مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي العلهز الفسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا

وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يجر رداءه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : « اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سجالا غدقا طبقا دائما درا تحيي به الأرض وتنبت به الزرع ، وتدر به الضرع ، واجعله سقيا نافعا عاجلا غير رائث » فو الله ما رد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اللهم حوالينا ، ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بدت نواجذه ثم قال : لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عينه من ينشدنا قوله؟ فقام علي فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلك أردت : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه؟ قال : أجل فأنشده أبياتا من هذه القصيدة ، ورسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر.

ثم قام رجل من كنانة فأنشده :

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة

إليه وأشخص منه البصر

فما كان إلا كما ساعة

أو أقصر حتى رأينا الدرر

دفاق العزالي وجم البعاق (١)

أغاث به الله عليا مضر

فكان كما قاله عمه

أبو طالب ذو رواء غرر

به يسر الله صوب الغمام

فهذا العيان وذاك الخبر

__________________

(١) العزالى : جمع عزلاء ، وهي في الأصل مصبّ الماء من القربة والراوية ويقال للسحابة إذا انهمرت بالمطر : قد حلّت عزاليها وأرسلت عزاليها. والبُعاق : المطر الذي ينبعق بالماء.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فمن يشكر الله يلق المزيد

ومن يكفر الله يلقى الغير

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن يكن شاعر أحسن فقد أحسنت.

قالوا : وإنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به ، لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ما تهيأ له ، وكان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ممن أسلم ، ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ، وإنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا ، وهو في بلد من بلاد الكرامية ، وله في ذلك البلد وجاهة وقدم ، وهو يظهر مذهب الكرامية ويحفظ ناموسه بينهم بذلك ، وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة ، لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ، ورؤسائه ، فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر ، فلو أظهر ما يجوز من التشيع وكاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم ، ولم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم ، كما كان أولا (١) انتهى كلامه.

وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب بحار الأنوار (٢) وسنورد تمام هذا الكلام في شرح كتاب الحجة ، وفيما ذكرنا هيهنا كفاية لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ ص ٦٤ ـ ٧٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٦٩ ـ ٨٠.

٣٨٢

٤٦١ ـ محمد بن أحمد ، عن عبد الله بن الصلت ، عن يونس وعن عبد العزيز بن المهتدي ، عن رجل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام في قوله تعالى : « مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ » قال صلة الإمام في دولة الفسقة.

٤٦٢ ـ يونس ، عن سنان بن طريف قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ينبغي للمؤمن أن يخاف الله تبارك وتعالى خوفا كأنه مشرف على النار ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة ثم قال إن الله عز وجل عند ظن عبده إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.

______________________________________________________

الحديث الحادي والستون والأربعمائة : مرسل.

ومحمد بن أحمد في أول السند ، مجهول.

ولا يبعد أن يكون محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي الذي ذكره (١) الصدوق في إكمال الدين أن أباه كان يروي عنه ، وأثنى عليه ، وقد روى عنه في عرض هذا الكتاب كثيرا.

قوله عليه‌السلام : « صلة الإمام » أي هي أفضل أفراده ، ويحتمل اختصاصه بها.

الحديث الثاني والستون والأربعمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام : « إن خيرا فخيرا » قال الفاضل الأسترآبادي : إن قلت : هذا مناف لما تقدم من تساوي الخوف والرجاء ، قلت : غير مناف ، لأن المراد أنه ينبغي أن يكون اجتناب المؤمن عن المحرمات اجتناب من أشرف على النار ، وأن يكون اشتغاله بالعبادات اشتغال من علم أنه من أهل الجنة ، وبالجملة ما تقدم ناظر إلى العمل وما تأخر ناظر إلى الاعتقاد والاعتماد على أن كرمه تعالى ورحمته أزيد من تقصيرات العباد بمراتب لا تحصى ، وعلى أن رحمته سبقت غضبه.

أقول : قد حققنا في موضعه أن الخوف إنما هو من نفسه وقبائح أعماله ورذائل أخلاقه ، وعجزه وشرور نفسه ، ونقصه ومعائبه ، والرجاء إنما هو من

__________________

(١) كذا في النسخ والصحيح « الذي ذكر الصدوق ... ».

٣٨٣

٤٦٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن إسماعيل بن جابر قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بمكة إذ جاءه رسول من المدينة فقال له من صحبت قال ما صحبت أحدا فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام أما لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك ثم قال واحد شيطان واثنان شيطانان وثلاث صحب وأربعة رفقاء.

______________________________________________________

جوده تعالى ولطفه وكرمه وإحسانه ، وكماله واستغنائه وفيضه وفضله ، فلذا لا ينافي كمال الخوف هنا من كمال الرجاء ، فحسن الظن بالرب تعالى لا ينافي الخوف بسوء الظن بالنفس الأمارة بالسوء ، وقد سبق تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر (١) وقد أومأنا هيهنا إلى ما يمكن أن يهتدى به الفطن اللبيب.

الحديث الثالث والستون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « أما لو كنت تقدمت إليك » أي لو كنت أدركتك عند خروجك من المدينة ، لعلمتك أن لا تفعل ما فعلت ، أو المراد لو كنت نصحتك وأوصيت إليك قبل هذا وعلمت أنه لا ينبغي ذلك ، ثم فعلت ما فعلت لضربتك وأدبتك.

قال الفيروزآبادي : تقدم إليه في كذا أمره وأوصاه به (٢).

قوله عليه‌السلام : « واحد شيطان » قال الجزري : فيه « الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب » يعني الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أو يحمله على الشيطان ، وكذلك الراكبان وهو حث على اجتماع الرفقة في السفر (٣) انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان يستولي عليه ، ويعبث به ويلقى عليه الوساوس والمخاوف كما يومئ إليه ما سيأتي.

قوله عليه‌السلام : « وثلاثة صحب » جمع صاحب ، كركب وراكب ، ويفهم منه أن

__________________

(١) لاحظ : ج ٧ ص ٢٩ ـ ٤٣.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ١٦٢.

(٣) النهاية : ج ٢ ص ٤٧.

٣٨٤

٤٦٤ ـ عنه ، عن أحمد ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن أبيه قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني رجل من بني نوفل بن عبد المطلب قال حدثنا أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحب الصحابة إلى الله أربعة وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم.

٤٦٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عمن ذكره ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد يا علي إن الرجل إذا سافر وحده فهو غاو والاثنان غاويان والثلاثة نفر قال

______________________________________________________

بالثلاثة يخرج ، عن الكراهة ، لكن لا يحصل العمل بالمستحب من الرفقة إلا بالأربعة.

الحديث الرابع والستون والأربعمائة : مجهول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إلا كثر لغطهم » قال الجزري : اللغط ـ ويحرك ـ صوت وضجة لا يفهم معناه (١).

الحديث الخامس والستون والأربعمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « فهو غاو » أي ضال عن طريق الحق أو يضل في سفره ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « والثلاثة نفر » أي جماعة يصح أن يجتزئ بهم في السفر ، قال الجوهري : النفر ـ بالتحريك ـ عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة (٢).

ثم اعلم أن ظاهر بعض الأخبار أن المراد رفيق الزاد ، وظاهر بعضها رفيق السير فلا تغفل.

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ٢٥٨.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٨٣٣.

٣٨٥

وروى بعضهم سفر.

٤٦٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد وعلي بن محمد القاساني ، عن سليمان بن داود ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في وصية لقمان لابنه يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وخبائك وسقائك وإبرتك وخيوطك ومخرزك وتزود معك من الأدوية ما تنتفع بها أنت ومن معك وكن لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل.

٤٦٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره.

٤٦٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا سافر إلى الحج والعمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلى.

٤٦٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال دخلت عليه يوما فألقى إلي ثيابا وقال يا وليد ردها على

______________________________________________________

الحديث السادس والستون والأربعمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « وخبائك » هي ـ ككتاب ـ الخيمة ، والمخرز : ما يخرز به الخف ونحوه.

الحديث السابع والستون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن والستون والأربعمائة : حسن.

يدل كسابقه على استحباب تطييب الزاد في السفر لا سيما سفر الحج والعمرة.

الحديث التاسع والستون والأربعمائة : حسن.

٣٨٦

مطاويها فقمت بين يديه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام رحم الله المعلى بن خنيس فظننت أنه شبه قيامي بين يديه بقيام المعلى بين يديه ثم قال أف للدنيا أف للدنيا إنما الدنيا دار بلاء يسلط الله فيها عدوه على وليه وإن بعدها دارا ليست هكذا فقلت جعلت فداك وأين تلك الدار فقال هاهنا وأشار بيده إلى الأرض

٤٧٠ ـ محمد بن أحمد ، عن عبد الله بن الصلت ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل : « يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » (١) والله ما أراد بهذا غيركم

٤٧١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال حدثني أبو الخطاب في أحسن ما يكون حالا قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ » فقال « وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ » ( بطاعة من أمر الله بطاعته من آل محمد ) اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون

______________________________________________________

قوله : « وأشار بيده إلى الأرض » أي القبر أو جنة الدنيا ونارها اللتان تكون فيهما أرواح المؤمنين ، والكفار في البرزخ ، أو الأرض في زمن القائم أو أرض القيامة ولا يخفى بعد الأولين.

الحديث السبعون والأربعمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « يسقطون » أي بالاستغفار لهم كما يشهد به استشهاده بالآية.

الحديث الحادي والسبعون والأربعمائة : ضعيف. ويمكن عده في الحسان ، لأنه روى عن أبي الخطاب في حال استقامته ، وهذا الإشكال يرجع إلى الإشكال في مسألة كلامية كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « بطاعة » على هذا التأويل لما كان ترك طاعة من أمر الله تعالى

__________________

(١) سورة المؤمن : ٧.

(٢) سورة الزمر : ٤٢.

٣٨٧

بالآخرة وإذا ذكر الذين لم يأمر الله بطاعتهم « إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ».

٤٧٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم صاحب الشعير ، عن كثير بن كلثمة ، عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله عز وجل « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » (١) قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا و « ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي » وأنت خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا و « ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي » وارحمني « وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ » اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي « إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » وفي رواية أخرى في قوله عز وجل : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » قال سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة صلى الله عليهم.

٤٧٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما رأى

______________________________________________________

بطاعته بمنزلة الشرك بالله ، حيث لم يطع الله في ذلك ، وأطاع شياطين الجن والإنس ، فلذا عبر عن طاعة ولي الأمر بذكر الله وحده ، أو لأن توحيده تعالى لما لم يعلم إلا بالأخذ عنهم ، سمي ولايتهم توحيدا ، والاشمئزاز : الانقباض والإنكار.

الحديث الثاني والسبعون والأربعمائة : مجهول.

قوله تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » أي استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها.

قوله : ـ وفي رواية أخرى أقول : وردت الروايات الكثيرة بذلك ، وقد أوردناها في كتاب بحار الأنوار (٢) وسبق بعضها في كتاب الحجة ولا تنافي بينها وبين الخبر الأول لإمكان الجمع بينهما بجمعه عليه‌السلام بينهما.

الحديث الثالث والسبعون والأربعمائة : صحيح.

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٧.

(٢) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٧١ ح ٣٣ و ٣٤.

٣٨٨

إبراهيم عليه‌السلام « مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا فأوحى الله عز ذكره إليه يا إبراهيم إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني وعبدا عبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني ثم التفت فرأى جيفة على

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لما رأى إبراهيم عليه‌السلام مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » أقول : هذا إشارة إلى قوله تعالى : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » (١) والملكوت هو الملك ، والتاء للمبالغة كالرغبوت من الرغبة والرهبوت من الرهبة ، واختلف المفسرون في تفسير هذه الإراءة على قولين.

الأول : إن الله أراه الملكوت بالعين ، قالوا : إن الله تعالى شق له السماوات حتى رأى العرش والكرسي وإلى حيث ينتهي إليه العالم الجسماني من جهة الفوق ، وشق له الأرض إلى حيث ينتهي إلى السطح الآخر من العالم الجسماني ، ورأى ما في السماوات من العجائب والبدائع ، ورأى ما في باطن الأرض من العجائب والبدائع ، ورووا عن ابن عباس نحوا مما في الكتاب.

والثاني : أن هذه الإراءة كانت بعين البصيرة والعقل ، لا بالبصر الظاهر والحس الظاهر ، وكل منهما محتمل.

والثاني أظهر بحسب العقل ، والأول ألصق بما روي في ذلك من النقل ، كما روي في تفسير الإمام أبي محمد العسكري عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت ، وذلك قول ربي : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » قوي الله بصره لما رفعه دون

__________________

(١) سورة الأنعام : ٧٥.

٣٨٩

ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجيء سباع البر فتأكل منها فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم عليه‌السلام مما رأى وقال « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » (١) قال كيف تخرج ما تناسل التي أكل بعضها بعضا؟ « قالَ

______________________________________________________

السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين (٢). ثم ذكر نحوا مما في هذا الخبر.

وروى الصفار في البصائر بعدة طرق عن الصادق والباقر عليهما‌السلام في تفسير هذه الآية أنهما قالا : كشط لإبراهيم عن السماوات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش ، وكشط له عن الأرض حتى رأى ما في الهواء ، وفعل بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك ، وإني لأرى صاحبكم والأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك (٣).

وروي أيضا بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » الآية قال : فكنت مطرقا إلى الأرض فرفع يده إلى فوق ثم قال لي : ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت إلى السقف قد انفجر حتى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه ، قال : ثم قال لي : رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا (٤) إلى آخر ما أوردناه في كتابنا الكبير (٥) ولا استبعاد في ذلك لجواز أن يرفع الله تعالى عنه موانع الرؤية في تلك الحالة.

قوله عليه‌السلام : « قال : كيف تخرج » هذا تفسير لقوله تعالى « كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » أي إذا أكل بعض تلك الحيوانات بعضا ، وتولد من تلك الأجزاء الغذائية مني وصار مادة لحيوان آخر ، فتلك الأجزاء مع أي البدنين تعود؟ وأراد عليه‌السلام بهذا السؤال

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٢) تفسير الإمام العسكريّ : ص ٢١٢.

(٣ و ٤) بصائر الدرجات : ص ١٠٦ ـ ١٠٨ ـ ، أحاديث الباب ٢٠.

(٥) بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٥٦ ـ ٧٥.

٣٩٠

أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها

______________________________________________________

أن يظهر للناس جواب تلك الشبهة التي تمسكت بها الملاحدة المنكرون للمعاد ، حيث قالوا : لو أكل إنسان إنسانا وصار غذاء له وجزء من بدنه ، فالأجزاء المأكولة إما أن تعاد في بدن الأكل أو في بدن المأكول وأياما كان لا يكون أحدهما بعينه معادا بتمامه على أنه لا أولوية لجعلها جزء من أحدهما دون الآخر ، ولا سبيل إلى جعلها جزء من كل منهما ، وأيضا إذا كان الآكل كافرا والمأكول مؤمنا يلزم تنعيم الأجزاء العاصية أو تعذيب الأجزاء المطيعة.

وأجيب بأنا نعني بالحشر إعادة الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره ، لا الحاصلة بالتعذية فالمعاد من كل من الأكل والمأكول الأجزاء الأصلية الحاصلة في أول الفطرة من غير لزوم فساد.

ثم أوردوا على ذلك بأنه يجوز أن يصير تلك الأجزاء الأصلية في المأكول الفضلية في الأكل نطفة وأجزاء أصلية لبدن آخر ويعود المحذور.

وأجيب : بأنه لعل الله تعالى يحفظها من أن تصير جزء لبدن آخر ، فضلا عن أن تصير جزء أصليا وظاهر الآية على التنزيل الوارد في هذا الخبر أنه إشارة إلى هذا الكلام ، أي أنه تعالى يحفظ أجزاء المأكول في بدن الأكل ويعود في الحشر إلى بدن المأكول كما أخرج تلك الأجزاء المختلطة ، والأجزاء والأعضاء الممتزجة من تلك الطيور وميز بينها.

وتفصيل القول في ذلك يقتضي مقاما آخر يسع التطويل والإطناب ، وفيما ذكرنا غنية لأولي الألباب.

قوله تعالى : « وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » قال الرازي في تفسيره ، ذكر في سبب سؤال إبراهيم عليه‌السلام وجوه.

الأول : قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريح : إنه رأى جيفة

٣٩١

« قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً » فقطعهن

______________________________________________________

مطروحة في شط البحر فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر وإذا جزر البحر جاءت السباع وأكلت ، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور وأكلت وطارت فقال إبراهيم « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر فقيل : « أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى » ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم الاستدلالي ضروريا.

الوجه الثاني : قال محمد بن إسحاق والقاضي : سبب السؤال أنه مع مناظرته مع نمرود لما قال : « رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ » فأطلق محبوسا وقتل رجلا ، فقال إبراهيم : ليس هذا بإحياء وإماتة وعند ذلك قال : « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه ، وروي عن نمرود أنه قال : قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك ، فسأل الله ذلك وقوله « لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » أي بنجاتي من القتل أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني ، وأن عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة ، بل كان بسبب جهل المستمع.

والوجه الثالث : قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي أن الله تعالى أوحى إليه إني متخذ بشرا خليلا ، فاستعلم ذلك إبراهيم وقال : إلهي ما علامة ذلك قال : علامته أنه يحيي الموتى بدعائه ، فلما عظم مقام إبراهيم في درجات العبودية وأداء الرسالة خطر بباله إني لعلى أكون ذلك الخليل ، فسأل إحياء الميت فقال : أو لم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي على أنني خليل لك.

الوجه الرابع : أنه عليه‌السلام إنما سأل ذلك لقومه ، وذلك أن الأنبياء كان أممهم يطالبونهم بأشياء تارة باطلة ، وتارة حقة كقولهم لموسى : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ » فسأل ذلك إبراهيم ، والمقصود أن يشاهده قومه ، فيزول الإنكار عن قلوبهم.

٣٩٢

واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط ثم

______________________________________________________

الوجه الخامس : ما خطر ببالي فقلت : لا شك أن الأمة كما يحتاجون في العلم بأن الرسول صادق في ادعاء الرسالة إلى معجز يظهر عليه ، فكذلك الرسول عند وصول الملك إليه وإخباره إياه بأن الله بعثه رسولا يحتاج إلى معجز يظهر مع ذلك الملك ، ليعلم الرسول أن ذلك الملك الواصل ملك كريم ، لا شيطان رجيم وكذا إذا سمع الملك كلام الله يحتاج إلى معجز يدل على أن ذلك الكلام كلام الله تعالى ، لا كلام غيره ، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال : إنه لما جاء الملك إلى إبراهيم وأخبره بأن الله تعالى بعثك رسولا إلى الخلق طلب المعجز. فقال : « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » على أن الآتي ملك كريم لا شيطان رجيم.

الوجه السادس : وهو على لسان أهل التصوف أن المراد من الموتى القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلي ، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلي والأنوار الإلهية ، فقوله : « أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » طلب ذلك التجلي والمكاشفة فقال : أو لم تؤمن فقال : بلى أو من به ولكن أطلب حصولها ليطمئن قلبي بسبب حصول ذلك التجلي (١).

أقول : ثم ذكر وجوها أخر لا طائل في ذكرها.

ويؤيد الوجه الثالث : ما رواه الصدوق بإسناده ، عن علي بن محمد بن الجهم أنه سأل المأمون الرضا عليه‌السلام عن هذه الآية فقال عليه‌السلام : إن الله كان أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال : « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » على الخلة قال : « فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَ

__________________

(١) التفسير الكبير : ج ٢ ص ٣٢٦.

٣٩٣

جعل على كل جبل منهن جزءا « ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً » فلما دعاهن أجبنه وكانت

______________________________________________________

إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (١) فأخذ إبراهيم عليه‌السلام نسرا وبطأ وطاووسا وديكا ، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء ، وجعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه ، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن ، فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب ، وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم بل الله يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير (٢).

قوله تعالى : « فَصُرْهُنَ » قيل : هو مأخوذ من صاره يصوره إذا أماله ، ففي الكلام تقدير أي أملهن وضمهن إليك ، وقطعهن ثم اجعل ، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن ومجاهد : « صرهن إليك » معناه قطعهن يقال صار الشيء يصوره صورا إذا قطعته ، وظاهر قوله : « فقطعهن » أنه تفسير لقوله تعالى « فَصُرْهُنَ » ويحتمل أن يكون بيانا لحاصل المعنى ، فلا ينافي الأول.

قوله عليه‌السلام : « وكانت الجبال عشرة » وأخبار أهل البيت عليه‌السلام في ذلك مستفيضة وعليه فرعوا أن لو أوصى رجل بجزء من ماله أنه ينصرف إلى عشر وقال بعض مفسري العامة إن المراد جميع جبال الدنيا بحسب الإمكان ، وقال بعضهم : إنها كانت أربعة ، وقال بعضهم : إنها كانت سبعة.

تذنيب :

اعلم إن القول بالمعاد الجسماني مما اتفقت عليه جميع أصحاب الشرائع

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ١٩٨ ب ١٥ ح ١.

٣٩٤

الجبال عشرة.

______________________________________________________

والأديان ، وهو من ضروريات الدين ، وإنكاره خروج عن الإسلام والإيمان والآيات الكريمة في ذلك مصرحة بحيث لا تقبل التأويل ، والأخبار متواترة لا يمكن ردها والطعن فيها ، ونفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسكا بامتناع إعادة المعدوم ولم يقيموا دليلا عليه ، بل تمسكوا تارة بادعاء البداهة ، وتارة بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من تأمل فيها بعين البصيرة.

وأما المتكلمون القائلون بالمعاد الجسماني فقد اختلفوا في كيفيته ، فمنهم من قال بإعادة البدن المعدوم بعينه ، ومنهم من قال يجمع الله أجزاءه المتفرقة كما كانت أولا وهم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة.

قال المحقق الدواني : لا يقال لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضا لأن أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا وإن لم يكن لها جزء صوري لا يكون بدن زيد إلا بشرط اجتماع خاص وشكل معين ، فإذا تفرق أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعينان لم يبق بدن زيد ، ثم إذا أعيد فإما أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينها ، أو لا؟ وعلى الأول يلزم إعادة المعدوم وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأول بل مثله ، وحينئذ يكون تناسخا ومن ثمة قيل : ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ ، لأنا نقول : إنما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلفا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول ، وأما إذا كان كذلك فلا تستحيل إعادة الروح إليه ، وليس ذلك من التناسخ ، وإن سمي ذلك تناسخا كان مجرد اصطلاح ، فإن الذي دل على استحالته الدليل هو تعلق نفس زيد ببدن آخر ، لا يكون مخلوقا من أجزاء بدنه ، وأما تعلقه بالبدن المؤلف من أجزائه الأصلية بعينها مع تشكلها بشكل مثل الشكل السابق ، فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني ، وكون الشكل والاجتماع بالشخص غير الشكل الأول والاجتماع

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السابق لا يقدح في المقصود ، وهو حشر الأشخاص الإنسانية بأعيانها فإن زيدا مثلا شخص واحد محفوظ وحدته الشخصية من أول عمره إلى آخره بحسب العرف والشرع ، ولذلك يؤاخذ شرعا بعد التبدل بما لزمه قبل ، فكما لا يتوهم أن في ذلك تناسخا لا ينبغي أن يتوهم في هذه الصورة أيضا وإن كان الشكل الثاني مخالفا للشكل الأول كما ورد في الحديث أنه يحشر المتكبرون كأمثال الذر ، وإن ضرس الكافر مثل أحد ، وأن أهل الجنة جرد مرد مكحلون.

والحاصل أن المعاد الجسماني عبارة عن عود النفس إلى بدن هو ذلك البدن بحسب العرف والشرع ، ومثل ذلك التبدلات والمغايرات التي لا تقدح في الوحدة بحسب العرف والشرع لا يقدح في كون المحشر [ المحشور ] هو المبدأ فافهم. انتهى كلامه.

وخلاصة القول في ذلك أن للناس في تفرق الجسم واتصاله مذاهب ، فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسمية والنوعية عند تفرق الجسم والنافون للهيولى كالمحقق الطوسي يقولون ببقاء الصورة الجسمية في الحالين ، لكن لا ينفعهم ذلك في التفصي عن القول بإعادة المعدوم ، إذ ظاهر أنه إذا أحرق جسد زيد وذرت الرياح رماده في المشرق والمغرب لا يبقى تشخص زيد ، بل لا بد من عود تشخصه بعد انعدامه ، والقائلون بالجزء أيضا ظنوا أنهم قد فروا من ذلك لأنهم يقولون بتفرق الأجزاء واتصالها من غير أن يعدم شيء من الأجزاء ، ويلزمهم ما يلزم الآخرين بعينه كما ذكره المحقق الدواني.

نعم ذكر بعض المتكلمين أن تشخص الشخص إنما هو بالأجزاء الأصلية المخلوقة من المني ، وتلك الأجزاء باقية في مدة حياة الشخص وبعد موته ، وتفرق أجزائه فلا يعدم الشخص أصلا ، وربما يستدل عليه ببعض النصوص ، وعلى هذا لو عدم بعض العوارض الغير المشخصة وأعيد بدلها لا يقدح في كون الشخص باقيا

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بعينه.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن القول بالمعاد على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتم الدليل عليه بين لا إشكال فيه ، وعلى القول به يمكن أن يقال : يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادة بعينها أو من تلك الأجزاء بعينها مع كونه شبيها بذلك الشخص في الصفات والعوارض بحيث لو رأيته لقلت فلان ، إذ مدار اللذات والآلام على الروح ، ولو بواسطة الآلات ، وهو باق بعينه ، ولا يدل النصوص إلا على إعادة ذلك الشخص ، بمعنى أنه يحكم عليه عرفا أنه ذلك الشخص.

وربما يعضد ذلك قوله تعالى : « أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ » (١) ، وقوله تعالى : « كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ » (٢).

وسأل ابن أبي العوجاء الصادق عليه‌السلام عن الآية الأخيرة وقال : ما ذنب الغير؟ فقال عليه‌السلام : ويحك هي هي وهي غيرها ، قال : فمثل لي ذلك [ لذلك ] شيئا من أمر الدنيا قال : نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها (٣).

على أنا لم نكلف إلا بالتصديق بالحشر الجسماني مجملا ولم نكلف بالعلم بكيفيتها وربما يؤدي التفكر في ذلك إلى القول بشيء مخالف للواقع ، ولم نكن معذورين في ذلك ، وبعد ما علم أصل الحشر بالنصوص القطعية وضرورة الدين فلا يجوز للعاقل أن يصغي إلى شبه الملحدين وعسى أن نبسط القول في ذلك في كتاب

__________________

(١) سورة يس : ٨١.

(٢) سورة النساء : ٥٦.

(٣) الإحتجاج للطبرسيّ : ص ٣٥٤.

٣٩٧

٤٧٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحر والبرد مما يكونان فقال لي يا أبا أيوب إن المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف وأول الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة

______________________________________________________

بحار الأنوار (١).

الحديث الرابع والسبعون والأربعمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام : « إن المريخ كوكب حار » يمكن تأثير الكوكبين بالخاصية لا بالكيفية ، من قبيل التأثيرات التي تنسب إلى المقارنات ، ويكون لكل منهما تدوير ، ويكون ارتفاع المريخ في تدويره إما مؤثرا ناقصا أو علامة لزيادة الحرارة وتكون ارتفاعه عند انحطاط زحل بحركة تدويره وانحطاطه مؤثرا ناقصا أو علامة لضعف البرودة ، فلذا يصير الهواء في الصيف حارا وفي الشتاء بعكس ذلك ، ولم يدل دليل على امتناع ذلك كما أن في القمر يقولون أن قوته وارتفاعه مؤثر وعلامة لزيادة البرد والرطوبات وقد أثبتوا أفلاكا جزئية كثيرة لكل من تلك الكواكب عند احتياجهم إليها ، فلا ضير في أن نثبت فلكا آخر لتصحيح الخبر المنسوب إلى الإمام عليه‌السلام وسيأتي الكلام في تعلم علم النجوم والقول بتأثيرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

قوله : « فيعلو زحل » في بعض النسخ [ فيجلو ] وهو إما من الجلاء بمعنى الخروج والمفارقة عن المكان ، أي يأخذ في الارتفاع ، أو من الجلاء بمعنى الوضوح والانكشاف.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧ ص ٤٧ ـ ٥٣.

٣٩٨

انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل وذلك في أول الشتاء وآخر الخريف فلذلك يشتد البرد وكلما ارتفع هذا هبط هذا وكلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر وإذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس هذا « تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » وأنا عبد رب العالمين

٤٧٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي من أحبك ثم مات فقد « قَضى نَحْبَهُ » ومن أحبك ولم يمت فهو « يَنْتَظِرُ » وما طلعت شمس

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وأنا عبد رب العالمين » لعله كان في المجلس من يذهب مذهب الغلاة ، أو علم عليه‌السلام أن في قلب الراوي شيئا من ذلك ، فنفاه وإذ عن بعبودية نفسه وأن الله هو رب العالمين.

الحديث الخامس والسبعون والأربعمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فقد قضى نحبه » إشارة إلى قوله تعالى : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » (١).

قال الشيخ الطبرسي : أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب ، وقيل : قضى نحبه معناه فرغ من عمله ورجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد ، عن محمد بن إسحاق ، وقيل : معناه قضى أجله على الوفاء والصدق عن الحسن ، وقال ابن قتيبة : أصل النحب النذر ، وكان قوم نذروا إن يلقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله فقتلوا ، فقيل : فلان قضى نحبه إذا قتل ، وقال ابن إسحاق « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » من استشهد يوم بدر وأحد « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » ما وعد الله

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣.

٣٩٩

ولا غربت إلا طلعت عليه برزق وإيمان وفي نسخة نور.

٤٧٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا ولا يريدون به ما عند الله ربهم يكون دينهم رياء لا

______________________________________________________

من نصره أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه « وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون.

قال ابن عباس : فمن قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه ، وأنس ابن النضر وأصحابه وقال الكلبي : ما بدلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار ، وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن علي عليه‌السلام قال : فينا نزلت « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » فأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا (١).

أقول غرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن شيعة أمير المؤمنين ممدوحون بهذه الآية حيث صدقوا ما عاهدوا الله عليه من ولاية أئمة الحق ، ونصرتهم فمن مات منهم وفى بنذره وعهده حيث كان ثابتا على نصرة الحق. متهيئا لمعاونة إمام المسلمين ، موفيا لعهده غير ناكث ولا مبدل ، ومات على ذلك ، ومن لم يمت فهو ينتظر دولة الحق وغلبة إمامه أو قيام القائم عليه‌السلام ، ويأتي الله برزقه في كل صباح ومساء ، ويزيد في إيمانه ويقينه كل حين.

قوله : وفي نسخة [ نور ] أي بدل ـ إيمان ـ أي يفيض الله عليه في كل صباح ومساء نورا من الإيمان ، والعلم والهداية والتوفيق.

الحديث السادس والسبعون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٤٠٠