مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

تدل على بقائك وزيارتك أبا عبد الله عليه‌السلام فإن كل من عانق سمي الحسين يزوره إن شاء الله.

٤٤٨ ـ إسماعيل بن عبد الله القرشي قال أتى إلى أبي عبد الله عليه‌السلام رجل فقال له يا ابن رسول الله رأيت في منامي كأني خارج من مدينة الكوفة في موضع أعرفه وكأن شبحا من خشب أو رجلا منحوتا من خشب على فرس من خشب يلوح بسيفه وأنا [ أ ] شاهده فزعا مرعوبا فقال له عليه‌السلام أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته فاتق الله الذي خلقك ثم يميتك فقال الرجل أشهد أنك قد أوتيت علما واستنبطته من معدنه أخبرك يا ابن رسول الله عما [ قد ] فسرت لي إن رجلا من جيراني جاءني وعرض علي ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير لما عرفت أنه ليس لها طالب غيري فقال أبو عبد الله عليه‌السلام وصاحبك يتولانا ويبرأ من عدونا فقال نعم يا ابن رسول الله رجل جيد البصيرة مستحكم الدين وأنا تائب إلى الله عز وجل وإليك مما هممت به ونويته فأخبرني يا ابن رسول الله لو كان ناصبا حل لي اغتياله فقال أد الأمانة لمن ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين عليه‌السلام.

٤٤٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

______________________________________________________

الزوار كان لقب موسى.

الحديث الثامن والأربعون والأربعمائة : مرسل.

قوله : « أو رجلا » كان الترديد من الراوي.

قوله : « يلوح بسيفه » يقال : لوح بسيفه ـ على بناء التفعيل ـ أي لمع به.

قوله عليه‌السلام : « اغتيال رجل » أي إهلاكه خدعة بسبب سلب معيشته ، قال الفيروزآبادي : غاله أهلكه كاغتاله وأخذه من حيث لم يدر (١).

الحديث التاسع والأربعون والأربعمائة : حسن.

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٢٦.

٣٢١

فضالة بن أيوب ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن عبد الملك بن أعين قال قمت من عند أبي جعفر عليه‌السلام فاعتمدت على يدي فبكيت فقال ما لك فقلت كنت أرجو أن أدرك هذا الأمر وبي قوة فقال أما ترضون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضا وأنتم آمنون في بيوتكم إنه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعلت قلوبكم كزبر الحديد لو قذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الأرض وخزانها

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « كزبر الحديد » قال الجوهري : الزبرة : القطعة من الحديد والجمع زبر (١).

قوله عليه‌السلام : « لو قذف بها الجبال لقلعتها » الظاهر إرجاع الضمير إلى القلوب ، ويحتمل أن يكون المقذوف القلوب والمقذوف إليه الجبال ، ويكون الغرض بيان شدتها وقوتها وصلابتها بأنها لو ألقيت على الجبال لقلعتها عن مكانها ، أو يكون الغرض بيان شدة عزمها ، ويكون قذفها على الجبال كناية عن تعلق عزمها بقلعها.

ويحتمل أن يكون المقذوف الجبال ، وتكون الباء بمعنى ـ في ـ أي لو قذف في تلك القلوب قلع الجبال لقلعتها ، وقيل الضمير راجع إلى القوة ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام : « وكنتم قوام الأرض » أي القائمين بأمور الخلق والحكام عليهم في الأرض.

قوله عليه‌السلام : « وجيرانها » أي تجيرون الناس من الظلم وتنصرونهم ، قال الفيروزآبادي : الجار والمجاور والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير والمستجير ، والمقاسم والحليف ، والناصر ، والجمع جيران وأجوار وجيرة (٢) انتهى. وفي بعض النسخ [ خزانها ] أي يجعل الإمام ضبط أموال المسلمين إليكم ليقسمها بينهم.

__________________

(١) الصحاح ج ٢ ص ٦٦٦.

(٢) القاموس ج ١ ص ٣٩٥.

٣٢٢

٤٥٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن سفيان الجريري ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام مرة بعد مرة وهو يقول وشبك أصابعه بعضها في بعض ثم قال تفرجي تضيقي وتضيقي تفرجي ثم قال هلكت المحاضير ونجا المقربون وثبت الحصى على أوتادهم أقسم بالله قسما حقا إن بعد الغم

______________________________________________________

الحديث الخمسون والأربعمائة : ضعيف.

قوله : « وشبك بين أصابعه » بأن أدخل أصابع إحدى اليدين في الأخرى وكان يدخلها إلى أصول الأصابع ، ثم يخرجها إلى رؤوسها تشبيها لتضيق الدنيا ، وتفرجها بهاتين الحالتين.

قوله عليه‌السلام : « تضيقي تفرجي » يمكن قراءتهما على المصدر أي تضيق الأمر علي في الدنيا يستلزم تفرجه ، والشدة تستعقب الراحة كما قال تعالى : « إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً » (١) وكذا العكس ، أو المراد أن الشدة لي راحة لما أعلم من رضا ربي فيها ولا أحب الراحة في الدنيا لما يستلزمها غالبا من الغفلة ، أو البعد عن الله تعالى.

والأظهر قراءتهما على صيغة الأمر ويكون المخاطب بهما الدنيا ، فيكون إخبارا في صورة الإنشاء ، والغرض بيان اختلاف أحوال الدنيا ، وإن كان في بلائها وضرائها يرجى نعيمها ورخاؤها وفي عيشها ونعيمها يحذر بلاؤها وشدتها ، والمقصود تسلية الشيعة وترجيتهم للفرج ، لئلا ييأسوا من رحمة ربهم ، ولا يفتتنوا [ يغيظوا ] بطول دولة الباطل فيرجعوا عن دينهم.

قوله عليه‌السلام : « هلكت المحاضير » أي المستعجلون للفرج قبل أوانه ، وقد مر تفسيره.

قوله عليه‌السلام : « ونجا المقربون » بفتح الراء ـ فإنهم لا يستعجلون لرضاهم

__________________

(١) سورة الإنشراح : ٥.

٣٢٣

فتحا عجبا.

٤٥١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال يا ميسر كم بينكم وبين قرقيسا قلت هي قريب على شاطئ الفرات فقال أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير

______________________________________________________

بقضاء ربهم ، وعلمهم بأنه تعالى لا يفعل بهم إلا الحسن الجميل ، ـ أو بكسرها ـ أي الذين يرجون الفرج ، ويقولون الفرج قريب.

قوله عليه‌السلام : « وثبت الحصى على أوتادهم » لعل المراد بيان استحكام أمرهم وشدة سلطانهم ، وتيسر أسباب ملكهم لهم ، فلا ينبغي التعرض لهم ، فإن ثبوت الحصى واستقرارها على الوتد أمر نادر أي تهيأت نوادر الأمور وصعابها لهم ، فلا ينفع السعي في إزالة ملكهم.

ويحتمل أن يكون المراد بثبوت الحصى على أوتادهم دوام دقها بالحصى ليثبت كناية عن تزايد استحكام ملكهم يوما فيوما ، وتضاعف أسباب سلطنتهم ساعة فساعة كالوتد الذي لا ترفع الحصاة عن دقها.

وقيل : الأوتاد مجاز عن أشرافهم وعظمائهم ، أي ثبت وقدر في علمه تعالى تعذيبهم برجم أوتادهم ورؤسائهم بالحصى حقيقة أو مجازا.

الحديث الحادي والخمسون والأربعمائة : حسن على الأظهر.

قوله عليه‌السلام : « وبين قرقيسيا » كذا في أكثر النسخ ، والظاهر قرقيسا بياء واحدة ، قال الفيروزآبادي : قرقيسا ـ بالكسر ـ ويقصر : بلد على الفرات ، سمي بقرقيسا بن طهمورث (١).

قوله عليه‌السلام : « مأدبة الطير » المأدبة ـ بضم الدال وكسرها ـ : الطعام الذي يدعى

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٢٤٠.

٣٢٤

تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء يهلك فيها قيس ولا يدعي لها داعية قال وروى غير واحد وزاد فيه وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين.

٤٥٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل.

______________________________________________________

إليه القوم (١) أي تكون هذه البلد لكثرة لحوم القتلى فيها مأدبة للطيور.

قوله عليه‌السلام : « يهلك فيها قيس » أي قبيلة بني قيس وهي بطن من أسد.

قوله عليه‌السلام : « ولا تدعى لها داعية » على بناء المجهول أي من (٢) لا يدعو أحد لنصر تلك القبيلة نفسا أو فئة تدعو الناس إلى نصرهم ، أو تشفع عند القاتلين ، وتدعوهم إلى رفع القتل عنهم ، ويمكن أن يقرأ بتشديد الدال على بناء المعلوم ، أي لا تدعي بعد قتلهم فئة تقوم وتطلب ثارهم ، وتدعو الناس إلى ذلك.

قوله عليه‌السلام : « هلموا » نداء للطيور والسباع.

الحديث الثاني والخمسون والأربعمائة : موثق.

قوله عليه‌السلام : « طاغوت » قال الجوهري : الطاغوت : الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال ، قد يكون واحدا كقوله تعالى : « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ » (٣) وقد يكون جميعا قال الله تعالى « أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ » (٤) وطاغوت إن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب ، لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب ، لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت ، والرهبوت والجمع الطواغيت (٥)

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ٣٦.

(٢) كذا في النسخ والظاهر زيادة كلمة ـ من ـ من النسّاخ.

(٣) سورة النساء : ٦٠.

(٤) سورة البقرة : ٢٥٧.

(٥) الصحاح ج ٦ ص ٢٤١٣.

٣٢٥

٤٥٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن شهاب بن عبد ربه قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا شهاب يكثر القتل في أهل بيت من قريش حتى يدعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها ثم قال يا شهاب ولا تقل إني عنيت بني عمي هؤلاء قال شهاب أشهد أنه قد عناهم.

٤٥٤ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين عليه‌السلام من أن يدعو إلى نفسه إلا نظرا للناس و

______________________________________________________

الحديث الثالث والخمسون والأربعمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « بني عمي » أي بني الحسن أو بني العباس ، وما حمل شهاب كلامه عليه من التقية يؤيد الثاني ، لكن ما ذكره عليه‌السلام من كثرة القتل كان في بني الحسن أظهر ، وإن كان وقع في بني العباس أيضا في أواخر دولتهم.

الحديث الرابع والخمسون والأربعمائة : كالموثق.

قوله عليه‌السلام : « إلا نظرا للناس » اعلم أنه قد دلت الأدلة العقلية ووردت الأخبار المتواترة في أن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم لا يفعلون شيئا من الأمور لا سيما أمور الدين إلا بما أمرهم الله به ، ولا يتكلمون في شيء من أمورهم على الرأي والهوى « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (١) وقد مضت الأخبار في كتاب الحجة أن الله أنزل صحيفة من السماء مختومة بخواتيم ، وكان كل إمام يفض الخاتم المتعلق به ، ويعمل بما تحته (٢).

وقد ورد في الأخبار المستفيضة مما روته العامة والخاصة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بالكف عنهم حين أخبره بظلمهم ، فالاعتراض عليهم فيما يصدر عنهم ليس إلا من ضعف اليقين ، وقلة المعرفة بشأن أئمة الدين.

__________________

(١) سورة النجم : ٤.

(٢) لاحظ ج ٣ ص ١٨٨ ـ ٢٠٣.

٣٢٦

تخوفا عليهم أن يرتدوا عن الإسلام فيعبدوا الأوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلا

______________________________________________________

وقد روى الشيخ أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج أن أمير المؤمنين كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من النهروان ، فجرى الكلام حتى قيل له :

لم لا حاربت أبا بكر وعمر ، كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية ، فقال عليه‌السلام : إني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي ، فقام إليه أشعث بن قيس فقال : يا أمير ـ المؤمنين لم لم تضرب بسيفك وتطلب بحقك؟

فقال : يا أشعث قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه واستشعر الحجة ، إن لي أسوة بستة من الأنبياء عليهم‌السلام.

أولهم نوح عليه‌السلام حيث قال : « أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » (١) فإن قال قائل : إنه قال لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

وثانيهم لوط عليه‌السلام حيث قال : « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » (٢) فإن قال قائل : إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

وثالثهم إبراهيم خليل الله حيث قال : « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » (٣) فإن قال قائل : إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

ورابعهم موسى عليه‌السلام حيث قال : « فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ » (٤) فإن قال قائل : إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

وخامسهم أخوه هارون حيث قال : « يا بن أم إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي » (٥) فإن قال قائل : إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

__________________

(١) سورة القمر : ١٠.

(٢) سورة هود : ٨٠.

(٣) سورة مريم : ٤٨.

(٤) سورة الشعراء : ٢١.

(٥) سورة الأعراف : ١٥٠.

٣٢٧

الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان الأحب إليه أن يقرهم على ما صنعوا من أن يرتدوا

______________________________________________________

وسادسهم أخي محمد سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث ذهب إلى الغار ونومني على فراشه فإن قال قائل : إنه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر ، وإلا فالوصي أعذر.

فقام إليه الناس بأجمعهم ، فقالوا يا أمير المؤمنين : قد علمنا أن القول قولك ونحن المذنبون التائبون وقد عذرك الله (١).

وروي أيضا عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : خطب أمير المؤمنين خطبة بالكوفة ، فلما كان في آخر كلامه قال : إني لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام الأشعث بن قيس لعنه الله فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا وقلت والله إني لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله ، ولما ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا بن الخمارة قد قلت قولا فاسمع ، والله ما منعني الجبن ، ولا كراهية الموت ، ولا منعني ذلك إلا عهد أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خبرني وقال : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك وتنقض عهدي ، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما تعهد إلى إذا كان كذلك؟ فقال : إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما ، فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ، ثم آليت يمينا أني لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ثم بادرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصري فما أجابني منهم إلا أربعة رهط ، سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية ،

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ١٨٩.

٣٢٨

عن جميع الإسلام وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا فأما من لم يصنع ذلك ودخل

______________________________________________________

عقيل والعباس ، فقال له الأشعث : يا أمير المؤمنين كذلك كان عثمان لما لم يجد أعوانا كف يده حتى قتل مظلوما ، فقال أمير المؤمنين : يا بن الخمارة ليس كما قست ، إن عثمان لما جلس في غير مجلسه ، وارتدى بغير ردائه ، وصارع الحق ، فصرعه الحق والذي بعث محمدا بالحق لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في الله إلى أن أبلى عذري ، ثم قال : أيها الناس إن الأشعث لا يوزن عند الله جناح بعوضة وإنه أقل في دين الله من عفطة عنز (١).

وروي أيضا عن أم سلمة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنها قالت : كنا عند رسول الله تسع نسوة ، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتيت الباب فقلت : أدخل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا قالت فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردني من سخطه أو نزل في شيء من السماء ثم لم البث أن أتيت الباب ثانية فقلت : أدخل يا رسول الله؟ فقال : لا ، قالت : فكبوت كبوة أشد من الأولى ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت : أدخل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ادخلي يا أم سلمة ، فدخلت وعلي عليه‌السلام جاث بين يديه ، وهو يقول : فداك أبي وأمي يا رسول الله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني ، قال : آمرك بالصبر ، ثم أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصبر ، ثم أعاد عليه القول ثالثة فقال له : يا علي يا أخي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك ، واضرب قدما قدما حتى تلقاني ، وسيفك شاهر يقطر من دمائهم ، ثم التفت إلى وقال : وما هذه الكآبة يا أم سلمة ، قلت للذي كان من ردك إياي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : والله ما رددتك لشيء ، من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن آتيتني وجبرئيل عليه‌السلام يخبرني بالأحداث تكون بعدي ، وأمرني أن أوصي بذلك عليا يا أم سلمة ، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ، ووزيري في

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ١٩٠ ـ ١٩١.

٣٢٩

فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فإن ذلك لا يكفره ولا

______________________________________________________

الآخرة ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي ، وقاضي عداتي والرائد عن حوضي ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، قلت : يا رسول الله من الناكثون؟ قال : الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون ويقاتلونه بالبصرة ، قلت : من القاسطون؟ قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام. قلت : من المارقون؟ قال أصحاب النهروان (١).

وروى الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (٢) وكتاب علل الشرائع (٣) عن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، عن الحسن بن علي العدوي ، عن الهيثم بن عبد الله الرماني قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت له : يا بن رسول الله أخبرني عن علي عليه‌السلام لم لم يجاهد أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول الله ثم جاهد في أيام ولايته ، فقال : لأنه اقتدى برسول الله في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة تسعة عشر شهرا ، وذلك لقلة أعوانه عليهم ، وكذلك علي عليه‌السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم ، فلما لم تبطل نبوة رسول الله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة عشر شهرا كذلك لم تبطل إمامة علي عليه‌السلام مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة إذا كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة.

وروي في إكمال الدين (٤) والعلل (٥) ، عن المظفر بن جعفر العلوي ، عن

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٨١ ب ١١ ح ٧.

(٣) علل الشرائع ص ١٤٨ ب ١٢٢ ح ٥.

(٤) إكمال الدين ج ٢ ص ٦٤٢.

(٥) علل الشرائع ص ١٤٧ ب ١٢٢ ح ٣.

٣٣٠

يخرجه من الإسلام ـ ولذلك كتم علي عليه‌السلام أمره وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا

______________________________________________________

جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ، عن أبيه ، عن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أو قال له رجل : أصلحك الله ألم يكن علي عليه‌السلام قويا على دين الله؟ قال : بلى قال : فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك؟ قال : آية في كتاب الله منعته ، قال : قلت : وأي آية؟ قال : قوله : « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً » إنه كان لله تعالى ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن علي عليه‌السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع الله ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله.

وروي بهذا الإسناد عن العياشي ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى عن يونس ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في قول الله : « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً » لو أخرج الله ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذب الذين كفروا (١).

وروي في العلل عن أحمد بن زياد الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله ما بال أمير المؤمنين لم يقاتلهم قال : للذي سبق في علم الله أن يكون ، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين (٢).

وروى شيخ الطائفة في كتاب الغيبة بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي ، عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا علي إن قريشا ستظاهر عليك ، وتجتمع كلمتهم على ظلمك و

__________________

(١) علل الشرايع ص ١٤٧ ب ١٢٢ ح ٤. فى المصدر : عن العيّاشيّ ، عن أبيه ، عن جبرئيل.

(٢) علل الشرايع ص ١٤٧ ب ١٢٢ ح ٦. فى المصدر : عن العيّاشيّ ، عن أبيه ، عن جبرئيل.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

قهرك ، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك فإن الشهادة من ورائك لعن الله قاتلك » (١).

وروي أيضا بإسناده عن علي بن الحسن الميثمي ، عن ربعي ، عن زرارة قال : قلت : ما منع أمير المؤمنين أن يدعو الناس إلى نفسه؟ قال : خوفا أن يرتدوا ـ قال علي بن حاتم : وأحسب في الحديث ـ ولا يشهدوا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله (٢).

وروي بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم كف علي عليه‌السلام عن القوم؟ قال : مخافة أن يرجعوا كفارا (٣).

وروي عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن معروف عن حماد ، عن حريز ، عن بريد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إن عليا عليه‌السلام لم بمنعه من أن يدعو إلى نفسه إلا أنهم إن يكونوا ضلالا لا يرجعون عن الإسلام أحب إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيروا كفارا كلهم » (٤).

وروى ابن شهرآشوب في المناقب أن أبا حنيفة سأل مؤمن الطاق فقال : لم لم يطلب علي عليه‌السلام بحقه بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان له حق؟ قال : خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة.

وقيل لعلي بن ميثم : لم قعد عن قتالهم ، قال : كما قعد هارون عن السامري ، وقد عبدوا العجل ، قيل : فكان ضعيفا ، قال : كان كهارون ، حيث يقول : « يا بن أم إِنَّ الْقَوْمَ

__________________

(١) كتاب الغيبة : ص ١١٧.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ص ١٤٩ ب ١٢٢ ح ٨. وفي المصدر قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣ و ٤) علل الشرائع ، ج ١ ص ١٥٠ ب ١٢٢ ح ١١.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اسْتَضْعَفُونِي » وكنوح إذ قال : « أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » وكلوط إذ قال : « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » وكموسى عليه‌السلام وهارون إذ قال موسى : « رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي » (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ كما رواه عنه في نهج البلاغة ـ : « فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمر من طعم العلقم » (٢).

وقيل لعلي بن ميثم لم صلى علي عليه‌السلام خلف القوم؟ قال : جعلهم بمنزلة السواري ، قيل : فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان ، قال : لأن الحد له وإليه ، فإذا أمكنه إقامة بكل حيلة ، قيل : فلم أشار على أبي بكر وعمر قال : طلبا منه أن يحيى أحكام الله ، وأن يكون دينه القيم كما أشار يوسف على ملك مصر نظرا منه للخلق ، ولأن الأرض والحكم فيها إليه ، فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل ، وإن لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه لإحياء أمر الله.

أقول : الكلام في ذلك طويل الذيل لا يمكننا قضاء الوطر منه في هذا المقام وقد بسطناه بعض البسط في كتاب بحار الأنوار (٣) وعسى الله أن يوفقنا لإتمام هذا الكلام في شرح كتاب الحجة والله الموفق.

قوله عليه‌السلام : « من أن يرتدوا عن الإسلام » أي عن ظاهر الإسلام والتكلم بالشهادتين فإبقاؤهم على ظاهر الإسلام كان صلاحا للأمة ، ليكون لهم طريق إلى قبول الحق

__________________

(١) المناقب : ج ١ ص ٢٧٠.

(٢) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٦٨ « الخطبة ـ ٢٦ ـ ».

(٣) بحار الأنوار ج ٢٧ ص ٢١١ ح ١٥.

٣٣٣

٤٥٥ ـ حدثنا محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن عبد الرحيم القصير قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن الناس يفزعون إذا قلنا إن الناس ارتدوا فقال يا عبد الرحيم إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل جاهلية إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعدا وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية يا سعد

______________________________________________________

وإلى الدخول في الإيمان ، وهذا لا ينافي ما ورد من الأخبار الكثيرة وقد مضى بعضها وسيأتي أيضا إن الناس ارتدوا بعد رسول الله إلا ثلاثة ، لأن المراد فيها ارتدادهم عن الدين واقعا ، وهذا الخبر محمول على بقائهم على صورة الإسلام وظاهره ، وإن كانوا في كثير من الأحكام مشاركين مع الكفار ، وخص عليه‌السلام هذا بمن لم يسمع النص على أمير المؤمنين ولم يبغضه ، ولم يعاده فإن من فعل شيئا من ذلك فقد أنكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكفر ظاهرا أيضا ، ولم يبق له شيء من أحكام الإسلام ، ووجب قتله.

وقد مضى تحقيق الإسلام والإيمان ومعانيهما في شرح كتاب الإيمان والكفر (١) فلا نطيل الكلام بإعادته.

الحديث الخامس والخمسون والأربعمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فلم تعتزل بخير » إن لم يكن اعتزالهم لاختيار الحق أو لترك الباطل ، بل اختاروا باطلا مكان باطل آخر للحمية والعصبية.

قوله عليه‌السلام : « وهم يرتجزون » قال الفيروزآبادي : الرجز ـ بالتحريك ـ ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ، سمي به لتقارب أجزائه ، وقلة حروفه ، وزعم الخليل أنه ليس بشعر ، وإنما هو إنصاف أبيات وأثلاث (٢).

__________________

(١) لاحظ ج ٧ ص ١٥١ ـ ١٥٩.

(٢) القاموس ج ٢ ص ١٨٢.

٣٣٤

أنت المرجى وشعرك المرجل وفحلك المرجم

______________________________________________________

قوله : « أنت المرجئ » بالتشديد من الرجاء.

قوله : « وفحلك المرجم » أي خصمك مرجوم مطرود.

ولنذكر بعض أخبار السقيفة من كتب الفريقين ، ليظهر لك سخافة ما احتج به المخالفون المعاندون من بيعة السقيفة من كتب الفريقين على حقيقة خلفائهم الجائرين ، ويتبين لك أنهم لم يكونوا إلا غاصبين جابرين مرتدين عن الدين ، لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت عليهم‌السلام من الأولين والآخرين.

فقد روى الشيخ أبو طالب الطبرسي (ره) بإسناده عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، وقال : إنه روي بإسناده الصحيح عن رجاله ثقة عن ثقة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بن عباس وغلام له يقال له ثوبان ، وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ، ثم حمل على نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج ، فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه اجلس على الباب ، ولا تحجب أحدا من الأنصار ، وتجلاه الغشي وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب ، وقالوا ائذن لنا على رسول الله ، فقال : هو مغشي عليه ، وعنده نساؤه فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البكاء ، فقال : من هؤلاء قالوا الأنصار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله من ههنا من أهل بيتي قالوا علي والعباس. فدعاهما وخرج متوكئا عليهما ، فاستند إلى جذع من أساطين مسجده ، وكان الجذع جريد نخل ، فاجتمع الناس وخطب ، وقال في كلام أنه لم يمت نبي قط إلا خلف تركة ، وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ، فمن ضيعهم ضيعه الله ، ألا وإن كان الأنصار كرشي التي أوصى إليها وإني أوصيكم بتقوى الله ، والإحسان إليهم ، فاقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ، ثم دعا أسامة بن زيد. فقال : سر على بركة الله والنصر والعافية حيث أمرتك بمن أمرتك عليه ، وكان عليه‌السلام قد أمره على جماعة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين ، وأمره أن يعبر على مؤتة واد

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في فلسطين ، فقال له أسامة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتأذن لي في المقام أياما حتى يشفيك الله ، فإني متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنفذ يا أسامة ، فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال ، فبلغ رسول الله أن الناس طعنوا في عمله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بلغني أنكم طعنتم في عمل أسامة وفي عمل أبيه من قبل ، وأيم الله إنه لخليق للأمارة ، وإن أباه كان خليقا لها وإنه لمن أحب الناس إلى فأوصيكم به ، فلان قلتم في إمارته فقد قال قائلكم في إمارة أبيه ، ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيته وخرج أسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة ، ونادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يتخلف عن أسامة أحد ممن أمرته عليه ، فلحق الناس به ، وكان من سارع إليه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فنزلوا في زقاق واحد مع جملة أهل العسكر.

قال : وثقل رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامة يدخلون عليه إرسالا ، وسعد بن عبادة شاك فكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي إلا انصرف إلى سعد يعوده ، قال : وقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين ، فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها فأقبل أبو ـ بكر على ناقة له حتى وقف على باب المسجد ، فقال أيها الناس ما لكم تموجون إن كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً » (١).

ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلما سمع بذلك عمر أخبر به أبا بكر ومضيا مسرعين إلى السقيفة معهما أبو عبيدة ابن جراح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٤.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال : أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنما أدعوكم إلى عبيدة بن الجراح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراه له أهلا.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر أنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار ، وثاني الاثنين ، وأنت أحق بهذا الأمر وأولانا به ، فقالت الأنصار نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم ، فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ، ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار.

فقال أبو بكر ، بعد أن مدح المهاجرين ، وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصارا لدينه ولرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم ، فهم الأمراء ، وأنتم الوزراء.

فقام الحباب بن المنذر الأنصاري فقال : يا معاشر الأنصار أملكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم ، وأثنى على الأنصار ، ثم قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى تأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ، ومنهم أمير.

فقام عمر بن الخطاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد إنه لا ترضى العرب أن تأمركم ونبيها من غيركم ، ولكن لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وأولوا الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة ، والسلطان البين فما تنازعنا في سلطان محمد ، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في الهلكة ، محب للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم ولا

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تسمعوا مقالة هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبوا أن يكون أمير وأمير فأجلوهم عن بلادكم ، وتولوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحق به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها (١) المحكك وعذيقها (٢) المرجب والله لا يرد أحد قولي إلا حطمت أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله فنهاني رسول الله عن علي مهابرته ، فحلفت أن لا أكلمه أبدا.

ثم قال عمر لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة تكلم ، فقام أبو عبيدة بن الجراح فتكلم بكلام كثير ذكر فيه فضائل الأنصار ، فكان بشير بن سعد سيدا من سادات الأنصار لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره ، حسده وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش ، وحث الناس كلهم لا سيما الأنصار على الرضا بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخا قريش ، فبايعوا أيهما شئتم فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك ، فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج ، فلما رأت الأوس

__________________

(١ و ٢) الجذيل في الأصل : تصغير الجذل ، وهو عود ينصب للإبل الجربى تستشفى بالاحتكاك به والمحكك : الذي كثر به الاحتكاك حتّى صار مملسا.

والعذيق : تصغير العذق : وهو النخلة. والمرجب : المدعوم بالرجبة ، وهي خشبة ذات شعبتين وذلك إذا كثر وطال حمله ، والمعنى أنّي ذو رأى يشفى بالاستضاءة به كثيرا في مثل هذه الحادثة ، وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل. « الفائق : ج ١ ص ١٨١ ـ ١٨٢ ».

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صنع بشير وما دعت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك ، وتزاحموا فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض ، فقال : قتلتموني.

فقال عمر : اقتلوا سعدا قتله الله ، فوثب قيس بن سعيد ، فأخذ بلحية عمر وقال : والله يا بن صهاك الجبان في الحروب الفرار ، الليث في الملإ والأمن ، لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة ، فقال أبو بكر مهلا يا عمر : فإن الرفق أبلغ وأفضل.

فقال سعد : يا بن صهاك ـ وكانت جدة عمر حبشية ـ أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ، ولا لحقتكما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاء تابعين غير متبوعين ، لقد اجترأتما ، يا آل الخزرج احملوني من مكان الفتنة فحملوه ، فأدخلوه منزله ، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فقال : لا والله حتى أرميكم بجل سهم في كنانتي وأخضب بدمائكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما أقلت يدي ، فأقاتلكم بمن يتبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثم قال : والله لو اجتمعت الإنس والجن ما بايعتكما أيهما العاصيان حتى أعرض على ربي ، وأعلم ما حسابي فلما جاءهم كلامه قال عمر : لا بد فيه من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوس فاتركوه فليس تركه بضائر فقبلوا قوله وتركوا سعدا فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك في ولاية أبي بكر حتى هلك أبو بكر ثم ولي عمر فكان كذلك فخشي سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر لم يبايع أحدا وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل ، فقتله وزعم أن الجن رمونه [ رمته ].

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل أيضا إن محمد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك ، بجعل جعلت له عليه ، وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة.

قال : وبائع جملة الأنصار ومن حولهم ومن حضر من غيرهم ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام مشغول بجهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما فرغ من ذلك ، وصلى على النبي والناس يصلون عليه من بائع أبا بكر ومن لم يبايع ، جلس في المسجد فاجتمع إليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد مجتمعين إذ أقبل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا : ما لنا نراكم حلقا شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايعه الأنصار والناس ، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا ، فانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه‌السلام ومعهم الزبير.

قال : فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسليمة بن سلامة فألقوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، فوثب الزبير إلى سيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب فاكفوني شره ، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده ، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، وأيم الله لأن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.

فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعلوا يبايعوا حتى لم يبق إلا علي بن أبي طالب ، فقالوا له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر وأولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذتموها منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم بمكانهم من رسول الله ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا لكم الإمارة

٣٤٠