مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

بعثت إليك فقال إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني أي زمان هذا فقال صدقت فأخبرني أي زمان هذا فقال هذا زمان الميزان فأمر له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه فقال له العالم إن الزمان الأول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء فاقبض مالك لا حاجة لي فيه ورده عليه.

٥٥٣ ـ أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن جعفر قال حدثني معتب أو غيره قال بعث عبد الله بن الحسن إلى أبي عبد الله عليه‌السلام يقول لك أبو محمد أنا أشجع منك وأنا أسخى منك وأنا أعلم منك فقال لرسوله أما الشجاعة فو الله ما كان لك موقف يعرف فيه جبنك من شجاعتك وأما السخاء فهو الذي يأخذ الشيء من جهته فيضعه في حقه وأما العلم فقد أعتق أبوك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ألف مملوك فسم لنا خمسة منهم وأنت عالم فعاد إليه فأعلمه ثم عاد إليه فقال له يقول لك أنت رجل صحفي فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام قل له إي والله صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي عليهم‌السلام.

______________________________________________________

به وكان ذلك من علوم الأنبياء ، على أنه يحتمل أن يكون من الأنبياء.

الحديث الثالث والخمسون والخمسمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فهو الذي يأخذ الشيء من جهته » أي لست أنت كذلك بل تأخذ أموال الإمام وتصرفه في تحصيل خلافة الجور لولدك محمد.

قوله : « إنك رجل صحفي » أي لم تأخذ العلم من الرجال ، بل أخذت من الكتب وهذا الخبر يدل على ذم عبد الله بن الحسن ، وفيه ذموم كثيرة مضى بعضها في كتاب الحجة (١) وقد أوردت أكثر ما يدل على حاله وحال أمثاله في كتاب بحار الأنوار (٢)

__________________

(١) أصول الكافي : ج ١ ص ٣٥٨ ح ١٧ وج ٢ ص ١٥٥ ح ٢٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤٧ ص ٢٧٦ ـ ح ١٨ و ١٩.

٥٤١

٥٥٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ

______________________________________________________

والأولى عدم التعرض لهم لما مر.

الحديث الرابع والخمسون والخمسمائة : مرسل.

قوله تعالى : « أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ » قال الطبرسي (ره) قال الأزهري : القدم : الشيء تقدمه قدامك ، ليكون عدة لك حتى تقدم عليه ، وقيل : القدم المقدم وقال ابن الأعرابي : القدم المتقدم في الشرف ، وقال أبو عبيدة والكسائي : كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم ، ثم قال (ره) أي عرفهم ما فيه الشرف والخلود في نعيم الجنة على وجه الإكرام والإجلال لصالح الأعمال ، وقيل : إن لهم قدم صدق أي أجرا حسنا ، ومنزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم عن ابن عباس ، وروي عنه أيضا إن المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأول ويؤيده قوله : « إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى » (١) الآية وقيل : هو تقويم الله تعالى إياهم في البعث يوم القيامة بيانه. قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقيل : « القدم » اسم للحسنى من العبد واليد اسم للحسنى من السيد ، للفرق بين السيد والعبد. وقيل إن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة ، عن أبي سعيد الخدري ، وهو المروي عن أبي عبد الله (٢) انتهى.

وقال الجوهري : القدم : السابقة في الأمر يقال لفلان قدم صدق أي أثره حسنة قال الأخفش : هو التقديم ، كأنه قدم خيرا فكان له فيه تقديم (٣) انتهى.

قوله عليه‌السلام : « هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » الضمير إما راجع إلى القدم بأن يكون المراد به المتقدم في الشرف أي لهم متقدم في الشرف يشفع لهم عند ربهم ، أو بتقدير

__________________

(١) سورة الأنبياء ١٠١.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ص ٨٨ ـ ٨٩.

(٣) الصحاح : ج ٥ ص ٢٠٧.

٥٤٢

آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (١) فقال هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥٥٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » (٢) قال لما أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه جبرئيل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء عليهم‌السلام ثم رجع فحدث أصحابه

______________________________________________________

مضاف أي شفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه الطبرسي (ره) (٣) أو ولايته وولاية أهل بيته عليهم‌السلام كما مر في كتاب الحجة حيث روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في تفسير هذه الآية : هو ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) فيكون القدم بالمعنى الذي نقله عن الأزهري ، أو راجع إلى الموصول إما بانضمام الأئمة معه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو للتعظيم.

ويؤيد الأول أن علي بن إبراهيم رواه في تفسيره بهذا السند ، وزاد في آخره والأئمة عليهم‌السلام (٥) ، أو راجع إلى الرب أي الذي رباهم بالعلم والكمال ، أو يكون الإسناد إلى الرب من قبيل ما يسند إلى الملوك مما يفعله بأمره مقربو جنابه ، والأول أظهر.

الحديث الخامس والخمسون والخمسمائة : حسن.

قوله تعالى : « وَما تُغْنِي الْآياتُ » قال الطبرسي : معناه ولا تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها والرسل المخوفة عن قوم لا ينظرون في الأدلة تفكرا وتدبرا وما يريدون الإيمان ، وقيل : ما تغني معناه أي شيء تغني

__________________

(١) سورة يونس : ٢.

(٢) يونس : ١٠١.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٨٨.

(٤) أصول الكافي : ج ١ ص ٤٢٢ ح ٥٠.

(٥) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٠٩. باختلاف في السند ومن دون زيادة « والأئمّة عليهم‌السلام » فى آخره. ـ في المطبوع ـ .

٥٤٣

أني أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة وقد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملا لهم أحمر وقد هم القوم في طلبه فقال بعضهم لبعض إنما جاء الشام وهو راكب سريع ولكنكم قد أتيتم الشام وعرفتموها فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجارها فقالوا يا رسول الله كيف الشام وكيف أسواقها قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شق عليه حتى يرى ذلك في وجهه قال فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا رسول الله هذه الشام قد رفعت لك فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجارها فقال أين السائل عن الشام فقالوا له فلان وفلان فأجابهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل وهو قول الله تبارك وتعالى : « وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله وبرسوله آمنا بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

عنهم من اجتلاب نفع أو دفع ضرر إذا لم يستدلوا بها فيكون ما للاستفهام ، انتهى (١).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « مررت بعير » العير ـ بالكسر ـ : القافلة.

قوله : « إنما جاء الشام » أي أتاه أو منه بأن يكون منصوبا بنزع الخافض وفي النسخة القديمة [ إنما جاءه راكب سريع ] أي جبرئيل ، وفيما رواه الشيخ الطبرسي ـ رحمه‌الله : « إنما جاء راكب سريع » (٢) وكذا في العياشي (٣) وهو أظهر وعلى التقادير إنما قالوا ذلك استهزاء ، ويحتمل على النسخة القديمة أن يكونوا أرادوا به أنه اطلع على ذلك من جهة راكب متسرع أتاه فأخبره.

قوله عليه‌السلام : « شق عليه » أي كان يصعب عليه مخافة من تكذيب قومه إذا أبطأ في الإخبار.

قوله عليه‌السلام : « هذه الشام » أي أصلها بالإعجاز أو مثالها.

__________________

(١ و ٢) مجمع البيان : ج ٥ ص ١٣٨. وفيه « إنّما جاءه راكب سريع ».

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ص ١٣٨. وفيه « إنّما جاء راكبا سريعا ».

٥٤٤

٥٥٦ ـ أحمد بن محمد بن أحمد ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن محمد بن عبد الله ، عن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا قال المؤمن لأخيه أف خرج من ولايته وإذا قال أنت عدوي كفر أحدهما لأنه لا يقبل الله عز وجل من أحد عملا في تثريب على مؤمن نصيحة ولا يقبل من مؤمن عملا وهو يضمر في قلبه على المؤمن سوءا لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى وصل ما بين الله عز وجل وبين المؤمن خضعت للمؤمنين رقابهم وتسهلت لهم أمورهم

______________________________________________________

الحديث السادس والخمسون والخمسمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « خرج من ولايته » أي انقطع بينهما الولاية التي جعلها الله بينهما بقوله تعالى : « الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (١) وفيه إشعار بأنه خرج عن الإيمان ويحتمل إرجاع الضمير إلى الله أي عن ولاية الله حيث قال « اللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « كفر أحدهما » أي إن كان صادقا فقد كفر أخوه بعداوته ، وإن كان كاذبا فقد كفر بالافتراء على أخيه بذلك ، وهذا هو الكفر الذي يتصف به أصحاب الكبائر ، وقد مر تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر (٢).

قوله عليه‌السلام : « في تثريب » التثريب : التعيير والاستقصاء في اللوم ، وقوله :

« نصيحة » إما بدل أو بيان لقوله « عملا » أي لا يقبل من أحد نصيحة لمؤمن يشتمل على تعيير أو مفعول لأجله للتثريب أي لا يقبل عملا من أعماله إذا عيره على وجه النصيحة فكيف بدونها ، ويحتمل أن يكون المراد أن يعيره لكون ذلك المؤمن نصح لله ، وهو بعيد.

قوله عليه‌السلام : « إلى وصل ما بين الله » أي الروابط المعنوية من القرب والمحبة والرحمات والهدايات وغيرها.

__________________

(١) سورة التوبة : ٧١. والآية « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ».

(٢) لاحظ : ج ٩ ص ٣٦ ـ ٣٧.

٥٤٥

ولانت لهم طاعتهم ولو نظروا إلى مردود الأعمال من الله عز وجل لقالوا ما يتقبل الله عز وجل من أحد عملا.

وسمعته يقول لرجل من الشيعة أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء وكل مؤمن صديق.

قال وسمعته يقول شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله عز وجل يوم القيامة بعدنا وما من شيعتنا أحد يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته فيها عدد من خالفه من الملائكة يصلون عليه جماعة حتى يفرغ من صلاته وإن الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة ـ تدعو له الملائكة حتى يفطر.

وسمعته يقول أنتم أهل تحية الله بسلامه وأهل أثرة الله برحمته وأهل توفيق

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وتسهلت لهم أمورهم » أي على الناس أمور المؤمنين من إعانتهم وقضاء حوائجهم وخدمتهم.

قوله عليه‌السلام : « حوراء عيناء » أي في الجنة.

قوله عليه‌السلام : « صديق » أي ينزلون في الجنة منازل الصديقين ، ويكونون في درجاتهم أو هم عند الله منهم.

قوله عليه‌السلام : « عدد من خالفه » أي من فرق المسلمين أو كل من يخالفه في الدين من أي الفرق كان.

قوله عليه‌السلام : « يصلون عليه » أي يدعون ويستغفرون له « جماعة » أي مجتمعين أو يأتمون به في الصلاة ، وله ثواب إمام الجماعة كما ورد إن المؤمن وحده جماعة ، ويحتمل أن يكون « جماعة » فاعل اكتنفه.

قوله عليه‌السلام : « ليرتع في رياض الجنة » أي يستوجب بذلك دخولها حتى كأنه فيها أو المراد رياض القرب والوصال.

قوله عليه‌السلام : « بسلامه » أي يسلم الملائكة عليكم في الجنة تحية من الله كما

٥٤٦

الله بعصمته وأهل دعوة الله بطاعته لا حساب عليكم ولا خوف ولا حزن أنتم للجنة والجنة لكم أسماؤكم عندنا الصالحون والمصلحون وأنتم أهل الرضا عن الله عز وجل برضاه عنكم والملائكة إخوانكم في الخير فإذا جهدتم ادعوا وإذا غفلتم اجهدوا وأنتم خير البرية دياركم لكم جنة وقبوركم لكم جنة للجنة خلقتم وفي الجنة نعيمكم وإلى الجنة تصيرون.

٥٥٧ ـ أحمد بن محمد بن أحمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لجعفر عليه‌السلام

______________________________________________________

ورد به الخبر.

قوله عليه‌السلام : « وأهل أثره الله » أي مكرمته أو اختاركم وآثركم على غيركم قال الفيروزآبادي : الأثرة ـ بالضم ـ : المكرمة المتوارثة ، وآثره أكرمه وآثر اختار (١).

قوله عليه‌السلام : « وأهل دعوة الله بطاعته » أي دعاكم إلى الجنة بسبب أنكم أطعتموه في موالاة أئمة الهدى ، فقبل أعمالكم ، أو أنكم المقصودون في الدعاء إلى الطاعة لعدم قبولها من غيركم.

قوله عليه‌السلام : « برضاه عنكم » أي إنما رضيتم عن الله لعلمكم بأنه رضي عنكم أو لرضاه عنكم جعلكم راضين عنه ، أو الباء للملابسة.

قوله عليه‌السلام : « إذا جهدتم » أي وقعتم في الجهد والمشقة ادعوا الله لكشفها ، وفي بعض النسخ [ اجتهدتم ] أي إذا بالغتم في طاعة ربكم فاسألوه التوفيق للمزيد.

قوله عليه‌السلام : « دياركم لكم جنة » أي أنتم في دوركم تكسبون الجنة فكأنكم فيها ، ويحتمل أن يكون المراد الجنة المعنوية كما مر ، ويحتمل أيضا أن يراد أن داركم التي خلقتم لها هي الجنة لا الدنيا ولا يخلو من بعد.

الحديث السابع والخمسون والخمسمائة : ضعيف على الأشهر.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٣٧٤.

٥٤٧

حين قدم من الحبشة أي شيء أعجب ما رأيت قال رأيت حبشية مرت وعلى رأسها مكتل فمر رجل فزحمها فطرحها ووقع المكتل عن رأسها فجلست ثم قالت ويل لك من ديان يوم الدين إذا جلس على الكرسي وأخذ للمظلوم من الظالم فتعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥٥٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن آزر أبا إبراهيم عليه‌السلام

______________________________________________________

قوله : « مكتل » قال الفيروزآبادي : المكتل ـ كمنبر ـ : زنبيل يسع خمسة عشر صاعا (١).

قوله : « فتعجب رسول الله » لعل تعجبه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من صدور مثل هذا الكلام الدال على الإيمان التام بيوم الجزاء من حبشية في بلاد الشرك ، الحديث الثامن والخمسون والخمسمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام : « إن آزر أبا إبراهيم عليه‌السلام » اعلم أن العامة اختلفوا في أبي إبراهيم ، قال الرازي في تفسير قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ » (٢) ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم هو آزر ، ومنهم من قال اسمه تارخ ، قال الزجاج : لا خلاف بين النسابين أن اسمه تارخ ، ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن (٣).

أقول : ثم ذكر لتوجيه ذلك وجوها « إلى أن قال » : والوجه الرابع : إن والد إبراهيم عليه‌السلام كان تارخ ، وآزر كان عما له ، والعم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنهم « قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ » (٤) ومعلوم أن إسماعيل كان عما ليعقوب ، وقد أطلقوا عليه لفظ الأب

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٤ ص ٤٤.

(٢) سورة الأنعام : ٧٤.

(٣) مفاتيح الغيب « التفسير الكبير » ج ٣ ص ٣٢٦.

(٤) سورة البقرة : ١٣٣.

٥٤٨

كان منجما لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول

______________________________________________________

فكذا هيهنا.

أقول : ثم قال بعد كلام : قالت الشيعة إن أحدا من آباء الرسول وأجداده ما كان كافرا ، وأنكروا أن والد إبراهيم كان كافرا ، وذكروا أن آزر كان عم إبراهيم وما كان والدا له واحتجوا على قولهم بوجوه.

الحجة الأولى : إن آباء نبينا ما كانوا كفارا ، ويدل عليه وجوه « منها » قوله تعالى : « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ » (١) قيل : معناه أنه كان ينقل روحه عن ساجد إلى ساجد ، وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا مسلمين ، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما.

ثم قال : ومما يدل أيضا على أن أحدا من آباء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كانوا مشركين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، وقال تعالى : « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (٢) وذلك يوجب أن يقال إن أحدا من أجداده ما كان من المشركين (٣) انتهى.

وقال الشيخ الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ بعد نقل ما مر من كلام الزجاج : وهذا الذي قاله الزجاج يقوى ما قاله أصحابنا أن آزر كان جد إبراهيم لأمه ، أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آدم كلهم كانوا موحدين ، وأجمعت الطائفة على ذلك (٤) انتهى.

أقول : الأخبار الدالة على إسلام آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة ، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الأخبار ، وقد عرفت إجماع

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢١٩.

(٢) سورة التوبة : ٢٨.

(٣) مفاتيح الغيب « التفيسر الكبير » ج ٣ ص ٣٢٦.

(٤) مجمع البيان : ج ٤ ص ٣٢٢.

٥٤٩

لنمرود لقد رأيت عجبا قال وما هو قال رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك وقال هل حملت به النساء قال لا قال فحجب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم عليه‌السلام فظن أنه صاحبه فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شيء إلا علمن به فنظرن فألزم الله عز وجل ما في الرحم إلى الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا وكان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يؤت علم أن الله تعالى سينجيه قال فلما وضعت أم إبراهيم أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله فقالت له امرأته لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا تكون أنت الذي تقتل ابنك فقال لها فامضي به قال فذهبت به إلى غار ثم أرضعته ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه قال فجعل الله عز وجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشخب لبنها وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة فمكث

______________________________________________________

الفرقة المحقة على ذلك بنقل المخالف والمؤالف ، وهذا الخبر صريح في كون والده عليه‌السلام آزر فلعله ورد تقية وبسط القول فيه وفي سائر خصوصيات قصصه عليه‌السلام موكول إلى كتابنا الكبير (١).

قوله عليه‌السلام : « لقد رأيت عجبا » لقد علمت أنه يدل على كون النجوم علامات للكائنات ، ولا يدل على جواز النظر فيها والحكم بها لغير من أحاط بها علما.

قوله عليه‌السلام : « لا يخلص إليها » على بناء المجهول يقال خلص إليه أي وصل.

قوله عليه‌السلام : « فعلقت » بكسر اللام أي حبلت.

قوله عليه‌السلام : « بعض الغيران » هي جمع الغار.

قوله عليه‌السلام : « فيشخب » بضم الخاء وفتحها أي يسيل.

قوله عليه‌السلام : « يشب في اليوم » بكسر الشين ـ أي ينمو لعل المراد أن في

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٤٨ ـ ٥٠.

٥٥٠

ما شاء الله أن يمكث ثم إن أمه قالت لأبيه لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فعلت قال فافعلي فذهبت فإذا هي بإبراهيم عليه‌السلام وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان قال فأخذته فضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه فسألها آزر عنه فقالت قد واريته في التراب فمكثت تفعل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليه‌السلام فتضمه إليها وترضعه ثم تنصرف فلما تحرك أتته كما كانت تأتيه فصنعت به كما كانت تصنع فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له ما لك فقال لها اذهبي بي معك فقالت له حتى أستأمر أباك قال فأتت أم إبراهيم عليه‌السلام آزر فأعلمته القصة فقال لها ائتيني به فأقعديه على الطريق فإذا مر به إخوته دخل معهم ولا يعرف قال وكان إخوة إبراهيم عليه‌السلام يعملون الأصنام ويذهبون بها إلى الأسواق ويبيعونها قال فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق ومر إخوته فدخل معهم فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه فمكث ما شاء الله قال فبينما إخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذا أخذ إبراهيم عليه‌السلام القدوم وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله فقال آزر لأمه إني لأرجو أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا قال فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا فقال له أي شيء عملت فقال له إبراهيم عليه‌السلام وما تصنعون به فقال آزر نعبده فقال له إبراهيم عليه‌السلام « أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ » فقال آزر لأمه هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه

______________________________________________________

الأسبوع الأول يشب كل يوم كما يشب غيره في الجمعة ، أي الأسبوع تسمية للكل باسم الجزء ، ثم في بقية الشهر يشب في كل أسبوع كما يشب غيره في شهر ، ثم في في بقية السنة يشب في كل شهر كما يشب غيره في السنة ، ويحتمل أن لا تكون هذه التشبيهات مبنية على المساواة الحقيقية ، بل على محض الإسراع في النمو ، وهذا شائع في المحاورات.

قوله عليه‌السلام : « تزهران » أي تضيئان ، و « القدوم » بفتح القاف وضم الدال المخففة وقد تشد ـ آلة ينحت بها.

٥٥١

٥٥٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال خالف إبراهيم عليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه فقال إبراهيم عليه‌السلام « رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ » قال إبراهيم « فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ

______________________________________________________

الحديث التاسع والخمسون والخمسمائة : حسن أو موثق.

قوله تعالى : « أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ » قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : أي فقال نمرود أنا أحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل ، وأميت بالقتل من شئت أي ممن هو حي ، وهذا جهل من الكافر ، لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى ، عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت ، أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به ، ولا يقدر عليه سواه قال إبراهيم : « فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ».

قيل : في انتقاله من حجة إلى حجة أخرى وجهان :

أحدهما : أن ذلك لم يكن انتقالا وانقطاعا عن إبراهيم ، فإنه يجوز من كل حكيم إيراد حجة أخرى على سبيل التأكيد بعد تمام ما ابتدأ به من الحجاج ، وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه ، بشبهة لها تأثير عند التأمل والتدبر لموقعها من الحجة المعتمد عليها.

والثاني : إن إبراهيم إنما قال ذلك ليبين أن من شأن من يقدر على إحياء الأموات وإماتة الأحياء ، أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق ، فإن كنت قادرا على ذلك ، فأت بها من المغرب ، وإنما فعل ذلك لأنه لو تشاغل معه بأني أردت اختراع الحياة والموت من غير سبب ولا علاج لاشتبه على كثير ممن حضر ، فعدل إلى ما هو أوضح ، لأن الأنبياء عليهم‌السلام إنما بعثوا للبيان والإيضاح ، وليست أمورهم مبنية

٥٥٢

فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » (١) وقال أبو جعفر عليه‌السلام عاب آلهتهم : « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » (٢) قال أبو جعفر عليه‌السلام والله ما كان سقيما وما كذب فلما تولوا « عَنْهُ مُدْبِرِينَ » إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها « إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ » ووضع القدوم في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي

______________________________________________________

على تحاج الخصمين ، وطلب كل واحد منهما غلبة خصمه ، وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أن إبراهيم قال له أحي من قتلته إن كنت صادقا ثم استظهر عليه بما قاله ثانيا « فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ » أي تحير عند الانقطاع بما بأن له من ظهور الحجة « وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد ، وقيل : معناه لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه وقيل : معناه لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنه لا لطف لهم ، وقيل لا يهديهم إلى الجنة (٣) انتهى كلامه ـ رحمه‌الله.

قوله تعالى : « فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » قال الشيخ الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ : اختلف في معناه على أقوال :

أحدها : أنه عليه‌السلام : نظر في النجوم فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتوره فقال إني سقيم أراد أنه قد حضر وقت علته وزمان نوبتها ، فكأنه قال : إني سأسقم لا محالة ، وحان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى وقد يسمى المشارف للشيء باسم الداخل فيه قال الله تعالى : « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » (٤) وليس نظره في النجوم على حسب ما ينظره المنجمون طلبا للأحكام.

وثانيها : أنه نظر في النجوم كنظرهم لأنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم ، فقال عند ذلك « إِنِّي سَقِيمٌ » فتركوه ظنا منهم

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.

(٢) سورة الصافّات : ٨٨ ـ ٨٩ ، .

(٣) مجمع البيان : ج ٢ ص ٣٦٨.

(٤) سورة الزمر : ٣٠.

٥٥٣

يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بني له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار ووضع إبراهيم عليه‌السلام في منجنيق وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار قال الرب إن دعاني كفيته فذكر أبان عن محمد بن مروان عمن رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام أن دعاء إبراهيم عليه‌السلام يومئذ كان ـ يا أحد [ يا أحد يا صمد ] يا صمد يا من « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » ثم قال « تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ » فقال الرب تبارك وتعالى كفيت ـ فقال للنار « كُونِي بَرْداً » قال فاضطربت أسنان إبراهيم عليه‌السلام

______________________________________________________

أن نجمة يدل على سقمه ، ويجوز أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل ، وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص ، أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص ، فلما رأى إبراهيم تلك الأمارة قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى.

وثالثهما : إن معناه نظر في النجوم نظرا فاستدل بها كما قصه الله في سورة الأنعام على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة وأشار بقوله ـ إني سقيم ـ إلى أنه في حال مهلة النظر ، وليس على يقين من الأمر ، ولا شفاء من العلم ، وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه شفاء ، عن أبي مسلم وهو ضعيف.

ورابعها : أن معنى قوله « إِنِّي سَقِيمٌ » إني سقيم القلب ، أو الرأي خوفا (١) من إصرار القوم على عبادة الأصنام ، وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون على هذا معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة مدبرة ، وتعجبه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى عبدوها ، وما رواه العياشي بإسناده ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : والله ما كان سقيما وما كذب ، فيمكن أن يحمل على أحد الوجوه التي ذكرناها ، ويمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أن كل من كتب عليه الموت فهو سقيم ، وإن لم يكن به سقم في الحال (٢) انتهى.

__________________

(١) في المصدر « حزنا ».

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ص ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

٥٥٤

من البرد حتى قال الله عز وجل « وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » وانحط جبرئيل عليه‌السلام وإذا هو جالس مع إبراهيم عليه‌السلام يحدثه في النار قال نمرود من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم قال فقال عظيم من عظمائهم إني عزمت على النار أن لا تحرقه قال فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه قال فآمن له لوط وخرج مهاجرا إلى الشام هو وسارة ولوط.

٥٦٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن إبراهيم عليه‌السلام كان مولده بكوثى ربا وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم

______________________________________________________

أقول : قد أوردنا الأخبار الواردة في تأويل الآية في كتاب بحار الأنوار (١) وشرحناها هناك فلا نذكرها هيهنا حذرا من التطويل.

قوله : « فذكرا أبان » هذا كلام البزنطي ، والخبر بهذا السند مرسل.

قوله عليه‌السلام : « فأخذ عنق » أي طائفة.

الحديث الستون والخمسمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « بكوثى » قال الفيروزآبادي : كوثى ـ كطوبى ـ قرية بالعراق وقال : الربى كهدي ـ موضع (٢).

وقال الجزري : « كوثى » سرة السواد وبها ولد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام (٣).

وفي بعض كتب القصص كوثى ربي من أرض العراق ، وهي أرض ذات أشجار وأنهار.

وقال صاحب الكامل : اختلف في الموضع الذي ولد فيه ، فقيل : ولد بالسوس من أرض الأهواز ، وقيل ولد ببابل ، وقيل : بكوثى وقيل : نجران ولكن أباه

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٩٤.

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٧٩. وج ٤ ص ٣٣٤.

(٣) النهاية : ج ٤ ص ٢٠٧.

٥٥٥

لوط سارة وورقة ـ وفي نسخة رقية أختين وهما ابنتان للاحج وكان اللاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا وكان إبراهيم عليه‌السلام في شبيبته على.

الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة وكانت قد ملكت إبراهيم عليه‌السلام جميع ما كانت تملكه فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالا منه وإن إبراهيم عليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق وعمل له حيرا وجمع له فيه

______________________________________________________

نقله (١).

قوله عليه‌السلام : « فكانت أم إبراهيم » ذكر صاحب الكامل أن لوطا كان ابن أخي إبراهيم عليه‌السلام (٢) وهو وإن لم يكن منافيا لما في الخبر ، لكن لو كانت هذه القرابة لكانت أولى بالذكر فعدمه يدل على عدمها ، وفي بعض النسخ [ امرأة إبراهيم وامرأة لوط ] وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام « ولم يكن رسولا » أي لم يكن ممن يأتيه الملك فيعاينه ، كما يظهر من الأخبار ، أو لم يكن صاحب شريعة مبتدأة كما قيل ، وقد سبق تحقيقه في كتاب الحجة (٣) « في شبيبته » أي في حداثته على الفطرة ، أو التوحيد أي كان موحدا بما آتاه الله من العقل ، وألهمه حتى جعله الله نبيا وبعث إليه الملك.

قوله عليه‌السلام : « ابنة لاحج » الظاهر أنه كان ابنة ابنة لاحج ، فتوهم النساخ التكرار فأسقطوا إحداهما ، وعلى ما في النسخ المراد ابنة الابنة مجازا ، وعلى نسخة « الامرأة » لا يحتاج إلى تكلف.

قوله عليه‌السلام : « وعمل له حيرا » قال الجوهري : الحير ـ بالفتح ـ شبه

__________________

(١ و ٢) الكامل لابن الأثير : ج ٢ ص ٨٥.

(٣) لاحظ ج ٢ ص ٢٨٧ ـ ٢٩٢.

٥٥٦

الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم عليه‌السلام في النار لتحرقه ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليه‌السلام سليما مطلقا من وثاقه فأخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه‌السلام من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجهم إبراهيم عليه‌السلام عند ذلك فقال إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليه‌السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه وقال إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه صلى الله عليهما من بلادهم إلى الشام فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ » يعني بيت المقدس.

فتحمل إبراهيم عليه‌السلام بماشيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرة منه عليها ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لإبراهيم عليه‌السلام افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه فقال له إبراهيم عليه‌السلام قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه قال فأبى العاشر إلا فتحه قال وغضب إبراهيم عليه‌السلام على فتحه فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر ما هذه المرأة منك قال إبراهيم عليه‌السلام هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت فقال إبراهيم عليه‌السلام الغيرة عليها أن يراها أحد

______________________________________________________

الحظيرة (١).

قوله عليه‌السلام : « ليعشر ما معه » قال الجوهري : عشرت القوم ، أعشرهم ـ بالضم ـ

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٦٤٠.

٥٥٧

فقال له العاشر لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك قال فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه فحملوا إبراهيم عليه‌السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقال له الملك افتح التابوت فقال إبراهيم عليه‌السلام أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي قال فغضب الملك إبراهيم على فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم عليه‌السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه فقال له الملك إن إلهك هو الذي فعل بي هذا فقال له نعم إن إلهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام فقال له الملك فادع إلهك يرد علي يدي فإن أجابك فلم أعرض لها فقال إبراهيم عليه‌السلام إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي قال فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه‌السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال اللهم احبس يده عنها قال فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم عليه‌السلام إن إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد فقال له إبراهيم عليه‌السلام أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله فقال الملك نعم فقال إبراهيم عليه‌السلام اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده فرجعت إليه يده فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده عظم إبراهيم عليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه وقال له قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة فقال إبراهيم عليه‌السلام ما هي فقال له أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما قال فأذن له إبراهيم عليه‌السلام فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل عليه‌السلام فسار إبراهيم عليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك

______________________________________________________

عشرا ـ مضمومة ـ إذا أخذت عشر أموالهم (١).

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٢ ص ٧٤٧.

٥٥٨

معه يمشي خلف إبراهيم عليه‌السلام إعظاما لإبراهيم عليه‌السلام وهيبة له فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي هو خلفك ولكن اجعله أمامك وامش وعظمه وهبه فإنه مسلط ولا بد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة فوقف إبراهيم عليه‌السلام وقال للملك امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالا لك فقال له الملك أوحى إليك بهذا فقال له إبراهيم عليه‌السلام نعم فقال له الملك أشهد إن إلهك لرفيق حليم كريم وإنك ترغبني في دينك قال وودعه الملك فسار إبراهيم عليه‌السلام حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا عليه‌السلام في أدنى الشامات ثم إن إبراهيم عليه‌السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا فابتاع إبراهيم عليه‌السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه‌السلام.

٥٦١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن أحمد المنقري ، عن يونس بن ظبيان قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل فقال من هذا الرجل ومن هذين الرجلين قلت ألا تنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وغصب » أي العاشر إبراهيم على فتحه ، قال الفيروزآبادي : غصب فلانا على الشيء قهره (١).

قوله تعالى : « أو فاجرة » أي لا بد في النظام من أحدهما فإذا رفع الفاجر يد سلطان الحق عنها يحصل النظام في الجملة بالفاجر ، وإن كان معاقبا بعدم تمكين الحق.

الحديث الحادي والستون والخمسمائة : ضعيف.

قوله : « حجر بن زائدة » ذكر النجاشي أنه ثقة صحيح المذهب صالح من

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ١١٥.

٥٥٩

المفضل بن عمر فقال يا يونس قد سألتهما أن يكفا عنه فلم يفعلا فدعوتهما وسألتهما وكتبت إليهما وجعلته حاجتي إليهما فلم يكفا عنه فلا غفر الله لهما فو الله لكثير عزة أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول :

ألا زعمت بالغيب ألا أحبها

إذا أنا لم يكرم علي كريمها

أما والله لو أحباني لأحبا من أحب.

٥٦٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن القاسم شريك المفضل وكان رجل صدق قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول حلق في المسجد يشهرونا ويشهرون أنفسهم أولئك ليسوا منا ولا نحن منهم أنطلق فأواري وأستر فيهتكون ستري هتك الله ستورهم يقولون إمام أما والله ما أنا بإمام

______________________________________________________

هذه الطائفة (١) وروى الكشي بطريق ضعيف فيه وفي عامر بن عبد الله بن جذاعة أنهما من حواري الباقر والصادق عليهما‌السلام (٢) ، وروي مثل خبر الكتاب فيه ، وفي عامر بن جذاعة (٣) والظاهر اتحادهما ، كما يظهر من فهرست مشيخة الفقيه ، والحاصل أن هذا الخبر يدل على جلاله المفضل ، وذمهما لكنه على مصطلح القوم ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لكثير عزة » بضم الكاف وفتح الثاء وتشديد الياء المكسورة ـ اسم شاعر وعزة ـ بفتح العين المهملة والراء المعجمة المشددة ـ اسم معشوقته.

قوله : « ألا زعمت » أي قالت أو علمت بالغيب أي غائبة عني أي أنها تعلم أني إذا لم أكن محبا لمن يحبها لم أكن محبا لها.

الحديث الثاني والستون والخمسمائة : حسن لكون القاسم ممدوحا بهذا الخبر.

__________________

(١) رجال النجاشيّ : ص ١٨٤ ، الرقم ٣٨٤.

(٢) إختيار معرفة الرجال « رجال الكشّيّ » ج ١ ص ٣٩ ـ ٤٥ ح ٢٠.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ ص ٦١٢ ـ ٦٢١. وص ٧٠٨.

٥٦٠