بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

للمشهور.

نعم ذهب ابن الجنيد إلى وجب غسل الرأس ثلاثا والاجتزاء بالدهن في بقية البدن ، ويمكن حمله على حصول مسمى الجريان ، لكن في الوضوء هذا الحمل أبعد ، وآخر الحديث يدل على أن الجنب إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لبعض أعضائه غسل ذلك البعض به وغسل البعض الاخر بغسالته ، وأنه لا يجوز له ذلك إلا مع قلة الماء كما يدل عليه مفهوم الشرط ، وإن أمكن حمله على الفضل والكمال ، ولنذكر بعض ماذكره الاصحاب في هذا الخبر.

قال في المعالم : قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : فان اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصب عنه إلى الماء الذي يغتسل منه أخذ كفا وصبه أمامه ، وكفا عن يمينه ، وكفا عن يساره ، وكفا من خلفه واغتسل منه ، وذكر نحو ذلك في المقنع ، وقال أبوه في رسالته : وإن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ماينصب عنك إلى المكان الذي تغتسل فيه ، أخذت له كفا وصببته عن يمينك ، وكفا عن يسارك وكفا [ خلفك ، وكفا ] أمامك و اغتسلت منه.

وقال الشيخ في النهاية : متى حصل الانسان غير غدير أو قليب : ولم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه ، فليدخل يده فيه ، ويأخذ منه ما يحتاج إليه ، وليس عليه شئ ، وإن أراد الغسل للجنابة وخاف إن نزل إليها فساد الماء (١) فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ، ثم ليأخذ كفا كفا من الماء فليغتسل به.

والاصل فيما ذكروه روايات وردت بذلك ، منها صحيحة على بن جعفر ، ومنها رواية ابن مسكان وذكر الروايتين المتقدمتين.

____________________

(١) الظاهرأن مراده رحمه‌الله أنه اذا خاف فساد الماء بالنزول اليها فاذا اغتسل خارجا ورجع ماء الغسل إلى الماء يعود الفساد فليرش جوانبه لئلا يعود غسالة ازالة المنى أو غسالة الغسل إلى الماء ، فينطبق على ماذكره غيره ، ولا يحتاج إلى ارتكاب سائر التكلفات. منه عفى عنه. كذا وجدناه بخطه قدس‌سره في هامش المخطوطة.

١٤١

ثم قال : ونقل الفاضلان (١) في المعتبر والمنتهى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه روى في جامعه عن عبدالكريم عن محمد بن ميسر (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل والماء في وهدة فان هو اغتسل رجع غسلة في الماء كيف يصنع؟ قال : ينضح بكف بين يديه ، وكف خلفه وكف عن يمينه ، وكف عن شماله ويغتسل.

ولا يخفى أن متعلق النضح المذكور في الاخبار وكلام الاصحاب هنا لا يخلو عن خفاء ، وكذا الحكمة فيه ، وقد حكى المحقق ـ رحمه‌الله ـ في ذلك قولين أحدهما أن المتعلق الارض ، والحكمة اجتماع أجزائها فتمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء ، والثاني أن متعلقه بدن المغتسل ، والغرض منه بله ليتعجل الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه ، وعوده إلى الماء ، وعزى هذا القول إلى الصهرشتى ، واختاره الشهيد في الذكرى إلا أنه جعل الحكمة فيه الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء ، ورجح في البيان القول الاول.

والعبارة المحكية عن رسالة ابن بابويه ظاهرة فيه أيضا حيث قال فيها «أخذت له كفا» الخ والضمير في قوله «له» عائد إلى المكان الذي يغتسل فيه ، لانه المذكور قبله في العبارة ، وليس المراد به محل الماء كما وقع في عبارة ابنه ، حيث صرح بالعود إلى الماء الذي يغتسل منه ، وكان تركه للتصريح بذلك اتكال على دلالة لفظ الرجوع إليه ، فالجار في قوله «إلى المكان» متعلق بينصب ، وصلة ترجع غير مذكورة لدلالة المقام عليها.

ويحكى عن ابن إدريس إنكار القول الاول مبالغا فيه ، ومحتجا بأن اشتداد الارض برش الجهات المذكورة موجب لسرعة نزول ماء الغسل ، وله وجه غير أنه ليس يمتنع في بعض الارضين أن يكون قبولها لابتلاع الماء مع الابتلال

____________________

(١) هما العلامة الحلى والمحقق الحلى.

(٢) راجع المعتبر : ٢٢ ، ومثله في السرائر ص ٤٦٥ كما مر.

١٤٢

أكثر ، ثم إنه يرد على القول الثاني أن خشية العود إلى الماء مع تعجل الاغتسال ، ربما كانت أكثر ، لان الاعجال موجب لتلاحق الاجزاء المنفصلة عن البدن من الماء ، وذلك أقرب إلى الجريان والعود ، ومع الابطاء يكون تساقطها على سبيل التدريج ، فربما بعدت بذلك من الجريان كما لا يخفى.

وأما ما ذكره الشهيد من أن الفائدة هي الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء ، ففيه إشعار بأنه جعل الغرض من ذلك التحرز من تقاطر ماء الغسل عن بعض الاعضاء المغسولة في الماء الذي يغتسل منه عند المعاودة ، وقد عرفت تصريح بعض المانعين من المستعمل بعدم تأثير مثله ، ودلالة الاخبار أيضا عليه ، فالظاهر أن محل البحث هنا هو رجوع المنفصل عن بدن المغتسل بأجمعه إلى الماء ، أو عن أكثره ، وعلى كل حال فالخطب في هذا عند من لا يرى المنع من المستعمل سهل ، لان الاخبار الواردة بذلك محمولة على الاستحباب عنده ، كما ذكره العلامة في المنتهى ، مقربا له بما رواه الشيخ في الحسن عن عبدالله بن يحيى الكاهلي وذكر مامر.

ووجه التقريب على مايؤذن به سوق كلامه ، أن الاتفاق واقع على عدم المنع من المستعمل في الوضوء ، فالامر بالنضح له في هذا الحديث محمول على الاستحباب عند الكل ، فلا بعد في كون الاوامر الواردة في تلك الاخبار كذلك ويمكن المناقشة فيه من حيث شيوع إطلاق الوضوء في الاخبار على الاستنجاء (١) فلا يبعد إرادته هنا من الرواية ، ومعه يفوت التقريب ، ولكن الحاجة ليست داعية إليه ، فان حمل أخبار الباب على الاستحباب ، بعد القول بعدم المنع من المستعمل ، متعين.

ويؤيده أن أصح مافي الاخبار رواية علي بن جعفر ، وآخرها صريح في

____________________

(١) لا يخفى أنه لا ينفع الحمل على الاستنجاء في ذلك ، اذ غسالته أيضا طاهرة.

الا أن يحمل الاستنجاء على ازالة المنى ، وفيه مافيه ، منه عفى عنه ، كذا وجدناه بخطه قدس‌سره في هامش المخطوطة.

١٤٣

عدم تأثير عود ما ينفصل من ماء الغسل ، وأنه مع قلة الماء بحيث لا يكفي للغسل يجزي ما يرجع منه إليه.

إذاعرفت هذا فاعلم أن كلام الشيخ هنا على ما حكيناه عن النهاية لا يخلو عن إشكال ، فان ظاهره كون المحذور في الفرض المذكور هو فساد الماء بنزول الجنب إليه ، واغتساله فيه ، ولاريب أن هذا يزول بالاخذ من الماء والاغتسال خارجه ، وفرض إمكان الرش يقتضي إمكان الاخذ ، فلا يظهر لحكمه بالرش حينئذ وجه.

وقد أوله المحقق في المعتبر فقال : اعلم أن عبارة الشيخ لا تنطبق على الرش إلا أن يجعل في «نزل» ضمير ما الغسل ، ويكون التقدير وخشي إن نزل ماء الغسل فساد الماء ، وإلا بتقدير أن يكون في؟؟؟ ضمير المريد ، لا ينتظم المعنى ، لانه إن أمكنه الرش لا مع النزول؟؟؟؟ من غير نزول ، وهذا الكلام حسن ، وإن اقتضى كون المرجع غير مذكور صريحا ، ؟؟ فان محذوره هين بالنظر إلى مايلزم على التقدير الاخر ، خصوصا بعد ملاحظة كون الغرض بيان الحكم الذي وردت به النصوص ، فانه لا ربط للعبارة به على ذلك التقدير.

هذا ، وفي بعض نسخ النهاية «وخاف أن ينزل إليها فساد الماء» على صيغة المضارع ، فالاشكال حينئذ مرتفع ، لانه مبني على كون العبارة عن النزول بصيغة الماضي ، وجعل إن مكسورة الهمزة شرطية ، وفساد الماء مفعول خشي ، و فاعل نزل الضمير العائد إلى المريد ، وعلى النسخة التي ذكرناها يجعل أن مفتوحة الهمزة مصدرية ، وفساد الماء فاعل ينزل ، والمصدر المأول من أن ينزل مفعول خشي ، وفاعله ضمير المريد.

وحاصل المعنى أنه مع خشيته نزول فساد الماء المنفصل عن بدن المغتسل إلى المياه التي يريد الاغتسال منها ، وذلك بعود الماء الذي اغتسل به إليها فان المنع المتعلق به يتعدى إليها بعوده فيها ، وهو معنى نزول الفساد إليها : فيجب الرش حينئذ حذرا من ذلك الفساد ، وهذا عين كلام باقي الجماعة ، ومدلول

١٤٤

الاخيار ، فلعل الوهم في النسخة التي وقع فيها لفظ الماضي ، فان حصول الاشتباه في مثله وقت الكتابة ليس بمستبعد (١).

____________________

(١) أقول : ولكن حق الكلام في غسالة الوضوء والغسل ـ بالضم ـ اعنى ما ينفصل عن الاعضاء حين غسلها ـ بالفتح ـ أنه لا يجوز استعمالها ثانيا ، لا في الوضوء ولا في الغسل الا غسالة الوضوء في رفع الحدث الاكبر عند الاضطرار ، والدليل على هذا حكم العقل المتفرع على حكم الشرع جزما.

توضيحه أن الله عزوجل قال في الوضوء «اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق» الاية ، ولا يصدق الغسل لغة وعرفا ـ كما يؤيده الاخبار ـ الا بارسال الماء على العضو المغسول والدلك باليد ليزول ما على العضو المغسول من القذر والوسخ أو أى شئ الشارع وجوده مانعا فأوجب ازالته بالماء فلاجل اعتبار الدلك عرفا ولغة لا يجوز الوضوء ارتماسا ، ولا جل ايجاب الازاله بانفصال الغسالة لا يجوز استعمالها مرة ثانية ، فانه عبارة اخرى عن التلطخ وتلوث الوجه واليدين بما وجب ازالته قبلا ، واعادة اللوث القذر الذى كان مانعا من دخول الصلاة معه ثانيا ، وهل هذا الانقض الوضوء؟.

وهكذا الكلام في غسالة الحدث الاكبر ـ الجنابة والحيض ـ بل الخطب فيهما أكثر وأكثر حيث يقول الله عزوجل في الجنابة : «وإن كنتم جنبا فاطهروا» فعبر عن الغسل بالتطيهر المؤذن بنوع نجاسة في بدن الجنب ، وقال عزوجل في الحائض «حتى يطهرن فاذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله» فجعل الغسل بعد الطهارة عن الدم تطهيرا لبدن الحائض ، والتطهير انما يؤذن عن وجود قذارة ولولم نشاهدها.

فكيف يعقل ويتصور أن يكون العبد ممتثلا لقوله تعالى «فاطهروا» وهويعيد القذارة التى كانت على بدنه في المرة الاولى أو بدن رجل آخر سابقا ، بل هو لعب بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث زاد اللوث على اللوث وجعل فعله ذلك دينا وامتثالا لا مره تعالى بالتطهير والتطهر.

نعم ـ اذا لم يجد ماء غير غسالة الوضوء ، وكان جنبا أو حائضا جاز استعمالها

١٤٥

أقول : إنما أطنبت الكلام في شرح هذا الخبر ، لتكرره في الاصول ، ودورانه على الالسن ، واشتباهه على المتقدمين والمتأخرين ، ولا تكاد تجد في كتاب أجمع مما أوردنا إلا من أخذ منا والله الموفق.

____________________

في رفعهما ، فانه رفع للقذارة في الجملة بقدر الامكان.

ومن ذلك ـ أعنى حكم الفطرة ـ ايجاب الائمة الاطهار في فتاواهم القدسية أن يغسل المتطهر يديه قبل الوضوء والغسل ، فان اليدين محكومتان بوجوب الغسل ـ بالفتح ـ في ضمن الوضوء والغسل ، واليدان وسيلتان لامتثال الامر ، فان اغتراف الماء وارساله إلى العضو المغسول ودلكه حتى يزيل القذر المانع ويحصل استباحة الدخول في الصلاة لايكون الا باليدين ـ خصوصا في الوضوء.

فاذا لم يغسل المكلف يديه قبلا كان غسل وجهه باليدين أو باليد اليمنى مثلا لوثا للوجه بقذارة اليدين ، ولوثا لليد اليمنى بقذارة اليسرى وبالعكس ، ومن اغترف لغسل الجنابة باليدين ويداه غير مغسولتان بعد ، فقد صب على رأسه وبدنه ماء قد تلوث بما أوجب الشارع ازالته بالماء ، لكن اذا لم يقدر على كأس يغترف به ويغسل يديه أولا ، فلا بأس ، فان الدين ليس بمضيق كما هو مفاد الاخبار ، فان غسله هذا وان كان غير كامل ، لكنه رفع للقذارة في الجملة.

ولايذهب عليك أن هذافى الغسل والوضوء بالماء القليل ، وأما اذا كان الماء كثيرا جاريا سائلا من فوق وأراد الوضوء والغسل فله وجه آخر ، سنتكلم عليه انشاء الله تعالى في موضعه.

١٤٦

١٢

* (باب) *

* (تطهير الارض والشمس وما تطهرانه) *

* (والاستحالة والقدر المطهر منها) *

١ ـ مجالس الصدوق : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا الخبر (١).

الخصال : عن ابن الوليد ، عن الصفار وسعد بن عبدالله معا ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى وأحمدبن محمد بن خالد البرقى معاعن محمد البرقي ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله (٢).

٢ ـ معانى (٣) الاخبار والخصال : عن محمد بن علي بن الشاة ، عن محمد بن جعفر البغدادى ، عن أبيه ، عن أحمد بن السخت ، عن محمد بن الاسود ، عن أيوب ابن سليمان ، عن أبي البختري ، عن محمد بن حميد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ١٣٠.

(٢) الخصال ج ١ ص ١٤٠ والمراد بالطهور : ما يتطهر به من الاحداث بالتيمم ومن الاخباث لبعض الاشياء كباطن القدم والخف ومخرج النجو في الاستنجاء بالاحجار والمدر ـ منه قدس‌سره في كتاب النبوة الباب ١١ باب فضائله وخصائصه وما امتن الله به على عباده ـ.

(٣) معانى الاخبار ص ٥١ في حديث.

١٤٧

ابن عبدالله ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله تعالى : جعلت لك ولامتك الارض كلها مسجدا وترابها طهورا. الخبر (١).

أقول : قد مضى هذا المضمون بأسانيد أخري في كتاب النبوة (٢).

٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر ، أتصلح الصلاة عليها إذا يبست؟ قال : لا بأس (٣).

٤ ـ ومنه عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن الصادق ، عن أبيه عليه‌السلام عن علي عليهم‌السلام أنه كان لا يرى بأسا أن يطرح في المزارع العذرة (٤).

٥ ـ المحاسن : عن أبي سعيدالادمي قال : حدثني من رأى أبا الحسن عليه‌السلام يأكل الكرات من المشارة ، يعني الدبرة ، يغسله بالماء ويأكله (٤).

بيان : في الصحاح المشارة الدبرة التي في المزرعة وهي بالفارسية كردو (٦).

٨ ـ المحاسن : عن داود بن أبي داود ، عن رجل رأي أبا الحسن عليه‌السلام بخراسان يأكل الكراث في البستان كما هو ، فقيل : إن فيه السماد ، فقال : لا يعلق به منه شئ (٧).

بيان : قال في النهاية : في حديث عمر : أن رجلا كان يسمد أرضه بعذرة الناس ، فقال : أما يرضى أحدكم حتى يطعم الناس ما يخرج منه؟ السماد ما يطرح

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٤٨ ، وتراه في العلل ج ١ ص ١٢٢.

(٢) راجع كتاب النبوة باب معانى أسماء النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب اثبات المعراج ومعناه وكيفيته وصفته وما جرى فيه ج ١٨ ص ٢٨٢ ـ ٤٠٩ من طبعتنا هذه.

(٣) قرب الاسناد ص ١٢٧ ط نجف

(٤) قرب الاسناد ص ٩٠ ط نجف.

(٥) المحاسن ص ٥١١. (٦) كذا في المخطوطة وفى برهان قاطع كردر كصرصر.

(٧) المحاسن ص ٥١٢ ، وبعده : وهو جيد للبواسير.

١٤٨

في اصول الزرع والخضر من العذرة والزبل ، ليجود نباته ، انتهى.

قوله عليه‌السلام «لا يعلق به منه شئ» إما مبني على الاستحالة ، أو على أنه لا يعلم ملاقات شئ منه للنابت ، فالغسل في الخبر السابق محمول على النظافة و الاستحباب.

٧ ـ المحاسن : عن إبراهيم بن عقبة الخزاعي ، عن يحيى بن سليمان قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام بخراسان في روضة وهو يأكل الكراث إلى قوله : قلت : فانه يسمد ، فقال : لا يعلق به شئ (١).

٨ ـ ومنه : عن أيوب بن نوح ، عن أحمد بن الفضل ، عن وضاح التمار قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من أكثر أكل الهندباء أيسر ، قال : قلت له : إنه يسمد ، قال : لا تعدل به شيئا (٢).

٩ ـ مجالس الشيخ : عن هلال بن محمد الحفار ، عن إسماعيل بن علي الدعبلي ، عن أبيه ، عن الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ما من صباح إلا وتقطر على الهندباء قطرة من الجنة ، فكلوه ولا تنقضوه (٣).

أقول : سيأتي مثلها بأسانيد في أبوابها إنشاء الله (٤).

١٠ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ماوقعت الشمس عليه من الاماكن التي أصابها شئ من النجاسة من البول وغيرها طهرتها ، وأما الثياب فلا يتطهر إلا بالغسل (٥).

١١ ـ السرائر : من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن

____________________

(١) المحاسن ص ٥١٣.

(٢) المحاسن ص ٥١٠.

(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٧٣

(٤) سيأتى في ج ٦٤ وهو من أجزاء المجلد الرابع عشر.

(٥) فقه الرضا : ٤١.

١٤٩

المفضل ، عن محمد الحلبي قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الارض يطهر بعضها بعضا.

قلت : فأطا على الروث الرطب قال : لا بأس أما والله ربما وطئت عليه ثم اصلي ولا أغسله (١).

١٢ ـ ارشاد القلوب : عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام عن أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام قال : قال الله تعالى لنبيه ليلة المعراج : كانت الامم السالفة إذا أصابهم أذى نجس قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء طهورا لامتك من جميع الانجاس والصعيد في الاوقات. الخبر (٢)

١٣ ـ كتاب المسائل : باسناده ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الجص يطبخ بالعذرة ، أيصلح يجصص به المسجد؟ قال عليه‌السلام : لا بأس (٣).

١٤ ـ ومنه ومن قرب الاسناد : عنه عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا أيوكل؟ قال : نعم ، إذا ذهب سكره فلا بأس (٤).

١٥ ـ كتاب عاصم بن حميد : عن أبي عبيدة الحذاء قال : دخلت الحمام فلما خرجت دعوت بماء وأردت أن أغسل قدمي ، قال : فزبرني أبوجعفر عليه‌السلام ونهاني عن ذلك ، وقال : إن الارض ليطهر بعضها بعضا.

____________________

(١) السرائر ص ٤٦٥.

(٢) ارشاد القلوب ج ٢ ص ٢٢٢ ، وقد مر في ص ١٠ مما تقدم.

(٣) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٦١.

(٤) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧٠ ، قرب الاسناد ص ١٥٥ ط نجف.

١٥٠

١٦ ـ دعائم الاسلام : قالوا عليهم‌السلام في المتطهر إذا مشى على أرض نجسة ثم على طاهرة طهرت قدميه.

١٧ ـ وقالوا عليهم‌السلام : في الارض تصيبها النجاسة لا يصلى عليها إلا أن تجففها الشمس وتذهب بريحها ، فانها إذا صارت كذلك ولم يوجد فيها عين النجاسة ولا ريحها طهرت (١).

١٨ ـ توحيد المفضل : برواية ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فاعتبر بما ترى من ضروب المآرب في صغير الخلق وكبيره ، وبماله قيمة وبما لا قيمة له ، وأخس من هذا وأحقره الزبل والعذرة التي اجتمعت فيه الخساسة والنجاسة معا ، وموقعها من الزروع والبقول والخضر أجمع الموقع الذي لا يعد له شئ حتى أن كل شئ من الخضر لايصلح ولا يزكو إلا بالزبل والسماد الذي يستقذره الناس ويكرهون الدنو منه الخبر (٢).

بيان : الزبل بالكسر السرقين وفي القاموس السماد السرقين برماد ، وفي النهاية هو ما يطرح في اصول الزرع والخضر من العذرة والزبل ليجود نباته.

ثم اعلم أن تحقيق المطالب التي تضمنتها تلك الاخبار ، يتوقف على بيان امور.

الاول : أن القوم عدوا من المطهرات الشمس ، والمشهور بين المتأخرين أنها تطهر ما تجففه من البول وشبهه من النجاسات التي لا جرم لها ، بأن تكون مايعة أو كان لها جرم لكن ازيل بغير المطهر ، وبقي لها رطوبة ، وإنما تطهره إذا كان في الارض أو البواري أو الحصر أو ما لا ينقل عادة كالابنية والنباتات.

وقيل باختصاص الحكم المذكور بالبول ، وقيل باختصاصه بالارض و البواري والحصر ، ومنهم من اعتبر الخصوصيتين ، ومنهم من قال : لا يطهر المحل ، ولكن يجوز السجود عليه ، والمسألة قوية الاشكال ، وإن كان الاظهر

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ص ص ١١٨.

(٢) توحيد المفضل المطبوع في البحار ج ٣ ص ١٣٦.

١٥١

مع اعتبار الخصوصيتين الطهارة ، والاحوط صب الماء قبل التجفيف كما يدل عليه بعض الاخبار.

والمشهور أن الجفاف الحاصل بغير الشمس لا يوجب الطهارة ، خلافا للشيخ في الخلاف ، حيث قال الارض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت عليها الشمس أوهبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة ، فانها تطهر ، ويجوز السجود عليها والتيمم بترابها ، وإن لم يطرح عليها الماء انتهى ، وقالوا يطهر الباطن بتجفيف الشمس مع اتصاله بالظاهر ، أمامع الانفصال كوجهي الحايط إذا كانت النجاسة فيها غير خارقة فتختص الطهارة بما صدق عليه الاشراق.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن رواية علي بن جعفر ظاهرها أن جواز الصلاة لمحض الجفاف إمالانه يطهر بالجفاف مطلقا ، أولانه لا يشترط الطهارة في محل الصلاة ، مطلقا ، أو بالحمل على ماعدا الجبهة ، ان ثبت الاجماع على اشتراط طهارة موضع الجبهة. أو دليل آخر ، وحملها الاكثر على الجفاف بالشمس.

وأما رواية الفقه فتدل على الطهارة بالشمس لكن في خصوص الاماكن.

الثانى أنهم عدوا من المطهرات الاستحالة ، وهي أنواع : الاول ما أحالته النار وصيرته رمادا من الاعيان النجسة والمشهور فيه الطهارة وتردد فيه المحقق في الشرايع ، والطهارة أقوى ، ويدل عليه رواية الجص إذ المتبادر من العذرة عذرة الانسان.

ورواه الشيخ قال : سأل الحسن بن محبوب (١) أبا الحسن عليهما‌السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ، ثم يجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه.

وقال والدي العلامة قدس الله روحه : الظاهر أن مراد السائل أن الجص ينجس بملاقاة النجاسة له غالبا أوأنه يبقى رماد النجس فيه ، وأنه ينجس المسجد بالتجصيص ، أو أنه يسجد عليه ولا يجوز السجود على النجس.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٠٢.

١٥٢

والجواب يمكن أن يكون باعتبار عدم النجاسة بالملاقات ، وإن كان الظاهر ذلك تغليبا للاصل ، ويكون المراد بالتطهير التنظيف ، أو باعتبار تقدير النجاسة فان الماء والنار مطهران له إما باعتبار توهم السائل كون الرماد النجس معه ، فانه صار بالاستحالة طاهرا ، ويكون الماء علاوة للتنظيف ، فان مثل هذا الماء يطهر النجاسة الموهومة كما ورد عنهم عليهم‌السلام استحباب صب الماء على الارض التي يتوهم نجاستها ، أو باعتبار تقدير نجاسة الجص بالملاقاة فان النار مطهرة له بالاستحالة ، ويكون هذا القدر من الاستحالة كافيا ، ويكون تنظيف الماء علاوة أو يقال : إن هذا المقدار من الماء كاف للتطهير ، وتكون الغسالة طاهرة كما هو ظاهر الخبر أو أن الماء والنارهما معامطهران لهذه النجاسة ، ولا استبعاد فيه ، وهذا المعنى أظهر ، وإن لم يقل به أحد فيما وصل إلينا انتهى.

والشيخ في الخلاف استدل للطهارة بهذا الخبر ، واعترض عليه المحقق بأن الماء الذي يمازج الجص هو ما يجبل به ، وذاك لا يطهره باجماعنا ، و النار لم تصيره رمادا ، وقد اشترط صيرورة النجاسة رمادا ، وصيرورة العظام و العذرة رمادا بعد الحكم بنجاسة الجص غير مؤثرة في طهارته ، ثم قال : ويمكن أن يستدل باجماع الناس على عدم التوقي من دواخن السراجين النجسة ، فلولم يكن طاهرا بالاستحالة لتورعوا منه.

وقد اقتفى العلامة أثره في الكلام على الخبر ، فقال : إن في الاستدلال به إشكالا من وجهين أحدهما أن الماء الممازج هو الذي يجبل به وذاك غير مطهر إجماعا ، والثاني أنه حكم بنجاسة الجص ثم بتطهيره ، قال : وفي نجاسته بدخان الاعيان النجسة إشكال انتهى.

وقد عرفت ممانقلنا من الوالد قدس‌سره جواب الاعتراضات إذا يمكن أن يجاب بأن مراد السائل أن العذرة الموقدة على الجص تختلط به ، وغرضه استعلام حالها بعد الاحراق فانها لو كانت نجسة لزم نجاسة المختلط بها لملاقاتها له برطوبة الماء المتتزج فأجاب عليه‌السلام بأن الماء والنار قدطهراه ، بأن يكون

١٥٣

المراد بالطهارة المسندة إلى الماء معناها اللغوي ، لان الماء يفيد الجص نوع نظافة توجب إزالة النفرة الحاصلة من اشتماله على العذرة والعظام المحرقة ، وهذا غير مناف لارادة المعنى الشرعي في تطهير النار ، إذ لا مانع من الجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا دلت القرينة عليه ، ويحتمل أن يراد فيهما المعنى المجازي وتكون الطهارة الشرعية مستفادة مما علم من الجواب ضمنا.

وقال الشيخ البهائي ـ رحمه‌الله ـ : يمكن أن يراد بالماء في كلامه عليه‌السلام ماء المطر الذي يصيب أرض المسجد المجصصة بذلك الجص ، إذ ليس في الحديث أن ذلك المسجد كان مسقفا وأن المراد يوقد عليه بحيث تختلط به تلك الاعيان كأن يوقد بها من فوقه مثلا لكن يبقى إشكال آخر ، وهو أن النار إذا طهرته أولا فكيف يحكم بتطهير الماء له ثانيا.

ثم أجاب بأن غرض الامام عليه‌السلام أنه وردعلى ذلك الجص أمران مطهران هما الماء والنار ، فلم يبق ريب في طهارته ، ولا يلزم من ورود المطهر الثاني التأثير في التطهير انتهى.

ثم اعلم أن مورد الحديث وكلام كثير من الاصحاب استحالة عين النجاسة وعمم بعضهم الحكم بحيث يتناول المتنجس أيضا ، تعويلا على القياس بالطريق الاولى ، وفيه نظر.

الثاني : الدخان المستحيل من الاعيان النجسة والمشهور الطهارة ، ويعزى إلى بعضهم نقل الاجماع عليه ، وتردد في طهارته المحقق في الشرايع ، وينسب إلى الشيخ في المبسوط القول بنجاسة دخان الدهن النجس معللا بأنه لابد من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة النار لها بواسطة السخونة ، وفي التعليل تأمل.

وقال العلامة في النهاية بعد الحكم بطهارة الدخان مطلقا للاستحالة كالرماد : إنه لو استصحب شيئا من أجزاء النجاسة باعتبار الحرارة المقتضية للصعود ، فهو نجس ولهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الضلال ، وفيه أيضا نظر كما عرفت.

١٥٤

الثالث ألحق بعضهم بالرماد الفحم محتجا بزوال الصورة والاسم ، وتوقف فيه بعضهم وهو في محله.

الرابع اختلف الاصحاب في طهارة الطين النجس إذا أحالته النار خزفا أو آجرا فذهب الشيخ في الخلاف ، والعلامة في النهاية وموضع من المنتهى ، والشهيد في البيان إلى طهارته ، وتوقف المحقق في المعتبر ، والعلامة في موضع آخر من المنتهى ، وجزم جماعة من المتأخرين بعدم طهارته ، وربما يستدل على الطهارة بالرواية المتقدمة ، فان التغيير الحاصل في الجص ليس بأكثر منه في الاجر ، وقد عرفت مافيه ، ومع التسليم ففيه مافيه.

الخامس إذا استحالت الاعيان النجسة ترابا أودودا فالمشهور بين الاصحاب الطهارة ، وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط ، ويعزى إليه في المبسوط قول آخر بالنجاسة في الاستحالة بالتراب ، وتردد المحقق في ذلك ، وتوقف العلامة في التذكرة والتحرير والقواعد في الاستحالة ترابا ، وجزم بالطهارة في الاستحالة دودا ، والاول أقرب للعمومات الدالة على طهورية التراب وغيرها.

وقال في المعتبر : لوكانت النجاسة رطبة ومازجت التراب ، فقد نجس ، فلو استحالت النجاسة بعد ذلك وامتزجت بقيت الاجزاء الترابية على النجاسة ، و المستحيلة أيضا لاشتباهها بها وحسنه جماعة من المتأخرين ، وربما كان في قولهم عليهم‌السلام «الارض يطهر بعضها بعضا» دلالة على الطهارة.

السادس إذا عجن العجين بالماء النجس ثم خبز لم يطهر على الاشهر ، وقال الشيخ في الاستبصار وفي موضع من النهاية بالطهارة ، والروايات في ذلك مختلفة ففي بعضها يباع ممن يستحل أكل الميتة (١) وفي بعضها يدفن ولا يباع (٢).

____________________

(١) كما عن حفص بن البخترى ، عن أبى عبدالله (ع) راجع التهذيب ج ١ ص ١١٧ ، الاستبصار ج ١ ص ١٦.

(٢) وهو مرسلة ابن أبى عمير ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام كما في المصدرين المذكورين.

١٥٥

وفي بعضها أكلت النار مافيه (١) وفي بعضها إذا أصابته النار فلا بأس بأكله (٢) ويمكن الجمع بحمل الاولين على ما إذا علم قبل الطبخ ، وأولهما على الجواز وثانيهما على الاستحباب والاخيرين على ما إذا علم بعد الخبز أو الاخيرين على ما إذا لم يعلم النجاسة بل يظن ، أو على ماء البئر بناءعلى عدم انفعاله بالنجاسة ، كما يدل عليه الاخير منهما ، والاحوط الاجتناب ، والشبهة الواردة في البيع ممن يستحل الميتة ببطلان بيع النجس ، أو المعاونة على الاثم ، فليس هنا مقام تحقيقها وحلها.

السابع اختلف الاصحاب في طهارة الخنزير إذا وقع في المملحة واستحال ملحا والعذرة إذاوقع في البئر فصار حمأة ، وذهب المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه إلى عدم حصول الطهارة بذلك ، وتوقف في التذكرة والقواعد والاكثر على الطهارة كما هو الاقوى.

الثامن من باب الاستحالة المطهرة استحالة النطفة حيوانا طاهرا ، والماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم ، والغذاء النجس روثا أو لبنا لمأكول اللحم والدم النجس قيحا أو جزء من حيوان لا نفس له ، والعذرة نباتا أو فاكهة والظاهر أنه لا خلاف في شئ من ذلك ، ويدل عليه خبر أبي البختري (٣).

ومنه استحالة الخمر خلا ولو بعلاج ، وقد نقل العلامة اتفاق علماء الاسلام عليه إذا كانت استحالته من قبل نفسه ، والاخبار في هذا الباب كثيرة ومنها ما مر من رواية على بن جعفر (٤) وفي بعض الاخبار المنع مما لم يكن من

____________________

(١) أيضا مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه‌السلام كما في التهذيبين.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١١٧ ، الاستبصار ج ١ ص ١٦ عن أحمد بن محمد بن عبدالله بن زبير عن جده.

(٣) مر تحت الرقم ٥ في هذا الباب.

(٤) مرتحت الرقم ١٣.

١٥٦

قبل نفسه وحملها (١) الشيخ على الاستحباب ، ويطهر العصير على تقدير نجاسته باستحالته خلا عندهم كالخمر أو بذهاب ثلثيه ، ولم تثبت نجاسته ، والمعروف بينهم أنه يطهر بطهارة العصير أيدي مزاوليه وثيابهم ، وآلات الطبخ ، والخطب عندنا فيه أيسر ، لقولنا بالطهارة.

التاسع قال في المنتهى : البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمع منه نداوة على جسم صقيل تقاطر فهو نجس ، إلا أن يعلم تكونه من الهواء كالقطرات الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس ، فانها طاهرة انتهى ، ويمكن أن يقال : الحكم بالطهارة غير متوقف على العلم بالتكون من الهواء ، بل يكفي فيه احتمال ذلك.

الثالث : (٢) عد من المطهرات الارض فان المشهور أنها تطهر باطن النعل والقدم والخف ، سواء كان إزالة النجاسة بالمشي أو بالدلك ، وسواء كان على التراب أو الحجر أوالرمل ، وتوقف بعض الاصحاب في القدم ، ولا وجه لا لاشتمال الاخبار عليه أيضا ، ولايشترط جفاف النجاسة قبل الدلك ، ولا أن يكون لهاجرم ، فلو كان أسفل القدم أو النعل متنجسا بنجاسة غير مرئية كالبول اليابس طهر بمجرد المشي على الارض ، خلافا لبعض العامة ، واعتبار طهارة الارض أحوط.

وربما يستفاد من كلام ابن الجنيد الاكتفاء بمسحها بكل طاهر ، وإن لم يكن أرضا وهو بعيد ، وظاهر كلامه اشتراط كون الارض التي يمشي عليها خمس عشرة ذراعا لرواية حملت على الغالب من زوال النجاسة بالمشي في تلك المسافة ، وفي اشتراط جفافها قولان أحوطهما ذلك ، وفي رواية الحلبي (٣) دلالة

____________________

(١) راجع التهذيب ج ٩ ص ١١٨ ط نجف ، ولفظه عن أبى بصير عن أبى عبدالله (ع) قال : سئل عن الخمر يجعل فيها الخل ، فقال : لا ، الاما جاء من قبل نفسه.

(٢) في مطبوعة الكمبانى : العاشر ، وهو سهو.

(٣) راجع الكافى ج ٣ ص ٣٨ ، وقد مر.

١٥٧

عليه ، وإن احتمل أن يكون المراد باليبوسة عدم الرطوبة التي مر ذكرها أي رطوبة البول ، واستشكل تطهير الوحل والقول بالتطهير غير بعيد.

وقوله عليه‌السلام في هذا الخبر : «يطهر بعضها بعضا» يمكن أن يكون معناه أن الارض يطهر بعضها ، وهو المماس لاسفل النعل والقدم أو الطاهر منها ، بعض الاشياء ، وهو النعل والقدم ، ويحتمل أن يكون المراد أن أسفل القدم والنعل إذا تنجس بملاقات بعض الارض النجسة ، يطهره البعض الاخر الطاهر إذا مشى عليه ، فالمطهر في الحقيقة ما ينجس بالبعض الاخر ، وعلقه بنفس البعض مجازا ذكر هما سيد المحققين في المدارك (١).

____________________

(١) أقول : روى ابن ادريس في السرائر ٤٦٥ من نوادر أحمد بن محمد بن أبى نصر البزنطى عن المفضل بن عمر عن محمد الحلبى عن أبى عبدالله (ع) قال : قلت له : ان طريقى إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس على حذاء فيلصق برجلى من نداوته فقال : أليس تمشى بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى قال : فلا بأس ان الارض يطهر بعضهابعضا الحديث.

ومثله أحاديث أخر رواها في الكافى ج ٣ ص ٣٨ و ٣٩ ، وظاهر لفظ الحديث «يطهربعضها بعضا» أن الارض يطهربعضها بعضها الاخراذا كان نجسا وليس هذاببدع بعد ماكانت الارض ـ وهو ما نسيمه بالفارسية خاك ـ طهورا للقذارات ، كمافى اكتفاء الجنب بالتراب ومسحه بالوجه واليدين عن الغسل. ولولم يكن رافعا للقذارة مستبيحا للدخول في الصلاة ، لما حكم الشارع بكفاية التيمم ، مع أنه باشتراطه الطهارة حكم بأن فاقد الطهورين لا يصح دخوله في الصلاة ولا يصلى.

ومعنى أن الارض يطهر بعضهابعضا ، أن الاجزاء الترابية تجفف وتستهلك النجاسات في نفسها لكونها طهورا ، واذا نجس بعضها ثم اختلط أو مسح ببعضها الطاهر ، صارت كلها طاهرة كما أن الماء يطهر بعضها بعضا : فاذا استهلك عين النجس في الارض ولم يرلها أثر حكم بطهارة الكل ، كالماء سواء ، فاذا كانت الارض طهورا لنفسها من القذارات المتلطخة بها كانت طهورا للقذارات المتلطخة بباطن القدم والخف والعصا أيضا من دون فرق

١٥٨

وقال في المعالم نحوامن الوجه الاخير ، حيث قال : المرادأن النجاسة الحاصلة في أسفل القدم وما هو بمعناه بملاقاة الارض المتنجسة على الوجه المؤثر يطهر بالمسح في محل آخر من الارض ، فسمي زوال الاثر الحاصل من الارض تطهيرا لها ، كما تقول : مطهر للبول ، بمعنى أن مزيل للاثر الحاصل منه وعلى هذا يكون الحكم المستفاد من الحديث المذكور ومافي معناه مختصا بالنجاسة المكتسبة من الارض المتنجسة انتهى.

أقول : يمكن أن يكون هذا إشارة إلى أنه بمحض المسح على الارض لا يذهب الاثر الحاصل من الارض السابقة مطلقا بل يبقى فيه بعض الاجزاء من الارض المتنجسة فتلك الاجزاء تطهرها الارض الطاهرة ، فلاينافي عموم الحكم لورود تلك العبارة في مقامات اخرى.

وقال في الحبل المتين : لعل المراد بالارض مايشمل نفس الارض وما عليها من القدم والنعل والخف انتهى ، وقيل : الوجه في هذا التطهير انتقال النجاسة بالوطي عليها من موضع إلى آخر مرة بعد اخرى ، حتى يستحيل ولا يبقى منها شئ.

تذنيب

ذكر الشيخ ـ ره ـ في الخلاف أن في أصحابنا من قال بأن الجسم الصقيل كالسيف والمرآة والقوارير إذا أصابته نجاسة كفى في طهارته مسح النجاسة منه وعزي إلى المرتضى اختياره ثم قال : ولست أعرف به أثرا ، وذكر أن عدم طهارته بدون غسله بالماء هو الظاهر وعليه الاكثر وهو أظهر.

____________________

لكنه يعتبر فيها ذهاب أثر العين وهو ظاهر.

وأما أن الارض يرادف معنى خاك بالفارسية فسنتلكم عليه انشاء الله في أبحاث التيمم.

١٥٩

١٣

* (باب) *

* (أحكام الاوانى وتطهيرها) *

١ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الشراب في الاناء يشرب فيه الخمر قدح عيدان أو باطية قال إذا غسله فلا بأس (١).

٢ ـ قال : وسألته عن دن الخمر يجعل فيه الخل أو الزيتون أو شبهه قال : إذا غسل فلا بأس (٢).

بيان : قال الفيروز آبادي : الباطية (٣) الناجود ، وقال : الناجود الخمر و إناؤها ، ويظهر من الخبر أنه نوع خاص من الاناء ، وقال أيضا : الدن الراقود العظيم أوأطول من الحب أو أصغر منه له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له.

٣ ـ الخصال : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن النبيذ قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كل مسكر ، وكل مسكر حرام ، قلت : فالظروف التى تصنع فيها

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٦ ط حجر وص ١٥٥ ط نجف ، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧٠.

(٢) قرب الاسناد ص ١٥٥ ط نجف وص ١١٦ ط حجر.

(٣) نقل عن أبى عمر وأنها اناء من الزجاج يملا من الشراب يوضع بين الشرب يغترفون منه.

١٦٠