مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

وايم الله إنها لتغر من أملها وتخلف من رجاها وستورث أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ظلما وعدوانا وبغيا وأشرا وبطرا وبالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير

______________________________________________________

أو الأفعال ، قال الفيروزآبادي : فتنة يفتنه أوقعه في الفتنة ، كفتنه وأفتنه (١).

قوله عليه‌السلام : « وتزين لهم بعاجلها » على بناء التفعيل إما المعلوم ، أي تزين نفسها لهم بعاجل نعيمها المنقطع الفاني ويحتمل أن يكون الباء زائدة أي تزين عاجلها للناس أو للمجهول أي تزينها النفس والشيطان للإنسان سعيها العاجل الذي يؤدي إلى الخسران.

ويمكن أن يقرأ على بناء المجرد ، ويحتمل أن يقرأ تزين من باب التفعيل بحذف أحد التائين ، أو بتشديد الزاء مضارع ازينت ، أو من باب الأفعال وعلى التقادير الثلاثة لا يحتاج إلى تكلف في الباء.

قال الفيروزآبادي : الزين ضد الشين ، وزانه وأزانه وزينة فتزين هو وازدان وأزين وازيان وأزين (٢).

قوله عليه‌السلام : « وتخلف من رجاها » أي لا يفي بوعد من وثق بها ورجاها.

قوله عليه‌السلام : « وأشر وبطر » الأشر : شدة الفرح والنشاط ، والبطر : قلة احتمال النعمة والطغيان بها ، وهما يتقاربان في المعنى.

قوله عليه‌السلام : « في غضارة » الغضارة : النعمة والسعة والخصب ، والحاصل أن الله لا يغير النعم الظاهرة من الصحة والرفاهية والأمن والفراغ والخصب ، ولا النعم الباطنة من الهدايات والتأييدات والعصمة عن السيئات أو الإيصال إلى أنواع السعادات إلا من بعد تحولهم عن طاعة الله وارتكابهم معصيته وكفرانهم نعمه.

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٢٥٦.

(٢) القاموس ج ٤ ص ٢٣٤.

٢٤١

من أنفسهم وتحويل عن طاعة الله والحادث من ذنوبهم وقلة محافظة وترك مراقبة الله جل وعز وتهاون بشكر نعمة الله لأن الله عز وجل يقول في محكم كتابه : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ » (١) ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله وحلول نقمته وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم فأقلعوا وتابوا وفزعوا إلى الله جل ذكره بصدق من نياتهم وإقرار منهم بذنوبهم وإساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب وإذا لأقالهم كل عثرة ولرد عليهم كل كرامة نعمة ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم ومما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم وأفسد عليهم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وتحويل عن طاعة الله » أي تحويل أنفسهم عنها والأظهر وتحول.

قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ » أي من النعمة والحالة الجميلة « حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » من الطاعة « وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً » أي عذابا وإنما سماه سوء لأنه يسوء « فَلا مَرَدَّ لَهُ » أي لا مدفع له ، وقيل : أراد الله بقوم بلاء من مرض وسقم فلا مرد لبلائه « وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ » يلي أمرهم ويدفع العذاب عنهم.

قوله عليه‌السلام « إذا هم حذروا » كان في الكلام تقديرا أي ثم زالت النعمة عنهم ويحتمل أن يكون تقدير الكلام حذروا بزوال النعمة ، فيكون التحذير من قبل الله بسلب النعمة.

وفي نهج البلاغة « وأيم الله ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها ، لأن الله تعالى ليس « بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم ، لرد عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد » (٢).

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

(٢) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٢٥٧ « المختار من الخطب ـ ١٧٨ ».

٢٤٢

فاتَّقُوا اللهَ أيها الناس « حَقَّ تُقاتِهِ » واستشعروا خوف الله جل ذكره وأخلصوا اليقين وتوبوا إليه من قبيح ما استفزكم الشيطان من قتال ولي الأمر وأهل العلم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة وتشتت الأمر وفساد صلاح ذات البين إن الله عز وجل « يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ».

٣٦٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي بن عثمان قال حدثني أبو عبد الله المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار وهو نجم الأنبياء والأوصياء وهو نجم أمير المؤمنين عليه‌السلام يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل الجشب وما خلق الله نجما أقرب إلى الله تعالى منه.

٣٧٠ ـ الحسين بن أحمد بن هلال ، عن ياسر الخادم قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام رأيت في النوم كأن قفصا فيه سبع عشرة قارورة إذ وقع القفص فتكسرت

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ما استفزكم الشيطان » أي استخفكم ووجدكم مسرعين إلى ما دعاكم إليه.

الحديث التاسع والستون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فخلقه من ماء بارد » يدل على أن المنجمين قد أخطأوا في طبائع الكواكب ومن ينسبونه إليها وفي سعودها ونحوسها.

قوله عليه‌السلام : « يأمر بالخروج من الدنيا » لعل المراد أن من ينسب إليه هكذا حاله أو أن من كان هذا الكوكب طالع ولادته ، يكون كذلك أو المنسوبون إلى هذا الكوكب يأمرون بذلك.

الحديث السبعون والثلاثمائة : ضعيف.

وفي أكثر النسخ الحسين بن أحمد بن هلال ، فيكون الخبر مجهولا والظاهر أنه تصحيف ، بل الظاهر الصواب الحسين عن أحمد بن هلال كما يدل عليه سند

٢٤٣

القوارير فقال إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات.

٣٧١ ـ عنه ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن سنان قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام في أيام هارون إنك قد شهرت نفسك بهذا الأمر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر الدم فقال جرأني على هذا ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أخذ أبو جهل من

______________________________________________________

الخبر الذي بعده ، والحسين هو ابن محمد الأشعري ويحتمل ابن أحمد أيضا.

قوله عليه‌السلام : « إن صدقت رؤياك » أي لم يكن من أضغاث الأحلام التي ليس لها تعبير ، ويحتمل أن يكون المراد إن لم تكذب في نقلها ، والأول أظهر.

قوله : « فخرج محمد بن إبراهيم » هو محمد بن إبراهيم طباطبا بايعه أولا أبو ـ السرايا ، وخرج ولما مات بايع محمد بن زيد.

وقال النجاشي في ترجمة علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين ابن علي بن الحسين عليه‌السلام : إنه كان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه ، واختص بموسى والرضا عليهما‌السلام واختلط بأصحابنا الإمامية ، وكان لما أراده محمد بن إبراهيم طباطبا لأن يبايع له أبو السرايا بعده أبى عليه ، ورد الأمر إلى محمد بن محمد بن زيد بن علي عليه‌السلام (١).

وقال الطبري في تاريخه : كان اسم أبي السرايا سري بن منصور ، وكان من أولاد هاني بن قبيصة الذي عصى على كسرى أبرويز ، وكان أبو السرايا من أمراء المأمون ثم عصى في الكوفة على أمير العراق ، وبايع محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، ثم أرسل إليه حسن بن سهل أمير العراق جندا فقاتلوه وأسر وقتل.

الحديث الحادي والسبعون والثلاثمائة : ضعيف.

ويدل على أنه كان يختلف أحوالهم في التقية وعدمها ، بحسب ما كانوا

__________________

(١) رجال النجاشيّ ص ٢٥٦. الرقم ـ ٦٧١ ط قم.

٢٤٤

رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بنبي وأنا أقول لكم إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام.

٣٧٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن زرعة ، عن سماعة قال تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له إن هذا العمري قد آذاني فقال لها عديه وأدخليه الدهليز فأدخلته فشد عليه فقتله وألقاه في الطريق فاجتمع البكريون والعمريون والعثمانيون وقالوا ما لصاحبنا كفو لن نقتل به إلا جعفر بن محمد وما قتل صاحبنا غيره وكان أبو عبد الله عليه‌السلام قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال دعهم قال فلما جاء ورأوه وثبوا عليه وقالوا ما قتل صاحبنا أحد غيرك وما نقتل به أحدا غيرك فقال ليكلمني منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد فخرجوا وهم يقولون شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا ولا يأمر به انصرفوا قال فمضيت معه فقلت جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم قال نعم دعوتهم فقلت أمسكوا وإلا أخرجت الصحيفة فقلت وما هذه الصحيفة جعلني الله فداك فقال إن أم الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب فسطر بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف فقالوا يا أبا عبد الله ما تعمل هاهنا قال جاريتي سطر

______________________________________________________

يعملون بما يختصهم من العلوم من إمكان تسلط خلفاء الجور عليهم وعدمه.

الحديث الثاني والسبعون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله : « تعرض » أي أراد الفجور معها ومراودتها.

قوله : « فقالت له » أي للعقيلي مولاها.

قوله : « فشد عليه » أي حمل عليه ، وقد كان كمن له في الدهليز.

قوله : « فلقيته » أي قال سماعة : ذهبت إليه عليه‌السلام وأخبرته بالواقعة.

قوله : « فسطر » بالسين المهملة أي زخرف لها الكلام وخدعها.

٢٤٥

بها نفيلكم فهرب منه إلى الشام وخرج الزبير في تجارة له إلى الشام فدخل على ملك الدومة فقال له يا أبا عبد الله لي إليك حاجة قال وما حاجتك أيها الملك فقال رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحب أن ترده عليه قال ليظهر لي حتى أعرفه فلما أن كان من الغد دخل على الملك فلما رآه الملك ضحك فقال ما يضحكك أيها الملك قال ما أظن هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط فقال أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك فلما قدم الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثم تحمل عليه بعبد المطلب فقال ما بيني وبينه عمل أما علمتم ما فعل في ابني فلان ولكن امضوا أنتم إليه فقصدوه وكلموه فقال لهم الزبير إن الشيطان له دولة وإن ابن هذا ابن الشيطان ولست آمن أن يترأس علينا ولكن أدخلوه من باب المسجد علي على أن أحمي له حديدة و

______________________________________________________

قال الجزري : سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل ونمقها وتلك الأقاويل الأساطير والسطر (١) ، وفي بعض النسخ بالشين المعجمة.

قال الفيروزآبادي : يقال شطر سطره أي قصد قصده (٢).

قوله : « على ملك الدومة » أي دومة الجندل وهي بالضم حصن بين المدينة وبين الشام ، ومنهم من يفتح الدال.

قوله : « تحمل عليه ببطون قريش » أي كلفهم الشفاعة عند الزبير ليدفع إليه الخطاب ، ثم إنه لما يئس من تأثير شفاعة قريش عنده ذهب إلى عبد المطلب ليتحمل على زبير بعبد المطلب مضافا إلى بطون قريش ، فقال عبد المطلب لنفيل : ما بيني وبينه عمل ، أي معاملة وألفه ، أما علمتم أنه يعني زبيرا ما فعل بي في ابني فلان وأشار بذلك إلى ما سيأتي من قصة العباس في آخر الخبر ، وقال : « ولكن امضوا أنتم » يعني نفيلا مع بطون قريش إلى الزبير.

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٣٦٥.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٦٠ « الشطر ».

٢٤٦

أخط في وجهه خطوطا وأكتب عليه وعلى ابنه ألا يتصدر في مجلس ولا يتأمر على أولادنا ولا يضرب معنا بسهم قال ففعلوا وخط وجهه بالحديدة وكتب عليه الكتاب وذلك الكتاب عندنا فقلت لهم إن أمسكتم وإلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا.

وتوفي مولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله عليه‌السلام وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي الولاء لنا وقال أبو عبد الله عليه‌السلام بل الولاء لي فقال داود بن علي إن أباك قاتل معاوية فقال إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر ثم فر بخيانته وقال

______________________________________________________

قوله : أن لا يتصدر » أي لا يجلس في صدر المجلس.

قوله : « ولا يضرب معنا بسهم » أي لا يشترك معنا في قسمة شيء ، لا ميراث ولا غيره.

قوله عليه‌السلام : « بل الولاء لي » يدل على أنه يرث الولاء أولاد البنت ، وأنهم لا يقدمون على أولاد العم ، ويحتمل أن يكون لخصوص الواقعة مدخل في الحكم للولاية العامة ، أو الإمامة وقد مر الكلام فيه ، وذكرنا الاختلافات الواقعة فيه في كتاب المواريث.

قوله عليه‌السلام : « فقد كان حظ أبيك » أي جدك عبد الله بن العباس فيه الأوفر أي أخذ حظا وافرا من غنائم تلك الغزوة ، وكان من شركائنا وأعوانه عليهم‌السلام عليها.

قوله عليه‌السلام : « ثم فر بخيانته » إشارة إلى خيانة عبد الله في بيت مال البصرة كما رواه الكشي بإسناده عن الزهري قال : سمعت الحرث (١) يقول : استعمل علي عليه‌السلام على البصرة عبد الله بن عباس ، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ، ولحق بمكة وترك عليا عليه‌السلام ، وكان مبلغه ألفي ألف درهم ، فصعد علي عليه‌السلام المنبر حين بلغه ، ذلك ، فبكى فقال هذا ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علمه وقدره

__________________

(١) في المصدر : الحارث.

٢٤٧

والله لأطوقنك غدا طوق الحمامة فقال له داود بن علي كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق فقال أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق قال فقال هشام إذا كان غدا جلست لكم فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد الله عليه‌السلام ومعه كتاب في كرباسة وجلس لهم هشام فوضع أبو عبد الله عليه‌السلام الكتاب بين يديه فلما أن قرأه قال ادعوا لي جندل الخزاعي وعكاشة الضمري وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى بالكتاب إليهما فقال تعرفان هذه الخطوط قالا نعم هذا خط العاص بن أمية وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش وهذا خط حرب بن أمية فقال هشام يا أبا عبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم فقال نعم قال فقد قضيت بالولاء لك قال فخرج وهو يقول :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضره

قال فقلت ما هذا الكتاب جعلت فداك قال فإن نتيلة كانت أمة لأم الزبير ولأبي طالب وعبد الله فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا فقال له الزبير هذه الجارية

______________________________________________________

يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه ، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم ، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول (١).

وقد روي رواية أخرى عن الشعبي (٢) فيها طول تشتمل على مراسلاته عليه‌السلام في ذلك ، وما أجاب ابن عباس عنها ، وهي تشتمل على قدح عظيم فيه ، والأخبار الدالة على ذمه كثيرة.

قوله عليه‌السلام : « لأطوقنك غدا طوق الحمامة » أي طوقا لازما لا يفارقك عاره وشناره كما لا يفارق عنق الحمامة طوقها.

قوله عليه‌السلام : « أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق » أي وإلا ادعيت بعرة ذلك الوادي وأخذتها ولم تتركها ، ويحتمل أن يكون اسما لواد كان بينه عليه‌السلام وبينه فيه أيضا منازعة ، فأجاب عليه‌السلام عن سفهه بكلام حق مفيد في الحجاج.

قوله عليه‌السلام : « فأولدها فلانا » يعني العباس.

__________________

(١ و ٢) إختيار معرفة الرجال « رجال الكشّيّ » ج ١ ص ٢٧ ط مؤسّسة آل البيت ـ قم.

٢٤٨

ورثناها من أمنا وابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش قال فقال قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ولا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا وأشهد عليه فهو هذا الكتاب.

٣٧٣ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن معاوية بن حكيم ، عن بعض رجاله ، عن عنبسة بن بجاد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » (١) فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

قال الحرث بن سعيد الثعلبي في قصيدته الميمية التي مدح بها أهل البيت عليهم‌السلام يخاطب بني العباس في جملة أبيات :

ولا لجدكم مسعاة جدهم

ولا نثيلتكم من أمهم أمم

وأم الزبير وعبد الله وأبي طالب كانت فاطمة بنت عمرو بن مخزوم ، وكانت شريفة في قومها ، وقيل : كانت نثيلة بنت كليب بن مالك بن حباب ، وكانت تعان في الجاهلية.

قوله عليه‌السلام : « فأخذها عبد المطلب » الظاهر أنه كان أخذها برضا مولاتها وكان نزاع الزبير معه على سبيل الجهل ، لأن جلالة عبد المطلب تمنع أن ينسب إليه غير ذلك.

قوله : « فتحمل عليه » أي عبد المطلب على الزبير.

الحديث الثالث والسبعون والثلاثمائة : مرسل بل ضعيف بالنهدي على المشهور.

قوله : « وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » أي إن كان المتوفى من أصحاب اليمين « فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ».

قال الشيخ الطبرسي (ره) : أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلامة من المكاره والخوف وقيل معناه : فسلام لك أيها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين

__________________

(١) الواقعة : ٩١.

٢٤٩

لعلي عليه‌السلام هم شيعتك فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم.

٣٧٤ ـ حدثنا محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن صفوان ، عن محمد بن زياد بن عيسى ، عن الحسين بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام كنت أبايع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على العسر واليسر والبسط والكره إلى أن كثر الإسلام وكثف قال وأخذ عليهم علي عليه‌السلام أن يمنعوا محمدا وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم فأخذتها عليهم نجا من نجا وهلك من هلك.

٣٧٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن من وراء اليمن واديا يقال له ـ وادي برهوت ولا يجاوز ذلك الوادي

______________________________________________________

من عذاب الله ، وسلمت عليك ملائكة الله عن قتادة ، قال الفراء : فسلام لك إنك من أصحاب اليمين فحذف ـ إنك ـ وقيل معناه : فسلام لك منهم في الجنة لأنهم يكونون معك ، ويكون ـ لك ـ بمعنى عليك (١).

أقول : على تفسيره عليه‌السلام يحتمل أن يكون ذكر خصوص القتل على سبيل المثال ، فيكون المعنى حينئذ أنه إن كان المتوفى من أصحاب اليمين فحاله ظاهر في السعادة ، لأنه كان بحيث سلم أهل بيتك من يده ولسانه وكان معاونا لهم فأقيم علة الجزاء مقامه.

الحديث الرابع والسبعون والثلاثمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « وأخذ عليهم علي عليه‌السلام » أي على الشيعة عند بيعتهم له فقوله : « فأخذتها عليهم » كلام الصادق عليه‌السلام أي أنا أيضا أخذت على شيعتي هذا العهد ، ولعله كان في الأصل قال : خذ عليهم أن يمنعوا فصحف إلى ما ترى ، فقوله « فأخذتها » من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الحديث الخامس والسبعون والثلاثمائة : ضعيف.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ٢٢٨.

٢٥٠

إلا الحيات السود والبوم من الطيور في ذلك الوادي بئر يقال لها بلهوت يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين يسقون من ماء الصديد خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم الذريح ـ لما أن بعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه فنادى فيهم يا آل الذريح بصوت فصيح أتى رجل بتهامة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله قالوا لأمر ما أنطق الله هذا العجل قال فنادى فيهم ثانية فعزموا على أن يبنوا سفينة فبنوها ونزل فيها سبعة منهم وحملوا من الزاد ما قذف الله في قلوبهم ثم رفعوا شراعها وسيبوها في البحر فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم أهل الذريح نادى فيكم العجل قالوا نعم قالوا اعرض علينا يا رسول الله الدين والكتاب فعرض عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدين والكتاب

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « يغدى ويراح إليها » أي إذا ماتوا يؤتى بأرواحهم إلى ذلك البئر كل صباح ومساء أو إن ماتوا صباحا يؤتى بهم صباحا وإن ماتوا مساء يؤتى بهم مساء ثم يكونون دائما في ذلك الوادي.

قوله عليه‌السلام : « من ماء الصديد » أي من صديد أهل النار ، وهو ماء الجرح الرقيق أو ماء تلك البئر الشبيه بالصديد ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « يقال لهم الذريح » قال الفيروزآبادي : ذريح : أبو حي (١).

قوله عليه‌السلام : « بصوت فصيح » متعلق بقوله « فنادى » ويحتمل أن يكون متعلقا بفعل محذوف ، أي أقول مثلا.

وروى الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كانت بقرة في نخل لبني سالم من الأنصار فقالت له : يا ذريح عمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح بأن لا إله إلا الله رب العالمين ومحمد رسول الله سيد النبيين وعلي وصيه سيد الوصيين (٢).

قوله عليه‌السلام : « وسيبوها » أي أجروها.

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ٢٢٨.

(٢) البحار ج ١٧ ص ٣٩٩ نقلا عن قصص القرآن للصدوق مخطوط.

٢٥١

والسنن والفرائض والشرائع كما جاء من عند الله جل وعز وولى عليهم رجلا من بني هاشم سيره معهم فما بينهم اختلاف حتى الساعة.

٣٧٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن حديد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح فقعد فحدثهم بذلك فقالوا له صف لنا بيت المقدس قال فوصف لهم وإنما دخله ليلا فاشتبه عليه النعت فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال انظر هاهنا فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ثم نعت لهم ما كان من عير لهم فيما بينهم وبين الشام ثم قال هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل أورق أو أحمر قال وبعث قريش رجلا على فرس ليردها قال وبلغ مع طلوع الشمس قال قرطة بن عبد عمرو يا لهفا ألا أكون لك جذعا حين تزعم أنك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك.

______________________________________________________

الحديث السادس والسبعون والثلاثمائة : موثق ، ولعل في السند سقطا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هذه عير بني فلان » العير ـ بالكسر ـ : الإبل وتحمل الميرة ، ثم غلب على كل قافلة.

قوله عليه‌السلام : « جمل أورق » الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد وقيل هو الذي يضرب لونه إلى الخضرة.

قوله : « وبلغ » أي ذلك الرجل العير مع طلوع الشمس حين قدموا فلم يمكنه ردهم أو العير مكة وعلى هذا كان الأظهر بلغته.

قوله : « يا لهفا » أصله يا لهفي وهي كلمة تحسر على ما فات.

قوله : « أن لا أكون لك جذعا » قال الجزري : في حديث المبعث أن ورقة بن نوفل قال : يا ليتني فيها جذعا ، الضمير في قوله ـ فيها ـ للنبوة أي ليتني كنت شابا عند ظهورها ، حتى أبالغ في نصرتها وحمايتها (١) انتهى.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ٢٥٠.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : يحتمل أن يكون كلامه لعنه الله جاريا على سبيل الاستهزاء ويكون مراده ليتني كنت شابا قويا على نصرتك حين ظهر لي أنك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك ، ويحتمل أن يكون مراده يا لهفا على أن كبرت وضعفت ولا أقدر على إضرارك حين سمعتك تقول هذا.

وروى الصدوق في أماليه عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « لما أسري برسول الله إلى بيت المقدس حمله جبرئيل عليه‌السلام على البراق ، فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء ، وصلى بها ورده ، فمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية ، وقد أضلوا بعيرا لهم ، وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله من ذلك الماء وأهرق باقيه ، فلما أصبح رسول الله قال لقريش : إن الله جل جلاله قد أسرى بي إلى البيت وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم وإني مررت بعير لقريش موضع كذا وكذا ، وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك ، فقال أبو جهل قد أمكنتكم الفرصة منه فاسألوه كم الأساطين فيها والقناديل فقالوا : يا محمد إن هيهنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه فجاء جبرئيل عليه‌السلام فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه ، عنه ، فلما أخبرهم قالوا : حتى يجيء العير ونسألهم عما قلت ، فقال لهم رسول الله تصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أو رق فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ، ويقولون : هذه الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين طلع القرص يقدمها جمل أو رق ، فسألوهم عما قال رسول الله؟ فقالوا لقد كان هذا ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا (١).

__________________

(١) الأمالي ص ٣٦٣ ط بيروت.

٢٥٣

٣٧٧ ـ حميد بن زياد ، عن محمد بن أيوب ، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن يوسف بن صهيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل يقول لأبي بكر في الغار اسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاله قال له تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون فأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون قال

______________________________________________________

الحديث السابع والسبعون والثلاثمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « وقد أخذته الرعدة » قال الجوهري : يقال : رعد يرعد وارتعد اضطرب والرعدة بالكسر اسم منه (١).

أقول : لا يخفى دلالة هذه الآية التي استدل بها المخالفون على فضل أبي بكر على ضعف إيمانه ويقينه وإضراره في مصاحبته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لوجوه شتى ، إذ الآية ظاهرة في أنه كان خائفا وجلا ، وما ذلك إلا لضعف إيمانه ، وكان إظهار هذا الخوف والجبن لو لا ما أنزل الله على رسوله من السكينة إضرارا به صلى‌الله‌عليه‌وآله وتخويفا له.

وأيضا تدل دلالة ظاهرة على عدم إيمانه ، لأن الله تعالى كلما ذكر إنزال السكينة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ضم إليه المؤمنين ، حيث ذكر في سورة التوبة في قصة حنين « ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٢) وهم الذين ثبتوا مع أمير المؤمنين تحت الراية ، وكان يومئذ ثمانون رجلا ولم ينهزموا مع المنهزمين ، وقد صح عند الفريقين أن أبا بكر وعمر لم يكونا من الثابتين وكانا من المنهزمين وقال في سورة الفتح أيضا « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٣) فظهر أن

__________________

(١) الصحاح ج ٢ ص ٢٤٧٥.

(٢) سورة التوبة : ٢٦.

(٣) سورة الفتح : ٤. والآية هكذا « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » ولعلّه من اشتباة النسّاخ.

٢٥٤

نعم فمسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون ونظر إلى جعفر عليه‌السلام وأصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنه ساحر.

٣٧٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خرج من الغار متوجها إلى المدينة وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الإبل فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب فلحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ اللهم اكفني شر سراقة بما شئت

______________________________________________________

تخصيص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هنا بإنزال السكينة ، إنما هو لعدم إيمانه ، ولا يخفى على عاقل أنه لا يجوز إرجاع الضمير هنا إلى أبي بكر ، لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا خلاف ، وذلك في قوله « إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ » وفي قوله « إِذْ أَخْرَجَهُ » وفي قوله « لِصاحِبِهِ » وفي قوله فيما بعده « وَأَيَّدَهُ » فكيف يتخللها ضمير عائد إلى غيره.

وأيضا أي فضيلة تظهر له إلا أنه ذكر فيها صحبته له وخروجه معه ، وقد سمي الله تعالى الكافر صاحبا للنبي وللمؤمن في قوله تعالى : « يا صاحِبَيِ السِّجْنِ » (١) وفي قوله : « فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ » (٢) وقد يسمى الحمار والجماد صاحبا ، وأيضا أي فضيلة لمن هرب خوفا على بدنه ، ولم تنفع صحبته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا ، ولم يجاهد ولم يقاتل ولم يفد بنفسه ، وهل يقابل عاقل بين هذا وبين ما صدر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تلك الواقعة ، حيث فدى بمهجته ووقاه بنفسه ، وتفصيل الكلام في ذلك يقتضي مقاما آخر.

قوله عليه‌السلام : « فمسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده » أقول : هذه من مشهورات معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله رواها الخاصة والعامة بأسانيد.

الحديث الثامن والسبعون والثلاثمائة : حسن.

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٩.

(٢) سورة الكهف : ٣٤.

٢٥٥

فساخت قوائم فرسه فثنى رجله ثم اشتد فقال يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك فادع الله أن يطلق لي فرسي فلعمري إن لم يصبكم مني خير لم يصبكم مني شر فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأطلق الله عز وجل فرسه فعاد في طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فعل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يدعو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتأخذ الأرض قوائم فرسه فلما أطلقه في الثالثة قال يا محمد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه وهذا سهم من كنانتي علامة وأنا أرجع فأرد عنك الطلب فقال لا حاجة لنا فيما عندك.

٣٧٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لا ترون الذي تنتظرون حتى تكونوا كالمعزى الموات التي لا يبالي الخابس أين يضع يده فيها ليس لكم شرف ترقونه

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فساخت » قال في النهاية : في حديث سراقة والهجرة « فساخت يد فرسي » أي غاصت في الأرض يقال : ساخت الأرض به تسوخ وتسيخ (١).

أقول : هذه أيضا من المعجزات المستفيضة بين الفريقين.

الحديث التاسع والسبعون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « حتى تكونوا كالمعزى المواة » المعزي : بكسر الميم : لغة في المعز من الغنم خلاف الضأن.

قوله عليه‌السلام : « لا يبالي الخابس » قال الفيروزآبادي : خبس الشيء بكفه أخذه وفلانا حقه ظلمه وغشمه ، والمختبس الأسد كالخابس (٢) انتهى. أي تكونوا في الذلة والصغار واستيلاء الظلمة عليكم كالمعز الميت التي لا يبالي الأسد من افتراس أي عضو من أعضائه أراد ، وفي بعض النسخ [ الجاس ] من جسه بيده ، أي مسه ، وفي بعض النسخ [ أن يضع ] وفي بعضها [ أين يضع ] والمعاني متقارنة.

قوله عليه‌السلام : « ليس لكم شرف ترقونه » الشرف محركة العلو والمكان العالي

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٤١٦ البحار ج ١٧ ص ٢٢٧.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٢١٧.

٢٥٦

ولا سناد تسندون إليه أمركم.

٣٨٠ ـ وعنه ، عن علي بن الحكم ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود مثله قال قلت لعلي بن الحكم ما الموات من المعز قال التي قد استوت لا يفضل بعضها على بعض.

٣٨١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم

______________________________________________________

فعلى الأول يكون المراد لا يكون لكم شرف وعلو بين الناس ترتفعون بسببه ، وتدفعون الأذى عنكم بارتقائه ، فكأنه شبه الشرف والمنزلة بمكان عال يرتقي عليه للاحتراز عن سيول الفتن والحوادث ، وعلى الثاني المراد أنه يكون لكم مأوى ومعقل.

قوله عليه‌السلام : « ولإسناد تسندون إليه » السناد بالكسر : ما يستند إليه في أمور الدين والدنيا أو الأعم.

الحديث الثمانون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله : « التي قد استوت » المعروف في كتب اللغة أن الموات كسحاب مالا روح فيه (١) ولعل الراوي بين حاصل المعنى أي التشبيه بالميت إنما هو في أنه لا يتحرك ولا يتأثر إذا وضعت يدك على أي جزء منه ، ويحتمل على تفسيره أن يكون التشبيه لمجموع الشيعة بقطيع معز ضعفاء ، أو بمعز ميت فالمراد أن يكون كلهم متساوين في الضعف والعجز فيكون قوله عليه‌السلام : « ليس لكم شرف » كالتفسير لوجه التشبيه فلا تغفل.

الحديث الحادي والثمانون والثلاثمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام : « وانظروا لأنفسكم » أي في أمور أنفسكم وهدايتها وعدم هلاكها

__________________

(١) المصباح ج ١ ص ٣٧٤.

٢٥٧

فو الله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون ولا تقولوا خرج زيد فإن زيدا كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه فو الله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل وإن أحببتم أن

______________________________________________________

وضلالتها ، ومن يجب عليكم ، متابعته أو ارحموا أنفسكم وأعينوها ، يقال : نظر له قوله عليه‌السلام : « فيها الراعي » المراد أن الإمام والوالي بمنزلة الراعي والرعية بمنزلة الغنم ، فكما أن الإنسان لا يختار لغنمه إلا من كان أصلح لها فكذلك لا ينبغي أن يختار لنفسه من يعطيها ويهلكها في دينها ودنياها.

قوله عليه‌السلام : « إن أتاكم آت منا » أي خرج أحد من الهاشميين أو العلويين.

قوله عليه‌السلام : « إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام » أي إلى أن يعمل بما يرضى به جميع آل محمد ، أو إلى المرتضى والمختار منهم.

قوله عليه‌السلام : « إلى سلطان مجتمع » أي فلذلك لم يظفر.

قوله عليه‌السلام : « إلا من اجتمعت » أي لا تطيعوا إلا من كان كذلك ، أو لا ترضى إلا بمن كان كذلك.

قوله عليه‌السلام : « إذا كان رجب » ظاهره أن خروج القائم عليه‌السلام يكون في رجب ويحتمل أن يكون المراد أنه مبدأ ظهور علامات خروجه ، فأقبلوا إلى مكة في

٢٥٨

تتأخروا إلى شعبان فلا ضير وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم وكفاكم بالسفياني علامة.

٣٨٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي رفعه ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال والله لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم عليه‌السلام إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به.

٣٨٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن بكر بن محمد ، عن سدير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا سدير الزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك.

٣٨٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن كامل بن محمد ، عن محمد بن إبراهيم الجعفي قال حدثني أبي قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

ذلك الشهر ، لتكونوا شاهدين هناك عند خروجه ، ويؤيد ذلك توسعته عليه‌السلام ، وتجويز التأخير إلى شعبان وإلى رمضان ، وعلى الأول يدل على عدم وجوب مبادرة أهل الأمصار ، وهو بعيد. ويحتمل على بعد أن يكون المراد حثهم على الإتيان إليه صلى الله عليه في كل سنة لتعلم المسائل ، وللفوز بالحج والعمرة مكان الجهاد الذي كانوا يتهالكون فيه ، فإن الحج جهاد الضعفاء ، ولقاء الإمام أفضل من الجهاد.

الحديث الثاني والثمانون والثلاثمائة : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « فعبثوا به » أي لعبوا به.

الحديث الثالث والثمانون والثلاثمائة : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « وكن حلسا من أحلاسه » قال الجوهري : أحلاس البيوت ما يبسط تحت حر الثياب ، وفي الحديث كن حلس بيتك أي لا تبرح (١).

الحديث الرابع والثمانون والثلاثمائة : مجهول.

__________________

(١) الصحاح : ج ٣ ص ٩١٩.

٢٥٩

فقال ما لي أراك ساهم الوجه فقلت إن بي حمى الربع فقال ما [ ذا ] يمنعك من المبارك الطيب اسحق السكر ثم امخضه بالماء واشربه على الريق وعند المساء قال ففعلت فما عادت إلي.

٣٨٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن بعض أصحابنا قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام الوجع فقال إذا أويت إلى فراشك فكل سكرتين قال ففعلت فبرأت وأخبرت به بعض المتطببين وكان أفره أهل بلادنا فقال من أين عرف أبو عبد الله عليه‌السلام هذا هذا من مخزون علمنا أما إنه صاحب كتب ينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه.

٣٨٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن يحيى الخزاعي ، عن الحسين بن الحسن ، عن عاصم بن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لرجل بأي شيء تعالجون محمومكم إذا حم قال أصلحك الله بهذه الأدوية المرة بسفايج والغافث

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ساهم الوجه » قال الجوهري : السهام بالضم : الضمر والتغير وقد سهم وجهه وسهم أيضا بالضم (١).

قوله عليه‌السلام : « إسحاق السكر » السكر معرب شكر والواحدة بهاء ، ورطب طيب ، والظاهر هنا الأول بقرينة السحق.

قوله عليه‌السلام : « ثم امخضه » أي حركه تحريكا شديدا.

الحديث الخامس والثمانون والثلاثمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « فكل سكرتين » يدل على أنه كان لمعموله في ذلك الزمان مقدار صغير معلوم.

قوله : « وكان أفره أهل زماننا » قال الجوهري : الفاره : الحاذق (٢) الحديث السادس والثمانون والثلاثمائة : مجهول مرسل.

__________________

(١) الصحاح ج ٥ ص ١٩٥٦.

(٢) نفس المصدر ج ٦ ص ٢٢٤٧.

٢٦٠