مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

٥٧٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل

______________________________________________________

وثالثها : أن مثل القرآن في قلب المؤمن ، كما أن هذا المصباح يستضاء به ، وهو كما هو لا ينقص ، فكذلك القرآن يهتدى به ويعمل به كالمصباح ، فالمصباح هو القرآن والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد حجج القرآن تتضح وإن لم تقرأ ، وقيل : يكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن « نُورٌ عَلى نُورٍ » يعني إن القرآن نور مع سائر الأدلة قبله ، فازدادوا به نورا على نور عن الحسن وابن زيد ، وعلى هذا فيجوز أن يكون المراد ترتب الدلائل ، لأن الدلائل تترتب بعضها على بعض ، ولا يكاد العاقل يستفيد منها إلا بمراعاة الترتيب فمن ذهب عن الترتيب فقد ذهب عن طريق الاستفادة ، وقال مجاهد : ضوء نور السراج على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة « يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » أي يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء ، بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم إن له لطفا ، وقيل : معناه يهدي الله لنبوته وولايته من يشاء ممن يعلم أنه يصلح لذلك « وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ » تقريبا إلى الأفهام ، وتسهيلا لدرك المرام « وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » فيضع الأشياء مواضعها (١) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقد مضى بعض الأخبار الواردة في تفسير تلك الآية في كتاب الحجة وقد أوردنا جميعها مشروحا في كتاب بحار الأنوار (٢) في باب مفرد والله الموفق.

الحديث الخامس والسبعون والخمسمائة : ضعيف على الأشهر ، موثق على الأظهر ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ص ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٠٤ ـ ٣٢٥.

٥٨١

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ » (١) قال يريهم في أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق قلت له « حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ » قال خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل يراه الخلق لا بد منه.

٥٧٦ ـ محمد بن يحيى والحسين بن محمد جميعا ، عن جعفر بن محمد ، عن عباد بن يعقوب ، عن أحمد بن إسماعيل ، عن عمرو بن كيسان ، عن أبي عبد الله الجعفي قال قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام كم الرباط عندكم قلت أربعون قال لكن رباطنا رباط الدهر ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « يريهم في أنفسهم المسخ » الظاهر أنه إشارة إلى ما يبتلي به المخالفون في زمان القائم عليه‌السلام من أنهم يمسخون في أنفسهم ، ويبتلون بتضييق الآفاق عليهم ، بكثرة المصائب التي ترد عليهم ، وانسداد طريق النجاة عنهم.

وقال الفاضل الأسترآبادي : كأنه ناظر إلى ما نطقت به الأخبار عنهم عليهم‌السلام من أن كل من مات من بني أمية لعنهم الله يمسخ وزغا عند موته ، وإلى غلبة بني العباس عليهم.

الحديث السادس والسبعون والخمسمائة : ضعيف. بأبي عبد الله الجعفي الذي هو عمرو بن شمر بل بعباد أيضا.

قوله عليه‌السلام : « لكن رباطنا رباط الدهر » أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على إطاعة إمام الحق ، وانتظار فرجه ويتهيأوا دائما لنصرته.

قوله عليه‌السلام : « كان له وزنها ووزن وزنها » أن كان له ثواب التصدق بضعفي وزنها ذهبا أو فضة ، كل يوم ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب كمثلي وزن الدابة.

قوله عليه‌السلام : « لا تجزعوا من مرة » أي لا تجزعوا من عدم نصرنا وغلبة العدو

__________________

(١) سورة فصّلت : ٥٣.

٥٨٢

ولا من ثلاث ولا من أربع فإنما مثلنا ومثلكم مثل نبي كان في بني إسرائيل فأوحى الله عز وجل إليه أن ادع قومك للقتال فإني سأنصرك فجمعهم من رءوس الجبال ومن غير ذلك ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ثم أوحى الله تعالى إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فجمعهم ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ثم أوحى الله إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فدعاهم فقالوا وعدتنا النصر فما نصرنا فأوحى الله تعالى إليه إما أن يختاروا القتال أو النار فقال يا رب القتال أحب إلي من النار فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر فتوجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وجل لهم.

٥٧٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح والنوفلي وغيرهما يرفعونه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتداوى من الزكام ويقول ما من أحد إلا وبه عرق من الجذام فإذا أصابه الزكام قمعه.

٥٧٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكام جند من جنود الله عز وجل يبعثه الله عز وجل على الداء فيزيله.

٥٧٩ ـ محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ، عن محمد بن عبد الحميد بإسناده

______________________________________________________

علينا مرة أو مرتين كما في أمر الحسين عليه‌السلام وزيد بن علي ، وكانصراف الأمر عند انقراض بني أمية عنهم ، إلى بني العباس ، بل اصبروا فإن الله يأتي بالفرج ولو بعد حين ، أو لا تجزعوا من تخلف ما أخبرناكم به من الغايات التي يقع فيها الفرج للبداء.

الحديث السابع والسبعون والخمسمائة : ضعيف.

ويدل على كراهية معالجة الزكام.

الحديث الثامن والسبعون والخمسمائة : صحيح.

الحديث التاسع والسبعون والخمسمائة : مرفوع.

٥٨٣

رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من أحد من ولد آدم إلا وفيه عرقان عرق في رأسه يهيج الجذام وعرق في بدنه يهيج البرص فإذا هاج العرق الذي في الرأس سلط الله عز وجل عليه الزكام حتى يسيل ما فيه من الداء وإذا هاج العرق الذي في الجسد سلط الله عليه الدماميل حتى يسيل ما فيه من الداء فإذا رأى أحدكم به زكاما ودماميل فليحمد الله عز وجل على العافية وقال الزكام فضول في الرأس.

٥٨٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن رجل قال دخل رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو يشتكي عينيه فقال له أين أنت عن هذه الأجزاء الثلاثة الصبر والكافور والمر ففعل الرجل ذلك فذهبت عنه.

٥٨١ ـ عنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن لنا فتاة كانت ترى الكوكب مثل الجرة قال نعم وتراه مثل الحب قلت إن بصرها ضعف فقال اكحلها بالصبر والمر والكافور أجزاء سواء فكحلناها به فنفعها.

٥٨٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن داود بن محمد ، عن محمد بن الفيض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت عند أبي جعفر يعني أبا الدوانيق فجاءته خريطة فحلها ونظر فيها فأخرج منها شيئا فقال يا أبا عبد الله أتدري ما هذا قلت ما هو قال هذا شيء

______________________________________________________

الحديث الثمانون والخمسمائة : مرسل.

وفيه تعليم كحل نافع مجرب.

الحديث الحادي والثمانون والخمسمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « وتراه مثل الحب » أي بعد ذلك إن لم تعالج ، أو أنها ترى في الحال مثل الحب.

الحديث الثاني والثمانون والخمسمائة : مجهول.

٥٨٤

يؤتى به من خلف إفريقية من طنجة أو طبنة شك محمد قلت ما هو قال جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد وهو جيد للبياض يكون في العين يكتحل بهذا فيذهب بإذن الله عز وجل قلت نعم أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله قال فلم يسألني عن اسمه قال وما حاله فقلت هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه يعبد الله عليه فعلم به قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي عليه‌السلام وهذه القطرات من بكائه وله من الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ولا يوصل إلى تلك العين.

٥٨٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم مولى علي بن يقطين أنه كان يلقى من رمد عينيه أذى قال فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام ابتداء من عنده ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليه‌السلام جزء كافور رباحي وجزء صبر أصقوطري يدقان جميعا وينخلان بحريرة يكتحل منه مثل ما يكتحل من الإثمد الكحلة في الشهر

______________________________________________________

قوله : « خلف إفريقية ». قال الفيروزآبادي هي بلاد واسعة قبالة الأندلس (١) وقال : طنجة : بلد بساحل بحر المغرب (٢) وقال : الطينة : بلد قرب دمياط (٣).

أقول : لعلها هي المعروفة بدهنة فرنك.

الحديث الثالث والثمانون والخمسمائة : مجهول. أو حسن إن كان الضمير في ـ قال ـ راجعا إلى ابن عمير.

قوله عليه‌السلام : « كافور رباحي » قال الفيروزآبادي : الرباحي : جنس من الكافور وقول الجوهري الرباح دويبة يجلب منها الكافور خلف ، وأصلح في بعض النسخ وكتب ـ بلد ـ بدل دويبة وكلاهما غلط ، لأن الكافور صمغ شجر يكون داخل

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٢٨٥.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٢٠٥.

(٣) القاموس : ج ٤ ص ٢٤٧.

٥٨٥

تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن قال فكان يكتحل به فما اشتكى عينيه حتى مات.

( حديث العابد )

٥٨٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن سنان عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده فقال من لي بفلان فقال بعضهم أنا له فقال من أين تأتيه فقال من ناحية النساء قال لست له لم يجرب النساء فقال له آخر فأنا له فقال له من أين تأتيه قال من ناحية الشراب واللذات قال لست له ليس هذا بهذا قال آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية البر قال انطلق فأنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي قال وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ويستريح والشيطان لا يستريح فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله فقال يا عبد الله بأي شيء قويت على

______________________________________________________

الخشب ، ويتخشخش فيه إذا حرك فينشر ويستخرج (١) وقال : اسقطرى : جزيرة ببحر الهند على يسار الجائي من بلاد الزنج والعامة تقول سقوطرة يجلب منها الصبر ودم الأخوين (٢) وقال : الإثمد : ـ بالكسر ـ حجر الكحل (٣).

الحديث الرابع والثمانون والخمسمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فنخر إبليس » أي مد الصوت في خياشيمه.

قوله عليه‌السلام : « وقد تقاصرت إليه نفسه » أي ظهر له التقصير من نفسه يقال : تقاصر أي أظهر القصر.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٢٢٩.

(٢) القاموس : ج ٢ ص ٥١ ـ ٥٢.

(٣) القاموس : ج ١ ص ٢٩٠.

٥٨٦

هذه الصلاة فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد عليه فقال يا عبد الله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة قال ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها قال ومن أين لي درهمين ما أدري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال قومي فقامت فدخلت منزلها وقالت ادخل وقالت إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها فقالت له يا عبد الله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لم يدفنوها ارتيابا في أمرها فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران عليه‌السلام أن ائت فلانة فصل عليها ومر الناس أن يصلوا عليها فإني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي.

٥٨٥ ـ أحمد بن محمد [ بن أحمد ] ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان في بني إسرائيل رجل عابد

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « بجلابيبه » قال الفيروزآبادي : الجلباب : ـ كسرداب وسنمار ـ القميص وثوب واسع للمرأة ، دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة ، أو هو الخمار (١).

قوله : « لا أعلمه » الشك من الراوي.

الحديث الخامس والثمانون والخمسمائة : مجهول.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٤٩.

٥٨٧

وكان محارفا لا يتوجه في شيء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه امرأته حتى لم يبق عندها شيء فجاعوا يوما من الأيام فدفعت إليه نصلا من غزل وقالت له ما عندي غيره انطلق فبعه واشتر لنا شيئا نأكله فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وانصرفوا فقال لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه وصببت علي منه وانصرفت فجاء إلى البحر وإذا هو بصياد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلا سمكة ردية قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة فقال له بعني هذه السمكة وأعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك قال نعم فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل وانصرف بالسمكة إلى منزله فأخبر زوجته الخبر فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته إياها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وانصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدق الباب ويقول يا أهل الدار تصدقوا رحمكم الله على المسكين فقال له الرجل ادخل فدخل فقال له خذ إحدى الكيسين فأخذ إحداهما وانطلق فقالت له امرأته سبحان الله بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثم قال كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثم ذهب.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وكان محارفا » قال الجوهري رجل محارف ـ بفتح الراء ـ أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مبارك (١).

قوله : « نصلا من غزل » النصل الغزل قد خرج من المغزل.

__________________

(١) الصحاح : ج ٤ ص ١٣٤٢.

٥٨٨

( خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

٥٨٦ ـ أحمد بن محمد ، عن سعد بن المنذر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ورواها غيره بغير هذا الإسناد وذكر أنه خطب بذي قار ـ فحمد الله وأثنى عليه.

ثم قال أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعة عباده إلى طاعته ومن ولاية عباده إلى ولايته « بَشِيراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً » عودا

______________________________________________________

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

الحديث السادس والثمانون والخمسمائة : مجهول.

قوله : « بذي قار » موضع بين الكوفة وواسط.

قوله عليه‌السلام : « من عبادة عباده » كعيسى وعزير والملائكة أو الأصنام أيضا تغليبا أو إطاعة الشياطين ، والطواغيت كما قال تعالى : « أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » (١) وقد أورد في النهج بعض تلك الخطبة مختصرا وفيه « من عبادة الأوثان إلى عبادته ومن طاعة الشيطان إلى طاعته (٢) ».

قوله عليه‌السلام : « ومن عهود عباده » كالأمراء والسلاطين والشياطين والمضلين أيضا.

قوله عليه‌السلام : « ومن ولاية عباده » أي محبتهم أو نصرتهم أو طاعتهم.

قوله عليه‌السلام : « عودا وبدءا » منصوبان بالظرفية أو بالحالية أو بالتميز ، وعلى

__________________

(١) سورة يس : ٦٠.

(٢) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٢٠٤ « الخطبة ـ ١٤٧ ».

٥٨٩

وبدءا وعذرا ونذرا ، بحكم قد فصله وتفصيل قد أحكمه وفرقان قد فرقه وقرآن قد بينه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه وليقروا به إذ جحدوه وليثبتوه بعد إذ أنكروه فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه فأراهم حلمه كيف حلم وأراهم عفوه كيف عفا وأراهم قدرته كيف قدر وخوفهم من سطوته وكيف خلق ما خلق من الآيات وكيف محق من محق من العصاة بالمثلات واحتصد من احتصد بالنقمات

______________________________________________________

التقادير يحتمل تعلقهما بقوله عليه‌السلام : « سِراجاً مُنِيراً » وبقوله عليه‌السلام : « داعِياً » أي كان سراجا منيرا أو داعيا أولا وآخرا وقيل : الهجرة عن مكة وبعد الرجوع إليها ، أو في جميع الأحوال ، أو باديا وعاديا.

قوله عليه‌السلام : « عُذْراً أَوْ نُذْراً » كل منهما مفعول له لقوله ـ بعث ـ أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين ، أو حال أي عاذرا ومنذرا.

قوله عليه‌السلام : « بحكم » المراد به الجنس ، أي بعثه مع أحكام مفصلة مبنية وتفصيل في الأحكام قد أحكمه وأتقنه.

قوله عليه‌السلام : « وفرقان » هو بالضم القرآن ، وكل ما فرق بين الحق والباطل والمراد بتفريقه إنزاله متفرقا أو تعلقه بالأحكام المتفرقة.

قوله عليه‌السلام : « فتجلى سبحانه » قال ابن ميثم : أشار بتجليه سبحانه في كتابه إلى ظهوره لهم في تذكيرهم فيه ما أراهم من عجائب مصنوعاته ، وبما خوفهم به من وعيده ، وبتذكيرهم أنه كيف محق من القرون الماضية بالعقوبات ، واحتصد من احتصد منهم بالنقمات ، كل ذلك الظهور والجلاء من غير رؤية له تعالى عن إدراك الحواس. وقال بعض الفضلاء : يحتمل أن يريد بتجليه في كتابه ظهوره في عجائب مصنوعاته ومكوناته ، ويكون لفظ الكتاب استعارة في العالم (١) انتهى.

قوله عليه‌السلام : « بالمثلات » بفتح الميم وضم الثاء أي العقوبات.

قوله عليه‌السلام : « واحتصد » الاحتصاد قطع الزرع والنبات بالمنجد أي أهلكهم.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ٣ ص ١٩٩ : .

٥٩٠

وكيف رزق وهدى وأعطى وأراهم حكمه كيف حكم وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى.

فبعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه وليس في العباد ولا في البلاد شيء هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته حتى تمالت بهم الأهواء وتوارثوا ذلك من الآباء وعملوا بتحريف الكتاب كذبا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « حكمه كيف حكم » وفي النسخة القديمة [ حلمه كيف حلم ] وفي الأول حكمه كيف حكم وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام : « من بعدي زمان » أي زمن بني أمية وبني العباس لعنهم الله.

قوله عليه‌السلام : « أبور » البوار الكساد.

قوله عليه‌السلام : « أنكى » قال الجزري : يقال نكيت في العدو ، أنكى نكاية إذا كثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك (١).

قوله : « وتناساه » قال الجوهري تناساه آوى من نفسه أنه نسيه (٢).

قوله عليه‌السلام : « حتى تمالت بهم الأهواء » كذا في أكثر النسخ فيحتمل أن يكون بتشديد اللام تفاعلا من الملال ، أي بالغوا في متابعة الأهواء حتى كأنها ملت بهم أو بتخفيف اللام من قولهم تمالؤوا عليه أي تعاونوا أو اجتمعوا فخفف الهمزة ويكون الباء بمعنى على ، والأظهر ما في النسخة المصححة القديمة وهو [ تمايلت ] أي أمالتهم الأهواء والشهوات عن الحق إلى الباطل ، وفي بعض النسخ [ غالت ] بالغين المعجمة من قولهم غاله أي أهلكه.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ١٦٠.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٥٠٨.

٥٩١

وتكذيبا فباعوه بالبخس « وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ » فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مؤو فحبذا ذانك الصاحبان واها لهما ولما يعملان له ـ فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ومعهم وليسوا معهم وذلك لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة قد ولوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وأهل الكتاب » أي الأئمة عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « لا يؤويهما مؤو » كناية عن عدم الرجوع إليهما والأخذ بما يأمران به.

قوله عليه‌السلام : « واها لهما » قال الجزري : فيه « من ابتلي فصبر فواها واها » قيل : معنى هذه الكلمة التلهف ، وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء يقال :

واها له (١).

قوله عليه‌السلام : « ولما يعمدان » أي يقصدان ، وفي بعض النسخ [ يعملان ].

قوله عليه‌السلام : « عن الجماعة » أهل الحق وهم أهل البيت عليهم‌السلام كما وردت به الأخبار الكثيرة ، وقد أوردناها في البحار (٢).

قوله عليه‌السلام : « وزبره » بسكون الباء أي كتابته.

قوله عليه‌السلام : « يدخل الداخل » أي في الدين ، وخروجه لما يرى من عدم عمل أهله به ، وبدعهم وجورهم.

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٩٩ ـ ١٠٣. أحاديث الباب ٦.

٥٩٢

ينتقل من دين ملك إلى دين ملك ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك ومن عهود ملك إلى عهود ملك فاستدرجهم الله تعالى « مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » وإن كيده متين بالأمل والرجاء حتى توالدوا في المعصية ودانوا بالجور والكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحا ضلالا تائهين قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله.

مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة خربة من الهدى قد بدل فيها من الهدى فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « بالأمل والرجاء » متعلق بقوله فاستدرجهم ، أي استدرجهم بأن أعطاهم ما يأملون ويرجون ، إذ وكلهم إلى أملهم ورجائهم ، ولم يعذبهم ولم يبتلهم لينصرفوا عنهما ، ويحتمل أن يكون حالا عن ضمير المفعول أو خبرا لمبتدء محذوف أي هم مشغولون بهما.

قوله عليه‌السلام : « والكتاب لم يضرب عن شيء منه » أي من الجور والواو للحال أي لم يعرض الكتاب عن بيان شيء من الجور ، وقوله « صفحا » مفعول مطلق من غير اللفظ أو مفعول له أو حال يقال صفحت عن الأمر أي أعرضت منه وتركته ، ويمكن أن يقرأ يضرب على بناء المجرد أي لم يدفع البيان عن شيء منه كما قال تعالى : « أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً » (١) وأن يقرأ على بناء الأفعال قال الجوهري أضرب عنه أعرض.

قوله عليه‌السلام : « ودانوا لغير الله » أي أمروا بطاعة غيره تعالى ، ولم يرد هذا البناء فيما عندنا من كتب اللغة ، وفي النسخة القديمة [ وكانوا لغير الله ].

قوله « على ذلك » أي على تلك العقائد الباطلة ، والأعمال القبيحة من عدم قسمة الفيء وعدم الوفاء بالذمة وغيرها

__________________

(١) سورة الزخرف : ٥.

٥٩٣

عامرة من الضلالة قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيء ولا يوفون بذمة يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا قد أتوا الله بالافتراء والجحود واستغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة وقد بعث الله عز وجل إليكم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ومن قبل ما مثلوا » هذا من قبيل قوله تعالى « وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ » ويحتمل وجهين.

الأول : أن تكون ما زائدة ، أي ، من قبل ذلك مثلوا بالصالحين.

والثاني : أن تكون مصدرية على أن محل المصدر الرفع بالابتداء وخبره الظرف ، أي وقع من قبيل تمثيلهم بالصالحين.

قال الجزري : مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ، ومثلت بالقتيل ، إذا جدعت أنفه أو أذنه ومذاكيره ، أو شيئا من أطرافه ، والاسم المثلة ، فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة (١) انتهى.

والحاصل : أن المراد أن هؤلاء الأشقياء الذين يفعلون بعدي تلك الأفعال الشنيعة قد فعل آباؤهم وأسلافهم مثل ذلك بالصالحين في زمن الرسول ، كمحاربة أبي سفيان وأضرابه لعنهم الله ، وتمثيلهم بحمزة وغيره ، وإنما نسب إليهم لرضاهم بفعال هؤلاء وكونهم على دينهم وعلى طريقتهم كما نسب الله إلى اليهود فعال آبائهم في مواضع من القرآن.

ويحتمل أن يكون المراد فعال هؤلاء في بدو أمرهم حتى غلبوا بذلك على الناس واستقر أمرهم.

وقال ابن ميثم وقوله : « ومن قبل ما مثل » إشارة إلى زمن بني أمية الكائن قبل زمن من يخبر عنهم (٢) ولا يخفى أن ما ذكرنا من الوجهين أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وسموا صدقهم » أي الصالحين قال ابن أبي الحديد قوله

__________________

(١) النهاية ج ٤ ص ٢٩٤.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ٣ ص ٢٠٢.

٥٩٤

رسولا « مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل عليه كتابا عزيزا « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ـ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » فلا يلهينكم

______________________________________________________

« على الله » متعلق بفرية ، ولا بصدقهم ، أي سموا صدقهم فرية على الله ، فإن امتنع أن يتعلق حرف الجر به لتقدمه عليه ، وهو مصدر فليتعلق بفعل مقدر دل عليه هذا المصدر (١) انتهى.

أقول : لعل الذي دعاه إلى هذا التكلف عدم تعدي الصدق بعلى ، وسبيل التضمين واسع كما لا يخفى.

قوله : « مِنْ أَنْفُسِكُمْ » أي من جنسه [ جنسكم ] ونسبكم وقرئ من أنفسكم بفتح الفاء أي من أشرفكم وأفضلكم « عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ » أي شديد عليه ، شاق عنتكم ولقاؤكم المكروه فهو يخاف عليكم سوء العاقبة ، والوقوع في العذاب « حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ » حتى لا يخرج أحد منكم عن أتباعه « بِالْمُؤْمِنِينَ » منكم ومن غيركم.

قوله عليه‌السلام : « كتابا عزيزا » أي كثير النفع ، عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » أي لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات ، أو مما فيه من الأمور الماضية والأمور الآتية « تَنْزِيلٌ » رفع على المدح « مِنْ حَكِيمٍ » ذي حكمة « حَمِيدٍ » يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.

قوله عليه‌السلام : « غَيْرَ ذِي عِوَجٍ » أي لا اختلال فيه بوجه. وقيل : بالشك « لِيُنْذِرَ » أي القرآن ويحتمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « مَنْ كانَ حَيًّا » أي عاقلا فهما ، فإن الغافل

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٩ ص ١٠٥ ـ ١٠٦.

٥٩٥

الأمل ولا يطولن عليكم الأجل فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة وترفع عنه التوبة وتحل معه القارعة والنقمة وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد وفصل لكم القول وعلمكم السنة وشرح لكم المناهج ليزيح العلة وحث على الذكر ودل على النجاة

______________________________________________________

كالميت أو مؤمنا في علم الله ، فإن الحياة الأبدية بالإيمان ، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع. « وَيَحِقَّ الْقَوْلُ » أي وتجب كلمة العذاب « عَلَى الْكافِرِينَ » المصرين على الكفر ، وجعلهم في مقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة.

قوله عليه‌السلام : « أمد أملهم » الأمد : الغاية ، والمنتهى ، أي إنما أهلك من كان قبلكم غايات آمالهم ، حيث جعلوها بعيدة لتغطية الآجال عنهم ، أي أملوا أمورا طويلة المدى تقصر عنها آجالهم.

قوله عليه‌السلام : « ترد عنه المعذرة » أي لا تقبل فيه معذرة معتذر.

قوله : « وترفع عنه التوبة » أي تنسد بابها عند نزوله كما قال تعالى : « وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ » (١).

قوله عليه‌السلام : « وتحل معه القارعة » أي المصيبة التي تقرع أي تلقى بشدة وقوة.

قوله عليه‌السلام : « ليزيح العلة » أي ليزيل الغدر.

قوله عليه‌السلام : « وحث على الذكر » أي على ذكر الله كثيرا عند الطاعة و

__________________

(١) سورة النساء : ١٨.

٥٩٦

وإنه من انتصح لله واتخذ قوله دليلا هداه « لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ » ووفقه للرشاد وسدده ويسره للحسنى فإن جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مغرورفاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذكر واخشوا منه بالتقى وتقربوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب قال الله عز وجل : « وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » (١) فاستجيبوا لله وآمنوا به وعظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله

______________________________________________________

المعصية والنعمة والبلية : وبالقلب واللسان بقوله اذكروا الله ذكرا كثيرا.

قوله عليه‌السلام : « وإنه من انتصح الله » أي قبل نصحه تعالى له فيما أمره ونهاه عنه واتخذه ناصحا ، وعلم أنه تعالى لا يأمره إلا بما ينجيه ولا ينهاه إلا عما يرديه.

قال الفيروزآبادي : انتصح : قبل النصح (٢).

قوله عليه‌السلام : « هي أقوم » أي للحالة والطريقة التي اتباعها وسلوكها أقوم.

قوله عليه‌السلام : « للحسنى » أي للطريقة أو العاقبة الحسنى.

قوله عليه‌السلام : « فإن جار الله » أي القريب إلى الله بالطاعة أو من آجره الله من عذابه ، أو من الشدائد مطلقا.

قال الفيروزآبادي الجار والمجاور : الذي أجرته من أن يظلم.

قوله عليه‌السلام : « فليستجيبوا الله » أي فيما أمركم به من الدعاء أو مطلقا وآمنوا به أي بوعده الاستجابة أو مطلقا.

قوله عليه‌السلام : « أن يتعظم » أي يدعي العظمة ، والحاصل أن من عرف عظمة

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٦.

(٢) القاموس. ج ١ ص ٢٦٢.

٥٩٧

أن يتواضعوا له وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب والبارئ من ذي السقم واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى

______________________________________________________

الله وجلاله فينبغي له أن يعد نفسه حقيرا فيما ظهر له من عظمته تعالى أو يعلم أن العظمة مختصة به تعالى وأما غيره فإنما يعد عظيما بما أعاره الله من العظمة فلا يجوز تعظيم أحد عليه ، أو يقال : إن غيره إنما يكتسب العظمة بالتذلل له ، والتواضع عنده ، والتقرب إليه ، فغاية العظمة والعزة في المخلوقين منوطة بنهاية التواضع والتذلل منهم ، ومن عرف قدرة الله علم أنه لا تكون السلامة في الدنيا والآخرة إلا بالاستسلام والانقياد ، له في جميع الأمور.

قوله عليه‌السلام : « فلا ينكرون أنفسهم » الإنكار ضد المعرفة ، أي لا يجهلون أنفسهم ومعائبها وعجزها بعد ما عرفوها أو بعد ما عرفوا الله تعالى بالجلال والعظمة والقدرة.

قوله عليه‌السلام : « الذي نقضه » ميثاق الكتاب.

قوله عليه‌السلام : « ولن تمسكوا به » أي بالكتاب.

قوله عليه‌السلام : « والتكلف » هو التعرض لما لا يعني ، وادعاء ما لا ينبغي ، والحاصل أنه لا يعرف الكتاب ولا يمكن العمل به وحفظه إلا بمعرفة حملته ، وأعدائهم المضيعين له ولا تعرف الهداية إلا بمعرفة أهلها والضلالة وأهلها ، فإن

٥٩٨

ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه ورأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه فعلم بالعلم جهله وبصر به عماه وسمع به صممه وأدرك به علم ما فات وحيي به بعد إذ مات وأثبت عند الله عز ذكره الحسنات ومحا به السيئات وأدرك به رضوانا من الله تبارك وتعالى

______________________________________________________

الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، وعلامة معرفتها التميز بينها وبين معارضتها ومخالفاتها.

قوله عليه‌السلام : « فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون » على بناء الأفعال أي لا يوقعنكم في الجهل والضلالة بادعاء علم الكتاب والسنة ، لأن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من عمل به ، واتصف بصفاته وذاق طعمه.

قوله عليه‌السلام : « فعلم بالعلم جهله » أي ما جهله مما يحتاج إليه في جميع الأمور ، أو كونه جاهلا قبل ذلك ، أو كمل علمه حتى أقر بأنه جاهل ، فإن غاية كل كمال في المخلوق الإقرار بالعجز عن استكماله ، والاعتراف بثبوته كما ينبغي للرب تعالى ، أو يقال : إن الجاهل لتساوي نسبة الأشياء إليه لجهله بجميعها يدعي علم كل شيء ، وأما العالم فهو يميز بين ما يعلمه وما لا يعلمه ، فبالعلم عرف جهله ، ولا يخفى جريان الاحتمالات في الفقرتين التاليتين ، وأن الأول أظهر في الجميع ، بأن يكون المراد. بقوله عليه‌السلام : « وبصر به عماه » أبصر به ما عمي عنه ، أو تبدلت عماه بصيرة.

قوله عليه‌السلام : « وسمع به » يمكن أن يقرأ بالتخفيف أي سمع ما كان صم عنه أو بالتشديد أي بدل بالعلم صممه بكونه سميعا.

قوله عليه‌السلام : « وأثبت » أي بعلم القرآن قوله « نور » إنما لم يجمع عليه‌السلام

٥٩٩

فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه قد خلت لهم من الله السابقة ومضى فيهم من الله عز وجل حكم صادق وفي ذلك « ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ » فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب

______________________________________________________

للإشعار بأنهم نور واحد ، كما وردت به الأخبار والمراد به الجنس. قوله عليه‌السلام : « وصممتم عن منطقهم » فإن لصمتهم وقتا وهيئة وحاله تكون قرائن دالة على حسن منطقهم لو نطقوا ، وعلى أن سكوتهم ليس إلا لحكمة ومصلحة دعتهم إليه.

قوله عليه‌السلام : « فهو بينهم » أي القرآن أو الدين.

قوله عليه‌السلام : « فهم من شأنهم شهداء بالحق » أي إنهم شهداء أو هم بسبب أطوارهم الحسنة وأخلاقهم الجميلة شهداء بالحق ، أي على الحق أو على الدين الذي يدعون إليه.

والحاصل إن شؤونهم وأعمالهم وأخلاقهم تشهد بحقية أقوالهم.

قوله عليه‌السلام : « ويخبر عطف على قوله بالحق » كقوله مخبر كما في بعض النسخ والمراد به حينئذ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله عليه‌السلام : « قد خلت » أي مضت « لهم من الله سابقه » أي نعمة سابقه من عصمتهم وجعلهم خلفاء الرسول وإخباره وإخبار رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشرفهم وفضلهم ووجوب اتباعهم.

قوله عليه‌السلام : « حكم صادق » أي من ظفرهم ونصرهم وحفظهم ورد الأمر

٦٠٠