النشر فى القراءات العشر - المقدمة

النشر فى القراءات العشر - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٠

١

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يسر أسباب السعادة لمن أراد الخير له ، وخف باللطف من شاء من عباده ولقصد الخير والإرشاد أهله ؛ فاهتدى لمناهج الفلاح ، ورفعت له ألوية القبول والنجاح ؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد سند كافة الفضائل ، وعلى آله وأصحابه الذين نالوا بصحبته ما سعدت به الأواخر والأوائل

( أما بعد ) فإن كتاب « النشر في القراءات العشر » سفر جل قدره ، وفاح بين الأنام عطره ، وعز على الزمان أن يأتى بمثله ـ وعجزت الأقلام عن حصر فضله ؛ فهو كتاب حقيق ان تشد إليه الرجال ؛ لما حواه من صحيح النقول وفصيح الأقوال ؛ جمع فيه مؤلفه رحمه الله تعالى من الروايات والطريق مالايعتوره وهن ، ولا يتطرق إليه شك ولا طعن ؛ على تواتر محكم ، وسند متصل معلم ؛ فهو البقية المغنية في القراءات ؛ بما حواه من محرر طرق الروايات ـ وهو البستان الجامع والروضة الزاهية ، والارشاد النافع والتذكرة الواقية.

هذا إلى ما نطوى في ثناياه من علوم الآداء ، الجارية في فقه اللغة العربية مجرى الأساس من البناء ، فمن علم مخارج الحروف وصفاتها ، إلى علم الوقوف وأحكامها ، إلى بحوث في الادغامين ، والهمزات والياءين ، والفتح والامالة والرسم ـ وفنى الابتداء والختم ، إلى غير ذلك من :

معان يجتليها كل ذي بصر

وروضة يجتنبها كل ذي أدب

فهو سفر يحتاج إليه كل ناظر فيه : من قارئ وأديب ومؤرخ وفقيه

٢

ولما كان هذا الكتاب مجمع الطريق المواترة عن رواة القراءات العشر : كان حقاً على المسلمين عموماً وجماعات حفاظ القرآن خصوصا من أهل هذا العصر ـ أن يبادروا إلى حفظ هذه البقية الباقية ـ ويسعوا إلى اقتناء هذه الدرة الصافية.

ولما عرف الشهم الهمام الأمجد ( الحاج مصطفى محمد ) صاحب المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة المعزية ، ما لهذا السفر من عزة وجلال ـ وأن سنده لا زال على اتصال ، بادر إلى طبعه ، رجاء تعميم نفعه ـ فجزاه الله عن القرآن وأهل خيرا آمين.

٣

نبذة يسيرة للتويه بمؤلف هذا الكتاب

لئن كان الكتاب كما قيل يقرأ من عنوانه ودلائل تباشيره تبدو من جداول بيانه : إن في كتاب النشر في القراءات العشر لأصدق التباشير وأوضح الأدل على نباهة مؤلفه وعلو شأنه وسمو مرتبته في هذا الفن الجليل حتى لقب بحق إمام المقرئين وخاتمة الحفاظ المحققين ـ فهو الإمام الحجة الثبت المحقق المدقق شيخ الاسلام سند مقرئى الأنام : أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري.

ولد رحمه الله بدمشق الشام في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة هجرية. ونشأ بها وأتم حفظ القرآن الكريم في الرابعة عشر من عمره. ثم أخد القراءات افرادا على الشيخ أبي محمد عبد الوهاب ابن السلار. والشيخ أحمد بن ابراهيم الطحان. والشيخ أحمد بن رجب. ثم جمع للسبعة على الشيخ ابراهيم الحموي. ثم جمع القراءات بمضمن كتب على الشيخ أبي المعالي محمد بن أحمد بن اللبان. ثم في سنة ٧٦٨ هـ حج وقرأ على إمام المدينة الشريفة وخطيبها أبي عبد الله محمد بن صالح الخطيب بمضمن التيسير والكافي ـ ثم رحل في سنة ٧٦٩ إلى الديار المصرية. فدخل القاهرة المعزية وجمع القراءات للاثنى عشر على الشيخ أبي بكر عبد الله بن الجندي. وللسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على أبي عبد الله محمد بن الصائغ. وأبي محمد عبد الرحمن بن البغدادي. ولما وصل إلى قوله تعالى ( إنالله يأمر بالعدل والاحسان ) توفى ابن الجندي. وورد عنه رحمه الله تعالى أنه استجازه فاجازه وأشهد عليه قبل وفاته. ولما أكمل على الشيخين المذكورين رجع إلى دمشق. ثم رحل ثانية إلى مصر وجم ثانياً على ابن الصائغ للعشرة بمضمن الكتب الثلاثة المذكورة والمستنير والتذكرة والارشادين والتجريد. ثم على ابن البغدادي للأربعة عشر ما عدا

٤

اليزيدي ثم عاد إلى دمشق فجمع بها القراءات السبع في ختمة على القاضي أبي يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي. ثم رحل ثالثة إلى الديار المصرية. وقرأ بمضمن الاعلان وغيره على الشيخ عبد الوهاب القروي. وسمع كثيرا من القراءات وأجيز بها.

وقرا الحديث والفقه والأصول والمعاني والبيان على كثير من شيوخ مصر منهم الشيخ ضياء الدين سعد الله القزويني. وأجازه بالافتاء شيخ الاسلام المقرئ المحدث المؤرخ أبو الفداء اسماعيل بن كثير قبيل وفاته سينة ٧٧٤ هـ وكذلك أذن له الشيخ ضياء الدين سنة ٧٧٨ هـ وكذلك شيخ الاسلام البلقيني سنة ٧٨٥ هـ.

وجلس للاقراء تحت قبة النسر بالجامع الأموي سنين.

وأخذ القراءات عنه كثيرون. فمن كمل عليه القراءات العشر بالشام ومصر ابنه أبو بكر أحمد. والشيخ محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي. والشيخ أبو بكر بن مصبح الحموي. والشيخ نجيب الدين عبد الله بن قطب بن الحسن البيهقي. والشيخ أحمد بن محمود بن أحمد الحجازي الضرير. والمحب محمد بن أحمد بن الهاشم. والشيخ الخطيب مؤمن بن علي بن محمد الروي. والشيخ يوسف بن أحمد بن يوسف الحبشي. والشيخ علي بن ابراهيم بن أحمد الصالحي. الشيخ علي بن حسين بن علي اليزدي. الشيخ موسى الكردي. الشيخ علي بن محمد بن علي نفيس. والشيخ أحمد بن علي بن ابراهيم الرماني.

وولى قضاء الشام سنة ٧٩٣ هـ ثم دخل الروم لما ناله بالديار المصرية من أخذ ماله فنزل مدينة بروسة دار السلطان العادل بايزيد العثماني ٧٩٨ هـ فأكمل عليه القراءات العشر بها كثيرون : منهم الشيخ أحمد بن رجب. والشيخ سليمان الرومي. والشيخ عوض بن عبد الله والفاضل علي باشا ، والامام صفر شاه ، والولدان الصالحان محمد ومحمود ابنا الشيخ الصالح الزاهد فخر الدين الياس بن عبد الله ، والشيخ أبو سعيد بن بشلمش بن منتشا شيخ مدينة العلايا وغيرهم.

٥

ثم لما كانت فتنة تيمور لنك سنة ٨٥٥ هـ التي انتهت بموت السلطان بايزيد احتشد تيمور لنك المترجم له معه وحمله إلى ما وراء النهر وأنزله بمدينة كش فاقرا بها القراءات العشر بمدينة كش الشيخ عبد القادر ابن طلة الرومي. والحافظ بايزيد الكشي. الحافظ محمود بن المقري شيخ القراءات بها.

ثم لما توفي تيمور لنك سنة ٨٠٧ هـ خرج مما وراء النهر فوصل خراسان وأقرأ بمدينة هراة جماعة للعشرة أكمل بها منهم جمال محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الشهير بابن افتخار الهروي.

ثم قفل راجعا إلى مدينة يزد فاكمل عليه العشر جماعة منهم المقرئ الفاضل شمس الدين بن محمد الدباغ البغدادي. ثم دخل أصبهان فقرأ عليه جماعة أيضا.

ثم وصل إلى شيراز في رمضان سنة ٨٠٨ هـ فأمسكه بها سلطانها مير محمد بن صاحبها أمير عمر فقرأ عليه بها جماعة كثيرون للعشرة منهم السيد محمد بن حيدر المسبحي. وإمام الدين عبد الرحيم الأصبهاني. ونجم الدين الخلال. وأبو بكر الجنحي. ثم الزمه صاحبها مير محمد بالقضاء بها وبممالكها وما أضيف اليها كرها فبقي فيها مدة وتغيرت عليه الملوك فلم تطب له الإقامة بها فخرج منها متوجها إلى البصرة وكان قد رحل اليه المقرئ الفاضل المبرز أبو الحسن طاهر بن عرب الأصبهاني فجمع عليه ختمة بالعشر من الطيبة والنشر ثم شرع في ختمه للكسائي من روايي قتيبة ونصير عنه نفارقه بالبصرة وتوجه الاستاذ ومعه المولى معين الدين بن عبد الله بن قاضي كازرون فوصلا إلى قرية عنيزة بنجد وتوجها منها قاصدين البيت الحرام فأخذهما أعراب من بني لام بعد مرحلتين فناهما الله تعالى ورجعا إلى عنيزة ونظم بها الدرة المضيئة في القراءات الثلاث حسبما تضمنه كتاب تحبير التيسير له ، ثم تيسر لهما الحج وأقام بالمدينة مدة قرأ عليه بها

٦

شيخ الحرم الطواشي وألف بها في القراءات كتاب نشر القراءات العشر ومختصره التقريب وغيرهما.

وبعد ذلك عاد إلى شيراز وبها كانت وفاته في ضحوة الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول سنة ٨٣٣ هـ ودفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن ٨٢ سنة رحمه الله وبوأه بحبوحة رضاه وكفى به رحيما.

آثاره ( مؤلفاته )

كتاب النشر في القراءات العشر « وهو هذا » الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضيه ، منجد المقرئين ، المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه ، تحبير التيسير في القراءات العشر ، نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات ( الطبقات الكبرى ) ، غاية النهايات في أسماء رجال القراءات ( الطبقات الصغرى ) إتحاف المهره في تتمة العشره ، إعانة المهره في الزيادة على العشره ، التمهيد في التجويد ، نظم الهداية في تتمة العشر ، الحصن الحصين من كلام سيد المرسين ، عدة الحصن الحصين وجنة الحصن الحصين ، التعريف بالمولد الشريف ، عرف التعريف بالمولد الشريف ، التوضيح في شرح المصابيح ، البداية في علوم الرواية ، الهداية في فنون الحديث ( نظم ) ، الأولويه في الأحاديث الأولية ، عقد اللآلي في الأحاديث المسلسلة العوالي ، المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد ، القصد الأحمد في رجال أحمد ، المصعد الأحمد في ختم مسانيد أحمد ، الإجلال والتعظيم في مقام إبراهيم ، الإبانة في العمرة من الجعرانة ، التكريم في العمرة من التنعيم ، غاية المنى في زيارة منى ، فضل حراء ، أحاسن المنن ، أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، الجوهرة في النحو ، الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء ، الظرائف في رسم المصاحف

٧

الإسناد الذي وصل إلى هذا الكتاب

بواسطته عن مؤلفه رضوان الله عليه

قرأت هذا الكتاب من أوله إلى آخره على الأستاذ الجليل الشيخ عبد الرحمن ابن حسين الخطيب الشعار سنة ١٣٣٨ هـ. وأخبرني أنه قرأه على خاتمة المحققين شمس الملة والدين محمد بن أحمد المتولي شيخ قراء ومقارئ مصر الأسبق. وهو على شيخه المحقق العمدة المدقق السيد أحمد الدري الشهير بالتهامي. وهو على شيخ قراء وقته العالم العامل الشيخ أحمد سلمونه. وهو على شيخه السيد إبراهيم العبيدي كبير المقرئين في وقته ، وهو على سبط القطب الخضيري الشيخ عبد الرحمن الأجهوري ، وهو على العلامة أبي السماح البقري. وهو على شمس الدين محمد ابن قاسم البقري. وهو على الشيخ عبد الرحمن اليمني. وهو على والده الشيخ شحاذة اليمني. وهو على شيخ أهل زمنه ناصر الدين الطبلاوي. وهو على شيخ الإسلام والمسلمين أبي يحيى زكريا الأنصاري. وهو على شيخ شيوخ وقته أبي النعيم رضوان العقبي. وهو على المؤلف.

تغمد الله الجميع برحمته. وأسكنهم فسيح جنته. آمين

كتبه

علي محمد الضباع

شيخ عموم المقارئ : بالديار المصرية

٨