مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

فأرسلوا إليه عروة بن مسعود وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجارا فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقبلها وقال هذا غدر ولا حاجة لنا فيه فأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظم البدن قال فأقيموها فأقاموها.

فقال يا محمد مجيء من جئت؟

قال جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل وأخلي عنكم عن لحمانها.

______________________________________________________

كذا ذكره الجوهري (١).

أقول : قوله عليه‌السلام : « وقد كان جاء » كانت هذه القصة على ما ذكره الواقدي أنه ذهب مع ثلاثة عشر رجلا من بني مالك إلى مقوقس سلطان الإسكندرية ، وفضل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء فلما رجعوا وكانوا في الطريق شرب بنو مالك ذات ليلة خمرا وسكروا ، فقتلهم المغيرة حسدا وأخذ أموالهم ، وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلم فقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله إسلامه ولم يقبل من ماله شيئا ، ولم يأخذ منه الخمس لغدره ، فلما بلغ ذلك أبا سفيان أخبر عروة بذلك ، فأتى عروة رئيس بني مالك وهو مسعود بن عمرة ، وكلمه في أن يرضى بالدية فلم يرض بنو مالك بذلك ، وطلبوا القصاص من عشائر المغيرة ، واشتعلت بينهم نائرة الحرب ، فأطفأها عروة بلطائف حيله ، وضمن دية الجماعة من ماله.

والإشارة إلى هذه القصة هيهنا لتمهيد ما سيذكر بعد ذلك من قوله : « والله ما جئت إلا في غسل سلحتك » فقوله : « جاء إلى قريش » أي عروة وقوله : « في القوم » أي لأن يتكلم ويشفع في أمر المقتولين وقوله « كان خرج » أي المغيرة.

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٧٦٦.

٤٤١

قال لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وأن تقطع أرحامهم وأن تجري عليهم عدوهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أنا بفاعل حتى أدخلها.

قال وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تناول لحيته والمغيرة قائم على رأسه فضرب بيده.

فقال من هذا يا محمد؟

فقال هذا ابن أخيك المغيرة.

فقال يا غدر والله ما جئت إلا في غسل سلحتك.

قال فرجع إليهم فقال لأبي سفيان وأصحابه لا والله ما رأيت مثل محمد رد عما

______________________________________________________

قوله : « ما رأيت مثلك رد عما جئت له » قال : هذا على سبيل التعجب ، أي ـ كيف يكون مثلك في الشرافة وعظم الشأن مردودا عن مثل هذا المقصد الذي لا يصلح أن يرد عنه أحد ، والحاصل أنك في جلالتك ينبغي أن لا ترد عن أي مقصد قصدته ، ومقصدك في الخيرية بحيث لا ينبغي أن يمنع عنه أحد ، ومع اجتماعهما يريد قومك أن يصدوك عن ذلك.

قوله : « تناول لحيته » أي لحية الرسول ، وكانت عادتهم ذلك فيما بينهم عند مكالمتهم ، ولجهله بشأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إيمانه لم يعرف أن ذلك لا يليق بجنابة صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله : « يا غدر » بضم الغين وفتح الدال ـ قال الجوهري : الغدر : ترك الوفاء وقد غدر به فهو غادر وغدر وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم ، يقال : يا غدر وفي الحديث « ألست أبتغي في غدرتك » (١).

وقال الجزري : في حديث الحديبية « قال عروة بن مسعود للمغيرة : » يا غدر وهل غسلت غدرتك إلا بالأمس غدر : معدول عن غادر للمبالغة ، يقال للذكر غدر

__________________

(١) الصحاح : ج ٣ ص ٥٥٣.

٤٤٢

جاء له فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأثيرت في وجوههم البدن فقالا مجيء من جئت؟

قال جئت لأطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر البدن وأخلي بينكم وبين لحمانها.

فقالا إن قومك يناشدونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وتقطع أرحامهم وتجري عليهم عدوهم قال فأبى عليهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن يدخلها.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يبعث عمر فقال يا رسول الله إن عشيرتي قليل وإني فيهم على ما تعلم ولكني أدلك على عثمان بن عفان فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة فلما انطلق عثمان لقي أبان بن سعيد فتأخر عن السرح فحمل عثمان بين يديه ودخل

______________________________________________________

وللأنثى غدار كقطام وهما مختصان بالنداء في الغالب (١).

وقال في المغرب : السلح : التغوط (٢).

أقول : الظاهر أن قوله : « جئت » بصيغة المتكلم أي جئت الآن أو قبل ذلك عند إطفاء نائرة الفتنة لإصلاح قبائح أعمالك ، فلم تمنعني عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويمكن أن يقرأ بصيغة الخطاب أي لم يكن مجيئك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للإسلام بل للهرب مما صنعت من الخيانة وأتيت من الجناية.

قوله : « يناشدونك » أي يسألونك ، ويقسمون عليك بالله وبالرحم التي بينك وبينهم في أن تدخل عليهم أي في تركه.

قوله : « فتأخر عن السرج » أي ركب عثمان على السرج ، وركب خلفه تعظيما له.

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ٣٤٥.

(٢) المغرب : مادة « سلح ».

٤٤٣

عثمان فأعلمهم وكانت المناوشة فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس عثمان في عسكر المشركين وبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين وضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان وقال المسلمون طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ليفعل فلما جاء عثمان قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أطفت بالبيت فقال ما كنت لأطوف بالبيت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يطف به ثم ذكر القصة وما كان فيها.

فقال لعلي عليه‌السلام اكتب « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ».

فقال سهيل ما أدري ما الرحمن الرحيم إلا أني أظن هذا الذي باليمامة ولكن اكتب كما نكتب باسمك اللهم.

قال واكتب هذا ما قاضى عليه رسول الله سهيل بن عمرو.

______________________________________________________

قوله : « وكانت المناوشة » المناوشة المناولة في القتال أي كان المشركون في تهيئة القتال أي عند ذلك وقع بين المسلمين وبينهم محاربة كما نقل.

قوله : « وضرب بإحدى يديه » ليتأكد عليه الحجة والعهد والميثاق فيستوجب بنكثه أشد العذاب كما قال تعالى فيه وفي أخويه وأضرابهم : « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » (١).

قوله : « ثم ذكر القصة » أي ما جرى بينه وبين قريش من حبسه ومنعه عن الرجوع أو من طلبهم للصلح وإصرارهم على عدم دخوله في هذه السنة.

وقيل قوله : ـ ثم ذكر ـ كلام الراوي أي ثم ذكر الصادق القضية وما جرى فيها وترك الراوي ذكرها اختصارا.

قوله : « هذا الذي باليمامة » كانوا يقولون لمسيلمة رحمن اليمامة.

قوله عليه‌السلام : « هذا ما قاضي رسول الله » قال الجزري : في حديث الحديبية

__________________

(١) سورة الفتح : ١٠.

٤٤٤

فقال سهيل فعلى ما نقاتلك يا محمد؟

فقال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله.

فقال الناس أنت رسول الله.

قال اكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.

فقال الناس أنت رسول الله وكان في القضية أن من كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا ورسول الله غير مستكره عن دينه ومن جاء إلينا منكم لم نرده إليكم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا حاجة لنا فيهم وعلى أن يعبد الله فيكم علانية غير سر وإن كانوا ليتهادون السيور في المدينة إلى مكة وما كانت قضية أعظم بركة منها

______________________________________________________

« هذا ما قاضي عليه محمد » هو فاعل من القضاء : الفصل والحكم ، لأنه كان بينه وبين أهل مكة (١).

قوله : « فقال الناس » أي كرر الصحابة وأعادوا هذا القول بعد سماعهم اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله تصديقا له ، وردا على من أنكره.

قوله عليه‌السلام : « ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مستكره » أي لا يجبره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام.

قوله : « وعلى أن يعبد الله فيكم » أي أخذ النبي عليهم العهد أن لا يؤذوا المسلمين في مكة زاد الله شرفها وغيرها ، ويعبدوا الله بينهم من غير تقية.

قوله عليه‌السلام : « وإن كانوا ليتهادون الستور » في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية وفي بعضها بالياء المثناة التحتانية ، فعلى الأول هو جمع الستر المعلق على الأبواب وغيرها ، وعلى الثاني إما المراد المعروف المتخذ من الجلود أو نوع من الثياب.

وقال الفيروزآبادي : السير ـ بالفتح ـ الذي يقد من الجلود ، والجمع سيور (٢).

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ٧٨.

(٢) القاموس : ج ٢ ص ٥٦.

٤٤٥

لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام.

فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه.

فقال أول ما قاضينا عليه.

______________________________________________________

وقال الجوهري : المسير من الثياب الذي فيه خطوط كالسيور (١) وعلى التقادير هذا كلام الصادق لبيان ثمرة هذه المصالحة ، وكثرة فوائدها بأنها صارت موجبة لأمن المسلمين بحيث كانوا يبعثون الهدايا من المدينة إلى مكة من غير منع وخوف ، ورغب أهل مكة في الإسلام ، وأسلم جم غفير منهم من غير حرب وقتال.

قوله عليه‌السلام : « فضرب سهيل » قال الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان فقال سهيل : على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ، فقال رسول الله : من جاءهم منا فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فمن علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا ، إلى أن قال : فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف (٢) في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنا لم نقض بالكتاب بعد ، قال : والله إذا لا أصالحك على شيء فقال النبي فأجره لي ، فقال : ما أنا بمجيره لك قال : بلى فافعل ، قال : وما أنا بفاعل قال مكرز : بلى قد أجرناه ، قال أبو جندل بن سهيل : معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا (٣).

وقال رحمه‌الله في كتاب أعلام الورى : فجاء أبو جندل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٦٩١.

(٢) رَسَف : مشى مشية المقيّد.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ص ١١٨ ـ ١١٩.

٤٤٦

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهل قاضيت على شيء؟.

______________________________________________________

جلس إلى جنبه ، فقال أبوه سهيل : رده علي ، فقال المسلمون لا ترده فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيده فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم إن كنت تعلم أن أبا جندل لصادق فاجعل له فرجا ومخرجا ثم أقبل على الناس ، وقال : إنه ليس عليه بأس ، إنما رجع إلى أبيه وأمه وإني أريد أن أتم لقريش شرطها ، ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة وأنزل الله في الطريق سورة الفتح « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ».

قال الصادق عليه‌السلام فما انقضت تلك المدة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة انفلت بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسلما مهاجرا ، فقال : مسعر حرب لو كان معه أحد ثم ، قال شأنك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتى كانوا بين العص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر ، وانفلت أبو جندل بن سهيل في سبعين راكبا أسلموا فلحق بأبي بصير واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها ، وقتلوا أصحابها فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن منهم فيقدموا على (١) وقالوا من خرج منا إليك فأمسكه من غير حرج أنت فيه ، فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يمنع أبا جندل من أبيه ـ بعد القصة أن طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا (٢).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وهل قاضيت على شيء » أي لم يتم الصلح ، ولم يكتب الكتاب

__________________

(١) كذا في النسخ والصحيح « فيقدموا عليه ».

(٢) إعلام الورى ص ٩٨.

٤٤٧

فقال يا محمد ما كنت بغدار.

قال فذهب بأبي جندل فقال يا رسول الله تدفعني إليه؟

قال ولم أشترط لك قال وقال اللهم اجعل لأبي جندل مخرجا.

______________________________________________________

بعد فليس هذا داخلا فيما نقاضي عليه كما مر فيما أورده الطبرسي.

وقال الفاضل الأسترآبادي : قصده صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه ما قاضينا على شيء نافع لك فإنه كان عالما بأن أبا بصير بن أسيد وأبا جندل يتقلبان من المشركين في سبعين راكبا يسلمون على يد أبي جندل ويجتمع عليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى يبلغوا ثلاثمائة مقاتل كلهم مسلمون لا يمر عليهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها وهو ما فهم قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انتهى ، ولا يخفى بعده.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولم أشترط لك » أي ليس هذا شرطا يخصك بل هذا شرط قاضينا عليه لمصلحة عامة المسلمين ، ولا بد من ذلك أو المراد لم تكن أنت داخلا في هذا الشرط لمجيئك قبل تمام الكتاب لكن هؤلاء يجبروننا عليه ، أو ما كنت اشترطت لك عليهم أن تكون مستثنى من ذلك ، فلا يمكننا الغدر معهم ، وهذا أظهر ويحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى ما وعده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلاص والنجاة على سبيل الاستفهام الإنكاري ، أي ألم أشترط لك بالنجاة.

وقال ابن الأثير في الكامل : فبينا رسول الله يكتب الكتاب إذ جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رأى سهيل ابنه أخذه وقال : يا محمد قد تمت القضية بينك وبيني قبل أن يأتيك هذا ، قال : صدقت وأخبره ليرده إلى قريش فصاح أبو جندل أنا معشر المسلمين أرد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : احتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن اتبعك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد أعطينا القوم عهودنا على ذلك فلا نغدر بهم (١).

__________________

(١) الكامل : ج ٢ ص ٢٠٤.

٤٤٨

٥٠٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن الفضل أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ » (١) قال نزلت في بني مدلج لأنهم جاءوا إلى

______________________________________________________

الحديث الرابع والخمسمائة : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « نزلت في بني مدلج » قال البيضاوي : في قوله تعالى : « إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ » استثناء من قوله : « فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ » أي إلا الذين يصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ، ويفارقون محاربتكم ، والقوم هم خزاعة ، وقيل : هم الأسلميون ، فإنه عليه‌السلام وادع وقت خروجه إلى مكة هلال ابن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ، ولا يعين عليه ، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ماله ، وقيل بنو بكر بن زيد بن مناة « أَوْ جاؤُكُمْ » عطف على الصلة أي أو الذين جاءوكم كافين عن قتالكم وقتال قومهم ، استثني عن المأمور بأخذهم وقتلهم من ترك المحاربين ، فلحق بالمعاهدين ، أو أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكف عن قتال الفريقين على صفة قوم ، وكأنه قيل الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافين عن القتال لكم وعليكم ، والأول أظهر لقوله : « فإن اعتزلوكم حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ » حال بإضمار قد ، ويدل عليه أن قرئ حصرت وحصرات ، أو بيان لجاءوكم وقيل صفة محذوف أي جاءوكم قوما حصرت صدورهم ، وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مقاتلين ، والحصر : الضيق والانقباض انتهى (٢).

وقال علي بن إبراهيم : أنها نزلت في أشجع حيث وادعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وذكر قصتهم لكن لم يسنده إلى خبر.

وذكر الشيخ الطبرسي « رحمة الله عليه » أن المروي عن أبي جعفر أنه

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٢٣٥.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ١٤٦.

٤٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله فلسنا معك ولا مع قومنا عليك قال قلت كيف صنع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال واعدهم إلى أن يفرغ من العرب ثم يدعوهم فإن أجابوا وإلا قاتلهم.

٥٠٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن داود بن أبي يزيد وهو فرقد ، عن أبي يزيد الحمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل عليه‌السلام فمروا بإبراهيم عليه‌السلام وهم معتمون فسلموا عليه فلم يعرفهم ورأى هيئة حسنة فقال لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي وكان صاحب أضياف فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قربه إليهم فلما وضعه بين أيديهم « رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً » فلما رأى ذلك جبرئيل عليه‌السلام حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه

______________________________________________________

قال : المراد بقوله تعالى : « قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ » هو هلال بن عويمر السلمي وبه قال السدي وابن زيد ، وقيل : هم بنو مدلج وكان سراقة بن مالك بن جعشم جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أحد ، فقال : أنشدك الله والنعمة وأخذ منه ميثاقا أن لا يغزو قومه ، فإن أسلم قريش أسلموا ، لأنهم كانوا في عقد قريش فحكم الله فيهم ما حكم في قريش ففيهم نزل هذا ، ذكره عمر بن شيبة (١) انتهى.

أقول : ما ذكره البيضاوي هو الموافق لخبر الكتاب ، والأقرب إلى الصواب.

قوله : « قد حصرت صدورنا » ليس هذا تفسير حصرت صدورهم فلا تغفل.

الحديث الخامس والخمسمائة : مجهول.

قوله : « وكان صاحب أضياف » أي يدعوهم كثيرا ويحبهم ويكرمهم.

قوله تعالى : « نَكِرَهُمْ » أي أنكرهم « وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً » الإيجاس الإحساس أي أضمر منهم خوفا.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ٨ /.

٤٥٠

فعرفه إبراهيم عليه‌السلام فقال أنت هو فقال نعم ومرت امرأته سارة فبشرها « بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ » فقالت ما قال الله عز وجل فأجابوها بما في الكتاب العزيز فقال إبراهيم عليه‌السلام لهم فيما ذا جئتم قالوا له في إهلاك قوم لوط فقال لهم إن كان فيها مائة من المؤمنين تهلكونهم فقال جبرئيل عليه‌السلام لا قال فإن كانوا خمسين قال لا قال فإن كانوا ثلاثين قال لا قال فإن كانوا عشرين قال لا قال فإن كانوا عشرة قال لا قال فإن كانوا خمسة قال لا قال فإن كانوا واحدا قال لا ، « قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ

______________________________________________________

واختلف في سبب الخوف.

فقيل : إنه لما رآهم شبانا أقوياء وكان ينزل طوفا من البلد وكانوا يمتنعون من تناول طعامه لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء وذلك أن أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمن صاحب الطعام على نفسه وماله ، ولذا يقال تحرم فلان بطعامنا ، أي أثبت الحرمة بيننا بأكله الطعام.

وقيل : إنه ظنهم لصوصا يريدون به سوء.

وقيل : ظن أنهم ليسوا من البشر جاءوا لأمر عظيم.

وقيل : علم أنهم ملائكة فخاف أن يكون قومه المقصودين بالعذاب حتى قالوا له لا تخف يا إبراهيم إنا أرسلنا إلى قوم لوط بالعذاب والإهلاك لا إلى قومك.

وقيل : إنهم دعوا الله فأحيى العجل الذي كان ذبحه إبراهيم وشواه فطفر ورغا فعلم حينئذ أنهم رسل الله ، والخبر يدل على أن خوفه لعدم علمه بكونهم ملائكة.

قوله : « حسر العمامة » أي كشفها.

قوله تعالى : « مِنَ الْغابِرِينَ » أي من الباقين في قومه ، والمتخلفين عن لوط

٤٥١

ثم مضوا وقال الحسن العسكري أبو محمد لا أعلم ذا القول إلا وهو يستبقيهم وهو قول الله عز وجل : « يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ » (١) فأتوا لوطا وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه وهم معتمون فلما رآهم رأى هيئة حسنة عليهم عمائم بيض وثياب بيض فقال لهم المنزل فقالوا نعم فتقدمهم ومشوا خلفه فندم على عرضه عليهم المنزل وقال أي شيء صنعت آتي بهم قومي وأنا أعرفهم فالتفت إليهم فقال إنكم تأتون شرار خلق الله وقد قال جبرئيل عليه‌السلام لا نعجل عليهم حتى يشهد ثلاث شهادات فقال جبرئيل عليه‌السلام

______________________________________________________

حتى هلكت لأنها كانت على دينهم ، فلم تؤمن به وقيل : معناه كانت من الباقين في عذاب الله.

قوله : « قال الحسن العسكري » الظاهر أن العسكري من طغيان قلم الناسخين ، وفي تفسير العياشي وقد مضى في كتاب الطلاق من هذا الكتاب أيضا الحسن بن علي بدون أبي محمد أيضا ، فالظاهر حينئذ أن المراد الحسن بن علي بن فضال ، بأن يكون ذكر هذا في أثناء رواية الحديث على وجه التفسير والتبيين ، وكنيته أيضا أبو محمد فلا ينافيه إن كان في الخبر.

ويحتمل أيضا أن يكون من كلام الصادق عليه‌السلام راويا عن الحسن بن علي عليه‌السلام وهو بعيد وعلى نسخة العسكري ، ويحتمل أن يكون كلام محمد بن يحيى روى هذا عن أبي محمد العسكري ، ذكره في أثناء تلك الرواية لتوضيحها.

وعلى التقادير المراد أن غرض إبراهيم من هذا الكلام لم يكن محض الشفقة على لوط ، بل كان غرضه عليه‌السلام استبقاء قوم لوط ودفع العذاب عنهم والشفاعة لهم ، كما قال تعالى : « يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ » أي يجادل رسلنا ويسائلهم في قوم لوط ، ولما سألهم سؤال مستقصى سمي ذلك السؤال والشفاعة جدالا.

قوله عليه‌السلام : « فقال لهم : المنزل » أي عرض عليهم المنزل والتمس منهم النزول فيه.

قوله عليه‌السلام : « وقد قال جبرئيل لا تعجل » وفيما مضى في هذا الكتاب فقال

__________________

(١) سورة هود : ٧٤.

٤٥٢

هذه واحدة ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم فقال إنكم تأتون شرار خلق الله فقال جبرئيل عليه‌السلام هذه اثنتان ثم مضى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال إنكم تأتون شرار خلق الله فقال جبرئيل عليه‌السلام هذه ثالثة ثم دخل ودخلوا معه فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح وصعقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون إلى الباب فنزلت إليهم فقالت عنده قوم ما رأيت قط أحسن منهم هيئة فجاءوا إلى الباب ليدخلوها فلما رآهم لوط قام إليهم فقال يا قوم « فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ » فقال « هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ » فدعاهم إلى الحلال

______________________________________________________

جبرئيل : لا تعجل عليهم حتى تشهد ، أي قال ذلك في هذا الوقت سرا وفي نفسه أو جهرا.

قوله : « وصعقت » الصعق شدة الصوت ، وفي بعض النسخ [ صفقت ] الصفق :

الضرب الذي يسمع له صوت كالتصفيق أي ضربت إحدى يديها على الأخرى.

قوله : « يُهْرَعُونَ » أي يسرعون في المشي.

قوله تعالى : « وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » أي لا تلزموني عارا ولا تلحقوني فضيحة ولا تخجلوني بالهجوم على أضيافي ، فإن الضيف إذا لحق به معرة لحق عارها المضيف « أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ » أي في جملتكم رجل قد أصاب الرشد فزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم ، وقيل : رشيد هنا بمعنى المرشد ، قوله تعالى : « قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ » اختلف المفسرون في ذلك فقيل : أراد بناته لصلبه عن قتادة ، وقيل : أراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له فإن كل نبي أبو أمته وأزواجه أمهاتهم عن مجاهد وسعيد بن جبير ، واختلف أيضا في كيفية عرضهن ، فقيل : بالتزويج ، وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر ، وكذا كان يجوز أيضا في مبتدإ الإسلام ، وقد زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنته عن أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ، ثم نسخ ذلك ، وقيل : أراد التزويج بشرط الإيمان عن الزجاج ، وكانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم ، وقيل

٤٥٣

فقالُوا : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ فقالَ : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » فقال جبرئيل عليه‌السلام لو يعلم أي قوة له فكاثروه حتى دخلوا البيت قال فصاح به جبرئيل يا لوط دعهم يدخلون فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قوله : « فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ » ثم نادى جبرئيل فقال

______________________________________________________

إنه كان لهم سيدان مطاعان فيهم فأراد أن يزوجهما بنتيه ذعوراء وريثاء.

قال علي بن إبراهيم : حدثني أبي ، عن محمد بن هارون أنه قال : عنى به أزواجهم ، وذلك أن كل نبي هو أبو أمته فدعاهم إلى الحلال ، ولم يكن يدعوهم إلى الحرام ، فقال أزواجكم هن أطهر لكم (١).

وروى الصدوق في العلل بإسناده عن أبي بصير وغيره ، عن أحدهما عليهما‌السلام ثم عرض عليهم بناته نكاحا « قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ » (٢).

قوله عليه‌السلام : « فدعاهم إلى الحلال » يحتمل تلك الوجوه ، أي لم يدعهم إلى الحرام والزنا.

ثم اعلم أن في القرآن هكذا « يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » فالتعيين في الخبر إما على النقل بالمعنى لاتصال جوابهم بالسؤال ، أو لبيان أن ما هو المقدم في الآية كان مؤخرا في كلام لوط ، أو لأنه كان في مصحفهم هكذا.

قوله تعالى : « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً » قال الزمخشري : المعنى لو قويت عليكم بنفسي أو آويت إلى قوي استند إليه وأتمنع به ، فيحميني منكم فشبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته (٣).

قوله تعالى : « فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ » أي فمسحناها وسويناها بسائر الوجه.

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٣٥ ، وفي المصدر : عن محمّد بن عمرو رحمه‌الله.

(٢) علل الشرائع : ج ٢ ص ٥٥٢ باب ٣٤٠ ح ٦.

(٣) الكشّاف : ج ٢ ص ٢٨٣.

٤٥٤

« إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ » وقال له جبرئيل إنا بعثنا في إهلاكهم فقال يا جبرئيل عجل فقال « إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ » قال فأمره فتحمل ومن معه إلا امرأته قال ثم اقتلعها جبرئيل بجناحيه من سبع أرضين ثم رفعها حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة « حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ».

٥٠٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الصباح بن عبد الحميد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال والله للذي صنعه الحسن بن علي عليه‌السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والله لقد نزلت هذه الآية : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » إنما هي طاعة الإمام وطلبوا القتال « فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » مع الحسين عليه‌السلام

______________________________________________________

قوله تعالى : « حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ » قال الزمخشري : قيل هي كلمة معربة عن « سنگ وگل » بدليل.

قوله : « حِجارَةً مِنْ طِينٍ » وقيل : هي من أسجله إذا أرسله لأنها ترسل على الظالمين ويدل عليه. قوله : « لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً » وقيل مما كتب الله أن يعذب به من السجل وسجل لفلان (١).

الحديث السادس والخمسمائة : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « والله الذي صنعه الحسن بن علي » أي من الصلح مع معاوية وكان خيرا وصلاحا للأمة وإن لم يرض به أكثر أصحابه.

قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » أي عن القتال في زمن الهدنة والتقية.

قوله عليه‌السلام : « إنما هي طاعة الإمام » أي الغرض والمقصود في الآية طاعة الإمام الذي ينهى عن القتال لعدم كونه مأمورا به ويأمر بالصلاة والزكاة وسائر

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٨٤.

٤٥٥

« قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ

______________________________________________________

أبواب البر.

والحاصل أن أصحاب الحسن عليه‌السلام كانوا بهذه الآية مأمورين بإطاعة إمامهم في ترك القتال فلم يرضوا به وطلبوا القتال : « فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » مع الحسين عليه‌السلام « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » أي قيام القائم عليه‌السلام.

وذهب أكثر المفسرين (١) أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يلقون من المشركين أذى شديدا وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة ، فيشكون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء ، فإنهم قد آذونا فلما أمروا بالقتال وبالمسير إلى بدر ، شق على بعضهم فنزلت الآية ، وفسروا الأجل القريب بالموت بآجالهم.

ثم اعلم أن هذه الآية كما أورد في هذا الخبر ليست في القرآن ففي سورة النساء « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ، وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ » (٢) الآية وفي سورة إبراهيم « فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ » (٣) فلعله عليه‌السلام وصل آخر هذه الآية بالآية السابقة ، لكونهما لبيان حال هذه الطائفة ، أو أضاف قوله : « نُجِبْ دَعْوَتَكَ » بتلك ، الآية على وجه التفسير والبيان أي كان غرضهم أنه إن أخرتنا إلى ذلك الأجل نجب دعوتك ، ويحتمل أن يكون في مصحفهم هكذا.

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر « إلى أن ».

(٢) سورة النساء / ٧٧.

(٣) سورة إبراهيم / ٤٤.

٤٥٦

الرُّسُلَ » أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه‌السلام.

٥٠٧ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن علي بن حسان ، عن علي بن عطية الزيات ، عن معلى بن خنيس قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النجوم أحق هي فقال نعم إن الله عز وجل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ ثم قال له انظر أين المشتري فقال ما أراه في الفلك وما أدري أين هو قال فنحاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ وقال انظر إلى المشتري أين هو فقال إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري قال وشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك.

٥٠٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح عمن

______________________________________________________

أقول : قد أوردنا العلل التي من أجلها صالح الحسن بن علي عليه‌السلام معاوية في كتاب بحار الأنوار وبسطنا الكلام فيه مستوفى فمن أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه (١).

الحديث السابع والخمسمائة : ضعيف.

قوله : « أحق هي؟ فقال : نعم » يدل على أن النجوم علامات للكائنات يعرفها أهله ولا يدل على أنه يجوز تعليمه وتعلمه ، واستخراج الأحكام منه لسائر الخلق.

قوله عليه‌السلام : « صورة رجل » يمكن أن يكون المراد على تقدير صحة الخبر أن الله تعالى جعله في هذا الوقت ذا روح وحياة وعلم ، وبعثه إلى الأرض إذ ليس للسماويات حياة وشعور ، وقد نقل على ذلك السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه الإجماع.

الحديث الثامن والخمسمائة : مرسل.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ٢ ـ ٧٠.

٤٥٧

أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سئل عن النجوم قال ما يعلمها إلا أهل بيت من

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أهل بيت من العرب » ، أي أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : قد حان أن نفي لك بما وعدناك سابقا عن تحقيق علم النجوم وتعلمه وتعليمه ، والإخبار بأحكامه ولنذكر أولا كلام بعض الأصحاب ثم لنورد الأخبار الدالة على الطرفين.

فأما ما ذكره الأصحاب فقال الشيخ المفيد (ره) في كتاب المقالات ـ على ما نقل عنه السيد ابن طاوس ـ أقول : إن الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت ولا تمييز خلقها الله تعالى لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآيات من آياته كما قال سبحانه : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (١) وقال تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (٢) وقال تعالى : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » (٣) وقال تعالى : « لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ » (٤) فأما الأحكام على الكائنات بدلائلها ، والكلام على مدلول حركاتها ، فإن العقل لا يمتنع منه ولسنا ندفع أن يكون الله أعلمه بعض أنبيائه وجعله علما له على صدقه غير أنا لا نقطع عليه ، ولا نعقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية ، وأما ما نجده من كلام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه ، فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة وقد يختلف أحيانا ويخطئ المعتمد عليه كثيرا ، ولا يصح إصابته فيه أبدا ، لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ، وإخبار الرسول

__________________

(١) سورة يونس : ٥.

(٢) سورة الأنعام : ١٧.

(٣) سورة النحل : ١٦.

(٤) سورة فصّلت : ١٢.

٤٥٨

العرب وأهل بيت من الهند.

______________________________________________________

وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت (ره) من الإمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة انتهى.

أقول : كلامه (ره) لا يدل إلا على تجويز حقية علم النجوم ، ولا يدل على جواز تعليمه وتعلمه والإخبار بالكائنات به لغير المعصومين عليهم‌السلام ، بل ربما يومئ بعض كلامه إلى المنع كما لا يخفى.

وذكر السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في جواب المسائل السلاوية ـ بعد ما أبطل كونها مؤثرة بدلائل وبراهين ـ وأما الوجه الآخر وهو أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه أو اتصاله أو مفارقته ، فقد بينا أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة وإنما يتحملون الآن بالظاهر وأنه قد كان جائزا أن يجري الله العادة بذلك ، لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت ومن أين لنا طريق أن الله أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا ، وأن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا ، وأي سعد مقطوع به جاء بذلك وأي شيء خبر به واستفيد من جهته فإن عولوا في ذلك على التجربة ، وأنا جربنا ذلك ومن كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة ، وإذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا قلنا ومن سلم لكم صحة هذه التجربة وانتظامها واطرادها ، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم وصدقكم أقل من كذبكم فإلا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من التخمين والرجم ، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر مما يخطئ ، وهو على غير أصل معتمد ولا قاعدة صحيحة.

فإن قلتم : سبب خطإ المنجم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو في سير الكواكب.

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قلنا : ولم لا كانت إصابته سببها الاتفاق والتخمين. وإنما كان يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع هو غير إصابة المنجم.

فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فإلا كان دليل فسادها الخطأ.

ومما أفحم به القائلون بصحة الأحكام ولم يحصل عنه منهم جواب أن قيل لهم في شيء بعينه ، خذوا الطالع واحكموا هل يؤخذ أو يترك ، فإن حكموا إما بالأخذ أو الترك خولفوا وفعل خلاف ما خبروا به » وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف.

ثم قال (ره) ما معناه : إن من معجزات الأنبياء عليهم‌السلام إخبارهم بالغيوب ، فكيف يقدر عليها غيرهم ، فيصير ذلك مانعا من أن يكون ذلك معجزا لهم ، ثم قال رضي‌الله‌عنه : والفرق بين ذلك وبين سائر ما يخبرون به من تأثيرات الكواكب في أجسامنا ، فالفرق بين الأمرين أن الكسوفات واقترافات الكواكب وانفصالها طريقة الحساب ، وسير الكواكب وله أصول صحيحة وقواعد سديدة ، وليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير والشر ، والنفع والضر ، ولو لم يكن من الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات. وما يجري مجراها ، ولا يكاد يتفق خطأ البتة ، فإن الخطأ المعهود الدائم إنما هو في الأحكام الباقية ، حتى إن الصواب هو العزيز فيها ، وما يتفق لعله فيها من إصابة فقد يتفق من المخمن أكثر منه فحمل أحد الأمرين علي الآخر قلة دين وحياء انتهى.

وقال رضي‌الله‌عنه في الغرر والدرر نحوا من ذلك وأشبع القول فيه ، وقال في تضاعيف ما استدل به على عدم كون الكواكب مؤثرة : وأقوى من ذلك كله ـ في نفي كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكواكب أحياء ـ السمع والإجماع ، وأنه

٤٦٠