الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢
محمدا أشرف المقام وحباء السلام وشفاعة الإسلام اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين.
ثم جلس قليلا ثم قام فقال ـ الحمد لله أحق من خشي وحمد وأفضل من اتقي وعبد وأولى من عظم ومجد نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه وحسن بلائه ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ولا يتمهد سناؤه ولا يوهن عراه ونعوذ بالله من سوء كل الريب وظلم
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « وحباء السلام » الحباء : بالكسر العطاء أي أعطه عطية سلامتك بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب نقصا أو خزيا ، أو أعطه تمكن أن يحبوا السلامة من أنواع البلايا والعذاب لمن أراد ، أو أعطه وأمته تحية السلام من عندك بأن يسلم عليهم الملائكة في الجنان رسلا من عندك.
قوله عليهالسلام : « وشفاعة الإسلام » أي الشفاعة التي تكون لأهل الإسلام ، ولا تكون لغيرهم.
قوله عليهالسلام : « ولا ناكثين » أي للعهد والبيعة وفي بعض النسخ بالباء الموحدة أي عادلين متنكبين عن طريق الحق.
قوله عليهالسلام : « لعظيم غنائه » بالفتح والمد. أي نفعه.
قوله عليهالسلام : « وحسن بلائه » أي نعمته.
قوله عليهالسلام : « لا يخبو » يقال خبت النار أي سكنت ، وقوله عليهالسلام : « ولا يهمد سناؤه » وفي بعض النسخ [ لا يتمهد ] والتمهد الانبساط ، والهمود : طفوء النار والسنا مقصورا ضوء البرق ، وممدودا الرفعة ، فعلى نسخة يهمد ينبغي أن يكون مقصورا وعلى الأخرى أن يكون ممدودا ، والأولى أوفق بلاحقتها ، كما أن الثانية أوفق بسابقتها لفظا.
الفتن ونستغفره من مكاسب الذنوب ونستعصمه من مساوي الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب والرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلىاللهعليهوآله اللهم تقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسولك وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك واقتدوا بنبيك وسنوا سنتك وأحلوا حلالك وحرموا حرامك وخافوا عقابك ورجوا ثوابك ووالوا أولياءك وعادوا أعداءك اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم « بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ » إله الحق آمين.
١٩٥ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول لكل مؤمن حافظ وسائب قلت وما الحافظ وما السائب يا أبا جعفر قال الحافظ من الله تبارك وتعالى حافظ من الولاية يحفظ به المؤمن أينما كان وأما السائب فبشارة محمد صلىاللهعليهوآله
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « من سوء كل الريب » أي من شر كل شك وشبهة يعتري في الدين.
قوله عليهالسلام : « والهجوم » أي الدخول.
قوله عليهالسلام : « ومشاركة أهل الريب » أي الذين يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة والسرقة أو مطلق الفسوق.
الحديث الخامس والتسعون والمائة : ضعيف.
قوله : « قلت : وما الحافظ » وفي بعض النسخ [ وأما الحافظ ] أي ظاهر أو معلوم.
قوله عليهالسلام : « من الولاية » كلمة « من » أما تعليلية أي له حافظ من البلايا
يبشر الله تبارك وتعالى بها المؤمن أينما كان وحيثما كان.
١٩٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم
______________________________________________________
بسبب ولاية أئمة الحق ، أو له حافظ بسبب الولاية ليحرس ولايته لئلا تضيع وتذهب بتشكيكات أهل الباطل ، أو صلة للحفظ إما بتقدير مضاف ، أي يحفظه من ضياع الولاية وذهابها ، أو بأن يكون المراد ولاية غير أئمة الحق ، أو بيانية أي الحافظ هي الولاية تحفظه عن البلايا والفتن.
قوله عليهالسلام : « وأما السائب » لعله من السيب بمعنى العطاء أو بمعنى الجريان أي جارية من الدهور ، أو من السائبة التي لا مالك لها بخصوصه أي سيب لجميع المؤمنين.
قوله عليهالسلام : « فبشارة محمد صلىاللهعليهوآله » أي البشارة عند الموت بالسعادة الأبدية ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد القرآن أو الرؤيا الحسنة.
الحديث السادس والتسعون والمائة : ضعيف.
قوله عليهالسلام : « متى تخبرهم تقلهم » قال الجزري : في حديث أبي الدرداء « وجدت الناس أخبر تقله » القلاء : البغض ، يقال : قلاه يقليه ، قلى وقلى إذا أبغضه (١).
وقال الجوهري : إذا فتحت مددت ، ويقلاه لغة طيئ ، يقول : جرب الناس فإنك إذا جربتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم ، لفظه لفظ الأمر ، ومعناه معنى الخبر أي من جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم ، والهاء في تقله للسكت ومعنى نظم الحديث ، وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول (٢) انتهى.
أقول : الظاهر أن الأمر الوارد في هذا الخبر أيضا كذلك ، أي متى خالطت
__________________
(١) النهاية : ج ٤ ص ١٠٥.
(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٠١٦.
١٩٧ ـ سهل ، عن بكر بن صالح رفعه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل.
١٩٨ ـ سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله عليهالسلام ببيت شعر لابن أبي عقب وينحر بالزوراء منهم لدى الضحى ثمانون ألفا مثل ما تنحر البدن
______________________________________________________
الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم ، فلا تخالطهم مخالطة شديدة تكون موجبة لقلاك لهم.
الحديث السابع والتسعون والمائة : ضعيف.
قوله عليهالسلام : « الناس معادن » روى العامة هذا الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله هكذا « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » (١) ويحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون المراد أن الناس مختلفون بحسب استعداداتهم وقابلياتهم وأخلاقهم وعقولهم كاختلاف المعادن ، فإن بعضها ذهب ، وبعضها فضة ، فمن كان في الجاهلية خيرا حسن الخلق عاقلا فهما ففي الإسلام أيضا يسرع إلى قبول الحق ، ويتصف بمعالي الأخلاق ، ويجتنب مساوئ الأعمال بعد العلم بها.
والثاني : أن يكون المراد أن الناس مختلفون في شرافة النسب والحسب ، كاختلاف المعادن ، فمن كان في الجاهلية من أهل بيت شرف ورفعة ، فهو في الإسلام أيضا يصير من أهل الشرف بمتابعة الدين ، وانقياد الحق والاتصاف بمكارم الأخلاق فشبههم صلىاللهعليهوآله عند كونهم في الجاهلية بما يكون في المعدن قبل استخراجه ، وعند دخولهم في الإسلام بما يظهر من كمال ما يخرج من المعدن ، ونقصه بعد العمل فيه.
الحديث الثامن والتسعون والمائة : ضعيف.
__________________
(١) صحيح البخاريّ كتاب التفسير ح ٤٣٧٢. صحيح مسلم بشرح النووى ج ١٥ ص ١٣٤. كتاب الفضائل باب فضائل يوسف. باختلاف يسير.
وروى غيره البزل.
ثم قال لي تعرف الزوراء.
قال قلت جعلت فداك يقولون إنها بغداد قال لا ثم قال عليهالسلام دخلت الري قلت نعم قال أتيت سوق الدواب قلت نعم قال رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفا منهم ثمانون رجلا من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة قلت ومن يقتلهم جعلت فداك قال يقتلهم أولاد العجم.
١٩٩ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن محمد بن زياد ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عز وجل : « وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا
______________________________________________________
قوله : « وروى غيره البزل » هو جمع بازل وهو البعير الذي فطرنا به.
قوله عليهالسلام : « تعرف الزوراء » قال الفيروزآبادي : الزوراء : مال كان لاحيحة والبئر البعيدة ، والقدح وإناء من فضة والقوس ودجلة ، وبغداد لأن أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة ، وموضع بالمدينة قرب المسجد ، ودار كانت بالحيرة والبعيدة من الأراضي ، وأرض عند ذي خيم (١) انتهى.
أقول : يحتمل أن يكون الزوراء في الخبر اسما لموضع بالري ، وأن يكون الزوراء بغداد الجديد ، وإنما نفى عليهالسلام بغداد القديم ، ولعله كان هناك موضع يسمى بالري ، ويكون إشارة إلى المقاتلة التي وقعت في زمان مأمون هناك ، وقتل فيها كثير من ولد العباس ، وعلى الأول يكون إشارة إلى واقعة تكون في زمن القائم عليهالسلام أو في قريب منه ، وابن أبي عقب لعله كان سمع هذا من المعصوم فنظمه.
الحديث التاسع والتسعون والمائة : ضعيف.
قوله تعالى : « لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » قال الزمخشري : ليس
__________________
(١) القاموس : ج ٢ ص ٤٣.
عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » (١) قال مستبصرين ليسوا بشكاك
٢٠٠ ـ عنه ، عن علي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول في قول الله تبارك وتعالى : « وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » فقال الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به ولكنه فلج فلم يكن له عذر
______________________________________________________
بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفي للصمم والعمى ، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام ، لا للقاء ، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها ، وهم في إكبابهم عليها ، سامعون بأذان واعية ، مبصرون بعيون راعية ، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها ، مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها ، وهم كالصم العميان ، حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها كالمنافقين وأشباههم (٣).
قوله عليهالسلام : « مستبصرين » أي أكبوا وأقبلوا مستبصرين.
الحديث المائتان : في بعض النسخ عن علي ، عن إسماعيل وهو الظاهر ، فالخبر ضعيف ، وفي بعضها عن علي بن إسماعيل فهو مجهول.
قوله عليهالسلام : « فلج فلم يكن له عذر » يقال : فلج أصحابه وعلى أصحابه إذا غلبهم أي صار مغلوبا بالحجة فليس له عذر فالمراد أنه ليس لهم عذر حتى يؤذن لهم فيعتذروا.
قال البيضاوي : عطف يعتذرون على يؤذن ليدل على نفي الإذن ، والاعتذار عقيبه مطلقا ، ولو جعله جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن ، وأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه (٤).
__________________
(١) سورة الفرقان : ٧٣.
(٢) سورة المرسلات : ٣٦.
(٣) الكشّاف : ج ٣ ص ٢٩٥.
(٤) أنوار التنزيل ج ٢ ص ٥٣١.
٢٠١ ـ علي ، عن علي بن الحسين ، عن محمد الكناسي قال حدثنا من رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام في قوله عز ذكره : « وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » (١) قال هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم فيعيه هؤلاء وتضيعه هؤلاء فأولئك الذين يجعل الله عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون وفي قول الله عز وجل « هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » (٢) قال الذين يغشون الإمام إلى قوله عز وجل : « لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ » قال لا
______________________________________________________
الحديث الحادي والمائتان : مرفوع.
قوله تعالى : « مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » أي من حيث لا يظن.
قوله عليهالسلام : « قوم فوقهم » أي في القدرة والمال « فيعيه هؤلاء » أي الفقراء ، والحاصل أن البدن كما يتقوى بالرزق الجسماني ، وتبقى حياته به ، فكذلك الروح يتقوى ، وتحيي بالأغذية الروحانية من العلم والإيمان والهداية والحكمة ، وبدونها ميت في لباس الأحياء ، فمراده عليهالسلام أن الآية كما تدل على أن التقوى سبب لتيسر الرزق الجسماني وحصوله من غير احتساب ، فكذلك تدل على أنها تصير سببا لتيسر الرزق الروحاني الذي هو العلم والحكمة من غير احتساب ، وهي تشملهما معا.
قوله تعالى : « حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال البيضاوي : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، يعني يوم القيامة ، أو النار من قوله تعالى : « وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ » (٣).
قوله عليهالسلام : « الذين يغشون الإمام » فسرها عليهالسلام بالجماعة الغاشية الذين يغشون
__________________
(١) سورة الطلاق : ٣.
(٢) سورة الغاشية : ٢.
(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٥٥٥.
ينفعهم ولا يغنيهم لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود.
٢٠٢ ـ عنه ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عز وجل : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ
______________________________________________________
الإمام ، أي يدخلون عليه من المخالفين فلا ينفعهم الدخول عليه ، ولا يغنيهم القعود لعدم إيمانهم وجحودهم ، فالمراد بالطعام على هذا البطن الطعام الروحاني أي ليس غذاؤهم الروحاني إلا الشكوك والشبهات ، والآراء الفاسدة التي هي كالضريع ، في عدم النفع والإضرار بالروح ، فقوله تعالى : « لا يُسْمِنُ » لا يكون صفة للضريع ، بل يكون الضمير راجعا إلى الغشيان وتكون الجملة مقطوعة على الاستئناف.
ويحتمل أن يكون صفة للضريع أيضا ، ويكون المراد أنه لا يعلمهم الإمام ، لكفرهم وجحودهم وعدم قابليتهم إلا ما هو كالضريع ، مما يوافق آراءهم تقية منهم كما أنه تعالى يطعم أجسادهم الضريع في جهنم ، لعدم استحقاقهم غير ذلك.
ويحتمل أن يكون المراد الذين يغشون أي يحيطون بالقائم عليهالسلام من المخالفين والمنافقين ، فالإمام يحكم فيهم بعلمه ، ويقتلهم ويوصلهم إلى طعامهم المهيأ لهم في النار من الضريع ، ولا ينفعهم الدخول في عسكر الإمام عليهالسلام لعلمه بحالهم ، ولا القعود في بيوتهم ، لعدم تمكينه إياهم.
الحديث الثاني والمائتان : موثق على الأظهر.
قوله تعالى : « مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ » قال البيضاوي (١) : ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يأول نجوى بمتناجين ، ويجعل ثلاثة صفة لها ، واشتقاقها من النجوة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن ، لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه « إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ » إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الإطلاق عليها ، والاستثناء من أعم الأحوال « وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ
__________________
(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٦٠.
إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (١) قال نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبدا فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية قال قلت قوله عز وجل : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » (٢) قال وهاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم قال أبو عبد الله عليهالسلام لعلك ترى أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين عليهالسلام وهكذا كان في سابق علم الله عز وجل الذي أعلمه رسول الله صلىاللهعليهوآله أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين وخرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كله قلت « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ » (٣) قال الفئتان إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة وهم أهل هذه الآية وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليهالسلام فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله
______________________________________________________
وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة ، فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لأن الله وتر ، يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما « وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ » ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين « وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ » يعلم ما يجري بينهم « أَيْنَ ما كانُوا » فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني ، حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة « ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء « إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء قوله عليهالسلام : « قال الفئتان » تفسير للطائفتين.
__________________
(١) سورة المجادلة : ٧.
(٢) سورة الزخرف : ٧٩ ـ ٨٠.
(٣) سورة الحجرات : ٩.
ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم لأنهم بايعوا طائعين غير كارهين وهي الفئة الباغية كما قال الله تعالى فكان الواجب على أمير المؤمنين عليهالسلام أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول الله صلىاللهعليهوآله في أهل مكة إنما من عليهم وعفا وكذلك صنع أمير المؤمنين عليهالسلام ـ بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبي صلىاللهعليهوآله ـ بأهل مكة حذو النعل بالنعل قال قلت قوله عز وجل : « وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى » (١) قال هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت « وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ » (٢) قال أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « لأنهم بايعوا طائعين » هذا لبيان كفرهم وبغيهم على جميع المذاهب فإن مذهب المخالفين أن مدار وجوب الإطاعة على البيعة فهم بايعوا غير مكرهين ، فإذا نكثوا فهم على مذهبهم أيضا من الباغين.
قوله تعالى : « وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى » فسرها المفسرون بالقرى التي ائتفكت بأهلها ، أي انقلبت ، وهي قرى قوم لوط ، أهواها أي أسقطها بعد أن رفعها فقلبها (٣) وفسرها عليهالسلام بالبصرة ، وقد ورد في أخبار العامة والخاصة أنها إحدى المؤتفكات.
وفي تفسير علي بن إبراهيم أنها ائتفكت بأهلها مرتين ، وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة ، (٤) وفي النهاية وفي حديث أنس « البصرة إحدى المؤتفكات » يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها (٥) انتهى ، ولا استبعاد في حملها على الحقيقة.
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣.
(٢) سورة التوبة : ٧٠.
(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٣.
(٤) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٣٤٠.
(٥) النهاية : ج ١ ص ٥٦.
٢٠٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن حنان قال سمعت أبي يروي ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك فقال أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلىاللهعليهوآله هذا نسبي وهذا حسبي قال فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله وسلمان رضياللهعنه يكلمهم فقال له سلمان يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب من أنت وما أصلك وما حسبك فقال النبي صلىاللهعليهوآله فما قلت له يا سلمان قال قلت له أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلىاللهعليهوآله هذا نسبي وهذا حسبي ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله وقال الله عز وجل : « إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » (١) ثم قال النبي
______________________________________________________
الحديث الثالث والمائتان : مجهول.
قوله صلىاللهعليهوآله : « حسب الرجل دينه » الحسب : الشرافة ، ويطلق غالبا على الشرافة الحاصلة من جهة الآباء.
قوله صلىاللهعليهوآله : « ومروته خلقه » المروءة مهموزة : الإنسانية مشتقة من المرء ، وقد تخفف بالقلب والإدغام.
قوله تعالى : « إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى » أي من آدم وحواء أو خلقنا
__________________
(١) سورة الحجرات : ١١.
صلىاللهعليهوآله لسلمان ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.
٢٠٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال لما ولي علي عليهالسلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم قال فقام إليه عقيل فقال له والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء فقال اجلس أما كان هاهنا أحد
______________________________________________________
كل واحد منكم من أب وأم ، فالكل سواء في ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، وقيل : هو تقرير للأخوة المانعة عن الاغتياب « وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ » الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد ، وهو يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والفخذ يجمع الفضائل « لِتَعارَفُوا » أي ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء ، والقبائل « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » فإن التقوى بها تكمل النفوس ، ويتفاضل الأشخاص فمن أراد شرفا فليلتمس منها.
الحديث الرابع والمائتان : حسن.
قوله عليهالسلام : « لا أرزؤكم » قال الجوهري : يقال : ما زرأته ماله ، وما رزئته ماله ، أي ما نقصته (١) انتهى ، والفيء : الغنيمة والخراج ، واليثرب مدينة الرسول ، أي ما أنقصكم من غنائمكم وخراجكم ما بقي لي عذق بالفتح ، أي نخلة بالمدينة.
قوله عليهالسلام : « فليصدقكم أنفسكم » يقال : صدقه الحديث أي قال له صدقا أي ارجعوا إلى أنفسكم ، وأنصفوا وليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك.
قوله عليهالسلام : « الله » بالكسر أي والله.
__________________
(١) الصحاح ج ١ ص ٥٢.
يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى.
٢٠٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قام رسول الله صلىاللهعليهوآله على الصفا فقال يا بني هاشم يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم وإني شفيق عليكم وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله لا تقولوا إن محمدا منا وسندخل مدخله فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم.
٢٠٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال رأيت كأني على رأس جبل والناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم أحد
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « إلا بسابقة أو بتقوى » أي وأنت عارضهما ، وليس الفضل بالنسب حتى تفتخر به ، أو المراد أن الفضل لا يكون إلا بهما وهما لا يصلحان سببا لتوفير الفيء.
الحديث الخامس والمائتان : ضعيف.
قوله صلىاللهعليهوآله : « أفلا أعرفكم » استفهام إنكاري أي بلى أعرفكم كذلك ، وفي بعض النسخ [ إلا فلا أعرفكم ] أي لا تكونوا كذلك حتى أعرفكم في ذلك اليوم هكذا.
قوله صلىاللهعليهوآله : « قد أعذرت إليكم » يقال : أعذر إليه أي أبدى عذره وأثبته.
الحديث السادس والمائتان : صحيح.
قوله عليهالسلام : « وجعل الناس يتساقطون عنه » لعله إشارة إلى الفتن التي
إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس ويبقى تلك العصابة أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان في تلك العصابة قال فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من خمس حتى هلك.
٢٠٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال حدثني أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له انطلق فصل على أبي جعفر عليهالسلام فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر عليهالسلام قد توفي.
٢٠٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قوله تعالى « وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها » (١) بمحمد هكذا والله نزل بها ـ جبرئيل عليهالسلام على محمد صلىاللهعليهوآله.
______________________________________________________
حدثت بعده ، صلوات الله عليه في الشيعة فارتدوا قوله عليهالسلام : « أما إن قيس بن عبد الله ابن عجلان » أقول : روى الكشي ، عن حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر ، مثله ، وفيه أما إن ميسر بن عبد العزيز وعبد الله بن عجلان في تلك العصابة ، فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من سنتين حتى هلك صلوات الله عليه (٢) وقيس غير مذكور في كتب الرجال.
الحديث السابع والمائتان : صحيح وضمير عنه راجع إلى أحمد.
الحديث الثامن والمائتان : مرسل.
ورواه العياشي عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه (٣) ، ولعلهما سقطا في هذا السند ، وفي بعض النسخ هكذا وهو الظاهر.
قوله تعالى : « عَلى شَفا حُفْرَةٍ » أي طرفها ومشرفا على السقوط فيها بسبب الكفر والمعاصي.
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٠٣.
(٢) رجال الكشّيّ. ج ٢ ص ٥١٢.
(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ١ ص ١٩٤.
٢٠٩ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ » (١) هكذا فاقرأها.
٢١٠ ـ عنه ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » وسلموا للإمام تسليما « أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ » رضا له « ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ » أن أهل الخلاف « فَعَلُوا
______________________________________________________
الحديث التاسع والمائتان : ضعيف.
قوله تعالى : « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ » لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة « حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ » كذا فيما روي من القراءات أي من بعض ما تحبون من المال أو ما يعمه وغيره ، كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله ، أو المهجة في سبيله ، وقيل « من » للتبيين ، وفي أكثر نسخ الكتاب [ ما تحبون ] أي جميع ما تحبون ، وقال عليهالسلام هكذا فاقرأها ، وهذا يدل على جواز التلاوة على غير القراءات المشهورة ، والأحوط عدم التعدي عنها ، لتواتر تقرير الأئمة عليهمالسلام أصحابهم على القراءات المشهورة ، وأمرهم بقراءتهم كذلك ، والعمل بها حتى يظهر القائم عليهالسلام.
الحديث العاشر والمائتان : حسن أو موثق.
قوله تعالى : « أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » أي عرضوا أنفسكم للقتل بالجهاد ، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل ، وأن مصدرية أو مفسرة ، لأن « كتبنا » ، في معنى أمرنا.
قوله عليهالسلام : « وسلموا » ظاهر الخبر أنه كان داخلا في الآية في قرآنهم عليهمالسلام ويحتمل أن يكون من كلامه عليهالسلام إضافة للتفسير ، أي المراد بالقتل القتل الذي يكون في أمر التسليم للإمام عليهالسلام ، والاحتمالان جاريان فيما يذكر بعد ذلك.
قوله عليهالسلام : « رضى له » أي يكون خروجكم لرضا الإمام عليهالسلام ، أو على وفق رضاه عليهالسلام « ولو أن أهل الخلاف » على الاحتمال الثاني بيان لمرجع ضمير « هم »
__________________
(١) سورة آل عمران : ٩٢.
ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » (١) وفي هذه الآية « ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ » من أمر الوالي و « يُسَلِّمُوا » لله الطاعة « تَسْلِيماً » (٢).
٢١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبي جنادة الحصين بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، عن أبي الحسن الأول عليهالسلام في قول الله عز وجل : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب « وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً » (٣)
______________________________________________________
في قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّهُمْ ».
قوله تعالى : « وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » أي في دينهم ، لأنه أشد لتحصيل العلم ، ونفي الشك أو تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التميز.
قوله عليهالسلام : « الطاعة » أي لله أو للإمام عليهالسلام.
الحديث الحادي عشر والمائتان : مجهول.
قوله تعالى : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ » أي من النفاق ، فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب « فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » أي عن عقابهم ، لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم ، كذا قيل.
قوله عليهالسلام : « فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء » ظاهر الخبر أن هاتين الفقرتين كانتا داخلتين في الآية ويحتمل أن يكون عليهالسلام أو ردهما للتفسير ، أي إنما أمر تعالى بالإعراض عنهم ، لسبق كلمة الشقاء عليهم ، أي علمه تعالى بشقائهم ، وسبق تقدير العذاب لهم ، لعلمه بأنهم يصيرون أشقياء بسوء اختيارهم ، ولعل الأمر بالإعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم ، والحزن على عدم قبولهم ، أو جبرهم على الإسلام ، ثم أمر تعالى بموعظتهم لإتمام الحجة عليهم فقال : « وَعِظْهُمْ » أي بلسانك وكفهم عما هم عليه ، وتركه في الخبر إما من النساخ أو لظهوره ، أو لعدمه في مصحفهم عليهمالسلام قوله تعالى : « وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ » أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم
__________________
(١) سورة النساء : ٦٦.
(٢) سورة النساء : ٦٤.
(٣) سورة النساء : ٦٣ وفي المصحف « وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً بَلِيغاً. ».
٢١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال تلا أبو جعفر عليهالسلام : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) فإن خفتم تنازعا في الأمر فأرجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ثم قال كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ».
( حديث قوم صالح عليهالسلام )
٢١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله سأل جبرئيل عليهالسلام كيف كان مهلك قوم صالح عليهالسلام فقال يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ
______________________________________________________
فإن النصح في السر أنجع « قَوْلاً بَلِيغاً » أي يبلغ منهم ويؤثر فيهم.
الحديث الثاني عشر والمائتان : حسن.
قوله عليهالسلام : « فإن خفتم تنازعا » ظاهره أنها هكذا نزلت ، ويحتمل أن يكون الغرض تفسير الآية بأنه ليس المراد تنازع الرعية وأولي الأمر ، كما ذهب إليه أكثر المفسرين ، بل هو خطاب للمأمورين الذين قيل لهم « أَطِيعُوا اللهَ » أي إن اشتبه عليكم أمر وخفتم فيه تنازعا ، لعدم علمكم به ، « فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ » والرد إلى أولي الأمر أيضا داخل في الرد إلى الرسول ، لأنهم إنما أخذوا علمهم عنه ، وظاهر كثير من الأخبار أن قوله : « وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » كان مثبتا هيهنا فأسقط.
حديث قوم صالح عليهالسلام
الحديث الثالث عشر والمائتان : حسن.
قوله عليهالسلام : « إلى ظهرهم » أي إلى ظهر بلدهم.
__________________
(١) سورة النساء : ٥٩.
عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير قال وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عز وجل فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني قالوا قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما أن فرغوا دعوه.
فقالوا يا صالح سل فقال لكبيرهم ما اسم هذا قالوا فلان فقال له صالح يا فلان أجب فلم يجبه فقال صالح ما له لا يجيب قالوا ادع غيره قال فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما لك لا تجيبين صالحا فلم تجب فقالوا تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة ثم نحوا بسطهم وفرشهم ونحوا ثيابهم وتمرغوا على التراب وطرحوا التراب على رءوسهم وقالوا لأصنامهم لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن قال ثم دعوه فقالوا يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه فقال لهم يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبوني فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « لكبيرهم » أي لكبير الأصنام بناء على زعمهم ، حيث يعدونها من ذوي العقول.
قوله عليهالسلام : « فانتدب » على البناء الفاعل ، قال الجوهري : ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب (١).
قوله عليهالسلام : « شقراء » أي شديدة الحمرة (٢) وبراء أي كثير الوبر (٣) عشراء
__________________
(١) الصحاح ج ١ ص ٢٢٣.
(٢) المصباح ج ٢ ص ٣٨٥.
(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٣٦٢.
إليهم منهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا فقال لهم صالح عليهالسلام سلوني ما شئتم فقالوا تقدم بنا إلى هذا الجبل وكان الجبل قريبا منهم فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء بين جنبيها ميل فقال لهم صالح لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي جل وعز قال فسأل الله تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ـ ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك قالوا يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها فسأل الله عز وجل ذلك فرمت به فدب حولها فقال لهم يا قوم أبقي شيء قالوا لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك قال فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا سحر وكذب قالوا فانتهوا إلى الجميع فقال الستة حق وقال الجميع كذب وسحر قال فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها.
______________________________________________________
أي أتى على حملها عشرة أشهر.
قوله عليهالسلام : « بين جنبيها ميل » أي يكون عرضها قدر ميل ، أي ثلث فرسخ قوله عليهالسلام : « ثم لم يفجأهم » أي لم يظهر لهم فجأة شيء « إلا رأسها ».
قوله عليهالسلام : « حتى اجترت » الاجترار : هو ما يفعله بعض الدواب من إخراجها ما في بطنها مضغة وابتلاعه ثانيا.
قوله عليهالسلام : « فانتهوا إلى الجميع » قال الجوهري (١) : الجميع : ضد المتفرق
__________________
(١) الصحاح ج ٣ ص ١٢٠٠.
قال ابن محبوب فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام قال فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.
٢١٤ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قلت له : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ » (١) قال هذا كان بما كذبوا به صالحا وما أهلك الله عز وجل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منه.
______________________________________________________
والجميع الجيش ، والجميع الحي المجتمع.
قوله : « وجبل آخر » والحاصل أنه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض البعير ، وكان في كل من الجبلين أثر جنبها.
الحديث الرابع عشر والمائتان : ضعيف.
قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » قال البيضاوي (٢) : بالإنذارات أو المواعظ أو الرسل « فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا » من جنسنا وجملتنا لا فضل له علينا ، وانتصابه بفعل يفسره ما بعده « واحِداً » منفردا لا تبع له أو من آحادهم دون أشرافهم « نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » جمع سعير كأنهم عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له وقيل : السعر الجنون ، ومنه ناقة مسعورة « أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ » الكتاب والوحي « عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا » وفينا من هو أحق منه بذلك « بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ » حمله
__________________
(١) سورة القمر : ٢٤ ـ ٢٦.
(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٣٧.