مرآة العقول - ج ٢٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

ريحكم وأرواحكم فأعينوا مع هذا بورع واجتهاد إنه لا ينال ما عند الله إلا بورع واجتهاد وإذا ائتممتم بعبد فاقتدوا به أما والله إنكم لعلى ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل وإن كان هؤلاء على دين أولئك فأعينوا على هذا بورع واجتهاد.

٣٢٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن العباس بن عامر ، عن الربيع بن محمد المسلي ، عن أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه.

٣٣٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عثمان بن عيسى ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من استخار الله راضيا بما صنع الله له خار الله له حتما.

______________________________________________________

يطلب أن يكون عليه.

قوله عليه‌السلام : « فأعينوا على هذا » الدين فأعينونا في شفاعتكم حالكونكم على دين الحق بورع عن المحارم ، واجتهاد في الطاعات ، ويحتمل أن تكون ـ على ـ تعليلية أي لكونكم على هذا الدين أو بمعنى مع.

الحديث التاسع والعشرون والثلاثمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « حتى يكون بينهم وبين القائم عليه‌السلام بريد » أي أربعة فراسخ وفي بعض النسخ [ لا يكون ] فالمراد بالبريد الرسول أي يكلمهم في المسافات البعيدة بلا رسول وبريد.

الحديث الثلاثون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « من استخار الله » أي طلب في كل أمر يريده ويأخذه فيه أن ييسر الله له ما هو خير له في دنياه وأخرته ، ثم يكون راضيا بما صنع الله له يأت الله بخيره البتة ، وهذه الاستخارة غير الاستخارة بالرقاع والقرآن والسبحة وغيرها وإن احتمل شمولها لها.

٢٠١

٣٣١ ـ سهل بن زياد ، عن داود بن مهران ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن رجل ، عن جويرية بن مسهر قال اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال لي يا جويرية إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم ما جاء بك قلت جئت أسألك عن ثلاث عن الشرف وعن المروءة وعن العقل قال أما الشرف فمن شرفه السلطان شرف وأما المروءة فإصلاح المعيشة وأما العقل فمن اتقى الله عقل.

٣٣٢ ـ سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن علي بن أبي النوار ، عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك لأي شيء صارت الشمس أشد

______________________________________________________

الحديث الحادي والثلاثون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله : « اشتددت » الاشتداد والشد : العدو.

قوله عليه‌السلام : « إلا بخفق النعال » أي صوتها ، والغرض إن خفق النعال سبب للفخر والكبر ، فيكون الغرض تعليم الناس بترك ذلك وإن كان في شأنه عليه‌السلام لا تحتمل هذه المفسدة ، أو أن أئمة الضلال إنما هلكوا بحبهم الفخر والعلو ، وكثرة الاتباع وخفق النعال خلفهم ، وأما أنا فلا أحب ذلك فلم تمشي خلفي.

قوله عليه‌السلام : « فمن شرفه السلطان » أي الإمام بالحق أو الأعم منه ، ومن سلطان الجور ، فإن شرف الدنيا لمن شرفته ملوك الدنيا ، والآخرة لمن شرفه سلطان الحق.

الحديث الثاني والثلاثون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « حتى إذا كانت سبعة أطباق » يحتمل أن يكون المراد أن الطبقة السابعة فيها من نار ، فيكون حرارتها لجهتين لكون طبقات النار أكثر بواحدة ، لكون الطبقة العليا من النار ، ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة

٢٠٢

حرارة من القمر فقال إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثم صارت أشد حرارة من القمر قلت جعلت فداك والقمر قال إن الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس.

٣٣٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن الهيثم ، عن زيد أبي الحسن قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى الغاية ويطلب الحادث من

______________________________________________________

فيكون الحرارة للجهة الثانية فقط ، وكذا في القمر.

ثم أنه يحتمل أن يكون خلقهما من الماء والنار الحقيقيين من صفوهما وألطفهما ، وأن يكون المراد جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفية ، ولم يثبت امتناع كون العنصريات في الفلكيات ببرهان ، وقد دل الشرع على خلافه في مواضع كثيرة.

الحديث الثالث والثلاثون والثلاثمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « ومن كانت له حقيقة ثابتة » أي حقيقة من الإيمان ، وهي خالصة ومحضة وما يحق أن يقال أنه إيمان ثابت لا يتغير من الفتن والشبهات.

قال الجزري : فيه « لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه » يعني خالص الإيمان ، ومحضه وكنهه (١).

قوله عليه‌السلام : « لم يقم على شبهة هامدة » أي على أمر مشتبه باطل ثم في دينه لم يعلم حقيقته بل يطلب اليقين ، حتى يصل إلى غاية ذلك الأمر أو غاية امتداد ذلك الأمر ، والحاصل أن الشبهات تعتري الإنسان في سلوك طريق الحق فإذا وقف عندها لم ينتفع بها ، ولم يصل إلى ما هو الحق الحقيق بأن يتبع ، وإذا تجاوز عنها بتأييد ربه ونور عقله ، وصل إلى الأمر المتيقن المعلوم.

__________________

(١) النهاية ج ١ ص ٤١٥.

٢٠٣

الناطق عن الوارث وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم وبأي شيء عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين.

______________________________________________________

قال الجزري : أرض هامدة : لا نبات بها ونبات هامد : يابس ، وهمدت النار إذا خمدت ، والثوب إذا بلى (١).

قوله عليه‌السلام : « ويطلب الحادث » أي الحكم الذي حدث وظهر من الناطق أي الراوي الذي ينطق ويخبر عن الإمام عليه‌السلام الذي هو وارث علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويحتمل أن يكون المراد بالناطق الإمام عليه‌السلام الذي ينطق ويخبر عن إمام آخر هو وارث علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله عليه‌السلام : « وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم » يحتمل أن يكون المراد بالإنكار النفي والإبطال ، أي بهداية الأئمة عليهم‌السلام أنكرتم طرق الضلال والغواية ، وعرفتم سبيل الرشد والهداية فتمسكوا بعروة اتباعهم إن أحببتم أن تكونوا من المؤمنين.

ويحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم المعرفة ، أي فارجعوا إلى أنفسكم ، وتفكروا في أن ما جهلتموه لأي شيء جهلتموه ، ليس جهلكم إلا من تقصيركم في الرجوع إلى أئمتكم ، وفي أن ما عرفتموه لأي شيء عرفتموه لم تعرفوه إلا بما وصل إليكم من علومهم ، إن كنتم مؤمنين بهم عرفتم ذلك.

قال الفاضل الأسترآبادي : هذا الحديث الشريف ناظر إلى ما في توقيع المهدي عليه‌السلام ، وما في كلام آبائه الطاهرين عليهم‌السلام من قوله عليه‌السلام « أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم » (٢) وقولهم عليهم‌السلام : « العلماء ورثة الأنبياء » (٣) وقولهم عليهم‌السلام : « نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون » (٤).

__________________

(١) النهاية ج ٥ ص ٢٧٣.

(٢) إكمال الدين ج ٢ ص ٤٨٤. وفيه « وأمّا الحوادث الواقعة ».

(٣) الكافي : ج ١ ص ٣٤ باب ثواب العالم والمتعلم ح ١.

(٤) نفس المصدر ج ١ ص ٣٤ باب اصناف الناس ح ٤.

٢٠٤

٣٣٤ ـ عنه ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلا غلب الحق الباطل وذلك قوله عز وجل : « بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ » (١).

٣٣٥ ـ عنه ، عن أبيه مرسلا قال قال أبو جعفر عليه‌السلام لا تتخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين فإن كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة

______________________________________________________

ومعنى الحديث أنه من كانت له رغبة تامة في الدين لم يقنع بالأمور الظنية ويطلب ويسعى حتى يحصل له اليقين بالجماعة المنصوبين من عنده تعالى لحفظ كل ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يطلب الواقعة الحادثة من الناطق عن وارث العلم أي من راوي أحاديث الأئمة عليهم‌السلام ، وأما قوله : « وبأي شيء » فمعناه بأي شيء أنكرتم ما أنكرتموه أي طريقة العامة ، وبأي شيء عرفتم ما عرفتموه أي طريقة الخاصة ، وهو أنه لا بد من اليقين في أمور الدين كلها ، ولا يقين إلا في طريقة الخاصة إن كنتم مؤمنين تعرفون هذا.

الحديث الرابع والثلاثون والثلاثمائة : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « إلا غلب الحق الباطل » أي يكون الحق أظهر وأبين وأقوى دليلا وبذلك يتم الحجة في كل حق على الخلق.

قوله تعالى : « فَيَدْمَغُهُ » قال البيضاوي : أي فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمي ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لإبطاله به ومبالغة فيه « فَإِذا هُوَ زاهِقٌ » أي هالك والزهوق ذهاب الروح ، وذكره لترشيح المجاز (٢).

الحديث الخامس والثلاثون والثلاثمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « من دون الله وليجة » أي من غير من كان منصوبا من قبل الله

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٨.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٦٩.

٢٠٥

منقطع مضمحل كما يضمحل الغبار الذي يكون على الحجر الصلد إذا أصابه المطر الجود إلا ما أثبته القرآن.

٣٣٦ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حماد ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال نحن أصل كل خير ومن فروعنا كل بر فمن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ورحمة الفقير وتعهد

______________________________________________________

ويكون المقصود في اتخاذه وليجة رضى الله كما قال تعالى : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً » (١) أي بطانة وأولياء يوالونهم ، ويفشون إليهم أسرارهم.

قال الجوهري : وليجة الرجل خاصته وبطانته (٢).

قوله عليه‌السلام : « على الحجر الصلد » أي الصلب الأملس ، والجود ـ بالفتح ـ المطر الغزير.

قوله عليه‌السلام : « إلا ما أثبته القرآن » أي من متابعة الأئمة عليهم‌السلام في جميع الأمور بقوله « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٣) وغيرها.

الحديث السادس والثلاثون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « نحن أصل كل خير » أي جميع الخيرات والطاعات كملت فيهم ، ومنهم وصلت إلى الخلق ، والحاصل أن جميع الخيرات والطاعات من فروع شجرة أهل البيت عليهم‌السلام فمن خلق (٤) بالفرع وصل إلى الأصل ، وجميع الشرور والمعاصي من فروع شجرات أعدائهم فمن تعلق بتلك الفروع توصله لا محالة إلى الأصول ، كما ورد أن المعاصي طرق إلى الكفر.

__________________

(١) سورة التوبه : ١٦.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٠٥.

(٣) سورة النساء : ٥٩.

(٤) كذا في النسخ والظاهر « فمن تعلّق ».

٢٠٦

الجار والإقرار بالفضل لأهله وعدونا أصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم الكذب والبخل والنميمة والقطيعة وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقه وتعدي الحدود التي أمر الله وركوب الفواحش « ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » والزنا والسرقة وكل ما وافق ذلك من القبيح فكذب من زعم أنه معنا وهو متعلق بفروع غيرنا.

٣٣٧ ـ عنه وعن غيره ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لرجل اقنع بما قسم الله لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمن ما لست نائله فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع وخذ حظك من آخرتك وقال أبو عبد الله عليه‌السلام أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه وأشد شيء مئونة إخفاء الفاقة وأقل الأشياء غناء النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص وأروح الروح اليأس من الناس

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » أي ترك فعلها في الإعلان والسر ، أو ما ظهر قبحه على العامة وما خفي عليهم ولم يظهر إلا للخواص ، أو فسوق الجوارح وفسوق القلب ، أو ما ظهر من مظهر القرآن أو من بطنه كما ورد في الخبر.

الحديث السابع والثلاثون والثلاثمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ما لست نائله » أي لا تناله ولا تصل إليه كالأمور المحالة ، أو ما لم يقدر لك ، فإن ما لم يقدر لك لا يصل إليك ، وإن طلبته أشد الطلب.

قوله عليه‌السلام : « سبقه الناس إلى عيب نفسه » أي يطلع على عيب نفسه قبل أن يطلع غيره عليه.

قوله عليه‌السلام : « وأقل الأشياء غناءا » بالفتح والمد أي نفعا.

قوله عليه‌السلام : « وأروح الروح » أي أكثر الأشياء راحة.

٢٠٧

وقال لا تكن ضجرا ولا غلقا وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ومن له الفضل عليك فإنما أقررت بفضله لئلا تخالفه ومن لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه.

وقال لرجل اعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله تبارك وتعالى ولا رفعة لمن لم يتواضع لله عز وجل.

وقال لرجل أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم فإنما جعلت الدنيا شاهدا يعرف بها ما غاب عنها من الآخرة فاعرف الآخرة بها ولا تنظر إلى الدنيا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لا تكن ضجرا » أي متبرما عند البلايا.

قوله عليه‌السلام : « ولا غلقا » بكسر اللام أي سيئ الخلق.

قال الجزري : الغلق بالتحريك ـ ضيق الصدر وقلة الصبر ، ورجل غلق : سيئ الخلق (١).

قوله عليه‌السلام : « من خالفك » الظاهر أن المراد بمن خالفه من كان فوقه في العلم والكمال من الأئمة عليهم‌السلام ، والعلماء من أتباعهم وما يأمرون به غالبا مخالف لشهوات الخلق ، فالمراد بالاحتمال قبول قولهم وترك الإنكار لهم وإن خالف عقله وهواه ، ويحتمل أن يكون المراد بمن خالفه سلاطين الجور وبمن له الفضل أئمة العدل ، فالمراد احتمال أذاهم ومخالفتهم.

قوله عليه‌السلام : « فهو المعجب برأيه » بفتح الجيم أي عد رأيه حسنا ونفسه كاملا وهذا من أخبث الصفات الذميمة.

قال الجوهري : أعجبني هذا الشيء لحسنه ، وقد أعجب فلان بنفسه ، فهو معجب برأيه وبنفسه ، والاسم العجب بالضم (٢).

قوله عليه‌السلام : « فاعرف الآخرة بها » أي كما أن أهل الدنيا بذلوا جهدهم في

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ٣٨٠.

(٢) الصحاح : ج ١ ص ٣٤٨.

٢٠٨

إلا بالاعتبار.

٣٣٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لحمران بن أعين يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله جل ذكره من العمل الكثير على غير يقين واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي ولا جهل أضر من العجب

______________________________________________________

تحصيل دنياهم الفانية ، فابذل أنت جهدك في تعمير النشأة الباقية ، وانظر إلى نعم الدنيا ولذاتها ، واعرف بها لذات نعم الآخرة الباقية التي لا يمكن وصفها وانظر إلى فناء الدنيا وآلامها وأسقامها وتكدر لذاتها ، واعرف بها فضل نعم الآخرة التي ليس فيها شيء منها.

الحديث الثامن والثلاثون والثلاثمائة : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « وأحرى أن تستوجب الزيادة » لأن ذلك يوجب الشكر الموجب للمزيد.

قوله عليه‌السلام : « على اليقين » أي بالقضاء والقدر أو بأمور الآخرة أو بجميع ما يجب الإيمان به ، وقد أطلق على جميع ذلك في الأخبار ، واليقين هو العلم الكامل الثابت في القلب الذي ظهرت آثاره على الجوارح وقد مر تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر (١).

قوله عليه‌السلام : « من تجنب محارم الله » أي هذا الورع أنفع من ورع من يجتنب المكروهات والشبهات ، ولا يبالي بارتكاب المحرمات.

قوله عليه‌السلام : « ولا جهل أضر من العجب » فإنه ينشأ من الجهل بعيوب النفس

__________________

(١) لاحظ ج ٧ ص ٣٣١ وج ٨ ص ١ ـ ١٥.

٢٠٩

٣٣٩ ـ ابن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول إن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال أخبرني إن كنت عالما عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا حسين أجب الرجل.

فقال الحسين عليه‌السلام أما قولك أخبرني عن الناس فنحن الناس ولذلك قال الله تعالى ذكره في كتابه : « ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ » (١) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أفاض بالناس

______________________________________________________

وجهالاتها ونقائصها.

الحديث التاسع والثلاثون والثلاثمائة : مجهول.

قوله : « وعن النسناس؟ » قال الجزري : النسناس قيل : هم يأجوج ومأجوج ، وقيل : خلق على صورة الناس أشبهوهم في شيء ، وخالفوهم في شيء وليسوا من بني آدم وقيل هم من بني آدم ، ومنه الحديث « إن حيا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناسا ، لكل رجل منهم يد ورجل من شق واحد ينقرون كما ينقر الطائر ، ويرعون كما ترعى البهائم » ونونها مكسورة ، وقد تفتح (٢).

« فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفاض بالناس » الظاهر إن المراد بالناس هنا غير ما هو المراد به في الآية على هذا التفسير ، والمراد أن (٣) الناس رسول الله وأهل بيته عليهم‌السلام ، لأن الله تعالى قال في تلك الآية مخاطبا لعامة الخلق « ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ » أي من حيث يفيض منه الناس ، وهم إنما أطاعوا هذا الأمر بأن أفاضوا مع الرسول ، فهم الناس حقيقة.

ويحتمل على بعد أن يكون المراد بالناس هنا ، وفي الآية أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٩.

(٢) النهاية : ج ٥ ص ٥٠.

(٣) كذا في النسخ والظاهر « والمراد ـ بالناس ـ ».

٢١٠

وأما قولك أشباه الناس فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منا ولذلك قال إبراهيم عليه‌السلام : « فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » (١).

وأما قولك النسناس فهم السواد الأعظم وأشار بيده إلى جماعة الناس ثم قال « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (٢).

______________________________________________________

فيكون قد أمر الرسول بالإفاضة مع أهل بيته ، وأبعد منه أن يأول على نحو ما ذكره جماعة من المفسرين (٣) بأن يكون المراد بالناس إبراهيم ، وسائر الأنبياء ويكون استدلاله عليه‌السلام بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أفاض بالناس أي معهم لا معية زمانية بل في أصل الفعل ، فالمراد أن ـ الناس ـ أطلق هنا على الأنبياء والأوصياء ونحن منهم.

قوله عليه‌السلام : « السواد الأعظم » قال الفيروزآبادي : السواد من الناس : عامتهم (٤).

قوله تعالى : « بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » وجه الأضلية إن البهائم معذورة لعدم القابلية والشعور ، وكانت لهم تلك القابلية ، فضيعوها ونزلوا أنفسهم منزلة البهائم أو أن الأنعام ألهمت منافعها ومضارها ، وهي لا تفعل ما يضرها ، وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك ، والنجاة وسعوا في هلاك أنفسهم ، وأيضا تنقاد لمن يتعهدها ، وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتحرزون عن العقاب الذي هو أشد المضار.

أو لأنها إن لم تعتقد حقا ولم تكتسب خيرا لم تعتقد باطلا ، ولم تكتسب شرا ، بخلاف هؤلاء ، وأيضا جهالتها لا تضر بأحد ، وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيجان الفتن ، وصد الناس عن الحق ، أو لأنها تعرف ربها ، ولها تسبيح وتقديس كما

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٣٦.

(٢) سورة الفرقان : ٤٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢٩٦.

(٤) لم نعثر عليه في القاموس. نعم ذكره الجزريّ في « النهاية ج ٢ ص ٤١٩ » ولعلّه من سهو قلم المصنّف (ره) أو النسّاخ.

٢١١

٣٤٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عنهما فقال يا أبا الفضل ما تسألني عنهما فو الله ما مات منا ميت قط إلا ساخطا عليهما وما منا اليوم إلا ساخطا عليهما يوصي بذلك الكبير منا الصغير إنهما ظلمانا حقنا ومنعانا فيئنا وكانا أول من ركب أعناقنا وبثقا علينا بثقا في الإسلام لا يسكر أبدا حتى يقوم قائمنا أو يتكلم متكلمنا.

ثم قال أما والله لو قد قام قائمنا أو تكلم متكلمنا لأبدى من أمورهما ما كان

______________________________________________________

وردت به الأخبار (١) وقيل : المراد إن شئت شبهتهم بالأنعام ، فلك ذلك بل لك أن تشبههم بأضل منها كالسباع.

الحديث الأربعون والثلاثمائة : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « وبثقا » قال المطرزي : بثق الماء بثقا فتحه ، بأن خرق الشط والسكر ، وانبثق هو إذا جرى بنفسه من غير فجر ، والبثق ـ بالفتح والكسر ـ الاسم (٢).

قوله عليه‌السلام : « لا يسكر » قال الجوهري : السكر بالإسكان : مصدر سكرت النهر أسكره سكرا إذا سددته (٣).

قوله عليه‌السلام : « أو يتكلم » لعل كلمة ـ أو ـ بمعنى الواو كما يدل عليه ذكره ثانيا بالواو ، ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي ، أو يكون المراد بالقائم الإمام الثاني عشر عليه‌السلام كما هو المتبادر ، وبالمتكلم من تصدى لذلك قبله عليه‌السلام منهم عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « ما كان يكتم » على البناء للمفعول أي من فسقهما وكفرهما

__________________

(١) البحار ج ٦٤ ص ٢٤ ـ ٥٣.

(٢) مجمع البيان ج ٥ ص ١٩٥.

(٣) الصحاح ج ٢ ص ٢٣٠٥.

٢١٢

يكتم ولكتم من أمورهما ما كان يظهر والله ما أسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسسا أولها فعليهما « لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ».

٣٤١ ـ حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ثلاثة فقلت ومن الثلاثة فقال المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف أناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع وذلك

______________________________________________________

وبدعهما.

قوله عليه‌السلام : « ولكتم من أمورهما » أي أظهر بطلان ما كان (١) العامة من عدلهما وخلافتهما أو أن بعض المنافقين إذا اعتقدوا ذلك كتموها ولم يظهروها خوفا منه.

الحديث الحادي والأربعون والثلاثمائة : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « أهل ردة » بالكسر ـ أي ارتداد ، وقد روى ارتداد الصحابة جميع المخالفين في كتب أخبارهم ، ثم حكموا بأن الصحابة كلهم عدول ، وقد روي في المشكاة وغيره من كتبهم (٢) عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ » ـ إلى قوله : « الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (٣) ».

قوله عليه‌السلام : « ثم عرف أناس بعد يسير » أن الحق مع علي فرجعوا إليه ، ويمكن أن يقرأ ـ بعد ـ بالضم ، و ـ يسير ـ بالرفع أي قليل من الناس.

قوله عليه‌السلام : « دارت عليهم الرحى » أي رحى الإيمان والإسلام ، ونصرة

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر « ما كان يعتقده العامّة ».

(٢) صحيح البخاريّ : كتاب التفسير « الأنبياء » ح ٤٤٢٥.

(٣) سورة المائدة : ١١٧ ـ ١١٨.

٢١٣

قول الله تعالى : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ » (١).

٣٤٢ ـ حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر يوم فتح مكة فقال أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم عليه‌السلام وآدم من طين ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة والإحنة الشحناء فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة

______________________________________________________

الحق قوله تعالى : « انْقَلَبْتُمْ » استفهام في معنى الإخبار كما يظهر من الأخبار.

الحديث الثاني والأربعون والثلاثمائة : حسن أو موثق.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد أذهب عنكم » أي رفع من بينكم وأمركم بالكف هيهنا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وآدم من طين » ومن كان أصله من طين ، خليق بالتواضع والمسكنة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليست باب والد » أي ليست العربية التي هي فخر وكمال بالنسب ولكنها لسان ناطق بالشهادتين وبدين الحق ، فالعرب من كان على الدين القويم وإن كان من العجم كما مر. (٢) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لم يبلغ حسبه » أي إلى الكمال ، وفي بعض النسخ [ لم يبلغه حسبه ] ، ولعله أظهر والمال واحد.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أو احنة » قال الفيروزآبادي : الإحنة ـ بالكسر ـ الحقد وو الغضب (٣).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تحت قدمي هذه » قال الجزري : يقال للأمر يريد إبطاله : وضعته تحت قدمي ، ومنه الحديث « ألا إن كل دم ومأثرة تحت قدمي هاتين »

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٤.

(٢) لاحظ الحديث ٢٠٣ و ٢٨٧.

(٣) القاموس : ج ٤ ص ١٩٧.

٢١٤

٣٤٣ ـ حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له ما كان ولد يعقوب أنبياء قال لا ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه‌السلام فعليهما « لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ».

٣٤٤ ـ حنان ، عن أبي الخطاب ، عن عبد صالح عليه‌السلام قال إن الناس أصابهم قحط شديد على عهد سليمان بن داود عليه‌السلام فشكوا ذلك إليه وطلبوا إليه أن يستسقي لهم قال فقال لهم إذا صليت الغداة مضيت فلما صلى الغداة مضى ومضوا فلما أن كان في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء واضعة قدميها إلى الأرض وهي تقول

______________________________________________________

أراد إخفاءها وإعدامها وإذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها (١) انتهى.

أقول يحتمل أن يكون المراد أن القتل الذي وقع في الجاهلية يبطله حكمه بعد إسلامهم ، ويكون هذا مختصا بصدر الإسلام ، ويحتمل اطراده ، أو المراد إبطال الدماء التي كانت بين القبائل ، وكانوا يقاتلون عليها أعواما كثيرة ، وكانوا يقتلون لدم واحد آلافا ولا يقنعون بقتل واحد ولا بالدية.

الحديث الثالث والأربعون والثلاثمائة : حسن أو موثق.

وفيه رد على بعض المخالفين الذين ، قالوا بنبوتهم ، وما ورد في أخبارنا موافقا لهم ، فمحمول على التقية.

الحديث الرابع والأربعون والثلاثمائة : ضعيف.

ويدل على أن الحيوانات لها شعور ، وهي تعرف ربها وتتضرع إليه في الحوائج ، ولا استبعاد في ذلك ، وقد نطقت بمثله القرآن الكريم (٢) وهي لا تدل على كونها مكلفة كالأنس والجن ، على أنه لا استبعاد في أن تكون مكلفة ببعض التكاليف يجري عقابهم على تركها في الدنيا كما ورد أن الطير لا تصاد إلا بترك

__________________

(١) النهاية ج ٤ ص ٢٥.

(٢) الإسراء : ٤٤ والنور : ٤١.

٢١٥

اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم قال فقال سليمان عليه‌السلام ارجعوا فقد سقيتم بغيركم قال فسقوا في ذلك العام ما لم يسقوا مثله قط.

٣٤٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن جعفر ، عن عمرو بن سعيد ، عن خلف بن عيسى ، عن أبي عبيد المدائني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن لله تعالى ذكره عبادا ميامين مياسير يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة القطر ولله عز وجل عباد ملاعين مناكير لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه.

______________________________________________________

تسبيحها (١) وكثير من المتكلمين يعدون استبعادات الوهم ما يخالف العادات برهانا ويأولون لذلك الآيات والأخبار ، بل يطرحون كثيرا من الأخبار المستفيضة ، وليس هذا إلا للاتكال على عقولهم ، وعدم التسليم لأئمتهم عليهم‌السلام.

الحديث الخامس والأربعون والثلاثمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « مياسر » جمع موسر.

قوله عليه‌السلام : « في أكنافهم » قال الجوهري : كنفت الرجل أكنفه أي حطته وصنته ، وأكنفته أي أعنته ، والمكانفة المعاونة ، والكنف الجانب ، وكنف الطائر جناحاه (٢).

والحاصل إن الناس مختلفون في اليمن واليسر ، والبركة ونفع الخلق وأضدادها ، فمنهم نفاعون كقطر المطر يوسع الله عليهم ، ويوسعون على الناس ويعيش الناس في ظل حمايتهم ، وحفظهم ونفعهم ، ومنهم من هو بضد ذلك « ملاعين » أي مبعدون من رحمة الله « مناكير » جمع منكر أي لا يتأتى منهم المعروف.

قوله عليه‌السلام : « إلا أتوا عليه » قال الجوهري : أتى عليه الدهر : أهلكه (٣).

__________________

(١) تفسير القمّيّ ج ٢ ص ١٠٧.

(٢) الصحاح : ج ٤ ص ١٤٢٤.

(٣) الصحاح : ج ٦ ص ٢٢٦٢.

٢١٦

٣٤٦ ـ الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى جميعا ، عن محمد بن سالم بن أبي سلمة ، عن الحسن بن شاذان الواسطي قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم علي وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني فوقع بخطه إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك فلو قد قام سيد الخلق لقالوا : « يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » (١).

٣٤٧ ـ محمد بن سالم بن أبي سلمة ، عن أحمد بن الريان ، عن أبيه ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطئونه بأرجلهم ولنعموا بمعرفة الله جل وعز وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله إن معرفة الله عز وجل آنس من كل وحشة وصاحب من كل وحدة ونور من كل ظلمة وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم

______________________________________________________

الحديث السادس والأربعون والثلاثمائة : مجهول ومنهم من يعده ضعيفا.

قوله عليه‌السلام : « سيد الخلق » أي القائم فيرجعون في الرجعة لينتقم منهم المؤمنون فيقولون يا ويلنا ، وقيل : المراد هو الله تعالى أو النبي في القيامة ، ولا يخفى بعدهما.

قوله تعالى : « هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ » الظاهر أن هذا من كلامهم ، وقيل :

جواب من الملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم.

الحديث السابع والأربعون والثلاثمائة : مجهول أو ضعيف بسالم (٢).

__________________

(١) سورة يس : ٥٢.

(٢) أقول : ليس في السند ـ سالم ـ ولعلّ مراده (ره) ـ محمّد بن سالم ـ أو أنّه من سهو قلمه.

٢١٧

ثم قال عليه‌السلام وقد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عما هم عليه شيء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى بل « ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » فاسألوا ربكم درجاتهم واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « عما هم عليه » أي من دينهم الحق.

قوله عليه‌السلام : « من غير ترة » أي مكروه أو جناية أصابوا منهم ، قال الفيروزآبادي : وتر الرجل أفزعه وأدركه بمكروه ، ووتره ماله ، نقصه إياه (١).

وقال الجزري : التره النقص ، وقيل : التبعة ، والتاء فيه عوض عن الواو المحذوفة ، مثل وعدته عدة (٢).

قوله عليه‌السلام : « بل ما نقموا » إما من الانتقام أي لم يكن انتقامهم لجناية ومكروه ، بل لأنهم آمنوا بالله أو من الكراهة ، أي ما كرهوا وعابوا وأنكروا من أطوارهم شيئا إلا الإيمان ، لأنهم كانوا يكرهون الإيمان ، أو لم يكن فيهم عيب غير الإيمان الذي هو كمال ، فيكون على طريقة قوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب (٣)

قال الجوهري : نقمت على الرجل أنقم ـ بالكسر ـ فأنا ناقم إذا عتبت عليه يقال : ما نقمت منه إلا الإحسان ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته ، وانتقم منه أي عاقبه (٤) انتهى ، وهو إشارة إلى ما ذكره تعالى في قصة أصحاب الأخدود « وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » (٥).

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ١٥٧.

(٢) النهاية ج ١ ص ١٨٩.

(٣) البيت للنابغة الذيبانى ، والفَلَّة : الثلمة في السيف ، وجمعها فلول « النهاية : ٣ / ٤٧٢ » وقراع الكتائب : أي قتال الجيوش ومحاربتها. « النهاية ، ٤ / ٤٤ ».

(٤) الصحاح ج ٥ ص ٢٠٤٥.

(٥) سورة البروج : ٨.

٢١٨

٣٤٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما خلق الله عز وجل خلقا أصغر من البعوض والجرجس أصغر من البعوض والذي نسميه نحن الولع أصغر من الجرجس وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله وفضل على الفيل بالجناحين.

٣٤٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زيد بن الوليد الخثعمي ، عن أبي الربيع الشامي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » (١)

______________________________________________________

الحديث الثامن والأربعون والثلاثمائة : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « والجرجس » قال الجوهري : الجرجس : لغة في القرقس ، وهو البعوض الصغار. (٢) أقول : لعل مراده عليه‌السلام بقوله : « أصغر من البعوض » أي من سائر أنواعه ليستقيم. قوله عليه‌السلام : « ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض » ويوافق كلام أهل اللغة على أنه يحتمل أن يكون الحصر في الأول إضافيا ، كما إن الظاهر أنه لا بد من تخصيصه بالطيور ، إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض ، إلا أن يقال : يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار ولا يكون شيء من الحيوان أصغر منها ، و ـ الولع ـ غير مذكور في كتب اللغة ، والظاهر أنه أيضا صنف من البعوض ، والغرض بيان كمال قدرته تعالى : فإن القدرة في خلق الأشياء الصغار أكثر وأظهر منها في الكبار ، كما هو المعروف بين الصناع من المخلوقين ، فتبارك الله أحسن الخالقين.

الحديث التاسع والأربعون والثلاثمائة : مجهول.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٤.

(٢) الصحاح : ج ٣ ص ٩١٣.

٢١٩

قال نزلت في ولاية علي عليه‌السلام.

قال وسألته عن قول الله عز وجل : « وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » (١) قال فقال الورقة السقط

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « نزلت في ولاية علي عليه‌السلام » إذ هي موجبة لحياة النفس والقلب والعقل بالعلم والإيمان والمعرفة.

قوله تعالى : « وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها » قال الطبرسي (ره) : قال الزجاج : المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة وأنت تقول : ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط ، وقيل : يعلم ما سقط من ورق الأشجار وما بقي ، ويعلم كم انقلبت ظهرا لبطن عند سقوطها « وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ » معناه وما تسقط من حبة في باطن الأرض إلا يعلمها ، وكنى بالظلمة عن باطن الأرض ، لأنه لا يدرك كما لا يدرك ما حصل في الظلمة.

وقال ابن عباس : يعني تحت الصخرة في أسفل الأرضين السبع أو تحت حجر أو شيء « وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ » لأن الأجسام كلها لا تخلو من أحد هذين وهو بمنزلة قولك ولا مجتمع ولا مفترق لأن الأجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو متفرقة.

وقيل أراد ما ينبت وما لا ينبت عن ابن عباس ، وعنه أيضا أن الرطب الماء واليابس البادية ، وقيل : الرطب الحي ، واليابس الميت.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : الورقة السقط ، والحبة الولد ، وظلمات الأرض الأرحام ، والرطب ما يحيى ، واليابس ما يغيض « إِلاَّ فِي كِتابٍ » معناه إلا وهو مكتوب في كتاب « مُبِينٍ » أي في اللوح المحفوظ (٢).

__________________

(١) سورة الأنعام : ٥٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ص ٣١١.

٢٢٠