بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أبا عبدالله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال : يرش بالماء.

ثم قال : وهذا الخبر إنما يصلح دليلا على بعض وجوه ملاقاة الكافر باليبوسة لا مطلقا كما هو مدعاهم ، ثم إن الامر بالرش فيه محمول على الاستحباب قطعا لوجود المعارض الدال على نفي الوجوب ، كصحيح معاوية بن عمار (١) عنه عليه‌السلام في الثياب السابرية يعملها المجوس ألبسها ولا أغسلها واصلي فيها؟ قال : نعم.

الخامس ذكر الشيخان في المقنعة والنهاية رش الثوب إذا حصل في نجاسته شك ، وعبارة النهاية صريحة في الاستحباب ، وأما عبارة المقنعة فمطلقة حيث قال فيها : وإذا ظن الانسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة ولم يتيقن ذلك ، رشه بالماء ، ونص العلامة في المنتهى والنهاية على الاستحباب ، لكنه عبر عن الحكم بالنضح.

وأوجب سلار الرش إذا حصل الظن بنجاسة الثوب ولم يتيقن ، والذي ورد في الاخبار النضح عند الشك في إصابة بعض أنواع النجاسة.

فروى الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجاج (٢) : قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أن البول أصابه فلا يستيقن ، فهل يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا يتتشف؟ قال : يغسل ما استبان أنه أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه ، ويتنشف قبل أن يتوضأ.

وفي الحسن عن الحلبي (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه ، فان ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم يرمكانه فلينضحه بالماء.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٣٩.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١١٩ والمراد بالتنشف الاستبراء وبالوضوء الاستنجاء.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٧١ و ١٩٩.

٦١

وفي الحسن ، عن عبدالله بن سنان (١) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال : إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى وإن كان يرى أنه أصابه شئ فنظر فلم يرشيئا أجزأه أن ينضحه بالماء.

السادس الفأرة الرطبة ذكرها العلامة في المنتهى والنهاية والشهيد في الذكرى واستند إلى هذه الرواية.

وقال صاحب المعالم : مورد النضح في هذا الخبر كما ترى هو مالا يرى من أثر الفأرة الرطبة في الثوب ، وأما ما يرى منه فالحكم فيه الغسل وجوبا أو استحبابا على الخلاف السابق ، ووقع في كلام جماعة إطلاق القول بالنضح من الفأرة الرطبة تبعا العلامة في النهاية وليس بجيد ، وقد صرح في المنتهى بما قلناه ، فقال : ومنها الفأرة إذا لاقت الثوب وهي رطبة ولم ير الموضع.

السابع وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا ذكره الشهيد في الذكرى لمامر من رواية علي بن جعفر وهي في الكتب المشهورة صحيحة (٢).

الثامن المذي يصيب الثوب ذكره العلامة والشهيد قدس الله روحهما لصحيحة محمدبن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٣) قال : سألته عن المذي يصيب الثوب فقال : ينضحه بالماء إن شاء ، وهي مصرحة بالاستحباب.

التاسع بول الدواب والبغال والحمير ذكره العلامة والشهيد لحسنة محمد ابن مسلم (٤) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال : اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، فان شككت فانضحه.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٣٩.

(٢) راجع التهذيب ج ١ ص ٧٨.

(٣) المصدر ج ١ ص ٧٦ وص ١٩٩.

(٤) المصدر : ج ١ ص ١٩٥.

٦٢

اقول : الظاهر أنه مبني على نجاسة تلك الابوال ، والنضح لمكان الشك كما مرفي الخامس.

العاشر بول البعير والشاة ذكرا في النهاية والذكرى لرواية عبدالرحمن ابن أبي عبدالله (١) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يصيبه أبوال البهايم أيغسله أم لا؟ قال : يغسل بول الفرس والبغل والحمار ، وينضح بول البعير والشاة.

الحادي عشر الثوب يصيبه عرق الجنب ذكره في الكتابين وغير هما لرواية أبي بصير (٢) قال : سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب ، حتى يبتل القميص ، فقال : لا بأس وأن أحب أن يرشه بالماء فليفعل.

ولرواية علي بن أبي حمزة (٣) قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه ، قال : لا أرى به بأسا ، قال : إنه يعرق حتى لوشاء أن يعصره عصره ، قال : فقطب أبوعبدالله عليه‌السلام في وجه الرجل فقال : إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه به.

وهما يدلان على استحباب الرش وإن احتمل الاخير الاباحة مماشاة للسائل ، حيث فهم عليه‌السلام عنه الميل إلى التنزه عن العرق ، وهذا الاحتمال في الاول أبعد.

الثاني عشر ذوالجرح في المقعدة يجد الصفرة بعد الاستنجاء ، ذكره الشهيد في الذكرى لما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي (٤) قال : سأل الرضا عليه‌السلام

____________________

(١) المصدرج ١ ص ٧٠.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٧٦

(٣) الكافى ج ٣ ص ٥٢ التهذيب ج ١ ص ٧٦

(٤) الكافى ج ٣ ص ١٩ و ٢٠.

٦٣

رجل وأنا حاضر فقال : إن لي جرحافي مقعدتي فأتوضأ وأستنجي ثم أجد بعد ذلك الندى الصفرة من المقعدة ، أفاعيد الوضوء؟ فقال : وقد أنقيت؟ فقال : نعم ، قال : لا ، ولكن رشه بالماء ولا تعد الوضوء.

ورواه بطريق آخر عن صفوان عن الرضا عليه‌السلام.

أقول : سيأتي النضح والرش في كثير من أمكنة الصلاة في مواضعها لم نذكرها ههنا حذرا من التكرار.

تتميم

قال العلامة في النهاية : مراتب إيراد الماء ثلاثة : النضح المجرد ، ومع الغلبة ، ومع الجريان ، قال : ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة قطعا و هل يحتاج إلى الثانية؟ الاقرب ذلك ، ثم قال : ويفترق الرش والغسل بالسيلان والتقاطر ، قال في المعالم : في جعله الرش مغائرا للنضع نظر ، إذ المستفاد من كلام أهل اللغة ترادفهما والعرف إن لم يوافقهم فليس بمخالف لهم ، فلانعلم الفرق الذي استقر به من أين أخذه؟ مع أنه في غير النهاية كثيرا ما يستدل على الرش بما ورد بلفظ النضح وبالعكس ، بل الظاهر من كلامهم وكلامه في غيره ترادف الصب والرش والنضح.

تذنيب

عزى العلامة في المختلف إلى ابن حمزة إيجاب مسح البدن بالتراب إذا أصابه الكلب والخنزير أو الكافر بغير رطوبة ، وقال الشيخ في النهاية : وإن مس الانسان بيده كلبا أو خنزيرا أو ثعلبا أو أرنبا أو فارة أو وزغة أو صافح ذميا أو ناصبا معلنا بعداوة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب غسل يده إن كان رطبا ، وإن كان يابسا مسحه بالتراب.

وقال المفيد : وإن مس جسد الانسان كلب أو خنزير أو فارة أو وزغة وكان يابسا مسحه بالتراب ، ثم قال : وإذا صافح الكافر ولم يكن في يده رطوبة

٦٤

مسحها ببعض الحيطان أو التراب.

وقال الشيخ في المبسوط : كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة لايجب غسلها ، وإنما يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب (١) ولا نعرف للمسح بالتراب وجوبا أو استحبابا وجها ، كما اعترف به كثير من المحققين ، وقد ذكر العلامة في المنتهي استحبابه من ملاقاة البدن للكلب أو الخنزير باليبوسة ، بعد حكمه ، بوجوب الغسل ، مع كون الملاقاة برطوبة ، ثم ذكر الحجة على إيجاب الغسل ، وقال بعد ذلك : أما مسح الجسد فشئ ذكره بعض الاصحاب ولم يثبت.

____________________

(١) المبسوط ج ١ ص ٣٨ الطبعة الحديثة.

٦٥

٣

* (باب) *

* (سؤر المسوخ والجلال وآكل الجيف) *

١ ـ العلل : عن علي بن أحمد بن محمد ، عن محمد الاسدي ، عن محمد بن أحمد ابن إسماعيل العلوي ، عن علي بن الحسين العلوي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى ، عن أبيه جعفربن محمد عليهم‌السلام قال : المسوخ ثلاثة عشر : الفيل والدب والارنب ، والعقرب ، والضب ، والعنكبوت ، والدعموص ، والجري ، والوطواط والقرد ، والخنزير ، والزهرة ، وسهيل.

قيل : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان سبب مسخ هؤلاء؟ قال : أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا ، وأما الدب فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال إلى نفسه ، وأما الارنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا غير ذلك ، وأما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه أحد ، وأما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه (١).

وأما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها ، وأما الدعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الاحبة ، وأما الجرى فكان رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله ، وأما الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب من رؤوس النخل ، وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت ، وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا ، وأما سهيل فكان رجلا عشارا باليمن ، وأما الزهرة فانها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي تقول الناس أنه افتتن بها هاروت وماروت (٢).

٢ ـ وروى أيضا في العلل ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن

____________________

(١) المحجن : العصا المنعطفة الرأس كالصولجان.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ١٧٢ تحت الرقم ٢.

٦٦

إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن الحسن زعلان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : المسوخ اثنى عشر صنفا وذكر فيه الزنبور ، وترك العنكبوت والد عموص (١).

٣ ـ وروى أيضا فيه ، عن علي بن عبدالله الوراق ، عن سعد بن عبدالله ، عن عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن الرضا عليه‌السلام وذكر فيه الخفاش والفأرة والبعوض والقملة والوزغ والعنقاء (٢).

٤ ـ وروى أيضا فيه وفي المجالس (٣) عن ماجيلويه ، عن محمد العطار عن محمدبن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر ، عن مغيرة ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا منهم القردة ، والخنازير ، والخفاش ، والضب والدب والفيل ، والدعموص ، والجريث ، والعقرب ، وسهيل ، وقنفذ ، والزهرة ، والعنكبوت (٤).

٥ ـ وفي البصائر (٥) والاختصاص عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي ، عن كرام ، عن عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الوزغ فقال : هو رجس وهو مسخ ، فاذا قتلته فاغتسل (٦).

أقول : قدمرت أخبار المسوخ مفصلا مع أحكامها وأحوالها في كتاب السماء والعالم.

واعلم أن الاصحاب اختلفوا في أسئار ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ ،

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ١٧١ تحت الرقم ١.

(٢) المصدر ج ٢ ص ١٧٢ تحت الرقم ٣.

(٣) لا يوجد في أمالى الصدوق وهو في الخصال ج ٢ ص ٨٨.

(٤) علل الشرايع ج ٢ ص ١٧٣ تحت الرقم ٤.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٠٣ ط حجر وص ٣٥٣ ط تبريز ، وتراه في الكافى ج ٨ ص ٢٣٢.

(٦) الاختصاص ص ٣٠١.

٦٧

فذهب الشيخ إلى نجاستها ، وهو المحكي عن ابن الجنيد وسلار وابن حمزة والاشهر والاظهر الطهارة ، واستوجه المحقق فيها الكراهة ، خروجا من خلاف من قال بالنجاسة.

وأما الجلال فهو المغتذي بعذرة الانسان محضا إلى أن نبت عليه لحمه واشتد عظمه ، بحيث يسمى في العرف جلالا ، قبل أن يستبرى ء بمايزيل الجلل وآكل الجيف من الطيور أي ما من شأنه ذلك فالمشهور كراهة سؤرهما مع خلو موضع الملاقات من عين النجاسة ، والشيخ في المبسوط منع من سؤر آكل الجيف وفي النهاية من سؤر الجلال ، وربما يناقش في الكراهة أيضا وهو في محله. و أطلق العلامة وغيره كراهة سؤر الدجاج ، وعلل بعدم انفكاك منقارها غالبا من النجاسة ، وحكي في المعتبر عن الشيخ في المبسوط أنه قال : يكره سور الدجاج على كل حال.

فائدة مهمة

قال العلامة في النهاية : لو تنجس فم الهرة بسبب كأكل فأرة وشبهه ثم ولغت في ماء قليل ونحن نتيقن نجاسة فمها فالاقوي النجاسة لانه ماء قليل لاقى نجاسة ، والاحتراز يعسر عن مطلق الولوغ لا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم ، ولو غابت عن العين واحتمل ولوغهافي ماء كثيرا أو جار لم ينجس ، لان الاناء معلوم الطهارة ، فلا حكم بنجاسته بالشك.

قيل : وهذا الكلام مشكل ، لانا إما أن نكتفي في طهر فمها بمجردزوال عين النجاسة ، أو نعتبر فيه ما يعتبر في تطهير المتنجسات من الطرق المعهودة شرعا فعلى الاول لا حاجة إلى اشتراط غيبتها ، وعلى الثانى ـ وهوالذي يظهر من كلامه الميل إليه ـ ينبغي أن لا يكتفي بمجرد الاحتمال ، لا سيما مع بعده ، بل يتوقف الحكم بالطهارة على العلم بوجود سببها كغيره.

والظاهر أن الضرورة قاضية بعدم اعتبار ذلك شرعا ، وعموم الاخبار يدل

٦٨

على خلافه ، فان إطلاق الحكم بطهارة سؤر الهر فيها من دون الاشتراط بشئ مع كون الغالب فيه عدم الانفكاك من أمثال هذه الملاقاة ، دليل على عدم اعتبار أمر آخر غير ذهاب العين ، ولو فرضنا عدم دلالة الاخبار على العموم فلا ريب أن الحكم بتوقف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود شرعا منفي قطعا ، والواسعة بين ذلك وبين زوال العين يتوقف على الدليل ، ولا دليل.

وقداكتفى في المنتهى بزوال العين عن فمها فقال بعد أن ذكر كراهة سؤر آكل الجيف ، وبين وجهه : وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة وشربت ، قل الماء أو كثر ، غابت عن العين أو لم تغب ، لعموم الاحاديث المبيحة ، وحكى ما ذكره في النهاية عن بعض أهل الخلاف.

وقال الشيخ في الخلاف : إذا أكلت الهرة فأرة ثم شربت من الاناء فلا بأس بالوضوء من سؤرها ، وحكى عن بغض العامة أنه قال : إن شربت قبل أن تغيب عن العين لا يجوز الوضوء به ، ثم قال الشيخ : والذي يدل على ما قلناه إجماع الفرقة على أن سؤر الهرة طاهر ولم يفصلوا انتهى.

وبالجملة مقتضى الاخبار المتضمنة لنفى البأس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع طهارتها بمجرد زوال العين ، لانها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة فان العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الاوقات ولولا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة كماذكره بعض المحققين.

وقد قطع جمع من المتأخرين بطهارة الحيوان غير الادمى بمجرد زوال العين وهو حسن للاصل ، وعدم ثبوب التعبد بغسل النجاسة عنه ، ولا يعتبر فيه الغيبة ، وأما الادمى فقد قيل إنه يحكم بطهارته بغيبة زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة ، واستشكله بعض المحققين وقال : الاصح عدم الحكم بطهارته بذلك إلا مع تلبسه بما يشترط فيه الطهارة عنده ، على تردد في ذلك أيضا ، والله يعلم.

٦٩

٤

* (باب) *

* (سؤر العظاية والحية والوزغ واشباهها) *

* (مما ليست له نفس سائلة) *

١ ـ قرب الاسناد (١) وكتاب المسائل بالاسنادين المتقدمين عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن العظاية والحية والوزغة تقع في الماء فلاتموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا بأس.

قال : وسألته عن العقرب والخنفساء أشباههن تموت في الجرة أو الدن أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا بأس (٢).

بيان : قال في القاموس : العظاية دويبة كسام أبرص انتهى ، ولعله نوع من الوزغ والمشهور بين الاصحاب كراهة سؤر الوزغ والعقرب ، وماماتتا فيه : وربما قيل بالمنع أيضا ، وقال في التذكرة : إن الكراهة من حيث الطب لا لنجاسة الماء وفيه قوة ، وقال الشيخ في النهاية : لايجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ وإن خرج حيا ، وكذا قال الصدوق ره.

وأما الحية فقال الشيخ في النهاية وأتباعه بكراهة سؤرها ، وقيل : بعدم الكراهة لهذه الرواية.

وأما عدم نجاسة الماء بموت الخنفساء وأشباهها مما لا نفس له أي الدم الذي يسيل من العرق ، فقال في المعتبر : إنه لا ينجس بالموت عند علمائنا أجمع ، ونحوه قال في المنتهي.

٢ ـ فقه الرضا : إن وقع في الماء وزغ اهريق ذلك الماء ، وإن وقع فيه فارة أو حية اهريق الماء ، وإن دخل فيه حية وخرجت منه صبت من ذلك الماء ثلاث أكف

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٨٤ ط حجر وص ١٠٩ ط نجف.

(٢) كتاب المسائل ج ١٠ ص ٢٨٨ من البحار.

٧٠

واستعمل الباقي وقليله وكثيره بمنزلة واحدة.

وإن وقعت فيه عقرب أو شئ من الخنافس وبنات وردان والجراد كل ماليس له دم فلا بأس باستعماله والوضوء منه ، مات أولم يمت (١).

بيان : لعل صب الاكف محمول على الاستحباب لرفع استقذار النفس وأما تقليل أثر السم فتأثير مثل ذلك فيه محل تأمل ، ويحتمل أن يكون لمحض التعبد.

٣ ـ وروى هذا المضمون الشيخ في التهذيب (٢) عن ، هارون بن حمزة الغنوى عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ؟ قال : يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه ، غير الوزغ ، فانه لا ينتفع بما يقع فيه.

وقال في حياة الحيوان : بنات وردان هي دويبة تتولد من الاماكن الندية وأكثر ما تكون في الحمامات والسقايات ، ومنها الاسود والاحمر والابيض والاصهب وإذا تكونت تسافدت وباضت بيضا مستطيلا.

٤ ـ نوادر الراوندى : عن عبدالواحد بن إسماعيل الرويانى عن محمد بن الحسن التيمى ، عن سهل بن أحمد الديباجى ، عن محمد بن محمدبن الاشعث ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال على عليه‌السلام : مالا نفس له سائلة إذا مات في الادام فلا بأس بأكله (٣).

____________________

(١) فقه الرضا : ٥.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٦٨ ، الاستبصار ج ١ ص ١٣.

(٣) نوادر الراوندى ص ٥٠.

٧١

٥

* (باب) *

* (سؤر مالا يؤكل لحمه من الدواب وفضلات الانسان) *

١ ـ قرب الاسناد : بالسند المتقدم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن فضل ماء البقرة والشاة والبعير أيشرب منه ويتوضأ؟ قال : لا بأس به (١).

٢ ـ فقة الرضا : قال : إن شرب من الماء دابة أو حمار أو بغل أو شاة أو بقرة فلا بأس باستعماله والوضوء منه ، مالم يقع فيه كلب أو وزغ أو فارة (٢).

وقال : سألت العالم عليه‌السلام عما يخرج من منخري الدابة إذا نخرت فأصاب ثوب الرجل قال : لا بأس ، ليس عليك أن تغسل (٣).

بيان : في القاموس نخر ينخر وينخر نخيرا مد الصوت في خياشيمه ، والمنخر بفتح الميم والخاء وبكسر هما وبضمهما ، وكمجلس وملمول الانف.

٣ ـ كتاب المسائل بالاسناد المتقدم عن على بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن فضل الفرس والبغل والحمار أيشرب منه ويتوضأ للصلاة؟ قال : لا بأس (٤).

نقل مذاهب لتوضيح المطالب اعلم أن في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة خلافا فذهب أكثر الاصحاب كالفاضلين والشهيدين وجمهور المتأخرين إلى طهارة سؤر كل حيوان طاهر ، وحكاه المحقق في المعتبر عن المرتضى في المصباح ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف والنهاية إلا أنه استثنى في النهاية سؤرما أكل الجيف من الطير ، وذكر المحقق أن

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٨٤ ط حجر.

(٢) فقه الرضا ص ٥ ...

(٣) فقه الرضا ص ٢٨٨.

(٤) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص

٧٢

المرتضى استثنى الجلال في المصباح.

وقال ابن الجنيد : لا ينجس الماء بشرب ما اكل لحمه من الدواب والطيور وكذلك السباع وإن ماسته بأبدانها ، مالم يعلم بما ماسه نجاسة ، ولم يكن جلالا وهو الاكل للعذرة ، ولم يكن أيضا كلبا ولا خنزيرا ولا مسخا ، وظاهر الشيخ في التهذيب المنع من سؤر مالا يؤكل لحمه ، وكذا في الاستبصار إلا أنه استثنى منه الفأرة ، ونحو البازي والصقر من الطيور ، وذهب في المبسوط إلى نجاسة سؤر مالا يؤكل لحمه من الحيوان الانسى عدا ما لا يمكن التحرزمنه كالفأرة والحية والهرة وطهارة سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي طيرا كان أو غيره.

وحكى العلامة عن ابن إدريس أنه حكم بنجاسة مايمكن التحرز عنه مما لايؤكل لحمه من الحيوان الحضر غير الطير ، والاشهر أظهر.

٤ ـ قرب الاسناد : عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام سئل عن البزاق يصيب الثوب قال : لا بأس به (١).

بيان : ظاهره جواز الصلاة في الفضلات الطاهرة من الانسان ، وإن كان من غير المصلي ، وسيأتي تمام القول فيه في كتاب الصلاة إنشاء الله.

٥ ـ الهداية : وكل مايؤكل لحمه فلا بأس بالوضوء مما شرب منه.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل شئ يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال (٢).

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٤٢ ط حجر.

(٢) الهداية ص ١٣ و ١٤ ، والاجترار : اعادة المأكول من الجوف إلى الفم لاعادة مضغه.

٧٣

[ أبواب

النجاسات والمطهرات وأحكامها ] (١)

١

* (باب) *

* (نجاسة الميتة وأحكامها وحكم الجزء المبان من الحى والاجزاء) *

* (الصغار المنفصلة عن الانسان وما يجوز) *

* (استعماله من الجلود) *

١ ـ قرب الاسناد : عن الطيالسى عن إسماعيل بن عبدالخالق قال : سأله سعيد الاعرج وأنا حاضر عن الزيت والسمن والعسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به؟ قال : أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له ، فيبتاع للسراج ، فأما للاكل فلا وأما السمن إن كان ذائبا فهوكذلك وإن كان جامدا والفارة في أعلاه ، فيؤخذ ما تحتها وماحولها ، ثم لا بأس به ، والعسل كذلك إن كان جامدا (٢).

٢ ـ ومنه باسناده عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن حب دهن ماتت فيه فارة ، قال : لا تدهن به ، ولا تبعه من مسلم (٣).

قال : وسألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه ، وهو في الصلاة ، هل يصلح له أن ينزعها ويطرحها؟ قال : إن كان لا يجددما فلينزعه وليرم به وإن كان دمى فلينصرف (٤).

قال : وسألته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له وهو في صلاته أن يقطع الرأس الثالول أوينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال : إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل ، وإن فعل فقد نقض من ذلك الصلاة ، ولا ينقض الوضوء (٥).

____________________

(١) مابين العلامتين زيادة من المخطوطة.

(٢) قرب الاسناد ص ٦٠

(٣) قرب الاسناد ص ١١٢ ط حجر وص ١٥٠ ط نجف.

(٤) قرب الاسناد ص ١١٤ ط نجف.

(٥) المصدر ص ١١٥ ط نجف.

٧٤

توضيح : الجواب الاول يدل على نجاسة الميتة في الجملة ، وعلى عدم جواز بيع الدهن المتنجس إلا بعد البيان للاستصباح ، سواء كان تحت السماء أو تحت السقف (١) كما هو الاظهر ، وستأتي تلك الاحكام مفصلة.

قوله «كذلك إن كان جامدا» يفهم منه عدم جواز بيع المايع ، وإن كان فيه فائدة محللة ، وهو الظاهر من كلام الاصحاب : إذ لم يجوزوا بيع الدبس النجس للنحل ونحوه ، وفي دليلهم نظر ، والتقييد في الجواب الثاني حيث قال «لا تبعه من مسلم» يدل على جواز البيع من غير المسلم ، وقد ذلت عليه أخبار تأتي في كتاب البيع.

والجواب الثالث يعطي باطلاقه على عدم نجاسة القطعة التي تنفصل غالبا مع السن ، وأنه لا صدق عليهما القطعة ذات العظم ، إما لعدم صدق القطعة عرفا عليهما ، أو عدم كون السن عظما.

والجواب الرابع يدل على عدم نجاسة الاجزاء الصغار المنفصلة من الانسان.

قال العلامة في المنتهى : الاقرب طهارة ما ينفصل من بدن الانسان من الاجزاء الصغيرة من البثور والثالول وغيرهما ، لعدم إمكان التحرز عنها ، فكان عفوا دفعا للمشقة ، وأكثر المحققين من المتأخرين لم يستجودوا هذا التعليل ، و قال بعضهم : والتحقيق أنه ليس لما يعتمد عليه من أدلة نجاسة الميتة وأبعاضها وما في معناها من الاجزاء المبانة من الحي دلالة على نجاسة نحو هذه الاجزاء التي تزول عنها أثر الحياة في حال اتصالها بالبدن ، فهي على أصل الطهارة وأومأ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية إلى هذه الرواية ، واستدل بها على الطهارة أيضا من حيث إطلاق نفي الباس عن مس هذه الاجزاء في حال الصلاة ، فانه يدل على عدم الفرق بين كون المس برطوبة ويبوسة ، إذ المقام تفصيل كما يدل عليه اشتراط

____________________

(١) انما نهى عن الاستصباح تحت السقف ، لانه يوجب نجاسة السقف ، فان دخان الدهن له دسومة ، فاذا كان الدهن نجسا كان دخانه أيضا نجسا.

٧٥

نفي البأس بانتفاء تخوف سيلان الدم ، فلو كان مس تلك الاجزاء مقتضيا للتنجيس ولو على بعض الوجوه ، لم يحسن الاطلاق ، بل كان اللايق البيان كماوقع في خوف السيلان.

٣ ـ فقه الرضا : روي لا ينجس الماء إلا ذونفس سائلة أو حيوان له دم (١).

وقال : إن مس ثوبك ميتا فاغسل ما أصاب ، وإن مسست ميتة فاغسل يديك وليس عليك غسل ، وإنما يجب عليك ذلك في الانسان وحده (٢).

بيان : قوله : «أوحيوان» الترديد باعتبار اختلاف لفظ الرواية ، و قوله عليه‌السلام : «فاغسل ما أصاب» يحتمل أن يكون المعنى فاغسل ما أصاب ثوبك من الميت من رطوبة أو نجاسة ، لكن قوله : «إن مسست ميتة» ظاهره وجوب غسل اليد مع اليبوسة ، أيضا كما اختاره العلامة ، ويمكن حمله على الرطوبة أو على الاستحباب مع اليبوسة.

٤ ـ المحاسن : عن ابن أسباط ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن ركوب جلود السباع قال : لابأس مالم يسجد عليها (٣).

ومنه : عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام عن جلود السباع ، فقال : اركبوا ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه (٤).

بيان : الخبران يدلان على كون السباع قابلة للتذكية ، بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلدها لطهارته ، كماهو المشهور بين الاصحاب ، بل قال الشهيد ـ ره ـ أنه لا يعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها ، سوى الكلب والخنزير واستشكال الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله ـ وبعض المتأخرين في الحكم بعد ورود

____________________

(١) فقه الرضا ص ٥

(٢) فقه الرضا ص ١٨ س ٣ و ٣٦ متفرقا.

(٣) المحاسن ص ٦٢٩.

(٤) المصدر نفسه ص ٦٢٩.

٧٦

النصوص المعتبرة ، وعمل القدمآء والمتأخرين بها لاوجه له ، وأما عدم جواز السجود عليها ، والصلاة فيها فسيأتي في محله.

٥ ـ السرائر : عن جامع البزنطي عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال : نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولايبيعها.

قال محمد بن إدريس : لا يلتفت إلى هذا الحديث ، لانه من نوادر الاخبار والاجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرف فيها بكل حال إلا أكلها للمضطر غيرالباغي والعادي (١).

قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام مثله (٢).

بيان : ما ذكره ابن إدريس هو المشهور بين الفقهاء وقال الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله ـ في المسالك : الذي جوزوه من الاستصباح بالدهن النجس مختص بما إذا كان الدهن متنجسا بالعرض ، فلو كان نفسه نجاسة كأليات الميتة والمبانة من الحي لم يصح الانتفاع به مطلقا ، لا طلاق النهي عن استعمال المينة ، ونقل الشهيد عن العلامة ـ رحمه‌الله ـ جواز الاستصباح به تحت السماء ، ثم قال : و هوضعيف.

أقول : الجواز عندي أقوى ، لدلالة الخبر الصحيح المؤيد بالاصل على الجواز ، وضعف حجة المنع إذ المتبادر من تحريم الميتة تحريم أكلها كما حقق في موضعه ، والاجماع ممنوع والله يعلم.

٦ ـ كتاب المسائل (٣) لعلى بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل يصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال :

____________________

(١) السرائر : ٤٦٩.

(٢) قرب الاسناد ص ١١٥ ط حجر.

(٣) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٥.

٧٧

ليس عليه غسله ، فليصل فيه فلا بأس.

قال : وسألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها؟ قال : لا ، وإن لبسها فلا يصلي فيها (١).

بيان : الجواب الاول محمول على ما إذا كان الحمار والثوب يابسين ، أو على ما إذا وقع الثوب على شعره ، وأما قوله «وإن لبسها» ففيه إيهام لجواز اللبس في غير الصلاة ويمكن أن يجعل مؤيدا لمذهب ابن الجنيد ، حيث ذهب إلى أن الدباغ مطهر لجلد الميتة ، ولكن لا يجوز الصلاة فيه ، ونسب إلى الشلمغايي أيضا (٢) بل ظاهر الصدوق في الفقيه أيضا ذلك ، لكن لم يصرح بالدباغ ولايبعد حمل كلامه عليه ، والمشهور عدم جواز الاستعمال مطلقا وهو أحوط.

٧ ـ نوادر الراوندى : باسناده المتقدم عن موسى بن جعفر ، عن آبائه ، عليهم‌السلام قال : سئل علي عليه‌السلام عن قدر طبخت فاذا فيها فارة ميتة ، فقال : يهراق المرق ويغسل اللحم وينقى ويؤكل (٣).

وسئل عليه‌السلام عن سفرة وجدت في الطريق فيها لحم كثير وخبز كثير وبيض وفيها سكين ، فقال : يقوم ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد ، فاذاجاء طالبها غرم له ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين لا نعلم أسفرة ذمي هي أم سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة من أكلها مالم يعلموا (٤).

____________________

(١) المصدر نفسه ج ١٠ ص ٢٦٤.

(٢) قال في الكتاب التكليف المشهور بفقة الرضا (ع) (ص ٤١) كل شئ حل أكل لحمه فلا بأس بلبس جده الذكى وصوفه وشعره ووبره وريشه وعظامه ، وان كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة بعد ما يكون مما أحل الله أكله فلا بأس به ، وكذلك الجلد فان دباغته طهارته ، إلى أن قال : وزكاة الحيوان ذبحه وزكاة الجلود الميتة دباغته.

(٣ ـ ٤) نوادر الراوندى ص ٥٠.

٧٨

وسئل عن الزيت يقع فيه شئ له دم ، فيموت ، فقال : يبيعه لمن يعمله صابونا (١). بيان : السؤال الاول رواه الشيخ عن السكوني (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فارة ، قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل ، وعمل به الاصحاب. والسؤال الثانى أيضا ، رواه الشيخ عن السكونى (٣) عنهما عليهما‌السلام وفيه إشكال إذ على المشهور لا يجوز استعمال ما يشترط فيه الذبح إلا إذا اخذمن سوق المسلمين أو علم بالتذكية ، والاصل عندهم عدمها وظاهر هذا الخبر وكثير من الاخبار جواز أخذ اللحم المطروح ، والجلد المطروح لا سيما إذا انضمت إليه قرينة تورث الظن بالتذكية ، وسيأتي تمام القول فيه.

وأما السؤال الثالث فيدل على جواز استعمال الدهن المتنجس لغير الاستصباح من المنافع المعتبرة شرعا ، قال في المسالك : وقد ألحق بعض الاصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا أو ليدهن بها الاجرب ونحو ذلك ، ويشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للاصل ، فان جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المايعات النجسة التي ينتفع بها كالدبس للنحل ونحوه انتهى.

أقول : الجواز لا يخلو من قوة للاصل ، وعموم الادلة ، وذكر الاسراج والاستصباح في الروايات لا يدل على الحصر ، بل يمكن أن يكون الغرض بيان الفائدة والانتفاع بذكر أظهر فوائده وأشيعها ، كما أن تخصيص المنع بالاكل فيها لا يدل على الحصر ، وما الزم علينا نلتزمه ، إذ لم يثبت الاجماع على خلافه.

____________________

(١) نوادر الراوندى ص ٥١.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ٨٦ ط نجف ، وهكذا في الكافى ج ٦ ص ٢٦١.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٣٦٥ ط حجر ، الكافى ج ٦ ص ٢٩٧ وج ٢ ص ١٦٤ ط حجر.

٧٩

٨ ـ دعائم الاسلام : سئل الصادق عليه‌السلام عن فارة وقعت في سمن ، قال : إن كانت جامدا القيت وماحولها ، واكل الباقي ، وإن كان مايعا فسد كله ، ويستصبح به.

قال : وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الدواب تقع في السمن والعسل و اللبن والزيت فتموت فيه ، قال : إن كان ذائبا اريق اللبن والعسل واستسرج بالزيت والسمن.

وقال في الخنفساء والعقرب والصرار وكل شئ لادم له يموت في طعام : لا يفسده ، وقال في الزيت : يعمله الصابون إن شاء.

وقالوا : عليهم‌السلام إذا خرجت الدابة حية ولم تمت في الادام لم ينجس ويؤكل ، وإذاوقعت فيه فماتت لم يؤكل ولم يبع ولم يشتر (١).

وعنهم عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه اتي بجفنة فيها أدام فوجدوا فيها ذبابا فأمر به فطرح ، وقال : سموا الله وكلوا ، فان هذا لا يحرم شيئا (٢).

وعن علي عليه‌السلام أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عظم ولا عصب (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الميتة نجس وإن دبغت (٤).

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أن سئل عن جلود الغنم يختلط الذكي منها بالميتة ويعمل منها الفراء قال : إن لبستها فلا تصل فيها ، وإن علمت أنها ميتة فلا تشترها ولا تبعها ، وإن لم تعلم اشتروبع (٥).

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٢٢.

(٢) في المصدر : «بجفنة قدأدمت» وفيه : «سموا عليه الله».

(٣) المصدرص ١٢٦.

(٤ و ٥) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٢٦.

٨٠