ولا فرق بين ورش وغيره فى ذلك والله أعلم. وأما ( الْمَرْءِ ) من قوله تعالى ( بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ، و ( الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) فذكر بعضهم ترقيقها لجميع القراء من أجل كسرة الهمزة بعدها واليه ذهب الاهوازى وغيره وذهب كثير من المغاربة إلى ترقيقها لورش من طريق المصريين وهو مذهب أبى بكر الأدفوي وأبى القاسم بن الفحام وزكريا بن يحيى ومحمد بن خيرون وأبى على بن بليمة وأبى الحسن الحصرى وهو أحد الوجهين فى جامع البيان والتبصرة والكافى إلا أنه قال فى التبصرة إن المشهور عن ورش الترقيق وقال ابن شريح التفخيم أكثر وأحسن وقال الحصرى :

ولا تقرأن را المرء إلا رقيقة

لدى سورة الانفال أو قصة السحر

وقال الدانى وقد كان محمد بن على وجماعة من أهل الأداء من أصحاب ابن هلال وغيره يروون عن قراءتهم ترقيق الراء فى قوله ( بَيْنَ الْمَرْءِ ) حيث وقع من أجل جرة الهمزة وقال وتفخيمها أقيس لأجل الفتحة قبلها وبه قرأت انتهى. والتفخيم هو الأصح والقياس لورش وجميع القراء وهو الذى لم يذكر فى الشاطبية والتيسير والكافى والهادى والهداية وسائر أهل الأداء سواه

١٠٢

وأجمعوا على تفخيم ( تَرْمِيهِمْ ) ، و ( فِي السَّرْدِ ) ، و ( رب العرش والأرض ) ونحوه ولا فرق بينه وبين ( الْمَرْءِ ) والله أعلم.

ومثالها بعد الضم ( الْقُرْآنُ ) ، ( وَالْفُرْقانَ ) ، و ( الْغُرْفَةَ ) ، و ( كُرْسِيُّهُ ) ، و ( الْخُرْطُومِ ) و ( تُرْجِي ) ، و ( سَأُرْهِقُهُ ) ، و ( زُرْتُمُ ) فلا خلاف فى تفخيم الراء فى ذلك كله. ومثالها بعد الكسرة ( فِرْعَوْنَ ) ، و ( شِرْعَةً ) ، و ( لَشِرْذِمَةٌ ) ، و ( مِرْيَةٍ ) ، و ( الْفِرْدَوْسِ ) ، و ( أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) ، و ( أُحْصِرْتُمْ ) ، و ( اسْتَأْجِرْهُ ) ، و ( أُمِرْتُ ) ، و ( ينفطرن ) ، و ( قَرْنَ ) فأجمعوا على ترقيق الراء فى ذلك كله لوقوعها ساكنة بعد كسر. فان وقع بعدها حرف استعلاء فلا خلاف فى تفخيمها من أجل حرف الاستعلاء والذى ورد منها فى القرآن ساكنة بعد كسر وبعدها حرف استعلاء ( قِرْطاسٍ ) فى الانعام و ( فِرْقَةٍ ) ، و ( إِرْصاداً ) فى التوبة و ( مِرْصاداً ) فى النبأ و ( لَبِالْمِرْصادِ ) فى الفجر ؛ وقد شذ بعضهم فحكى ترقيق ما وقع بعد حرف استعلاء من ذلك عن ورش من طريق الازرق كما ذكره فى الكافى وتلخيص ابن بليمة فى أحد الوجهين وهو غلط والصواب ما عليه عمل أهل الأداء والله أعلم.

واختلفوا فى ( فِرْقٍ ) من سورة الشعراء من أجل كسر حرف الاستعلاء وهو القاف فذهب جمهور المغاربة والمصريين إلى ترقيقه وهو الذى قطع به فى التبصرة والهداية والهادى والكافى والتجريد وغيرها وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم وهو الذى يظهر من نص التيسير وظاهر العنوان والتلخيصين وغيرها وهو القياس ونص على الوجهين صاحب جامع البيان والشاطبية والاعلان وغيرها. والوجهان صحيحان إلا أن النصوص متواترة على الترقيق.

وحكى غير واحد عليه الاجماع وذكر الدانى فى غير التيسير والجامع أن من الناس من يفخم راء ( فِرْقٍ ) من أجل حرف الاستعلاء قال والمأخوذ به الترقيق لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته لتحركه بالكسر انتهى. والقياس

١٠٣

اجراء الوجهين فى ( فِرْقَةٍ ) حالة الوقف لمن أمال هاء التأنيث ولا أعلم فيها نصا والله أعلم.

وأما ( مِرفَقاً ) فقد ذكر بعض أهل الأداء تفخيمها لمن كسر الميم من أهل البصرة والكوفة من أجل زيادة الميم وعروض كسرتها وبه قطع فى التجريد وحكاه فى الكافى أيضا عن كثير من القراء ولم يرجح شيئا والصواب فيه الترقيق وان الكسرة فيه لازمة وان كانت الميم زائدة كما سيأتى ولو لا ذلك لم يرقق ( إِخْراجاً ) و ( الْمِحْرابَ ) لورش ولا فخمت ( إِرْصاداً ) ، والمرصاد من أجل حرف الاستعلاء وهو مجمع عليه والله أعلم. وسيأتى بيان ذلك آخر الباب.

وأما الراء الساكنة المتطرفة فتكون كذلك بعد فتح وبعد ضم وبعد كسر فمثالها بعد الفتح : ( يَغْفِرَ ) ، و ( لَمْ يَتَغَيَّرْ ) ، و ( لا يَسْخَرْ ) ، و ( لا تَذَرُ ) ، و ( فَلا تَقْهَرْ ) ، أو ( فَلا تَنْهَرْ ) ومثالها بعد الضم ( فَانْظُرْ ) ، و ( أَنْ أَشْكُرَ ) ، ( فَلا تَكْفُرْ ) فلا خلاف فى تفخيم الراء فى جميع ذلك لجميع القراء. ومثالها بعد الكسر ( اسْتَغْفِرْ ) ، و ( يَغْفِرَ ) و ( أَبْصَرَ ). و ( قَدِّرْ ). و ( اصْبِرْ ) ، و ( اصْطَبِرْ ) ، و ( لا تصاعر ) ولا خلاف فى ترقيق الراء فى ذلك كله لوقوعها ساكنة بعد الكسر ولا اعتبار بوجود حرف الاستعلاء بعدها فى هذا القسم لانفصاله عنها وذلك نحو ( فَاصْبِرْ صَبْراً ) ؛ و ( أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ) ، و ( لا تصاعر خدك )

فصل فى الوقف على الراء

قد تقدم أقسام الراء المتطرفة وهى لا تخلو فى الوصل إما أن تكون ساكنة أو متحركة فإن كانت ساكنة نحو ( اذْكُرْ ) ؛ ( فَلا تَنْهَرْ ) ، و ( أَنْذِرْ قَوْمَكَ ) أو كانت مفتوحة نحو ( أَمَرَ ) ، و ( لتفجر ) ، و ( لَنْ نَصْبِرَ ) ، و ( السِّحْرَ ) ، و ( الْخَيْرِ ) ، و ( الْحَمِيرَ ) أو كانت مكسورة لالتقاء الساكنين نحو و ( اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) ، و ( أَنْذِرِ النَّاسَ ) أو كانت

١٠٤

كسرتها منقولة نحو و ( انْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ ) ، و ( انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ) و ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) فان الوقف على جميع ذلك بالسكون لا غير. وإن كانت مكسورة والكسرة فيها للاعراب نحو ( بِالْبِرِّ ) ، و ( نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ ). و ( بِالْحُرِّ ). و ( إِلَى الْخَيْرِ ). و ( لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) أو كانت كسرتها للاضافة إلى ياء المتكلم نحو ( نَذْرٍ ) ، و ( نَكِيرِ ) أو كانت الكسرة فى عين الكلمة نحو ( يَسِّرْ ) فى الفجر و ( الْجَوارِ ) فى الشورى. والرحمن. والتكوير و ( هارٍ ) فى التوبة. على ما فيه من القلب كما قدمنا. ونحو ذلك مما الكسرة فيه ليست منقولة ولا لالتقاء الساكنين جاز فى الوقف عليها الروم والسكون كما سيأتى فى بابه. وإن كانت مرفوعة نحو ( قُضِيَ الْأَمْرُ ) ، و ( الْكِبَرُ ). و ( الْأُمُورُ ) و ( النُّذُرُ ). و ( الْأَشِرُ ). و ( الْخَيْرِ ). و ( الغير ) جاز الوقف فى جميع ذلك بالروم والاشمام والسكون كما سنذكره فى موضعه. إذا تقرر هذا فاعلم أنك متى وقفت على الراء بالسكون أو بالإشمام نظرت الى ما قبلها. فان كان قبلها كسرة أو ساكن بعد كسرة أو ياء ساكنة أو فتحة ممالة أو مرققة نحو ( بُعْثِرَ ). و ( الشِّعْرَ ) ، و ( الْخَنازِيرَ ) ؛ و ( لا ضَيْرَ وَنَذِيرٌ ) ، و ( نَكِيرِ ) ، و ( الْعِيرَ ) ، و ( الْخَيْرُ ) و ( بِالْبِرِّ ). و ( الْقَناطِيرِ ) ؛ و ( إِلَى الطَّيْرِ ) ؛ و ( فى الدار ) و ( كِتابَ الْأَبْرارِ ) عند من أمال الألف و ( بِشَرَرٍ ) عند من رقق الراء رققت الراء وان كان قبلها غير ذلك فخمتها. هذا هو القول المشهور المنصور. وذهب بعضهم إلى الوقف عليها بالترقيق إن كانت مكسورة لعروض الوقف كما سيأتى فى التنبيهات آخر الباب. ولكن قد يفرق بين الكسرة العارضة فى حال واللازمة بكل حال كما سيأتى والله أعلم ، ومتى وقفت عليها بالروم اعتبرت حركتها فإن كانت كسرة رققتها للكل وإن كانت ضمة نظرت إلى ما قبلها فإن كان كسرة أو ساكن بعد كسرة أو ياء ساكنة رققتها لورش وحده من طريق الأزرق وفخمتها للباقين وإن لم يكن قبلها شىء من ذلك فخمتها للكل إلا اذا كانت مكسورة فان بعضهم يقف عليها بالترقيق. وقد يفرق بين كسرة البناء وكسرة الإعراب كما سنذكره آخر الباب ( فالحاصل ) من هذا أن الراء المتطرفة اذا سكنت فى الوقف جرت

١٠٥

مجرى الراء الساكنة فى وسط الكلمة تفخم بعد الفتحة والضمة نحو ( الْعَرْشِ ) و ( كُرْسِيُّهُ ) وترقق بعد الكسرة نحو ( لَشِرْذِمَةٌ ) وأجريت الياء الساكنة والفتحة الممالة قبل الراء المتطرفة اذا سكنت مجرى الكسرة وأجرى الاشمام فى المرفوعة مجرى السكون واذا وقف عليها بالروم جرت مجراها فى الوصل والله أعلم

تنبيهات

( الأول ) اذا وقعت الراء طرفا بعد ساكن هو بعد كسرة وكان ذلك الساكن حرف استعلاء ووقف على الراء بالسكون وذلك نحو مصر. و ( عَيْنَ الْقِطْرِ ) فهل يعتد بحرف الاستعلاء فتفخم أم لا يعتد فترقق؟ رأيان لأهل الأداء فى ذلك فعلى التفخيم نص الإمام أبو عبد الله بن شريح وغيره وهو قياس مذهب ورش من طريق المصريين وعلى الترقيق نص الحافظ أبو عمرو الدانى فى كتاب الراآت وفى جامع البيان وغيره وهو الأشبه بمذهب الجماعة لكنى أختار فى مصر التفخيم ، وفى ( قَصْرٍ ) الترقيق نظرا للوصل وعملا بالأصل والله أعلم ( الثانى ) اذا وقفت بالسكون على ( بِشَرَرٍ ) لمن يرقق الراء الأولى رققت الثانية وإن وقعت بعد فتح وذلك أن الراء الأولى إنما رققت فى الوصل من أجل ترقيق الثانية فلما وقف عليها رققت الثانية من أجل الأولى فهو فى الحالين ترقيق لترقيق كالامالة للامالة ( الثالث ) إذا وقفت على نحو ( الدَّارُ ) ، و ( النَّارُ ) ، و ( النَّهارِ ) ، و ( الْقَرارُ ) ، و ( الْأَبْرارِ ) لأصحاب الإمالة فى نوعيها رققت الراء بحسب الامالة وشذ مكى بالتفخيم لورش مع إمالة بين بين فقال فى آخر باب الإمالة فى الوقف لورش بعد أن ذكر أنه يختار له الروم قال ما نصه : فإذا وقفت له بالاسكان وتركت الاختيار وجب أن تغلظ الراء لأنها تصير ساكنة قبلها فتحة قال ويجوز أن تقف بالترقيق كالوصل لأن الوقف عارض والكسر منوى.

١٠٦

وقال فى آخر باب الراآت : فأما ( النَّارَ ) فى موضع الخفض فى قراءة ورش فتقف إذا سكنت بالتغليظ والاختيار أن تروم الحركة فترقق إذا وقفت انتهى.

وهو قول لا يعول عليه ولا يلتفت إليه بل الصواب الترقيق من أجل الامالة سواء أسكنت أم رمت لا نعلم فى ذلك خلافا وهو القياس وعليه أهل الاداء والله أعلم.

( الرابع ) إذا وصلت : ذكرى الدار. لورش من طريق الأزرق رققت الراء من أجل كسرة الذال فإذا وقفت رققتها من أجل ألف التأنيث وهذه مسألة نبه عليها أبو شامة رحمه‌الله وقال : لم أر أحدا نبه عليها فقال إن ( ذِكْرَى الدَّارِ ) وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا فلا يمتنع ترقيق رائها فى مذهب ورش على أصله لوجود مقتضى ذلك وهو الكسر قبلها ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما فيتحد لفظ الترقيق وإمالة بين بين فى هذا فكأنه أمال الألف وصلا انتهى. وقد أشار إليها أبو الحسن السخاوى وذكر أن الترقيق فى ( ذِكْرَى الدَّارِ ) من أجل الياء لا من أجل الكسر انتهى. ومراده بالترقيق الامالة وفيما قاله من ذلك نظر بل الصواب أن ترقيقها من أجل الكسر ( الخامس ) الكسرة تكون لازمة وعارضة فاللازمة ما كانت على حرف أصلى أو منزل منزلة الأصلى يخل إسقاطه بالكلمة والعارضة بخلاف ذلك.

وقيل العارضة ما كانت على حرف زائد. واليه ذهب صاحب التجريد وغيره وتظهر فائدة الخلاف فى ( مِرفَقاً ) فى قراءة من كسر الميم وفتح الفاء وهم أبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة والكسائى وخلف كما تقدم ، فعلى الأول تكون لازمة فترقق الراء معها وعلى الثانى تكون عارضة فتفخم والأول هو الصواب لإجماعهم على ترقيق ( الْمِحْرابَ ) و ( إِخْراجاً ) لورش وأن تفخيم ( مِرْصاداً ) ، والمرصاد من أجل حرف الاستعلاء بعد لا من أجل عروض الكسرة قبل كما قدمنا

١٠٧

( السادس ) اختلف القراء فى أصل الراء هل هو التفخيم وإنما ترقيق لسبب أو أنها عرية عن وصفى الترقيق والتفخيم فتفخم لسبب وترقق لآخر؟

فذهب الجمهور إلى الأول واحتج له مكى فقال : إن كل راء غير مكسورة فتغليظها جائز وليس كل راء فيها الترقيق ؛ ألا ترى أنك لو قلت ( رَغَداً ) ، و ( رقد ) ونحوه بالترقيق لغيرت لفظ الراء إلى نحو الامالة؟ قال وهذا مما لا يمال ولا علة فيه توجب الامالة انتهى ، واحتج غيره على أن أصل الراء التفخيم بكونها متمكنة فى ظهر اللسان فقربت بذلك من الحنك الأعلى الذى به تتعلق حروف الاطباق وتمكنت منزلتها لما عرض لها من التكرار حتى حكموا للفتحة فيها بانها فى تقدير فتحتين كما حكموا للكسرة فيها بانها فى قوة كسرتين.

وقال آخرون ليس للراء أصل فى التفخيم ولا فى الترقيق وإنما يعرض لها ذلك بحسب حركتها فترقق مع الكسرة لتسفلها وتفخم مع الفتحة والضمة لتصعدهما فاذا سكنت جرت على حكم المجاور لها وأيضا فقد وجدناها ترقق مفتوحة ومضمومة إذا تقدمها كسرة أو ياء ساكنة فلو كانت فى نفسها مستحقة للتفخيم لبعد أن يبطل ما تستحقه فى نفسها لسبب خارج عنها كما كان ذلك فى حروف الاستعلاء. وأيضا فان التكرار متحقق فى الراء الساكنة سواء كانت مدغمة أو غير مدغمة. أما حصول التكرار فى الراء المتحركة الخفيفة فغير بين لكن الذى يصح فيها أنها تخرج من ظهر اللسان ويتصور مع ذلك أن يعتمد الناطق بها على طرف اللسان فترقق إذ ذاك أو تمكنها فى ظهر اللسان فتغلظ ولا يمكن خلاف هذا فلو نطقت بها مفتوحة أو مضمومة من ظرف اللسان وأردت تغليظها لم يمكن نحو ( الْآخِرَةَ ) ، و ( يُسِرُّونَ ) فإذا مكنتها إلى ظهر اللسان غلظت ولم يمكن ترقيقها ولا يقوى الكسر على سلب التغليظ عنها إذا تمكنت من ظهر اللسان الا أن تغليظها فى حال الكسر قبيح فى المنطق

١٠٨

لذلك لا يستعمله معتبر ولا يوجد الا فى ألفاظ العوام والنبط. وإنما كلام العرب على تمكينها من الطرف إذا انكسرت فيحصل الترقيق المستحسن فيها إذ ذاك وعلى تمكينها إلى ظهر اللسان إذا انفتحت أو انضمت فيحصل لها التغليظ الذى يناسب الفتحة والضمة. وقد تستعمل مع الفتحة والضمة من الطرف فترقق إذا عرض لها سبب كما يتبين فى هذا الباب فى رواية ورش ولا يمكن إذا انكسرت إلى ظهر اللسان لئلا يحصل التغليظ المنافر للكسرة فحصل من هذا أنه لا دليل فيما ذكروه على أن أصل الراء المتحركة التفخيم وأما الراء الساكنة فوجدناها ترقق بعد الكسرة اللازمة بشرط أن لا يقع بعدها حرف استعلاء نحو فردوس وتفخم فيما سوى ذلك فظهر أن تفخيم الراء وترقيقها مرتبط بأسباب كالمتحركة ولم يثبت فى ذلك دلالة على حكمها فى نفسها فاما تفخيمها بعد الكسرة العارضة فى نحو ( أَمِ ارْتابُوا ) فلم لا يكون حملا على المضارع إذا قلت ( يَرْتابَ ) بناء على مذهب الكوفيين فى أن صيغة الأمر مقتطعة من المضارع أو بناء على مذهب البصريين فى أن الأمر يشبه المقتطع من المضارع فلم يعتد بما عرض لها من الكسرة فى حال الأمر وعند ثبوت هذا الاحتمال لم يتعين القول بأن أصلها التفخيم ( قلت ) والقولان محتملان والثانى أظهر لورش من طرق المصريين ولذلك أطلقوا ترقيقها واتسعوا فيه كما قدمنا. وقد تظهر فائدة الخلاف فى الوقف على المكسور إذا لم يكن قبله ما يقتضى الترقيق فانه بالوقف تزول كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ على الأصل على القول الأول وترقق على القول الثانى من حيث إن السكون عارض وانه لا أصل لها فى التفخيم ترجع اليه فيتجه الترقيق. وقد أشار فى التبصرة إلى ذلك حيث قال أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعا ، ولو قال قائل إننى أقف فى جميع الباب كما أصل سواء أسكنت أو رمت لكان لقوله وجه من

١٠٩

القياس مستثبت. والأول أحسن. وممن ذهب إلى الترقيق فى ذلك صريحا أبو الحسن الحصرى فقال :

وما أنت بالترقيق واصله فقف

عليه به إذ لست فيه بمضطر

وقد خص الترقيق بورش أبو عبد الله بن شريح وأبو على بن بليمة وغيرهما وأطلقوه حتى فى الكسرة العارضة. واستثنى بعضهم كسرة النقل قال فى الكافى وقد وقف قوم عن ورش على نحو و ( اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) ، و ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ) بالترقيق كالوصل واستثنوا ( فَلْيَكْفُرْ إِنَّا ) ، و ( انْحَرْ إِنَ ) قال ولا حجة لهم الا الرواية وكذا قال ابن بليمة وزاد فقال : ومنهم من يقف بالترقيق ويصل بالترقيق ولا خلاف أنها مرققة فى الوصل انتهى. وقد قدمنا أن القول بالتفخيم حالة السكون هو المقبول المنصور وهو الذى عليه عمل أهل الأداء. وقد يفرق بين كسرة الإعراب وكسرة البناء كما أشرنا اليه فيما تقدم وننبه عليه بعد هذا والله أعلم. وتظهر أيضا فائدة الخلاف إذا نطقت بالراء ساكنة بعد همزة الوصل فى حكاية لفظ الحرف إذا قلت ( أركما ) تقول ـ اب ات ؛ فعلى القول بأن أصلها التفخيم تفخم وعلى القول الآخر ترقق وكلاهما محتمل إذ لا نعلم كيف ثبت اللفظ فى ذلك عن العرب؟ والحق فى ذلك أن يقال إن من زعم أن أصل الراء التفخيم إن كان يريد اثبات هذا الوصف للراء مطلقا من حيث إنها راء فلا دليل عليه لما مر وإن كان يريد بذلك الراء المتحركة بالفتح أو الضم وأنها لما عرض لها التحريك بإحدى الحركتين قويت بذلك على التفخيم فلا يجوز ترقيقها إذ ذاك الا إن وجد سبب وحينئذ يتصور فيها رعى السبب فترفق ورفضه فتبقى على ما استحقته من التفخيم بسبب حركتها فهذا كلام جيد والله أعلم.

( السابع ) الوقف بالسكون على ( أَنْ أَسْرِ ) فى قراءة من وصل وكسر النون يوقف عليه بالترقيق. أما على القول بأن الوقف عارض فظاهر وأما على القول الآخر فإن الراء قد اكتنفها كسرتان ، وإن زالت الثانية وقفا فإن الكسرة

١١٠

قبلها توجب الترقيق. فإن قيل إن الكسر عارض فتفخم مثل ( أَمِ ارْتابُوا ) فقد يجاب بما تقدم أن عروض الكسر هو باعتبار الحمل على أصل مضارعه الذى هو يرتاب. فهى مفخمة لعروض الكسر فيه بخلاف هذه. والأولى أن يقال كما أن الكسر قبل عارض فإن السكون كذلك عارض وليس أحدهما أولى بالاعتبار من الآخر فيلغيان جميعا ويرجع إلى كونها فى الأصل مكسورة فترقق على أصلها. وأما على قراءة الباقين وكذلك ( فَأَسْرِ ) فى قراءة من قطع ووصل فمن لم يعتد بالعارض أيضا رقق وأما على القول الآخر فيحتمل التفخيم للعروض ويحتمل الترقيق فرقا بين كسرة الإعراب وكسرة البناء إذ كان الأصل ( أَسْرى ) بالياء وحذفت الياء للبناء فبقى الترقيق دلالة على الأصل وفرقا بين ما أصله الترقيق وما عرض له وكذلك الحكم فى و ( اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) فى الوقف بالسكون على قراءة من حذف الياء فحينئذ يكون الوقف عليه بالترقيق أولى. والوقف على و ( الْفَجْرِ ) بالتفخيم أولى والله أعلم.

باب ذكر تغليظ اللامات

تقدم أن تغليظ اللام تسمينها لا تسمين حركتها. والتفخيم مرادفه ، إلا أن التغليظ فى اللام والتفخيم فى الراء. والترقيق ضدهما. وقد تطلق عليه الإمالة مجازا. وقولهم : الأصل فى اللام الترقيق أبين من قولهم فى الراء إن أصلها التفخيم وذلك أن اللام لا تغلظ إلا لسبب وهو مجاورتها حرف الاستعلاء وليس تغليظها إذ ذاك بلازم بل ترقيقها إذا لم تجاور حرف الاستعلاء اللازم. وقد اختص المصريون بمذهب عن ورش فى اللام لم يشاركهم فيها سواهم. ورووا من طريق الأزرق وغيره عن ورش تغليظ اللام إذا جاورها حرف تفخيم واتفق الجمهور منهم على تغليظ اللام إذا تقدمها صاد أو طاء أو ظاء بشروط ثلاثة وهى : أن تكون اللام مفتوحة وأن يكون أحد هذه الحروف الثلاثة مفتوحا

١١١

أو ساكنا واختلفوا فى غير ذلك. وشذ بعضهم فيها بما لم يروه غيره وسيرد عليك جميع ذلك مبينا.

أما الصاد المفتوحة فتكون اللام بعدها مخففة ومشددة فالوارد من المخففة فى القرآن ( الصَّلاةَ ) ، و ( صَلَواتِ ) ، و ( صَلاتَكَ ) ، و ( صَلاتِهِمْ ) ، وصلح ، و ( فُصِّلَتْ ) و ( يُوصَلَ ) ؛ و ( فَصَلَ طالُوتُ ) ، و ( فَصْلَ ) ، و ( مُفَصَّلاً ) ، و ( مُفَصَّلاتٍ ) ، و ( ما صَلَبُوهُ ) والوارد من المشددة صلى ، و ( يَصْلى ) ، و ( مُصَلًّى ) ، و ( يُصَلَّبُوا ) ووردت مفصولا بينها وبين الصاد بألف فى موضعين ( يصالحا ) ، و ( فِصالاً ) ( والصاد ) الساكنة الوارد منها فى القرآن ( تَصْلى ). و ( سَيَصْلى ). و ( يَصْلاها ).

و ( سَيَصْلَوْنَ ) و ( يَصْلَوْنَها ) و ( اصْلَوْهَا ) و ( فَيُصْلَبُ ). و ( مِنْ أَصْلابِكُمْ ). و ( أَصْلَحَ ). و ( أَصْلَحُوا ).

و ( إِصْلاحاً ) و ( الْإِصْلاحَ ). و ( فَصْلَ الْخِطابِ ) ( وأما الطاء ) المفتوحة فتكون اللام بعدها أيضا خفيفة وشديدة. فالوارد فى القرآن من الخفيفة ( الطَّلاقَ ). و ( انْطَلَقَ ) وانطلقوا. و ( أَطَّلَعَ ). و ( فَاطَّلَعَ ). و ( بَطَلَ ) ، و ( مُعَطَّلَةٍ ) ، و ( طَلَباً ) والوارد من الشديدة ( الْمُطَلَّقاتُ ). و ( طَلَّقْتُمُ ) و ( طَلَّقَكُنَ ). و ( طَلَّقَها ) ووردت مفصولا بينها وبين اللام فى حرف واحد وهو طال والطاء الساكنة الوارد منها فى القرآن موضع واحد وهو ( مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) فقط ( وأما الظاء ) فتكون اللام بعدها أيضا خفيفة وشديدة. فالوارد من الخفيفة فى القرآن ( ظَلَمَ ) ، و ( ظَلَمُوا ) ، و ( ما ظَلَمْناهُمْ ) ومن المشددة ( بِظَلاَّمٍ ) ، و ( ظَلَّلْنا ) و ( ظَلْتَ ) ، و ( ظَلَّ وَجْهُهُ ). « والظاء الساكنة » ورد منها فى القرآن و ( مَنْ أَظْلَمُ ) ، ( وَإِذا أَظْلَمَ ) ، و ( لا يُظْلَمُونَ ) ، ( فَيَظْلَلْنَ ) فغلظ ورش من طريق الازرق اللام فى ذلك كله. وروى بعضهم ترقيقها مع الطاء عنه كالجماعة وهو الذى فى العنوان والمجتبى والتذكرة وإرشاد ابن غلبون وبه قرأ الدانى على شيخه أبى الحسن بن غلبون وبه قرأ مكى على أبى الطيب إلا أن صاحب التجريد استثنى من قراءته على عبد الباقى من طريق ابن هلال ( الطَّلاقَ ) ، و ( طَلَّقْتُمُ ) ومنهم من رققها بعد

١١٢

الظاء وهو الذى فى التجريد وأحد الوجهين فى الكافى. وفصل فى الهداية فرقق إذا كانت الظاء مفتوحة نحو : ( ظَلَمُوا ) ، و ( ظَلَّلْنا ) وفخمها إذا كانت ساكنة نحو : ( أَظْلَمَ ) ، و ( فَيَظْلَلْنَ ). وذكر مكى ترقيقها بعدها إذا كانت مشددة من قراءته على أبى الطيب قال وقياس نص كتابه يدل على تغليظها وإن كانت مشددة. وقال الحافظ أبو عمرو الدانى ما نصه : وجماعة من أصحاب ابن هلال كالاذفوى لا يفخمها إلا مع الصاد المهملة. واختلفوا فيما إذا وقع بعد اللام ألف ممالة نحو : صلى ، وسيصلى ، ومصلى ، ويصلاها. فروى بعضهم تغليظها من أجل الحرف قبلها. وروى بعضهم ترقيقها من أجل الإمالة ففخمها فى التبصرة والكافى والتذكرة والتجريد وغيرها ورققها فى المجتبى وهو مقتضى العنوان والتيسير وهو فى تلخيص أبى معشر أقيس. والوجهان فى الكافى وتلخيص ابن بليمة والشاطبية والاعلان وغيرها. وفصل آخرون فى ذلك بين رءوس الآى وغيرها فرققوها فى رءوس الآى للتناسب وغلظوها فى غيرها لوجود الموجب قبلها وهو الذى فى التبصرة وهو الاختيار فى التجريد والارجح فى الشاطبية والأقيس فى التيسير وقطع أيضا به فى الكافى إلا أنه أجرى الوجهين فى غير رءوس الآى والذى وقع من ذلك رأس آية ثلاث مواضع : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) فى القيامة و ( ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) فى سبح ( إِذا صَلَّى ) فى العلق. والذى وقع منه غير رأس آية سبعة مواضع ( مُصَلًّى ) فى البقرة حالة الوقف ، وكذا : ( يَصْلَى النَّارَ ) فى سبح و ( يَصْلاها ) فى الإسراء والليل و ( يَصْلى ) فى الانشقاق ، و ( تَصْلى ) فى الغاشية و ( سَيَصْلى ) فى المسد. واختلفوا فيما إذا حال بين الحرف وبين اللام فيه ألف وذلك فى ثلاثة مواضع : موضعان مع الصاد وهما ( فِصالاً ) ، و ( يصالحا ) وموضع مع الطاء وهو طال. فى طه ( أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) وفى الأنبياء ( حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) وفى الحديد ( فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ) فروى كثير منهم ترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو الذى فى التيسير والعنوان

١١٣

والتذكرة وتلخيص ابن بليمة والتبصرة وأحد الوجهين فى الهداية والهادى والتجريد من قراءته على عبد الباقى وفى الكافى وتلخيص أبى معشر. وروى الآخرون تغليظها اعتدادا بقوة الحرف المستعلى وهو الأقوى قياسا والأقرب إلى مذهب رواة التفخيم. وهو اختيار الدانى فى غير التيسير. وقال فى الجامع :

إنه الأوجه. وقال صاحب الكافى : إنه أشهر. وقال أبو معشر الطبرى : إنه أقيس. والوجهان جميعا فى الشاطبية والتجريد والكافى والتلخيص وجامع البيان إلا أن صاحب التجريد أجرى الوجهين مع الصاد وقطع بالترقيق مع الطاء على أصله. واختلفوا أيضا فى اللام المتطرفة إذا وقف عليها وذلك فى ستة أحرف وهى ( أَنْ يُوصَلَ ) فى البقرة والرعد ولما فصل فى البقرة و ( قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ) فى الانعام ، و ( بَطَلَ ) فى الاعراف و ( ظَلَ ) فى النحل والزخرف ( وفصل الخطاب ) فى ص. فروى جماعة الترقيق فى الوقف وهو الذى فى الكافى والهداية والهادى والتجريد وتلخيص العبارات. وروى آخرون التغليظ وهو الذى فى العنوان والمجتبى والتذكرة وغيرها والوجهان جميعا فى التيسير والشاطبية وتلخيص أبى معشر. وقال الدانى إن التفخيم أقيس فى جامع البيان أوجه ( قلت ) والوجهان صحيحان فى هذا الفصل والذى قبله.

والارجح فيهما التغليظ لأن الحاجز فى الأول الف وليس بحصين ولأن السكون عارض وفى التغليظ دلالة على حكم الوصل فى مذهب من غلظ والله أعلم. واختلفوا أيضا فى تغليظ اللام من ( صَلْصالٍ ) وهو فى سورة الحجر والرحمن وإن كانت ساكنة لوقوعها بين الصادين فقطع بتفخيم اللام فيهما صاحب الهداية وتلخيص العبارات والهادى وأجرى الوجهين فيها صاحب التبصرة والكافى والتجريد وأبو معشر وقطع بالترقيق صاحب التيسير والعنوان والتذكرة والمجتبى وغيرها وهو الأصح رواية وقياسا حملا على سائر اللامات السواكن وقد شذ بعض المغاربة والمصريين فرووا تغليظ اللام فى غير ما ذكرنا

١١٤

فروى صاحب الهداية والكافى والتجريد تغليظها بعد الظاء والضاد الساكنتين إذا كانت مضمومة أيضا نحو ( مَظْلُوماً ) و ( فَضْلُ اللهِ ) وروى بعضهم تغليظها إذا وقعت بين حرفى استعلاء نحو ( خَلَطُوا ) ، و ( أَخْلَصُوا ). واستغلظ ، و ( الْمُخْلَصِينَ ) و ( الْخُلَطاءِ ) و ( اغْلُظْ ) ذكره فى الهداية والتجريد وتلخيص ابن بليمة وفى وجه فى الكافى ورجحه وزاد أيضا تغليظها فى ( فَاخْتَلَطَ ) ، و ( لْيَتَلَطَّفْ ) وزاد فى التلخيص تغليظها فى ( تَلَظَّى ) وشذ صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقى فغلظ اللام من لفظ ( ثَلاثَةِ ) حيث وقع إلا فى قوله عزوجل ( بِثَلاثَةِ آلافٍ ) ، و ( ثُلاثَ وَرُباعَ ) و ( ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ) ، و ( ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ )

فصل

أجمع القراء وأئمة أهل الأداء على تغليظ اللام من اسم الله تعالى اذا كان بعد فتحة أو ضمة سواء كان فى حالة الوصل أو مبدوءا به نحو قوله تعالى ( شَهِدَ اللهُ ) ، و ( إِذْ أَخَذَ اللهُ ) ؛ و ( قالَ اللهُ ) ، و ( رَبُّنَا اللهُ ) ، و ( عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اللهُمَ ) ونحو ( رُسُلُ اللهِ ) ، و ( كَذَبُوا اللهَ ) ، و ( يُشْهِدُ اللهَ ). و ( إِذْ قالُوا اللهُمَ ) فإن كان قبلها كسرة فلا خلاف فى ترقيقها سواء كانت الكسرة لازمة أو عارضة زائدة أو أصلية نحو ( بِسْمِ اللهِ ) ، و ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) ، و ( إِنَّا لِلَّهِ ) ، و ( عَنْ آياتِ اللهِ ) ، و ( لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) ، و ( إِنْ يَعْلَمِ اللهُ ) ، و ( فَإِنْ يَشَإِ اللهُ ) ، و ( حَسِيباً اللهُ ) ، و ( أحد الله ) و ( قُلِ اللهُمَ ) فان فصل هذا الاسم مما قبله وابتدئ به فتحت همزة الوصل وغلظت اللام من أجل الفتحة ؛ قال الحافظ أبو عمرو الدانى فى جامعه حدثنى الحسن بن شاكر البصرى. قال ثنا أحمد بن نصر يعنى الشذائى قال : التفخيم فى هذا الاسم يعنى مع الفتحة والضمة ينقله قرن عن قرن وخالف عن سالف قال واليه كان شيخنا أبو بكر بن مجاهد وأبو الحسن بن المنادى يذهبان انتهى وقد شذ أبو على الأهوازى فيما حكاه من ترقيق هذه اللام يعنى بعد الفتح والضم عن السوسى وروح وتبعه فى ذلك

١١٥

من رواه عنه كابن الباذش فى اقناعه وغيره وذلك مما لا يصح فى التلاوة ولا يؤخذ به فى القراءة والله تعالى أعلم

تنبيهات

( الأول ) إذا غلظت اللام فى ذوات الياء نحو صلى ويصلى إنما تغلظ مع فتح الألف المنقلبة وإذا أميلت الألف المنقلبة فى ذلك إنما تمال مع ترقيق اللام سواء كانت رأس آية أم غيرها إذ الإمالة والتغليظ ضدان لا يجتمعان وهذا مما لا خلاف فيه ( الثانى ) قال أبو شامة : أما ( مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ففيه التغليظ فى الوصل لأنه منون وفى الوقف الوجهان السابقان ، قال ولا تترجح الإمالة وإن كان رأس آية إذ لا مؤاخاة لآى قبلها ولا بعدها انتهى ، فجعل ( مُصَلًّى ) رأس آية وليس كذلك بل لا خلاف بين العادين أنه ليس برأس آية فاعلم ذلك ( الثالث ) اذا وقعت اللام من اسم الله تعالى بعد الراء الممالة فى مذهب السوسى وغيره كما تقدم من قوله تعالى ( نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) ، و ( سَيَرَى اللهُ ) جاز فى اللام التفخيم والترقيق فوجه التفخيم عدم وجود الكسر الخالص قبلها وهو أحد الوجهين فى التجريد وبه قرأ على أبى العباس بن نفيس وهو اختيار أبى القاسم الشاطبى وأبى الحسن السخاوى وغيرهم وهو قراءة الدانى على أبى الفتح عن قراءته على عبد الله بن الحسين السامرى. ووجه الترقيق عدم وجود الفتح الخالص قبلها وهو الوجه الثانى فى التجريد وبه قرأ صاحب التجريد على شيخه عبد الباقى وعليه نص الحافظ أبو عمرو فى جامعه وغيره وبه قرأ على شيخه أبى الفتح فى رواية السوسى عن قراءته على أبى الحسن يعنى عبد الباقى بن الحسن الخراسانى وقال الدانى إنه القياس. وقال الأستاذ أبو عمرو ابن الحاجب إنه لأولى لأمرين. أحدهما أن أصل هذه اللام الترقيق وإنما

١١٦

فخمت للفتح والضم ولا فتح ولا ضم هنا فعدنا إلى الأصل ، قال والثانى اعتبار ذلك بترقيق الراء فى الوقف بعد الامالة ( قلت ) والوجهان صحيحان فى النظر ثابتان فى الاداء والله أعلم ( الرابع ) إذا رققت الراء لورش من طريق الأزرقى فى نحو قوله تعالى ( أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي ) ، ( أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ ) ، و ( لَذِكْرُ اللهِ ) ، و ( يُبَشِّرُ اللهُ ) وجب تفخيم اللام من اسم الله تعالى بعدها بلا نظر لوقوعها بعد فتحة وضمة خالصة ولا اعتبار بترقيق الراء قبل اللام فى ذلك ؛ وممن نص على ذلك الإمام الاستاذ الكبير أبو عبد الله بن شريح قال فى كتابه الكافى من باب اللامات بعد ذكر مذهب ورش ما نصه : وكذلك لم يختلف فى تفخيم لام اسم الله إذا كانت قبلها فتحة أو ضمة نحو ( فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ ) ، و ( لَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) والإمام العلامة المحقق أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة فى باب اللامات أيضا من شرحه قال والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم لأن الترقيق لم يغير فتحها ولا ضمها. وقال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبرى فى الباب المذكور وهذه اللام ـ يعنى من اسم الله ـ إذا وقعت بعد ترقيق خال من الكسر فهى على تفخيمها نحو ( يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ ) أو بعد إمالة كبرى فوجهان.

وقال الأستاذ أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطى فى كتابه الكنز فى القراءات العشر : فإن أتى ـ يعنى اسم الله ـ بعد حرف مرقق لا كسرة فيه نحو ( ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ ) فى قراءة من رقق فليس إلا التفخيم وإن كان بعد إمالة كقوله تعالى ( حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) ففيه وجهان انتهى. وهو مما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الاشارة إليه لظهوره ووضوحه ولو لا أن بعض أهل الاداء من أهل عصرنا بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة فأجرى الراء المرققة فى ذلك مجرى الراء الممالة وبنى أصله على أن الضمة تمال كما تمال الفتحة لأن سيبويه رحمه‌الله حكى ذلك فى ( مذعور ) ، و ( السمر ) ، و ( المنقر ) واستدل

١١٧

بإطلاقهم على الترقيق إمالة واستنتج من ذلك ترقيق اللام بعد المرققة وقطع بأن ذلك هو القياس الذى لا ينبغى أن يخالف مع اعترافه بأنه لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه ولكنه شىء ظهر له من جهة النظر فاتبعه لعدم وجود النص بخلافه على ما ادعاه وذلك كله غير مسلم له ولا موافق عليه. فأما ادعاؤه أن الضمة تمال فى مذعور فإنه غير ما نحن فيه فإن حركة الضمة التى هى على العين قربت إلى الكسر ولفظ بها كذلك وذلك مشاهد حسا والضمة التى هى على الراء فى ( يُبَشِّرُ ) لم تقرب إلى الكسرة ولا غيرت عن حالتها ولو غيرت ولفظ بها كما لفظ بمذعور على لغة من أمال لكان لحنا وغير جائز فى القراءة وإنما التغيير وقع على الراء فقط لا على حركتها وهذا هو الذى حكاه ابن سفيان وغيره من أن الراء المضمومة تكون عند ورش بين اللفظين فعبروا عن الراء ولم يقولوا إن الضمة تكون بين اللفظين ومن زعم أن الضمة فى ذلك تكون تابعة للراء فهو مكابر فى المحسوس وأما كون الترقيق إمالة أو غير إمالة فقد تقدم الفرق بين الترقيق والإمالة فى أول باب الراآت وإذا ثبت ذلك بطل القياس على ( نَرَى اللهَ ) وأما ادعاؤه عدم النص فقد ذكرنا نصوصهم على التفخيم وقول ابن شريح إنه لم يختلف فى تفخيم اللام فى ذلك. والناس كلهم فى سائر الأعصار وأقطار الامصار ممن أدركناهم وأخذنا عنهم وبلغتنا روايتهم ووصلت إلينا طرقهم لم يختلفوا فى ذلك ولا حكوا فيه وجها ولا احتمالا ضعيفا ولا قويا فالواجب الرجوع إلى ما عليه إجماع الأئمة وسلف الأمة والله يوفقنا جميعا لفهم الحق واتباعه وسلوك سبيله بمنه وكرمه.

( الخامس ) إن قيل : لم كان التفخيم فى الوقف على اللام المغلظة الساكنة وقفا أرجح وكان ينبغى أن لا يجوز البتة كما سبق فى الراء المكسورة أنها تفخم وقفا ولا ترقق لذهاب الموجب للترقيق وهو الكسر وهاهنا قد ذهب الفتح الذى هو شرط فى تغليظ اللام وكلا الذهابين عارض؟

١١٨

( فالجواب ) أن سبب التغليظ هنا قائم وهو وجود حرف الاستعلاء وانما فتح اللام شرط فلم يؤثر سكون الوقف لعروضه وقوة السبب فعمل السبب عمله لضعف المعارض وفى باب الوقف على الراء المكسورة أن السبب زال بالوقف وهو الكسر فافترقا ( السادس ) ولو قيل : لم كانت الكسرة العارضة والمفصولة توجب ترقيق اللام من اسم الله ولا توجب ترقيق الراء؟

( فالجواب ) أن اللام لما كان أصلها الترقيق وكان التغليظ عارضا لم يستعملوه فيها الا بشرط أن لا يجاورها مناف للتغليظ وهو الكسر فإذا جاورتها الكسرة ردتها إلى أصلها. وأما الراء المتحركة بالفتح أو بالضم فإنها لما استحقت التغليظ بعد ثبوت حركتها لم تقو الكسرة غير اللازمة على ترقيقها واستصحبوا فيها حكم التغليظ الذى استحقته بسبب حركتها فإذا كانت الكسرة لازمة أثرت فى لغة دون أخرى فرققت الراء لذلك وفخمت ، وقيل الفرق أن المراد من ترقيق الراء إمالتها وذلك يستدعى سببا قويا للإمالة. وأما ترقيق اللام فهو الاتيان بها على ماهيتها وسجيتها من غير زيادة شىء فيها وانما التغليظ هو الزيادة فيها ولا تكون الحركة قبل لام اسم الله الا مفصولة لفظا أو تقديرا. وأما الحركة قبل الراء فتكون مفصولة وموصولة فأمكن اعتبار ذلك فيها بخلاف اللام.

( السابع ) اللام المشددة نحو ( يصلبوا ) ، و ( طَلَّقْتُمُ ) ، و ( ظَلَّ وَجْهُهُ ) ، لا يقال فيها إنه فصل بينها وبين حرف الاستعلاء فاصل فينبغى أن يجرى الوجهان لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت فى مثلها فصار حرفا واحدا فلم تخرج اللام عن كون حرف الاستعلاء وليها. وقد شذ بعض فاعتبر ذلك فصلا مطلقا ، حكاه الدانى. وبعضهم قد أثبته فيما تقدم والله أعلم.

١١٩

باب الوقف على أواخر الكلم

تقدم أول الكتاب حد الوقف وأن له حالتين : الأولى ما يوقف عليه وتقدمت ثم. الثانية ما يوقف به وهو المقصود هنا « فاعلم » أن للوقف فى كلام العرب أوجها متعددة والمستعمل منها عند أئمة القراءة تسعة وهو : السكون ، والروم ، والاشمام ، والابدال ، والنقل ، والادغام ، والحذف ، والاثبات ، والالحاق.

( فالإلحاق ) لما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت.

( والإثبات ) لما يثبت من الياءات المحذوفات وصلا وسنذكر هذين النوعين فى الباب الآتى بعد.

( والحذف ) لما يحذف من الياءات الثوابت وصلا كما سيأتى فى باب الزوائد ( والإدغام ) لما يدغم من الياءات والواوات فى الهمز بعد إبداله كما تقدم فى باب وقف حمزة.

( والنقل ) لما تقدم فى الباب المذكور من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وقفا.

( والبدل ) يكون فى ثلاثة أنواع : أحدهما الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف بدلا من التنوين ، الثانى الاسم المؤنث بالتاء فى الوصل يوقف عليه بالهاء بدلا من التاء إذا كان الاسم مفردا. وقد تقدم فى باب هاء التأنيث فى الوقف ، الثالث إبدال حرف المد من الهمزة المتطرفة بعد الحركة وبعد الألف كما تقدم فى باب وقف حمزة أيضا. وهذا الباب لم يقصد فيه شىء من هذه الأوجه الستة ، وإنما قصد فيه بيان ما يجوز الوقف عليه بالسكون وبالروم وبالاشمام خاصة ( فأما السكون ) فهو الأصل فى الوقف على الكلم المتحركة وصلا لأن معنى الوقف الترك والقطع من قولهم وقفت عن كلام فلان. أى تركته وقطعته.

١٢٠