مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

الفضل الكاتب قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال ليس لكتابك جواب اخرج عنا فجعلنا يسار بعضنا بعضا فقال أي شيء تسارون يا فضل إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله ثم قال إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان قلت فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك قال لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا يقولها ثلاثا وهو من المحتوم.

٤١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس أكان من الملائكة أم كان يلي شيئا من

______________________________________________________

قوله : « كتاب أبي مسلم » أي المروزي.

قوله : « يسار بعضنا بعضا » الظاهر أن مسارتهم كان اعتراضا عليه عليه‌السلام بأنه لم لا يقبل ذلك.

قوله : « حتى بلغ السابع من ولد فلان » أي عد سبعة من ولد العباس وبين أن ملك هؤلاء مقدم على خروج قائمنا فكيف نخرج ولم ينقض ملك هؤلاء وهذا بدؤ ملكهم.

قوله عليه‌السلام : « وهو أي خروج السفياني من المحتوم » الذي لا بداء فيه.

الحديث الثالث عشر والأربعمائة : ضعيف.

قوله : « عن إبليس أكان من الملائكة؟ » اعلم أن العلماء اختلفوا في أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا؟ فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين لا سيما المعتزلة ، وكثير من أصحابنا كالشيخ المفيد (ره) إنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن قال : وقد جاءت الأخبار به متواترة عن أئمة الهدى عليهم‌السلام ، وهو مذهب الإمامية وذهب طائفة من المتكلمين وكثير من فقهاء الجمهور ، إلى أنه منهم ، واختاره شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قدس‌سره ، قال : وهو المروي عن أبي عبد الله ، والظاهر في تفاسيرنا.

٢٨١

أمر السماء فقال لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ولا كرامة فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكره وقال وكيف لا يكون من الملائكة والله عز وجل يقول : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ » (١) فدخل عليه الطيار

______________________________________________________

ثم اختلف من قال إنه كان من الملائكة ، فمنهم من قال : إنه كان خازنا على الجنان ومنهم من قال : كان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض ، ومنهم من قال إنه كان يسوس ما بين السماء والأرض ، واحتج الأولون بوجوه.

أحدها : قوله تعالى في سورة الكهف : « إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » (٢) قالوا : ومتى أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعني به إلا الجنس المعروف الذي يقابل بالإنس في الكتاب الكريم.

وثانيها : قوله تعالى : « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » (٣) فنفى عن الملائكة المعصية نفيا عاما ، فوجب أن لا يكون إبليس منهم.

وثالثها : أن إبليس له نسل وذرية كما قال تعالى : « أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ » (٤) والملائكة لا ذرية لهم ، لأنه ليس فيهم أنثى لقوله تعالى : « وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً » (٥) والذرية إنما تحصل من الذكر والأنثى.

ورابعها : إن الملائكة رسل الله لقوله تعالى : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » (٦) ورسل الله معصومون لقوله تعالى : « اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » (٧) ولا يجوز على رسل الله الكفر والعصيان ملائكة كانوا أم بشرا.

__________________

(١ و ٢ و ٤) سورة الكهف : ٥٠.

(٣) سورة التحريم : ٦.

(٥) سورة الزخرف : ١٩.

(٦) سورة فاطر : ١.

(٧) سورة الأنعام : ١٢٤.

٢٨٢

فسأله وأنا عنده فقال له جعلت فداك رأيت قوله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » في غير مكان من مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذا المنافقون قال نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة

______________________________________________________

وقد ذكر وجوه آخر وأورد على ما ذكرنا اعتراضات ، وأجيب عنها بأجوبة تركنا إيرادها مخافة الإطناب.

واحتج القائلون بأنه من الملائكة بوجهين.

الأول : إن الله تعالى استثناه من الملائكة ، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ، وذلك يوجب كونه من الملائكة.

وأجيب بأن الاستثناء هيهنا منقطع ، وهو مشهور في كلام العرب كثير في كلامه تعالى ، وأيضا فلأنه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة غلبوا عليه في قوله : « فَسَجَدُوا » ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم ، وقد كان مأمورا بالسجود معهم ، فلما دخل معهم في الأمر جاز إخراجه باستثناء منهم.

والثاني : إنه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا » (١) متناولا له فلا يكون تركه للسجود إباء واستكبارا ومعصية ، ولما استحق الذم والعقاب فعلم أن الخطاب كان متناولا له ، ولا يتناوله الخطاب إلا إذا كان من الملائكة.

وأجيب : بأنه وإن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ معهم ، وطالت خلطته بهم ، والتصق بهم فلا جرم تناوله ذلك الخطاب.

وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمر آخر ، ويكون قوله تعالى : « ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ » (٢) إشارة إلى ذلك الأمر.

أقول : هذا الخبر من الأخبار التي تدل على المذهب الأول والأخبار الدالة

__________________

(١) سورة الكهف ٥٠.

(٢) سورة الأعراف : ١٢.

٢٨٣

٤١٤ ـ عنه ، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إني أصلي فأجعل بعض صلاتي لك فقال ذلك خير لك فقال يا رسول الله فأجعل نصف صلاتي لك فقال ذلك أفضل لك فقال يا رسول الله فإني أصلي فأجعل كل صلاتي لك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا يكفيك الله ما أهمك

______________________________________________________

عليه كثيرة.

قوله : « أرأيت قوله تعالى » لعله كان غرضه الاستدلال بأنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود وعصى إبليس بتركه فيكون من الملائكة لشموله الأمر المتوجهة إلى الملائكة له ، ولو لم يكن منهم لم يشمله ذلك الخطاب له ، كما أن الخطاب بقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » لا يشمل المنافقين ، فأجاب عليه‌السلام بأن كل من اختلط بجماعة ولم يتميز منهم فالخطاب المتوجهة إليهم يشمله ، فالخطاب بقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » يشمل المنافقين ، وخطاب الملائكة يشمل إبليس ، لأنه كان مختلطا بهم ظاهرا غير متميز عنهم.

الحديث الرابع عشر والأربعمائة : ضعيف.

قوله : « فاجعل كل صلاتي لك » أقول : روى العامة بإسنادهم عن أبي بن كعب أنه قال : قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال : ما شئت ، قلت : الربع قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ، قلت : النصف قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ، قلت : فالثلثين؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قلت : أجعل لك صلاتي كلها؟ قال إذا تكفى همك ويكفر لك ذنبك (١).

وقال الطيبي في شرح المشكاة في قوله « كم أجعل لك من صلاتي »؟ هي هنا الدعاء والورد ، يعني لي زمان أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان في الدعاء لك ، قوله أجعل لك صلاتي كلها أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي ، وفيه إن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من الدعاء لنفسه ، لأن فيه ذكر الله ، وتعظيم

__________________

(١) سنن الترمذي كتاب القيامة ص ٢٣. ومسند أحمد ابن حنبل ج ٥ ص ١٣٦.

٢٨٤

من أمر دنياك وآخرتك ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله كلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يكلفه أحدا من خلقه كلفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه ولم يكلف هذا أحدا من خلقه قبله ولا بعده ثم تلا هذه الآية « فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » (١) ثم قال وجعل الله أن يأخذ له ما أخذ لنفسه فقال عز وجل

______________________________________________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن شغله ذكره عن مسألته أعطي أفضل ، ويدخل فيه كفاية ما يهمه في الدارين انتهى.

أقول : قد مر تفسير ذلك في كتاب الدعاء (٢) فيما رواه عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عنه عليه‌السلام وذكر نحوا مما هنا ، ثم قال : فقال له رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا يسأل الله تعالى إلا يبدأ بالصلاة على محمد وآله.

وروي هناك بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله ما معنى أجعل صلاتي كلها لك؟ فقال : يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله تعالى شيئا حتى يبدأ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلي عليه ، ثم يسأل الله حوائجه ، فعلى هذا يكون المراد بالصلاة أيضا الدعاء ، ويجعلها له تصديرها بالصلاة عليه ، لأنه لما جعل دعاءه تابعا للصلاة ، وعظمه بتصدير دعائه بالصلاة عليه ، فكأنه جعل دعواته كلها له (٣).

قوله تعالى : « لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » قال البيضاوي : أي إلا فعل نفسك ، لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم ، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد ، فإن الله ناصرك لا الجنود (٤).

قوله عليه‌السلام : « أن يأخذ له ما أخذ لنفسه » أي يأخذ العهد من الخلق في مضاعفة الأعمال له صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما أخذ في المضاعفة لنفسه ، أو يأخذ العهد بتعظيمه مثل ما

__________________

(١) سورة النساء : ٨٤.

(٢) لاحظ ج ١٢ ص ٩٩ و ٩١.

(٣) لاحظ ج ١٢ ص ٩٩ و ٩١.

(٤) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٢٣٣.

٢٨٥

« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (١) وجعلت الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشر حسنات.

٤١٥ ـ عنه ، عن علي بن حديد ، عن منصور بن روح ، عن فضيل الصائغ قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أنتم والله نور في ظلمات الأرض والله إن أهل السماء لينظرون إليكم في ظلمات الأرض كما تنظرون أنتم إلى الكوكب الدري في السماء وإن بعضهم ليقول لبعض يا فلان عجبا لفلان كيف أصاب هذا الأمر وهو قول

______________________________________________________

أخذ لنفسه.

قوله عليه‌السلام : « وجعلت الصلاة » يحتمل وجهين.

الأول : أن يكون المراد أنه جعل تعظيمه والصلاة عليه من طاعاته التي يضاعف لها الثواب عشرة أضعافها.

والثاني : أن يكون المراد أنه ضاعف لنفسه الصلاة ، لكونها عبادة له عشرة أضعاف ، ثم ضاعفها له صلى‌الله‌عليه‌وآله لكونها متعلقة به ، لكل حسنة عشرة أضعافها ، فصارت للصلاة مائة حسنة.

الحديث الخامس عشر والأربعمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « نور في ظلمات الأرض » النور ما هو سبب لظهور الأشياء ولذا يطلق على العلم والإيمان والسعادات والكمالات ، ولما كانت تلك الأمور إنما تظهر من الشيعة وبسببهم في الأرض ، فلذا أطلق عليهم النور.

قوله عليه‌السلام : « إلى الكوكب الدري » قال الجزري : فيه « كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء » أي الشديد الإنارة ، كأنه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه ، وقال الفراء : الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار ، وقيل : هو أحد الكواكب الخمسة السيارة (٢).

قوله عليه‌السلام : « كيف أصاب هذا الأمر » أي المعرفة والولاية مع أن أكثر

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٦٠.

(٢) النهاية : ج ٢ ص ١١٣.

٢٨٦

أبي عليه‌السلام والله ما أعجب ممن هلك كيف هلك ولكن أعجب ممن نجا كيف نجا.

٤١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى.

٤١٧ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن الحكم بن محمد بن القاسم أنه سمع عبد الله بن عطاء يقول قال أبو جعفر عليه‌السلام قم فأسرج دابتين حمارا وبغلا فأسرجت حمارا وبغلا فقدمت إليه البغل ورأيت أنه أحبهما إليه فقال من أمرك أن تقدم إلي هذا البغل قلت اخترته لك قال وأمرتك أن تختار لي ثم قال إن أحب المطايا إلي الحمر قال فقدمت إليه الحمار وأمسكت

______________________________________________________

الناس في الجهالة والضلالة.

قوله عليه‌السلام : « ما أعجب ممن هلك » لكون أكثر الخلق كذلك ، ودواعي الهلاك والضلال كثيرة.

الحديث السادس عشر والأربعمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « أو تزوج » يحتمل العقد والزفاف والأعم منهما ، وإن كان الأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « والقمر في العقرب » أي في برجها أو محاذاة كواكبها.

قوله عليه‌السلام : « لم ير الحسنى » أي العاقبة الحسنى.

أقول : هذا الخبر يدل على رجحان إيقاع هذين الأمرين في غير تلك الساعة ولا يدل على رجحان رعاية الساعات في جميع الأمور ولا غير هذه الساعة في هذين الأمرين أيضا ، وقد مضى في السفر أنه مع التصدق لا بأس بالأخذ فيه أي ساعة كانت وسيأتي الكلام فيه مفصلا إن شاء الله تعالى (١).

الحديث السابع عشر والأربعمائة : مجهول.

__________________

(١) لاحظ الأحاديث رقم ٤٦٣ إلى ٤٦٨.

٢٨٧

له بالركاب فركب فقال الحمد لله الذي هدانا بالإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الحمد لله « الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » وسار وسرت حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له الصلاة جعلت فداك فقال هذا وادي النمل لا يصلى فيه حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له مثل ذلك فقال هذه الأرض مالحة لا يصلى فيها قال حتى نزل هو من قبل نفسه فقال لي صليت أو تصلي سبحتك قلت هذه صلاة تسميها أهل العراق الزوال فقال أما هؤلاء الذين يصلون هم شيعة علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهي صلاة الأوابين فصلى وصليت ثم أمسكت له بالركاب ثم قال مثل ما قال في بدايته ثم قال اللهم العن المرجئة

______________________________________________________

قوله تعالى : « وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » أي مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف.

قوله تعالى « لَمُنْقَلِبُونَ » أي راجعون واتصاله بذلك ، لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هي الانقلاب إلى الله ، أو لأنه محظر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله.

قوله عليه‌السلام : « هذا وادي النمل » يدل على كراهة الصلاة في الوادي التي تكون فيها قرى النمل كما ذكره الأصحاب ، وكذا يدل على كراهة الصلاة في الأرض السبخة.

قوله عليه‌السلام : « أو تصلي سبحتك » الترديد من الراوي والسبحة صلاة النافلة.

قوله عليه‌السلام : « الزوال » أي صلاة الزوال ، ويمكن أن يكون قاله استخفافا فعظمها عليه‌السلام وبين فضلها ، أو المراد أن هذه صلاة يصليها أهل العراق قريبا من الزوال قبله ، يعني صلاة الضحى فالمراد بالجواب أن من يصليها بعد الزوال كما نقول فهو شيعة علي عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « اللهم العن المرجئة » قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (١)

__________________

(١) الملل والنحل : ج ١ ص ١٣٦.

٢٨٨

فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة فقلت له ما ذكرك جعلت فداك المرجئة فقال خطروا على بالي.

٤١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما أرادت قريش قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت كيف لنا بأبي لهب فقالت أم جميل أنا أكفيكموه أنا أقول له إني أحب أن تقعد اليوم في البيت نصطبح فلما أن كان من الغد وتهيأ المشركون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قعد أبو لهب وامرأته يشربان فدعا أبو طالب عليا عليه‌السلام فقال له يا بني اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه فإن فتح لك فادخل وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب واكسره وادخل عليه فإذا دخلت عليه فقل له يقول لك أبي

______________________________________________________

الإرجاء على معنيين.

أحدهما : التأخير ، قال تعالى : « أَرْجِهْ » أمهله وأخاه.

والثاني : إعطاء الرجاء.

أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول صحيح ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد.

وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون لا يضر مع الأيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقيل : الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار ، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان.

وقيل الإرجاء تأخير علي عليه‌السلام عن الدرجة الأولى إلى الرابعة.

أقول : الأظهر أن المراد هنا المعنى الأخير.

الحديث الثامن عشر والأربعمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « نصطبح » يقال اصطبح الرجل أي شرب صبوحا.

٢٨٩

إن امرأ عمه عينه في القوم فليس بذليل قال فذهب أمير المؤمنين عليه‌السلام فوجد الباب مغلقا فاستفتح فلم يفتح له فتحامل على الباب وكسره ودخل فلما رآه أبو لهب قال له ما لك يا ابن أخي فقال له إن أبي يقول لك إن امرأ عمه عينه في القوم ليس بذليل فقال له صدق أبوك فما ذلك يا ابن أخي فقال له يقتل ابن أخيك وأنت تأكل وتشرب فوثب وأخذ سيفه فتعلقت به أم جميل فرفع يده ولطم وجهها لطمة ففقأ عينها فماتت وهي عوراء وخرج أبو لهب ومعه السيف فلما رأته قريش عرفت الغضب في وجهه فقالت ما لك يا أبا لهب فقال أبايعكم على ابن أخي ثم تريدون قتله واللات والعزى لقد هممت أن أسلم ثم تنظرون ما أصنع فاعتذروا إليه ورجع.

٤١٩ ـ عنه ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار ويكثر الكفار في أعين المسلمين فشد عليه

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « إن امرء عمه عينه في القوم » والمراد بالعم أما أبو لهب أو نفسه والأول أظهر إذ الظاهر أن الغرض حمله على الحمية ، والمراد بالعين السيد أو الرقيب والحافظ ، والحاصل أن من كان عمه مثلك سيد القوم وزعيمهم لا ينبغي أن يكون ذليلا بينهم.

قوله : « على ابن أخي » أي على إيذائه وأنتم تفرطون في ذلك ، وتريدون قتله أو على محافظته وترك إيذائه والأول أظهر.

الحديث التاسع عشر والأربعمائة : موثق ، وضمير عنه راجع إلى ابن أبي عمير.

قوله عليه‌السلام : « يقلل المؤمنين » إما بأن كان يحول بين بعضهم ، أو كان يقول لهم : إن هؤلاء شرذمة قليلون ، وأما تكثير الكفار فالظاهر أنه بما أدخل بينهم من جنوده وعساكره ، ويحتمل أن يكون بإلقاء الوساوس في قلوب المؤمنين أيضا.

قال الشيخ الطبرسي : اختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان ، فقيل : إن قريشا لما أجمعت المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة

٢٩٠

جبرئيل عليه‌السلام بالسيف فهرب منه وهو يقول يا جبرئيل إني مؤجل إني مؤجل حتى وقع في البحر قال زرارة فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام لأي شيء كان يخاف وهو مؤجل

______________________________________________________

من الحرب ، وكاد ذلك أن يثنيهم ، فجاء إبليس في جند من الشيطان ، فتبدي لهم في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي وكان من أشراف كنانة ، فقال لهم : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جار لكم أي مجير لكم من كنانة ، فلما رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء ، وعلم أنه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه. عن ابن عباس والسدي والكلبي وغيرهم ، وقيل : إنهم لما التقوا كان إبليس في صف المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث يا سراق إلى أين أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له ، إني أرى ما لا ترون ، فقال : والله ما نرى إلا جعاسيس يثرب ، فدفع في صدر الحارث ، وانطلق وانهزم الناس فلما قدموا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة ، فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم فقالوا : إنك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم ، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان عن الكلبي وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وقيل : إن إبليس لا يجوز أن يقدر على خلع صورته ولبس صورة سراقة ، ولكن الله تعالى جعل إبليس في صورة سراقة علما لصدق النبي ، وإنما فعل ذلك لأنه علم أنه لو لم يدع المشركين إنسان إلى قتال المسلمين ، فإنهم لا يخرجون من ديارهم حتى يقاتلهم المسلمون لخوفهم من بني كنانة ، فصوره بصورة سراقة حتى تم المراد في إعزاز الدين عن الجبائي وجماعة ، وقيل : إن إبليس لم يتصور في صورة إنسان ، وإنما قال ذلك لهم على وجه الوسوسة عن الحسن ، واختاره البلخي والأول هو المشهور في التفاسير.

ورأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي‌الله‌عنه أنه يجوز أن يقدر الله تعالى الجن ومن جرى مجراهم على أن يجمعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض ، حتى يتمكن الناس من رؤيتهم ، ويتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان

٢٩١

قال يقطع بعض أطرافه.

٤٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن هشام بن سالم ، عن أبان بن عثمان عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قرة فقال من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يقم أحد ثم أعادها فلم يقم أحد فقال أبو عبد الله عليه‌السلام بيده وما أراد القوم أرادوا أفضل من الجنة ثم قال من هذا فقال حذيفة فقال أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تكلم أقبرت فقام حذيفة وهو يقول القر والضر جعلني الله فداك منعني أن أجيبك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انطلق حتى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم فلما ذهب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا حذيفة لا تحدث شيئا حتى تأتيني فأخذ سيفه وقوسه وحجفته قال حذيفة

______________________________________________________

لأن أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها ، وقد وجدنا الإنسان يجمع الهواء ويفرقه ويغير صور الأجسام الرخوة ضروبا من التغيير ، وأعيانها لم تزد ولم تنقص ، وقد استفاض الخبر بأن إبليس تراءى لأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وحضر يوم بدر في صورة سراقة ، وأن جبرئيل عليه‌السلام ظهر لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صورة دحية الكلبي ، قال : وغير محال أيضا أن يغير الله تعالى صورهم ، ويكشفها في بعض الأحوال فيراهم الناس لضرب من الامتحان (١).

الحديث العشرون والأربعمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « قرة » أي باردة.

قوله عليه‌السلام : « فقال أبو عبد الله بيده » أي حرك يده على وجه التعجب.

قوله : « القر والضر » القر ـ بالضم ـ البرد ، والضر ـ بالضم ـ سوء الحال.

قوله عليه‌السلام : « وحجفته » قال الجوهري : يقال للترس إذا كان من جلود

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ص ٥٤٩ ـ ٥٥٠.

٢٩٢

فخرجت وما بي من ضر ولا قر فمررت على باب الخندق وقد اعتراه المؤمنون والكفار فلما توجه حذيفة قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونادى ـ يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا رسول الله إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك ودعاءك وقد أجابك وكفاك هول عدوك فجثا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه ثم قال شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث الله عز وجل عليهم ريحا من السماء الدنيا فيها حصى وريحا من السماء الرابعة فيها جندل قال حذيفة فخرجت فإذا أنا بنيران القوم وأقبل جند الله الأول ريح فيها حصى فما تركت لهم نارا إلا أذرتها ولا خباء إلا طرحته ولا رمحا إلا ألقته حتى جعلوا يتترسون من الحصى فجعلنا نسمع وقع الحصى في الأترسة فجلس حذيفة بين رجلين من المشركين فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين فقال أيها الناس إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذاب ألا وإنه لن يفوتكم من أمره شيء فإنه

______________________________________________________

ليس فيه خشب ولا عقب : حجفة ودرقة (١).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا صريخ المكروبين » قال الجوهري : الصريخ : صوت المستصرخ ، والصريخ أيضا الصارخ وهو المغيث والمستغيث أيضا (٢).

قوله عليه‌السلام : « وأرسل عينيه » أي ماءهما بالبكاء.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فيها جندل » أي حجارة وهي أكبر من الحصى.

قوله : « ريح فيها حصى » إشارة إلى قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً » (٣) وقد ذكر قريبا مما ذكر في هذا الخبر جميع أهل السير.

قوله : « وإنه لن يفوتكم من أمره شيء » أي لا تيأسوا منه ولا تعجلوا في أمره

__________________

(١) الصحاح : ج ٤ ص ١٣٣٥.

(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ٤٢٦.

(٣) سورة الأحزاب : ٩.

٢٩٣

ليس سنة مقام قد هلك الخف والحافر فارجعوا ولينظر كل رجل منكم من جليسه قال حذيفة فنظرت عن يميني فضربت بيدي فقلت من أنت فقال معاوية فقلت للذي عن يساري من أنت فقال سهيل بن عمرو قال حذيفة وأقبل جند الله الأعظم فقام

______________________________________________________

فإنه لن يفوتكم من أمر قتاله وقمعه واستئصاله شيء والوقت واسع.

قوله : « فلينظر كل رجل منكم من جليسه » إنما قال ذلك ليعلم القوم بعد السؤال هل بينهم عين فتنبه حذيفة ، وبادر إلى السؤال لكي يظنوا أنه من أهلهم ولا يسأل عنه أحد.

قال علي بن إبراهيم : فنادى رسول الله حذيفة بن اليمان وكان قريبا منه فلم يجبه ، ثم ناداه ثانيا فلم يجبه ، ثم ناداه ثالثا فقال : لبيك يا رسول الله ، فقال : أدعوك فلا تجيبني ، قال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي من الخوف والبرد ، فقال : أدخل في القوم وائتني بأخبارهم ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إلى ، فإن الله قد أخبرني أنه أرسل الرياح على قريش وهزمهم ، قال حذيفة ، فمضيت وأنا أنتقض من البرد فو الله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في حمام ، فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد ، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى خصيتيه على النار ، وهو ينتقض من شدة البرد ويقول يا معشر قريش : إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد ، فلا طاقة لنا بأهل السماء ، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم ، ثم قال : لينظر كل رجل منكم إلى جليسه ، لا يكون لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عين فيما بيننا ، قال حذيفة : فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت؟ قال أنا عمرو بن العاص ، ثم قلت للذي عن يساري من أنت؟ قال : أنا معاوية وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت ، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة ، ولو لا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تحدث حدثا حتى ترجع إلى لقدرت أن أقتله ، ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد : يا أبا سليمان لا بد من أن يكون أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس ، ثم قال

٢٩٤

أبو سفيان إلى راحلته ثم صاح في قريش النجاء النجاء وقال طلحة الأزدي لقد زادكم محمد بشر ثم قام إلى راحلته وصاح في بني أشجع النجاء النجاء وفعل عيينة بن حصن مثلها ثم فعل الحارث بن عوف المزني مثلها ثم فعل الأقرع بن حابس مثلها وذهب الأحزاب ورجع حذيفة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره الخبر وقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنه كان ليشبه يوم القيامة.

٤٢١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام الخراساني ، عن المفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بالكوفة أيام قدم على أبي العباس

______________________________________________________

ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمين ، فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة ، وبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر يسير (١).

قوله : « النجاء النجاء » قال الجزري : فيه « وأنا النذير العريان فالنجاء النجاء » أي أنجوا بأنفسكم ، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر أي أنجوا النجاء ، وتكراره للتأكيد وقد تكرر في الحديث ، والنجاء السرعة ، يقال : نجا ينجو إنجاء إذا أسرع ، ونجا من الأمر إذا خلص وأنجاه غيره (٢).

وقال الفيروزآبادي : النجاءك النجاءك ، ويقصران ، أي أسرع أسرع (٣).

قوله عليه‌السلام : « أنه كان ليشبه يوم القيامة » أي ليلة الكفار من هبوب الرياح بينهم ، واضطرابهم وحيرتهم وخوفهم ، ويحتمل أن يكون الغرض بيان شدة حال المسلمين قبل نزول هذا الظفر من البرد والخوف والجوع.

الحديث الحادي والعشرون والأربعمائة : مجهول على الأظهر ضعيف على الأشهر.

قوله : « على أبي العباس » أي السفاح أول خلفاء بني العباس.

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ١٨٧.

(٢) النهاية : ج ٥ ص ٢٥.

(٣) القاموس : ج ٤ ص ٣٩٣.

٢٩٥

فلما انتهينا إلى الكناسة قال هاهنا صلب عمي زيد رحمه‌الله ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين وهو آخر السراجين فنزل وقال انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم عليه‌السلام وأنا أكره أن أدخله راكبا قال قلت فمن غيره عن خطته قال أما أول ذلك الطوفان في زمن نوح عليه‌السلام ثم غيره أصحاب كسرى ونعمان ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان ، فقلت وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح عليه‌السلام فقال لي نعم يا مفضل وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة قال وكان نوح عليه‌السلام رجلا نجارا فجعله الله عز وجل نبيا وانتجبه ونوح عليه‌السلام أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء قال ولبث نوح عليه‌السلام في قومه « أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً » يدعوهم إلى الله عز وجل فيهزءون به ويسخرون منه فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال « رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً » (١) فأوحى الله عز وجل إلى نوح أن اصنع سفينة وأوسعها وعجل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده فأتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها قال المفضل ثم انقطع حديث أبي عبد الله عليه‌السلام عند زوال الشمس فقام أبو عبد الله عليه‌السلام فصلى الظهر والعصر ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الداريين وهو موضع دار ابن حكيم وذاك فرات اليوم فقال لي

______________________________________________________

قوله : « إلى الكناسة » هي بالضم موضع بالكوفة.

قوله : « والنعمان » أي النعمان بن المنذر أحد ملوك العرب.

قوله : « موضع دار الداريين » باليائين أي العطارين.

قوله : « وذاك فرات اليوم » أي الشعبة التي كانت تجري إلى الكوفة من الفرات.

قوله تعالى : « وَوَحْيِنا » الظاهر أنه عليه‌السلام فسر الوحي هنا بالسرعة كما

__________________

(١) سورة نوح : ٢٦ ـ ٢٧.

٢٩٦

يا مفضل وهاهنا نصبت أصنام قوم نوح عليه‌السلام : « يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً » ثم مضى حتى ركب دابته.

فقلت جعلت فداك في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها قال في دورين قلت وكم الدورين قال ثمانين سنة.

قلت وإن العامة يقولون عملها في خمسمائة عام فقال كلا كيف والله يقول : « وَوَحْيِنا » (١).

قال قلت فأخبرني عن قول الله عز وجل « حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ » (٢) فأين كان موضعه وكيف كان فقال كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد فقلت له فإن ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم

______________________________________________________

ذكره الجوهري (٣) وغيره ، ولكنهم ذكروا الوحاء مقصورا وممدودا بهذا المعنى.

قال الفيروزآبادي : الوحاء العجلة والإسراع ، ويمد ووحي وتوحى أسرع ، وشيء وحي عجل مسرع ، واستوحاه حركه ودعاه ليرسله واستفهمه ، ووحاه توحية عجله (٤) انتهى.

فيمكن أن يكون الوحي أيضا جاء بهذا المعنى ، ولم يذكروه كما أتى بهذا المعنى سائر تصاريفه ، أو يكون في قراءتهم عليهم‌السلام بالقصر ، ويحتمل أن يكون المراد أن ما أوحاه الله تعالى وأمره به لا يناسب فيه هذا التأخير والأول أظهر وحمله المفسرون على معناه المشهور.

قال الشيخ الطبرسي : معناه وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها عن أبي مسلم ، وقيل : المراد بوحينا إليك أن أصنعها (٥).

قوله تعالى : « وَفارَ التَّنُّورُ » قال الرازي في تفسيره : الأكثرون على أنه التنور

__________________

(١ و ٢) سورة هود : ٣٧ و ٤٠.

(٣) الصحاح : ج ٦ ص ٢٥١٩.

(٤) القاموس : ج ٤ ص ٤٠١.

(٥) مجمع البيان : ج ٥ ص ١٥٩.

٢٩٧

ثم قلت له وكان بدء خروج الماء من ذلك التنور فقال نعم إن الله عز وجل أحب أن يري قوم نوح آية ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا وفاض الفرات فيضا والعيون كلهن فيضا فغرقهم الله عز ذكره وأنجى نوحا ومن معه في السفينة.

فقلت له كم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء وخرجوا منها فقال لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها وطافت بالبيت أسبوعا ثم « اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ » وهو فرات الكوفة.

فقلت له إن مسجد الكوفة قديم فقال نعم وهو مصلى الأنبياء عليهم‌السلام ولقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أسري به إلى السماء فقال له جبرئيل عليه‌السلام يا محمد هذا مسجد

______________________________________________________

المعروف ، روي أنه قيل لنوح عليه‌السلام إذا رأيت الماء يفور من التنور ، فاركب ومن معك السفينة ، فلما فار الماء من التنور أخبرته امرأته فركب ، وقيل : كان هو تنور آدم وكان من حجارة فصار إلى نوح ، واختلفوا في مكانه فعن الشعبي في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة ، وكان نوح عليه‌السلام عمل السفينة في وسط المسجد ، وقيل : بالشام بموضع يقال له عين وردة ، وقيل : بالهند.

والقول الثاني : إن التنور وجه الأرض عن ابن عباس.

والثالث : أنه أشرف موضع في الأرض أي أعلاه عن قتادة.

والرابع : « وَفارَ التَّنُّورُ » أي طلع الفجر عن علي عليه‌السلام ، وقيل : إن فوران التنور كان عند طلوع الفجر.

والخامس : هو مثل كقولهم : حمي الوطيس.

والسادس : أنه الموضع المنخفض من السفينة التي يسيل الماء إليه عن الحسن والقول الأول هو الصواب (١) انتهى.

قوله عليه‌السلام : « وهو فرات الكوفة » لعل المراد قريب من الفرات ، ويحتمل

__________________

(١) التفسير الكبير : ج ١٧ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ باختلاف وتلخيص.

٢٩٨

أبيك آدم عليه‌السلام ومصلى الأنبياء عليهم‌السلام فانزل فصل فيه فنزل فصلى فيه ثم إن جبرئيل عليه‌السلام عرج به إلى السماء.

٤٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي رزين الأسدي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال إن نوحا صلوات الله عليه لما فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك قومه أن يفور التنور ففار فقالت امرأته إن التنور قد فار فقام إليه فختمه فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ثم جاء إلى خاتمه فنزعه يقول

______________________________________________________

أن يكون في الأصل قريب الكوفة فصحف ، إذ قد ورد في الأخبار أنه نجف الكوفة واختلف المفسرون فيه ، فقيل : هو جبل بالموصل ، وقيل : بالشام وقيل : بأمل ، وقيل : الجودي اسم لكل جبل وأرض صلبة.

الحديث الثاني والعشرون والأربعمائة : مجهول.

قوله تعالى : « فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ » قال البيضاوي : أي منصب وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها ، وقرأ ابن عامر ويعقوب ـ ففتحنا ـ بالتشديد لكثرة الأبواب « وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً » وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة ، وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة « فَالْتَقَى الْماءُ » ماء السماء وماء الأرض ، وقرئ الماءان لاختلاف النوعين والماوان بقلب الهمزة واوا « عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ » على حال قدرها الله في الأزل من غير تفاوت ، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج أو على أمر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان « وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ » ذات أخشاب عريضة « وَدُسُرٍ » مسامير جمع دسار من الدسر ، وهو الدفع الشديد ، وهو صفة للسفينة أقيمت مقامها من حيث إنها شرح لها تؤدى مؤداها (١).

__________________

(١) أنوار التنزيل ج ٢ ص ٤٣٦.

٢٩٩

الله عز وجل : « فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ » (١) قال وكان نجرها في وسط مسجدكم ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع.

٤٢٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جاءت امرأة نوح عليه‌السلام وهو يعمل السفينة فقالت له إن التنور قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه وختمه بخاتمه فقام الماء فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضه وكشف الطبق ففار الماء.

٤٢٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كانت شريعة نوح عليه‌السلام أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد وهي الفطرة « الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » وأخذ

______________________________________________________

قال الجوهري : الدسار واحد الدسر وهي خيوط يشد بها ألواح السفينة ، ويقال : هي المسامير (٢).

قوله عليه‌السلام : « ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع » لعل الغرض رفع الاستبعاد عن عمل السفينة في المسجد مع ما اشتهر من عظمها ، أي نقصوا المسجد عما كان عليه في زمن نوح سبعمائة ذراع ، ويدل على أصل النقص أخبار آخر.

الحديث الثالث والعشرون والأربعمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « حتى جعل الطبق عليه » أي شيئا ينطبق عليه ، أو الطبق الذي يؤكل فيه أو الأجر.

قال الفيروزآبادي : الطبق محركة : غطاء كل شيء والطبق أيضا من كل شيء ما ساواه ، والذي يؤكل عليه ، والطابق كهاجر وصاحب الآجر الكبير (٣).

الحديث الرابع والعشرون والأربعمائة : حسن أو موثق.

__________________

(١) سورة القمر : ١١ ـ ١٣.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ١٢٥٧.

(٣) القاموس : ج ٣ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٣٠٠