مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

إلا لمن أطاعني فأما من عصاني فلست له بإمام لم يتعلقون باسمي ألا يكفون اسمي من أفواههم فو الله لا يجمعني الله وإياهم في دار.

٥٦٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول :

يا رب إما يغزون بطالب

في مقنب من هذه المقانب

______________________________________________________

الحديث الثالث والستون والخمسمائة : صحيح.

قوله : « يا رب أما تعززن (١) بطالب

في مقنب من هذه المقانب »

المقنب ـ بالكسر ـ جماعة الخيل والفرسان ، وفي بعض ما ظفرنا عليه من السير هكذا :

يا رب إما خرجوا بطالب

في مقنب من هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

وارددهم المسلوب غير السالب

وقال صاحب الكامل في ذكر قصته : وكان بين الطالب بن أبي طالب ـ وهو في القوم ـ وبين بعض قريش محاورة ، فقالوا : والله لقد عرفنا أن هواكم مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة ، وقيل إنه خرج كرها فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ، ولا فيمن رجع إلى مكة وهو الذي يقول :

يا رب إما يعززن طالب

في مقنب من هذه المقانب

فليكن المسلوب غير السالب

وليكن المغلوب غير الغالب (٢).

أقول : على ما نقلناه من الكتابين ظهر أنه لم يكن راضيا بهذه المقاتلة وكان يريد ظفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إما لأنه كان قد أسلم كما تدل عليه المرسلة أو لمحبة القرابة فالذي يخطر بالبال في توجيه ما في الخبر أن يكون قوله ـ بجعله بدل اشتمال لقوله ـ بطالب ـ أي إما تجعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله غالبا بمغلوبية طالب حال كونه

__________________

(١) وفي بعض نسخ المتن « يغزون بطالب ».

(٢) الكامل لابن الأثير : ج ٢ ص ٨٥.

٥٦١

في مقنب المغالب المحارب

بجعله المسلوب غير السالب

وجعله المغلوب غير الغالب

فقال قريش إن هذا ليغلبنا فردوه وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان أسلم

______________________________________________________

في مقنب المغالب المحارب

بجعله المسلوب غير السالب

وجعله المغلوب غير الغالب فقالت قريش : إن هذا ليغلبنا فردوه.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان أسلم.

في مقانب عسكر مخالفيه الذين يطلبون الغلبة عليه ، بأن تجعل طالبا مسلوب.

الثياب والسلاح غير سالب لأحد من عسكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويجعله مغلوبا منهم غير غالب عليهم.

وقيل : المراد إما تقوين قريشا بطالب حال كونه في طائفة من هذه الطوائف تكون غالبة وتكون غلبة الطالب بأن يجعل المسلوب بحيث لا يرجع ويصير سالبا وكذلك المغلوب ، ولا يخفى بعده كما عرفت ، وفي النسخة القديمة التي عندنا هكذا :

يا رب أما يعززن بطالب

في مقنب من هذه المقانب

في مقنب المغالب المحارب

فاجعله المسلوب غير السالب

واجعله المغلوب غير الغالب

وهو أظهر ويوافق ما نقلنا من السير ، ويؤيد ما ذكرنا من البيان والتفسير كما لا يخفى.

قوله : « ليغلبنا » على ما ذكرنا أي يريد غلبة الخصوم علينا أو يصير تخاذله سببا لغلبتهم علينا ، وعلى ما ذكره القائل (١) أي يفتخر علينا [ أي يفخر علينا ] ، ويظن أنه إنما تغلب عليهم بإعانته ولا يخفى أنه أبعد مما ذكره في صدر الخبر.

__________________

(١) كذا في النسخ.

٥٦٢

٥٦٤ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول جاءت فاطمة عليها‌السلام إلى سارية في المسجد وهي تقول وتخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

٥٦٥ ـ أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد إذ خفض له كل رفيع ورفع له كل خفيض حتى نظر إلى جعفر عليه‌السلام يقاتل الكفار قال فقتل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل جعفر وأخذه المغص في بطنه.

٥٦٦ ـ حميد بن زياد ، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن الحسن

______________________________________________________

الحديث الرابع والستون والخمسمائة : موثق.

قوله : « إلى سارية » أي أسطوانة ، وكانت هذه المطالبة والشكاية عند إخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام للبيعة كما مر ، أو عند غصب فدك ، و « الهنبثة » الأمر المختلف الشديد ، والاختلاط من القول ، والاختلاف فيه و « الخطب » الأمر الذي تقع فيه المخاطبة ، والشأن والحال ويمكن أن يقرأ الخطب بضم الخاء وفتح الطاء جمع خطبة و « الوابل » المطر الشديد الضخم القطر ، وفي كشف الغمة « واختل قومك لما غبت ، وانقلبوا » وفي الكتب زوائد أوردناها في البحار (١).

الحديث الخامس والستون والخمسمائة : موثق.

قوله عليه‌السلام « وأخذه المغص » المغص ـ بالتسكين ويحرك ـ وجع في البطن الظاهر أن الضمير في قوله « أخذه » وفي قوله « في بطنه » راجعان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أي أخذه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الداء لشدة اغتمامه وحزنه عليه.

الحديث السادس والستون والخمسمائة : مجهول.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٩٦.

٥٦٣

الطاطري ، عن محمد بن زياد بياع السابري ، عن عجلان أبي صالح قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيده يوم حنين أربعين.

٥٦٧ ـ أبان ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أتى جبرئيل عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين عينيه في حافره وخطاه مد بصره وإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه أهدب العرف الأيمن له جناحان من خلفه.

٥٦٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن فيض بن المختار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كيف تقرأ « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » (١) قال لو كان خلفوا لكانوا في حال طاعة ولكنهم خالفوا عثمان وصاحباه أما والله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أربعين » كذا ذكره الشيخ المفيد قدس‌سره في إرشاده وبعض أهل السير (٢).

الحديث السابع والستون والخمسمائة : مجهول.

قوله : « أهدب العرف » أي طويله وكان مرسلا في جانب الأيمن.

الحديث الثامن والستون والخمسمائة : مجهول.

قوله تعالى : « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ». قال الشيخ أمين الدين الطبرسي رحمه‌الله القراءة المشهورة « الَّذِينَ خُلِّفُوا » وقرأ علي بن الحسين وأبو جعفر الباقر وجعفر الصادق عليهم‌السلام وأبو عبد الرحمن السلمي « خالفوا » وقرأ عكرمة وزر بن حبيش وعمرو بن عبيد « خلفوا » بفتح الخاء واللام الخفيفة « ثم قال » نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، وذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يخرجوا معه لا عن نفاق ، لكن عن توان ، ثم ندموا فلما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة جاءوا إليه واعتذروا ، فلم يكلمهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقدم إلى المسلمين أن لا يكلمهم أحد منهم ، فهجرهم الناس حتى الصبيان ، وجاءت نساؤهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) سورة التوبه : ١١٨.

(٢) الإرشاد : ص ٦٦ ط الآخوندي ١٣٧٧ ه‍ ق.

٥٦٤

ما سمعوا صوت حافر ولا قعقعة حجر إلا قالوا أتينا فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا.

٥٦٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال تلوت « التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ » فقال لا اقرأ

______________________________________________________

فقلن له يا رسول الله نعتزلهم؟ فقال : لا ولكن لا يقربوكن ، فضاقت عليهم المدينة ، وخرجوا إلى رؤوس الجبال ، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام ، ولا يكلمونهم ، فقال بعضهم لبعض : قد هجرنا الناس ولا يكلمنا أحد فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا ولم يجتمع منهم اثنان ، وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله ويتوبون إليه ، فقبل الله توبتهم ، وأنزل فيهم هذه الآية « ثم قال » « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » قال مجاهد : معناه خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول التوبة من قبل توبتهم من المنافقين ، وقال الحسن وقتادة : معناه خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا هم ، وأما قراءة أهل البيت عليهم‌السلام خالفوا فإنهم قالوا لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب ولكنهم خالفوا (٢) انتهى.

أقول : يدل هذا الخبر على أن أبا بكر وعمر وعثمان كان وقع منهم أيضا تخلف عند خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تبوك ، فسلط الله عليهم الخوف في تلك الليلة حتى ضاقت عليهم الأرض برحبها وسعتها وضاقت عليهم أنفسهم. لكثرة خوفهم ، وحزنهم حتى أصبحوا ولحقوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واعتذروا إليه.

الحديث التاسع والستون والخمسمائة : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « قرأ التائبين » قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود والأعمش التائبين العابدين بالياء إلى آخرها ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « ثم قال » أما الرفع في قوله « التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ » فعلى القطع

__________________

(١) سورة التوبه : ١١٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ص ٧٨ ـ ٧٩ ـ ٨٠.

٥٦٥

التائبين العابدين إلى آخرها فسئل عن العلة في ذلك فقال اشترى من المؤمنين التائبين العابدين.

٥٧٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال هكذا أنزل الله تبارك وتعالى لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رءوف رحيم.

٥٧١ ـ محمد ، عن أحمد ، عن ابن فضال ، عن الرضا عليه‌السلام فأنزل الله سكينته على رسوله « وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » قلت هكذا قال هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها

______________________________________________________

والاستئناف ، أي هم التائبون ويكون على المدح ، وقيل : إنه رفع على الابتداء وخبره محذوف بعد قوله : « وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ » أي لهم الجنة أيضا عن الزجاج وقيل : إنه رفع على البدل من الضمير في يقاتلون ، أي يقابل التائبون وأما التائبين العابدين فيحتمل أن يكون جرا وأن يكون نصبا أما الجر فعلى أن يكون وصفا للمؤمنين أي من المؤمنين التائبين ، وأما النصب فعلى إضمار فعل بمعنى المدح ، كأنه قال : أعني أو امدح التائبين (١) انتهى.

أقول : الخبر يدل على أنها أوصاف لقوله : « المؤمنين ».

الحديث السبعون والخمسمائة : ضعيف.

ويدل على أن مصحفهم عليهم‌السلام كان مخالفا لما في أيدي الناس في بعض الأشياء.

الحديث الحادي والسبعون والخمسمائة : موثق.

قوله عليه‌السلام : « هكذا نقرؤها » هذه تتمة آية الغار ، حيث قال تعالى : « ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ

__________________

(١) سورة مجمع البيان : ج ٥ ص ٧٤.

٥٦٦

٥٧٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن عمار بن سويد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في هذه الآية « فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ » (١) فقال إن رسول الله

______________________________________________________

وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » « (٢) وقد ذكرنا سابقا أن الضمير لا بد من إرجاعه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه يدل على عدم إيمان أبي بكر لأن الله تعالى قال في تلك السورة » « ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٣) وقال في سورة الفتح « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٤) فتخصيص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هنا بالسكينة ، يدل على أنه لم يكن معه صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمن ، وعلى قراءتهم عليهم‌السلام كما يدل عليها هذه الخبر تخصيص السكينة به صلى‌الله‌عليه‌وآله مصرح لا يحتاج إلى استدلال.

الحديث الثاني والسبعون والخمسمائة : مجهول وقيل حسن.

قوله تعالى : « فَلَعَلَّكَ تارِكٌ » روى المفسرون عن ابن عباس أن رؤساء مكة من قريش أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا محمد إن كنت رسولا فحول لنا جبال مكة ذهبا أو ائتنا بملائكة يشهدون لك بالنبوة ، فأنزل الله « فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ » أي بعض القرآن وهو ما فيه سب آلهتهم ، فلا تبلغهم إياه دفعا لشرهم وخوفا منهم (٥) ، أو ما نزل في علي عليه‌السلام خوفا من تكذيبهم على تفسيره عليه‌السلام « وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ » أي لضيق صدرك « أَنْ يَقُولُوا » أي كراهة أن يقولوا ، أو مخافة أن يقولوا.

__________________

(١) سورة هود : ١٢.

(٢) سورة التوبة : ٤٠.

(٣) سورة التوبة : ٢٦.

(٤) سورة الفتح : ٢٦.

(٥) مجمع البيان : ج ٥ ص ١٤٦.

٥٦٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزل قديد قال لعلي عليه‌السلام يا علي إني سألت ربي أن يوالي بيني وبينك ففعل وسألت ربي أن يواخي بيني وبينك ففعل وسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل فقال رجلان من قريش والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه فهلا سأل ربه ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستغني به عن فاقته والله ما دعاه إلى حق ولا باطل إلا أجابه إليه فأنزل الله سبحانه وتعالى : « فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ » إلى آخر الآية.

٥٧٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ » (١) فقال كانوا « أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ » ليتخذ عليهم الحجة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لما نزل قديد » هو ـ كزبير ـ اسم واد وموضع ، والشن : بالفتح ـ القربة البالية.

قوله عليه‌السلام : « والله ما دعاه » أي إنما سأل هذه المنازل لعلي عليه‌السلام لوفور محبته له ، وسبب ذلك كثرة انقياده له في كل ما دعاه إليه ، فلذا يفتري فيه هذه الأشياء.

الحديث الثالث والسبعون والخمسمائة : حسن.

ورواه الصدوق في العلل بسند صحيح (٢) قوله عليه‌السلام : « كانوا أمة واحدة » ذكر المفسرون أن المراد بجعلهم أمة واحدة ، جبرهم على الإسلام ليكونوا جميعا مسلمين (٣) ، وظاهر الخبر أن المراد أنهم كانوا جميعا على الشرك والضلالة ولو شاء لتركهم كذلك ولكن بعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة ، فأسلم بعضهم فلذا صاروا مختلفين ، ويحتمل أن

__________________

(١) سورة هود : ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ص ١٠.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٢٠٣.

٥٦٨

٥٧٤ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن علي بن حماد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » (١) قال من تولى الأوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم عليه‌السلام وهو قول الله

______________________________________________________

يكون المراد أنهم كانوا في زمن آدم عليه‌السلام في بدو التكليف كلهم مؤمنين.

الحديث الرابع والسبعون والخمسمائة : ضعيف.

قوله تعالى : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ » هذه تتمة آية المودة أعني قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ » الآية. والروايات مستفيضة من طرق الخاصة والعامة أن صدر الآية نزلت في أهل البيت عليهم‌السلام.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : أي من فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسنا بأن نوجب له الثواب ، وذكر أبو حمزة الثمالي عن السدي أنه قال : اقتراف الحسنة المودة لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصح عن الحسن بن علي عليه‌السلام أنه خطب الناس فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ، وروى إسماعيل بن عبد الخالق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء (٢).

قوله عليه‌السلام : « فذاك يزيده » أي مودتهم مستلزمة لمودة هؤلاء ، أو لا تقبل مودة هؤلاء إلا بمودتهم.

قوله عليه‌السلام : « وهو قول الله » أي المراد بالحسنة فيها أيضا مودة الأوصياء عليهم‌السلام

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ص ٢٨.

٥٦٩

عز وجل « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » (١) يدخله الجنة وهو قول الله عز وجل : « قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » (٢) يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة وقال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل

______________________________________________________

أي نزلت فيها ، أو هي الفرد الكامل من الحسنة التي يشترط قبول سائر الحسنات بها فكأنها منحصرة فيها.

وقد روى محمد بن العياش في تفسيره بإسناده ، عن أبي عبد الله الجدلي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها هم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة كبت وجوههم في النار؟ قلت : لا ، قال : الحسنة مودتنا أهل البيت ، والسيئة عداوتنا أهل البيت.

وروي بإسناده عن عمار الساباطي في قوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » قال إنما الحسنة معرفة الإمام وطاعته وطاعته طاعة الله.

وبإسناده عنه عليه‌السلام قال : الحسنة ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وبإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سأله ، عن هذه الآية فقال : الحسنة ولاية علي عليه‌السلام والسيئة بغضه وعداوته.

قوله عليه‌السلام : « أجر المودة » الإضافة بيانية ، وما ذكره عليه‌السلام وجه حسن تام في الجمع بين تلك الآيات التي وردت في أجر الرسالة لأن الله تعالى قال في موضع : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (٣) فدلت على أن المودة أجر الرسالة.

وقال في موضع آخر : « قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » أي الأجر الذي سألتكم يعود نفعه إليكم به تهتدون وبه تنجون من عذاب الله.

__________________

(١) سورة النمل : ٨٩.

(٢) سورة سبأ : ٤٧.

(٣) سورة الشورى : ٢٣.

٥٧٠

التكذيب والإنكار « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ » (١) يقول

______________________________________________________

وقال في موضع آخر : « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً » (٢) فيظهر من تفسيره عليه‌السلام هنا أن المراد أن أجر الرسالة إنما أطلبه ممن قبل قولي وأطاعني واتخذ إلى ربه سبيلا.

وقال في موضع آخر « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ » فهذا خطاب للكافرين والجاحدين والمنافقين ، حيث لم يطلب منهم الأجر لعدم قبولهم رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال البيضاوي في الثانية : أي أي شيء سألتكم من أجر على الرسالة فهو لكم ، والمراد نفي السؤال عنه كأنه جعل التنبي مستلزما لأحد أمرين إما الجنون وإما توقع نفع لأنه إما أن يكون لغرض أو لغيره ، وأيا ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلا منهما ، وقيل : ما موصولة يراد بها ما سألهم بقوله : « ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً » وقوله : « لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » واتخاذ السبيل ينفعهم ، وقرباه قرباهم (٣).

وقال في الثالثة : « إِلاَّ مَنْ شاءَ » أي فعل من شاء « أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً » أي يتقرب إليه ، ويطلب الزلفى بالإيمان والطاعة ، فصور ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود فعله ، واستثناء منه قلعا لشبهة الطمع وإظهارا لغاية الشفقة ، حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن العقاب أجرا وافيا مرضيا به مقصورا عليه ، وإشعارا بأن طاعاتهم تعود عليه بالثواب من حيث أنها بدلالته ، وقيل الاستثناء منقطع ، معناه لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فليفعل (٤).

__________________

(١) سورة ص : ٨٦.

(٢) سورة الفرقان : ٥٧.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٤) أنوار التنزيل. ج ٢ ص ١٤٩.

٥٧١

متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شيء يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل

______________________________________________________

وقال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله في الرابعة : « ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ » أي على تبليغ الوحي والقرآن والدعاء إلى الله سبحانه « مِنْ أَجْرٍ » أي مال تعطونيه « وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ » لهذا القرآن من تلقاء نفسي ، وقيل : معناه إني ما آتيتكم رسولا من قبل نفسي ، ولم أتكلف هذا الإتيان بل أمرت به ، وقيل : معناه لست ممن يتعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل (١) انتهى.

أقول : يظهر لك بعد التأمل أن ما ذكره عليه‌السلام أظهر الوجوه لفظا ومعنى قوله تعالى : « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى » هذه الآية بعد آية المودة « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ أَمْ يَقُولُونَ ».

قال البيضاوي : بل أيقولون « افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً » افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن « فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ » استبعادا للافتراء عن مثله ، بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه ، جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه وقيل : يختم على قلبك يمسك القرآن والوحي عنه ، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم « وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » واستئناف لنفي الافتراء عما يقوله ، بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محق الباطل ، وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحق باطلهم ، وإثبات حقه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مرد له (٢) انتهى.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ص ٤٨٦.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٥٧.

٥٧٢

محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا وأراد الله عز وجل أن يعلم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أخفوا في صدورهم وأسروا به فقال في كتابه عز وجل : « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ » (١) يقول لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم وقد قال الله عز وجل : « وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ » يقول الحق لأهل بيتك الولاية : « إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » (٢) ويقول بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك وهو قول الله عز وجل : « وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ » (٣) وفي قوله عز وجل : « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » قال أقسم بقبض محمد إذا قبض : « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ » بتفضيله أهل بيته : « وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى »

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « حبست » أي الختم على القلب كناية عن حبس الوحي الدالة على الولاية.

قوله عليه‌السلام : « يقول الحق » أي يعني الله بالحق الولاية.

قوله عليه‌السلام : « يقول بما القوة » تفسير لقوله : « بِذاتِ الصُّدُورِ ».

قوله عليه‌السلام : « وهو قول الله وَأَسَرُّوا النَّجْوى » أي نزلت في شأن هؤلاء المنافقين المنكرين ، لكون إمامة أمير المؤمنين من عند رب العالمين « الذين عاهدوا وتعاقدوا » أن لا يرد الأمر إلى علي عليه‌السلام وهذه كانت نجواهم وظلمهم ، وقالوا : ليس علي عليه‌السلام إلا بشر مثلكم ، وما أتى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمره سحر ، فتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر.

قوله عليه‌السلام : « أقسم بقبر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » أي المراد بالنجم : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » (٤) أن المراد بالعلامات الأئمة والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد بهوايته. أي سقوطه وهبوطه وغروبه ، أو صعوده موته صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيبته في التراب ، أو صعود روحه المقدسة إلى

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٤.

(٢) سورة الشورى : ٢٤.

(٣) سورة الأنبياء : ٣.

(٤) سورة النحل : ١٦.

٥٧٣

يقول ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه وهو قول الله عز وجل « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (١) وقال الله عز وجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » (٢) قال لو أني أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي فكان مثلكم كما قال الله عز وجل : « كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ » (٣) يقول أضاءت الأرض بنور محمد كما تضيء الشمس فضرب الله مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الشمس ومثل الوصي القمر وهو قوله عز وجل :

______________________________________________________

رب الأرباب.

قوله عليه‌السلام : « لو أني أمرت » لعله على تأويله عليه‌السلام في الكلام تقدير ، أي لو أن عندي الإخبار بما يستعجلون به ، ولم يفسره عليه‌السلام الجزاء لظهوره ، أي لقضي الأمر بيني وبينكم لظهور كفركم ونفاقكم ، ووجوب قتلكم. وقوله عليه‌السلام : « فكان مثلكم » لبيان ما يترتب على ذهابه صلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهم من ضلالتهم ، وغوايتهم وبه أشار عليه‌السلام إلى تأويل حسن لآية أخرى ، وتشبيه كامل فيها ، وهي ما ذكره الله تعالى في وصف المنافقين حيث قال : « فمثلهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ » فالمراد استضاءة الأرض بنور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من العلم والهداية.

واستدل عليه‌السلام على أن المراد بالضوء هيهنا نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن الله تعالى : مثل في جميع القرآن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشمس ونسب إليها الضياء ، والوصي بالقمر ونسب إليه النور ، فالضوء للرسالة والنور للإمامة ، وهو قوله تعالى : « جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً » وربما يستأنس لذلك بما ذكره من أن الضياء يطلق على المضيء بالذات ، والنور على المضيء بالغير ، ولذا ينسب النور إلى القمر لأنه يستفيد النور من الشمس ، ولما كان نور الأوصياء مقتبسا من نور الرسول ، وعلمهم عليهم‌السلام من علمه عبر عن علمهم وكما لهم بالنور وعن علم الرسول وكماله بالضياء وأشار عليه‌السلام إلى تأويل آية أخرى وهي قوله تعالى :

__________________

(١) سورة النجم : ١ ـ ٤.

(٢) سورة الأنعام : ٥٨.

(٣) سورة البقرة : ١٧.

٥٧٤

« جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً » (١) وقوله « وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ » (٢) وقوله عز وجل « ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ » (٣) يعني قبض محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته وهو قوله عز وجل : « وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » (٤) ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي وهو قول الله عز وجل : « اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (٥) يقول أنا هادي السماوات والأرض مثل العلم الذي أعطيته وهو نوري الذي يهتدى به مثل المشكاة فيها المصباح فالمشكاة قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والمصباح النور الذي فيه العلم وقوله « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » يقول إني أريد أن أقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة : « كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فأعلمهم فضل الوصي : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليه‌السلام وهو قول الله عز وجل : « رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ

______________________________________________________

« وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ » فهي إشارة إلى ذهاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغروب شمس الرسالة ، فالناس مظلمون إلا أن يستضيئوا بنور القمر ، وهو الوصي ثم ذكر عليه‌السلام الآية السابقة بعد بيان أن المراد بالإضاءة إضاءة شمس الرسالة ، فقال : المراد بإذهاب الله نورهم قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهرت الظلمة ، فلم يبصروا فضل أهل بيته وقوله عليه‌السلام بعد ذلك ، وهو قوله عز وجل « وَإِنْ تَدْعُهُمْ » يحتمل أن يكون المراد أن هذه الآية نزلت في شأن الأمة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهاب نورهم فصاروا كمن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئا.

ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير ، أي كما أن في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر الله عن حال جماعة تركوا الحق ، واختاروا الضلالة فأذهب الله نور الهدى عن إسماعهم وأبصارهم ، فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنهم لا يسمعون ، ومع

__________________

(١) سورة يونس : ٥.

(٢) سورة يس : ٣٧.

(٣) سورة البقرة : ١٨.

(٤) سورة الأعراف : ١٩٧.

(٥) سورة النور : ٣٥.

٥٧٥

مَجِيدٌ » (١) وهو قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (٢) « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقول لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم عليه‌السلام وقد قال الله عز وجل : « ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٣) وقوله عز وجل : « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يقول مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون : « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يقول يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك

______________________________________________________

رؤيتهم الحق فكأنهم لا يبصرون ، فكذا هؤلاء لذهاب نور الرسالة من بينهم ، لا يبصرون الحق وإن كانوا ينظرون إليه.

قوله عليه‌السلام : « النور الذي فيه العلم » هو بيان للنور.

قوله عليه‌السلام : « يكادون أن يتكلموا » تفسير لقوله تعالى : « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ».

قوله عليه‌السلام : « بالنبوة » أي بعلومها وإسرارها.

قال الشيخ أمين الدين الطبرسي « قدس‌سره » : « نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » اختلف في معناه على وجوه :

أحدها : الله هادي أهل السماوات والأرض إلى ما فيه مصالحهم عن ابن عباس.

والثاني : الله منور السماوات والأرض بالشمس والقمر والنجوم عن الحسن وأبي العالية والضحاك.

والثالث : مزين السماوات بالملائكة ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء عن أبي ابن كعب ، وإنما ورد النور في صفة الله تعالى لأن كل نفع وإحسان وإنعام منه ، وهذا كما يقال : فلان رحمة وفلان عذاب إذا أكثر فعل ذلك منه ، وعلى هذا قول الشاعر :

ألم تر أنا نور قوم وإنما

يبين في الظلماء للناس نورها

__________________

(١) سورة هود : ٧٣.

(٢) سورة آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) سورة آل عمران : ٦٧.

٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والمعنى إنا إنما نسعى لهم فيما ينفعهم ومنا خيرهم ، وكذا قول أبي طالب في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

لم يعن بقوله وأبيض بياض لونه ، وإنما أراد كثرة إفضاله وإحسانه ونفعه والاهتداء به ، ولهذا المعنى سماه الله تعالى سراجا منيرا. « مَثَلُ نُورِهِ » فيه وجوه :

أحدها : إن معناه مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين ، وهو الإيمان في قلوبهم عن أبي بن كعب ، والضحاك وكان أبي يقرأ مثل نور من آمن به.

والثاني : مثل نوره الذي هو القرآن في القلب عن ابن عباس والحسن وزيد ابن أسلم.

والثالث : أنه عنى بالنور محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأضافه إلى نفسه تشريفا عن كعب وسعيد بن جبير ، فالمعنى مثل محمد رسول الله.

والرابع : أن نوره سبحانه الأدلة الدالة على توحيده وعدله التي هي في الظهور والوضوح مثل النور عن أبي مسلم.

والخامس : أن النور هنا الطاعة أي مثل طاعة الله في قلب المؤمن عن ابن عباس في رواية أخرى.

« كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » المشكاة : هي الكوة في الحائط يوضع عليها زجاجة ثم يكون المصباح خلف تلك الزجاجة ويكون للكوة باب آخر يوضع المصباح فيه ، وقيل : المشكاة عمود القنديل بل الذي فيه الفتيلة ، وهو مثل الكوة والمصباح السراج وقيل المشكاة القنديل ، والمصباح الفتيلة عن مجاهد.

« الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » أي ذلك السراج في زجاجة وفائدة اختصاص الزجاج بالذكر أنه أصفى الجواهر ، فالمصباح فيه أضوء.

٥٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

« الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » أي تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضيء الذي يشبه الدر في صفائه ونوره ونقائه ، وإذا جعلته من الدرء وهو الدفع فمعناه المندفع السريع الوقع في الانقضاض ويكون ذلك أقوى لضوئه. « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » أي يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة « زَيْتُونَةٍ » أراد بالشجرة المباركة شجرة الزيتون لأن فيها أنواع المنافع ، فإن الزيت يسرج به وهو إدام ودهان ودباغ ، ويوقد بحطب الزيتون وثقله ، ويغسل برماده الإبريسم ، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار ، وقيل : إنه خص الزيتونة ، لأن دهنها أصفى وأضوء.

وقيل : لأنها أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان ، ومنبتها منزل الأنبياء.

وقيل : لأنه بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم ، فلذلك سميت مباركة.

« لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » أي لا يضيء عليها ظل شرق ولا غرب ، فهي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ، ولا شجر ولا كهف ، فزيتها يكون أصفى عن ابن عباس والكلبي وعكرمة وقتادة فعلى هذا يكون المعنى أنها ليست بشرقية لا تصيبها الشمس إذا غربت ولا هي غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، بل هي شرقية غربية أخذت لحظيها من الأمرين.

وقيل : معناه أنها ليست من شجر الدنيا فتكون شرقية أو غربية عن الحسن.

وقيل : معناه أنها ليست في مقنوءة لا تصيبها الشمس ، ولا هي بارزة للشمس لا تصيبها الظل ، بل يصيبها الشمس والظل عن السدي.

وقيل : ليست من شجر الشرق ، ولا من شجر الغرب ، لأن ما اختص بأحد الجهتين كان أقل زيتا وأضعف ضوء لكنها من شجر الشام وهي ما بين المشرق و

٥٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المغرب عن ابن زيد.

« يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » من صفائه وفرط ضيائه « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي قبل أن تصيبه النار ، وتشتعل فيه. واختلف في هذه التشبيه والمشبه به على أقوال :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمشكاة : صدره والزجاجة : قلبه والمصباح : فيه النبوة ، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعني شجرة النبوة وهي إبراهيم عليه‌السلام ، يكاد نور محمد يتبين للناس ولو لم يتكلم به ، كما أن ذلك الزيت يكاد يضيء « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي لا تصيبه النار عن كعب وجماعة من المفسرين.

وقد قيل : أيضا أن المشكاة إبراهيم ، والزجاجة إسماعيل ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سمي سراجا في موضع آخر ، من شجرة مباركة يعني إبراهيم لأن أكثر الأنبياء من صلبه ، لا شرقية ولا غربية لا نصرانية ولا يهودية ، لأن النصارى تصلي إلى الشرق واليهود إلى الغرب « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » أي يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوصى إليه « نُورٌ عَلى نُورٍ » أي نبي من نسل نبي عن محمد بن كعب.

وقيل : إن « المشكاة » عبد المطلب و « الزجاجة » عبد الله « والمصباح » هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شرقية ولا غربية ، بل مكية لأن مكة وسط الدنيا عن الضحاك.

وروي عن الرضا عليه‌السلام « إنه قال : نحن المشكاة ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يهدي الله لولايتنا من أحب.

وفي كتاب التوحيد لأبي جعفر ابن بابويه وبالإسناد عن عيسى بن راشد ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله : « كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » قال : نور العلم في صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الزجاجة صدر علي عليه‌السلام صار علم النبي إلى صدر علي « الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » نور العلم « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ

٥٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نارٌ » قال : يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل « نُورٌ عَلى نُورٍ » أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في أثر إمام من آل محمد وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه ، وحججه على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم ، ويدل عليه قول أبي طالب عليه‌السلام في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أنت الأمين محمد

قرم أغر مسود

لمسودين أطايب

كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السعود

تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل

فينا وصي مرشد

ولقد عرفتك صادقا

بالقول لا تتفند

ما زلت تنطق بالصواب

وأنت طفل أمرد (١)

وتحقيق هذه الجملة يقتضي أن الشجرة المباركة المذكورة في هذه الآية هي دوحة التقى والرضوان ، وعترة الهدى والإيمان ، شجرة أصلها النبوة وفرعها الإمامة وأغصانها التنزيل ، وأوراقها التأويل ، وخدمها جبرئيل وميكائيل.

وثانيها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن ، المشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح الإيمان والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة هي الإخلاص لله وحده لا شريك له ، فهي خضراء ناعمة كشجرة التف بها الشجرة ، فلا يصيبها الشمس على أي حال ، وكانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شيء من الفتن ، فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الأموات « نُورٌ عَلى نُورٍ » كلامه نور ، وعلمه نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره نور إلى يوم القيامة عن أبي بن كعب.

__________________

(١) كتاب التوحيد : ص ١٠٢.

٥٨٠